الجمعة، 25 أكتوبر 2013

التصميم و مكوناته

لقد سبق القول، في مستهل  الفصل السابق، أن الإشكالية تتضمن دائما ، بشكل واضح أو خفي، المعالم الكبرى للتصميم الذي يجب وضعه لعرض الموضوع(المبحث الأول) [1].غير أن الكثير من الطلبة،للأسف، لا يدركون هذه الحقيقة،بدليل أنهم يندفعون في كتابة "مواضيعهم" بدون تصاميم؛ أو بتصاميم لا تمت بأي صلة للإشكالية.
 و لأن تقنيات صياغة الإشكاليات و وضع التصاميم المناسبة لها، ليست مهارات في متناول كل طالب،فإنه تم وضع بعض التصاميم النموذجية، يمكن الاستعانة بها عند الضرورة ( المبحث الآخر).

المبحث الأول:ماهية التصميم و أهميته:

يمكن أن يكون الموضوع الذي تفكر بكتابته جيدا ، بل و ممتازا، و لكنه لن يحقق الغرض منه إلا إذا مهدت له بخطوات، تسهل على القارئ ولوجه من بابه العريض دون عوائق، و أن تمده بدليل أو خريطة طريق تهديه إلى الغاية التي تريده أن يصل إليها.هذه الخريطة، هي التصميم(المطلب الأول).و هو على جانب كبير من الأهمية، في كل كتاب و كل بحث(المطلب الآخر).

 المطلب الأول: التصميم و أهميته:

لغويا،يرادف التصميم "الخريطة ،و الخطة، و المنهج".و لا عجب في ذلك، فعندما نضع تصميما لموضوع معين، فإننا نحدد الترتيب أو المسار أو الخريطة التي سنتبعها في عرض عناصره و مضامينه[2].
بتعبير آخر، فالتصميم  ليس إلا صياغة للإشكاليات الفرعية، أو "هو عرض الأفكار التي توصل إليها الباحث من خلال تنظيم منطقي معين". بلغة أخرى أكثر وضوحا، فالتصميم هو الطريقة التي يعتمدها الكاتب في عرض إشكاليته و ترتيبها، بحسب أهمية كل جزء في علاقاته بالأجزاء الأخرى، و في علاقته بالمنهج المتبع.أو كما قال أحد الباحثين:"التصميم .. هو الهيكل العظمي الذي يبنى عليه البحث"[3]:أي الذي سيكسى "لحما و شحما"، بواسطة المعلومات التي جمعها الباحث.
لتصميم و مكوناته
و من هنا،فإن وضع التصميم في الدراسات و البحوث عامة ، هو المقدمة الضرورية لمعالجة أي موضوع بطريقة جيدة. فمهما تكن طبيعة هذا الموضوع الذي تكون بسبيل دراسته أو إعداده ( عرض، أو تقرير، أو مقال صحفي، أو سؤال امتحان، أو بحث الإجازة، أو أطروحة لنيل الدكتوراة[4]..إلخ)؛فأنت في حاجة إلى تصميم. و السبب في ذلك ، هو أن التصميم يبقيك دائما  داخل إطار الإشكالية،ويربطك بموضوعك،فيكون  بمثابة دليل أو  "خريطة طريق"، تهديك إلى بر الأمان.و كلما كان العمل البحثي طويلا (مثل الأطروحة أو الرسالة الجامعية)، كلما كان الجهد المطلوب لانجاز التصميم كبيرا:لأن قيمته في ذلك العمل تكتسي أهمية أكبر[5].
و لهذا،  كثيرا ما يعتمد مصحح الامتحان أو الأستاذ المشرف على البحث، أو عضو لجنة الحكم على رسالة، أو رئيس التحرير في مجلة..إلخ ، على التصميم في تقييم العمل أو البحث الجامعي، و من ثم إجازته- بهذه الميزة أو تلك- أو قبوله للنشر أو رفضه: فالتصميم معيار عالمي في قياس الأعمال العلمية.
و في غياب التصميم، سيجد الطالب  أو الباحث نفسه يسير على غير هدى و يقين،  و لا يعرف ماذا  يقدم و لا ما يؤخر،فيصبح كالناقة العشواء،فيضل و يضلل القارئ معه: فهو يتناول في المقدمة ما ينبغي تأخيره إلى جوهر الموضوع أو الخاتمة أو العكس، و يجمع  الأفكار و يفرقها دون أن يدرك ما بينها من تناقض أو تقارب ،و ينشرها أو يطويها على طول مساحة البحث بدون وعي، فتجدها في كل مكان، من المقدمة إلى الخاتمة،دون أن تعرف لماذا جمعها هنا و لا لماذا فرقها هنا و هناك،و لماذا أجمل الحديث في هده الجزئية و فصّله في جزئية أخرى. 

المطلب الآخر: أنواع التصاميم:

إن التصميم ، مثله مثل الإشكالية، ينبع من شخصية الطالب/الباحث و من الموضوع المبحوث، و بالتالي فليس هناك قواعد عامة يمكن للطالب أن يحفظها و يلتزم بها في وضع التصميم.كما أنه ليس هناك نموذج  مثالي للتصميم، أو تصميم صالح لكل غاية (passe -partout)،إذ أن لكل بحث أو لكل باحث تصميمه الخاص، و من هنا أكد الباحثون في ميدان المنهجية على نسبية التصاميم(Relativité des plans).
غير أن الحاجة دعت إلى وضع نماذج من التصاميم، ليستعان بها من شاء عند الحاجة، و هي أنواع كثيرة تتدرج من التصاميم البسيطة، التي لا يحتاج المرء لوضعها إلا جهدا يسيرا.و هناك التصاميم التي تتطلب مقدرة كبيرة على الإبداع.و فيما يلي استعراض لأهمها:
-قد يكون التصميم بسيطا، يكتفى فيه بتعداد أسباب مشكلة  أو ظاهرة معينة،أو عناصر موقف أو وضع أو مؤسسة أو عمل معين.دون الاهتمام بترتيبها حسب معيار دقيق أو عميق.من ذلك ، على سبيل المثال: أنواع الجماعات الترابية في المغرب (أولا: الجهات.ثانيا: العمالات و الأقاليم. ثالثا:الجماعات الحضرية و القروية).
2- و قد يوضع التصميم على أساس الأصناف أو الأنواع أو الفئات(و عندها يسمى التصميم الموضوعي).مثال ذلك: الأسباب التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة الفساد الإداري (أولا:الأسباب السياسية.ثانيا:الأسباب الاقتصادية.ثالثا:الاجتماعية..الثقافية..الأخلاقية..الإدارية).و مثال آخر(أركان القرار الإداري:أولا :الاختصاص ،ثانيا:الشكل ، ثالثا: السبب، رابعا: المحل، خامسا: الغاية).
3- كما قد يقسم الموضوع،حسب درجة التعقيد أو صعوبة أو أهمية القضايا أو المسائل المطروحة(فيبدأ بالأكثر تعقيدا إلى الأقل تعقيدا ..أو العكس).من ذلك على سبيل المثال،موضوع" مصادر القانون الإداري":التشريع،ثم العرف ( الإداري)،ثم القضاء(الإداري و غير الإداري)،و أخيرا الفقه).
4-و هناك من يقسم بحثه و يعرض أفكاره، أو النتائج التي توصل إليها على أساس المنهج الوصفي( مثال ذلك:المحاكم الإدارية:أولا: التنظيم.ثانيا:الاختصاص).
 5- و من التصاميم الوصفية،الجديرة بالاهتمام،هناك التصاميم التاريخية أو الكرونولوجية، تعتمد على ترتيب أقسام البحث حسب التسلسل التاريخي.غير أنه يحسن بمن يعتمد هذا النوع من التصاميم،ألا يجعل محورها التواريخ ،بل الأحداث .مثال ذلك : تطور مفهوم اللامركزية في المغرب(أولا: قبل الحماية، ثانيا:أثناء الحماية، ثالثا:بعيد الاستقلال..).
2-و هناك أيضا التصاميم  التي تعتمد على الثنائيات( من نوع :التماثل و الأضداد، و التسبب و التأثر).هذه الثنائيات تعكس ، بشكل أو آخر، الظواهر المتناقضة أو المتباينة أو المترابطة، و التي نصادفها كثيرا في حياتنا الاجتماعية،كالفكـرة/و الفكـرة المناقضة أو المـبدأ العام/الاستثناء،أو النظرية/التطبيق،و السبب/ الأثر أو النتيجة..إلخ . منها على سبيـل المثال الثنائيـات التالية:التصنـيع/البيئـة، و المركزية/اللامركـزية، و الديمقراطية التمثيلية/ الديمقراطية التشاركية، الشطط في استعمال السلطة/ المنازعات القانونية،و الانتخابات المزيفة/الاضطرابات السياسية..إلخ.
و هناك، نماذج أخرى من التصاميم، أكثر تعقيدا من هذه.من أهمها التصاميم التحليلية، و التصاميم الجدلية.
3- التصاميم الجدلية:و معلوم أن هذه التصاميم تقوم على المنهج الجدلي.و أسسه، كما مرّ معنا، هي:القضية (أو الموضوع) (thèse )، و نقيضها (antithèse)، و تركيبهما(synthèse).
4-و هناك أيضا التصاميم التشخيصية التحليلي:فمن خلال هذه التصاميم يستطيع الباحث،أن يشخص المشكلة في مرحلة أولى ، ثم، في مرحلة لاحقة، يقترح الحلول المناسبة لمعالجتها.و إذا كان الباحث مسلحا بمعرفة جيدة عن الموضوع، يمكنه أن يبدع حلولا مناسبة و جدية للمشكلة.و لهذا يشترط في من يتبع هذه الطريق((voie diagnostic))[6]، أن تكون له معرفة عميقة للموضوع قيد الدرس.
لتصميم و مكوناته
هذا، و كل التصاميم تبقى صالحة، و على قدم المساواة،و وضعها موضع التجربة هو الكفيل وحده للحكم على فعاليتها:و المحك  الحقيقي لكل تصميم، و قيمته الحقيقية،إنما تكمن في قدرته على تحقيق الهدف منه، ألا وهو الجواب على الإشكالية في كل تفرعاتها و مباحثها.أما الإيمان المطلق بصلاحية تصميم معين و تفوقه في جميع الحالات ، فهو أمر مرفوض منهجيا،و لا يصح منطقيا[7].
 و على كل حال، فيما نعتقد، يمكن للتصاميم النموذجية ، خاصة التحليلية و الجدلية، أن تكون الملاذ الأخير و طوق النجاة،بالنسبة للطلبة، الذين عجزوا، لسبب أو آخر،عن "إبداع" تصميم  يناسب (sur mesure) الموضوع الذي يدرسونه،خاصة في أوقات الامتحانات.

المبحث الآخر: شروط التصميم الجيد و مكوناته:

يوضع التصميم، لخدمة الكاتب  و القارئ معا،و لذلك لا يكون الكاتب حرا، في صياغة تصميمه، بل لا بد له من التقيد بقواعد المنهجية العلمية المتعارف عليها :".. فهي طريقة في الكتابة تقوم على عرض الأفكار بأسلوب متسلسل و مرتب و مبوب (مُعَنْون) ، و تجنب العرض العشوائي و عير الموظف للمعلومات أو سردها بأسلوب غير مترابط العناوين"[8].
و هذه المنهجية، لا تنظم شروط التقسيم  الجيد للبحث ، من حيث التوازي و التوازن (المطلب الأول)فقط. بل هي تحدد مضامين كل جزء؛لأنها رسمت له وظيفة أو دور في المنهجية الشاملة المتكاملة للتصميم(المطلب الآخر).

 المطلب الأول: شروط التصميم الجيد:

يضع الباحث التصميم، حتى يسهل عليه تناول الموضوع و لا يتشتت جهده في خطوات متضاربة متناقضة.غير أنه كي يكون التصميم الذي نختاره فعالا، يجب أن ينبثق من موضوع البحث،لا أن يكون بعيدا عنه. و التقسيمات الداخلية التي يقسم إليها الموضوع ، ينبغي أن تكون  متصلة فيما بينها وفق تسلسل محكم، بحيث تؤدي كل فكرة و كل فقرة إلى التي تليها في تسلسل منطقي،  بحيث تنتهي إلى الإجابة عن الإشكالية:و من هنا، و من وجهة نظر الباحث،فكل قسم من أقسام الموضوع،يجب يؤدي وظيفة معينة، تشارك في حل معضلة الإشكالية.
و لكن للتصميم هدف آخر، لا يقل أهمية، فكل موضوع، كما سبق القول هو نوع من الرسالة، يرسلها الباحث أو الطالب إلى مصحح الامتحان أو المشرف على البحث أو لجنة التحكيم، أو المستمعين إلى العرض، أو غيرهم من القراء و "متلقي الرسالة"، و بالتالي فإن هذه الرسالة لا تحقق هدفها إلا إذا وصلت إلى المستهدفين بها.
أجل،فقد تكون الإشكالية ، و ما تنطوي عليه من أفكار و أسئلة و برنامج عمل،واضحة بالنسبة للطالب أو الباحث إزاء موضوعه، إلا أنها ليست كذلك بالنسبة للمصحح أو القارئ أو المستمع، بل على الكاتب(طالب، أو باحث..) أن يبذل كل الجهد لإرشاد القارئ، إلى ما ينوي فعله منذ البداية، حتى يكون على بينة ، من كل الخطوات التي سيُقدم عليها. و عليه أن يستغل مكونات التصميم للقيام بذلك.
و غالبا- إن لم نقل دائما - تقسم البحوث المقالات و الدراسات، حتى الطويلة، إلى قسمين (بابين أو فصلين)، ثم يقسم كل قسم إلى عنوانين (مبحثين، ثم مطلبين، و فرعين، و فقرتين..)[9].و طبعا، يجب مراعاة أن تكون عناوين الأقسام، دالة على محتوى القسم، و بسيطة، و واضحة ،و مفهومة و منسجمة مع العنوان الرئيسي أو موضوع البحث، و العناوين الفرعية.هذا، فضلا على أن أفضل العناوين ، هي القصيرة التي تؤدي المعنى(ما قلّ و دلّ).
نقطة أخرى، يجب مراعاتها في التقسيم ، ألا و هي التوازي و التوازن[10]:بمعنى أنه إذا قسمنا الباب الأول أو القسم الأول إلى فصلين أو ثلاثة فصول، فالباب الثاني أيضا يجب أن يتضمن فصلين أو ثلاث.و إذا قسمنا الفصل الأول من الباب الأول أو الباب الثاني إلى مبحثين أو ثلاث، فيجب أن نقسم الفصل الثاني في الباب الأول أو الباب الثاني إلى مبحثين أو ثلاث.و نفعل الشيء مع المطالب و الفروع و الفقرات..إلخ.هذا عن التوازي.
لتصميم و مكوناته
أما فيما يخص التوازن النسبي بين مكونات البحث،فيتعلق بتناسب أجزاء البحث بعضها مع بعض، من حيث كميات(عدد) الصفحات،فلا يكون بعضها أكبر من بعض بشكل يخل بالتوازن.مثال ذلك، أنه إذا كان الباب الأول يتكون من مائة صفحة؛ فالباب الثاني يجب أن يتراوح عدد صفحاته بين (90-110) صفحة. و إذا كان المبحث يتكون من عشرين صفحة، فعدد صفحات المبحث الثاني ، يجب أن يتراوح بين (15-25) صفحة.و هكذا.
لتصميم و مكوناته
أما من حيث توزيع "محتوى البحث بين أجزائه"، فالأغلبية يقترحون  أن تأخذ المقدمة نسبة 2/10 من صفحات البحث ،و القسم الأول 4/10، و  القسم الثاني3/10، و الخاتمة 1/10[11].
مسألة أخيرة،جديرة بالاهتمام، رغم أن الكثير من الطلاب يهملونها، أو لا يولونها العناية التي تستحق، أعني هنا العناوين:إن العناوين هي الدليل الملموس على وجود تقسيم (تصميم) جيد للموضوع.فالعناوين وسائل للربط بين أجزاء الموضوع، ثم هي ترشد القارئ.
المطلب الآخر: مكونات التصميم و منهجية التحرير:
و نعود بعد هذه الملاحظات الهامة عن كيفية تقسيم البحث، لنقول..بأن التصميم يتكون ، عادة، من مقدمة(أولا) و عرض أو جوهر(ثانيا) في قسمين (أو ثلاث عند الضرورة)، و خاتمة أحيانا(ثالثا).و سنتناول فيما يلي، هذه الأجزاء و مضامينها، بشيء من التفصيل.
غير أنه يجدر بنا قبل الخوض في هذه التفاصيل، أن نلفت الانتباه إلى أن مكونات التصميم على تعددها و تنوعها، لا يجب أن ينسينا حقيقة ، مهمة، ألا وهي أن تقسيم الموضوع، لا ينبغي أن يخل بوحدته ، أو يزلزل التماسك و الترابط الموجود بين مكوناته.فالقارئ يجب أن يلمس، بأن التصميم يخدم الوحدة ،..و أن الوحدة هي الفكرة الكامنة في الإشكالية، و أنها هي الهدف الذي يسعى التصميم لإبرازه و تأكيده.

الفرع الأول: المقدمة:

تؤدي المقدمة وظائف مهمة بالنسبة لكل موضوع، إذ تستغل دائما لتحديد الموضوع ،  الذي نستهدف دراسته و الإجابة عن إشكاليته، من حيث الزمان و المكان (التي كما سبق القول يجب أن تكون مناسبة و ملائمة للموضوع ، لا أعرض منه و لا أضيق).
كما أنها،هي الوسيلة الأكثر فعالية، لجذب القارئ،في البداية،إلى ما تكتب أو تقول . فهي تشجع القارئ أو المستمع على أن يهتم بما تعرضه أمامه مكتوبا كان أم مسموعا. أو تقنعه بتجاهل ذلك، فيكون عملك..كأن لم يكن ، بالنسبة إليه.
و من هنا، يستحسن أن تولي المقدمة ما تستحقه من الاهتمام، و يفضل أن تبدأ بفكرة تثير اهتمام القارئ، و تفتح شهيته وتثير فضوله ،لمتابعة القراءة أو الاستماع، و معرفة المزيد.إلا أن وظيفتها الأساسية، كما سبق القول،هي تحديد(تعيين الحدود) الموضوع المبحوث: إذ يجب أن يدرك المستمع و القارئ ، منذ البداية، طبيعة و حدود الموضوع الذي يكون معروضا أمامه.
و في البحوث الطويلة ، يمكن للباحث- بل في الأطروحات يجب عليه- أن يتحدث عن الأسباب التي دعته إلى اختيار موضوع بحثه. و لماذا يستحق عناء البحث فيه (أو إعادة البحث فيه)؟
و قد تستغل المقدمة أيضا، لإبراز أهمية الموضوع ، و فعالية الإشكالية التي اختارها الطالب في دراسته و الإحاطة بأهم جوانبه( و لماذا اختار هذه الإشكالية أو تلك لدراسته؟).كما على الطالب  أن يتناول في المقدمة، الجوانب العملية أو التطبيقية- إن وجدت-المرتبطة بالموضوع، و يستحسن لفت الانتباه إلى فوائدها و أهميتها(إن كانت لها هذه الفوائد طبعا).
و عندما، يكون للسؤال أو الموضوع المطروح، جوانب تاريخية، جديرة بالذكر، فإن مكانها المناسب هو المقدمة، اللهم إلا إذا كانت هذه الجوانب تحظى بأهمية كبرى في الموضوع ، تطغى على غيرها. ففي هذه الحالة يكون صلب الموضوع هو مكانها الأنسب، من خلال إفراد فصل تمهيدي لها(عندما يكون البحث طويلا ، كالأطروحة).
و عموما، فإن المقدمة تخصص لإعلان الأفكار الأساسية في البحث،و أيضا الاستنتاجات التي خلص إليها الباحث، و التي يتم التدليل على صحتها أو قيمتها من خلال صلب الموضوع. غير أن أهم ما يجب أن تنتهي إليه المقدمة ، هو إعلان التصميم، و لكن يجب يتم ذلك بطريقة منطقية و سلسة و ليس مصطنعة، بحيث يبدو التصميم كأنه نتيجة طبيعية للإشكالية أو النتيجة المنطقية المتضمنة فيها.
و قد يجد الطالب، في البداية صعوبة، في صياغة إعلان التصميم، و من الأفضل أن يتبع في البداية طريقة الإعلان المباشر.مثال ذلك،استعمال الصياغات التالية:في الجزء الأول..أو المرحلة الأولى ..سأعالج، سأدرس..سأتناول..مسألة..أو قضية..أو الجانب( و هذه هي أبسط طريقة، و هي غير مستحسنة كثيرا) .أو إن دراسة هذا الموضوع تتطلب  التعريج أولا على...أو إن معالجة هذا الموضوع، تقودنا إلى أن نبحث أولا، مسألة التعريف، ثم بعد ذلك...أو إن هذه الفكرة لا يمكن تفصيل الحديث فيها( أو فهمها..) قبل..أو إن أهم ما تثير هذه الإشكالية هو ..أولا..و ثانيا..و عليه، فإن هذا البحث لا يكتمل إلا بدراسة...و هكذا.
و الحاصل، أن المقدمة هي المدخل الحقيقي لكل دراسة..فإن هذه "المرحلة" ، هي التي يتوقف على نجاحها استمرار القارئ في القراءة أو التوقف عنها..فلا يجب أن تكون طويلة أكثر مما يجب، و لا أقصر مما يجب،بل يجب أن تؤدي وظيفتها على الوجه الأكمل..و مهما كانت الجهود، التي تبذل في الصلب أو الخاتمة، فإنها قد تصبح عديمة القيمة إذا كانت المقدمة غير صحيحة..

الفرع الثاني: العرض(المحتوى) أو صلب الموضوع:

إن صلب الموضوع أو الجوهر أو المحتوى ، هو المكان الذي يتضمن المعلومات على شكل أبواب أو أقسام و فصول و مباحث(بالنسبة للأعمال و البحوث الطويلة)، و قد يكون مقسما إلى مباحث و مطالب و فروع أو ما شابه ذلك (أجوبة الامتحانات، و العروض، و التعليقات..).
و غالبا، ما يتم تقسيم صلب الموضوع إلى قسمين كبيرين، ثم تفريع كل قسم إلى فرعين.و يكون عدد هذه الفروع بقدر عدد الإشكاليات الفرعية:و يستحب ألا تكون التفريعات كثيرة - خاصة بالنسبة للبحوث القصيرة -، حتى لا يفقد القارئ أو المستمع القدرة على التركيز و المتابعة؛ فالتصميم يجب أن يبقى حاضرا في ذهن القارئ أو المستمع. و عموما، هناك قاعدة ذهبية يفترض بالطالب /الباحث أن يلتزم بها، و هي:لا تقسم صلب الموضوع - بل الموضوع كله-بطريقة تضطر معها إلى أن تكرر نفسك، أي تتناول نفس القضايا أكثر من مرة.فالتصميم تقسيم، و التقسيم إنما وجد لكي يأخذ كل قسم أو كل فكرة حقها و نصيبها  من البحث و الدراسة، بمعزل عن غيرها.
لتصميم و مكوناته
و يجب توزيع الإشكاليات الفرعية، بشكل متوازن على أقسام البحث أو الموضوع[12]،و يفضل أن يتم بسط و تحليل و مناقشة "إشكالية فرعية " واحدة على الأقل في كل قسم:فإذا كان هناك إشكاليتان فرعيتان ، فيجب تناول كل واحدة منهما في فصل أو مبحث حسب طول البحث أو حجمه. و إذا كان هناك ثلاث إشكاليات فرعية، فيستحسن تناول فكرتين في المبحث الأول و الفكرة الأخيرة في المبحث الأخير.
أما من حيث البناء و طريقة الكتابة، فصلب الموضوع  يكون مجموعة من الفقرات المتينة البنيان، تقوم على عرض الأفكار و الحجج و الأدلة و الإستشهادات، بأسلوب متسلسل و مرتب و مبوب (معنون) ، و منظم[13].
من هنا،تحظى كل إشكالية فرعية بالدراسة و البحث:فتحلل و تناقش و يعاد تركيبها من جديد بشكل واضح في ذهن الكاتب و ذهن القارئ.ثم  يتم الانتقال إلى إشكالية فرعية أخرى، ثم ثالثة فرابعة. مع العلم أن كل إشكالية فرعية، تدرس في علاقتها بذلك الخيط الرابط بينها جميعا، أعني الإشكالية المركزية.و يتأكد الباحث أن طريقته كانت فعالة، إذا تمكن في نهاية العرض من الإجابة عن الإشكالية المركزية.
و عموما، على الباحث/ الطالب، أن يراعي فيما يكتب، تحقق أسس المنهجية العلمية، ممثلة ،على الأقل، فيما يلي:
أ- أن يهتم بالحقائق، و يبتعد أن الأحكام المسبقة  و أحكام القيمة و الأحكام الأخلاقية(أي الالتزام بمبادئ الموضوعية). حتى و لو كان يتبنى وجهة نظر معينة، أو تصور خاص لمعالجة قضية من القضايا، أو له موقف معين من المؤسسة التي يدرسها(مثلا).
ب-البرهنة على الاستنتاجات و النتائج ، التي يتوصل إليها،أو الآراء التي يسوقها، بأدلة و براهين و شواهد علمية(منطقية) أو أمبريقية(واقعية = تجريبية)،و تفاسير سببية(علة و معلول).و عليه ألا ينسى أن استعمال بعض المصطلحات و المفاهيم التقنية يقتضي التصرف فيها( بتوضيحها بكلمات قليلة،لإزالة غموضها في هامش البحث، أو بين قوسين في الامتحانات).
ج- ترتيب القضايا و فقا لدرجة عموميتها(القضايا العامة، تحت العناوين الكبرى، و الجزئيات و التفاصيل تحت العناوين الفرعية).
د-الالتزام بالحذر، و عدم القفز إلى التعميمات،إلا في حدود ما تسمح به الحجج و الوقائع أو الظواهر العلمية المتوفرة.
ه- أن يربط بين أجزاء البحث و يمهد للأجزاء بمقدمات..،و ينهيها بعبارات و تعابير ، تربطها بالأجزاء التالية(تسمى عبارات ، حسن التخلص).
و- ثم يجب عليه ألا ينسى أن البحث، هو مجموعة من الفقرات، و أن متانته و قوته ، تعتمد كثيرا على حسن بنائها: فالفقرة، تبدأ عادة، بجملة تحمل فكرة رئيسية، أما الجمل الأخرى، فتفصل ما أجملته الفكرة الرئيسية.
و كلما وضعت نقطة و رجعت إلى بداية سطر جديد، تكون قد فرغت من فقرة تعالج فكرة معينة، مستقلة بنفسها و لكنها في نفس الوقت متصلة بما سبقها و ما يلحق بها:فالفقرات، أشبه ما تكون بدرجات السلم.فبصعودنا درجات السلم، نقترب من الهدف (الإجابة عن السؤال=الإشكالية).و بالوصول إلى أعلى السلم،  يكون الموضوع قد اكتمل،و يتحصل المطلوب منه[14].
لتصميم و مكوناته

ز-        الحرص على الدقة و الوضوح في التعبير عن الأفكار،و تحليلها و مناقشتها، و ذلك بانتقاء الألفاظ و المصطلحات التي تناسب المعاني دون زيادة أو نقصان.
ن-        تجنب الاستطراد،و هو الخروج عن الموضوع الذي تكون بصدد معالجته، إلى موضوع آخر قريب منه أو بعيد.
ح- يجب الاهتمام "بأدوات"  أو جسور الربط بين الفقرات، مثل: من هنا، و هكذا، بيد أن ،و لهذه الأسباب، ..إلخ[15].

الفرع الثالث: الخاتمة:

 يجب أن لا نجعل من الخاتمة مكانا لتكرار و ترديد ما قلناه في صلب الموضوع ، أو إضافة معلومات جديدة. فإذا شعرت، عزيزي الطالب، بالرغبة بإضافة بعض ما فاتك قوله في صلب الموضوع، إلى الخاتمة،  فقد يكون هذا مؤشرا سيئا، إذ أقل ما تدل عليه هذه الرغبة، أن تصميمك لم يكن جيدا، و ربما إشكاليتك أيضا.و قد يكون من الضروري، في هذه الحالة، أن تعيد التفكير في كتابة بحثك.
شيء آخر، قد يضفي مشروعية على وجود الخاتمة، هو أنها قد تكون فرصة ليعلن الباحث للقارئ أو المستمع النتائج التي توصل إليها، من جهة.و من جهة أخرى، ليبين أن اختياراته(للإشكالية والتصميم)، و طريقته في البرهنة و النقاش و الاستدلال كانت فعالة، إذ قادت- بسلاسة و منطق- إلى النتائج.فهذه النتائج تكون مقبولة و منطقية و صحيحة، إذا أمكن  ردها و ربطها بالمقدمات، التي انطلقنا منها.و إن عدم نجاح الطالب في الخروج باستنتاجات مقنعة ، يلقي بظلال من الشك حول قيمة الخاتمة نفسها، بل قد يربك القارئ و يشعره بالبلبلة ، مما يؤدي إلى نوع من اهتزاز الثقة في البحث برمته.
و من هنا، فما يجب عليك إبرازه في الخاتمة ،هو صحة منطلقاتك، و صحة منهجيتك،أي صحة الإشكالية و التصميم،و أن النتائج التي انتهيت إليها، نبعت تلقائيا و منطقيا من الإشكالية، و من طريقتك في المعالجة و المناقشة و التحليل، و أنها لم تقحم إقحاما على الموضوع.
و الخاتمة، كما يقال تغلق باب الموضوع قيد الدرس و تفتح باب أو أبواب أخرى.
لتصميم و مكوناته

و بالفعل، فيمكن للباحث أن يختم موضوعه بطرح أسئلة، يفتح بها آفاقا للبحث أمام آخرين، أو يكشف بها عن جوانب عملية تطبيقية للنتائج التي توصل إليها.فالخاتمة" ..تفتح نوافذ جديدة للمستقبل بحيث تطل من خلالها معالجات جديدة للباحث نفسه أو لغيره.."[16].
غير أنه، يجب الانتباه إلى أن الخاتمة دائما، تكون قصيرة،قياسا إلى باقي أجزاء الموضوع، بما لا يتسع للإطالة..في الحديث عن الآفاق المستقبلية.

لتصميم و مكوناته




[1] غير أن التصميم لا يرتبط بالإشكالية فقط ؛ بل له علاقة أيضا بالمنهج الذي اتبعه الباحث للإجابة عن إشكاليته. ذلك أن الإشارة إلى كيفية تصنيف أقسام البحث و ترتيبها، لا تغني عن الحديث عن الطريقة التي تم التوصل بها إلى النتائج التي تم إدراجها تحت عناوين التصميم.
من هنا، تأتي أهمية بيان الباحث بنفسه(في البحوث الجامعية)، المنهج (أو المناهج) الذي اتبعه أثناء البحث عن حل الإشكالية التي اختارها.و قد يكون في الغالب ، من وحي الإشكالية نفسها: فعندما تختار إشكالية جدلية، تكون قد اخترت في الحقيقة المنهج الجدلي للإجابة عنها، و اخترت أيضا التصميم الجدلي.فلو أن الإشكالية كانت على هذه الصيغة:هل يمكن تحقيق التنمية الصناعية دون الإضرار بالبيئة؟ تكون قد جمعت متناقضين، لا يمكن دراستهما على نحو جيد، إلا باعتماد منهج جدلي، أو منهج التضاد و التقابل، أو المنهج التشريحي.
و في المقابل، فإن المنهج الذي يتبعه الباحث في دراسة إشكالية معينة، قد يؤدي أحيانا إلى إعادة النظر في الإشكالية، بتعديلها أو تصحيحها، فيؤثر بالتالي في التصميم.فلو أخذنا على سبيل المثال ،الإشكالية التالية:كيف يؤثر غياب الديمقراطية على تزايد البطالة في صفوف الخريجين الجامعيين؟ لأمكننا مثلا أن نختار المنهج المقارن، للإجابة عنه: فنقارن بين دولتين لهما نفس الخلفية الثقافية، و التركيب السكاني و الموارد الطبيعية، و لكنهما يختلفان في "وجود نظام ديمقراطي" ، في دولة واحدة دون الأخرى،و مثل هذا الاختلاف هو الذي يفسر التفاوت بين الدولتين في نسب البطالة في صفوف الخريجين الجامعيين.
و لكن،لو أردنا أن ندرس نفس الإشكالية ، مثلا،بالاعتماد على الإحصائيات التي تؤكد أو تنفي زيادة/نقص البطالة،في علاقتها بنسب المشاركة السياسية، و نزاهة الانتخابات..إلخ لتبين لنا أنه من الصعب الحصول على تلك الإحصائيات، مما يقتضي تعديل الإشكالية أو اختيار منهج آخر يتلاءم و المعلومات المتاحة.
[2]  انظر : الهادي إلى لغة العرب- ج3ص 52)مادة: صمّم)، و انظر أيضا:
« Arrêter un plan ,c’est fixer l’ordre qui sera suivi pour exposer le sujet étudié .C’est construire…  » :Mazeaud -op .cit,p86
[3]  د.مصطفى أبو ضيف أحمد – منهج البحث التاريخي بين الماضي و الحاضر د.مصطفى أبو ضيف أحمد – من- مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء -1987- ص 145.
[4]  من هنا، يجب الاعتناء بالتصاميم أثناء المراجعة،إذ أنها تساعد على استرجاع المعلومات.فكما سنرى ذلك بالتفصيل لاحقا، يعمل المخ وفق ميكانزمات " تداعي الأفكار": فعندما نتذكر تصميما معينا، نتذكر معه كل المعلومات المتصلة به.
[5]  أجل، لا يجب أن تنسى أن عملك العلمي الذي تقوم به، هو في نهاية المطاف "رسالة" ستبعثها – كتابيا أو شفويا- إلى "مستقبل"، و أنها كي تحقق الغاية منها يجب أن تكون مفهومة. و لتتذكر هنا القاعدة الذهبية التي وضعها القرآن الكريم لكل رسالة: ﴿ وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَينَ لَهُم (إبراهيم:4) ، مما يعني أن الرسالة لابد من أن تكون بلغة مفهومة و واضحة و دقيقة ، و إلا عجز المرسل إليهم عن إدراك مضامينها( و كانها لم توجد أصلا).
[6]  « C’est la voie royale de l’analyse approfondie avec engagement personnel » :Méthodes de communication..-op.cit,p46.
[7]  و من هنا، لقيت المنهجيات، التي تدعو إلى استعمال "التصاميم الجاهزة للأخذ"(Les plans prêt à porter)، الكثير من المعارضة، إذ رأى البعض  فيها مصادرة لحق الطلبة والباحثين في الإبداع،و أنها  تكرس مفاهيم التقليد التي يفترض بالجامعة أن تحاربها.ورأى البعض الثاني أنه لا يمكن تقسيم كل القضايا و المواضيع إلى ثنائيات، إلا بالكثير من التكلف و التصنع.في حين،رأى البعض الثالث أن التصاميم الجدلية ،لا تصلح لتناول كل المواضيع، من ذلك مثلا، الأجوبة، التي تفترض وجود  عدد من الخيارات أو الشروط ،مثلا. و نموذج ذلك السؤال التالي:"ما هي الإصلاحات القانونية و السياسية، التي ترى أنها ضرورية لإقامة دولة الحق و القانون في المغرب؟" أو "ما هي الشروط اللازمة لنجاح المقاولات الصغرى في الدول النامية؟".
هذا فضلا عن  أن التصاميم الجدلية تعلم الطلبة الكسل والنمطية في التفكير و الرؤية،و هي لذلك تعتمد من طرف الطلبة الكسالى و المؤدلجين(حملة الفكر الإيديولوجي).
[8]  المنهجية في دراسة القانون- م. س – ص  21.
[9]  في بعض الأحيان قد تضطر إلى التقسيم الثلاثي. و لكن قبل الإقدام على ذلك فكر طويلا:فالكثير من الأقسام يمكن إدماجها في بعضها، و اختزالها في تقسيم ثنائي.و المنهجيون الفرنسيون، الذين لهم تلامذة كثر في كليات الحقوق المغربية ، يصرون على التقسيم الثنائي، و يعتبرونه "قانونا".انظر على سبيل المثال: Pierre Gévart ,Bruno Modica,Christophe Mondou-Réussir ses dissertations aux concours administratifs-L’Etudiant-Paris 2006-p128 .
[10] La règle de la symétrie  et la nécessité d’un plan équilibré .voir :Réussir sa 1er année de droit-op.cit ,p46 ; Réussir ses dissertations aux concours administratifs-p128 et pp40-1.
 [11]  عبد العال و منصور-  المنهجية القانونية – ص 38.
[12] و إن كان هناك اختلاف بين المقالة التي يكتبها الطالب في الامتحان، و البحث الجامعي، و سنتناول في البداية التقسيم الخاص بالبحث، و نرجئ دراسة التقسيم الخاص بالعرض أو الامتحان ، إلى المباحث اللاحقة:في الفصل.يخص الامتحان- إلى الفصلين  اللذين  أفردناهما  للامتحانات و العروض.
[13]  المنهجية في دراسة القانون- م. س – ص  21.
[14]  موسوعة الرواد-تعريب : د.بهيج ملا حويش- مطابع ديداكو- برشلونة 2005-ج16 ص 83.
[15]  إن عبارات الربط بين الفقرات، أنواع كثيرة، منها:
أ-لإقامة الحجة (البرهنة) و للتلخيص:بدليل أن،عِلاوة على ذلك،عدا عن ذلك، الحاصل من هذا الكلام، خلاصة القول، قصارى القول،و بالإجمال..
ب-عند ذكر السبب أو الشرط:شريطة أن، ما لم يكن، على افتراض يكن، على افتراض أن، في حالة ما،مراعاة للأسباب التالية، يكفي أن،..
ج- للتعبير عن التبعات و النتائج: لهذا السبب، و إذن،و بناء على ذلك، لذلك، و عليه، و ينتج عن (ذلك)، تحت طائلة، بالتالي، من ثَمَ، من هنا،..
د- في الإحالة على قاعدة قانونية:حيث إن،بالنظر إلى، بما أن، لما كان، بسبب، أخذا بعين الاعتبار، استنادا إلى النص..،  بموجب، اعتبارا لـ..
هـ-للتعبير عن الغاية أو الأهداف : لأجل هذا، في هذا الصدد ، لأجله، من أجل هذا، لهذا الغرض، لإجراء ما يلزم، من هذا المنظور،..
و- للاستنتاج و الختام و التلخيص: لأجل هذا، نخلص إلى، و كتلخيص ،  و مهما يكن الأمر، و خلاصة القول، و حاصل الكلام،و زبدة القول، ..
[16]  عبد العال و منصور – م.س –ص 110.

منهجيات الإشكالية

إن المعلومات التي يجمعها الباحث، على أهميتها، لا تفيد ما لم يتم تنظيمها و عرضها، وفق خطة معينة، أو أطروحة معينة،أو وجهة نظر معينة، أو فرضية معينة، أو فكرة ضابطة معينة، أو إشكالية معينة: تتعدد الأسماء و المسمى واحد.
ذلك أن هذه الإشكالية هي  التي تفسر للقارئ موقف الباحث/الكاتب  أو وجهة نظره من الموضوع المبحوث ، و طريقته في مناقشته ،و كذا الخطة التي سيتبعها في الدفاع عنها و إقناع القارئ بها.
و بتعبير آخر،فإن الإشكالية، هي "البرنامج" الذي يدخل النظام على حصيلة البحث؛ فهي التي تحول ركام المعلومات و المعطيات التي تم تجميعها إلى عمل له "رأس وجسد و ذيل".كما  أنها تتضمن دائما ، بشكل واضح أو خفي، المعالم الكبرى للتصميم الذي يجب وضعه لعرض الموضوع.و كذا الطريقة التي يجب إتباعها في معالجة الموضوع.
فما هو مفهوم  الإشكالية في البحث العلمي؟ (المبحث الأول) و كيف يمكن صياغتها (المبحث الثاني)؟

المبحث الأول:الإشكالية و شروطها:

 مهما يكن شكل البحث أو الموضوع الذي ستكتب فيه، فأنت في حاجة إلى فكرة مركزية ضابطة، تنظم تفكيرك حول الموضوع و تضبطه.فهده الفكرة ، هي التي تبين فهمك الخاص لحقيقة المشكلة (أو السؤال) موضوع البحث. و هي التي تجمع أفكارك و معلوماتك عنها، و تقودك في النهاية إلى اقتراح الحل أو العلاج المناسب لها(المطلب الأول).
و من طبيعة الحال، فهذه الفكرة يجب أن تستوفي بعض الشروط، حتى تكون علمية و فعالة،و إلا فسيكون ضررها أكبر من نفعها(المطلب الآخر).

المطلب الأول:تعريف الإشكالية:

أصل الإشكالية في اللغة، لفظة "إشكال"أي "التباس"، و منها "أشكلَ الأمرُ أي التبس"..و منها أيضا قولهم "تشاكل الأمر" أي تشابه،إلى درجة الاختلاط.و منه كذلك "شَكَلَ زيدٌ الكتابَ،إذا قيَّدَهُ ب[حركات]الإعراب"؛..فكأنه أزال بذلك ما به من إشكال و التباس[1].
و إذن، فمن الناحية اللغوية، تدل الإشكالية على القضية أو الأمر الملتبس،الذي تشابكت فروعه - مثل الشجرة التي كثرت أغصانها و التفّت-،فاستعصى بالتالي الوصول إلى حله:و لعل أقرب مرادف يدل على معناها،هو لفظة " معضلة".
أما من حيث الإصطلاح الفني ،فمن الصعب إيراد تعريف متفق عليه للإشكالية(The Research Problem=Problématique) ،أو المشكلة البحثية أو الإشكالية( Problématique)(من الكلمة اليونانية=Problematikus).
 و قد نستطيع أن  نقرّب مفهومها، من خلال التعريفين التاليين:
1-    يقول الدكتور رشدي فكار(1928-2000):" ..حينما نقول "مسألة" نعني بها مجرد تساؤلات مطروحة.هذه التساؤلات المطروحة حينما تتطلب حكما أو حلا فهي قضية، و حينما تصعب القضايا أو تطرح بهدف الحل أو الحكم من خلال البحث العلمي تصبح ( مشكلة معمقة) و بدورها القضايا و المشاكل حينما لا يصعب فقط حلها، و إنما يشك فيه لتعدده أو استحالته أو يطرح فلسفيا، هنا تصبح إشكالية"[2].
2-    و يقول الدكتور محمد عابد الجابري(1936-2010) عن السؤال او الموضوع الإشكالي:"..لا يبدأ المرء في فحص عناصره حتى يجد نفسه، لا أمام مشاكل يمكن عزل كل منها عن الباقي قصد التغلب عليها بالتجزئة و التصنيف و التحليل، بل أمام إشكالية، اعني امام منظومة من العلاقات تنسجها، داخل فكر معين( فكر فرد أو فكر جماعة) مشاكل عديدة مترابطة لا تتوفر إمكانية حلها منفردة و لا تقبل الحل إلا في إطار حل عام يشملها جميعا"[3].

منهجيات الإشكالية

محمد عابد الجابري


3-    و إذا انتقلنا من البعد الفلسفي إلى البعد المنهجي للإشكالية، يعرفها لنا الدكتور مصباح كالتالي:" فالإشكالية هي تحديد استفهامي لأبعاد الموضوع الذي يريد أن يبحثه الباحث.و تكون هذه الأسئلة موجهة في المقام الأول إلى ذات الباحث، و كأنه يسأل نفسه:ماذا يريد أن يبحث؟"[4].
و إذن، في القضايا الإشكالية، لا يطمح الباحث أن يعثر لها على الإجابة الشافية التي ترضي جميع الناس، أو الوصول إلى حلها النهائي، أو قول كلمة الفصل في القضية-الإشكالية المطروحة للبحث.بل كل ما يطمح إلى بلوغه ، هو إيجاد "توليفة من عناصر الموضوع المتناقضة ( في الظاهر)، ليقول: إن حل هذا الإشكال ، حسب المعطيات المتوفرة لدي، و حسب فهمي و رؤيتي،هو التالي( و يقترح حلا ، يحاول أن يقنع الناس بأنه هو الحل الذي يحيط  بأكبر قدر من عناصر الموضوع، او يحل أكبر عدد من عقده).
و من هنا، نستطيع القول بأن الإشكالية، على وجه التبسيط غير المخل، هي:" التساؤل البحثي الرئيس، الذي يسعى الباحث  من خلال الإجابة عنه، إلى حل معظم القضايا و التساؤلات التي يطرحها موضوع البحث".
غير انه لا يجب الخلط بين " موضوع البحث " و إشكاليته".و تقول الأستاذة الدكتورة وداد بدران ، بقولها:" [ الإشكالية]..هي التساؤل البحثي الرئيس الذي يسعى الباحث إلى الإجابة عنه، و يجب عدم الخلط بينها و بين موضوع البحث(The research topic) و الذي يمثل مجالا عاما يتعلق بأحد أبعاد الظاهرة ..، فالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ، على سبيل المثال ، تعد موضوعا للبحث، و قد يختار الباحث في إطار هذا الموضوع أن يركز بحثه على تساؤل رئيسي مثل :ماهو الدور الأمريكي كوسيط في النزاع(...) أو دور جماعات الضغط  الصهيونية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل.."[5].
و الحاصل،أن الإشكالية، هي السؤال المركزي الذي يخلص إليه الباحث، بعد طرح أسئلة من نوع: كيف يمكن حل مشكلة البحث؟ أو:ما هي المعلومات التي يجب التوفر عليها لحل هذه المشكلة ؟أو: لماذا يمثل "هذا الموضوع " (موضوع البحث) مشكلة؟[6]..؟
و يمكن أن نعبر عنها بالمعادلة التالية:
موضوع الدراسة  +  وجهة نظر الباحث(بعد البحث و الـتفكير في موضوع البحث )    =    الإشكالية  

المطلب الأخر: شروط الإشكالية الجيدة:

 إذا كان البحث عن الحل لأية مشكلة، يبدأ بالشعور بها، و التعرف على  أبعادها ، إلا أن البداية الحقيقة تبدأ عندما يتم حصر هذه المشكلة و تحديدها.لأن المشكلات العامة الواسعة، غير المحصورة و لا المحدودة، يصعب حلها[7]. و لذلك، ينصح الباحث العلمي – داخل الجامعة أو خارجها – بتحديد المشكلة تحديدا دقيقا( من حيث الزمان، و المكان، و الموضوع)[8]؛بطريقة تبين معالمها وحدودها.و بذلك يستطيع التعرف على مختلف الأسئلة و الفرضيات و القضايا..إلخ، التي تتعلق بها.فيختار منها سؤالا أو فرضية أو فكرة (مركزية) يعتبرها هي السرّ أو الأصل الذي يكمن فيه الحل[9].و عند ذلك فقط، يمكن الحديث عن نشأة الإشكالية في عقل الباحث أو الدارس.
و هناك عدة عوامل قد تساعد الباحث/الدارس على تحديد إشكاليته،منها: نوعية و حجم المعلومات المتاحة أو التي يمكنه الوصول إليها، إذ أن مراجعة المؤلفات و الكتب و الدراسات السابقة(من خلال دراسة استطلاعية)، و التعرف على  النظريات، المتعلقة بموضوع البحث/الدراسة، قد توجهه إلى البحث عن حل للإشكالية،بالاستعانة بإحدى تلك  النظريات. كما و أن المراجعة النقدية للبحوث و الدراسات السابقة، يمكن أن تساعده في تحديد( أو تجديد) إشكالية، قد يكون هدفها تحدي نتائج  بعض البحوث السابقة ، أو توضيح بعض النقاط الغامضة فيها. أو تكرار دراسة سبق إنجازها لفحص ما إذا كانت النتائج نفسها تتحقق في فترة زمنية مختلفة. كما قد يجد الباحث أن بحثه يمكن أن يركز على تفسير أسباب توصل الأبحاث السابقة إلى نتائج غير متوقعة...إلخ.
منهجيات الإشكالية
الأبحاث السابقة
و يعترف الدكتور محمد علي محمد،بأنه :" ..لا توجد قاعدة ثابتة يمكن الاحتكام إليها في اختيار مشكلات[ إشكاليات][10] البحوث، و إنما توجد بعض المبادئ العامة ، التي تحدد للباحث الاتجاه الصحيح الذي يجب أن يسير عليه عند اختياره لمشكلة بحثه، من ذلك الغرض أو الهدف من البحث، و طبيعة الفلسفة أو السياسة السائدة في المجتمع، و قيام بعض الأفراد أو الهيئات بالإنفاق على البحث ، و مدى توافر الإمكانات اللازمة"[11].
و عموما، لتحديد الباحث للمشكلة البحثية، يجب أن يراعي ما يأتي:
1- إن المشكلة البحثية(الإشكالية) ، يجب ألا تكون عامة لدرجة يستحيل دراستها بتعمق ، كما و أنه يجب عدم تضييق المشكلة إلى الحد الذي يقلل أهميتها[12].
2- إن الإشكالية يجب أن تكون واضحة، فالمفاهيم المستخدمة في صياغتها، يجب ألا  يكتنفها أي نوع من أنواع الغموض.
3-  يجب أن تكون الإشكالية، قابلة للدراسة في حدود الوقت و الإمكانيات المتاحة للباحث.
و بالإضافة إلى هذه العوامل أو الدوافع، هناك العوامل الشخصية، النابعة من اهتمامات أو ثقافة الباحث.أو اهتمامات و هموم  البيئة الأسرية أو بيئة المهنية أو العلمية التي يعيش أو يعمل فيها الباحث(أي طبيعة المشاكل التي تواجه المجتمع الذي يعيش فيه).
و من الصعب، أن يعرف الباحث مدى فعالية إشكاليته، قبل أن يجربها ، أو قبل أن يجمع المعطيات التي تؤكدها أو تدحضها(و هذا الإحساس ينتاب بالخصوص الطلبة الذين يجتازون الامتحان، و ليس أمامهم الوقت الكافي لاختبار أكثر من إشكالية).

المبحث الثاني: الإشكالية صياغتها و قيمتها المنهجية:

إن الطالب أو الباحث أو أي دارس ( بصفة عامة)، لا يمكنه أن يصوغ إشكالية جيدة،إلا إذا كانت معرفته بالموضوع قيد البحث عميقة. و اطلاعه على مختلف جوانبه واسعا.لأن ذلك، يسهل له عمليات  تجميع المعلومات ، التي  لها علاقة بالمشكلة موضوع البحث.و من ثَم فرزها و غربلتها و تصنيفها، و الترجيح بينها ، لمعرفة أصلحها لحل المشكلة (المطلب الآخر).
و هذه الصياغة، في الحقيقة، هي الخطة التي ستوجه البحث كله،فهي التي ستوجه الباحث إلى الطريقة الأنسب لدراسة الموضوع قيد البحث (المطلب الأول).

المطلب الأول: القيمة المنهجية للإشكالية:

إن الأسئلة و المواضيع التي يطلب منا الإجابة عنها أو دراستها ، في ميدان العلوم الاجتماعية و الإنسانية، غالبا ما تتسم بالغموض و الضخامة و التشعب، مما يجعل دراستها و معالجتها ، و التوصل إلى حلول لها ، في الحيز المتاح من الزمن، و بالعمل الفردي (كما في الامتحانات)،أمرا صعبا إن لم نقل مستحيلا.لذلك،فإن المنهجية تساعدنا على سلوك الطريق الآمن، الذي لا تعترضه العقبات.
و المنهجية، المتعارف عليها هنا، هي أنه لدراسة القضايا الشائكة ، التي تتسم بالغموض و الإشكال، يحتاج الباحث إلى معطيات جديدة، أو تنظيم( منهج=مقترب) جديد للمعلومات القديمة، لاقتراح حل أو تصور أو  إشكالية.
أجل ،لا بد للباحث/الطالب من أن يختار لنفسه إشكالية، أي أطروحة ( رؤية معينة/أو فرضية/موقف/إدعاء/فكرة..)، يطرحها  في مسألة أو قضية معينة(موضوع البحث)،و يجب عليه أن يثبت ( من خلال نقاش علمي و مجادلة موضوعية)،صحة إدعائه/موقفه أو أطروحته.فكأن الباحث عندما يقترح أطروحته يقول: هذه هي إشكاليتي، بمعنى هذا هو تصوري لسبب الإشكال و حله، أو أن حل الإشكال يكمن في كذا أو كذا،أي فيما يقترحه هو من حل يعتبره هو الأصل في الإشكال(أي الأصل الذي تسبب في المشاكل المتشابكة=الإشكالية).
 و من هنا، ندرك أن الإشكالية، تساعد الباحث/ الطالب، على الإمساك بموضوع بحثه، و جعله في متناول اليد، و من ثم قابلا للبحث و الدراسة، حسب ظروفه و الإمكانيات  المتاحة له(التمويل،و الزمن، و المعلومات..إلخ)؛ بفضل توافرها على المزايا المنهجية التالية:
1-  إن الإشكالية، تساعد الباحث على تحديد القضية موضوع البحث من حيث الزمان و المكان و الموضوع؛
2-  إنها تساعد على تجزئة الهدف(حل الإشكالية المركزية )، إلى عدد من الأهداف الصغرى(الإشكاليات الفرعية)؛
3-  و هذا التجزيء مهم فهو يسهل العمل من جهة، كما أن تراكم الخبرات من خلال الإجابة عن الإشكاليات الفرعية، يسهل الإجابة عن الإشكالية المركزية على أفضل وجه؛
4-  إن الإشكالية تحمي الباحث من أن يضل طريقه، أو أن يتبع طرقا أخرى تبعده عن الهدف الذي يسعى إليه، فتشتت انتباهه و تبدد جهده، و تمنعه من تركيز جهده؛
منهجيات الإشكالية
الإشكالية ترشد إلى الطريق السليم
5-  غير أن الباحث يحتاج إلى المرونة، لتغيير إشكاليته كلما دعت الضرورة إلى ذلك، دون التخلي أو التنازل عن الهدف الأصلي؛
6-  و يحتاج الباحث إلى قدر من الموضوعية، حتى يحافظ على مسافة من الموضوع قيد الدرس، و لا يستسلم لأحكامه المسبقة؛
7- و الأهم من كل هذا، أن نتذكر دائما أن الإشكالية هي العمود الفقري لكل بحث/مقال/كتاب؛إذ هي التي توجه عمل الباحث/الكاتب/الطالب من بدايته إلى نهايته.و من ثم فكل جزء بل كل فقرة من فقرات البحث، يجب أن تستهدف الإجابة عن الإشكالية.لا بل إن كل فكرة و كل جملة إنما تكتسب مشروعية التواجد في تقرير البحث/المقال/ الكتاب من خلال علاقاتها مع الإشكالية:فهي تخدم الإشكالة و تدافع عنها، من المقدمة إلى الخاتمة.

المطلب الآخر:صياغة الإشكالية:

إذا اخترت موضوعا للبحث، أو فرض عليك موضوع في الامتحان ..،أو أي موضوع علمي آخر..قد تطرح على نفسك السؤال التالي: كيف يمكنني صياغة إشكالية هذا البحث ؟أو هذا الموضوع؟
لتسهيل مهمتك، نقترح عليك إتباع المنهجية التالية، للتوصل إلى وضع إشكالية الموضوع الذي تكون بصدد الإجابة عنه:
1-    ابدأ بمسح المعلومات المتوفرة لديك عن الموضوع( أفرغ الذاكرة)..فستجد أنه قد اجتمع لديك الكثير من المعطيات (معلومات ، و بيانات، و أمثلة، و استشهادات ،و تواريخ،و حقائق من كل نوع)؛
2-     قم بعد ذلك بترتيب تلك المعلومات/ البطاقات،و تصنيفها(تقسيمها إلى أنواع و تقسيم هذه الأنواع إلى فصائل) حسب مضامينها(قربها أو بعدها من الموضوع)،و لتؤلف منها عناوين كبرى؛
3-    من خلال هذه العملية السابقة، تكون قد بدأت في تحديد(وضع حدود) المشكلة قيد الدرس(من حيث الزمان و المكان و الموضوع):أي تكون، في الحقيقة، قد اخترت فرضية معينة- إشكالية أولية- لمعالجة السؤال.وهذه الإشكالية هي التي ستوجهك إلى نوعية المعلومات التي يتعين عليك  الإبقاء عليها و تلك التي يجب عليك استبعادها( حسب فهمك لجوهر الموضوع قيد البحث)[13]؛
4-    بمعنى أنه يصبح عندك،في نهاية المرحلة السابقة، معيار على أساسه تغربل و تفرز المعلومات المتوفرة لديك، و المقارنة بينها،على أساس علاقاتها المباشرة/ أو غير المباشرة بالموضوع المطروح للبحث(من زاوية الفرضية أو الإشكالية التي اخترتها)؛
منهجيات الإشكالية
معيار
5-     و بعد استبعاد الأفكار و المعلومات و المعطيات التي تعتقد أنك لست بحاجة إليها؛ يتبقى لك مجموعة  من  المعطيات الأخرى-( أفكار،و أرقام، و معلومات، و تواريخ..) -التي لها علاقة وثيقة و وطيدة بالموضوع المدروس؛أي التي لا يمكنك الاستغناء عنها.هذه الأفكار المتبقية، هي التي ستصبح الوعاء، الذي ستستخرج منه الإشكالية المركزية و الإشكاليات الفرعية.كيف؟
6-    يتم ذلك بوضع ما بقي من أفكار و معلومات..، في قوائم( تحت عناوين معينة)؛ و ذلك حسب مدى اتفاقها في سمة من السمات الملائمة للبحث.و لا يشترط في محتويات القائمة أن تكون متماثلة أو متشابهة في الظاهر،إذ أن الباحث الناجح ، هو الذي يستطيع الجمع في إطار واحد متسق ما بين معلومات متنوعة و متفرقة، مع إعطائها تفسيرا موحدا. 
7-    ثم يتم اختزال(اختصار) كل قائمة إلى فكرة واحدة : و تتمثل هذه الخطوة، في البحث  داخل  مكونات كل قائمة، عن الفكرة الأم/الأصل ؛ التي يُعتقد أو تعتقد أنت أنها هي الأصل( أو على الأقل العنصر)  المشترك، الذي يجمع بين مكونات القائمة. و ذلك باستخدام أدوات الاستفهام "لماذا؟" و "هل؟" و "كيف؟"؛محاولا إيجاد الأسباب التي تبرر أو تفسر؛ إدماج و اختزال عناصر كل قائمة في فكرة واحدة؛باستعمال العلاقات السببية بينها(إدماج الخاص في العام، و الشبيه في الشبيه، و التخلص من الشاذ ..).و بذلك ، نستطيع الوصول إلى الفكرة الرئيسية ( الأصل) في كل قائمة؛
منهجيات الإشكالية
إستخراج الفكرة المركزية من الأفكار الفرعية و الثانوية

8-    و نكرر هذه العملية ، مع باقي القوائم..إلى أن نصل إلى أربعة أفكار رئيسية(هذه الأفكار هي الإشكاليات الفرعية)؛
9-    بعد ذلك، عليك أن تبحث عن الفكرة التي تجمع بين كل الأفكار أو الإشكاليات الفرعية( بحيث تعتبر تلك الفكرة هي الأصل، و الأفكار الفرعية مجرد تفاصيل لها، تدعمها و لا تتناقض معها):فإذا عثرت على هذه الفكرة "الأم"، تكون قد وضعت يدك على الإشكالية المركزية..[14]، التي تجمع الأفكار و المعلومات على كثرتها و تنوعها، و توفِق  بينها، و تدرجها  كحبات اللؤلؤ  في سِلْك جامع يلم ما تشتّت منها؛

10-                        إن عملية الاختيار أو الكشف عن هذه الفكرة المركزية أو الإشكالية ،من مجموع الأفكار الرئيسية(الأصلية)، ليست سهلة،إذ تتطلب القيام بتقييم و تقدير موضوعي لكل إشكالية فرعية.فإذا أثبتت أي واحدة منها، قدرتها على تفسير الظاهرة قيد الدرس، بمنهجية أقوى و أعمق من الإشكاليات الفرعية الأخرى[15]،تصبح هي الإشكالية المركزية (النهائية).
بمعنى أنه، كي تتحول أي فكرة (أو فرضية)، إلى إشكالية مركزية، لا بد من أن تستوفي شرط أساسي، ألا و هو القدرة على الإجابة عن معظم( و ليس كل) الأسئلة التي يطرحها الموضوع المبحوث، أو تنطوي عليها الفرضيات و الأفكار الأخرى( خاصة الأصلية) المرتبطة بالموضوع.أي أن تكون قادرة على نَظْم أهم الأفكار و الفرضيات المتعلقة بالموضوع في خيط واحد أو سلك ناظم(fil conducteur) قوي و متماسك،دون تكلف أو اصطناع.
7- و في الحقيقة،نادرا ما يتفق الناس حول هذه الإشكاليات.اللهم، إلا إذا كانوا ينتمون إلى نفس الثقافة( بمفهومها الضيق جدا:كـأن يكونوا من نفس الكلية، أو المهنة).و إلا فإنه من الطبيعي أن يظهر الاختلاف و التباين بين الباحثين، فكل واحد منهم، يعود بالمشكل المبحوث، إلى إشكالية معينة، حسب معطيات ذاتية و أخرى موضوعية.
8- بهذه الطريقة المنهجية، يستطيع الطالب الذكي أن يضع يده على الفكرة الرئيسية التي ستقوده بأمان و طمأنينة ، إلى الخطوة التالية،أعني بها تقديم هذه الفكرة بتفاصيلها-إشكالياتها الفرعية[16]- في شكل مرتب و منظم..على شكل تصميم.




[1]  الإمام الرازي- الصّحاح-عني بترتيبه: محمود خاطر-الطبعة الثانية- دار الحداثة – بيروت 1993- مادة " شكل"(ص 273).
و لعل أقرب كلمة عربية فصيحة، تدل على معاني الإشكالية، هي كلمة "المعضلة"،أي القضية الشديدة ، التي يستعصي على الناس الاهتداء إلى حلها أو علاجها.و منها "اعضأَلَّت الشجرةُ كثرت أغصانها و التفَت":انظر:مادة "عضل " في الصحاح( ص 345)، و مادة "العَضَلة" في :الفيروز آبادي- القاموس المحيط- دار إحياء التراث العربي- بيروت 1991-ج4مادة " العَضلة" (ص 25).
[2]  مرجع سابق- ص 19.
[3]  مرجع سابق- ص 48.
[4]  المرجع السابق- ص 27.و يضيف في نفس المكان:" و قد شاع في البحوث الجامعية أن نحدد أسئلة الإشكالية في أربعة أسئلة:ماذا؟ و أين؟ و كيف؟ و متى؟ أي ماذا أريد أن أبحث؟ و ما هو مكان دراسة البحث؟ و ما هي الطريقة المنهجية التي أبحث بها الموضوع؟ و في أي زمن أجري الدراسة؟".

[5]  المشكلة البحثية – موسوعة العلوم السياسية- جامعة الكويت/ مؤسسة الكويت للتقدم العلمي/ وزارة الإعلام- الكويت 1994/1995- ج1 ص 44.
[6] فيما يلي، بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها و بالإجابة عنها، قد يصبح من السهل عليك تحديد إشكالية الموضوع الذي تكون بصدد معالجته:
-          ما هو "الشيء" أو "الأشياء" التي تمثل مشكل في هذا الموضوع؟ ما لذي يبدو لي غامضا..أو  متناقضا؟أو غريبا..؟ أو مهما ..؟أو جديدا أو مستفزا..؟؟ في هذا الموضوع(سجل كل الأفكار التي قد ترد على ذهنك كأجوبة على هذه الأسئلة).
-          لماذا يفترض في هذا الموضوع أو السؤال أن يكون مهما؟هل هو مهم من وجهة نظر المادة التي أدرسها ؟ أو البحث الذي أنجزه؟ و ما معنى أن أفشل في الإجابة عنه؟ هل سيفسر ذلك بأني لم أفهم حقيقة الموضوع الذي أدرسه /أحاول الإجابة عنه؟
-          ما هي جوانب هذا المشكل، التي يفترض بي الاهتمام بها..و التركيز عليها..للإحاطة و الإلمام بأهم أبعاد الموضوع؟
[7]  نحن نحتاج إلى تحديد المشكلة، ليكون حجمها- أي حجم ما سندرسه منها- متناسبا مع الوقت المحدد لإنجاز البحث، و الإمكانات المادية، و  سهولة أو صعوبة الحصول على المادة العلمية اللازمة، و الوسائل المطلوبة. فالبحث الذي يستغرق ثلاثة أسابيع ، ليس كالبحث الذي يتطلب عدة سنوات.و البحث الذي توجد المعلومات المتعلقة به ، في أقرب مكتبة، ليس كالبحث الذي يتطلب من الباحث الانتقال إلى عدة مدن، و مقابلة عدة أشخاص. و هكذا.
[8]  يقصد بهذه المحددات حصر اهتمام الباحث في إطار زمكاني لا تخرج عنه.و حصرها في موضوع(أو جزء من موضوع)، لا يمكنها الخروج عنها:فالتحديد الذي يختاره الباحث، يصبح ملزما له، طيلة البحث.و يراد بالمحددات أيضا ، تحديد مفاهيم الدراسة و مصطلحاتها.
[9] د.سعيد إسماعيل صيني- قواعد أساسية في البحث العلمي-مؤسسة الرسالة-بيروت 1415/1994- ص 137 و ما يليها.و تحديد الإشكالية، قد يأتي ، من حيث الصياغة، على ثلاثة أنواع:
أ- صيغة الجملة الخبرية:هذا البحث،يدرس آراء الشارع المغربي،في العلاقة الموجودة بين الديمقراطية و التنمية المستدامة.
ب- صيغة السؤال:كيف يرى الشارع المغربي العلاقة بين الديمقراطية و التنمية المستدامة؟
ج- صيغة الفرضية:هناك رأي(أو دراسة علمية..) يقول بأن المغاربة ، يرون أن السبيل الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة ، هو الأخذ بالديمقراطية.للمزيد من التفاصيل:انظر قواعد أساسية في البحث العلمي- م.س- ص 141 و ما يليها.
[10]  يستعمل المؤلفون في الشرق العربي مصطلحي "مشكلة" أو "مشكلة بحثية" للتعبير عن الإشكالية.
[11]  مناهج البحث الاجتماعي و أدواته- ص106.
[12]  فلا يمكنك، مثلا، أن تدرس أسباب البطالة في العالم، أو حتى أسباب البطالة في صفوف الشباب العرب، إلا بطريقة خالية من العمق . و لكنك إذا ضيّقت الإشكالية ، بحيث حصرتها في دراسة البطالة في صفوف الجامعيين المغاربة مثلا، أو  البطالة في صفوف الحاصلين على الدكتوراه في القانون أو الجغرافيا،فستكون دراستك أهم بكثير. ذلك أنه كلما اتسعت الإشكالية كلما كان البحث سطحيا، و كلما ضاقت  كان البحث عميقا، و بالتالي يخرج بنتائج دقيقة.
غير أنه إذا ضاقت الإشكالية، حتى انحصرت في الحاصلين على الدكتوراه في قانون الشغل  أو في دراسة المناخ مثلا ، أصبح البحث أقل أهمية.
[13]  و هذا من مزايا الإشكالية،إذ بهذا التوجيه ؛ توفر على الباحث الكثير من الوقت و الجهد و المال، الذي كان سينفقه في الحصول على معلومات عديمة القيمة أو محدودة الأهمية، بخصوص المشكل قيد الدرس.
[14]   و هناك طريقة أخرى مختصرة، و لكنها غير دقيقة:أن تختزل الأفكار الرئيسية إلى فكرة واحدة، ثم تقوم بتفريعها إلى فرعين أو إشكاليتين فرعيتين، على أساسهما يتم وضع التصميم.
[15] و من المهم، أن نلفت الانتباه هنا،إلى أنه  من المهم جدا، أن تنبثق الإشكالية عن البحث ، لا من الأفكار السابقة التي كانت لدى الباحث..أي الدين أو الإيديولوجيا..أو غيرها.
[16] أجل، إن الإشكالية، تتضمن ، بشكل أو آخر، الطريقة التي يجب إتباعها لعرض نتائج البحث؛ و ذلك بواسطة الإشكاليات الفرعية.ذلك، أن أهمية هذه الإشكاليات ، تظهر من زاويتين:
أ- الأولى، هي أن الإجابة عنها تمكن و تؤدي، في نهاية المطاف ، إلى الإجابة عن الإشكالية المركزية، فهي ليست مستقلة بعضها عن بعض ، بل هي متكاملة، أو يجب أن تتكامل في خطة  منهجية واحدة،للإجابة عن الإشكالية المركزية.و كأنها روافد بالنسبة لنهر الإشكالية الكبير.
ب‌-    و الأخرى، أنها تشكل الأساس الذي ينسج منه التصميم:فالتصميم ، يتمحور حول الإشكاليات الفرعية، فنجد به من الأقسام الرئيسية و الفرعية بقدر أو عدد الإشكاليات الفرعية.
لاستخراج هذا التصميم، بشكل واضح جلي، يجب تفكيك الإشكالية ،أو إعادتها بالأحرى إلى أصولها،أي الأفكار الفرعية الكامنة فيها، و المكونة لها.