الأربعاء، 25 مارس 2020


بسم الله الرحمان الرحيم
دروس في قانون الصفقات العمومية المغربي
مقدمة:
تلجأ الإدارة العمومية،لأداء الوظائف و المهام المنيطة بها ، إلى أعمال قانونية (actes juridiques) متعددة و متنوعة،تندرج معظمها، من حيث الآثار القانونية التي تترتب عنها،  في صنفين كبيرين من القرارات:القرارات الإنفرادية ( actes unilatéraux )، و القرارات التعددية ( actes plurilatéraux).  
فالقرارات الانفرادية، تتخذها الإدارة بمفردها، و لا يشاركها في إعدادها أو تنفيذها، أي طرف أجنبي عنها،و لكنها تطبق على الأطراف الأجنبية على الإدارة،فتنشئ لها حقوق أو تلزمها بواجبات:مثال ذلك القرارات(الإدارية) التنظيمية(Les règlements ).
أما القرارات التعددية، أو متعددة الأطراف؛ فتتطلب اجتماع إرادتين مختلفتين،على الأقل، لوجودها أو تنفيذها:مثال ذلك، القرارات التعاقدية، و التي تنقسم بدورها إلى نوعين:
1)    قرارات تعاقدية، تخضع للقانون الخاص: و هي عقود تبرمها الإدارة مع أحد الأشخاص – الطبيعيين أو المعنويين، التابعين للقانون العام أو القانون الخاص -، متخلية عن سلطاتها العامة، و كأنها شخص عادي، من ذلك على سبيل المثال: عقود الشراء و البيع و الكراء.إلخ. و  يطبق على هذ العقود قواعد القانون المدني،و  مبدأ " العقد شريعة المتعاقدين".
2)    قرارات تعاقدية تخضع للقانون العام( القانون الإداري): و هي عقود تبرمها الإدارة، متحلية بامتيازات السلطة العامة، و بالتالي تتضمن شروطا غير عادية،لا نجدها في العقود الخاضعة للقانون المدني.ومن ثم،فإن القضاء الإداري هو الذي يختص بفض النزاعات التي قد تترتب عن إعداد هذا النوع من العقود، أو تنفيذها.
و هذه العقود الأخيرة ( و التي تسمى أيضا؛ عقودا إدارية)،على أنواع متعددة و متنوعة، تعتبر كلها بالغة الأهمية بالنسبة للإدارة،إلا أن أهمها على الإطلاق، هي عقود الصفقات العمومية (contrats des marchés publics ).و تكمن أهمية هذه العقود في كونها، ، أهم الوسائل التي تستعملها الإدارة، المركزية أو اللامركزية، في تلبية حاجيات المرافق العامة.
و لقد عرف العالم هذا النوع من العقود ، منذ العصور القديمة؛إذ أثبتت الدراسات التي أجريت على التاريخ الأوربي، ان الكثير من المنشآت العمومية اليونانية،أقيمت على أساس من الصفقات العمومية.كما اشتملت بعض القوانين الرومانية، على قواعد تتعلق بهذا الميدان(هذا على سبيل المثال لا الحصر).
إلا أنه، فيما يبدو، ليس لتلك التجارب القديمة، و لا التجارب التي عرفها العالم في العصور الوسطى،أي أثر يذكر على النظم القانونية التي تحكم الصفقات العمومية، في يوم الناس هذا.بل الظاهر، ان هذه النظم المعاصرة، مدينة في نشأتها و تطورها،في المقام الأول،للتجارب الأوربية الحديثة و المعاصرة.لا بل يبدو أن النظم و القوانين و مختلف التشريعات المرتبطة بالصفقات العمومية، قد تغيرت و تطورت، بشكل مذهل و كبير؛الأمر الذي جعلها تبتعد كثيرا حتى عن هذه التجارب الأوربية الأخيرة.
و بالفعل،فمنذ الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي، عرفت القواعد المنظمة للصفقات، تطورا كميا و نوعيا، ارتقى بها من مجرد قواعد تقنية تستعين بها الإدارة العمومية،لأداء مهامها و وظائفها،لتصبح قواعد و مبادئ دستورية، في الكثير من الدول.حدث كل ذلك ، بتأثير مجموعة من العوامل السياسية و الاقتصادية؛ نشير إلى أهمها فيما يلي:
أ‌-     في النصف الثاني من القرن العشرين؛ ازداد الوعي ، عند الحكام و المحكومين،بأن احترام الإدارة للقانون و الالتزام بقواعده، يفيد الجميع:فاحترام القانون يوحي بالثقة للجميع،و يؤشر على تجدر دولة المؤسسات،لاسيما بالنسبة للدول التي تسعى لجذب المستثمرين الأجانب.و من هنا، مسّت الحاجة، في هذه البلدان، إلى توفير المؤسسات و الأطر البشرية، القادرة على ممارسة المراقبة الإدارية و القضائية(القبلية و البعدية)، على أعمال الإدارة، لضمان احترام القانون
ب‌- لقد اقتنعت الشعوب، حتى في الدول النامية، بأن تخلفها الاقتصادي و الاجتماعي، لا يرجع إلى الفقر في الموارد المالية فقط، بل يرجع بالأساس إلى عدم الفعالية في استخدام الموارد المتاحة:فلما كانت الإمكانيات المالية محدودة،بطبيعتها،فيجب على الإدارة استخدامها في صفقات عمومية حكيمة و رشيدة أي الصفقات التي تحتاجها المرافق العمومية فعلا لأداء وظائفها:بالكميات و المواصفات المناسبة، و في الأوقات المناسبة، و بالأسعار و الجودة المناسبة، و من المصار(الصناعية و التجارية و الخدماتية) المناسبة، لتلبية الحاجيات المناسبة للتنمية الشاملة(توفر فرص للعمل، و تنمي المناطق و الفئات الفقيرة و المهمشة، و تحمي البيئة، و  تحقق اهداف أخرى كثيرة،للتنمية المستدامة).
ت‌-إن التطور الكبير الذي حدث على مستوى ممارسات حقوق الإنسان،دفع الفاعلين الاقتصاديين،أشخاصا طبيعيين و معنويين، و منظمات حكزمية و غير حكومية مهتمة بمحاربة الفساد الإداري  و إرساء أسس الشفافية ..إلخ، إلى مطالبة الإدارة، في كل مجتمع، بمعاملة جميع الناس الذين ينتمون إلى نفس الدولة؛ معاملة متكافئة،دون تمييز بينهم لأسباب سياسية أو اجتماعية أو غيرها:و المعنى العملي لهذا المبدأ،من منظورهم هو حظر المحاباة و المحسوبية و الرشوة،في إسناد أو توزيع(إرساء) الصفقات العمومية.
ث‌- إن ثورة "العولمة الاقتصادية"،التي أدت غلى فتح الحدود الدولية في وجه مختلف الأنشطة الاقتصادية، لاسيما في الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي، قد دفعت الشركات الأجنبية،إلى المطالبة بـ"حقها"،( الذي تضمنه لها اتفاقيات التبادل الحر،على سبيل المثال)، في التمتع بنفس الفرص التي تتاح للشركات الوطنية، فيما يتعلق بولوج "الأسواق الحرة و الشفافة" للصفقات العمومية.
أجل،لقد كان لكل هذه التحولات  و غيرها، آثار على مشرعي قوانين الصفقات العمومية ، في كل انحاء العالم، و من بينهم المشرع المغربي؛ الذي ادرك- و إن متأخرا- ان ليس هناك من وسيلة لتسريع وتيرة التنمية الشاملة، و اللحاق بركب التقدم، دون إثقال كواهل المواطنين بالأعباء الجبائية أو رهن مستقبلهم بالقروض الداخلية و الخارجية، أفضل من ترشيد الإنفاق العام، من ناحية.و أن ليس هناك، من سبيل لاستخدام الموارد المالية المحدودة،فيما ينفع الناس،إلا بتحديد الحاجيات العامة، تحديدا دقيقا واقعيا و موضوعيا، من ناحية ثانية.و من ناحية ثالثة،لا يوجد هناك منهجية أكثر فعالية، في دراسة و تفحص كل الخيارات المتاحة ( و ما ينطوي عليه كل خيار من مزايا و عيوب)، لتلبية الحاجيات العامة، من سن قوانين تضمن تبسط المساطر، و تضمن الشفافية في الإجراءات، و المساواة بين المتنافسين على الطلبيات العامة، و بالتالي تشجع على جذب أفضل  المتنافسين من داخل البلاد و خارجها.
و في سبيل تحقيق هذه الأهداف، دخل المشرع المغربي، في برنامج طويل لإصلاح الترسانة القانونية المتعلقة بالصفقات العمومية(الموروثة عن الاستعمار)،منذ تسعينات القرن الماضي(مرسوم2.98.482، بتاريخ 30 دجنبر 1998)، توجت بإصدار المرسوم رقم (2.06.388) المؤرخ بـ  5 فبراير 2007، الذي يحدد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة و القواعد المتعلقة بتدبيرها و مراقبتها(على اساس أن تصدر،لاحقا، مراسيم خاصة بصفقات المؤسسات و المقاولات العمومية و صفقات الجماعات المحلية).
و لقد جاء في بيان الأسباب الداعية إلى إصدار هذا المرسوم، مجموعة من الاعتبارات، تبين أن المغرب يريد القطع مع الممارسات التقليدية ، التي جعلت هاجسها التقيد بالإجراءات البيروقراطيىة، و يتبنى مفاهيم و ممارسات أكثر ليبرالية، تحافظ للإدارة على الكثير من سلطاتها الواسعة في إعداد و تنظيم و إدارة و تنفيذ و مراقبة الصفقات العمومية،و في نفس الوقت تشجعها على تبني إجراءات و ممارسات أكثر مرونة ، من ناحية. و تضمن، من ناحية أخرى، للمتنافسين حرية الولوج إلى الصفقات العمومية،على أساس من المساواة و الشفافية. و تضمن للمتعاقدين مع الإدارة، حقوقهم الكاملة و العادلة؛في إطار شراكة متوازنة، يتوخى منها إنجاز صفقات عامة،بجودة عالية و كلفة مناسبة.
و لم يكتف المشرع بهذا، بل عمل على تقوية الدور الرقابي  للإدارة و القضاء،حتى يضمن استقرار هذا التوازن بين الإدارة و المتعاقدين معها:
أ‌-     فإذا كان قد منح للإدارة سلطات واسعة، تتمثل بالأساس في تضمين عقود الصفقات شروطا استثنائية،إلا أنه،على سبيل المثال، قيّد صلاحياتها فيما يخص علاقاتها بالمتعاقدين معها، أو بكيفية التعاقد، أو حتى اختيار المتنافسين. كما ألزمها باتخاذ كل الاحتياطات الضرورية للحد من الممارسات المخلة بمبدأ المساواة و المنافسة الشريفة(أعمال الرشوة و الغش و المحسوبية..) هذا من جهة.
ب‌- و إذا كان في المقابل- و من جهة أخرى- قد ضمن للمتنافسين و المتعاقدين؛ الحرية و المساواة و الشفافية في ابرام و تنفيذ الصفقات.و ضمن لهم حق المطالبة بفسخ الصفقات التي يبرمونها، أو المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تلحقهم نتيجة تصرفات الإدارة؛إلا أنه ألزمهم بالانصياع إلى أوامر و تعليمات الإدارة،في كل وقت؛ على اعتبار أنها تمثل المصلحة العامة.
إن هذه المعادلة الثلاثية(السلطة-الحرية/القيود/الرقابة الإدارية و القضائية)، تشكل أهم الإشكاليات الفرعية، لإشكاليتنا المركزية التي نحاول معالجتها في هذه الدروس، ألا و هي:إلى أي مدى يستطيع القانون الحالي، البلوغ بالصفقات العمومية، درجة الفعالية؟
و في الحقيقة- و لدراسة هذه الإشكالية،في سياقها العام، و في حدودها الزمانية و الموضوعية الحقيقية (في أبعادها القانونية، و الاقتصادية، و السياسية)-، نرى أنه من المفيد منهجيا، التدرج بالإجابة عنها من خلال معالجة إشكالياتها الفرعية التي تحدثنا عن بعضها أعلاه(التي أشار إليها القانون)،بالإضافة إشكاليات فرعية أخرى، أغفلها نص القانون أو لم يوليها الاهتمام الذي تستحق، و على رأسها "افتقار الإدارة إلى الأطر المتخصصة في فقه الصفقات":فمعلوم أن إعداد وإبرام و مراقبة تنفيذ الصفقات، ليس بالأمر السهل، و إذا لم يقم به موظفون أكفاء،فقد يؤدي ذلك إلى تبذير الأموال العامة.
و باتباع هذا المنهج، سنتمكن- إن شاء الله- من دراسة الصفقات العمومية (و القانون الذي يحكمها)، أولا بفحص القواسم المشتركة، التي تجمعها بالعقود الإدارية، ثم بعد ذلك، بالبحث في المميزات، التي تميزها عن هذه الأخيرة:سنحاول، هنا تحديد مفهومين واضحين لكل من العقود الإدارية و الصفقات العمومية.و في مرحلة ثالثة،سننظر في مصادر المنظومة القانونية التي تؤطر الصفقات، في القانون المغربي، و المكانة التي يحتلها قانون الصفقات داخلها.
و بتنفيذ هذه الخطوات،ستصبح الطريق ممهدة أمامنا، لدراسة القانون الحالي،من خلال المحاور التالية:إبرام الصفقات، فتنفيذها، ثم المنازعات التي تترتب عنها،و الجهات الإدارية و القضائية،المختصة بفضها.
و بالله التوفيق.
***
مراجع مختارة:
(اكتفينا هنا بذكر الاسماء العائلية للمؤلفين، مجردة من الألقاب العلمية)
(أما الحروف و الأرقام بين قوسين،فتدلان على الرقم الترتيبي للكتاب في خزانة الكلية)
1-   الطماوي- الأسس العامة للعقود الإدارية (دراسة مقارنة)- الطبعة الخامسة – دار الفكر العربي- القاهرة 1992.
2-   الطماوي- الوجيز في القانون الإداري (دراسة مقارنة)- طبعة 1996-دار الفكر العربي.
3-   الطماوي- القضاء الإداري –الكتاب الأول:قضاء الإلغاء(1967)، و الكتاب الثاني:قضاء التعويض (1968)- دار الفكر العربي...
4-    الصروخ- الصفقات العمومية في المغرب(الأشغال- التوريدات- الخدمات)- الطبعة الثانية- دار القلم- الرباط 2012.
5-    سلامة بدر-العقود الإدارية و عقد البوت- الطبعة الثانية-مكتبة دار النهضة العربية- القاهرة 2010.
6-   م.باهي- دليل الصفقات العمومية (ق.إد0022 ).
7-   مشورات ريمالد(REMALD)- مدونة الصفقات العمومية(ق.إد 0023).
8-   خليفة-الأسس العامة للعقود الإدارية (ق.إد 0030).
9-   البخاري- اجتهادات المجلس الأعلى(الغرفة الإدارية) (ق.إد ..34).
10-                     السناري- مبادئ و احكام العقود الإدارية( ق.إد 0035).
11-                     ندوة-المحاكم الإدارية و دولة القانون (ق.إد 0038).
12-                     فودال- القانون الإداري(جزآن)(ق.إد 0041).
13-بوعشيق-المرافق العامة الكبرى (ق.إد0053).
14-الكبيسي-حرية الإدارة في سحب قراراتها( ق.إد 0059).
15-فهمي-وسائل الإدارة العامة(ق.إد0073).
16-عبد اللطيف – التطورات الحديثة في مسؤولية الإدارة ( ق.إد0074).
17-سناري- القرارات القابلة للانفصال في القانون الإداري(ق.إد 0075).
18-نصار- التحكيم في العقود الإدارية(دراسة مقارنة) (ق.إد.0087).
19- القاسمي-الصفقات العمومية-ع 13(البيانات غير واضحة،في دليل الخزانة).
20-اسماعيل-موسوعة القضاء الإداري( ج3 عن العقود الإدارية(ق.إد0123).
21-فهمي-الإدارة العامة نشاطها و أموالها(ق.إد 0137).
22-يونس-الرقابة القضائية على الجزاءات الإدارية العامة(ق.إد 0140).
23-باينة-الهيئات الاستشارية بالمغرب (ق.إد0134).
24-باينة- أشكال النشاط الإداري (ق.إد0149).
25- نظام العقود الإدارية وفق قرارات و احكام القضاء (نصوص)(ق.إد 0151).

مراجع أجنبية:
26-A.De Laubadère,J-Cl Venezia et  Y.Gaudemet-Traité de droit administratif-L.G.D.J-PARIS 1990..
27-M.Lombard- Droit Administratif-4éd-Dalloz-Paris 2004.
28-S.Braconnier-Précis du droit des marchés publics-3éd-Le moniteur-Paris 2009.
29-Cyrille EMERY-Passer un marché Public- 2éd –DELMAS –Paris 2004.
30- L.Duguit-Les transformations du droit public-in :www.gallica.bnf.fr
نصوص قانونية:
-         المرسوم رقم 20.6.388 بتاريخ 5فبراير 2007، بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة، و كذا بعض التدابير المتعلقة بتدبيرها و مراقبتها-منشور بالجريدة الرسمية عدد 5518 بتاريخ 19 أبريل 2007- ص 1235.
و لتحميل هذا النص أو غيره من النصوص  و الوثائق المتعلقة بالصفقات،.. و عموما لدراسة الكثير من الجوانب الخاصة بهذا الموضوع، أنصحكم بالرجوع إلى الموقع التالي:
www.marches publics.gov.ma


الثلاثاء، 24 مارس 2020








المبحث الخامس:حدود التشريع الجبائي
تملك السلطة التشريعية - سواء كانت ممثلة للمجتمع كله، أو لبعضه فقط - ،سلطة واسعة في سن الضرائب، من حيث المبدأ العام.غير أنه من الخطأ الاعتقاد أن هذه السلطة مطلقة؛ بل هي مقيدة بقيود كثيرة، تفرضها على المشرع الجبائي بعض الظروف و الملابسات التي تجتازها الدولة، أو الأحوال التي يمر منها المجتمع، أو بعض الحسابات التي تفرضها توازنات القوى السياسية أو الاجتماعية الداخلية، أو حتى القوى الأجنبية.
 و إذن؛ فالمشرع الجبائي، يجد نفسه مطالبا بمراعاة ، مجموعة من المعطيات، و أخذ مصالح الكثير من الفئات بعين الاعتبار، عند سن أي قانون جبائي جديد أو تعديله.و بتعبير آخر، فالسلطة المخولة للمشرع الجبائي، مقيدة بحدود، لا يمكنه تجاوزها، دون أن يثير اعتراض أو احتجاج، أو حتى تمرد فئة أو فئات اجتماعية متضررة، من تلك التجاوزات[1].هذه الحدود و القيود، هي ما سنحاول التعرض لأهمها،فيما يلي:
1- إن المشرع الجبائي، هو في حقيقته حامل إيديولوجيا سياسية(= حزب سياسي )، يسعى لتطبيقها، بما يقوي موقعه السياسي، و مواقع حلفائه،و إضعاف خصومه(=السياسيين). و من طبيعة الحال، فهو يعمل على تغطية كل أهدافه (الخاصة)، بغطاء المصلحة العامة، حتي يسهل عليه " تسويقها" لدى الرأي العام.و قد تكون أهداف المشرع الجبائي مطابقة للمصلحة العامة، و قد لا تكون،فهو يجد نفسه في الكثير من الأوقات حائرا بين خيارين:  ترجيح كفة المصلحة العامة أم مصلحة الحزب ( و الحلفاء)؟(هذا ان كان يفكر اصلا،و إلا فهو في الغالب، يتبع طريق مصلحته الخاصة..دون تفكير).
و عموما، فالمشرع الجبائي، عندما يريد سن قانون جبائي، يجري حسابات كثيرة، و يحاول أن يرضي أكثر من طرف، حتى و إن كانت له الأغلبية داخل البرلمان، فالحكم لا يعتمد على الشرعية( Légalité=الحكم وفقا للقانون) فقط، بل على المشروعية ( = Légitimité رضى المحكومين) أيضا. من هنا، يلاحظ أنه في الكثير من الأحيان، تمضي الحكومات الديمقراطية، قدما في مشاريعها، غير ملتفة إلى المعارضة،  عندما تكون واثقة من أن مشاريعها تخدم المصلحة العامة، أو مصالح الأغلبية العظمى من المواطنين.
 و لكن ، عندما يكون موقع المشرع الجبائي ضعيفا داخل البرلمان، أو يكون مشروعه الجبائي ضعيفا ، و لا يحظى بتأييد الرأي العام ( تنقصه المشروعية)،فإنه يضطر إلى الدخول في مساومات و مفاوضات ، مع المعارضين داخل البرلمان و خارجه[2]. و غالبا ما تتدخل الحكومة- الذراع التنفيذي للمشرع الجبائي، بل و صاحب المشروع الحقيقي- في هذه العمليات؛ فتستعمل مختلف أساليب الوعيد و التهديد، و الشد و الجذب، لتمرير مشروعها بسلام[3]، و تحويله من مجرد إيديولوجيا سياسية(مجرد فكرة) إلى قانون(واقع..ينفع و يضر). و في معظم الأحيان، تنتهي العمليات التفاوضية، بصفقات من نوع "رابح- رابح"،يتم من خلالها الحفاظ على مصالح الحكومة(صاحبة مشروع القانون الجبائي)، و مصالح الأطراف الأخرى( اللوبيات الاقتصادية و الاجتماعية، و الأحزاب، و النقابات،..إلخ)؛
2- و من الحدود التي تقيد المشرع، هناك القيود المتعلقة بالشروط الاقتصادية، التي يفرضها على المشرع الجبائي، طبيعة النظام الاقتصادي، الذي ينتمي إليه النظام الجبائي(و هذه قضية، ناقشنا جانبا منها، في مبحث سابق).ففي النظام الرأسمالي، الذي يستند على الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج و إلى النشاط الاقتصادي الخاص، و إلى البحث عن الربح..إلخ، لا يمكن للمشرع أن يسن من الضرائب إلا ما يتلاءم مع هذا النظام،فالضرائب التي تسن في ظل هذا النظام،إذن، يجب أن تترك للخواص القدرة اللازمة لإشباع حاجياتهم الشخصية و العائلية، و تترك لهم أيضا القدرة و الحرية على اتخاذ المبادرات لتمويل مشاريعهم الاستثمارية،كما لا يجب أن تضر بالباعث على الادخار..و عموما، يجب أن تترك لهم قدرا من الأرباح لتحريك كل بواعث الاستهلاك و الادخار و الاستثمار؛
3- و مما يرتبط بهذا، و ينتج عنه، حد آخر يتمثل في عدم قدرة المشرع على اختيار ما يشاء من التقنيات الجبائية:فقد يرسم خطة سياسية،و يحاول أن يستعين بالضريبة لتحقيقها، ثم لا يلبث أن يكتشف بأنه مقيد بقيود تقنية، قد تهدد سياسته بالفشل.فقد يسعى ، مثلا ، للحد من الفوارق الاقتصادية و الاجتماعية ، عن طريق الضرائب ذات الأسعار التصاعدية،إلا أنه سرعان ما يكتشف أنه لا يمكنه فرض أسعار عالية جدا؛لأنه إن فعل، قد تعتبر خطوته تلك- من طرف خصومه السياسيين، و من طرف الملزمين أنفسهم- مجرد مصادرة للثروات و الدخول، و من ثم تصبح عائقا أمام الاستثمارات الخاصة، و قد ينتج عن ذلك بطالة، و تزداد بالتالي أوضاع الطبقات الاجتماعية الهشة- التي كان المشرع يريد حمايتها-،سوءا؛
4- و من أهم الحدود التي نصادفها في بعض النظم الدستورية،أن البرلمان لا يملك إلا صلاحيات محدودة في مجال التشريع عامة، و التشريع المالي و الجبائي خاصة ؛و ذلك بمبررات منها أن الضرائب تسن لتغطية النفقات العامة، أو بتعبير آخر، للإنفاق على البرامج الحكومية، و من ثم فإن الحكومات هي الأعرف بحاجياتها. كما أنها ،بحكم تحكمها في الإدارة و معرفتها بظروف المجتمع، و ملابسات تطبيق القوانين ؛ هي الأقدر على جباية الضرائب و تحصيلها ، كرها أو طوعا :من هنا، منحت الحكومات ، في هذه النظم الدستورية كالنظامين الفرنسي و المغربي، امتيازات خاصة فيما يتعلق بتقديم مشاريع القوانين الجبائية و تعديلها( و لقد تحدثنا عن هذه القضية الهامة في المحاضرات، و لن نكرر ما قلناه هنا[4]
5- هناك حد آخر، يتمثل في حدود " السيادة التشريعية"، على الملزمين:فكل برلمان له من حيث المبدأ، سيادة كاملة في التشريع ، تجاه جميع المقيمين على إقليمه ، و على المواطنين الذين يحملون جنسيته ، حتى و إن كانوا خارج الإقليم.إلا أن المبدأ، يخضع لحدود، عندما يتعلق الأمر بالتشريع في المجال الجبائي.و لتنظيم هذه الحدود، تم الاتفاق- بين المشرعين و القضاة و الفقهاء، عبر العالم- على وضع معيارين ، لتحديد" نطاق تطبيق القانون الضريبي":
أ- المعيار الأول،هو معيار إقليمية الضريبة(و يسمى أيضا معيار الإقامة الدائمة)[5]:فبعض الدول ترى أن من حقها تضريب جميع المداخيل التي تحقق داخل حدود إقليمها، مهما كانت جنسية الشخص ( الطبيعي أو المعنوي)، الذي يستفيد من ذلك الدخل،مادام مقر إقامته أو مركزه الرئيسي(بالنسبة للشخص المعنوي)، يوجد داخل حدود  البلد[6]؛
ب- المعيار الآخر، هو معيار جنسية الملزم:فبعض الدول تفرض الضرائب على مواطنيها (الذين يحملون جنسيتها)، بغض النظر عن مكان إقامتهم .
و لأن الأخذ بهذين المعيارين في نفس الوقت ، يؤدي إلى الازدواج الضريبي،الذي تحرص الدول على تجنبه و التغلب عليه- بواسطة الاتفقيات الثنائية، و المتعددة الأطراف، عندما يكون دوليا-؛فإن المشرع الجبائي يأخذ إما بمعيار الإقامة أو معيار الجنسية(راجع المدونة العامة للضرائب: المواد 5 و 23 على سبيل المثال)[7]،كما يحرص على ملاءمة تشريعاته الجبائية، مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة؛
6-إن القوانين الجبائية نفسها، التي يصدرها المشرع الجبائي، قد تصبح أول القيود التي تحد من صلاحياته في المستقبل:فهي  تكتسب حصانة بمجرد إصدارها؛ فتصبح واجبة التنفيذ،و لا يمكن تعطيلها أو التضييق على تنفيذها،بطرق مباشرة(كإلغائها)، أو غير مباشرة كتعديلها بقرارات للسلطة التنفيذية أو القضائية، بدعوى أنها مخالفة للدستور مثلا[8].إلا أنه، قد يصعب على المشرع الجبائي نفسه إصلاحها:فخبراء الضرائب يؤكدون أنه من الصعب القيام بإجراء إصلاح شامل للنظام الجبائي؛لأن الممارسات الجبائية إذا ترسخت يصعب اقتلاعها، و إحلال ممارسات جديدة محلها[9]؛
7- و مجموع القوانين الجبائية ، التي تطبق في زمان و مكان معينين ، تشكل فيما بينها نظاما جبائيا، أو هندسة جبائية،لا بد من أن يأخذها المشرع الجبائي بعين الاعتبار ، عندما يريد أن يفرض أي ضريبة جديدة أو يعدل ضريبة قديمة: فلا بد له من مراعاة انسجام  و تكامل الضريبة الجديدة، مثلا، مع باقي عناصر النظام  (القديمة)، بحيث لا تشكل عبئا إضافيا على نفس الأوعية. كما يجب أن تربط معها صلات  على شكل شبكة بعيون صغيرة ،بدون أي ثغرات جبائية،حتى تمنع التهرب الضريبي؛فإذا كان المشرع يرغب في تضريب استهلاك مادة  معينة(الشاي مثلا) ،فعليه أن يقوم بضرف لاب بديلها أيضا (القهوة)،حتى لا يتحول المستهلكون إلى القهوة، للتهرب من أداء الضرائب المفروضة على الشاي.و إذا أراد أن يستعمل الضريبة لتقليل استهلاك البن و الشاي معا، فيمكنه أن يقوم بتضريب السكر مثلا، و لكن ذلك قد يؤثر على استهلاك سلع أخرى كالمشروبات الغازية و الحلويات،التي سترتفع أسعارها..و قس على ذلك؛
8- و المشرع الجبائي ليس حرا، في فرض ما يشاء من ضرائب، دون الأخذ بعين الاعتبار الحالة التي توجد عليها الإدارة الجبائية في بلده، و ما بلغته من تطور تنظيمي ، و خبرة و فعالية إدارية، و ما تتوافر عليه من إمكانيات و قدرات مادية، و علمية و تكنولوجية، و صلاحيات قانونية.فالضرائب التي تعتمد على التصريحات و الإقرارات، من الملزمين أنفسهم أو من أطراف أخرى(كأرباب العمل)،لا يمكن دمجها في نظام جبائي معين ، إلا  إذا كانت الادارة الجبائية، تتوافر على الإمكانيات المادية و البشرية و غيرها، التي تمكنها من مراقبة صحة تلك الإقرارات، و التحقق مما جاء فيها من معلومات صحيحة و أخرى زائفة[10]؛
9- و يرتبط بهذا الحد السابق، حد آخر، يتمثل في المستوى التعليمي و الثقافي، المشترك بين أغلبية الملزمين في الدولة التي ستفرض فيها ضريبة معينة.فإغفال هذا الحد يفسر لنا كيف و لماذا تفشل الكثير من المشاريع و الخطط الجبائية  في بلوغ أهدافها.فكيف يمكن للمشرع الجبائي أن يقر قانونا يلزم المكلفين بالضرائب على الدخل، أن يقدموا تصريحات بمداخيلهم، دون أن يكلف نفسه عناء التحقق مما إذا كان هؤلاء الملزمون قادرون على ملء الإقرارات الجبائية، أو فك "طلاسم " نماذج التصريحات التي تقدمها لهم الإدارات الجبائية؟!!؟ و كيف لمشرع يريد الأخذ بنظام الإقرارات هذا، دون أن يكون متأكدا بأن الملزمين ينظمون سجلاتهم و دفاترهم و وثائقهم المحاسبية و غيرها، بطريقة مقبولة من الإدارات الجبائية ؛ مما يسهل عليهاإجراء المراقبة على التصريحات؟؟!!و كيف لمشرع جبائي، يريد أن يحارب التهرب و الغش الضريبيين،و ينظم حملة دعائية ترشيدي و تحسيسية للتعريف بمضار التهرب، دون أن يضع نصب عينيه  قدرات الملزمين على فهم و إدراك مرامي خطته و خطابه، و أهدافهما " النبيلة"؟؟!!..و قس على هذا؛
و في الواقع ،إن الحدود التي تقيد يدي المشرع الجبائي، كثيرة و متنوعة، و قد يطول بنا الحديث لو حاولنا استعراض أهمها، ناهيك عن ذكرها جميعها،و لكن بعضها لا تحتاج إلا إلى القليل من التمعن من الطالب ليدركها، من ذلك على سبيل المثال:
10- أن القاعدة القانونية الجبائية، على غرار جميع القواعد القانونية، لا يمكن أن تطبق بأثر رجعي، إلا في حالات قليلة( مثل الحالة، التي فرضت فيها بعض الدول الأوربية، بعد انتهاء الحرب العالمية الأخيرة، على الأرباح و المداخيل، و الثروات ، التي اكتسبت خلال الحرب)[11]؛
11- و أنه لا يحق للمشرع، أن يميز بين المكلفين، فيما يخص توزيع الأعباء العامة عليهم. بل يجب عليه أن يعامل جميع المكلفين على قدم المساواة:يخضع لمبدأ المساواة أمام الضريبة، جميع الأشخاص(و هذا من المبادئ الدستورية الأساسية..و القديمة أيضا،إذ أشار إليه الإعلان الفرنسي لسنة 1789 )[12].
و لا يعني هذا المبدأ أن يدفع جميع المكلفين نفس مقدار الضريبة، بل يجب أن يتناسب مقدار ما يدفعه كل واحد منهم، و قدرته على الأداء[13].بالإضافة إلى ذلك؛فإنه لا يجوز التمييز بين الأفراد استنادا إلى أي سبب آخر لا يرجع إلى المصلحة العامة:و بناء على ذلك، لا يجوز للمشرع الجبائي، إخضاع فئة لضريبة معينة،و عدم إخضاع فئة أخرى لنفس الضريبة، طالما تحققت في الفئتين نفس الواقعة المنشئة للضريبة[14]) لقد بحثنا هذه الأمور في المحاضرات، فارجع إليها، تجد تفاصيل أكثر حول هذه الجزئية).
و لكن هناك، حدود أخرى تحتاج من الطالب بعض التفكير، و الثقافة القانونية و السياسية،ليفقه كنهها، من ذلك..
11- الحدود التي تفرضها الالتزامات الدولية على الدول:فالدول لا تستطيع أن تعيش في عزلة، و هي منخرطة شاءت أم أبت في العلاقات الدولية، و تضطر إلى الانتماء إلى عدد من المنظمات الدولية. و من هنا، يجد المشرع الجبائي، في كل دولة، نفسه مقيدا بالاتفاقيات الدولية و المواثيق الدولية التي صادق عليها بلده ، كتلك التي تشرف على إبرامها منظمة التجارة الدولية، في مجالات جبائية كثيرة، كالازدواج الضريبي الدولي- و قد أشرنا إليه -، و الرسوم الجمركية.أو مثل الإعفاءات الجبائية التي تمنح للدبلوماسيين و القناصلة، و أعضاء البعثات الثقافية،أو الخبراء العسكريين،و بعض الموظفين الممثلين للمنظمات الدولية..،بناء على العرف الدولي أو المعاملة بالمثل، أو المعاهدات الدولية؛
12- و من ذلك أيضا، أنه في الدول البسيطة، مثل المغرب، لا يحق للمجالس المحلية، مثلا، أن تفرض الضرائب المحلية بأسعار أعلى أو أقل من تلك التي تطبقها المجالس الأخرى، و المحددة حدودها ( سقفها الأعلى و قاعدتها الأدنى، بمقتضى القانون)[15]، و مبرر ذلك هو تحقيق المساواة بين المواطنين أمام التشريعات الجبائية."..هذا التقييد تم تكريسه في الإصلاح الجبائي لسنة 1989؛ فبالرجوع للمادة السادسة من هذا القانون، نجدها تنص على أنه في حالة عدم تحديد أسعار أو تعريفات ثابتة للضرائب و الرسوم، بمقتضى هذا القانون؛ فإنه تعود للآمرين بالصرف صلاحية هذا التحديد[...] لأن الصلاحية المقررة لفائدة الجماعات على هذا المستوى؛ تبقى محدودة جدا، باعتبار أن ما يزيد عن نصف الرسوم يتم تحديد أسعارها بشكل دقيق .."[16]؛
12- و هناك مسألة أخرى، أظن أنه يجب بحثتها، في ختام هذا المبحث، ألا وهي اقتباس القوانين الجبائية الأجنبية، و غرسها في المجتمع المغربي:إن القاعدة القانونية، من حيث المبدأ هي افراز اجتماعي، و من ثم فلكل مجتمع قوانينه الخاصة به، التي تناسبه.و لذلك، فأي قانون يسنه المشرع، يجب أن يراعي فيه مجموعة خصائص، تعكس طبيعة المجتمع المقصود بذلك التشريع.ذلك أنه قد تكون هناك قواعد قانونية، ناجحة في مجتمع معين، و لكنها تفشل، عند نقلها، إلى مجتمع آخر.و لهذا ينبغي أن تؤخذ مسألة نقل المؤسسات القانونية، من مجتمع لآخر، بمنتهى الحرص و الحيطة.فقد تكون المؤسسات المأخوذة غير متكاملة مع الهيكل الاجتماعي و الاقتصادي للمجتمع المستعير، أو قد تكون أكثر تقدما بالنسبة له.










[1]  لقد مضى ذلك الزمن الذي يسن فيه المشرع الجبائي ما يشاء؛فيفرض القيصر الروسي" بطرس الأكبر"(1682-1725)، ضرائب على اللِّحي، و يفرض فيه" وليم بت الابن "(Pitt)،رئيس الحكومة البريطانية(1783-1801)، ضرائب على الساعات الدقاقة(Pendules)،سنة 1797؛ و يقترح فيه أحد النواب الفرنسيين ، في أحد برلمانات الثورة الفرنسية، ضريبة على " العقل"(L'esprit)( فرد عليه أحد خصومه السياسيين،ساخرا، بأن صاحب الاقتراح لا شك سيعفى من هذه الضريبة).انظر:
P.M.Gaudemet et J.Molinier- Finances publiques-5e éd-Montchrestien-Paris1992-t2-p60.               
[2] "..و يترتب على الحكومة البرلمانية أن تمارس مهمة الوساطة الدائمة بين الدولة المنظمة مع ما يكتنفها من مهام و متطلبات، و بين الرأي العام صاحب السيادة بما يرافقه من أهواء و انقسامات و تحركات.فالوزراء الذين يتولون الحكم ينتمون في الوقت نفسه إلى الأحزاب و تعد مسؤوليتهم مزدوجة من حيث الإدارات التي يسيرون شؤونها و الحركات التي يوجهونها..":دوفابر- الدولة- م.س-ص 18.
[3]" L'exécutif , assiégé par des intérêts contradictoires aura tendance à faire des compromis , à conclure un " armistice " fiscal pour satisfaire telle ou telle revendication catégorielle , en introduisant parfois une réforme réclamée par l'opinion publique ":A.Fikri- Le parlement Marocain et Les Finances de L'Etat-Afrique Orient-Casablanca1988- p71.
[4]  راجع على سبيل المثال الفصل (77) من الدستور:" يسهر البرلمان و الحكومة على الحفاظ على توازن مالية الدولة.
" و للحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات و التعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود".
[5]   و هي الإقامة التي يعتد بها في المفهوم الجبائي، و تحدد غالبا في 183 يوما ، متصلة أو متقطعة.تنص المادة (23) من المدونة العامة للضرائب المغربية، على :"..يعتبر الشخص الطبيعي متوفرا على موطن ضريبي في المغرب حسب مدلول هذه المدونة إذا كان له فيه محل سكنى دائم أو مركز أو مصالحه الاقتصادية أو كانت المدة المتصلة أو غير المتصلة لمقامه بالمغرب تزيد على 183 يوما في كل فترة 365 يوما[ سنة]".
[6]  المشرع المغربي، يأخذ بمعيار الإقامة ، كما يفهم من المادة (23) من المدونة، و الخاصة بالضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين.قارن مع المادة (5) من المدونة، و المتعلقة بالضريبة على الشركات.
[7] و مشكل الآزدواج الضريبي، في الواقع، يطرح عندما يتعلق الأمر بالضرائب المباشرة،و بعض الضرائب غير المباشرة كضريبة التسجيل و التمبر، أما عندما يتعلق الأمر بأغلب الضرائب غير المباشرة الأخرى ،فإن الإدارات الجبائية تضطر إلى الأخذ بمبدأ الإقامة، أو إقليمية الضريبة، فتضرب الضرائب على كل السلع و الخدمات، التي تستهلك أو تنتج أو هما معا،فوق التراب الوطني.
[8]  اللّهم إلا في الدول التي تسمح قوانينها، للمحاكم بالنظر في دستورية الضرائب، و إلغائها، لعدم دستوريتها، كما هو الشأن في الولايات المتحدة.
[9]  و صعوبة إصلاح النظم الجبائية، تفسر أيضا، بأن الضرائب القديمة ، تكون مقبولة أكثر من الجديدة؛ إذ يألفها الناس، و يعيدون تنظيم حياتهم على أساس القبول بها، فيدمجونها في "حساباتهم"، و مع مرور الوقت ينسونها؛ فهي ، كما قال أحدهم، كالأحذية ؛ القديمة منها تسبب آلاما أقل (Les impôts sont comme les chaussures :Ce sont les plus vieux qui font le moins de mal).انظر: P.M.Gaudemet et J.Molinier- Finances publiques-5e éd-Montchrestien-Paris1992-t2-p64 et suivantes.
[10]  و الأمر، هنا، فيما يتعلق بمراقبة صحة التصريحات، قد لا يقتصر على الإدارة الجبائية وحدها، بل يمتد إلى إدارات أخرى، التي قد تستعين بها الأولى( الإدارة الجبائية)، في إطار ما يعرف بـ " حق التواصل" (Droit de communication): فهذا  التوصل لا يكون فعالا  و مفيدا للإدارة الجبائية، إلا إذا كانت هذه الإدارات- ( مثل إدارات الضمان الاجتماعي لمراقبة تصريحات الأطباء، و الشركات و الأبناك لمراقبة الأرباح التجارية و مداخيل رؤوس الأموال المنقولة..)-، تتوافر على نظم و تجهيزات و مصالح إدارية ( مثل مصلحة الأرشيف و حفظ الوثائق..)، بشكل دقيق و محيَّن، يمكنها من إعطاء المعلومات التي تطلب منها، بدون تأخير .
و قد لا يتوقف الأمر هنا، إذ لكي نطالب الملزمين( من الأشخاص الطبيعيين) بالضرائب على الدخل بملء التصريحات، لا بد أن نتأكد أن المستويات التعليمية، لأغلبية الملزمين، تسمح لهم بالتعامل مع نماذج التصريحات.
[11] " و تطبيق هذه القاعدة في المجال الضريبي مؤداه أن التشريع الضريبي يسري من وقت إصداره أو في تاريخ لا حق، فلا يسري بأثر رجعي، فلا يمتد إلى الوقائع التي تمت قبل صدوره..": الضمانات الدستوري..- م. س- ص179.و أضاف مؤلف هذا الكتاب(ص183) ،بأنه مما لا شك فيه؛  أن من شأن تطبيق الضريبة بأثر رجعي، أن يؤثر في استقرار المعاملات، و يزرع الخوف في قلوب الناس، فيضعف روح الادخار و الاستثمار. و مع ذلك،فهناك من الفقهاء و القضاة، من رأى بأن "مبدأ عدم الرجعية خارج المجال الجنائي ليس مبدأ دستوريا،و إنما يعد مبدأ تشريعيا، أي له قيمة تشريعية فقط،فيجوز للمشرع مخالفته، بينما لا يجوز للسلطة التنفيذية مخالفته ،فلا يحق لها أن تطبق قانونا جبائيا بأثر رجعي، إلا إذا رخص لها المشرع بذلك".
[12]  و اشار إليه النظام الجبائي الإسلامي، قبل ذلك بقرون و قرون.
[13] "..إن الخطوة الأولى لتحقيق المساواة هي تقسيم الممولين إلى "طوائف"، و التقسيم الشائع هو تقسيم الممولين بحسب إمكانياتهم المالية، و يقسم الممولون عادة إلى صغار الممولين و كبار الممولين(...)و أخيرا يوجد تقسيم للممولين بحسب الضرائب التي يخضعون لها، إذ يوجد ممولون يخضعون للضرائب على الدخل؛ بينما يخضع آخرون للضريبة على القيمة المضافة، و يخضع آخرون للضريبة على الشركات..إلخ..""الضمانات الدستورية في المجال الضريبي- ص ص 135-36.
[14]  الضمانات الدستورية في المجال الضريبي..- م.س - ص ص 115-16؛ و ص 134. إلا أن هذا المبدأ يتعرض لخروقات عديدة، نتيجة الضغوطات التي تمارسها بعض اللوبيات؛ مما يضطر المشرع إلى أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح بعض الفئات على حساب مصالح فئات أخرى، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مستهل هذا الحديث عن حدود التشريع الجبائي. كتب أستاذنا الدكتور عبد الكبير فكري- حفظه الله- في مؤلفه عن البرلمان المغربي و مالية الدولة:"Le principe le l'égalité fiscale heurte certains intérêts socioprofessionnels et politiques .Le consensus fiscal, expression du consentement à l'impôt n'est ni général , ni absolu": Le حParlement Marocain et Les Finances de L'Etat-Afrique Orient-Casablanca 69.1988- p
و لمن يريد، من الطلبة الأعزاء التوسع أكثر في هذا الموضوع، و معرفة كيف أثرت بعض اللوبيات ، في  بعض  التشريعات الجبائية المغربية، فليرجع إلى هذا الكتاب . و الجدير بالذكر،أنه  في الأصل أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون، قدمت تحت عنوان(Le Parlement marocain et les finances , recherche sur le pouvoir financier)، و نوقشت في كلية الحقوق بالدار البيضاء.
[15]  فالمبدأ العام في الضرائب المحلية، أنها تنشأ بقوانين،إذ أن اختصاص المجالس المحلية- و هي مجرد سلطات إدارية و ليست سلطات سياسية كما في الدول الفدرالية- ، يقتصر على  تطبيق الضرائب المحلية التي أنشأها القانون، و حدد أوعيتها و أسعارها،كما أن الإدارة المركزية هي التي تتكلف بتحصيل معظمها.و صحيح أن المشرع الجبائي- و هو المشرع الوطني- قد يترك للسلطات المحلية هامشا من الحرية، على ضوئه تستطيع أن تزيد بنسب ضئيلة في اسعار بعض " الضرائب و الرسوم"، و لكن شريطة ألا يؤثر ذلك على مبدأ مساواة جميع المواطنين- في كل اقاليم الدولة- أمام الأعباء العامة.
[16]  حسن بريح و المصطفى الخطاب- مسلسل الإصلاح الجبائي المحلي و إشكالية الاستقلال المالي للجماعات المحلية-  الشركة المغربية لتوزيع الكتاب- الدار البيضاء 2014- ص ص 56-57. و أضاف مؤلفا هذا الكتاب (ص 57):"..في حين أن باقي الرسوم التي يحق للآمرين بالصرف اتخاذ قرارات جبائية بشأنها هي على نوعين:
" النوع الاول، و يشمل إحدى عشر (11) رسما، قيد فيه المشرع [ الوطني] سلطة المجالس التداولية[ المحلية] بأسعار قصوى لا يجوز تجاوزها، بأي حال من الأحوال؛
" أما النوع الثاني، فيخضع للسلطة التقديرية للمجالس، و هي سلطة مقيدة بدورها بمعايير الموضوعية، و يخص سبعة(7) رسوم(..) و عليه يمكن القول أنه حتى مع ترك حرية للجماعات الترابية في تحديد أسعار بعض الضرائب و الرسوم- في حدود معينة-فإن ذلك لن يجعل من الهيئات المنتخبة أجهزة تقود سياسة ضريبية حقيقية.كما لا تجعلها قادرة على توزيع العبء الضريبي بين مختلف الضرائب، وفق سياستها الضريبية، و بالتالي يحرمها من أهم وسائل التدخل الاقتصادي و الاجتماعي لتطبيق مخططاتها التنموية".
 و يجدر بي الإشارة، هنا، إلى أن أصل هذا الكتاب،(مسلسل الإصلاح الجبائي..)؛هو بحث التخرج ، لنيل الأجازة  في الحقوق، أنجز تحت إشرافي، بالكلية متعددة التخصصات بآسفي؛أذكر هذا حتى يكون ذلك حافزا للطلبة على العمل الجاد..فالعمل الجاد مثمر.و لقد أخبرني الأستاذ بريح، مؤخرا أن الطبعة الأولى من هذا الكتاب نفذت ، بعدما لقي الكتاب استحسان المهتمين ، و الناشر يعد لنشر طبعة ثانية. و بالله التوفيق.