الأربعاء، 29 يوليو 2015

عقبات تحول بيننا بين تجديد فكرنا العلمي


الدكتور زكي نجيب محمود(1993-1905)- رحمه الله- من كبار فلاسفتنا المعاصرين.و له إسهامات هامة في علم المنهج. و عنه أخذت درسا في المنهج ما نسيته منذ تعلمته، و خلاصته:" أن العلم الحقيقي، هو الذي لا يملك فيه الباحث القدرة على تغيير النتائج".فالكيميائي مثلا- و أنا درست الكيمياء-، إذا قام بتحليل محلول معين، لا يستطيع أن يغير نتيجة التحليل،فالنتيجة تفرض نفسها عليه: فإذا كان المحلول يحتوي حديدا أو نحاسا، فلا يمكنه أن يكتب في تقريره - اللّهم إلا إذا قرر تزوير النتيجة- أنه يحتوي الذهب أو الفضة.
هذا الدرس على بساطته، هو المعيار الأساس في تمييز العلوم الطبيعية من العلوم الاجتماعية: ففي الأولى يصعب على الباحث تغيير النتيجة، في حين في العلوم الاجتماعية، يمكن للباحث بسهولة أن يقول عن الأبيض أنه أسود، و عن الأحمر أنه أخضر، أو أنه مشكل من ألوان  قوس قزح.
في الفقرات التالية، المقتبسة من الفصل الثاني، من كتابه " تجديد الفكر"، يحدثنا الأستاذ زكي نجيب محمود عن بعض العقبات التي تحول بيننا و بين تجديد فكرنا العلمي، فلنستمع إليه..
عقبات تحول بيننا بين تجديد فكرنا العلمي
زكي نجيب محمود

مهما يكن المصدر الأول الذي يستقي منه الإنسان مبادئ المعرفة و العلم، ثم يعود فيبني على تلك المبادئ سائر أحكامه و أفكاره و معتقداته و مذاهبه، فقد يكون ذلك المصدر الأول وحيا من السماء، أو مشاهدات شاهدناها بحواسنا للأشياء من حولنا، أو لمعات حدسية اهتدت بها البصيرة إلى حقيقة العالم أو حقيقة الإنسان، أقول إن المصدر الأول لمبادئ المعرفة و العلم ، قد يكون بابا من هذه الأبواب، ثم يسلط الإنسان على تلك "المبادئ" قوته الاستدلالية - و ذلك هو " العقل"- ليستخرج كل ما يجد في وسعه أن يستخرجه من أحكام و أفكار؛ و مهما يكن ذلك المصدر الأول - و قد اختلف الفلاسفة في أيها تكون له الصدارة- فهنالك شرط لا بد من الوفاء به، لكي تستقيم لنا المعرفة الصحيحة بعد ذلك، و هو أن يمحو الانسانُ أخطاءه التي كان قد زلّ فيها قبل أن يستقي العلمَ من مصدره المختار، و أن يسدّ الطريق على تلك الأخطاء حتى لا تعاوده من جديد، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ إذ لا يجدي أن نملأ وعاء الحق في أذهاننا، حين يكون وعاء الباطل مازال هنالك قائما إلى جواره؛ فالباطل - على مر الزمن- قمين[ كفيل] أن يفسد الحق، كما تفسد الثمرة العطبة ما حولها من ثمرات صحاح؛ فإذا جاء الحق و ظهر - بأية وسيلة من وسائله- وجب كذلك أن يُزهق الباطل في اللحظة نفسها؛ فإقامة الصواب و تصحيح الخطأ جانبان لموقف واحد، هما الإيجاب و السلب يسيران معا،الأول يثبت ما يستحق الإثبات، و الثاني يمحو ما لا بد أن يمحى.
عقبات تحول بيننا بين تجديد فكرنا العلمي
روني ديكارت
و هذا بعينه هو ما حرص على فعله فلاسفة المنهج العلمي جميعا، على اختلاف أزمانهم و تباين مناهجهم؛ فهم- إذ يرسمون للناس طرائق الفكر السديد- يُجمعون على إزالة الباطل و طمس مصادره.لتتم لهم إقامة الحق و تفجير منابعه...
[... و هذا ما فعله رواد المنهج الحديث فـــ] كان المنهج العلمي الجديد ذا وجهين، تولى كلاًّ منهما رجل، أما أحد الرجلين فهو الفيلسوف الفرنسي ديكارت[(1650-1596)(René Descartes) ]، الذي أراد أن يكون السير العلمي بادئاً من فكرة داخلية نثق في صوابها، ثم نمضي خارجين منها إلى حيث العالم الطبيعي و ما وراءه؛ و أما ثانيهما فهو الفيلسوف الإنجليزي بيكون [ (Francis Bacon)(1626-1561)]، الذي رأى أن يكون طريق السير في الاتجاه المضاد، بادئا من  الطبيعة الخارجية و ما نشاهده في ظواهرها، ثم نمضي داخلين إلى فكرة عقلية نقيمها و نكون على يقين من صوابها.
و لكن ليختلفا كيف شاءا في اتجاه السير ماذا يكون؟
عقبات تحول بيننا بين تجديد فكرنا العلمي
فرنسيس بيكون

أنقطع الشوط من داخل نفوسنا إلى الواقع الخارجي، أم نقطعه من الواقع الخارجي إلى داخل نقوسنا؟ فالذي يهمنا من الرجلين في سياق حديثنا هذا، هو أن كليهما قد حرص أشد الحرص على محاربة الخطأ و اقتلاع جذوره، حتى تُبذر بذور المعرفة الصحيحة على أرض طيبة غير مشوبة بأخلاط الضلال.

فالرجلان معا يلتقيان في أن المعرفة الصحيحة ينبغي أن تكون هي الحالة الطبيعية للإنسان السوي، لولا أن اعترضتها العوارض فسدّت عليها الطريق: عوارض من أوهام الإنسان و نزواته و ميوله و أهوائه و رغباته و شهواته و ما قد يصيبه من تعصب و تسرع، و من خضوع سهل لذوي الشهرة و النفوذ من أقدمين و محدثين و معاصرين؛ لماذا يخطئ الإنسان طريق الحق مادامت نفسه و ما يجرى فيها واضحة له إذا ما انطوى ببصره إليها، ليمعن فيها النظر (هذا ديكارت) و مادامت الطبيعة منشورة الصفحات لمن يريد أن يقرأ قراءة الصادق الأمين ( هذا بيكون).لماذا يقع الإنسان في الخطأ، و الباطن قائم أمام بصيرته و الظاهر معلن أمام بصره؟ أليس الخطأ هو أن نضع في رأسك فكرة لا تصور ما هنالك؟ فلماذا تفعل، و ما هنالك يكشف لك عن نفسه إذا سلكت إليه الطريق؟
لا بد أن يكون هنالك عثرات تحول دون ذلك السير المستقيم، كأن تكون رؤسنا ملئت - على غير وعي منا - بأفكار مسبقة، بثها فينا آخرون، حتى إذا ما شببنا ، ألفينا أنفسنا تحت سلطانها؛ و لهذا عني الرجلان - ديكارت و بيكون- أول ما عنيا بأن يدقا في الرؤوس دقا عنيفا، لتنفض كل ما فيها، قبل أن نأمل في علم جديد نضعه بأنفسنا على أساس جديد[ كان الأساتذة الجامعيون، عندما كنت طالبا، على رأس من يقوم بهذا الدق العنيف.و أذكر  بهذه بالمناسبة، أستاذنا الدكتور عبد اللطيف أكنوش- حفظه الله-، الذي كان يجيد هذا النوع من الدق..في رؤوس طلبة السنة الأولى حقوق، بكلية الدار البيضاء، أو على الأقل هذا هو انطباعي عنه..].

الدكتور زكي نجيب محمود- تجديد الفكر العربي- الطبعة السادسة- دار الشروق- القاهرة/بيروت 1400/1980- ص ص 21-26.


الخميس، 23 يوليو 2015

مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية

مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية

تعرفت على الأستاذ الدكتور " إيفان دربن" (Evan Durbin)(1948-1906)،كمفكر اقتصادي و سياسي، عندما قرأت الترجمة العربية  لكتابه " سياسة الاشتراكية الديمقراطية"(The Politics of Democratic Socialism)(London-1940)، و كنت وقتها أّدرِّس مادة " الإيديولوجيات السياسية المعاصرة"، لطلبة الفصل السادس قانون عام(2011).
و منذ ذلك التاريخ، راجعت الكتاب عدة مرات،كانت آخرها في بداية الموسم الدراسي  الحالي،بمناسبة إعداد بعض المحاضرات في الاقتصاد،للفصل الأول.و في كل مرة، كنت  أعيد  قراءة فصول كثيرة منه، و في كل مرة أكتشف كم كان هذا المؤلف أستاذا بارعا و مبدعا في معظم المواضيع التي تناولها أو حتى أشار إليها، في كتابه.و أستاذيته تتجلى في أسلوبه الأكاديمي التعليمي؛ فهو يستعرض الأفكار  الصعبة، بأسلوب بسيط أو مُبسط، و لكن دون تبسيط يخل بالقيمة العلمية لأفكاره ، و أيضا دون استخفاف بعقل القارئ. بيد أن أستاذيته تتجلى أكثر في المنهج الذي اتبعه في كتابه ، و كان رائدا فيه:فهو لا يكتفي بالتحليل السياسي الاقتصادي لموضوع اقتصادي محض، بل يستعين بمختلف فروع العلوم الاجتماعية الأخرى- علم السياسة، و علم الاحتماع، و علم النفس، و القانون،و التاريخ..إلخ -، لشرح أفكاره، و التدليل على صحتها؛ و ذلك انطلاقا من رؤية واضحة لديه،مفادها أن قضايا العلوم الاجتماعية لا يمكن حلها من خلال الدراسات الفرعية المتخصصة (كل فرع على حدة)، بل من خلال الجهود المشتركة لجميع العلوم الاجتماعية.و هو يشرح وجهة نظره هاته - التي كانت جديدة وقت نشر الطبعة الأولى من كتابه، سنة 1940-، في الفقرات التالية.
و لكن قبل ذلك، لا بد من الإشارة، في نهاية هذه الفقرات،أن " دربن" بدأ حياته العلمية بدراسة البيولوجيا، و بالضبط " علم الحيوان"، انتقل بعدها إلى دراسة العلوم، ثم استقر أخيرا في دراسة الاقتصاد،ليعين، بعد تخرجه، محاضرا في مدرسة لندن الاقتصادية( London School of Economics (LSE))(1930-1945).
 و كان بالموازاة مع دراسته ، يناضل في صفوف حزب العمال ، فما هي إلا سنوات حتى أصبح من كبار الشخصيات السياسية في بريطانيا، في النصف الأول من القرن العشرين.و في عام 1948، توفي غرقا في شاطيء البحر، و قد ألقى بنفسه في الماء لينقذ ابته و طفلا آخر، فمات غرقا، إذ لم يكن يجيد السباحة.و كان في ذلك الوقت عضوا في البرلمان  و وزيرا في حكومة العمال، و كان زملاؤه يتوقعون له مستقبلا زاهرا في السياسة، لو قدر له أن يعيش.

[...] إنني عالم اجتماعي بالمهنة، و انني أبدأ بافتراض مألوف في حضارة أوروبا منذ القرن الثامن عشر، و هو أننا يجب أن ننتهج الأساليب الاجتماعية[= المناهج الاجتماعية]، و لكن الأفراد القليلين الذين وهبوا جزءا كبيرا من وقتهم و جهدهم لتتبع الدراسات الاجتماعية الحالية يشعرون بالثقة بأن كثيرا منهم يوفون بهذه الحاجة إن المواضيع التي نتحدث فيها متخصصة جداً.
و إننا لا ننفق كل جهودنا في دراسة و تمحيص جزء منفصل من الحقل الاجتماعي.بل بعض "أوجه" السلوك الاجتماعي، و من الصعب ألا نشعر أن حقيقة المجتمع البشري المركبة - و هي الشيء الذي يجب علينا إدراكه- تضيع بين هذه الأوجه المختلفة من الحياة.
و ربما يسمح لي القارئ بأن أستشهد ببعض فقرات من مقال لي يعالج هذه المشكلة بأسلوب آخر.فقد كتبت ما يلي، في مجلة" إيكونميك جورنال"، في معرض مناقشتي للمشاكل التي تعترض منهاج البحث عند العالم الاجتماعي عامة، و عند الاقتصادي خاصة:
"..و من الضروري أن نوجه انتقادا مضادا آخر لما عليه الحالة الحاضرة في العلوم الاجتماعية [ الثلاثينات من القرن العشرين]؛فهذه العلوم - كما يبدو لي- لا يمكن أن تنفصل بعضها عن بعض في مجال الدراسة.
و لا شك في أن تقسيم العلوم الاجتماعية إلى أقسام فرعية أمر مرغوب فيه كما هو حتمي. و أن العلوم الطبيعية لم يكن يقدر لها التقدم لو أن العلماء درسوا العالم الطبيعي ككل.و كذلك فالعلوم الاجتماعية لم يكن يقدر لها التقدم لو أننا درسنا المجتمع ككل.و لكن الحقيقة تبقى و هي أن تقسيمنا للعلوم الاجتماعية - خلافا للعلوم الطبيعية- إن هو إلا تجريد عن الحقيقة و ليس جزءا من الحقيقة ".

فعلم النبات ما هو إلا دراسة لمجموعة من الكائنات الحية ؛ هي النباتات.و علم الحيوان ما هو إلا دراسة لمجموعة أخرى من الكائنات الحية هي؛ الحيوانات. و دراسة  الكيمياء التركيبية[Synthetic Chemistry =  Chemie Synthétique ] ما هي إلا دراسة لمجموعة من المواد ؛هي الجزيئات[Molecules= Molécules ].و دراسة البللورات[ Crystals =Cristals  ] ما هي إلا دراسة لمجموعة من الأشياء؛ هي البللورات.   و موضوع الدراسة في كل هذه الحالات أشياء حقيقية مستقلة أو مجموعة من الأشياء، و ليست موضوعا لشيء مركب، و أنها أشياء حقيقية.

و لكن هل يمكن تمييز معظم موضوعاتنا[ في العلوم الاجتماعية] بهذه الكيفية؟ أفليست هذه الموضوعات غالبا ما تكون جوانب من الحقيقة الاجتماعية، أو هي تجريد عن الحقيقة؟ و هل يعد علم الاقتصاد شيئا آخر غير دراسة الجانب الاقتصادي من السلوك الاجتماعي؟ و هل تعد الدراسة العلمية للقانون شيئا آخر غير دراسة الجوانب القانونية للسلوك الاجتماعي؟ و هل يعد التاريخ السياسي شيئا آخر غير دراسة الجوانب السياسية من التاريخ عامة؟ و أخيرا هل يعد التاريخ الاقتصادي شيئا آخر غير دراسة للجوانب الاقتصادية للتاريخ عامة؟ أي أن تقسيماتنا ترجع، مرة أخرى، إلى تحديد معاني كلمات اقتصادي، و قانوني، و سياسي، و لا ترجع إلى الأقسام الفرعية التي تتضمنها موضوعات الدراسة.
و لا شك في أن معظم العلماء الاجتماعيين يعترفون بذلك..فليس هناك أي اقتصادي ينكر أن السلوك (الاقتصادي) يتاثر بالأفكار السياسية، و التقاليد القانونية و التاريخية. و كذلك يزداد اعتراف المحامين بأن القانون و تطور القانون يتأثران بالقوى " الاقتصادية" و " السياسية". و لا يمكننا أن نعتقد أن مجرى التاريخ " السياسي" منفصل عن عن الأحداث " الاقتصادية"، و هكذا.
و سوف ترغمنا هذه الاعتبارات على أن نتساءل عما إذا كانت موضوعاتنا[فروع العلوم الاجتماعية] الحالية تتلاءم مع أي تقسيم حقيقي في موضوع دراستنا ، فربما تضيع  الحقيقة بين الأوجه التي نقسمها..و دعنا الآن نسوق بعض الأمثلة العشوائية:
1- لنفرض أننا أردنا أن نفهم الجانب القانوني للملكية، طبيعتها ، و أصلها، و أهميتها الحالية و احتمالات المستقبل بالنسبة لها.فما هو عدد الموضوعات[=العلوم الاجتماعية الفرعية = علم الاقتصاد، علم السياسة،..إلخ] القائمة التي يمكن، أو في الواقع يجب، أن تسهم في دراستنا؟
كل الموضوعات تقريبا،فبدون مساعدة القانون لا يمكننا تفهم ما هو نظام الملكية. و بدون التاريخ العام لا يمكننا ان نقول كيف جاء نظام الملكية إلى الوجود، أو ما هي القوى التي يمكن أن تغيره. و بدون علم الاقتصاد لا يمكننا أن نتفهم ما يترتب على نظام الملكية. و كثير مما ينطوي عليه نظام الملكية لا يتضح إلا عن طريق علم النفس. و لعلم النفس العام و علم الأجناس[Anthropology=علم الإنسان=علم يعنى بأصل و تطور الحضارات الإنسانية و الصفات الجسدية للإنسان..] قسط كبير يسهمان به.و بدون مساعدة كل هذه الموضوعات أو معظمها لا يمكننا أن نقول إننا ندرس نظام الملكية في وضعه الاجتماعي الحقيقي، أو أن نضع أنفسنا في موقف يسمح لنا بأن نتنبأ للمستقبل.
2- أو لنفرض أننا أردنا أن ندرس الحرب - و مما يؤسف له أنها ظاهرة اجتماعية ملموسة- عندئذ نجد أن التاريخ ضروري لنا في هذه الدراسة. و علم النفس ضروري ، و كذلك علم الأجناس كما أن علم الاقتصاد و علم الاجتماع عامة لهما قسط كبير يسهمان به.
و على ذلك، يبدو أن دراسة الحقيقة تشق جميع مجالات التخصص القائمة لدينا حاليا.أو بالأحرى تطوقها جميعا.و إذا ما اتحدنا أمكن لنا أن نقف و ننصب قامتنا، أما إذا انقسمنا فلا مفر من أننا سنهوى.و على ذلك، فعلى أي شكل سوف نتحد؟
إنني مقتنع بأن حل هذه المشكلة يمكن الوصول إليه في المدى الطويل عن طريق قيام تعاون منظم بين الأخصائيين الحاليين:الاقتصاديين مع المؤرخين، و المؤرخين مع علماء الاجتماع، و علماء الاجتماع مع علماء النفس.
و لكن وقتاً طويلا سوف ينقضي في الواقع قبل أن ينتظم مثل هذا التعاون بطريقة عاقلة.و وقت أطول قبل أن تصبح نتائج هذا التعاون ممكنة و ذات فائدة في مدى السياسة الاجتماعية.فهل من المستحيل أن نفعل أي شيء في هذا الوقت، أو أن نناقش دراسة الخدمات الاجتماعية بطريقة مثمرة؟
لقد كتبت هذا الكتاب[ سياسة الاشتراكية الديمقراطية]  على أمل أن الإجابة بالنفي تماما ليست هي الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة.
و لكن مناقشة مشكلة المنهج تفسر الشكل الخاص الذي سيتخذه هذا الكتاب، إن لم نكن نلتمس العذر لهذا الشكل.فلقد حاولت أعطي مجالا واسعا، و أن أقول شيئا عن عدد كبير من الموضوعات [يقصد فروع العلوم الاجتماعية] لأنني أعتقد أن جميعها لازم لكي نفهم السياسة الاقتصادية فهما سليما.و إنني أرمي إلى التعرض إلى علم النفس، و النظرية السياسية، و علم الاقتصاد؛ ذلك لأن المجتمع الذي نعيش فيه، و الذي يجب علينا أن نعمل على إصلاح شكله، يتألف من أفراد لا تعتبر بواعثهم و نظمهم و طبيعتهم اقتصادية، أو شخصية تماما و لكنها مركبة من هذه البواعث الثلاث، و لا يفهمه إلا أولئك الذين سوف يدرسون الجنس البشري على وضعه الحقيقي، أي على أن طبيعته مختلفة و مركبة.


إيفان برن- سياسة الاشتراكية الديمقراطية- الترجمة العربية للدار القومية للطباعة و النشر- القاهرة (دون تاريخ)- ص ص 29-33.