الجمعة، 18 أكتوبر 2013

منهجية نظم القصيدة عند العرب

منهجية نظم القصيدة عند العرب

كان أبو الحسن محمد بن طباطبا العلوي ( ت 322هـ/934م)، شاعرا و ناقدا مشهورا، من أشهر مؤلفاته كتابه "عيار الشعر"، الذي جعل فيه مقدمة في نقد الشعر، بين فيه "..أهمية استكمال عُدة الشعر قبل نظمه، و على ترديد النظر فيه بالتنقيح بعد نظمه.."[1].
منهجية نظم القصيدة عند العرب
و نقتبس فيما يلي، جزءا من هذه المقدمة، لعلاقته بالمنهجية..
قال ابن طباطبا العلوي،في الطبع و أدوات الشعر
...فمَن صحّ طَبْعُه و ذوقُه لم يَحْتَجْ إلى الاستعانةِ على نَظْمِ الشعر بالعَروضِ التي هي ميزانه، و من اضْطَرَبَ عليه الذوقُ لم يَسْتَغْن من تصحيحه و تقويمه بمعْرِفةِ العروض و الحذق به[في علم الشعر].
و للشعر أدواتٌ يجب إعدادُها قبل مِراسِه و تكلّف نظمه: فمن تعَصّتْ عليه أداة من أدواته لم يَكْمُلْ له ما يتكلّفه منه، و بان الخللُ في ما يَنْظِمهُ، و لَحِقَتْه العُيوبُ من كل جهة.
فمنها التوسّع في علم اللغة و البراعة في فَهْم الإعراب و الروايةُ لفنون الآداب و المعرفة بأيام الناس و مناقِبِهمْ و مَثالبهم و الوقوفُ على مذاهب العرب في تأسيس الشعر و التصرّف في معانيه – في كلّ فنّ قالته العرب فيه – و سلوكُ مناهجها في صِفاتها[الأوصاف، أحد فنون الشعر] و مخاطباتها.... و إطالتها و إيجازها....  و عُذوبة ألفاظِها و جَزالةِ معانيها و حسنِ مباديها و حلاوة مقاطعها و إيفاء كلّ معنىً حظّه من العبارة و إلباسه ما يُشاكله من الألفاظ حتّى يَبْرُزَ(الشعر) في أحسنِ زيٍّ و أبهى صورة (و) حتّى لا يكونَ مُتفاوتاُ مَرْقوعاً، بل يكونُ كالسبيكة المُفْرَغة[2] و الوَشْيِ [ التطريز] المُنَمْنَمِ [ المزخرف،زخرفا دقيقا على نظام معلوم] و العِقْد المنظّم و اللباس الرائق فتُسابقُ معانِيه ألفاظَه فيلتذّ الفهم بحسن معانيه كالتذاذِ السمِع بمُونِقِ[3] كلامه....
فإذا أراد الشاعرُ بناء قصيدةٍ مَخَضَ[4] المَعْنى الذي يريدُ بناء الشعر عليه في فكرهِ نثراً و أعدّ له ما يُلْبِسُه إياه من الألفاظ التي تُطابقه و القوافي التي توافقه و الوزنِ الذي يَسْلَسُ[ يلين و يسهل ] القولُ عليه.فإذا اتّفق له بيتٌ يُشاكل[ يشابه، يوافق] المعنى الذي يَرُومُه[يطلبه] أثبتَه و أعملَ فِكْرَهُ في شَغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تَنْسيقٍ للشعر و ترتيب لفنون القول فيه، بل يُعَلّق [ يُثبت،يدوّن] كل بيتٍ يتّفق له نظمُه على ( ما يمكن أن يكونَ من) تفاوت[ تباين] بينَه و بينَ ما قبله.فإذا كَمُلَتْ له المعاني و كَثُرت الأبياتُ وَفّق بينها بأبياتٍ تكون نِظاماً لها و سِلْكاً جامعاً لما تشتّت منها[5].ثم يتأمّل ما قد أدّاه إليه طبعه و نتيجةَ فكرته فيستقصي انتقاده و يَرِمّ[ يصلح] ما وَهَى [ضعف] منه و يُبَدّل بكل لفظةٍ مُسْتَكْرَهة لفظةً سهلةً نقيّة. و إن اتّفقتْ له قافيةٌ قد شَغَلها في معْنًى من المعاني و اتّفق له معنًى آخرُ مضادٌّ للمعنى الآخر – و كانت تلك القافيةُ أوقعَ [أكثر موافقة] في المعنى الثاني منها في المعنى الأوّل – نقَلَها إلى المعنى المُخْتار الذي هو أحسنُ و أَبْطَلَ ذلك البيتَ أو نقَضَ [هدم] بعضه  و طَلَبَ لمعناه قافيةً تشاكله...




[1]  عمر فروخ- تاريخ الأدب العربي – م. س – ج2 ص 421. و الجدير بالذكر أن الشروح الواردة في متن النص( بين الأقواس المعقوفة)، و كذا أغلب الشروح في الحواشي، مقتبسة عن هذا المرجع.
[2]  القطعة المصبوبة  من المعدن،دفعة واحدة؛ حتى لا يعرف أحد من أين تبتدئ و لا إلى أين تنتهي.
[3]  المونق:الجميل الذي يسر العين.
[4]  مخض فلان اللبن:وضعه في وعاء ثم حركه، حتى ينفصل الزبد من المخيض ( الماء الباقي بعد انفصال الزبد).
[5]  هذه الأبيات هي الإشكالية المركزية و الإشكاليات الفرعية( التشديد مني أنا ع.السويلمي).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق