الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

الدروس التوجيهية و التطبيقية

من البديهي القول، بأنه لا يمكن الاقتصار على المحاضرات،في تكوين خريجي الجامعات.فلقد رأينا في الدرس الخاص بالمحاضرة، أن هذه الأخيرة لا تفيد كثيرا في تعليم المهارات،و حل المسائل العملية،و دراسة الرسوم البيانية أو الجداول أو المعادلات الرياضية، ..إلخ، خاصة عندما تلقى هذه المحاضرات في المدرجات أو القاعات الكبيرة الغاصة بالطلبة.و بالتالي،فلا بد من توفير وسيلة تعليمة أخرى لدعم المحاضرة،حيث تتاح فيها فرص التعاون و التفاهم أكثر بين الأستاذ و الطالب، على تجاوز الصعوبات التي تثيرها المواد الدراسية:فكانت الدروس التوجيهية و التطبيقية( المبحث الأول).
هذا من ناحية، و من ناحية أخرى فإن المعرفة النظرية التي توفرها المحاضرات،مهما كانت قيمتها،لا تكفي لـ "تسليِح" خريجي الجامعة، بالمؤهلات  و المهارات الكافية للتعامل مع ما يعرض لهم من مشكلات عملية واقعية، و التصدي  في حلها.
الدروس التوجيهية و التطبيقية
و من هنا،فالدراسة الجامعية المتكاملة هي التي تجمع بين التكوين النظري و الإعداد لمواجهة الواقع العملي في الحياة الحقيقية. و لا نبالغ إذا قلنا  الدروس التوجيهية(Les travaux dirigés= Les TD) و الدروس التطبيقية(Les travaux pratiques= Les TP )، هي أفضل ميدان لاكتساب الخبرة العملية .  و أفضل الوسائل لتحصيل  هذا الإعداد العملي. فهي تطلع الطلاب على مجريات الأمور خارج قاعات الدرس،و تطلعهم على الصعوبات و المشاكل الحقيقية، التي قد تواجههم في حياتهم العملية: أي أنها تعدهم و "تدربهم" للاندماج في الحياة المهنية، بكل نجاح      ( المبحث الآخر).
و بهذا، الجمع بين التعليم النظري و التكوين العملي – التطبيقي، يصبح دارس كل تخصص قادرا على إدراك المواضيع و القضايا التي يدرسها ، في كل أبعادها الواقعية و النظرية

المبحث الأول:دروس تكميلية و إرشادية:

إن الدروس التوجيهية، تعتبر دروسا تكميلية من زاوية،أن الأستاذ يستغل فرصة هذه الدروس للتعمق أكثر في دراسة و بحث قضايا أو جزئيات و تفاصيل،لم تنل حظها من الشرح خلال المحاضرة،أو أن بعض الطلبة وجدوا صعوبة في فهمها و استيعابها.أو أن الأستاذ المحاضر أغفل تناولها،أو أحال أمر تدارسها مع الطلبة على أستاذ الدروس التوجيهية أو التطبيقية،على اعتبار أن ظروف هذا الأخير، تساعد أكثر على تحقيق ذلك:فالمحاضرات تلقى في مدرجات أو قاعات كبيرة، مكتظة بعدد كبير من الطلبة، من مستويات و قدرات متباينة على الفهم و الاستيعاب، كما أنها غير مجهزة بالتجهيزات الضرورية للشرح؛مما يضطر الأستاذ المحاضر أن يقصر حديثه على الخطوط الكبرى أو عموميات الدرس، تاركا للطلبة مهمة استكمال و استيفاء المعلومات الأخرى التفصيلية ، في الدروس التوجيهية و العملية و التطبيقية، أو من خلال اللجوء إلى الكتب و الأنترنيت...
و من هنا، فإن أستاذ الدروس التوجيهية و العملية،يحاول أن يسد كل الثغرات التي يتركها الأستاذ المحاضر في الدرس، فيحاول إعانة الطلبة على تدارك ما فاتهم أثناء المحاضرة،و قد يستفيض في شرح بعض القضايا و التعمق في بحثها أكثر – و ربما أفضل أيضا – مما فعل الأستاذ المحاضر.كما يجيب عن الأسئلة، التي لم يتمكنوا من طرحها على الأستاذ المحاضر، أو لم يعثروا لها على إجابات في المراجع.
الدروس التوجيهية و التطبيقية
دروس توجيهية
و تعتبر الأعمال التوجيهية توجيهية؛لأن أستاذ الدروس التوجيهية، يستثمر حصصها في توجيه الطلبة إلى الجوانب المهمة في المحاضرات،و يلفت انتباههم إلى القضايا و التفاصيل الجديرة بالاهتمام،حتى يتمكنوا من ترتيب أولوياتهم أثناء البحث و المراجعة.
و هي دروس توجيهية أيضا،لأن الأستاذ المكلف بها يملأ، في الغالب، الفراغ الذي يتركه الأستاذ المحاضر فيما يتعلق بالإرشاد الأكاديمي للطلاب: فمدرس الجامعة،ليس ملقنا، أو ليس ملقنا فقط،و لكنه موجه و مرشد أيضا:يأخذ بأيديهم و يرشدهم سواء السبيل.غير أن البحث العلمي و المهام الأخرى الملقاة على كاهل الأستاذ الجامعي، تقلص من دوره التوجيهي ، و من ثم غالبا ما تسند مهام التوجيه و الإرشاد إلى أستاذ الأعمال التوجيهية و العملية.
و من مزايا الدروس التوجيهية و العملية، أنها- بالنظر إلى العدد  المحدود من الطلبة، الذين يشاركون في كل حصة منها- تفتح فرصا كبيرة أمام الأستاذ ليهتم عن قرب بالمشكلات الحقيقية  و الواقعية للطلبة،فيأخذ بعين الاعتبار التفاوت الموجود بينهم ( في مستويات الذكاء ، و التحصيل المعرفي و العلمي..)، فيمدهم بما يحتاجون إليه، على قدر استعدادهم، كل واحد على حدة.الأمر الذي يولد الإحساس عند كل طالب بأنه يحظى باهتمام شخصي من طرف الأستاذ؛فيدفعه هذا الشعور إلى بذل المزيد من الجهد في التحصيل العلمي.
و من هنا، يتبين لنا أن نجاح الأستاذ  بصفة عامة، و خاصة أستاذ الدروس التوجيهية و العملية، في القيام بمهامه على أحسن وجه، يتوقف إلى حد كبير على مدى فهمه و تفهمه للطلبة و ظروفهم، و قدرته على تطوير علاقات طيبة معهم، حتى يكسب ثقتهم.كتب عميد إحدى الكليات:" لقد دلتني خبرتي الطويلة على أن المدرس الناجح المحبوب تتوافر فيه عادة صفات أربع: أولاها قدرته على إفادة الطالب و تمكينه من التقدم في عمله الدراسي،و الثانية اهتمامه بكل طالب على حدة و محاولة فهم نفسيته و الوقوف على نقط الضعف عنده، و الثالثة تواضعه و حبه لطلبته مما يشجعهم على مصادقته و مصارحته بما يقلق نفوسهم، و الرابعة ميله للمرح فيضحك للدعابة الظريفة و يشجع عليها من حين لآخر تخفيفا لعبء العمل و تفاديا للملل و السأم".

المبحث الآخر:دروس تطبيقية وعملية:

تعتبر الأعمال التوجيهية  تطبيقية و عملية،لأنها تعلم الطلبة عن طريق العمل(learning by doing)، و توفر لهم فرص التمرين و التدريب على تطبيق ما تعلموه، و بالتالي ترسيخ المكتسبات العلمية و تثبيتها في الأذهان.فالكثير من المعلومات التي يتعلمها الطالب قد لا تترك أثرا في سلوكه كذلك الذي تتركه الممارسة ذاتها: فإذا كان أحدهم يرغب بتعلم سياقة السيارة،فليس هناك من طريقة لفعل ذلك إلا ركوب السيارة و سياقتها: فبعد أن يتعلم الإنسان أسس و مهارات و قواعد و قوانين السياقة ؛ في " المدرسة"؛ يأتي عليه حين "يضطر" فيه ليتسلم مقود السيارة- في طريق حقيقية، و في ظروف واقعية – ليطبق ما تعلمه.
الدروس التوجيهية و التطبيقية
دروس عملية
و هكذا، ففي إطار الأشغال التوجيهية، يستطيع الطلبة التعبير عن أفكارهم، و طرح الأسئلة، و تقييم معارفهم و مهاراتهم و قدراتهم، و تسليط الضوء على الجوانب الغامضة أو المظلمة من الدروس و المحاضرات[1]، و يساعدهم كل ذلك على التعلم و تخزين المعلومات في الذاكرة و تثبيتها.و هذا ينسجم تماما مع مفهوم التعليم الجامعي المعاصر:فالهدف من التعليم الجامعي ليس هو الحفظ، و لكن استيعاب المعارف و المعلومات،أي اكتسابها و من ثم القدرة على استعمالها و تطويرها بمهارة عندما يحين الوقت لذلك، داخل الجامعة أو خارجها(بعدها).
و من أهداف التعليم العالي أيضا، التي تحققها الدروس التوجيهية و العملية؛ إكساب الطلبة  مهارات عملية، للتعامل مع المشاكل الواقعية،و التفكير في حلها:و من المتفق عليه اليوم بين علماء التربية و التعليم، أن أفضل طريقة لإعداد الطالب لأن يكون قادرا على التعامل مع الواقع الحقيقي،هي وضعه في ظروف تشبه الظروف الواقعية التي سيجابهها( الطالب) بعد تخرجه.
فلأن يتعرف الطالب، على سبيل المثال، على مفاهيم حقوق الإنسان و الديمقراطية و يتدرب على احترامها، أفضل بكثير من أن يدرس إعلانات حقوق الإنسان و الدساتير و المواثيق الدولية.و لأن يتدرب الطالب على تحرير العقود، و كتابة الاستشارات القانونية و التعليق على الأحكام القضائية،و تحليل النصوص القانونية و القرارات الإدارية و الأفكار السياسية، و مناقشة الإشكاليات التي تثيرها بعض القضايا التي تعرض على المشرع أو القاضي،..إلخ؛هي أكثر نفعا من الدراسة المستفيضة للقانون الدستوري، و القانون الإداري، و القانون المدني..إلخ.
و كان أستاذنا عبد الرحمان لسلامي – حفظه الله- يقول لنا بأن الدروس التوجيهية و التطبيقية، تعتبر مكملة لدراسته من الجانب النظري.و أنها هي أفضل ميدان لممارسة للتدريب على الحياة العملية،" لما لها من دور في تفسير القانون و توضيحه ، و إزالة ما قد يكتنفه من لَبس و غموض،سواء تعلق الأمر بقاعدة قانونية أو قاعدة عرفية أو مبدأ عام من مبادئ القانون، الأمر الذي يجعل طالب الحقوق يتعود على معالجة المشاكل التي قد تعترضه في الحياة الدراسية – ثم الحياة المهنية لاحقا-بمنطق قانوني سليم، و منهج علمي مستقيم.كما يكتسب ملكة المناقشة و التحليل النظري لوقائع الحياة اليومية، و ترسخ في ذهنه المفاهيم الواضحة للمبادئ القانونية التي يتلقاها في دراسته النظرية، و كذلك خصائص النظام القانوني السائد في بلده"[2].
الدروس التوجيهية و التطبيقية

و لقد كانت وظيفة إكساب الطلبة المعارف و المهارات العملية التطبيقية (التخصصية)، التي تؤهلهم للعمل، من الوظائف التقليدية للجامعات الأمريكية منذ القرن التاسع عشر، و بذلك كانت هذه الجامعات سباقة و رائدة في الأخذ بالجوانب العملية في التعليم الجامعي. فكليات الطب كانت ، و مازالت، مرتبطة بالوحدات الاستشفائية،و هو ما يمكن الطلبة من معاينة حالات واقعية.كما أن كليات الحقوق  سمحت لطلبتها – و منذ أمد بعيد – بربط صلات وطيدة و وثيقة بالجهاز القضائي. و هكذا، و عوض أن يقتصر الطلاب على كتب أحكام القضاء، نجدهم يحضرون المحاكمات و يعملون مع المحامين،..إلخ.بل يمكن للطلبة ، ضمن شروط خاصة،الدفاع عن المتقاضين الفقراء. و يستفيد طلبة الهندسة المعمارية، من جهتهم، من إمكانية العمل في بعض المشاريع العمرانية الرامية إلى تجديد الأكواخ، فيما يرتاد أولئك الذين سيصبحون علماء اجتماع مصالح الرعاية الاجتماعية[3].
و في هذا المسار سارت أغلب الجامعات المعاصرة، في كل أنحاء العالم، بما فيها الجامعات في عالمنا العربي.
و من خلال تلك التجارب الأمريكية الرائدة، التي لقحت و نقحت بتجارب أمم و شعوب أخرى، استفاد العالم دروسا، من أهمها أن التعليم التطبيقي- العملي، لا ينبغي أن يقتصر على إكساب الطلبة مهارات يدوية فقط قد يحتاجونها بعد تخرجهم. بل إن الأمر أوسع من ذلك و أهم.فهذه الدروس،تكسبهم مهارات أخرى تتعلق بالبحث العلمي(مهارات انتقاء الكتب و المراجع، و مهارات القراءة،و مهارات وضع الإشكاليات و التصاميم، و مهارات التوثيق..إلخ). و تتعلق أيضا بالتعبير الكتابي و الشفوي، خاصة بالنسبة لطلبة العلوم الاجتماعية. و بذلك تعد للطلبة للنجاح في الحياتين المهنية و الجامعية معا.
و بالفعل،فإن  الدروس التوجيهية و التطبيقية،هي حصص للأشغال يطلب  فيها من الطلبة، القيام بأعمال يدوية أو ذهنية، أو مناقشة فروض منزلية، أو عروض و بحوث..إلخ؛ الأمر الذي يفسح أمامهم مجالات واسعة، لتعليم مهارات تدبير الوقت و تنظيم الأفكار،و مناقشتها و تبادل الآراء حولها، مما يشجعهم على التنافس،و مضاعفة الجهود لإظهار قدراتهم على الإبداع و تقديم  الآراء الأصيلة، التي تحظى بالإعجاب:فإذا حظيت بالإعجاب،أكسبتهم الكثير من الثقة بالنفس، و حفّزتهم على العمل و بذل المزيد من الجهد.
و من هنا، يجدر بي أن أكرر ما قلته سابقا، عن أهمية المواظبة على الحضور.فبالحضور المستمر لأشغال الدروس التوجيهية و التطبيقية؛ تستطيع – أيها الطالب(ة) – أن تتعلم الكثير من الأشياء المفيدة لك، التي قد تحتاجها للنجاح في الحياة الجامعية و في الحياة المهنية أيضا.خاصة و أن الأستاذ هنا أقرب إليك مما كان في المحاضرة، و متفرغ أكثر للاستماع إليك و تتبع خطواتك،و تصحيح أخطائك.غير أنه يجب عليك أن تتذكر دائما أن الحضور الذي يعتد به، في هذه الدروس ؛ هو الحضور الإيجابي وحده:أي الحضور و المشاركة في الأشغال التوجهية و التطبيقية، مشاركة فعالة، بالرأي و العمل.
و لعل أفضل طريقة، يمكن للطالب الجاد و المجد أن يشارك بها في الأعمال التوجيهية و التطبيقية،هي القيام ببحث في موضوع معين،  ليعد عنه بعد ذلك، عرضا يلقيه أمام زملائه و الأستاذ:فبهذه الطريقة يتدرب الطالب على خطوات البحث العلمي، و يكتسب مهارات تنظيم العمل و التحكم في الوقت، و  التعرف على تقنيات القراءة و الاقتباس ،و صياغة الاشكاليات( أي وضع فرضيات صحيحة لحلها)،و وضع التصاميم، و التحرير، و الإلقاء و المناقشة، و كلها مهارات ، إذا تمكن منها، ضمن النجاح في الجامعة و في المهنة بعد التخرج.





[1] Ouvrage collectif sous la direction de :Dominique TURPIN-Travaux dirigés :Droit Constitutionnel-Gualino éditeur-Paris 1995-pp11-12.
[2] أستاذنا الجليل الدكتور عبد الرحمان لسلامي- محاضرات القانون المدني-لطلبة السنة الثانية من السلك الأول- -كلية الحقوق عين الشق-جامعة الحسن الثاني- الدار البيضاء السنة الدراسية 1988/1989.
[3]  تفضل بالرجوع إلى :"الجامعات الأمريكية" و "كبريات المدارس الأوربية" في موسوعة- المعارف الحديثة- الترجمة العربية تحت إشراف:د.عبد القادر وساط- منشورات عكاظ- الرباط 1996-على التوالي:المجلد 5 ص 86 و ما بعدها، و المجلد 6 الصفحة 116 و ما يليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق