الأحد، 22 ديسمبر 2019

ما هي مشكلة البحث( الإشكالية)؟في بحوث العلوم الإدارية و الاقتصاد و المحاسبة؟ كيف نختارها؟ و كيف يتم تكوينها و تحديدها؟ و ما هي خصائصها؟

ما هي مشكلة البحث( الإشكالية)؟في بحوث العلوم الإدارية و الاقتصاد و المحاسبة؟ كيف نختارها؟ و كيف يتم تكوينها و تحديدها؟ و ما هي خصائصها؟


مشكلة البحث في العلوم الإدارية
(و الاقتصاد، و المحاسبة)
لا بد أن يتضمن مشروع البحث " مشكلة" .و مشكلة البحث هي شيء يحيط به الغموض، أو ظاهرة تحتاج إلى تفسير، أو أمر موضع خلاف.فهي في كل الأحوال، موضع نقص في المعرفة، و تعبير عن حالة عدم التأكد بالنسبة لأمر معين.
و الشعور بوجود المشكلة، هو الحافز الأساسي لحلها، و كل ما حققه الإنسان من اختراعات، و ابتكارات، و اكتشافات، هو نتاج طبيعي للشعور بمشكلة تحتاج حلا.
و يخلط البعض بين مشكلة البحث ، و مفهوم المشكلة  الإدارية، على الرغم مما بينهما من اختلاف كبير.فالمشكلة الإدارية موقف مركب يتطلب اتخاذ إجراءات إصلاحية، و هي تعبير عن جوانب مَرَضية سيئة في حياة المنظمة[ المقاولة] أو أفرادها، و هي تنجم عن ظروف المنظمة ذاتها و علاقتها بالمجتمع.فالقصور الإداري بما يتضمنه من مشكلات عديدة هو مشكلة المنظمة و ليس مشكلة البحث.أما مشكلة البحث ذاته، فقد تتناول جانبا مَرَضيا- تقصير- في المنظمة، و قد تتناول جانبا إيجابيا، و كلاهما في حاجة إلى تفسير، و هي أوسع مدلولا ، و أكثر شمولا من المشكلة الإدارية.

أولا:اختيار مشكلة البحث:

كيف يختار الباحث موضوع بحثه؟ أو من أي يستقي الباحث موضوع بحثه؟
يختار أو يستقي بإحدى الطرق/ أو من أحد المصادر التالية..
1- اطلاع الباحث و إلمامه بالتراث الفكري في فروع تخصصه العام ( إدارة الأعمال مثلا)، و كذلك في تخصصه الفرعي ( تسويق أفراد، إنتاج، بحوث عمليات..)..إلخ؛
2- الاطلاع على الدراسات و البحوث السابقة المتعلقة بالموضوع، أو بموضوعات مشابهة، اعتمادا على القضايا و المشكلات و النتائج التي توصلت إليها الدراسات؛
3- بالاحتكاك بذوي العلم و الخبرة و حضور المناقشات العلمية، و حلقات الدراسة المختلفة، و تدوين الملاحظات، و ما يدور فيها من وجهات نظر و آراء؛
4- من مشاكل  الساعة التي تحدث في المجتمع، و يهتم بها الرأي العام، أو من بعض الظواهر أو الأزمات التي تحدث في المجتمع و تثير رأي المواطنين، و تؤثر في اتجاهاتهم ( آثار سياسية الانفتاح، مشكلة المواصلات و اختناق المرور و تأثيرها على التنمية، دور القوات المسلحة في مجال الخدمات، تنمية سيناء اجتماعيا و اقتصاديا..، عدم وصول مياه الشرب للأدوار العليا..إلخ)، فهي تعتبر مصدرا خصبا يلهم الباحثين لاختيار موضوعاتهم البحثية؛
5- من الموضوعات و المشاكل التي تبحثها مراكز البحوث و الهيئات و المؤسسات العلمية المتخصصة، و يجب الاطلاع على ما تم دراسته بالفعل، و ما هو جاري دراسته وفقا لخطة البحوث فيها، و ما هو مدرج لدراسته في المستقبل كذلك؛
6- يستقي الباحث مشكلة بحثه من تحقيق أو رفض نظرية أو قانون سابق،أو حينما يريد التأكد من صحة بحث أو فرض معين؛
7- من فكرة مفاجئة أتت إليه بشكل مباشر، كأن يعاني من اختناق المرور في يوم حار و يقرر دراسة أثر مشكلة المواصلات على التنمية في المجتمع..؛
8- من الاطلاع على ما يرد في التراث الشعبي أو السير الشعبية، أو بعض الحكم و الأمثال المأثورة، أو حتى الاطلاع على مسرحية أو فيلم سينمائي، أو قراءة رواية أو قصة..إلخ؛
9- حينما يقرأ مقالا يختلف فيه مع مؤلفه اختلافا بينا، أو من مناقشة أو حوار تم مع غيره ، و استلفت نظره؛
10- من الخبرات اليومية التي يعيشها الفرد.
و عموما،يجب قبل البدء في إجراء الدراسة، أن يسأل الباحث نفسه، عدة أسئلة تتعلق بمشكلة البحث، و تساعده في تقرير مدى أهميتها، مثل: هل مشكلة البحث، جديرة بالدراسة؟ و هل تستحوذ على اهتماماته و رغباته؟ و هل هي مشكلة جديدة؟ و هل تضيف جديدا للتراث العلمي أو للمجال التطبيقي؟ و هل هي صالحة للدراسة من مختلف النواحي؟ و هل يستطيع الباحث القيام بها، من حيث الوقت و المال و الخبرة و الأدوات و المهارات و توافر البيانات..إلخ؟
كما يجب على الباحث أن يضع في اعتباره أهمية الدراسة و أهدافها، و الدافع الذي دفعه إلى دفعه إلى دراسة تلك الظاهرة بوجه خاص؟ و الجوانب التي يحاول توضيحها و كشفي أبعادها؟ ..إلخ.

ثانيا: طرق تكوين المشكلة

هناك طرق منظمة ، و أخرى غير منظمة، لتكوين المشكلات، و من هذه الطرق:

أ- الطرق المنظمة في تحديد المشاكل:

1- الاستنباط و الاستقراء: كثير من البحوث السابقة تقود إلى بحوث جديدة، و من هنا تأتي أهمية البحوث الاستنباطية و الاستقرائية، حيث يمكن تحديد اتجاهات بحوث جديدة ، سواء لاختبار فروض معينة، و التي تبرزها البحوث الاستقرائية، أو لإجراء مزيد من البحث و جمع المعلومات، الأمر الذي تظهره البحوث الاستنباطية.

2- التناظر أو القياس بالتشابه:و تعتمد هذه الطريقة على استخدام المعلومات المتاحة عن مشاكل في مجال معين، في تكوين مشكلة بحثية مناظرة، و لكن في مجال آخر، بشرط وجود وضع مقارن بين المجالين، في كل الجوانب الهامة،و مثال ذلك محاولة إجراء بحث عن كيفية قياس كفاءة أجهزة العلاقات العامة في قطاع خدمي كالبنوك ، بالقياس إلى دراسة سابقة عن نفس الموضوع، و لكن بالتطبيق على قطاع آخر( خدمي أيضا)، و ليكن النقل مثلا أو السياحة.

3- التحديث:يستخدم هذا المدخل في تحديد المشاكل عن طريق فحص المفاهيم و النظريات الحالية و الكلاسيكية، في ضوء التطورات الحديثة، سواء في نفس المجال، أو مجالات مرتبطة، و ذات تأثير عليه، لتحديد مواطن الضعف في الوضع الحالي، و تحديد المشكلة البحثية على أساس محاولة دراسة إمكانية معالجة هذه المَوَاطِنْ.أو بمعنى آخر، تطبيق اتجاهات علمية حديثة لتطوير النظريات القديمة، مثال ذلك دراسة أثر نظم المعلومات.

4- النظرة الانتقادية ( الدياليكتيك):و تقوم هذه الطريقة، في تحديد المشاكل، على أسلوب إثارة النقد باستمرار في الأشياء لاختيار جدواها و ملاءمتها و صحتها، بحيث يكون السؤال المطروح دائما هل هناك شيء أفضل؟ أو هل هذا أفضل شيء؟ و يتطلب البحث بهذا الأسلوب التعرف دائما على نتائج تطبيق النظريات و الأساليب أو الأدوات أو غيرها، من خلال تقارير المتابعة التي تعطي نقطة الانطلاق للباحث في طرح الأسئلة الإنتقادية عن أفضلية الوضع الحالي.

5- التوقع أو النظرة المستقبلية:أي دراسة الوضع المستقبلي في مجال من المجالات و فحص ما إذا كانت هناك مشاكل متوقعة لبلورتها و دراستها، و مثال ذلك وضع الخطة المادية لخمس سنوات المشروع ما، ثم استنتاج مشاكل التمويل التي يلزم دراستها و بحثها من الآن، أو دراسة و بحث خطط المشروع لمواجهة المشاكل المالية المرتقبة، و التي تستخلص من الخطة المالية التي يعدها المشروع.

6- طريقة مورفي:و هي طريقة حديثة تعتمد على الاحتمالات المترابطة في المشاكل المعقدة، مثال ذلك إعداد خريطة مقسمة على أحد المحورين ، بعدد الأطراف المعنية بتحليل ما في تقارير معينة ، و على المحور الآخر تقسيم على حسب المهمة في التقارير من ناحية حجمها، دورية إصدارها،  دقتها و أساس تقييم العناصر الواردة..إلخ، مما يظهر لدينا شبكة من العلاقات المتداخلة عن أفضل شكل للتقرير التحليلي.و تفيد هذه الطريقة في أنها تحصر كافة البدائل الممكنة بالنسبة لنوع معين من المشاكل و نظرا لضخامة عدد الاحتمالات الناتجة فإنه يتعين ترشيد اختيار البدائل التي تخضع للدراسة.

7- تقسيم أو تجزئة المشاكل:أي تقسيم المشكلة الرئيسية الواحدة،إلى أجزاء متعددة يمكن أن يكون كل جزء منها بمثابة مشكلة مستقلة،ثم فحص الجوانب التي تم تغطيتها بالبحث فيها و حصر الجوانب الأخرى التي لم تبحث بعد.

8- التجميع:و هو اتجاه عكسي للطريقة السابقة مباشرة، و في هذه الطريقة يتم محاولة تجميع نتائج البحوث السابقة و النظريات المتاحة و محاولة تطبيقها في معالجة مشاكل أخرى أكثر تعقيدا، و مثال ذلك بحث إمكانية استخدام النظرية الحديثة في التنظيم الإداري. بشركات القطاع العام، أو إمكانية تطبيق نظام التقرير الشخصي في تقييم أداء الإدارة العليا.

ب- الطرق غير المنظمة في تكوين المشاكل:

1- التخمين: و يحدث ذلك بالنسبة للأفراد الذين يتيح لهم مجال عملهم إمكانية توقع حدوث مشكلة معينة مثل: رجال البيع بالنسبة لتوقعات الأسواق، أو مديري شؤون العاملين بالنسبة لاتجاهات التوظف، أو خبراء الأسواق المالية بالنسبة لسوق الأسهم،..إلخ.و بالرغم من الدور الرئيسي الذي يلعبه هذا الأسلوب في تحديد المشاكل،فإنه يجب الحذر فيه، و إلا إتجه الباحث في اتجاه لا أساس له من الصحة.

2- الظواهر: كثير من البحوث التي تراها تعتبر مسايرة لظواهر معينة كأن تبدأ مجموعة من البحوث تالية لظاهرة استخدام الكمبيوتر، عن إمكانية استخدامه في مجال معين، و يليها دراسات عن متطلبات التطبيق ثم اقتصاديات تشغيليه، ثم أثره على القدرات الإدارية، و هكذا.

3- الاتفاق الجماعي في الرأي: أيضا يمكن تحديد مشاكل بحثية معينة، إذا اجتمع رأي مجموعة من الأفراد عليها، و لو بشكل لا إرادي، كأن يتفق مجلس إدارة إحدى الشركات على مشكلة معينة يلزم بحثها.

4- التجربة: من الطبيعي أنه من خلال التجربة تتضح كثير من المشاكل التي يلزم علاجها، كأن تواجه شركة ما مشاكل في العمالة أو مشاكل في النقل و خلافه.

ثالثا- خصائص مشكلة البحث:

و بصرف النظر عن طريقة البحث عن المشكلة و تكوينها، فإنه يجب أن يتوافر عدد من الخصائص في المشكلة لكي تكون صالحة للبحث، و هي الخصائص التالية:
1- توصيف المشكلة بدقة، سواء المشكلة العامة، أو المشاكل الفرعية التي تجزأ إليها المشكلة العامة؛
2- تلافي الصياغات العمومية في تحديد المشكلة؛
3- ترتبط المشكلة منطقيا بالفترة التي نشأت خلالها، و من ثم فإن الحل الذي يتوصل إليه الباحث، يطبق في ظل تلك الظروف؛
4- إن المشكلة لم يسبق دراستها و تحليلها و معالجتها؛
5- أن يمثل حل المشكلة إضافة إلى المعرفة، أي أن تكون المشكلة ذات أهمية.
***
المصدر:د.طاهر مرسي عطية-  إعداد رسائل الماجستير و الدكتوراه في العلوم الإدارية ( إدارة الأعمال، المحاسبة، الاقتصاد)- دار النهضة العربية- دون مكان الناشر- 1994- ص ص 66-73( مع بعض التصرف).

الأربعاء، 25 سبتمبر 2019

كيف تكتب أطروحة لنيل الدكتوراه في التاريخ؟ ما هي أهمية أطروحة الدكتوراه؟ كيف تختار موضوع الأطروحة في التاريخ؟ ما هي العوامل التي قد تؤثر في اختيارك له؟ كيف تختار الفترة التاريخية موضوع البحث؟ كيف تختار مصادر و مراجع البحث؟ كيف تقيّمها؟ كيف تصيغ إشكالية البحث؟ كيف تضع تصميمه؟


كيف تكتب أطروحة لنيل الدكتوراه في التاريخ؟ ما هي أهمية أطروحة الدكتوراه؟ كيف تختار موضوع الأطروحة في التاريخ؟ ما هي العوامل التي قد تؤثر في اختيارك له؟ كيف تختار الفترة التاريخية موضوع البحث؟ كيف تختار مصادر و مراجع البحث؟ كيف تقيّمها؟ كيف تصيغ إشكالية البحث؟ كيف تضع تصميمه؟

الكثير من  طلبة العلم يحلمون بإعداد أطروحات لنيل الدكتوراه، في أحد  ميادين المعرفة العلمية.ذلك أن إنجاز هذا النوع من البحوث، و إتمامه، بطريقة مرضية، يعتبر أفضل تتويج للمسار الجامعي لكل طالب و طالبة،هذا من ناحية، و من ناحية أخرى-ربما أكثر أهمية-،فالنجاح في هذا المشروع،يعد أكبر دليل على توافر صاحبه أو صاحبته،على قدرات و مهارات علمية و تنظيمية،  تؤهله لأن يدلي "باجتهادات ذات قيمة و وزن" في مجال تخصصه،و من ناحية ثالثة،فالدكتوراه،كشهادة علمية،تؤهل حاملها أو حاملتها،في الكثير من الدول المحترمة، لتولي أعلى و أسمى  المناصب القيادية، لاسيما في المجالات التي لها علاقة بالإنتاج العلمي و الفكري و التبربوي و الثقافي.
ما يهمنا ، هنا و الآن،من كل هذا، أن أطروحة الدكتوراه، هي بإجماع آراء ذوي الاختصاص، أكثر البحوث الجامعية أهمية و جدية، و أكثرها صعوبة أيضا.ذلك أن لها ميزة أساسية تميزها عن سائر البحوث الجامعية؛وهي أنها عمل إبداعي،في المضمون على الأقل.ففي أبسط تعريف لها من الناحية الأكاديمة،تعتبر الأطروحة "بحث عميق، يضيف حقيقة إلى المعرفة البشرية"، حقيقة جديدة في ميدان من الميادين.فهي إذن، ليست طريقة لتجميع " الحقائق المكتسبة"، و إعادة تنظيمها و عرضها بطريقة من الطرق.فالأطروحة، قد يكون لها من القوة و التأثير ، أحيانا، أن تحدث "ثورة" في التفكير العلمي، أو على الأقل ، تغير الكثير من المفاهيم الراسخة، و تكرّس مكانها، مفاهيم جديدة، لمدة طويلة من الزمن.
و لذلك،فقلة من الباحثين، هم الذين ينجحون في إعداد أطروحات ممتازة.و في معظم الحالات،يحتاج طلبة الدكتوراه إلى من يساعدهم و يرشدهم، إلى أفضل الطرق و أكثرها فعالية و نجاعة، لإعداد الأطروحات الجيدة.
و علم التاريخ، مثله مثل جميع العلوم الأخرى، يحتاج في دراسته و بحثه إلى المنهجية العلمية.في الفقرات التالية،يحاول الأستاذ الدكتور طارق الخالدي،أن يأخذ بأيدي الطلبة الذين يعدون أطروحات لنيل الدكتوراه في هذا الميدان، و يمشي معهم في مسار الإعداد، خطوة خطوة، ابتداء من اختيار فكرة الأطروحة، مرورا بصياغة إشكاليتها، إلى أن يكملوا كتابتها. 
***
كيف تعد أطروحة لنيل الدكتوراه في التاريخ؟

[...] نستعرض في هذا الباب المختصر، بعض المسائل العملية التي تواجه طلاب الدراسات العليا، عندما يحين الوقت لكتابة الأطروحة أو الدراسة المطولة في التاريخ.و في أيامنا هذه[بداية ثمانينات القرن الماضي] تتراوح الفترة التي تستغرقها كتابة الأطروحات الجامعية بين سنتين إلى خمس سنين في الغالب.و هذه السنوات يصرفها الطالب في البحث و التفكير، يقتطعها من عمره و نشاطه، و قد تكون من أصعب سنوات حياته ماديا و نفسيا و فكريا.لذا فإن اختيار موضوع الدراسة بدقة، و تصميم البحث بعناية، يوفر على الطالب إضاعة الوقت الناتج عن الانتقال بين موضوع و آخر، إذ كثيرا ما يصرف الشهور الطوال في التنقيب عن موضوع معين ليكتشف في النهاية أنه ليس الموضوع الملائم، لسبب من الأسباب.
من هنا، فإن التمهل في انتقاء الموضوع، أسلم من الإسراع في ذلك، فلا بأس إن أمضى الطالب بضعة شهور في استعراض المشاكل المتعلقة بالمواضيع المختلفة ، قبل أن ينتقي موضوعه النهائي، فذلك أنفع له من إضاعة الوقت في القفز من موضوع إلى موضوع على غير هدى.
و انتقاء الموضوع يتم في الغالب لأسباب عديدة ، و يكون البعض منها ، أحيانا، ذي صلة بالموضوعية ، كأن تستهوينا فترة معينة أو شخصية معينة، فنتجه إليها ، كمن يتجه إلى صديق قديم أو إلى أرض مألوفة.
لكن، بالرغم من وجود العوامل النفسية المعقدة في اختيار الموضوع، فإن هناك بعض العوامل التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.ففي المقام الأول، هناك الخبرة السابقة.فإذا كان الطالب قد أظهر ميلا نحو علم الاقتصاد في حياته الجامعية، فقد يحسن صنعا إذا اختار موضوعا في التاريخ الاقتصادي، و قد يتشجع أكثر إذا عرف أن التاريخ الاقتصادي العربي لا يزال إلى الآن حقلا يحتاج إلى العديد من العاملين فيه.و هكذا، طبعا، بالنسبة إلى العلوم الأخرى، كالزراعة أو الطب أو علم الاجتماع أو الفلسفة أو ما شابه.و هذا الانتقاء للصنف التاريخي الملائم يمثل في الواقع الخطوة الأولى و الأهم نحو الهدف.
و هناك في المقام الثاني، الفترة التاريخية: هل يتجه إلى الوسيط أم إلى الحديث؟ و هذا الاختيار له أيضا، ملابسات هامة.ففيما يتعلق بالتاريخ العربي، فإن انتقاء الفترة الوسيطة يعني أن على الطالب أن يقرأ العديد من المصادر العربية القديمة النثرية و الشعرية، و هو أمر لا يعرف صعوبته إلا من عاناها.كذلك، فإن بعض المؤرخين يرى، و رأيهم جدير بالاعتبار، أن التاريخ الوسيط ينفصل عن الحديث انفصالا عظيما، و ذلك بسبب هوة اسمها الثورة الصناعية.فالعالم الصناعي، في رأيهم، يختلف اختلافا جذريا عن العالم ما قبل الصناعي، ليس فقط في أنماط الحياة بل و في الطبيعة البشرية كذلك.من هنا، فإن التاريخ الوسيط يتطلب خيالا أوسع، أو على الأقل، خيالا مختلفا عن الخيال الذي يستخدمه المؤرخ في الكتابة في العصور الحديثة.
و مع اختيار الحقل و الفترة ، يكون الطالب قد وصل إلى منتصف الطريق أو يكاد، نحو تحديد الموضوع نهائيا. و هذا التحديد يجري، في رأيي، حسب بعض المبادئ العملية، فهناك مثلا الاختيار بين موضوع واسع و موضوع ضيق.فإذا افترضنا على سبيل المثال أن الاختيار قد وقع على موضوع نشوء القومية العربية، فمن المستحسن أن يقتطع الباحث جزءا صغيرا من هذا الموضوع، لكي يركز البحث في الزمان و المكان، فالتركيز على قطر واحد ، و في زمن قصير، يكسب البحث عمقا و دقة.القاعدة إذاً هي تركيز الموضوع و تضييقه ما أمكن[ راجع ما كتب عن إشكالية البحث، في هذا الموقع]، و هذا ينطبق على الأخص على الأطروحات الجامعية، فالمؤرخ عليه أن يحسن استعمال المجهر قبل أن ينتقل إلى المرصد.
و بعد تحديد الموضوع، ينتقل الطالب أولا إلى المصدر الثانوية، أي الدراسات الحديثة و المعاصرة، و ذلك لتكوين فكرة عامة عن الموضوع.و يستحسن، في هذا الصدد، أن يقرأ الطالب بعض الكتب الهامة التي تعالج مواضيع مشابهة لموضوعه، بدون أن تكون حول موضوعه مباشرة، و ذلك للاطلاع على مناهج مختلفة في معالجة موضوع مشابه.فإذا افترضنا المثال الوارد أعلاه، أي أن الطالب قد اختار موضوع " نشوء القومية العربية"، فمن المفيد أن يطلع على كتب مشهورة تعالج موضوع نشوء القومية الإيطالية و الألمانية مثلان و ذلك لاستيحاء الطريقة التي يعالج فيها المؤرخون البارزون موضوع نشوء القوميات عموما.
و عندما يبدأ الموضوع بالاختمار في الذهن من خلال دراسة المصادر الثانوية، يحين الوقت لوضع تصميم للبحث[ راجع ما كتب في هذا الموقع، عن التصميم و أنواعه].و هذا التصميم ليس بالشيء الثابت، لأنه يتطور مع تطور البحث و سير الدراسة، لكنه أمر ضروري حتى يتسنى للطالب أن يتلمس طريقه عند الدخول إلى المصادر الأولية،أي المصادر و الوثائق التي تنتمي إلى نفس الفترة الزمنية التي هي موضوع البحث.و تصميم البحث هو في الواقع فهرس المحتويات، هو الهيكل العظمي الذي تبنى عليه الأطروحة، هو تقسيم أجزاء البحث بحسب أهمية كل جزء من هذه الأجزاء.لذا ،فإن البحث المتزن يجب أن يكون متزنا لا في مضمونه فحسب، بل و في شكله أيضا.
التصميم الجيد إذا يطال الكيف و الكم معا، فإن شيطان النقد لا يرحم المؤرخ الذي يسمح لجزء من أجزاء الموضوع أن يطغى على الكل.فإن كنا نكتب عن السلاجقة في الشام في مئة صفحة، فلا يمكن لنا أن نكرس ثلاثين صفحة منها لتاريخ السلاجقة على وجه العموم. و إن كنا نكتب سيرة صلاح الدين الأيوبي، فلا يمكن أن نكرس بابا واحدا لحروبه مع الصليبيين ، و تسعة أبواب لحروبه مع أمراء المسلمين الآخرين، كما فعل أحد المستشرقين في كتاب صدر حديثا[ راجع ما كتبناه عن مبدئي التوازن و التوازي، في كتابة البحوث..].
و حين يكتمل التصميم استنادا إلى دراسة الموضوع من مصادره الثانوية، تأتي أخيرا مرحلة الولوج في المصادر الأولية، بعد أن يكون الباحث قد هيأ نفسه لذلك.و إذا كان موضوع البحث يقع في التاريخ العربي الوسيط، و وصل الطالب إلى أن يضع لائحة بأسماء المؤرخين و كتبهم التي تهمه، من المفيد بادئ ذي بدء أن يتعرف إلى سيرة هؤلاء من خلال تراجمهم في كتب الطبقات، كإرشاد الأريب ( المعروف بمعجم الأدباء) لياقوت الحموي، و وفيات الأعيان لابن خلكان، للاطلاع على حياة المؤرخ و أساتذته و تلاميذه و محيطه و كتبه الأخرى و المنهج الذي اتبعه في الكتابة و إلى ما هنالك.و دراسة التأريخ و المؤرخين في الفترة المختارة هي في الغالب المدخل الأفضل لفهم الفترة بشكل شامل و عميق، كما أن العديد من الأطروحات التاريخية، تعقد فصلها الأول لدراسة المصادر، و هذا أمر مستحب و ضروري لتعميم الفائدة.
و هكذا يسير البحث عبر مراحل ثلاث: مرحلة المصادر الثانوية، ثم مرحلة تصميم البحث، ثم مرحلة المصادر الأولية.و تتلاشى المرحلة الأولى تدريجيا أما التصميم ،فإنه يلازم البحث حتى النهاية، متأرجحا في شكله و في نسبة أجزائه بعضها إلى بعض، حسبما توحي به المصادر الأولية، و إلى أن يكتمل البحث نهائيا.و الأطروحة الجامعية الجيدة، تكون في العادة نتاج تفاعل فكري بين المشرف و الطالب، فلا يجوز أن يفرض الأول موضوعا معينا على الثاني، و العكس.كما أن دور المشرف ينحصر في توجيه الطالب نحو المصادر الثانوية و الأولية، و من ثم الإشراف على تصميم الأطروحة و اتزانها و منطقها.أما المضمون، فإن الطالب هو المسؤول الأول و الأخير عنه، كما أن من المفترض أن يصبح في النهاية" خبيرا" في موضوع بحثه.
و الآن، و قد اقتربنا من نهاية هذه الملاحظات حول التاريخ، فقد يكون من المناسب أن نختتم بالكلام عن المصادر و الهوامش في التاريخ [ راجع ما كتبناه، في هذا الموقع، عن أنواع المصادر و المراجع، و كيفية تقييمها..].
إن المصادر و الهوامش تشكل الجانب التمحيصي ( إذا صح اللفظ) من العمل التاريخي.فقد اعتاد بعض المؤرخين، و أنا منهم، أن ينظروا في بادئ الأمر إلى الهوامش و المصادر عندما يقع بين أيديهم كتاب جديد.و ليس في الأمر غرابة، لأن المصادر و الهوامش في العمل التاريخي، تشبه اللمسات الأخيرة التي ننظر إليها أولا عندما نشتري سلعة ما.العديد منا، ينظر إلى اللمسات الأخيرة، و من ثم ينظر إلى السلعة ككل، قبل أن يعطي رأيه النهائي فيها.لذا فإن الكلام في موضوع الهوامش و المصادر هو من قبيل " أخيرا لا آخرا".فربّ عمل تاريخي جيد شوهته مصادره و هوامشه، لأن المؤلف أرسل به إلى الطبع دون أن يكلف نفسه مشقة الانتباه الدقيق إلى لمسات عمله الأخيرة.و ربّ عمل تاريخي سيء، غفرت له بعض ذنوبه المصادر و الهوامش التي صاغها المؤرخ بدقة فأفادنا على الأقل بأسماء بعض ما قد غاب عنا من أسماء المصادر.
و فيما يختص بالمصادر الثانوية، فإن الطالب يستقيها في البدء من الأستاذ المشرف، لكن كشاف المصادر في الكتب التاريخية الجيدة، كثيرا ما يرشدنا إلى مصادر أخرى ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بموضوع البحث.و حتى لا يضيع الوقت في قراءة مصادر ثانوية، لا قيمة لها، على الطالب أن يحسن تقييم الكتاب الذي يقع بين يديه، قبل أن يبدأ بقراءته، و ذلك بإلقاء نظرة سريعة عليه في شكله و مضمونه: من المؤلف؟ من الناشر؟ ما تاريخ النشر؟ هل فيه قائمة بالمصادر المستعملة؟هل فيه هوامش؟ هل هو مفهرس جيدا؟ هل له تصميم منطقي واضح من خلال دراسة فهرس محتوياته؟ هل الأسلوب رصين و علمي أم هو عاطفي متحيّز؟ أما فيما يختص بالمصادر الأولية، فمن الضروري الاعتماد على الطبعة الموثوقة عند الباحثين، دون سواها،مخافة إضاعة الوقت في الاعتماد على طبعات غير علمية. و لا بد لكل طبعة علمية أو تحقيق علمي من مقدمة يصف فيها المحقق المخطوطات التي اعتمدها و لابد لها من هوامش توضح الاختلافات بين المخطوطات، كما لا بد لها من فهارس للأعلام و الأماكن و إلى ما هنالك.
هذه بعض الإشارات التي تساعد على التمييز بين الصالح و الطالح من المصادر.أما فيما يختص بالهوامش فعلى الطالب أن يحدد وظيفة الهوامش بدقة.فالهوامش هي الاستشهاد أو الإيضاح أو الإضافة، و ليست أبدا للتبجح أو الحشو.و الاستشهاد يكون غما بنص أو برأي، أما الإيضاح و الإضافة فنعني بهما تلك الأمور الهامة التي لا مجال لإيرادها في النص، و لكنها قد تهم الباحثين في مواضيع لها صلة بالموضوع الأساسي.أما التواريخ المعروفة و الحوادث المتواترة ، فلا حاجة للدلالة عليها في الهامش.و لا يوجد أي مقياس يحدد لنا بالضبط كمية الهوامش اللازمة ،فإذا أكثرنا من الاستشهاد بدت الأطروحة و كأنها فسيفساء من آراء الآخرين، أما إذا كان الاستشهاد قليلا، فإن الأطروحة قد تبدو و كأنها معلقة في الهواء الطلق.
الدكتور طريف الخالدي- بحث في مفهوم التاريخ و منهجه- دار الطليعة- بيروت 1982- ص ص 83-88.


الثلاثاء، 9 يوليو 2019

تصحيح امتحان القانون الضريبي المغربي /الدورة العادية /2019

تصحيح امتحان القانون الضريبي المغربي /الدورة العادية /2019


تصحيح امتحان الضريبي(2019)/الدورة العادية
السلام عليكم أعزائي طلاب و طالبات الفصل الرابع المحترمين،..
أما بعد، فلقد فكرت في نشر تصحيح امتحان الضريبي، و لاسيما النازلة، منذ اليوم الموالي ليوم الامتحان، إلا أن ظروف منعتني من ذلك.
و لما تحدد يوم " مراجعة التصحيح"، فكرت أن أنشر التصحيح في هذه المدونة، حتى يرجع إليه من يهمه الأمر من الطلبة،لأنه في يوم المراجعة، لا تتاح لنا فرصة لذلك، بل نحن ننشغل أكثر بحالات الطلبة الذين لم تظهر أسماءهم في النتائج المنشورة، أو الذين اعتبروا غائبين مع أنهم حضروا إلى الامتحان، أو ما شابه ذلك من الحالات.
و لقد شعرت بالسعادة لأن أحد الطلبة ( أو الطالبات)، دخل إلى هذه المدونة، و سجل طلبا بتصحيح الامتحان،جاء على شكل سؤال:أستاذ، رأيناك لم تقم بتصحيح الامتحان لهذه السنة(2019)؟ فهذا يدل على اهتمام بعض الطلبة، و حرصهم الكبير على التعلم و اكتساب المعرفة الصحيحة ، أكثر من سعيهم إلى " تجميع النقط"، بشتى السبل، القانونية و غير القانونية.
هاأنذا يا سيدي (أو يا سيدتي)، أقوم بتصحيح الامتحان، و لاسيما النازلة...و عسى أن تجد في ذلك ما يفيدك، و يرضيك، إن شاء الله.
و لنبدأ هذا التصحيح، على بركة الله، أولا بالتذكير بأسئلة الامتحان..ثم نتطرق بعد ذلك، إلى أهم الأفكار و المعطيات التي يجب أن يتضمنها الجواب الصحيح المستوفي الشروط.
***

الكلية م.ت.آسفي-الدراسات القانونية و السياسية- الفصل الرابع
امتحان في التشريع الضريبي(23/5/2019)- مدة الإنجاز : ساعة و نصف
أجب، حسب اختيارك، على أحد الموضوعين التاليين:
الموضوع الأول:ادرس النازلة التالية، ثم أجب عن المطلوب:
خالد بن المكي،رجل أعمال، يتوافر على دخول متعددة، حسب ما يتبين من تصريحه الذي قدمه  إلى إدارة الضرائب برسم السنة الجبائية 2016:
1- فقد توافر على ربح جبائي قدره (750.000) درهم، من "مطبعة المحيط"، التي يملكها بمفرده؛
2- كما أن شركة التضامن،التي تملك "مكتبة و وراقة المحيط"، و التي يستحوذ على حصة الأسد فيها( 65 % من رأسمالها)؛ حققت ربحا محاسبيا قدره (1.800.000) دهم؛
3- و توافر السيد المكي، بالإضافة إلى ذلك، برسم نفس السنة، على دخول  أخرى:
أ- من شقة مفروشة، أجّرها لمدة ستة أشهر من سنة 2016، بسومة شهرية قدرها (5000) درهم؛
ب-  و من ثلاثة شقق أخرى،أجّرها عارية،بسومة إجمالية قدرها 8000 درهم، للشهر، طيلة سنة 2016؛
4- كما أن السيد المكي، توافر على دخل آخر،من قطعة أرض فلاحية ،أجّرها بسومة (8500) للسنة.
هذا عن الإيرادات، أما فيما يخص النفقات، فلقد تحمل،السيد المكي، برسم نفس السنة، التكاليف التالية:
1- أنفق لاستغلال و إدارة المطبعة، نفقات جبائية عامة و غيرها( أجور، و كهرباء، و تأمين، و مواد أولية..)، بلغت (380.000) درهم؛
2- و بلغ مقدار التكاليف الجبائية التي تحملتها شركة التضامن، مبلغ (900.000) درهم،
3- و أنفق لتجهيز الشقة المفروشة، ما مبلغه (30.000) درهم(مثبتة بحجج  تؤكدها).
4- هذا ، و الجدير بالذكر، أن السيد خالد ، متزوج ، و له (7) أبناء، يتابعون دراستهم، و أكبرهم سنا لا يتجاوز (24) عاما.و أن السيدة (كبيرة)، زوجته، تتقاضى مرتبا سنويا صافيا، يبلغ (97.000) درهم.
المطلوب:
أ- احسب(ي) مبلغ الضريبة عن الدخل العام، الذي دفعه، السيد المكي، عن السنة 2016(14 نقطة)؛
ب- احسب(ي) مبلغ الضريبة الذي دفعته السيدة  كبيرة، عن مرتبها، برسم نفس السنة،و الذي اقتطع لها " من المنبع".و هل هي مطالبة بالتصريح بدخلها(العام)، إذا كان هذا المرتب هو دخلها الوحيد؟(6 نقط).
الموضوع الآخر: اكتب مقالا عن ضرائب الدخل،أي التي تضرب على الدخل.
على أن يتضمن هذا المقال، تحديدا للدخل في مفهومه الجبائي، و كذا التعريف بأنواع الدخول الخاضعة للضريبة، و أنواع الضرائب التي تضرب عليها، و كيفية تقدير أوعيتها، و نوعية الأسعار التي تطبق عليها،و كيف يتم تحصيلها..و كيف تطبق مبادئ التشخيص في هذا النوع من  الضرائب...إلى غير ذلك من القضايا الجزئية التي تعتبرها أساسية للإحاطة بهذا الموضوع ..إلخ.و بالله التوفيق...
***
الموضوع الأول:
قبل الشروع في استعراض خطوات الإجابة، يجب استحضار المبادئ " الحسابية الجبائية"، التي سنعمل على تطبيقها في هذه النازلة،من خلال المواد القانونية التالية:
أ- الضريبة على الدخل، ضريبة عامة أو شاملة، تشمل عددا من الدخول؛فهي تفرض  على أصناف الدخول و الأرباح المحددة في المادة (22)، من المدونة العامة للضرائب ، و هي:
1- الدخول المهنية؛
2- الدخول الناتجة عن المستغلات الفلاحية ؛
3- الأجور و الدخول المعتبرة في حكمها؛
4- الدخول و الأرباح العقارية ؛
5- الدخول و الأرباح الناتجة عن رؤوس الأموال المنقولة.
ب- المادة (25):" يتكون مجموع الدخل المفروضة عليه الضريبة من صافي الدخل أو الدخول التي يشملها واحد أو أكثر من أنواع الدخل المشار إليها في المادة 22 أعلاه، باستثناء الدخول و الأرباح الخاضعة للضريبة بسعر إبرائي.
" يحدد صافي الدخل من كل نوع من الأنواع الآنفة الذكر على حدة وفق القواعد الخاصة به، كما هي مقررة في أحكام هذه المدونة...".
ج- المادة (26):"[...] يعتبر الربح الذي تحصل عليه شركة من شركات التضامن [...] بمثابة دخل مهني أو دخل فلاحي أو هما معا للشريك الرئيسي و تفرض عليه الضريبة في إسمه..".
د- المادة (32)[...] II. يحدد ربح الشركات غير الخاضعة للضريبة على الشركات:
1.وجوبا وفق نظام النتيجة الصافية الحقيقية المنصوص عليه في المادة 33 أدنه، فيما يتعلق بشركات التضامن.."؛
ه- المادة (33):" [...] تحدد النتيجة الصافية الحقيقية لكل سنة محاسبية، باعتبار ما زاد من الحاصلات على تكاليف السنة المحاسبية ..".
و- المادة (61):" تعتبر دخولا عقارية لأجل تطبيق الضريبة على الدخل، ما لم تكن مندرجة في صنف الدخول المهنية[ مثل المباني المفروشة، التي يعتبر تأجيرها نشاطا تجاريا، كما سنرى لاحقا] :
ألف) الدخول الناشئة عن إيجار:
1. العقارات المبنية و غير المبنية و البناءات مهما كان نوعها؛
2. العقارات الزراعية.."؛
ز- المادة (64):"[...] يحدد صافي الدخل المفروضة عليه الضريبة و الناتج عن الأملاك المشار إليها في المادة 61 ( I ألف.1° وباء) أعلاه بتخفيض نسبة 40%  من مبلغ إجمالي الدخل العقاري كما هو محدد أعلاه..".
ح- المادة (74):" [...] تستفيد المرأة الخاضعة للضريبة من الخصم عن الأعباء العائلية،و ذلك فيما يتعلق بزوجها و بأولادها إذا كانت نفقتهم تجب عليها شرعا.."؛
ط- المادة (82):"يجب على الخاضعين للضريبة على الدخل [...] أن يوجهوا في رسالة مضمونة مع إشعار بالتسليم أو يسلموا مقابل وصل إلى مفتش الضرائب التابع له موطنهم أو مؤسستهم الرئيسية إقرارا بمجموع دخلهم خلال السنة السابقة [...] مع بيان صنف أو أصناف الدخول المتكون منها.."؛
ك- المادة (86):"لا يلزم الأشخاص المنصوص عليهم أدناه بتقديم  الإقرار بمجموع دخلهم[...]:
" 1-الخاضعون للضريبة الذين يحصلون فقط على دخول فلاحية معفاة من الضريبة؛
"2- الخاضعون للضريبة الذين يقتصر دخلهم على أجور يدفعها مشغل أو مدين بإيراد واحد يكون مستوطنا أو مستقرا بالمغرب و ملزما بمباشرة حجز الضريبة في المنبع..".
***
التطبيق على النازلة..
حساب الضريبة على مجموع دخل السيد المكي
أولا: حساب الدخول الصافية:
تنص المادة (25): "[...] يحدد صافي الدخل من كل نوع من [ أنواع الدخل].. على حدة وفق القواعد الخاصة به [نوع الدخل]، كما هي مقررة في أحكام هذه المدونة...".
1- الدخول المهنية:
الدخول المهنية، حسب المادة (30)، هي الدخول المتأتية من مهن تجارية أو صناعية أو حرفية..(راجع التفاصيل في هذه المادة).
أ- الدخل الصافي من المطبعة هو (750.000) درهم،لأن مفهوم " الربح الجبائي"، يحيل على مفهوم الربح الذي تقبله الإدارة الجبائية ، و تعتمده في حساب الضريبة:كأنها تقول للملزم "إن ربحك من المطبعة هو كذا و كذا.."، و ذلك بعدما تكون قد خصمت التكاليف.و عليه،فالربح الجبائي ،في هذه الحالة، يعادل أو يساوي " الربح الصافي".
ب- الدخل من شركة التضامن:
حسب ما تنص عليه المواد (26) و (32) و (33)، المشار إليها أعلاه ؛ فإن الدخل الصافي، الذي حققه السيد المكي، من شركة التضامن التي يعتبر الشريك الرئيسي فيها، هو:
1.800.000- 900.000= 900.000 درهم.
ج- الدخل من الشقة المفروشة:
في التشريع الجبائي المغربي،تخضع الشركات و الأفراد الذين يؤجرون مباني و محلات تجارية أو صناعية مع أثاثها و الأدوات التي تلزم لتشغيلها أو الاستفادة منها، ..أعمالا و أنشطة تجارية،و بالتالي فالأرباح التي تتحقق منها أرباحا مهنية.
ذلك أن اشتمال الإيجار على هذا الأثاث و الأدوات هو الذي يخرج الإيجار من نطاق الاستغلال العادي ، إلى نطاق المضاربة و السعي لتحقيق الربح،و يخضعه بالتالي للضريبة على الدخل التجاري(المهني).
و من ثم، إذا اقتصر التأجير على المبنى أو العقار عاريا، أي دون الأثاث و الأدوات اللازمة لتشغيله أو الاستفادة منه،فإنه لا يخضع للضريبة على الدخل في إطار فئة الدخول المهنية، بل يخضع لها في إطار فئة الدخول العقارية(لأن التأجير يكون حينئذ تأجير عقار، بمفهوم التأجير العادي..المدني).
و في الواقع، لا يكفي تحقيق الربح أو الأرباح لاعتبارها مهنية، بل لا بد- بالإضافة إلى ذلك- من توافر الشروط التالية:
1- أن يكون الملزم الذي حقق الربح، مستقلا في مزالة و مهنته، أي ليس أجيرا أو موظفا، تابعا لجهة خاصة أو عامة(هي التي تستفيد من الربح)؛
2- أن يكون محترفا:و يقصد بالاحتراف هنا، مزاولة هذا النشاط (تأجير المحلات و العقارات المفروشة)، بصفة معتادة، أي مستمرة و منتظمة، و اتخاده وسيلة للرزق:و بالتالي، فالشخص الذي يؤجر محلا أو عقارا مؤثثا بطريقة عرضية، لا يخضع للضريبة على الدخل، ضمن فئة الدخل المهني؛
3- أن يكون الهدف من الإيجار هو تحقيق الربح؛
4- أن يكون المحل أو العقار موجودا في المغرب.
***
بعد هذا التوضيح، الضروري و المفيد، نستأنف حساب الربح الصافي من الشقة المفروشة، مع العلم أنها كانت مؤجرة لمدة ستة أشهر فقط من السنة، و لكن مع ذلك يحسب دخلا سنويا( أي الدخل الذي تحقق خلال السنة، موضوع التصريح).
الربح من الشقة المفروشة= إيرادات الشقة- التكاليف التي أنفقت عليها
أي ..(6×5000)-30.000= 0 درهم.
و عليه، فمجموع الدخول الصافية هو:
750.000 + 900.000+0 =1.650.000 درهم
2- الدخول العقارية:
أ- إيرادات الشقق الثلاث العارية:8000×12= 96.000 درهم.
ب- التكاليف الجزافية، التي قدرها المشرع لهذا النوع من العقارات ( لتغطية مختلف المتعلقة بصيانتها و الحفاظ عليها..)،هي أربعين بالمائة(40%) من إيراداتها( راجع المادة 64 أعلاه)،أي:
96.000 ×40/100= 38.400  درهم.
ج- و عليه، فالدخل الصافي من الشقق العارية ،هو:
96.000- 38.400 = 57.600 درهم.
3- الدخل من الأرض الفلاحية:
السيد المكي، يملك قطعة أرض فلاحية، و لكنه لا يستغلها في النشاط الفلاحي الخاضع للضريبة على الدخل في إطار فئة الدخول الفلاحية، كما عرفتها المادة (46):" تعتبر دخولا فلاحية ، الأرباح المحققة من طرف فلاح أو مرب للماشية أو هما معا و المتأتية من كل نشاط متعلق باستغلال دورة انتاج نباتية أو حيوانية أو هما معا..".
إذن ماذا يفعل السيد المكي؟ إن يؤجر أرضه كعقار ، حسب المنصوص عليه في المادة (61) أعلاه.
و صافي الدخل بصفة عامة،بالنسبة للعقارات غير المبنية، يحسب بخصم التكاليف من الإيرادات.وبالتالي، فعندما لا تكون هناك تكاليف، فإن الإدارة الجبائية، تعتبر كل الإيرادات دخلا صافيا.
وعليه، ففي النازلة، موضوع السؤال،يعتبر مبلغ الكراء السنوي الذي يحصل عليه السيد المكي،من كراء هذه الأرض، أي (8500) درهم، دخلا صافيا.
و  من هنا، نخلص إلى أن مجموع الدخول الصافية، هو:
750.000+ 900.000 + 57.600 + 85.000 =1.716.100 درهم
هذا الدخل( الصافي)، الذي يساوي مجموع الدخول (الصافية)، هو الذي سنقوم بتشريحه، إلى شرائح، و من ثم نحسب مبلغ الضريبة المستحق عن كل شريحة من هذا الدخل:لأنه، كما نعلم، يطبق النظام المغربي، الأسعار التصاعدية، التي تخضع كل شريحة من الدخل لسعر، و كلما ازداد مقدار الدخل كثرت الشرائع، و تزايدت في أسعارها.
ليس هذا فقط، بل إن النظام الجبائي التصاعدي المغربي، يعفي شريحة معينة ( الحد الأدنى للدخل)، من الضريبة.
و من ثم، فجدول حساب الضريبة على الدخل (كما عدّل و تمم بقانون المالية لسنة 2018)،يحدد الأسعار المطبقة على الشرائح، على النحول التالي (المادة 73):
شريحة الدخل إلى غاية 30.000 درهم معفاة من الضريبة؛
10 % بالنسبة لشريحة الدخل من 30.001 إلى 50.000 درهم؛
20 %بالنسبة لشريحة الدخل من 50.001 إلى 60.000 درهم؛
30% بالنسبة لشريحة الدخل من 60.001 إلى 80.000 درهم؛
34% بالنسبة لشريحة الدخل من 80.001 إلى 180.000 درهم؛
38% بالنسبة لما زاد على ذلك.
و إذن، عن الشريحة الأولى، و مقدارها (30.000)درهم، سيؤدي (0) درهم؛
و عن الشريحة الثانية، سيؤدي..20.000×10/100= 2000 درهم؛
و عن الشريحة الثالثة، سيؤدي..10.000×20/100= 2000 درهم؛
و عن الشريحة الرابعة،سيؤدي..20.000×30/100=6000 درهم؛
و عن الشريحة الخامسة، سيؤدي..100.000×34/100=34000 درهم؛
و عن الشريحة السادسة، و الأخيرة، سيؤدي:
(1.716.100- 180.000)×38/100=1.536.100×38%=583.718
و بالتالي، فمجموع ما يفترض أن يؤديه هذا الملزم، عن مجموع دخله،قبل خصم الأعباء العائلية، هو:
2000+2000+6000+34.000+583.718=627.718 درهم
و لمعرفة، المبلغ الذي سيؤديه لإدارة الضرائب، يجب خصم الأعباء العائلية (360 درهما لكل فرد)، في حدود (2160) درهم، أي ستة أفراد من العائلة،الذين ليس لأي واحد منهم دخل يفوق مجموعه السنوي جزء الدخل(الحد الأدنى) المعفي(المادة 74):
627.718 - (6×360) =625.558 درهم.
هذا هو مبلغ الضريبة عن الدخل، الذي دفعه السيد المكي، عن مجموع دخله، الذي حققه برسم السنة الجبائية 2016.
حساب الضريبة على مجموع دخل السيدة كبيرة
لن نعيد تكرار ما قلناه أعلاه..
المهم هنا، هو أن ننتبه إلى أن " المعطى"، في هذه النازلة، هو صافي دخل السيدة كبيرة؛و بالتالي لن تكون هناك حاجة للبحث عن صافي الدخل.
أي أننا سنقوم بتشريح مبلغ (97.000) الذي تتقاضاه، هذه السيدة، سنويا.
على النحو التالي:
30.000 معفاة؛
20.000×10/100= 2000 درهم؛
10.000×20/100=2000 درهم؛
20.000×30/100= 6000 درهم؛
(97.000-80.000)×34/100= 5780 درهم
و مجموع، ما ستؤديه عن جميع الشرائح هو:
2000+2000+6000+5780=15780 درهم.
و هو نفسه المبلغ الذي ستقتطعه لها الإدارة التي تشغلها، لتدفعه للإدارة الجبائية.
و الجدير بالذكر، أنه لا يسمح لهذه السيدة بأن تخصم الأعباء العائلية، لأنها متزوجة، و زوجها هو الذي يتكلف بالإنفاق على الأسرة، و بالتالي فهو الذي يحق له لاستفادة من الخصومات لأجل الأعباء العائلية( بمعنى، أنه عندما تكون الملزمة أرملة، أو أن زوجها عاطل عن العمل و لا يستطيع الإنفاق على الأسرة، أو يحصل على دخل يقل عن الحد الأدنى الخاضع للضريبة، ففي مثل هذه الحالة تستفيد الزوجة الأجيرة أو الموظفة أو غيرها من الخصم من مبلغ الضريبة لأجل الأعباء العائلية).
بقي سؤال أخير: هل هذه السيدة ملزمة بالتصريح بمجموع دخلها؟ الجواب هو: لا؛لأن مرتبها هو دخلها الوحيد ( راجع المادة 86 من المدونة).
و بهذا، تنتهي الإجابة على النازلة..
أما فيما يخص السؤال الآخر، فلقد كان في الحقيقة سؤالا نظريا عاما عن الضريبة،فلو تمعنتم في صياغة السؤال، للاحظتم أنه يتعلق ب" ضرائب الدخل"، و ليس بضريبة الدخل..و كل الضرائب، هي في الواقع على الدخل، بطريقة أو أخرى؛ إما على الدخل كإيراد، أو الدخل كإنفاق، أو عن الدخل عندما يتحول إلى رأسمال..و في الموضوع تفاصيل كثيرة، تدور مع الضريبة حيث دارت، و لا يمكن الإجابة عنه إلا من خلال إشكالية و تصميم...و عزيمة و ذكاء..طبعا.


الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

دور الجامعة:هل يتناقض مفهوم ديمقراطية التعليم الجامعي، مع مصالح الوطن؟ هل الأهم هو الكم(عدد الخريجين) أم النوع (جودة الخريجين)؟ إن الجامعة قد تتفوق في إنتاجها النوعي، بفضل ما تتمتع به من مساحات للإبداع.


دور الجامعة:هل يتناقض مفهوم ديمقراطية التعليم الجامعي، مع مصالح الوطن؟ هل الأهم هو الكم(عدد الخريجين) أم النوع (جودة الخريجين)؟ إن الجامعة قد تتفوق في إنتاجها النوعي، بفضل ما تتمتع به من مساحات للإبداع.

***
إن الجامعة، تقوم بأدور متعددة و متنوعة، أهمها التعليم، و البحث العلمي، و التكوين و التدريب، و نشر الثقافة و تعميمها بين الناس.
إننا قد نجد في المجتمع، مؤسسات أخرى تقوم ببعض هذه الأدوار؛ كالتعليم الذي تقوم به المدارس الابتدائية و الثانوية؛ و التكوين و التدريب الذي تقوم به مراكز و معاهد  التكوين و التدريب؛ و البحث العلمي الذي قد تقوم به مراكز البحوث العلمية التابعة للقطاعين العام و الخاص؛ و نشر الثقافة الذي قد تقوم به عديد من المصالح الحكومية و المؤسسات العامة و الخاصة.إلاّ أن الجامعة وحدها، هي القادرة على القيام بكل تلك الأدوار بالتزامن و التوازي.كما أنها هي المصدر الذي يُمدّ جل- إن لم نقل- كل المؤسسات و المراكز و المصالح السابقة الذكر، بالأطر البشرية،و بدون الجامعة قد تفشل  في القيام بأدوارها.
و في الحقيقة، إن ما جعل الجامعة قادرة على تحمل مسؤولية كل تلك الأدوار دفعة واحدة ، و في نفس الوقت،هو ما تتمتع به من حرية (الحرية الأكاديمية)؛ جعلتها قادرة على الإبداع في شتى مجالات المعرفة البشرية. 
دور الجامعة
بقلم :د.حافظ قبيسي

[...] كانت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ( مرحلة الاستقلال لمعظم الدول العربية)، هي مرحلة التجاوب الفعلي مع المطالبة بحق كل مواطن في التعليم ، بما في ذلك التعليم العالي.
و من الإنصاف الإشارة إلى أن الحكومات العربية المختلفة و المتعاقبة ، أولت هذا الأمر عنايتها ، رغم بعض الانتقادات التي كانت توجه إلى تلك الحكومات بين فترة و أخرى ، انتقادات كانت تقارب العنف بل التعنيف في بعض الحالات.
[...] نعم لقد أمّن التعليم العالي العربي حق المواطن.و لكن هل أمن بذلك مصالح المجتمع؟
و في محاولتنا الإجابة على هذا السؤال الأساسي نرى أن علينا التمهيد لذلك بتحديد دور الجامعة...

دور الجامعة في المطلق

للجامعة في المطلق ، دور اقتصادي و ثقافي و تربوي..( و غير ذلك).
هذا الدور الإنمائي هو في الدول العربية ، كما في معظم الدول المتخلفة المشابهة له.و هو في جوهره دور الجامعة أو بعض دورها في الدول الصناعية المتقدمة أيضا.
و إن شئنا أن نفصّل ما ذكرناه ، لوجدنا للتدريس الجامعي ، و للبحث العلمي الجامعي ( و هما وسيلتا العمل الأساسيتان) غايات أساسية منها:
أ- تثقيف المجتمع. و ذلك ببث المعرفة العالية بين المواطنين ، و توعيتهم على أحدث ما توصلت إليه المعرفة العلمية الإنسانية في شتى الميادين؛
ب- بث الروح العلمية في المواطن ، بالمعنى السلوكي الحياتي.بحيث يرفض المواطن الخرافة و الاستسلام للغيبيات ، و يعتمد شريعة العقل و المنطق ، لا شريعة الغريزة البهيمية ..؛
ج- تأهيل المواطن للعمل المنتج ، و تشجيعه على امتلاك التقنيات ( بما في ذلك الحديثة منها)، و تعزيز قدرته على الإبداع في مهنته ، و قدرته على التطوير؛
د- تزويد القطاع الاقتصادي ( العام و الخاص) بحاجاته من المهرة[ الموارد البشرية الماهرة]؛
ه- درس الثروات الوطنية ، الطبيعية و البشرية ، و تحديد السبل الفضلى لاستثمارها ، أو لتحسين هذا الاستثمار؛
و- حفظ التراث الوطني (الثقافي بمعناه الواسع)، و الكشف عن الأصيل و الجميل فيه؛
ز- إشاعة جو عام بالاهتمام بالثقافة و تقدير الإبداع ، و الاهتمام بتعميق قيم الحق و الخير و الجمال في نفوس المواطنين؛
ح- تشجيع الإبداع الثقافي في كافة الميادين؛
ط- المساهمة في إغناء المعرفة و تقدم العلوم ، و اعتبار المجتمع عضوا فاعلا في عالم الحضارة ، لا مستوردا مستهلكا لإنتاج الآخرين ، قابعا في خانة التبعية الثقافية و العلمية فالحضارية؛
ي- المساهمة في حفظ أمن الوطن الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و العسكري،و ذلك بالتبصر العلمي في كل ذلك.
هذه الغايات الكبرى ،هي جوهر مهمة الجامعة الفاضلة ، في كل مكان ، و هي مهمة "الجامعة العربية ".
الجامعة الوطنية العربية ، هي وسيلة مجتمعها الأولى ( تعطي المجتمع الثروة البشرية التي بها تقوم مؤسساته و تعمل)، و هي:
1-عقله المخطط؛
2- حافظ ثقافته،و مصهر الإبداع فيه؛
3- الأمينة على القيم المجتمعية ، الموحدة البناءة.
هي كذلك ، لأننا نؤمن أن الجامعة هي بصر المجتمع و بصيرته ، بواسطتها ينظر في أمره، و يحاول تدبر هذا الأمر.
و هل يمكن لأي مجتمع أن ينظر في أمره ، بعين مستعارة ، و أن يتدبر أمره بيد مستعارة ، و أن يحك جلده بغير ظفره؟!

دور الجامعة في إنتاج الثقافة

ما هي الثقافة؟
نترك لغيرنا أن يجيب على هذا السؤال. و لا ريب أن الأجوبة ستكون عديدة ، مختلفة  ( و ربما متباينة)، و لكنها - على الأرجح - لن تكون متناقضة ، و نستطيع أن نفترض أن مجموعة تلك الأجوبة - على تعدّدها - تشكل جوابا واحدا ؛ الجواب.
في [ اللغة] العربية "ثقف الحجر " صقله.
في الاجتماع البشري - نستطرد - ثقف الفرد: صقله ، ثقف الجماعة : صقلها.
نستطيع في هذا الإطار ، أن نكتفي بهذا الجواب ، و أن ننطلق منه.
ما هو إنتاج الثقافة ؟ هنا أيضا قد تكون الإجابات متباينة ، و لكن مهمتنا هنا أن نبسط الأمر و أن نتلمس في الأشياء عناصرها الأولى.
نرد إذن " إنتاج الثقافة " إلى عناصرها الأساسية التالية:
أ- الإحاطة بالمعارف البشرية في الآداب و الفنون و العلوم و التقنيات و بما يتصل بكل منها؛
ب- تعميم المعارف و نشرها بين الناس بحيث يصل بعضها إلى الأفراد القادرين على تلقي هذا البعض ، و بحيث يصل مجموع هذه المعارف ( بدون استثناء) إلى المتّحد البشري مجتمعا؛
ج- محاولة تأهيل كل فرد في المتحد لتلقي المعارف في المطلق ، و بعضها في الحصر.أي رفع قدرة كل فرد على تلقي المعرفة؛
د- نشر الوعي بين الناس ، بحاجة الفرد و المجتمع إلى الثقافة : أن تكون كائنا بشريا هو أن تعرف ، و إلا انحدر الفرد إلى كائن بيولوجي ، و إلا انحدر المجتمع إلى كائن بيولوجي فقط؛
ه- التخطِّي.أي الانتقال من حسن تلقي المعرفة المنقولة إلى إغناء هذه المعرفة بالإضافات الأصلية و المبتكرة.

دور الجامعة في البحث العلمي

 ما هو البحث العلمي؟
الإجابة عن هذا السؤال أسهل بما لا يقاس من الإجابة على السؤال حول ماهية الثقافة التي استوقفتنا.
البحث العلمي هو جزء من آلية الثقافة ( أو الانتاج الثقافي).إنه التخطي الذي أشرنا إليه.إنه الاستفادة من المعرفة الحاصلة لإغنائها و دفع حدودها إلى أوسع.
و لكن هل تحتاج الدول العربية للبحث العلمي؟
أوليس ترفا في الدول النامية ( الفقيرة)؟
و هل تستطيع الدول النامية منافسة الدول المتقدمة ( و الغنية) في مجال البحث العلمي؟
أليس من الأجدى ، اقتصاديا ، اللجوء إلى استيراد المعرفة و منتجاتها ( التكنولوجيا) بدل بذل الجهد في البحث العلمي و تطبيقاته؟
في مجال الإجابة ، نستعيد الأجوبة القديمة:
لا تختلف الدول العربية في هذا المجال ( مجال البحث العلمي) عن غيرها من الدول النامية.فالمجتمع يحتاج إلى وسيلة يستكشف بواسطتها ثرواته الطبيعية و البشرية ، و يستدل بواسطتها على سبل تثمير هذه الثروات.هذه الوسيلة هي البحث العلمي الوطني.
و البحث العلمي الوطني  ، هو البحث الذي يقوم به محليا علماء مبدعون في ميادينهم ، و مدركون أوضاع وطنهم و حاجاته. علماء لا يلمّون طبعا بكل حديث في كل ميدان ، و لكنهم قادرون على تقصي كل حديث ، قادرون على طرح الأسئلة و على تلقي الأجوبة.البحث العلمي الوطني هو الأداة الوحيدة القادرة على تمكين الوطن من مواكبة العصر.
أما الصلة بين البحث العلمي و بين حاجات المجتمع فيمكن التماسها في كل مجال : في الزراعة أو الصناعة كما في التربية و الإدارة ، أو في غير هذه و تلك.و يكفي أن نشير ، على سبيل المثال ، إلى أن نقل تقنيات الزراعة المستخدمة في فرنسا أو في أمريكا ، لا يجدي في حل مشاكل الزراعة العربية.فالظروف المناخية ، و البنية الاقتصادية ، و المستوى الثقافي - التربوي لدى المزارعين العرب ، تستوجب أقلمة [ أقْلَمه:جعله يتعود مناخا جديدا ] التقنيات المستوردة ، أو اختراع التقنيات المناسبة.
يكفي أن نضيف ، على سبيل المثال ، أن الأبحاث التربوية المستوردة و المعلّبة - على أهميتها - لا تصلح في الدول العربية إلا كدليل أولي ( أو كنموذج) للأبحاث التربوية الوطنية. و هل تصلح الدراسات الصحية في السويد أساسا لتدابير صحية عربية؟ أو هل تصلح إدارة الضمان الاجتماعي هناك ، لنسخ إدارة مماثلة لها هنا؟
من يتولى هذه المهام؟
يخترع المجتمع عادة ، الوسائل العديدة لتلبية هذه الحاجات.يقيم مجلسا وطنيا للبحوث العلمية ، يقيم معهدا للبحوث الصناعية ، يقيم مختبر الصحة المركزي ، يقيم مؤسسات الدراسات السياسية ( الاستراتيجية) أو مراكز للبحوث الاجتماعية،..
ولكن من يتأمل في كل هذه المؤسسات ( و كلها موجودة في معظم الدول العربية)، يلاحظ أن الجامعة هي النبع، [الذي] تغرف منه كل المؤسسات.و بدون الجامعة ، كبؤرة علمية ، تضطرب أمور هذه المؤسسات إلى حد لا يحتمل.
و إذا كان لأي كان أن يساهم في أي من هذه الأعمال ، فإنه غير مطالب بذلك و لا مسؤولية عليه إن لم يفعل.و لكن الجامعة تبقى ، في هذا المجال ، في وضع فريد:إن عليها أن تساهم في بعض أو كل هذه الأعمال ، إنها مطالبة بذلك ، تقع عليها المسؤولية إن لم تفعل.

دور الجامعة في عملية الإبداع

قد يشتطّ بعض المغالين بحماسهم للبحث العلمي ، فيحسبون أنه و الإبداع صنوان.و لكننا لا نشارك هؤلاء فيما يذهبون إليه.
قد يكون في ممارسة بعض البحث العلمي ، بعض من الإبداع ، و لكن لا يجيز لنا ذلك أن نخلط بين الاثنين.
و مع أننا نستعمل كلمة البحث العلمي بمعناها الواسع ، الذي يشمل البحث الأدبي و الحقوقي و الفقهي.فإننا لا نستطيع المقارنة بين أبي نواس و بين دارس أبي نواس[ ت 199ه/813م] ، و لا بين انشتاين[ Einstein(1879-1955)] ( الرمز) و بين تلامذته الكثر ، و حتى لو كانوا علماء.
البحث العلمي منهجية و تقنية ، و قد يكون فيه الإبداع أيضا ، و لكن ليس عليه - في العرف السائد - أن يكون إبداعا.
هذه الملاحظات تبرر في نظرنا ، أن نخصص لعملية الإبداع فقرة خاصة ، تلي فقرة البحث العلمي ، دون أن يكون في ذلك تكرارا.
دور الجامعة في الإبداع ، دور ثانوي ، إذا اعتبرنا أن الإبداع حر من كل قيد، و هو كذلك.إنه لا يفترض شهادة مهما دنى مستواها في هرم الشهادات ، و هو في الأساس لا يفترض معرفة محددة بالنوع أو بالكمية.و هو بالتالي لا يشرق في مكان معين دون سواه.نكاد نقول ، مبدئيا ، إن لا علاقة سببية بين الجامعة و الإبداع.و لكننا نؤكد أن الإبداع لا ينبثق من فراغ ، و لا نعرف مبدعا تخطى الموروث دون اختزانه.
نسوق ، للدلالة على ذلك قصة أبي نواس ، الذي قصد يافعا شاعرا مشهورا هو " والبة بن الحباب"[170ه/786] ، و قال له ما معناه : " أريد أن أصبح شاعرا".فقال "والبة ، و قد توسم فيه النباهة :" اخرج إلى البادية ، و احفظ ما قالته العرب".ففعل أبونواس ، و حفظ من أعراب البادية ديوان العرب في يومه.و بعد سنة أو تزيد عاد إلى "والبة" وقال :" لقد حفظت ما قالته العرب" ، أجاب والبة :" انس ما حفظت ، و اقرض الشعر".ففعل أبو نواس ذلك ، و كان من كان في الإبداع و التخطي.
تدلنا هذه القصة إلى أن للجامعة في الإبداع دورا هاما ، و إن لم يكن ملزما.
ما نود قوله ، في كل ما تقدم ، هو أن على الجامعة أن تقدم لمجتمعها المعرفة التي لا بد أن تسبق كل إبداع.على الجامعة أن تكون البؤرة الثقافية التي تحث على الإبداع.على الجامعة أن تسهم في خلق المناخ الملائم لعملية الإبداع.
و لكن الجامعة لا يمكن أن تلعب هذا الدور ، إن لم تع أنّ عليها أن تكون كذلك..
***
المرجع: د.حافظ قبيسي- التعليم العالي العربي: بين حق المواطن في العلم و حق الوطن في النخبة- عالم الفكر- المجلس الوطني للثقافة و الفنون- الكويت- المجلد الرابع و العشرون- العددان الأول و الثاني- أبريل/يونيو 1995- ص ص 69-74.