مشكلة البحث و التصميم
في البحوث و الدراسات القانونية
أولا:اختيار
موضوع البحث
يمكن اختيار موضوع البحث،
من عدة وقائع أو نوازل أو ظواهر أو أحكام
أو قواعد أو أفكار قانونية..، فكل هذه قد تكون مصادر توحي للباحث (ة) بالموضوع
الذي يختاره ليبحث فيه..
1- الأحكام القانونية الجديدة، المرتبطة بصدور قانون جديد؛
2- التعديلات التي تطرأ على القوانين القديمة؛
3- الظواهر القانونية الجديدة، و مثال ذلك شيوع استعمال،
عقود التجارة الإلكتروني؛
4- الاتفاقيات الدولية: يمكن دائما البحث في الاتفاقيات
الدولية، سواء المصادق عليها من قبل الدولة أو لا. و تكمن أهمية هذه الدراسات في
مقارنة أحكامها مع القانون الوطني و تقدير مدى التعارض أو الانسجام فيما بينهما، و
قد ينتهي الباحث إلى نتيجة مهمة في بحثه مفادها ضرورة انضمام دولته إلى اتفاقية
معينة نظرا لأهميتها؛
5- تطبيق القواعد العامة على حالة خاصة، أي التأصيل لفكرة
معينة(...) ولكن يجب على الباحث أن يطبق
هذه القواعد العامة و يستعملها بالقدر الضروري الخدمة الحالة الخاصة التي يتعامل
معها، لا أن يتوسع فيها مهدرا الحالة الخاصة، مما يستنتج عنه انفصال عن الموضوع و
حشو و تزيد لا مبرر، له.
ثانيا:
خطة (تصميم) البحث
تعتبر خطة (= تصميم= Plan) البحث، و بحق، أدق مرحلة في
الكتابة القانونية، و قد يقال بأن الخطة إذا كانت محكمة ، من حيث التقسيم و
العناوين، كتب البحث نفسه [ بنفسه] ؛ بمعنى أن مهمة الباحث تسهل. و على العكس
تماما، فمتى كانت الخطة معيبة، ستكون الكتابة معيبة أيضا، و ستصبح مهمة الباحث
معقدة و شاقة.
1- خصائص الخطة(التصميم):
تمتاز الخطة الناجحة بعدة
خصائص، نجملها في الآتي:
1- الخطة محددة بحدود الموضوع، و هذا يعني عدم تطرق الخطة
لمسائل لا يحتملها موضوع البحث؛
2- يتم ترتيب محتويات الخطة وفقا للتسلسل المنطقي، فعلى
سبيل المثال، عند دراسة عقد معين، يحتاج الأمر لتناول الانعقاد ثم الانقضاء، و لا
يمكن تناول انعقاد العقد بعد الآثار ( الحقوق و الالتزامات). و عادة ما يتم في
الجزء الأول تناول التعريف بالموضوع، أهميته، طبيعته، القانونية، خصائصه، التمييز
بينه و بين غيره، ثم يتم الانتقال إلى الشروط و الأحكام و أخيرا الجزاءات أو
الآثار القانونية.
3- يجب أن تغطي مفردات[ أجزاء، أقسام] الخطة كل جوانب
الموضوع المطروح،و هذا الأمر إنما يتعلق بالعلاقة فيما بين عنوان البحث و مفردات
الخطة. فالخطة إنما تعبر عن موضوع البحث و تعالج كافة جوانبه.
4- على الباحث أن يعد خطة واضحة لا تثير لبسا، و لا
يكتنفها غموض. و من مظاهر اللبس و الغموض في الخطة، تكرار العناوين، و لو باستعمال
مصطلحات أخرى؛
5- يجب أن تكون الخطة متوازنة، و يمكن الحديث عن هذا
التوازن من ناحيتين: أما الناحية الأولى فهي توازن عدد المباحث في الفصول، و عدد المطالب في المباحث.و هنا نتحدث عن
التوازن و ليس[ بالضرورة] التساوي، فلا يقبل أن يتضمن المبحث الأول مطلبين، و
يتضمن المبحث الثاني خمسة، و لكن يقبل أن يتضمن ثلاث بدلا من اثنين.فالتوازن لا
زال موجودا.أما الناحية الأخرى، التي يجب تحري التوازن بها عند إعداد الخطة،
فيتعلق بعدد الصفحات المحتملة التي ستنتج عن تنفيذ هذه الخطة، حيث يجب على الباحث
التأكد من أن المادة العلمية التي ستتم كتابتها ستحتل عدد صفحات متقاربة في
المباحث و المطالب.فلا يقبل مثلا أن يكون المطلب الأول في المبحث الأول صفحة
واحدة، و المطلب الثاني بنفس المبحث عشر صفحات.و لكن من المقبول، أن يكون أحد
المطالب ثلاث صفحات، و المطلب الآخر خمس صفحات.فإن اكتشف الباحث، و هو بصدد إعداد الخطة،
بأن خللا في توازن المادة العلمية سيواجهه، فإن عليه التعديل في الخطة، كأن يدمج
بعض المطالب، أو تجزئتها للتغلب على مشكلة عدم التوازن.
6- يجب أن تعكس الخطة فكر و رؤية الباحث، فلا تكون نسخا عن
فهارس الكتب أو أبحاث مشابهة.إن الباحث العاجز عن وضع خطة لبحثه ، عاجز أيضا عن
الولوج في موضوع البحث.ولا يمكن للباحث أن يكتب على أساس خطة جاهزة وضعها و صممها
غيره، فالخطة لا تأتي في يوم وليلة، و إنما تستغرق وقتا و جهدا، و هي حجر الأساس
في البحث، فإذا صلحت الخطة صلح البحث، و إن فسدت الخطة فسد البحث كله.
ثانيا:وضع
الخطة(أو مصدرها)
بعد الانتهاء من عملية
القراءة، يقوم الباحث بكتابة مجموعة من الأفكار الرئيسية بناء على قراءته ، و دون
الرجوع إلى الكتب التي قرأ منها، أي أنه
يعتمد كليا على ذاكرته.
و تكتب هذه الأفكار بدون مراعاة
ترتيب أو تسلسل منطقي أو ارتباط فيما بينها.بعد ذلك، يصار إلى قراءة هذه الأفكار،
و ربطها ، و حذف مالا يصلح منها، و إضافة ما نقص، و ترتيبها ترتيبا منطقيا.
الطريقة الثانية: بعد
الانتهاء من عملية القراءة، يقوم الباحث بوضع المراجع التي قرأ منها جانبا، و يكتب
صفحتين أو ثلاثة، لكل ما رسخ في ذهنه عن موضو البحث، و ذلك بدون مراعاة لأي تسلسل
أو توثيق أو ترابط.ثم بعد ذلك، يعيد قراءة ما كتب، و يستخلص الخطة من الأفكار التي
كتبها، و التي يفترض أن تتضمن أهم المسائل التي يطرحها الموضوع.و كل ما كتبه
الباحث، في هذه المرحلة لا يعتد به، و يجب إتلافه،فهو إنما كان لاستنساخ الخطة
فقط، و لهذا تسمى هذه النسخة، بالنسخة صفر.
ثالثا:
تقسيم الخطة
يمكن الحديث عن مدرستين، في
تقسيم خطة البحث؛الأولى المدرسة اللاتينية[ و عنها تتفرع عدة مدارس، كالمدرسة
الفرنسية]،و الثانية المدرسة الأنجلوسكسونية[ و عنها تتفرع المدارس الأمريكية، و
الإنجليزية و غيرها].و فيما يلي، نبذة عن كل منهما ، مع بيان الإيجابيات و
السلبيات.
1- المدرسة اللاتينية:
يقوم نظام التقسيم، في هذه
المدرسة، على أساس التقسيم الثنائي،حيث يمكن البدء[ في تقسيم البحث] من القسم ثم
الكتاب، فالباب، فالفصل، فالمبحث، فالمطلب، فالفرع[ و هناك من يضيف الفقرة أيضا].ثم
باستعمال "أولا" [ ثانيا..خامسا]، ثم بالتعبير رقميا [1..4..7..] أو
بالأحرف بعد ذلك [أ..ب..ج..].و غالبا ما يعتمد تقسيم الرسائل الجامعية، على
الفصول، أما الكتب الكبيرة، فيمكن أن تقسم على أساس الكتاب أو القسم و الباب.أما
الأبحاث الصغيرة [كالمقالات،.]،فغالبا ما تعتمد التقسيم ابتداء من المبحث.أما في
الأوراق البحثية القصيرة جدا، فيمكن البدء من المطلب، و هكذا.و المهم في نظام
التقسيم هذا أنه ثنائي،و ذلك على النحو التالي:
الفصل الأول
المبحث الأول
المطلب الأول
المطلب الآخر
المبحث الآخر
المطلب الأول
المطلب الآخر
الفصل الآخر
المبحث الأول
المطلب الأول
المطلب
الآخر
المبحث الآخر
المطلب الأول
المطلب الآخر
و من عيوب ها النوع من التقسيم:
أ- تقييد الباحث بمبحثين، و مطلبين فرعين، قد يؤدي إلى حذف
جزئية مهمة أو دمجها في موقع غير مناسب للمحافظة على قدسية التقسيم؛
ب- قد تصف حالات يحتاج الباحث فيها الخروج، عن التقسيم
الثنائي و لا يفعل، مما يؤثر سلبا على مستوى جودة البحث.
و بناء على هذا النقد بدأت
المدرسة الفرنسية تخفف من تشددها في التقسيم الثنائي، حيث أجازت الخروج عن ثنائية
التقسيم في حالات الضرورة، على أن الباحث يجب أن يبرر خروجه هذا، و يقنع المتلقي
به [ و للأسف أن بعض "المدارس" التابعة لفرنسا في عالمنا العربي،
كالمدرسة المغربية، مازالت تتشبث بحرفية هذا التقسيم أو بالأحرى بعض المنتمين
إليها يفعلون ذلك].
2- المدرسة الأنجلوسكسونية:
لا تقيم هذه المدرسة،أية
قيود على التقسيم، فالباحث حر تماما في عدد الفصول و المباحث، حيث يؤمن هذا النظام
بأن حرية الباحث هي التي تقود إلى الإبداع، و هذه الحرية يجب أن تبدأ من التقسيم.و
مثال هذا التقسيم:
1:( الفصل الأول)
1:1 ( المبحث الأول، من
الفصل الأول)
1:1:1( المطلب الأول من
المبحث الأول من الفصل الأول)
1:1 )2:المطلب الثاني
من المبحث الأول من الفصل الأول)
1:1:2:1( الفرع الأول من المطلب الثاني
من المبحث الأول من الفصل الأول)
و هكذا.مع ملاحظة ان
الكتابة لا تظهر بالتقسيم، و إنما تظهر فقط الأرقام، يليها العنوان.
من و مزايا هذا النظام، إطلاق العنان
لحرية الباحث.و إعطاء الأفكار حقها في التقسيم دون قيود.
إلا أن له عيوب أيضا، نذكر
منها:
أ- الفوضى الناتجة عن كثرة استخدام الأرقام،و عن العدد
اللامحدود من المباحث التي يمكن أن يقسم لها الباحث بحثه؛
ب-عدم مقدرة القارئ على تحديد نسب [ انتماء] العنوان
بسهولة، فكلما كثرت الأرقام للدلالة على ذلك، كثر احتمال نسيان المتلقي تحت أي
مبحث أو مطلب جاء تقسيم هذا العنوان.
يجب ، في نهاية الحديث عن
هذا الموضوع، ملاحظة أنه لا مكان في أي نظام تقسيم معروف في العالم لما يمكن
تسميته بالتقسيم الأحادي، فلا مجال لأن يكون البحث مبحثا واحدا و لا أن ينضوي تحت
أحد المباحث، مطلب واحد، فوجود مبحث أول، يتطلب بالضرورة وجود مبحث آخر[ على
الأقل]، و وجود مطلب أول في أحد المباحث، يتطلب بالضرورة وجود مطلب آخر [ على
الأقل]، و هكذا.
***
المصدر:الأستاذة الدكتورة نسرين
سلامة محاسنة- مهارات البحث و الكتابة القانونية- دار المسيرة للنشر و التوزيع و
الطباعة- عمان1432/2011- ص ص 99-107 ( مع بعض التصرف).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق