الأربعاء، 3 يونيو 2020

اختيار الموضوع و وضع التصميم في البحوث الإعلامية

 اختيار الموضوع و وضع التصميم في البحوث الإعلامية

اختيار الموضوع  و وضع التصميم

 في البحوث الإعلامية

من المعروف، أن عملية البحث العلمي، لا تتم في مرحلة واحدة أو في دفعة واحدة، بل تمر بمجموعة من  المراحل ، تسمى " خطوات البحث العلمي".و أولى هذه الخطوات، هي اختيار موضوع البحث[1].

إن هذه الخطوة على جانب كبير من الأهمية، إذ لا يمكن أن نتصور أن يقدم باحثا على مشروع بحثي، قد يتطلب منه بذل جهد و وقت و أموال..إلخ، دون أن يمهد لذلك أولا باختيار موضوعا له( و إشكالية لحله و معالجته، و تصميما لاستعراض أطروحاته..و نتائجه).

و غالبا ما يرتبط موضوع البحث، باهتمامات الباحث الشخصية،بل كثيرا ما ينشأ  الاهتمام بموضوع بعينه، انطلاقا من ملاحظة أو ملاحظات عابرة،تدعو بدورها إلى مزيد من الملاحظات الأكثر عمقا، و من ثم يبدأ الإحساس أو الشعور الأولي بإشكالية الموضوع.

و اختيار موضوع البحث ليس سهلا، كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، بل قد يكون أحيانا، في غاية الصعوبة.و الصعوبة، لا تأتي من قلة المواضيع،إذا نظرنا إلى الأمر بشكل مطلق، و إنما تكمن هذه الصعوبة في أن يحصل كل باحث باحث، على الموضوع الذي يتناسب مع تخصصه، و مع مؤهلاته، و مع رغباته و طموحه ، و كذلك، مع  الزمان المتاح أمامه ، و أيضا تتناسب الصعوبة مع إمكانيات الحصول على المصادر و المراجع..إلخ، التي سيستعين بها لانجاز بحثه.

فيما يلي، سنتعرف، مع الأستاذ محمد عبد العزيز الحيزان، على بعض أو أهم الصعوبات التي قد تعترض الباحثين في مجال الإعلام..، و التي قد تحول بينهم و بين التوصل إلى موضوع(إشكالية) جيد للبحث..فيكون ذلك سببا في فشل كل جهودهم البحثية، و ربما مستقبلهم العلمي،إذ كما يؤكد الأستاذ محمد الحيزان" ..الكثير من العلماء( الباحثين)، مدينين بتفوقهم لقدرتهم الحكيمة على اختيار مشاكل أبحاثهم، و ليس لقدرتهم على إيجاد تفسير لها".

***

أولا:اختيار موضوع البحث

[...]تعد مرحلة اختيار موضوع ملائم، لعمل بحث علمي، في أي من التخصصات، بما في ذلك الإعلام، من أصعب المراحل و أحرجها،  بل إنها تكاد تكون أشقها على الإطلاق، فمن الأمور الشائعة بين الطلاب و المتخصصين في الإعلام، ممن يكلفون بإعداد البحوث و كتابتها، سواء في المرحلة الجامعية[ الإجازة أو الليسانس] أو في مرحلة الدراسات العليا[ الماستر و الدكتوراه]، أن يتساءلوا: في أي الموضوعات يمكنني أن أعمل بحثي؟ و كيف ستكون عملية الاختيار؟ و هل سبق و أن تناول أحد بالدراسة، ذلك الموضوع؟ أم أنه جديد في بابه؟ و هكذا..

إذاً[إذن] ، فالمقبل على عمل بحث ما، ربما يعيش مرحلة قلق طويلة، يخسر فيها الكثير من الوقت و الجهد، قبل أن يستقر على موضوع بعينه، بل إنه ربما يشرع في عمل بحث ما ، ثم يفاجأ، لسبب من الأسباب، بأنه لا يمكن الاستمرار فيه، ليعود لنفس الدوامة التي يعاني منها الكثير.

هناك الكثير من الأمور التي لا بد وأن يراعيها الدارس، قبل اختياره لأي موضوع.

يأتي في مقدمة الخطوات التي ينبغي أن يحرص عليها من يرغب في القيام ببحث، و بخاصة المبتدئ، أن يحدد مجال الدراسة، بمعنى أن يضع نصب عينيه إطارا معينا من تلك  الأطر التي يرى أنها تتلاءم مع رغباته الشخصية و ميوله، و يقرر بأن ذلك هو المجال العام الذي يريد أن يبحث فيه. و عليه أن يتذكر بأنه كلما أمكن حصر ذلك الموضوع، في نطاق أضيق، كلما يعني ذلك بأنه اقترب من موضوع بحثه. ففي البحوث الإعلامية، على سبيل المثال، يجب على الباحث أن يحدد أولا تحت أي إطار عام يرى  (الباحث) بأنه يملك فيه الخبرة المناسبة، بل و الرغبة الشخصية؟ و يبدأ ذلك، ولا شك، بتحديد الشعبة التي يريد أن يتناول فيها موضوع الدراسة، و هو أمر تفرضه طبيعة التخصص الذي اختاره الطالب ( الصحافة، أو الإذاعة، أو التلفزيون، أو العلاقات العامة، أو الإعلان، أو وسائل الإعلام بصورة عامة..إلخ)، و يمكن للباحث أيضا أن يستعين بعناصر أخرى ، كنوع الاتصال الذي يريد أن يركز عليه، في دراسته ، كالاتصال الجماهيري، أو الاتصال الشخصي،  و نحو ذلك.

بعد ذلك، يمكن الانطلاق إلى الخطوة التالية، المتمثلة في حصر الموضوع بصورة أدق، فلو افترضنا أنك كباحث حددت بأن المجال الواسع الذي تريد أن تدرسه هو التلفزيون،فإن هذا التحديد سوف يمنحك فرصة التركيز في مضمار واحد يقودك إلى الهدف بطريقة صحيحة، غير أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، إذ إن موضوعا كهذا ، لا يزال ذا تشعبات مختلفة، يصعب تغطيتها في بحث واحد، ذلك أن الباحث، يتعامل مع نهر ضخم من أنهار  و بحور المعرفة الإعلامية، كوّنته جداول واسعة، يمثل بعضها ، على سبيل المثال: تاريخ التلفزيون، أهمية محطات التلفزيون في العالم، البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، التقنية التفلزيونية ،  الآثار السلبية للتلفزيون، برامج التلفزيون ، مقارنة التلفزيون بوسائل الإعلام الأخرى، الإخراج التلفزيوني،جمهور التلفزيون..وهكذا.

ثم إن هذه الجداول تكونت بدورها، من ترع صغيرة، هي في الواقع الخطوات التالية لمحاولة حصر الموضوع، الذي يمكن تحديده بصورة أوضح عن طريق اختيار أحد تلك الجداول، مما يجد فيه الباحث مكانا لموضوعه.و على الرغم من أن أحد هذه الجداول يصلح لأن يكون موضوعا مناسبا، إلا أنه كلما أمكن تضييق الموضوع مرة أخرى، أصبحت فرصة الباحث في التركيز أقوى، و كذا تصبح إمكانية مساهمته بشيء جديد في مجال المعرفة أكبر.

لذا، فإنه يمكن اللجوء إلى أحد الجزئيات ( الترع) التي تمثل عنصرا من عناصر ذلك الجدول؛ فلو وجد الباحث مثلا- بحكم رغبته و ميوله- بأنه أقرب إلى عمل بحث عن البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، أكثر من غيره؛ فإن عليه أن يقرر فيما إذا كان يريد أن يدرس: تقنية البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، أو تأثيرها السلبي أو الإيجابي أو كليهما،أو محطات ذلك البث، أو مدى استقبال و استخدام  الجمهور المحلي لها أو لبعضها، أو أية جزئية يمكن ربطها بالعنوان العام الذي تولدت منه هذه الموضوعات.بل إن هذه الموضوعات نفسها، يمكن تشعيبها هي الأخرى إلى شعب مختلفة، تصلح لأن تكون مواضيع مستقلة لعمل بحث متكامل.

و على الرغم من أهمية تحديد مجال الاهتمام ، إلا أن ذلك يعد تمهيدا أوليا لخطوة تعد  أكثر أهمية من تحديد المجال، و هي ما تعرف بعملية التعرف على مشكلة البحث، التي تدفع الباحث إلى الرغبة في التعرف على تفسير لها.

 إن تحديد مشكلة البحث، تعد عملا حاسما في تقرير أهمية الدراسة من عدمها، و لذلك يقال بأن " الكثير من العلماء (الباحثين) مدينين بتفوقهم، لقدراتهم الحكيمة على اختيار مشاكل أبحاثهم، و ليس لقدرتهم على إيجاد تفسير لها".هذا القول، يعني بأن تحديد مشكلة البحث ليست بالسهولة التي تتم فيها عملية تحديد مجال البحث، و يعني في الوقت ذاته بأن مشكلة البحث هي التي تقرر عنوان البحث و تحدده؛ فالباحث لا يختار عنوانا لبحثه كخطوة أولى، و إنما يختار مجال بحثه ثم يحدد مشكلته.

لا بد من الاعتراف بأن هناك حيرة شديدة يقع فيها الكثير من الباحثين المبتدئين، قبل تحديد مشكلة موضوع البحث، تنشأ من قلة الاطلاع و عدم الإلمام التام بأبعاد المجال الذي اختاره[ الباحث] ليكون إطارا لموضوع دراسته، إذ أن الاطلاع الواسع و الإلمام بالمجال أمران رئيسيان يؤديان دورا أساسيا في توجيه الباحث إلى مبتغاه.

لذا، ينصح المختصون ، أنه على الباحث ، بعد تحديد أي من الجداول التي أشرنا إليها، ليكون مجالا لدراسته، أن يستعين بالمراجع المناسبة، حول الفكرة الرئيسية التي يقررها في بداية الأمر، و ذلك لسببين رئيسيين، هما:

1- الحصول على موضوع مناسب، إما عن طريق  الاقتراحات التي يطرحها الباحثون الآخرون، عندما يوصون بضرورة الاهتمام، بجانب أغفلته الدراسات ، أو عن طريق أن يلاحظ ، من يريد اختيار موضوع جديد، من خلال تجربته الشخصية أو قراءاته و اطلاعه، بأن هناك جانبا ما ، لم تعطه البحوث السابقة، نصيبه  من الدراسة.

2- معرفة مدى توفر المراجع المطلوبة ،التي تعين الباحث على الاستمرار في الموضوع الذي وقع الاختيار عليه. و مع أهمية المراجع، في توجيه الباحث بشكل كبير، إلا أنها ليست الملهم الوحيد لاختيار موضوع البحث، بل إن هناك طرقا أخرى يمكن أن تعين الباحث في الحصول على بغيته.

من تلك الطرق على سبيل المثال " الملاحظة":فملاحظة الواقع، و بخاصة فيما يتعلق بالدراسات الاجتماعية و الإعلامية، تعد خير وسيلة للاهتداء إلى دراسة المشاكل المعاصرة. فملاحظتك مثلا لإقبال القراء على صحيفة أو صفحة معينة، و إحجامهم عن أخرى، قد تدفعك إلى طرح تساؤلا عدة تصلح لأن تكون أهدافا لقيامك ببحث يساعد في إيجاد حلول لمشكلة لم يفطن لها الكثير من الباحثين.

هناك طريقة أخرى تساعد على الاختيار أيضا، و تتمثل في : طلب المشورة ممن لديهم الخبرة الكافية في التخصص، الذي ترغب في عمل البحث فيه؛ ذلك لأن أولئك المتمرسين هم، في الغالب، أكثر دراية بالثغرات التي لم يتطرق لها الباحثون، و تحتاج لمزيد من التدقيق و البحث، كما أنهم أحرى من يرشدك إلى المراجع الرئيسة التي تساعدك على القيام ببحث بناء أو دراسة مفيدة.

و على أية حال يجدر التنبيه، إلى أن الاستعانة بأهل الخبرة، ينبغي ألا تقتصر على عملية اختيار موضوع مناسب للبحث، بل يفترض أن تلجأ إليها باستمرار، و إن كان اختيار الموضوع قد تم بطريقة أخرى.

ثانيا:وضع الخطة البحثية ( التصميم):

تتراوح عملية إعداد خطة (تصميم) البحث، بين جهد مختصر، يحدد فيه الباحث الآلية التي سوف ينفذ في ضوئها دراسته، و بين جهد مضاعف يفصل فيه القول، وفقا لعناصر أساسية تمثل أركانا رئيسة في بناء مخطط بحثه.و تمثل الحالة الأخيرة، في الغالب، الدراسات الأكاديمية، في مراحل الدراسات العليا، و كذلك الدراسات التي تقدم في هيئة مشاريع بحثية للمؤسسات بأنواعها المختلفة. و على الرغم من أنه ليس هناك قاعدة موحدة، لإعداد الخطط البحثية، إلا أن معظمها يكاد يتفق على أن تتضمن ما يلي:

1- العنوان؛

2- المقدمة؛

3- الدراسات السابقة؛

4- مشكلة الدراسة؛

5- التساؤلات و الفرضيات؛

6- منهج الدراسة، و يشمل:

   أ- تمهيد يحدد نوع المنهج المستخدم( كمي، كيفي)، و نوع الدراسة ( تأصيلية ، وصفية، تاريخية، استكشافية، و نحو ذلك).مع ملاحظة، أن الدراسة، لا يعني أنها تنحصر في نوع واحد فقط من الأنواع المشار إليها؛ و إنما قد توظف أكثر من نوع في أكثر من  جزئياتها وفقا لاحتياجاتها، فهي تستخدم المنهجين الكمي و الكيفي،و قد تحتوي على أجزاء وصفية، و أخرى استكشافية، و هكذا.

  ب- مجتمع الدراسة و عينتها ( في الغالب خاص بالدراسة المستخدمة للمنهج الكمي)؛

 ج- أداة الدراسة ( و يقصد بذلك الوسيلة التي يتم من خلالها جمع المعلومات)؛

د- طريقة أو طرق تحليل المعلومات.

7- تقسيمات الدراسة؛

8- المراجع؛

الملاحق (إن وجدت).

و قد يرى بعض الباحثين، التعريف بعناصر أخرى تنفرد بنفسها في عناوين مستقلة، من تلك العناصر على سبيل المثال:

1- أهمية الدراسة: وليس هناك موقع محدد لإدراجها، غير أنه يمكن وضع العنوان الخاص بها بعد المقدمة، مباشرة أو قبل مشكلة الدراسة؛

2- الإحساس بالمشكلة: و يفضل في حال الحاجة إلى إدراج هذا العنصر ، أن يسبق مشكلة الدراسة و يمهد لها.

3- التعريف بالمصطلحات: و يستحسن أن تذكر مباشرة بعد تساؤلات الدراسة و فرضياته، ذلك لأن هذا العنصر يتناول بالشرح ، في معظمه، مفاهيم تتضمنها التساؤلات و الفرضيات، لذا فإن من المناسب أن يكون إيضاح تلك المفاهيم ، بعد الموقع الذي ترد فيه إشكالات عدم وضوحها.

4- حدود الدراسة: ويقصد بها الحالات ذات العلاقة بالظاهرة المدروسة، المستثناة من تعميم نتائج الدراسة عليها، و ذلك لعدم التعرض لها في مجال البحث، مثال ذلك: أن يذكر أحد الباحثين الذين درسوا قرائية الجمهور للمجلات السعودية، بأن الدراسة مقتصرة على المجلات العامة، و لا تشمل المجلات المتخصصة أو مجلات المؤسسات، و أن الجمهور المعني بالدراسة هم جمهور الشباب من الذكور فقط، و لا تشمل الفئات الأخرى.

5- مسلمات الدراسة، و هي " مجموعة من العبارات ، يضعها الباحث لبحثه، و يسلم بصحتها، دون أن يحتاج إلى إثباتها و إقامة الدليل عليها، فهي عبارة عن حقائق واضحة بذاتها، أو بديهيات  لا تحتاج إلى أن يقدم دليلا عليها"؛ و يلجأ إليها الباحث ، حينما يرى أن التسليم بالحقائق  التي يذكرها ، تدعم أهمية طرح تساؤلات و فرضيات علمية جاءت الدراسة للبحث فيها.

أما متى يتم التعريف بهذه العناصر، فذلك يرجع إلى مدى توفر مادة ثرية تستطيع أن تستقل بنفسها عن العناصر الواردة في القائمة الأولى.و بالعموم، فإن للباحث أن يدرج عناصر أخرى يرى أهمية ذكرها، لتعزيز عملية بناء مخططه، و ذلك كأن يقوم بالتعريف بخلفية عن موضوع دراسة تحت عناوين مستقلة، و ذلك كالحديث عن نظرية من نظريات الاتصال، يرغب الباحث في أن يؤسس عليها الدراسة، أو كالحديث عن تقنية الاتصال عبر شبكة المعلومات العالمية ( الأنترنيت)، في مخطط يتناول، مثلا، استخدام الجمهور للصحافة الإلكترونية، و نحو ذلك.

محمد عبد العزيز الحيزان- البحوث الإعلامية/ أسسها، أساليبها،مجالاتها- ص 29 و ما بعدها.

لتحميل الكتاب اضغط هنا



[1]  ليس هناك اتفاق بين الباحثين حول هذه الخطوات، هناك من يجعلها خمس خطوات، و هناك من يجعلها أربع أو حتى ثلاث خطوات؛إلا أن هناك شبه إجماع على الخطوتين الأولى و الثانية، المتمثلتان في اختيار الموضوع و الشعور بالإشكالية، و من ثم حصر هذه الإشكالية و تحديدها ( أو تحديد الإطار النظري).

و هناك من يجعل الخطوة الثالثة، هي طرح الفرضيات (لحل الإشكالية)، و من ثم جمع المعلومات حولها، و تحليلها،لاختيار أنسبها و أكثرها ملاءمة لحل الإشكالية. و في هذه المدونات، مواضيع كثيرة تعالج هذه القضايا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق