السبت، 30 يناير 2016

منهج الطبيب و الفيلسوف ابن سينا في التأليف

منهج الطبيب و الفيلسوف ابن سينا في التأليف

منهج في التأليف:طريقة ابن سينا
لقد اتبع بعض علمائنا الكبار، مناهج خاصة في التأليف،جديرة بالاهتمام،لبساطتها و فعاليتها أيضا،نسوق فيما يلي نموذجا لها ، اعتمده الطبيب و الفيلسوف "ابن سينا"(ت427 ه)، و اقتبسه عنه، شيخ الأزهر السابق(1973-1978)، الدكتور عبد الحليم محمود(1910-1978)، الذي يحدثنا عنه في مقدمة كتابه" الحمد لله هذه حياتي"(1976).
***
يقول الدكتور عبد الحليم محمود:
و أذكر أن الرئيس " ابن سينا" حينما كان يعزم على تأليف كتاب: كان يعتكف - يومين أو ثلاثة فقط- اعتكافا كاملا، أو شبه كامل، و يأخذ في وضع عناوين للأجزاء؛ جاعلا لكل جزء دفتراً، ثم يأخذ في وضع عناوين للأبواب- في ثنايا الأجزاء- و يترك في الدفاتر فراغاً بين الباب و الباب، ثم يأخذ في وضع عناوين الفصول في الأبواب، تاركا فراغا بين كل فصل و فصل، بما يُقدِّر أنه يكفي للفصل، ثم يأخذ في وضع إشارات سانحة لما عساه أن يكون فقرات.ثم يخرج من معتكفه معتبراً أن ما بقي من الكتاب إنما هو تشطيبه فحسب و أنه في الوضع " السينوي"[ نسبة إلى ابن سينا] قد انتهى من تأليفه. و بعد ذلك يحمل معه الكتاب أينما سار.فيكتب - بحسب الظروف - كلمة هنا، و كلمة هناك:في هذا الفصل ، أو ذاك، من أواخر الكتاب، أو من منتصفه، أو من أوله بحسب الفكرة المواتية!
(...) و قد علمتني التجارب الماضية في التأليف أن طريقة " ابن سينا"- مع بعض التعديل بالنسبة لي - من خير الطرق:فالإنسان تختلف استعداداته، و تختلف إمكاناته، من آن لآخر، و من الخير أن يعمل - في مختلف الظروف، العمل الميسور له.
و لقد كان " ابن سينا" يكتب، لا يستند إلى هذا المرجع أو ذاك: ينقل منه، أو يعزو إليه.أما أنا؛ فقد كنت أحتاج دائما إلى مراجع.و هذه المراجع، أراجعها، و أضع - بين قوسين - المهم منها، ثم ألتمس نقله، في قصاصات من الورق.
و يتجمع عندي مئات من هذه القصاصات: فأرتبها فصولا، ثم أرتب الفصول ترتيبا متواليا.ثم أرتب قصاصات كل فصل.ثم أكتب لا ألتزم ترتيب الفصول الذي وضعته.و ربما بدا لي بعد الفراغ من الكتاب أن أحدث تغييرا في ترتيب الفصول.
و قد يتساءل القارئ عن استخدامي للقصاصات في كل فصل؟
و ما كان استخدامي لها إلا لإنارة الطريق في تفكيري: فقد تكون القصاصات موضع نقد!
و قد تكون موضع إهمال.و قد تكون موضع استئناس لما أرى.و قد أوردها لأستنتج منها جواً كان يعيشه المؤلف الذي أكتب عنه، أو لأستنتج منها فكرته.
و لا بد- في كل الأحوال- من أن يعزو المؤلف النص إلى قائله.
***

الحمد لله هذه حياتي- دار المعارف بمصر- القاهرة 1976- ص ص8-10.
منهج الطبيب و الفيلسوف ابن سينا في التأليف
ابن سينا




منهج الطبيب و الفيلسوف ابن سينا في التأليف