تعتبر طريقة المحاضرة (Lecture Method)، من أقدم و أفضل وسائل التدريس
المستخدمة على مستوى التعليم الجامعي، في كل أنحاء العالم.لأنها مناسبة جدا، لتزويد الجماهير العريضة و الكبيرة من الطلاب
،بالمعلومات و المعارف العامة ، التي لا تحتاج إلى تفاصيل و شروح دقيقة و عملية
(المبحث الأول).
و هي أيضا، من أفضل السبل لترسيخ
المعلومات في عقول الطلاب، إذ تتيح لهم أكثر من فرصة لاستيعاب مضامين المقررات
الدراسية: عند الاستعداد للمحاضرة، و أثناء إلقائها، و بعد الانتهاء منها. إلا أن كل
هذه المزايا، لن تتم أو تتحقق واقعيا ؛ إلا إذا تعامل الطالب مع المحاضرة وفق خطة
محكمة، أو فلنقل وفق منهجية علمية(المبحث الآخر).
المبحث
الأول: المحاضرة..ماهيتها و أهميتها:
إن منهجية التعليم بواسطة المحاضرة،
هي واحدة من أهم وسائل التدريس المستخدمة
في الجامعات،و هي وسيلة فعالة عندما يتعلق الأمر بالطلبة المبتدئين الذين
ليست لهم خبرة بالحوار و النقاش؛بل عندهم فقط رغبة في الاستماع و التلقي و
التعلم،كما هو الحال بالنسبة للطلبة الجدد (المطلب الأول) ، الذين يقتصر دورهم على الإصغاء و تسجيل الملاحظات (المطلب الآخر).
المطلب
الأول: ماهية المحاضرة:
المحاضرة في اللغة هي المحادثة و
المناقشة، يقال:".. مُحاضرة المُحاضرة، هي المجاوبة بين الحاضرين يُجيب كل
منهم بما يحضره من الجواب[...] و يقال: فلان حسن المحاضرة،أي حسن المكالمة و
المجالسة مع الناس [...]"(حسن الكرمي- قاموس الهادي إلى لغة العرب).و من كتب التراث
" نشوار المحاضرة و أخبار المذاكرة"، من تأليف القاضي أبي علي المحسن بن
علي التنوخي.و قدم كتابه للقراء بأنه " كتاب يشتمل على ما تناثر من أفواه
الرجال و ما دار بينهم في المجالس"، و سماه نشوار المحاضرة، لأن النشوار ما
يظهر من كلام حسن.
أما في الاصطلاح ،فيمكن تعريفها ، لو
شئنا التبسيط غير المخل،بأنها:" الدرس
الذي يلقيه الأستاذ في الكلية على طلابه،و يتناول فيه موضوعا أو قضية من القضايا،
بالتحليل و الشرح و التبسيط،ليجعل موضوع المحاضرة قريبا إلى فهم الطلاب، و في
متناول عقولهم.فهي تقابل lecture في الإنكليزية و conférence في الفرنسية ".
و رغم أن المحاضرة كانت في الأصل، كما
يدل على ذلك اسمها في اللغة، مجرد مناقشة و محادثة،يشارك فيها الكثير من الناس؛إلا
أنها اليوم، لم تعد تفسح المجال لأي نقاش أو مشاركة،فهي تكاد تقتصر ، في الغالب
الأعم ،على حديث الأستاذ( و لا يفتح باب النقاش إلا بعد انتهاء المحاضرة).
و رغم الانتقادات التي توجه
للمحاضرة،من حيث كونها- من ناحية- طريقة مباشرة و رسمية في تزويد الطلاب
بالمعلومات،وكأنها تنطلق من فرضية أن المحاضر يعلم الكثير عن موضوع المحاضرة، و
الحضور لا يعرفون إلا القليل أو لا يعرفون شيئا يساهمون به.كما أنها- من ناحية أخرى-، و من منظور علم التواصل بالضبط، لا تعتبر طريقة
فعالة للتواصل و الاتصال، لأنها "طريقة أحادية الاتجاه (a one –way method):
1- فالرسالة تذهب من المحاضر(المُرسل) إلى
الجمهور(المرسل إليه)، أما الاتجاه الآخر المعاكس فغير سالك أو مغلق تماما ؛
2- و بالتالي لا تسمح المحاضرة بتفاعل المستمعين مع المحاضر، و لا
تمكنهم من مناقشة الكثير من التفاصيل التي ترد في المحاضرة:و قد يبعث هذا السأم و الملل في نفوس
الحاضرين ؛
3- لا يمكن الكشف عن مدى استيعاب الحاضرين لموضوع المحاضرة،إلا بعد
أن يفرغ المحاضر من إلقائها.
ومن الانتقادات الأخرى التي توجه إلى
طريقة المحاضرة،أنها أقل نفعا و فائدة لتعليم المهارات،و حل المسائل العملية،و
دراسة الرسوم البيانية أو الجداول أو المعادلات الرياضية، ..إلخ، خاصة عندما تلقى هذه المحاضرات
في المدرجات أو القاعات الكبيرة الغاصة بالطلبة، التي تفتقر إلى التجهيزات (ربما
باستثناء السبورة و الطباشير). ففي مثل هذه الظروف يقصر الأستاذ
المحاضر حديثه -
في الغالب- على الجوانب الأكثر أهمية، على أمل أن يتمم الطلبة النقص في المعلومات و
المعارف التفصيلية أو العملية ،من خلال الدروس التوجيهية و / أو التطبيقية و/ أو
المراجع و الكتب و الأنترنيت.
و
قد تكون هذه كل الانتقادات أو بعضها صحيحة،مما يعني أن المحاضرة ليست طريقة
مثالية و مطلقة للتعليم و نقل الثقافة و المعرفة. إلاّ أنّها مع ذلك، مازالت تعتبر في
كل جامعات العالم، الطريقة الأكثر قبولا و استعمالا ؛لأنها فعالة في تعليم الأعداد
الكبيرة من الطلبة،خاصة إذ كان الأستاذ المحاضر متمكنا من الموضوع الذي يحاضر فيه،
وقادرا على استرعاء انتباه المستمعين و الاستحواذ على اهتمامهم،و ناجحا في التفاعل
معهم إيجابيا طوال فترة المحاضرة.
و من هنا يرى بعض
الباحثين،أن "النقص الكبير" الذي
يلاحظ في الثقافتين العامة و
المتخصصة للطلبة،إنما نتج بالأساس عن ضعف مستوى الأساتذة المحاضرين أو تقصيرهم في
إعداد المحاضرات الجيدة أو تحيينها، من جهة.و عدم مداومة الطلبة على حضور محاضرات
الأساتذة، من جهة أخرى.
المطلب
الآخر: أهميتها:
و من هنا، لن أمل من تكرار النصح
للطلبة ، بضرورة المواظبة على حضور المحاضرات، مهما بدت مملة أو تبعث السأم،فلا
ينبغي لهم تركها حتى ينتهي البرنامج الدراسي ؛لأن الحضور سيساعدهم على اكتشاف
الكثير من الحقائق عن المادة (موضوع المحاضرة) و عن
الأستاذ(المحاضر) معا، و عن ما ينتظره الأستاذ من الطلبة يوم الامتحان. و يكفي أن
يفتحوا عيونهم و عقولهم، ليتأكدوا
بأنفسهم، بأن فوائد المحاضرات قد تكون كثيرة:
1- فستتاح لهم الفرصة لمعرفة ، بل و دراسة، طريقة الأستاذ في تقديم
المادة الدراسية،و مفهومه لها: هل يفصل و يستفيض في الشرح؟ أم يقتصر
على ما قلّ و دل؟ هل يكون سعيدا/غاضبا عندما يتناول بعض الأفكار أو الأسماء؟ هل
يكرر الإشارة أو الحديث إلى بعض الأسماء أو الأحداث أو الأفكار؟ هل يتفاعل مع
الطلبة عندما يفتحون النقاش أو يطرحون الأسئلة حول بعض المواضيع؟ هل يظهر إعجابه/امتعاضه من
الأفكار التي يعبر عنها الطلبة؟..؟
2- و أثناء المحاضرة، قد يتناول المحاضرة
الموضوع المطروح للدرس أو مواضيع أخرى مفيدة، بالكثير من الشرح و التبسيط و
التفصيل، أحيانا، مما قد لا يتاح للطالب في أي مرجع آخر؛
3- كما قد تتاح للطلبة، خلال المحاضرات، فرصا ثمينة جدا، للاستفادة
من ثقافة الأستاذ و"زبدة " أفكاره و خبراته،و هما شيئان قد لا
يمكن للطالب أن يحصل عليهما بطريق أخرى غير حضور المحاضرات؛
4- كما أن الحضور يمكِّن الطلاب من طرح
الأسئلة – بعد انتهاء المحاضرة أو أثناءها إذا سُمح لهم بذلك- أو
الاستماع إلى إجابات الأستاذ عن أسئلة زملائهم؛
5- وهناك سبب آخر، يجب أن يدعوا الطلبة
إلى الإصرار على حضور المحاضرات، هو أنه لا ينبغي التعويل كثيرا على الملاحظات
التي يدونها زملاؤهم عن المحاضرات. فكل طالب ، إنما يسجل من المحاضرة
بقدر فهمه لها و حاجته منها.و ما يدريك أن زميلك الذي تعول عليه
كثيرا؛ يهتم أصلا بالمحاضرة؟ أو فهم ما جاء فيها؟و لو كنت مكانك ، لتذكرت قول
النبي – صلى الله عليه و سلم:" ليسَ الخبَر كالمُعاينةِ"؛
6- ثم ليست
الغاية من حضور المحاضرة، هي الفائدة
العلمية فقط، بل هناك فوائد أخرى يستفيدها الحضور الذين يتابعون المحاضرات، منها
على سبيل المثال: النظر إلى الأستاذ و التعلم من طريقته في الكلام، و الشرح،..و التأسي
بأخلاقه ،إن كان له اخلاق حميدة، بل و التأسي بأخلاق بعض الحاضرين من طلبة العلم
أيضا؛
7- و نصيحتي
للطلبة الذين لا يتمكنون من المداومة على الحضور،لأسباب مهنية أو أسرية أو غيرها،
أن يحرصوا –مهما كلفهم الأمر – على حضور المحاضرة الأولى و الأخيرة
على الأقل من كل برنامج دراسي:ففي هاتين المحاضرتين، أو إحداهما ،
سيتحدث الأستاذ المحاضر-على الأرجح- عن الامتحانات، و منهجيته الخاصة في
التعاطي معها.
و "زبدة القول "، لا تعوّل
كثيرا،عزيزي الطالب، على الكتب و المراجع ،حتى ولو كانت من تأليف المحاضر
نفسه،لأنه كثيرا ما يعدِّل الأستاذ من أفكاره،و يصححها أو يطورها، تماشيا مع تطور
البحث العلمي . هذا ناهيك عن أن الكثير من الطلبة، لاسيما الجدد، يصعب عليهم
فهم ما يقرءون،بدون معونة الأستاذ. و لقد قال أحد المربين في هذا الصدد " ..العالم لا يكون عالما إلا إذا جالس
العلماء و أخذ عنهم، و لقّح فكره بفكرهم، و لا يكفي أخذه عن الكتب من غير أستاذ
يرشده،لاحتمال أن يفهم منها غير المراد لقصور في تعبير المؤلف أو لكلالة ذهن من
القارئ، و لذلك كان علماؤنا يطلقون على من استغنى عن الأساتذة بالكتب اسم " الوراقين"، و نصوا على عدم جواز أخذ الفتوى منهم".
و المقصود هنا، هو أهمية الحرص على
حضور الدروس و المحاضرات بشكل دائم،دون كسل و فتور أو ملل، عسى ألا يأتي يوم على
الطلبة يندمون فيه على تفريطهم في حضورها، و عدم الاستفادة من أساتذتهم بشكل مباشر.و لعل احسن
ما نلخص به فوائد حضور المحاضرات،هو هذه المقولة للشيخ عبد العزيز بن محمد السرحان:" فهذه
الحلقات [المحاضرات]لو لم يكن فيها إلا : ان السكينة تنزل على حاضريها، و
الرحمة تغشاهم، و الملائكة تحفهم، و قبل ذلك يذكرهم الله فيمن عنده؛ لكان ذلك
كافيا في حضورها،فكيف إذا كان صاحب الحلقة سيحظى – إن شاء الله – بفوزين:بالتحصيل
العلمي و بالأجر الأخروي؟ "
المبحث الآخر:منهجيات التعامل مع المحاضرة:
إن الاستفادة من المحاضرة، عملية غاية
في التعقيد، بل هي عمليات كثيرة و ليست
عملا واحدا : فهي تتطلب من الطالب أن يسمع و ينصت، و أن يفهم ما يسمع، و
يحلّله، ثم يتخذ قرار التسجيل من عدمه:فهو يستخدم عقله للتفكير في كل صغيرة
و كبيرة ترد أثناء المحاضرة،و يربط
الأفكار الجديدة مع ما لديه من أفكار سابقة عن الموضوع، و على ضوء ذلك ينتقي ما
يراه جديرا بالتسجيل.
لهذا،فإن الكثير من الطلبة الجدد،
يواجهون صعوبات حقيقية في التعامل مع المحاضرات، فلا يعرفون أهميتها،و لا دورها في
تعليم و تكوين الطالب(ماذا يأخذون منها؟)،و لا كيفية الجمع بين تسجيل الملاحظات و
تتبع شرح الأستاذ؟..؟
وفي الواقع،فإن كل عمل في بدايته يكون
صعبا،ثم بمرور الوقت تزول الصعوبات.و لتيسير العمل على الطلبة الجدد،و
تقوية فرصهم في الاستفادة من المحاضرات ، ننصحهم بإتباع المنهجية التالية:
1-فقبل
المحاضرة، يجب على الطالب أن يقوم ببعض البحوث التمهيدية، لمعرفة موضوع الدرس
اللاحق.كما يجب عليه أن يراجع المحاضرات السابقة، استعدادا للمحاضرة
المقبلة(المطلب الأول).
2-و أثناء
المحاضرة،عليه أن يقوم بسجيل الملاحظات عن المحاضرة و المحاضر،مما يبقيه مشدودا
إلى الدرس،الأمر الذي يساعده على فهم و
استيعاب ما جاء في الدرس أو المحاضرة(المطلب الثاني).
3-و بعد
المحاضرة، قد يضطر إلى إكمال ما في ملاحظاته من نقص و تنقيحها و تصحيحها،أو قد
يقوم بإعداد تلخيص لها ، بالاعتماد على الملاحظات المسجلة، مما يساعد الذاكرة على
تثبيت المعلومات و ترسيخها و حفرها في
الذاكرة( المطلب الثالث).
المطلب الأول:الاستعداد للمحاضرة:
يجب
على الطالب أن يعد نفسه جيدا قبل حضور المحاضرة، من ثلاث نواح: من
الناحية الصحية و النفسية، و من ناحية
العلم بموضوع المحاضرة و المحاضر، و من ناحية المعرفة بالمحاضرة كوسيلة للتواصل.فإذا أعد الطالب نفسه للمحاضرة قبل
حضورها، على هذه المستويات الثلاث، وجد نفسه مهيئة لاستقبال كل أو جل ما يرد
فيها،لأنه يكون على علم مسبق بما سيواجهه.
1-أول شرط يجب
توفره فيمن يريد متابعة أية محاضرة، فضلا عن الرغبة ،هو الاستعداد الجسدي و النفسي: فيجب أن
يكون طالب العلم متمتعا بصحة جيدة، و لا يعاني من مرض أو إرهاق أو أرق أو جوع، أو
مشاكل نفسية أو عاطفية،أو أي شيء آخر مما قد ينغص عليه، أو يلهيه عن تتبع المحاضرة؛
2- يفترض أن
يكون عند الطالب(ة) علم
سابق ،قليل أو كثير،بموضوع
المحاضرة،و بطريقة الأستاذ في إلقائها ؛ حتى يعرف بالضبط ماذا يسجل؟ و متى يسجل؟ و
كيف و أين يسجل؟.و في سبيل تحقيق هذا الهدف،يجب أن يقوم بقراءات عن موضوع المحاضرة
المقبلة، أو مناقشته مع زملائه في الفصل. وليحفِّز نفسه و يستحثها و يوقظها
لمتابعة المحاضرة المقبلة، يمكنه أن يقوم ببعض " الحركات التسخينية" لذاكرته-كما يفعل
الرياضيون- ، ، كأن يحاول
مراجعة المحاضرات السابقة، ؛فذلك يساعده على استيعاب ما سبق، و يمكنه من تحديد
مواطن الضعف و الخلل في تحصيله من المحاضرات السابقة، أو تحديد ما يرغب في معرفته
من خلال المحاضرة القادمة؛
3- و من المهم
بالنسبة للطلبة أن يعلموا ما إذا كان للأستاذ المحاضر كتاب "مقرر" أو
" اختياري" في المادة موضوع المحاضرات:فقد تكون هناك طبعات ،من الكتاب
الذي ألفه الأستاذ،أوسع و أكثر تفصيلا مما يحاضر به أو أقل شمولا،و يمكنهم بالتالي
أن يقابلوا عليه ساعة التدريس و الإلقاء، أو يرجعوا إليه (الكتاب) بعد
الاستماع للمحاضرة؛
4- ضع قائمة
بالمصطلحات و المفاهيم و الأسئلة..إلخ، التي تتوقع أن الأستاذ المحاضر
سيتناولها في محاضرته(ثم تأكد بعد ذلك من صحة توقعاتك، و حاول ان تعرف لماذا جاءت
تلك التوقعات مخالفة للواقع)؛
5- و أخيرا، و
ليس آخرا، لا ينبغي للطالب أن يذهب إلى "الهيجاء من غير سلاح".أجل،
فأبسط ما ينبغي أن يتوفر عليه الطالب هو أدواته(من دفاتر، و أقلام متعددة الألوان..إلخ)، فهي
عدته التي يعول عليها في تسجيل المحاضرات.
المطلب الثاني: تسجيل الملاحظات و المعلومات:
لكي،تستثمر الفرص التي تتيحها المحاضرة، يجب أن
تسجل المعلومات التي تدرك و تفهم أهميتها و قيمتها،بطريقة منظمة و منسقة وفق
منهجية واضحة. حتى لا تصبح مجرد تراكم للمصطلحات و الأرقام..إلخ. كما عليك،
أن تختار بعناية فائقة طريقة تخزينها و الحفاظ عليها، حتى يمكنك الوصول إليها و
استخدامها عن الحاجة إليها.
و عليه،و لتحقيق كل هذه الأهداف،
أنصحك بإتباع التقنيات و الإرشادات التالية:يجب على الطلبة أن يوفروا الأجواء
المناسبة لتلقي العلم.فمن شروط مجالس العلم،أن تحفها
السكينة و تغشاها الرحمة،و لا ينبغي التشاغل أثناءها بمشاغل تتنافى و طلب العلم ،
أو تحط من هيبة العلم في النفوس:
1- يجب أن تعلم،
عزيزي الطالب(ة)، أن المحاضرة،تحتاج إلى الكثير من التركيز و الفهم:فهي غالبا
ما تلقى في مدرجات أو قاعات كبيرة، يكثر فيها لغط الطلبة و صخبهم، مما يفوت فرص
الاستماع الجيد لما يلقيه الأستاذ المحاضر.و لكن ليس كل ما يلقيه الأستاذ، يستحق
التسجيل، من هنا فانك في حاجة إلى فهم المادة،حتى يسهل عليك تمييز "اللب" من
"القشور".
لذلك احرص على أن تستمع، بانتباه
شديد، إلى ما يُفيدك، لا ما يلهيك مما يلذ لبعض الطلبة الجهال و المشاغبين.و
من الأمور التي ينبغي الانتباه إليها :
الكلمات و معانيها، و كيف تنطق، و كيف تستعمل. و لقد علمنا القرآن الكريم، أن
الاستماع وحده لا يكفي، إلا إذا كان مصحوبا بالتركيز و الإصرار على الفهم، و هو ما
يعبر عنه الق رآن بالإنصات:﴿ وَ إذا قُرئَ القُرآنُ فاستمعوا لهُ، و أَنْصِتُوا لعَلكُمْ تُرْحَمُونْ ﴾ (الأعراف: 204)؛
2-غير أنه يجب
أن تدرك بأن هناك أفعال كثيرة تصدر عن الأستاذ-مثل تغير نبرة الصوت، أو تكرار بعض
الكلمات، أو تجنب بعض المصطلحات..-، تدخل في إطار
ما يسمى بالتواصل اللاشفهي(La
communication non-verbale )؛و فيها رسائل ، ينبغي أن تتعلم كيف
تفك شفرتها؛ لتستفيد منها.لأنها قد تكون، أحيانا ، أهم بكثير من
آلاف الكلمات.و قديما كانت العرب تقول بأنه قد يقع الإيماء(الإشارة الخفيفة) إلى الشيء
فيغني عند ذوي الألباب عن كشفه:قال أبو العباس المبرّد(ت286هـ/900م): "من
كلام العرب الاختصارُ المُفَهّم و الإِطنابُ المُفَخّم.و قد يقعُ الإيماء إلى الشيء فيُغْني
عند ذَوي الألباب عن كَشْفه، كما قيل، لَمْحَةٌ دالَّةٌ "؛
3- ينبغي أن
تخصص دفترا لكل مادة و ترقمه ،و تدوّن على إحدى الصفحتين(اليمنى أو اليسرى) الملاحظات
المتعلقة بالمحاضرة، أو أمالي الأستاذ (إن كان يملي محاضراته و دروسه)).و في
الأخرى تسجل الملاحظات و الشروح، أو
الاقتباسات من المراجع..أو
غير ذلك. و ذلك بخط واضح، يبقى واضحا و قابلا للقراءة و إن طال العهد (لأنه
كثيرا ما يصعب على الطالب أن يقرأ في نهاية المحاضرة ، ما كتبه في بدايتها)؛
4- لا تبالغ في
حشو صفحاتك، اترك مساحات بين السطور (لأنك ستضيف إليها لاحقا التعليقات و
الملاحظات و الكلام المتمم، و التعديلات و الاستدراكات؛
5- و لأنه لا
يمكنك أن تسجل كل شيء، فسجل الأفكار الرئيسية:مثل التصميم، و العناوين الرئيسية و
الفرعية،و أسماء المراجع ،و النصوص القانونية،و الأمثلة،و ما شابه هذا.و من الأفكار المهمة أيضا، الجديرة بالتسجيل تلك
التي تبدو جديدة بالنسبة إليك، أو غامضة، أو ترى أن الأستاذ قد توقف عندها طويلا
لشرحها؛
5- ضاعف من
تركيزك ، عندما يصل الأستاذ إلى نقط أساسية: أساسية بالنسبة لك أو بالنسبة للأستاذ(و
خاصة الإشكالية، و التصميم، و الأمثلة، و النصوص القانونية و الإستشهادات الأخرى،
و الخلاصة؛
6- و احرص على
إبراز الأفكار المهمة بشكل يساعد على استيعابها و فهمها:كأن تستعمل الألوان(الأقلام
الفوسفورية مثلا)، أو العلامات التي تساعدك على تحديد مواقع الأفكار التي يجدر بك
التوقف عندها؛
7- إذا عجزت عن
التمييز بين الأساسي و الثانوي، من الأفكار الواردة في المحاضرة،لعدم علمك
بموضوعها سلفا،أو لعدم قدرتك على تقييم مضامينها،و اهمية الأفكار الواردة فيها
بالنسبة للمادة الدراسية التي تنتمي إليها المحاضرة،أو بالنسبة لتخصصك؛ فليس أمامك
إلا أن تعمل على تسجيل أكبر قدر من الأفكار ، حتى و لو بدت غير مفهومة،أو غير
متسلسلة و مترابطة، إذ يمكنك تنسيقها و
الربط بينها بشكل متسلسل فيما بعد،مما يساعدك على فهمها؛
9-عند متابعة
المحاضرة أو الدرس يفضل عدم التوقف عن تسجيل الملاحظات، لاستدراك بعض النقط التي
فاتتك، أو للتحقق من فكرة أو طريقة كتابة كلمة أو مصطلح.و يستحسن في هذه الحالة ترك المكان
فارغا ، و الاستمرار في متابعة التدوين . و لا تتردد في كتابة الأفكار التي
تعتقد أنها تحتاج إلى التفسير ،لأن كل ما يسجل سيخضع فيما بعد لإعادة النظر.
المطلب الثالث: تصحيح التسجيلات و تنظيمها :
بعد الانتهاء من المحاضرة، يمكنك أن
تبدأ فورا، أي ما دامت الذاكرة " طرية"،في عملية تنقيح
و تصحيح الأخطاء، سواء في اللغة أو المعلومات، و ملء الفراغات. فلقد ثبت
أن عدم تدوين المعلومات وقت سماعها أو فور الانتهاء من المحاضرة، يؤدي إلى نسيان
الكثير منها، أو تشويهه عند التسجيل.بل اجعل هذه فرصتك الثمينة لاستيعاب و
مراجعة ما قمت بدراسته للتو،ذلك أن المراجعة تكون أكثر فعالية إذا قمنا بها في
أعقاب كل محاولة من محاولات التعلم.
1- و لا تتردد
في أن تطلب من أساتذتك إعادة شرح موضوع أو جزئية من المحاضرة (أو المادة) لم تفهمها
جيدا، فهم لن يبخلوا عليك إذا كان وقتهم يتسع لذلك ( و لكن لا
يعني هذا أن تطلب إليهم إعادة المحاضرة بأكملها).كما يمكنك، مراجعة زملائك الطلبة؛و لا
تستح من أن تسال من تلمس فيه الذكاء و المعرفة ، ودع عنك الحياء و التكبر، فقد قال
الإمام مجاهد – رحمه الله :" لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر".و إياك و
التنطع و التكلف،..بل احرص على تجنب الأسئلة التي لا
يراد منها إلا إظهار أو استعراض المعرفة و العلم، أو الرغبة في إحراج أو إفحام
الأستاذ..فهذا يدخل في إطار إساءة الأدب مع الأستاذ.و النبي – صلى الله
عليه و سلم – أدبنا و علمنا توقير العلماء و احترامهم،فقال:" ليسَ
منّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كبيرناَ و يرحمَ صَغِيرناَ و يَعْرِفَ لِعالِمناَ حَقَّهُ"؛
3- و عموما، يجب
أن تكون الملاحظات متكاملة مضمونا و شكلا:
*من حيث المضمون: يجب أن يكون لها بناء تام و واضح؛
* و من
حيث الشكل: يجب مراعاة الوضوح ..و ملء الفراغ.
بمعنى، أنه يجب أن تكون الملاحظات
التي سجلتها كافية، و مستوعبة لأهم ما جاء في المحاضرة أو الدرس.حتى يستطيع
كل من يراجعها؛ أخذ فكرة واضحة و شاملة عن ما جاء فيها من معلومات و أفكار، أو ما
دار فيها من نقاش. بل، إن أمكن،يجب أن تساعدنا الملاحظات
على تتبع طريق البرهنة و الاستدلال و الاستنتاج التي استعملها الأستاذ لشرح و
تبسيط مضامين المحاضرة للطلبة.بمعنى يجب أن تساعدك التسجيلات على
معرفة: كيف كان الأستاذ يتناول الأفكار الرئيسية ؟، و كيف شرح
المصطلحات الهامة؟ ، و كيف كان ينتقل من فكرة إلى أخرى؟..؟
4-غير أن،هذا لا
يعني أنك ملزم بالتقيد حرفيا، بأسلوب و طريقة الأستاذ في تناول موضوع المحاضرة،إذ
بإمكانك ،إذا رأيت ذلك ضروريا،أن تعيد صياغة الملاحظات،بمنهجك الخاص مادام لا يتعارض
مع منهجية الأستاذ أو يتصادم معها؛
5- بل أكثر من
هذا و أفضل منه، أن تقوم بكتابة ملخص لها. و لقد كشفت الدراسات العلمية، أن
القيام بأعمال التلخيص ، وفقا لمبادئ معينة، يفوق إعادة القراءة.و السر في
ذلك، أن الطالب، كي يقوم بتلخيص جيد، يكون
مضطرا إلى إعادة تنظيم المعلومات الواردة في المحاضرة ،و صياغتها بأسلوبه الخاص، و
هو الأمر الذي يساعده على سرعة استيعابها و تعلمها..و من ثم تذكرها ساعة الحاجة
إليها؛
6-واظب على
إعادة قراءة و مراجعة هذه الملاحظات، و الملخصات و استكمالها( مما يسهل
عليك الاستيعاب، و الاستعداد للامتحان..أو تنظيم بحثك بسهولة)؛
7- ثم
بعد كل هذا، يمكنك أن تقوم بدراسة تقيمية للمحاضرة، من وجهة نظرك الخاصة:راجع الأسئلة التي توقعت أن المحاضرة ستجيب عنها.و قارنها
بتلك التي تمت الإجابة عنها؟، م ضع قائمة جديدة، بالأسئلة التي ترى أنها في حاجة
إلى أجوبة؛
8-و كرر عملية
التقييم هذه ، بعد كل محاضرة،..و إذا وجدت أن المحاضرات ، لم تساعدك على الإجابة على جميع
الأسئلة، فعليك أن تفكر باستعمال الوسائل الأخرى ، التي قد تساعدك على الإجابة عن
تلك الأسئلة.فالعمل في الجامعة يعتمد على البحث، و على الطالب أن يبحث في
المكتبة أو الأنترنيت ،عن كل التفاصيل أو المعلومات الإضافية ،التي يعتقد أنها قد
تفيده في فهم الدروس و المحاضرات.و يستحسن أن تبدأ بطلب العون أولا من
أستاذ المادة ،ليساعدك على فهم ما تراه غامضا في المحاضرات. ثم بعد ذلك، قد تلجأ إلى المقررات
التي كتبها هذا الأخير، أو المراجع التي
أحال عليها.كما يمكن أن تطلب إلى أستاذ الدروس التوجيهية/التطبيقية
أن يساعدك، و أخيرا قد تطلب العون من
زملائك في الصف، كما قد تستنجد، في نهاية المطاف، بالأنترنيت.
وبعد..فلعل أفضل، ما نختم به هذا الدرس عن
المحاضرة،هو التمعن جيدا في " الصور " التالية، من ألبوم العالم العربي
الكبير الدكتور أحمد زكي"(1894-1975) ،عن أيام دراسته الجامعية ، في لندن في الربع
الأول من القرن العشرين(1919-1928):
كنت طالبا في بلد من بلاد الغرب..فذكرت شيئا عجبا.
ذكرت أنّا، نحن الطلبة،كنا نحضر المحاضرة، و نستمع إلى المحاضر
و نلتقط و نملأ الأوراق البيض نقاطا. و يؤكد لنا الأستاذ أن محاضرته هذه
ليست إلا تمهيدا لما سوف نقرأ في كتبنا ليلا.إنه في محاضرته إنما يبيّن لنا الخطوط
العريضة للموضوع الذي يتحدث فيه.يرسم لنا الطريق السلطاني، و يدع
الشوارع التي تتفرع عنه للكتب تتحدث عنها.إن ساعة واحدة لا تكفي.إن النهار
للإجمال،و الليل بيننا و بين الكتب للتفاصيل.
و يأتي الليل، فأراني قاعدا، و على الطاولة أمامي كتابان
كبيران، كل منهما عُمدة..و أمامي لقطاتٌ لقطتها من لفظ الأستاذ
تهديني إلى تعرّفي طريقي في هذين الكتابين.ثم كراسة ، هي كراستي لهذا الفرع من
العلم،أنقل إليها المحاضرة التي أجمعها لنفسي بنفسي، من مصادر ثلاثة ، لسان
الأستاذ صباحا، و حديث هذين الأستاذين المؤلفين الكبيرين ليلا.
و احتفظت بكراستي هذه، مثلا،للنظافة، و الكفاية، و أساسا
للمراجعة كلما حان امتحان. و احتفظت بكراساتي هذه فأريتها
لتلاميذي بعد ذلك في الجامعة، لأقول لهم على هذا النهج الذي تعلمناه سيروا.