الأربعاء، 13 يونيو 2012

منهجية الدراسة الجامعية

منهجية الدراسة الجامعية

منهجية الدراسة الجامعية:
 جميع الطلبة ،من حيث المبدأ، يسعون للنجاح، فهو أمر مطلوب اجتماعيا و نفسيا. و نسبة كبيرة منهم  تعلم أن النجاح رهين بالعمل الممنهج.أي العمل المنظم و المنسق.. ،لأن العمل العشوائي و الاعتباطي  و الفوضوي،لا ينتج إلا ثمار الفشل.
منهجية الدراسة الجامعية
مع هذا، فإن نسبة محدودة من الطلبة، هي التي تفلح في تحقيق النجاح. فما هو  السبب أو الأسباب التي تؤدي إلى  ذلك؟
و السبب الرئيس الذي يقف وراء ذلك؛ هو أنه ليس كل الذين يريدون النجاح،  يعتمدون المنهجية المناسبة لبلوغه.
و المنهجية الجامعية، كما رأينا في إحدى  الفصول السابقة،تتكون من أهداف و وسائل:الأهداف ترسمها الجامعة ،و الوسائل توفر بعضها الجامعة أيضا، و لكن ينبغي على الطالب أن يوفر الجزء الأهم منها.
 و للنجاح في الجامعة، إذن، يجب على الطالب، أن يحدد أهدافه من التعليم الجامعي ، في أفق  الأهداف العامة للجامعة – و بالتالي للكلية أو المعهد..- التي ينتمي إليها.هذا من ناحية.و من ناحية أخرى، يجب عليه التوفر على وسائل و إمكانيات تتلاءم مع تلك الأهداف.و تتمثل هذه الإمكانيات بالخصوص في القدرات الجسدية (المبحث الأول)، و الاستعدادات و القابليات النفسية( المبحث الثاني) و العقلية(عمل الذاكرة) (المبحث الثالث)، و المهارات  التنظيمية( المبحث الرابع).
بتعبير آخر، ينبغي على الطالب أن يكون على وعي تام بقدراته و إمكانياته و استعداداته و مؤهلاته،إذ بدون ذلك يصعب عليه ان يبلغ أهدافه.و  هذا شرط أساسي ،من شروط النجاح في كل ميدان، و هو جوهر المنهجية الجامعية بمفهومها المطلق و الواسع.و إذا لم يدرك الطالب هذه الحقيقة، على بداهتها، فمن الأفضل له، أن يفكر في مسار مهني آخر غير التعليم الجامعي،  قد يكون بالنسبة إليه، أفضل بكثير، و بذلك يكون قد كسب الوقت و الجهد.

المبحث الأول: الصحة الجسدية و النفسية:

من المعلوم أن الصحة النفسية(المطلب الآخر) و الصحية الجسدية(المطلب الأول) للطالب؛ تؤثر تأثيرا كبيرا على تحصيله العلمي، و من ثم  زيادة أو نقص فرصه في النجاح/الفشل في الحياة الدراسية.

المطلب الأول: الصحة الجسدية:

لا شك أن المثل القائل" العقل السليم في الجسم السليم"- و هو مثل نجده في الكثير من الثقافات -، يعبر عن حقيقة علمية لا يمكن الاستهانة بها أو إغفالها. فهي تؤكد أن عقلاء البشرية، أدركوا منذ أقدم العصور؛ أن الجسم المريض يعوق صاحبه عن إنجاز أعماله. خاصة عندما يكون في حاجة إلى هذه القوة الجسدية  للقيام بأعمال شاقة، أو اجتياز مراحل صعبة، مثل الامتحانات.
منهجية الدراسة الجامعية

و الحالة الصحية " المرضية"، لا تسبب الأوجاع و الآلام فقط،بل تسبب أكثر من ذلك- أو بسبب ذلك- ضعف القدرة على التركيز. كما أن لها علاقة كبيرة بالمثابرة(Persistance):فالإنسان السليم من الأمراض "المزعجة"؛ أكثر قدرة على التركيز و المثابرة على العمل، من الشخص المعتل الصحة.
منهجية الدراسة الجامعية
المثابرة
و من هنا، ينصح الطلبة جميعا ، بان يعتنوا بصحتهم.و ينصح الطلبة المرضى خاصة، و بالأخص الذين يعانون من أمراض مزمنة، أن يسارعوا إلى البحث عن العلاج،حتى لا يعوقهم المرض عن العمل. و أن ينظموا حياتهم الدراسية، بطريقة لا تؤثر على صحتهم.من ذلك أن يعودوا أنفسهم على بذل الجهد القليل، و لكن المستمر و الممتد على طول مدة الدراسة(سنة أو فصل)؛ حتى لا يضطروا إلى بذل جهود كبيرة في الأيام القليلة التي تسبق الامتحانات، مما قد يلحق أضرارا كبيرة بصحتهم.
و من بديهيات، الحفاظ على صحة جيدة؛ الاعتناء بالتغذية السليمة المتوازنة، خاصة خلال أيام الدراسة،بالأخص في أيام الاستعداد للامتحان.ذلك أن أنواع التغذية قد تؤثر سلبا أو إيجابا على التحصيل و الجهد الفكري الذي يبذله  الطالب.
و من هنا، فعلى كل طالب أن يختار الأغذية الصحية السهلة الهضم ،و أن  يكثر من تناول الخضر و الفواكه.و أن  يتناول المواد الغنية بالكربوهيدرات؛ مثل الخبز الكامل و الأرز و المعجنات،و البطاطس.و كذلك المواد التي تحتوي على البروتينات؛ مثل الفول و العدس، و البقول.و المواد الغنية بالفيتامينات؛ مثل الجزر و الطماطم و الخس و الخيار(بعد غسلها و تقشيرها..حتى لا يكون ضررها أكثر من نفعها). و أن يتناول الأسماك،و لا يأكل اللحم (الأحمر أو الأبيض) إلا ظهرا.
ولقد أظهرت البحوث الحديثة بالمختبرات المختصة في أمريكا و إنجلترا و الصين، أن ألوانا من  الأغذية، تساعد على  مقومة النسيان؛ ذلك لأنها تنشط الدورة الدموية بالمخ،و بها كميات كافية من مضادات الأكسدة، نذكر منها فيما يلي، تلك الموجودة بالأسواق المغربية( و العربية)، و التي تباع بأسعار في متناول الطلبة.و هي:الثوم، و الشاي بنوعيه (الأخضر و الأسود)،و خاصة عندما يضاف إليه النعناع أو القرنفل،و الأغذية الغنية  بفيتامينات (ب6) و (ب12) و حمض الفوليك. و منها أيضا الخضروات (السبانخ، و الطماطم، و فول الصويا(الصوجا)،و القرنبيط، و البصل).و الفواكه (الموز، و البرتقال).و  الأسماك( التونة و السردين)، و  الزيوت( زيت الزيتون، و زيت الكتان)[1].
و لقد تبين لي من خلال قراءاتي عن علاقة التغذية بعمل المخ، أن الحبوب تلعب دورا هاما جدا في تنشيط الذاكرة، و من المقالات الرائعة التي قرأتها في هذا الباب، مقال للباحثة "لورين آرنسون"، بعنوان" و للعبقرية مذاق.."، تذهب فيه إلى أن :" الدماغ هو العضو الوحيد الذي يستمد كل طاقته من الغلوكوز، السكر الموجود في ثمار العنب اليانعة و عسل النحل، على سبيل المثا، و الذي يستخلصه الجسم بكمية كبيرة من معكرونة الباستا[المعجنات] و المواد الكربوهيدراتية النشوية الأخرى، تلك المادة الحلوة أيضا تحفز تكوين ذاكرة بارعة، أو على الأقل يمكن التعويل عليها.."[2].
منهجية الدراسة الجامعية
الزبيب غذاء جيد للمخ

و عموما، و كي لا نطيل، نقترح على الطلبة العمل بالنصائح التالية:
1- يجب على الطالب أن يراعي قدر المستطاع، مواعيد فطوره و غدائه و عشائه منتظمة.
2- و نصيحة مهمة أخرى، هي أن على الطالب أن يتجنب كل ما يسبب التعب، لاسيما في أيام الاستعداد للامتحانات.و على كل حال، إذا أحس بالتعب أثناء المراجعة مثلا،فيجب عليه التوقف عنها، ليأخذ قسطا وافرا من الراحة.و إذا كان مضطرا إلى متابعة الدرس، فلا بأس..و لكن إذا ازداد إحساسه بالتعب، فيجب عليه التوقف فورا،..بدون ندم..أو توبيخ ضمير.لأنه لن يستفيد من الإصرار على العمل، شيئا.
3- و من النصائح الأخرى، البديهية، التي يجب توجيهها للطلبة هنا، هي ضرورة ممارس الرياضة، و لاسيما تلك الخفيفة؛ التي  تنشط الجسم دون أن ترهقه كالمشي.و لا بأس، حتى خلال فترة الاستعداد للامتحانات، أن يمنح نفسه، بين الحين و الآخر، فرصا من اللهو البريء:فلقد ثبت علميا أن هناك علاقات وطيدة ، بين نشاط المخ و الذاكرة ، و تنشيط الدورة الدموية..و الضحك و المرح .

منهجية الدراسة الجامعية
النوم العميق يساعد على استرجاع الحيوية و القوة

4- و ..نصيحة أخيرة :على الطالب الجامعي أن يتبع سلوكيات صحية سليمة،ليكون قدوة حسنة لباقي أفراد المجتمع، و من تلك السلوكيات التي تساهم في التنمية الصحية؛ محاربة التدخين،و المخدرات، لما لهما من آثار صحية ضارة بل مدمرة، على العقل و الجسد معا.

المطلب الآخر: الصحة النفسية:

في البداية لا بد من القول، بأن على الطالب أن يكون على أتم الاستعداد النفسي و الذهني للإقبال على التعلم.فهذا الاستعداد هو الدافع (او المحرك) الذي يساعده على متابعة دروسه و دراسته بحماس ، إلى أن يتخرج .أجل ؛ فأول شرط يجب توفره في من يطلب العلم، هو الرغبة أولا أو حب العلم.
 و دليلنا على ذلك، أن الكثير من الطلبة فشلوا في دراستهم،لأنهم جاؤوا إلى الجامعة ، ليس عن رغبة حقيقية في التعلم الجامعي. فالكثير منهم  يختار هذا المسلك أو ذاك، أو هذه الشعبة أو تلك ، ليس انطلاقا من محبة أو اقتناع بهذا النوع من الدراسات، و إنما لأسباب عائلية ، أو تقليدا لبعض الأصدقاء،أو لغيرها من الأسباب التي لا تمت بصلة لهذه الدراسة.مثل هؤلاء الطلبة؛ ما تكاد تبدأ الدروس حتى تظهر عليه علامات النفور من بعض المواد أو كلها..و ما يلبثوا أن يصابوا بالإعياء أو التعب النفسي.
و هذا النوع من التعب، للأسف ،لا ينفع معه لا طعام و لا راحة و لا علاج العضوي،لأنه تعب من نوع خاص، يعود إلى عوامل نفسية كالخوف، و القلق، و اليأس..، أو ما يسميه علماء علم النفس بـ" التعب الذهني".
و هذا النوع من التعب ، يسيطر، للأسف، على الكثير من الطلبة خلال الحياة الدراسية، دون أن يدركوا أسبابه، و قد يردونها إلى التعب الجسدي من النوع الأول، الذي تحدثنا عنه أعلاه.
منهجية الدراسة الجامعية
التوتر قد ينتج عن  التوقعات المرتبطة بالامتحانات
فإذا شعرتم- أعزائي الطلبة- أنكم لا ترغبون في الذهاب إلى الكلية،أو المواظبة على حضور المحاضرات،أو تشعرون بالخمول و الاسترخاء ..و الملل ..و العجز عن التركيز، و عدم القدرة على المثابرة؛فالراجح أنكم "تعانون من اختلالات"- حتى لا أقول أمراض-  معنوية و نفسية أو عاطفية، أكثر منها جسدية. و عليكم أن تبحثوا عن أسبابها و معالجتها، قبل أن تشغلكم عما أنتم فيه من استعداد لاجتياز مرحلة من أهم المراحل في حياتكم، قد تكون هي التي تحدد مساركم و مستقبلكم.و كلما أسرعتم إلى هذا " العلاج" كلما استرجعتم بسرعة الثقة بالنفس،و استعدتم القدرة على مواصلة عملكم الجامعي بكل حماس و إصرار على النجاح.
و من هنا، يجب على الطالب؛ أن يحافظ على عقل متفتح و مستنير، مليء بالأمل و الطموح ، و معنويات عالية،و حماس كبير، و تفاؤل عريض،..لأنه في حاجة إلى كل ذلك للنجاح في دراسته. و مهما كانت ظروفكم العائلية  صعبة و تبعث على اليأس،و مهما بدت الأزمات التي تمرون بها قاهرة، وأحوالكم المالية هزيلة،وصحتكم الجسدية أو النفسية ضعيفة،فعليكم أن تعلموا بأن الكثير من الناس..بل من عظماء الناس، استطاعوا،رغم كل أنواع الظروف القاسية، أن يحققوا نجاحات رائعة، لا  بل مذهلة بكل المقاييس.فالكثير من عظماء العالم كانوا فقراء، و معاقين، و من أصول اجتماعية متواضعة. و معظمهم عانوا من اليتم، و الفقر، و القهر الاجتماعي، و الإقصاء  السياسي، و الحرمان الاقتصادي ...إلخ ؛ و لكنهم- يا للعجب !! بل لما العجب؟- نجحوا في تحقيق أهدافهم ،و أعطوا البشرية دروسا في معاني العظمة.
و زبدة القول،لا تجعلوا من الخوف و القلق ..من المستقبل ..أو من الامتحانات أو غيرها؛ بواعث على اليأس و الفشل و الانهزام..بل اجعلوا منها بواعث على الأمل و العمل و الحماس ..و قولوا لأنفسكم، كلما اعترضت طريقكم عقبة كأداء:" هذه محنة و ستزول..فكل شيء إلى زوال..و إذا خِفْت منها أو قلقت بسببها..فسأجعل المشكلة الواحدة..مشاكل كثيرة".
و كثيرا ما يتعرض الطلاب،بين حين و آخر ، إلى حالات "الشدة" ، أو ما يسمى بـ(Stress)، و ما يصاحبها من إرهاق و توتر عصبي ، قد يؤدي بالبعض إلى الانهيار، لاسيما قبيل و أثناء الامتحان.
و هناك عوامل كثيرة،تؤدي إلى هذه الشدة أثناء الامتحان.و لعل أهم نصائح يوجهها المختصون إلى منهم في حالة الشدة، ألا يطيلوا التفكير فيما يرهقهم  و يشد أعصابهم. و أن يبتعدوا بأنفسهم عما يشعرهم بذلك الإحساس، و ان يحاولوا الحصول على ما يكفيهم من الراحة و الاسترخاء. و أن يقوموا بالترويح عن أنفسهم ، لتجديد نشاطهم و طاقاتهم "شحن بطارياتهم".

و مما يخفف من حالات الشدة، أن يفصح الإنسان لإنسان آخر عن مشاكله، خاصة إذا كان هذا الآخر شخصا من المقربين الموثوق بهم.ثم لا تنسوا ذكر الله، فبذكره تطمئن القلوب.

إن المعلومات عن كيفية عمل الذاكرة ما زالت قليلة، و لا يكفي التراكم المعرفي العلمي الذي تحصل حتى الآن،  للكشف بصورة واضحة و دقيقة عن أسرار هذه "الآلة":فهناك من يرى، على سبيل المثال، أنها تنشأ من تغيرات مستمرة تطرأ على الدماغ. أما ما هي حقيقة هذه التغيرات، فهذا ما لا نعرفه على وجه التحقيق، على الرغم  من وجود الكثير من النظريات، التي تحاول تفسيرها[4].
منهجية الدراسة الجامعية
كيف تعمل الذاكرة؟
و مجمل القول هنا، أن الكثير من أسرار الذاكرة ، ما زالت لغزا أو ألغازا معقدة جدا، و لكن ذلك لن يمنعنا – إن شاء الله تعالى – أن نحاول استكشاف " بعض قوانين" التعامل مع الذاكرة[5].
و لقد صدرت عدة كتب ، بكل اللغات، بعضها سطحي و بعضها  علمي  جاد ،و تحاول أن تصف كيف تتم عملية التذكر، والكشف عن قوانينها[6].و كلها، تقريبا، تتفق على أن استمرار الذاكرة في الاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة،هي عمليات رهينة قبل كل شيء بظاهرة التكرار و الترداد:فكلما استعملنا المعلومة أكثر كلما رسخت في الذاكرة.
و فيما يلي تفصيل ذلك..
إن العقل( أو على الأصح؛ المخ) يرتب المعلومات التي تصل إليه، حسب عدة تصنيفات :المواضيع، و المفاهيم المتشابهة،و تطابق/تعارض المصدر،و تطابق/تناقض الوسائل أو الغايات،أو حسب العلاقة السببية.أو ينظمهاعلى أسس منطقية،أو يختزلها إلى مفاهيم عامة و أخرى تفصيلية،..إلخ. فيلحق هذه المعلومة، بهذا الصنف أو هذا الموضوع أو ذاك الصنف أو الملف.
و عموما، فالمخ يسجل بسهولة كل ما هو منسق أو منظم، و يحفظ(في الذاكرة) بسهولة كل ما هو منسق، ثم هو يستعيد بسهولة كل ما هو منسقا[7].فكأنه  يتكون من مخازن متعددة و متنوعة، و عندما تدق أبوابه المعلومات، فهو يفتح هذه المخازن، ثم يشرع في توزيعها و تنظيمها- ( أعني المعلومات)- في  هذه المخازن ، حسب أنواعها و أصنافها، و حسب الحاجة إليها[8]،فإذا كان المخ يدرك شيئا،أي "يُخزّن" شيئا،سابقا عن المعلومة الجديدة،فإنها ستكون أسهل في التخزين و الحفظ،و إلا فعليه أن يبقيها "عائمة"،إلى أن تظهر أهميتها، أي عندما يكثر طلب استخراجها، عندئذ تصبح مرتبطة بأحداث أو مناسبات، أو غيرها، فيسهل حفظها.أما إذا لم يتم طلبها، فيتم التخلص منها بنسيانها.ذلك أن المخ  يقوم، في كل لحظة- لا سيما أثناء النوم- بفرز و تصنيف المعلومات التي تصل إليه، ليتخلص من تلك التي لا يحتاج إليها، و يحتفظ بالمعلومات الضروري.كيف يمييز بين هاته و تلك؟ عن طريق "الخبرة"، أي من خلال ما سجله و عرفه من التجارب في الأيام السابقة.فالمعلومات المهمة و الضرورية، هي تلك التي يطلبها "صاحب الذاكرة"،فيحتاج المخ بالتالي، إلى استخراجها مرارا و تكرارا(كل ساعة أو كل يوم..). و لأهميتها يضعها المخ في متناول اليد: فلو كان لي صديق لا أراه إلا مرة في السنة ، فإن المعلومات التي تخصه، يحفظها العقل في مخزن أو ملف غير المخزن  أو الملف ،الذي  يخزن فيه المعلومات المتعلقة بزميلي في الكلية الذي أراه يوميان خاصة إذا كان زميلي هذا، صديقي أيضا[9].
و تصبح طريق المعلومات اليومية سالكة و واضحة،لأنها تستعمل بشكل مستمر، في حين تكون الطريق التي لا تستعمل إلا مرة كل عام أو في فترات غير منتظمة، غير سالكة، و قد تنمحي بمرور الوقت، و من ثم يصعب على المعلومات أن تهتدي إليها:و هكذا ، فالصديق الذي قد غاب عن أعيننا مدة طويلة جدا، يصعب علينا أن نتذكر اسمه ، أو  حتى التعرف على ملامحه وجهه.
منهجية الدراسة الجامعية
كيف نخزن المعلومات في الذاكرة؟ و كيف نسترجعها عن الحاجة إليها؟
فكيف يفعّل الطالب ذاكرته و ينشّطها،و يستثمر قدراتها على التخزين..؟يقترح بعض علماء النفس،بعض القواعد و الإرشادات الهامة ،منها[10]:
1-     لحفظ أي معلومة ،علينا أن نركز انتباهنا عليها و على التفاصيل المحيطة بها.و أن نكون في حالة تقبل قصوى ، جسديا و نفسيا: و لقد أثبت علم النفس أننا نتذكرو نتعلم ، و بالتالي نسترجع الأشياء التي نميل إليها و نهتم بها  أكثر من غيرها (La mémorisation est une question d’intérêt)[11]
منهجية الدراسة الجامعية
إنما نتذكر الأشياء التي نوليها اهتمام أكبر..
.
2-     تقطيع أو تجزئة الحدث و ربطه بأشكال ملموسة،لإبقائه مطبوعا في ذاكرتنا؛ لأن الأشياء الملموسة تبقى عالقة في الذهن أكثر من الأفكار المجردة: إذا تعلم الطالب  درسا دون أن يدرك مغزاه بوضوح و علاقته بشيء حقيقي و ملموس في حياته ، فسيكون "التعلم" هنا قاصرا على الذاكرة القصيرة وحدها(التي لا يتجاوز عمرها بضع دقائق إلى بضع أيام). ذلك أنه كلما كثرت الروابط بين ما يتعلمه الإنسان و بين الخبرات المتنوعة، كان التعلم و الفهم أبقى و  سهل تطبيقه على مواقف الحياة.
3-     أن نعطي للمعلومات التي نريد  تذكرها، هوية معينة، أي نربطها بمعطيات أخرى من فصيلتها، أو تمت لها بصلة.فالمعلومة المعزولة أو المتفردة، تضيع في متاهات الذاكرة ،و يصعب استعادتها[12]، من هنا، فعلى الطالب أن يربط المعلومات و المعارف و المهارات التي يكتسبها، مع المواضيع و المواد التي يدرسها.
4-     الإكثار من التكرار و الترداد .و يقول المثل العربي :" في الإعادة إفادة".أي علينا، أن نستعيد المعلومات مرارا ، عن طريق المراجعة،و بذلك نحفظ المعلومات في الذاكرة الطويلة الأمد.
5-     تدريب الذاكرة بشكل متدرج متصاعد، بالانتقال من الأمور السهلة الحفظ إلى الأصعب.
و قد تجد الذاكرة ، صعوبات كبيرة في البداية، في القيام بالمهام المناطة بها، إلا  أنه بالمران و التمرن،وقوة العزيمة، تصبح هذه المهام سهلة و ميسورة.فالعزيمة، تحي القريحة و تساعد الإنسان على أن ينظم نفسه بنفسه.
6-     و من المعروف أنه، كلما طالت مدة الدراسة؛ زادت الدارس قدرة على التركيز و الاستيعاب و التحصيل. و ذلك لأن الدراسة عادات تكتسب، و الاستيعاب هو بالأساس برنامج عقلي أو فكري لتنظيم المعلومات، يربط الجديد بالقديم، و الشبيه بشبيهه،و النقيض بالنقيض..إلخ.
7-     و من الأساليب المتبعة في تيسير عملية تخزين المعلومات بشكل منظم؛ الربط بين الأفكار المنتمية إلى حقل واحد أو عائلة واحدة،و كأننا نمنحها بطاقة هوية . فلقد أكدت الدراسات و البحوث العلمية ، أن تعلم عدد من الأجزاء المتفرقة التي لا ينظمها ناظم واضح، أصعب بكثير من تعلم أجزاء منتظمة في شكل أو مخطط واضح[13].
8- و من الأفكار المهمة أيضا،التي يستعان بها، لتقوية الذاكرة و استيعاب المعلومات، هناك أسلوب الأسلوب الترميز و  ورسم الخرائط المعرفية،و كأنها خرائط جغرافية،أو معالم طبيعية أو عمرانية، تسهل إنعاش أو إيقاظ الذاكرة من سباتها.
و قبل أن نختم، هذا الحديث، نود أن نتطرق إلى مسألة مهمة، و هي : هل يملك الطالب حقا حرية الاختيار بين الحفظ و الفهم؟
في الواقع ، لا أرى خيارا أو "فقوسا"،إذ كيف يمكن للطالب أن يحفظ ما لا يفهم؟ و هب أنه قادر على الحفظ ،فهل هو قادر على الانتفاع بما يحفظ؟
إن الاستيعاب الحقيقي، لا يكون إلا بعد الفهم.و نصيحتي لك،عزيزي الطالب، هي أن تفهم أولا، ثم احفظ  المعلومات الضرورية التي قد تحتاجها للاستشهاد بها، أو قد تكون ضرورية : ذلك أن الدراسات كلها تحتاج إلى الفهم و الحفظ معا، فنحن في الجامعة- و في جميع التخصصات دون استثناء[14]- بحاجة إلى مناهج التفكير العلمي، سواء كنا ندرس العلوم الدقيقة أو العلوم الإنسانية و الاجتماعية؛فالمنهج العلمي واحد-لأن العقل البشري واحد- ولكن أوجه استعماله و أدواته مختلفة.
منهجية الدراسة الجامعية
هذا هو المنطق السليم..
و الفهم يتم بالبحث العلمي: كل محاضرة و كل درس، هو في حد ذاته غير كافي ،و لا يوفر كل المعطيات و التفاصيل التي نحتاجها لاستيعاب موضوع معين،و كلما بحثنا أكثر، و ناقشنا المواضيع الدراسية مع زملائنا و أصدقائنا، و كتبنا ملخصات للمحاضرات،و راجعنا الدروس بشكل منتظم، و أعددنا عروضا، و ملخصات،و تقارير،و بطاقات قراءة..إلخ، لها علاقة بهذه المواضيع المقررة في البرنامج الدراسي ، كلما حفرت هذه المواضيع في عقولنا.
و من ثم لا يجب أن ننتظر الامتحانات، لفهم المحاضرات و الدروس، لأن مساحة الوقت المتبقية أمام المخ، لتخزين المعلومات قد لا تكون كافية:فلكي تخزن بشكل جيد، كما سبق القول، يجب أن نستعملها مرارا و تكرار.

المبحث الثالث:تنظيم الوقت و المراجعة:

بدون  تنظيم الوقت و سرعة البت في الأمور؛  لن يستطيع الطالب أن يتعود على إنجاز أعماله بشكل منتظم و منظم. فتقديس الوقت من أهم عوامل النجاح(المطلب الأول). و هناك أعمال يلعب فيها عامل الوقت دورا خطيرا جدا، منها المراجعة (المطلب الآخر).

المطلب الأول : تنظيم الوقت:

لعل، أفضل طريقة لاستغلال الوقت ، هي ضبطه،و التحكم فيه، من خلال برنامج محكم. و لذا يجب عليك، عزيزي الطالب، أن تضع برنامجا لاستعمال الزمن،و قد تستعين في ضعه ، بمن تتوسم فيهم الخبرة الواسعة،و عمق المعرفة من أفراد عائلتك أو أصدقائك ، كما يمكنك أن تستشر ذوي الخبرة، من معارفك لاسيما أولئك الذين نجحوا في حياتهم الجامعية.
و لكن، لتطبيق هذا البرنامج على أحسن وجه، أرجو أن تأخذ بكل أو معظم النصائح التالية..
1-إياك !! و إياك !! أن تفرض على نفسك  أو تلزمها بأهداف لن تتمكن من تحقيقها، فقط لإرضاء زيد أو عمرو من الناس.بل ، يجب أن تضع برنامجا تستطيع إنجازه ، حتى لا تصاب بالإحباط إن فشلت في تحقيقه.و اجمع بين التخطيط الواقعي و بين قوة العزيمة.و اعمل بقول الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة     فإن فسـاد الـرأي أن تـتردد
فالرأي أو التخطيط وحده لا يكفي و لا العزيمة وحدها تكفي، و لكن لابد من تضافر العاملين معا.
2- و من القواعد الثمينة، التي يجب أن تتذكرها دائما، أن ما تضعه من برامج و خطط، في بداية كل سنة أو فصل أو حتى بداية كل مشروع أو عمل(إعداد عرض، أو تلخيص كتاب،أو القيام بدراسة استطلاعية لموضوع معين..)، ليست إلا "أماني و آمال و تصورات"، لا يمكنك أن تعرف مسبقا، الظروف التي يمكنها أن تطرأ؛ فتضطرك إلى التخلي عنها كليا أو جزئيا.لذلك لا تحاول أن تجعل منها أهدافا في حد ذاتها، بل يجب أن تبقى مجرد وسائل يفترض، أن توصلك إلى الهدف أو الأهداف المتوخاة، في أحسن الأحوال و بأقل التكاليف و أقصر الأوقات، فإذا لم تتوفر فيها هذه الشروط فلا تتردد في تغييرها أو حتى التخلي عنها كليا، دون ندم.
3- و الطالب غالبا ، ما يقوم بالكثير من الأعمال بشكل متواز( يحضر المحاضرات، و في نفس الوقت يعد عرضا أو يلخص كتابا، أو يبحث عن مكان للسكن..)، لذلك عليه أن يضع مخططا بالمراحل التي يجب فيها جمع المعلومات و تحليلها و بداية كتابة البحث أو إعادة صياغة المحاضرة..إلخ؛لأن التأخر في إنجاز الخطوة الأولى، سيؤدي إلى تأخير إنجاز الخطوة الثانية.. و هلم جرا..إلى مالا تحمد عقباه.
4- و قد لا يكفي الوقت لإتمام كل العمل المطلوب منك، أو الذي ألزمت به نفسك.لكن، إذا كنت تقوم ببحث ، أو مكلف بإعداد عرض ، أو فرض منزلي ، أو تستعد للامتحان..فعليك أن تحترم الموعد المحدد.و بما أن الكسل أو الشيطان، قد  يدعوك إلى تأجيل العمل يوما بعد يوم، و بالتالي يصعب عليك الالتزام بالأجل المحدد، فعليك أن تضع جدولا لتقييم العمل الذي تقوم به ، لتراقب مدى تقدمك في انجازه بين الحين و الآخر، لتُرغم نفسك على العمل و الوفاء بما التزمت به، إذا لزم الأمر،..و من ثم الانتقال من مرحلة  إلى المرحلة اللاحقة.
5- احرص على استغلال الأوقات المناسبة:هناك أوقات تشعر فيها بقوة التركيز و الحيوية و  الانشراح، فحاول أن تستثمرها في العمل، قبل أن تمضي.و استمر في عملك مادامت هذه الأوقات متاحة و مناسبة، إلى أن تشعر بالتعب أو ضعف التركيز..عندها توقف لبعض الوقت أو غيِّر المادة أو الموضوع الذي تدرسه..أو قم بنشاط آخر يعيد إليك الحيوية(قم بجولة  داخل البيت أو خارجه..و لا تطيل الغياب).
6- من أهم الأسباب في فشل البحوث العلمية التي يجريها الطلبة في الجامعة، إطالة فترة البحث عن المصادر و قراءتها. و عليه، يجب على الباحث أن يضع قائمة بالمراجع التي يجب عليه قراءتها أو دراستها،و ألا يستسلم لرغبته في قراءة المزيد من الكتب:لابد  من اتخاذ القرار بالتوقف عن البحث أو  القراءة.
و نعود، هنا في نهاية هذا المطلب، لنلخص أهم هذه النصائح ،و نضيف إليها أيضا إرشادات أخرى، على النحو التالي..:
1-ضع استعمالا للزمن، و احرص على التقيد به،و ابحث عن الثغرات في هذا الاستعمال لتستثمرها في الدراسة..
2-ركز على العمل..و احرص على ألا تقطع أوقات الدراسة ، إلا عندما يكون هناك أسباب قوية تدعوك لذلك(كأن تأخذ قسطا من الراحة..)؛
3-لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.. و أنجز الأعمال أولا بأول دون تكاسل أو تسويف؛
4-و لا تقلد الآخرين، و إنما اختر لنفسك ما يناسب قدراتك" و ظروفك الخاصة؛
5-احرص على استثمار أوقات الفراغ.و لا تعتقد أنه بإمكانك التصرف بهذه الأوقات كما تشاء ،لأنها ليست ملكك و إنما هي ملك للعمل الجامعي؛
منهجية الدراسة الجامعية
لا تترك الدروس تتراكم..
6-استغل أوقاتك في تعلم المهارات التي ستحتاجها أكثر من غيرها. تعلم، على سبيل المثال، كيف: تكتب مقالا..أو لخص دروسك، أو أعد صياغة المحاضرات بأسلوبك الخاص؛
7-واظب على مراجعة دروسك كلما أتيحت لك الفرصة،و ناقش مضامين المحاضرات،و الكتب، و المقالات، التي قرأتها ، مع الزملاء و الأصدقاء..و غيرهم،فذلك يساعدك على تنقيح و تصحيح و تنمية أفكارك، و يفتح أمامك آفاقا فكرية و علمية لم تكن لتدركها إلا بهذه الوسيلة..كما أنه ينشط المخ، و ينقل المعلومات من الذاكرة القصيرة إلى الذاكرة الطويلة الأمد؛

المطلب الآخر:المراجعة:

 من النصائح الأساسية التي يجب العمل بها في الحياة الدراسية،  هي أنه يجب مراجعة الدروس يوما بيوم.و يجب مراجعة كل درس و كل محاضرة فور الانتهاء منها، أو في نفس يوم إلقائها إن أمكن ، أو في أقرب فرصة ممكنة.فذلك يسهل الاستيعاب،لأن الذاكرة تكون مازالت "طرية" ، و "المعلومات لم تجف بعد"، و يمكن بسهولة استرجاعها لتثبيتها، على النحو الصحيح في الذاكرة[15].
و إلى جانب ، هذا النوع من المراجعة، التي تسمى المراجعة الفورية، هناك نوع آخر من المراجعة، هي المنتظمة.ذلك أن المراجعة الفورية، على أهميتها، لا تعتبر كافية وحدها، إذ على الطالب أن يراجع بعمق و على فترات متعددة و منتظمة، مراجعة بعدية أو لاحقة.و أهميتها تكمن في أنها، تجدد العهد دائما بالدروس(تنشط الذاكرة الطويلة الأمد)، ،و تجعل الطالب على اتصال مباشر مع المادة، بحيث لا تنقطع علاقته بها..و بذلك تبقيه على أتم الأهبة و الاستعداد لمجابهة الامتحانات.
منهجية الدراسة الجامعية
المراجعة الفورية
و لعل السؤال الذي يدور بذهن الطالب هنا، هو :هل من منهجية جيدة ، للمراجعة؟ في الواقع، يقترح الباحثون في هذا الصدد عددا لا بأس به، من الطرق ، نقترح عليك فيما يلي إحداها:
 1-حاول استغلال الوقت، مهما كان المقدار المتاح منه.و أفضل خطوة يمكنك القيام بها في هذا الصدد ، هي تقسيم المراجعة على مراحل، و تنويع مواضيع المراجعة(بين مواد صعبة و أخرى سهلة)[16].فمن غير المفيد، بل و من الضار أن تستمر في العمل(المراجعة)، بدون انقطاع، لساعات طويلة،حتى تضيق النفس بها و تمل.و إذن لا بد من تجزئة المراجعة و تنويعها:كأن تدرس القانون الدستوري أو الفرنسية  لساعة، و تأخذ قسطا من الراحة لا يتعدى ربع ساعة، ثم تشرع بعد ذلك في دراسة مادة أخرى،و لتكن المدخل لدراسة الاقتصاد مثلا ،لمدة ساعة أخرى ثم تأخذ قسطا ثانيا من الراحة لنفس المدة المذكورة أعلاه.و بعد مرور ثلاث ساعات أو أربع، تأخذ قسطا ثالثا أو رابعا من الراحة، يكون أطول هذه المرة، يمتد من نصف ساعة إلى ساعة،..و هكذا.
2- هذا، و إن أفضل الأوقات للمراجعة ، هو نصف الساعة الأخير قبل أن تخلد إلى النوم، ذلك أن الأشياء التي تتعلمها في ذلك الوقت لها ميزة البقاء في ذاكرة قبيل النوم[17].أو في الساعات المبكرة عند الفجر، أي بعد أن تكون قد أخذت قسطا من الراحة.
3- و الجديرة بالذكر هنا، أن على الطالب أن يغير وتيرة المراجعة،حسب قربه أو بعده من موعد الامتحان:فبالنسبة للفصل الأول، قد يبدأ المراجعة( في شهري سبتمبر و أكتوبر).و قد يكتفي بساعتين، فالامتحان مازال بعيدا.ثم في نوفمبر، يراجع يوميا، لمدة أربع ساعات ،و في ديسمبر لمدة ست ساعات ..و هكذا، يزيد في وتيرة العمل، بشكل تصاعدي،كلما اقترب الامتحان، حتى إذا بقي أسبوعين، عليه أن  يتفرغ تماما للمراجعة،و لا شيء غير المراجعة،..و في هذه الحالة، قد يراجع لمدة(8-12 ساعة)يوميا.
و في الواقع، ليس يوم الامتحان إلا بمثابة يوم الحصاد ، حصاد الثمار التي غرسها الطالب طيلة الأيام الدراسية. و هذه الحصيلة،  تعتمد على التنظيم  الجيد للعمل، و على المواظبة على مراجعة و استذكار، و بالتالي تخزين، ما يتعلمه الطالب.
و كما، فعلنا سابقا مع تنظيم  الوقت، سنحاول أعادة استعراض أهم الأفكار و الإرشادات، التي نرى، أنه يجب على الطالب التقيد بها، عند المراجعة ، كما يلي:
1-عليك، عزيزي الطالب الطالب، أن تضع مخططا أو استراتيجية للمراجعة،و تتقيد به و تحترمه و تتمسك به: فتقسم العمل، و الحصة اليومية أو الأسبوعية..إلخ، من العمل الذي يجب إنجازه مهما كانت الظروف.و حاول قدر استطاعتك ،أن لا تضع نفسك في حالة العاجز عن القيام بما التزم به، أو الفاشل في الانتقال من مرحلة إلى مرحلة لاحقة؛
2-احرص على أن تبدأ المراجعة للامتحانات في وقت مبكر جدا: فتراكم الدروس، و التأخر في مراجعتها( فهم ما يتطلب الفهم و الاستيعاب،و البحث عن مراجع للاستعانة بها في فهم المادة..) ، يؤدي إلى التسرع في إنجاز أعمال تتطلب في العادة، أوقاتا أطول.و تكون النتيجة، هي مراجعة "سطحية"،لا تفيد،و  يكون لها، في الغالب، آثار سلبية على نفسية الطالب: هذا ما يدفع بعض الطلبة إلى التفكير في الغش؛
منهجية الدراسة الجامعية
من يضطر إلى الغش؟..الكسول طبعا..

3-مراجعة ما تم استيعابه: يجب أن تُعوِّد نفسك على مراجعة الدروس و المحاضرات التي سبق لك استيعابها أو  دراستها،حتى تخزنها بطريقة يسهل عليك معها استرجاعها عند الضرورة.؛
و لتحقيق، هذا الهدف يمكنك  أن يقوم بالخطوات التالية:يمكنك إعادة قراءة[18] ما تم تدوينه من ملاحظات أو بطاقات، و من ثم استرجاعها، ذهنيا أو إعادة كتابتها على ورق دون الاستعانة طبعا بهذه الملاحظات أو البطاقات. فمهارة الكتابة أساسية ،تُعِدُّك لاجتياز الامتحانات بأيسر السبل، لأنها تنشط الذاكرة البصرية و العملية، و تساعد على الاستيعاب ،و تخزين المعلومات؛
4- دراسة بعض الأسئلة النموذجية، التي لها علاقة بالمقرر،و من ثم مقارنته او مقابلتها بما جاء في المقرر:فبعدما تنتهي من المراجعة، قم باختيار موضوع معين(امتحان سابق مثلا) ، ثم تدرب على الإجابة عنه كتابة و ليس الاكتفاء بالإجابة الشفوية.فمن الأمور التي لابد و أنك تعرفها، هي أن نسبة كبيرة من الامتحانات، التي تجتازها في الجامعة هي امتحانات كتابية. و من ثم فعليك أن تتدرب على كتابة الأجوبة وفق المنهجية العلمية، و أن تمرن نفسك على اكتشاف و صياغة "الإشكاليات"، و تحويلها إلى تصاميم..ثم تحريرها في صورة مقلات صغيرة أو كبيرة.ثم ، بعد ذلك، عليك أن تُقيّم عملك بكل موضوعية.؛
بهذه الطريقة، تستطيع أن تكتسب خبرة في  التعامل مع الامتحانات الكتابية حتى قبل اجتيازها. خاصة إذ عملت على استكمال ذلك ؛ بتتبع كل الأخطاء التي وقعت فيها في المعلومات و الإملاء و النحو، و غيرها ،فصححتها.
5-و قد، تقوم أيضا خلال هذه التمارين، بقياس الزمن الذي تستغرقه في الإجابة كلها، أو كل مرحلة منها:قراءة السؤال، و تحديد الكلمات الأساسية، و تفريغ المعلومات من الذاكرة إلى الورق،و صياغة الإشكالية، و وضع التصميم، و تحرير المقدمة..و هكذا.فمن خلال هذا القياس ، ستعرف ما ستحتاجه من وقت للقيام بكل جزء من أجزاء الإجابة.و هذا سيساعدك،  يوم الامتحان، على تقسيم وقتك و تنظيمه..و بالتالي تحديد الاستراتيجية التي ستعتمدها؛
6-  يجب عليك أن  تخصص مكانا للمراجعة، تتوفر فيه الشروط المناسبة، بحث يكون بعيدا أو خاليا من الضوضاء،و مضاء إضاءة جيدة،" فضعف الضوء يتسبب في إجهاد العين، و التوتر،و يولد الصداع و الشعور بالنعاس، و من ثم يضعف التركيز"[19]. و عليك، أن تأخذ معك إلى هذا المكان كل ما تحتاجه من أقلام و كتب و غيرها، حتى لا تضطر لمغادرة مكان عملك،و تقطع حبل تركيزك.
بهذا تنتهي هذه المحاضرة (الفصل)...
في المحاضرة التالية سنتناول ، بالدراسة و التحليل، الامتحانات..إن شاء الله تعالى.



[1]  د.محمود محمد درويش- الغذاء و الأعشاب ينشطان الذاكرة- العربي- العدد 593- أبريل 2008- ص ص 176-177.
[2]  ترجمة:عبد المنعم السلمون- مراجعة:د.أحمد حسن- الثقافة العالمية- العدد 149-المجلس الوطني للثقافة و الفنون- الكويت(يوليو-أغسطس 2008)- ص 133.
 [3] الاستيعاب من "استوعب.. الكيس الحبوب ، اتسع لها" و " استوعب الرجل الشرح أو التفسير، استوعاه ، أي حفظه و أخذه في ذهنه كله، بحيث إذا أراد استرجاعه استرجعه.
[4]  فمثلا ، تقول إحدى  هذه النظريات ، أنها ربما نشأت عن تبدلات في كمية الخمائر في نقاط الاشتباك العصبي. و أمام نظرية كهذه نجد أنفسنا  متورطين في مسائل تشتمل على علمي الكيمياء و الكهرباء، لا أظن أننا على استعداد لمناقشتها هنا.
[5]  فالقدماء استفادوا من المعادن..مع أنهم جهلوا الكثير من  علوم  الكيمياء و الفيزياء...التي تفسر  القوانين التي تتحكم في هذه المعادن.
[6]  انظر على سبيل المثال، كتاب الدكتور عبد الرحيم الهاروشي:(Apprendre à apprendre)، الذي سبقت الإشارة إليه، خاصة الصفحات :70-94.
[7] « -le cerveau enregistre plus facilement ce qui est structuré,
« - le cerveau retient plus facilement ce qui est structuré,
« -le cerveau restitue  plus facilement ce qui est structuré » :F.Gauquelin -Développer la mémoire -cité par Harouchi-op.cit,p 78.
[8]  الهاروشي-م . س- ص ص 63-69.
[9] د.جيهان أحمد فرج- النسيان في عصر المعلومات- العربي- العدد 486- مايو 1999- ص 94. غير أن قرار تخزين المعلومات  أو التخلص منها،في الحقيقة، غالبا ما يتم دون وعي منا، أي دون إرادتنا، بدليل هناك الكثير من الذكريات، نريد أن ننساها أو معلومات نريد الاحتفاظ بها في الذاكرة، و لا نستطيع ذلك.ألم أقل بأن الذاكرة أسرار؟
[10] Voir : Le tri des souvenirs- Une interview du Pr Francis Eustache- Le nouvel Observateurs- n° 2381 du 24 au 30 Juin 2010- p p 12-15.
[11]Ibid,p13.
[12] « En effet , une information isolée , non reliée aux autres connaissances , non intégrée risque fort  d’être rejetée » :Harouchi - op.cit,p79
[13]  انظر: فاخر عاقل – التعلم و نظرياته – م. س- ص 61.
[14]  و أجدني قادرا على الجزم بهذا الرأي،بالاستناد إلى تجربتي الخاصة، باعتبار أن تخصصي الأصلي كان هو الكيمياء :لقد أمضيت مدة طويلة نسبيا في دراسة الكيمياء، لاسيما الكيمياء الصناعية(أربع سنوات)، كما درست إلى جانب ذلك مواد علمية أخرى كالفيزياء و الرياضيات. كنا  خلال هذه الدراسة ، لا نستغني عن حفظ بعض المعلومات (معادلات رياضية، و أسماء و أرقام و تواريخ،..إلخ).
[15]  و المراجعة الفورية، مفيدة أيضا، بعد قراءة كتاب أو مرجع أو غيرهما : فالمراجعة الفورية" تحد من عملية النسيان، إذ أنها تمنحك الفرصة لأن تضع أجواء الفصل أو الكتاب المتناثرة في كم واحد.و بدلا من أن يكون لديك عشرات الأجزاء المتباينة لتتذكر يكون لديك صورة واحدة متجانسة عن الفصل أو الكتاب":زايد – فن التعامل مع القراءة و المهارات المكتبية – ص 50-51.
[16] Harouchi-op.cit,p53.
[17]  زايد- ص 52.
[18] القراءة التي يجب أن يهتم بها الطالب، هي القراءة الفعالة، التي تؤدي إلى الفهم و الاستيعاب، و يمكن قياس ذلك بالمؤشرات التالية:
- إذا كانت القراءة فعالة، فيجب أن تكون قادرا على تذكر بعض ما قرأت، و أيضا قادرا على توقع ما سيأتي في الفقرة التالية أو الصفحة التالية.فإذا عجزت عن ذلك، أو كان توقعك في غير محله، فإن تركيزك ضعيف أو فهمك بطيء أو أنت نعسان ، أو شارد الذهن .
و لهذا يجب أن تتوقف بين الحين و الآخر أثناء القراءة، و سجل ما تذكرته على ورقة(و لو على شكل نقط :1..2..3)،  ثم ارجع إلى النص،لترى إن كنت قد فهمت  أو استوعبت الأفكار  (العامة أولا ثم  التفاصيل لاحقا)، التي وردت فيه..فإذا عجزت عن تذكر نسبة الثلث إلى النصف مما قرأت ، فإن قراءتك غير مفيدة.فأعدها بالكثير من التركيز.
و لا بد أثناء القراءة، من الانتباه إلى الكلمات و المصطلحات و المفاهيم  الغريبة أو الغامضة و الجديدة..و التوقف عندها لفهمها و إدراك معانيها و دلالاتها العامة و الخاصة(مفهومها في إطار السياق).فالمادة، ليست إلا مجموعة من المصطلحات، و إن إغفال أي منها،سيؤدي إلى سوء فهم المادة كلها.
[19] زايد- ص 61.