منهجية نظم القصيدة عند العرب
كان أبو الحسن
محمد بن طباطبا العلوي ( ت 322هـ/934م)، شاعرا و ناقدا مشهورا، من أشهر مؤلفاته
كتابه "عيار الشعر"، الذي جعل فيه مقدمة في نقد الشعر، بين فيه
"..أهمية استكمال عُدة الشعر قبل نظمه، و على ترديد النظر فيه بالتنقيح بعد
نظمه.."[1].
و نقتبس فيما
يلي، جزءا من هذه المقدمة، لعلاقته بالمنهجية..
قال ابن طباطبا
العلوي،في الطبع و أدوات الشعر
...فمَن صحّ
طَبْعُه و ذوقُه لم يَحْتَجْ إلى الاستعانةِ على نَظْمِ الشعر بالعَروضِ التي هي
ميزانه، و من اضْطَرَبَ عليه الذوقُ لم يَسْتَغْن من تصحيحه و تقويمه بمعْرِفةِ
العروض و الحذق به[في علم الشعر].
و للشعر أدواتٌ
يجب إعدادُها قبل مِراسِه و تكلّف نظمه: فمن تعَصّتْ عليه أداة من أدواته لم
يَكْمُلْ له ما يتكلّفه منه، و بان الخللُ في ما يَنْظِمهُ، و لَحِقَتْه العُيوبُ
من كل جهة.
فمنها التوسّع
في علم اللغة و البراعة في فَهْم الإعراب و الروايةُ لفنون الآداب و المعرفة بأيام
الناس و مناقِبِهمْ و مَثالبهم و الوقوفُ على مذاهب العرب في تأسيس الشعر و
التصرّف في معانيه – في كلّ فنّ قالته العرب فيه – و سلوكُ مناهجها في
صِفاتها[الأوصاف، أحد فنون الشعر] و مخاطباتها.... و إطالتها و إيجازها.... و عُذوبة ألفاظِها و جَزالةِ معانيها و حسنِ
مباديها و حلاوة مقاطعها و إيفاء كلّ معنىً حظّه من العبارة و إلباسه ما يُشاكله من
الألفاظ حتّى يَبْرُزَ(الشعر) في أحسنِ زيٍّ و أبهى صورة (و) حتّى لا يكونَ
مُتفاوتاُ مَرْقوعاً، بل يكونُ كالسبيكة المُفْرَغة[2] و الوَشْيِ [ التطريز] المُنَمْنَمِ [ المزخرف،زخرفا
دقيقا على نظام معلوم] و العِقْد المنظّم و اللباس الرائق فتُسابقُ معانِيه
ألفاظَه فيلتذّ الفهم بحسن معانيه كالتذاذِ السمِع بمُونِقِ[3] كلامه....
فإذا أراد
الشاعرُ بناء قصيدةٍ مَخَضَ[4] المَعْنى الذي يريدُ بناء الشعر عليه في فكرهِ نثراً و
أعدّ له ما يُلْبِسُه إياه من الألفاظ التي تُطابقه و القوافي التي توافقه و
الوزنِ الذي يَسْلَسُ[ يلين و يسهل ] القولُ عليه.فإذا اتّفق له بيتٌ يُشاكل[
يشابه، يوافق] المعنى الذي يَرُومُه[يطلبه] أثبتَه و أعملَ فِكْرَهُ في شَغل
القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تَنْسيقٍ للشعر و ترتيب لفنون القول فيه،
بل يُعَلّق [ يُثبت،يدوّن] كل بيتٍ يتّفق له نظمُه على ( ما يمكن أن يكونَ من)
تفاوت[ تباين] بينَه و بينَ ما قبله.فإذا كَمُلَتْ له المعاني و كَثُرت الأبياتُ وَفّق
بينها بأبياتٍ تكون نِظاماً لها و سِلْكاً جامعاً لما تشتّت منها[5].ثم يتأمّل ما قد أدّاه إليه طبعه و نتيجةَ فكرته
فيستقصي انتقاده و يَرِمّ[ يصلح] ما وَهَى [ضعف] منه و يُبَدّل بكل لفظةٍ
مُسْتَكْرَهة لفظةً سهلةً نقيّة. و إن اتّفقتْ له قافيةٌ قد شَغَلها في معْنًى من
المعاني و اتّفق له معنًى آخرُ مضادٌّ للمعنى الآخر – و كانت تلك القافيةُ أوقعَ
[أكثر موافقة] في المعنى الثاني منها في المعنى الأوّل – نقَلَها إلى المعنى
المُخْتار الذي هو أحسنُ و أَبْطَلَ ذلك البيتَ أو نقَضَ [هدم] بعضه و طَلَبَ لمعناه قافيةً تشاكله...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق