الاثنين، 15 يونيو 2020

تقنية الأخطبوب في استحضار مخزونات الذاكرة، بطريقة شاملة متكاملة



تقنية الأخطبوب في استحضار مخزونات الذاكرة، بطريقة شاملة متكاملة

تقنية الأخطبوط

من الصعوبات الكبيرة، التييعاني منها الطلبة أثناء الامتحانات، ما يتعلق باستحضار المعلومات من الذاكرة، على قدر الحاجة إليها.

إن الأفكار و المعلومات، التي قد تتدفق من ذاكرة الطالب، يوم الامتحان، قد تكون كثيرة جدا، ولكنها لا تفيد إلا في تناول جزئية واحدة، أو جانب واحد من الموضوع.فيستطيع أن يكتب في هذه الجزئية، عدة صفحات، ثم لا يكتب شيئا في الجزئيات الأخرى.لماذا؟ لأنه، لا يعرف، كيف يستخرج معلومات متعددة و متنوعة و متباينة، عن الموضوع الواحد، في نفس الوقت.

 و يحدث هذا، حتى عندما تكون الذاكرة طيّعة و مرنة و قنوات المرور فيها سالكة،فإنها تتأثر- أثناء استحضار المعلومات- بعامل "توارد الذكريات"  ،بحيث أن تذكر معلومة واحدة (صديق في المدرسة الابتدائية)، يوجه الذاكرة إلى ملفات الذكريات المرتبطة بهذا الصديق دون سواه(أصدقاء الابتدائي) ، و يتم "إغفال" القنوات أو الممرات المؤدية إلى الملفات الأخرى:( أصدقاء الجامعة ،مثلا) مما يجعل الطالب يحصل على نوع واحد من المعلومات، التي لن تفيده إلا في تناول جزئية أو إشكالية فرعية أو إشكاليتين فقط.

و من هنا، و لمساعدة الطلاب و غيرهم، على استحضار أهم المعلومات المخزنة في ذاكرتهم، و التي قد تفيدهم في دراسة موضوع معين، ابتكر بعض العلماء تقنيات لتنشيط الذاكرة، و من أهمها تقنية  أسئلة " الأخطبوط"[1](Octopus): و هي مجموعة  من الأسئلة الأساسية، التي  تساعد على تذكر أكبر قدر من المعلومات المرتبطة بموضوع معين. و هذه الأسئلة هي :

لـماذا ؟  مــاذا ؟ مــن؟ مــتى؟ أيـــن؟ كــــم؟ كـــيف؟ مـــاذا بـــعد)مــا هــي الآثـــار أو التـــبعات(؟ 


فبفضل، هذه الأسئلة، يمكن استدعاء معلومات و معطيات و بيانات، و تواريخ، و أسماء أماكن و أشخاص، و دوافع و عوامل و أسباب،و طرق و مناهج و كيفيات، و مبررات و أهداف..و مآلات و آثار و تبعات و نتائج؛ لم تكن لتخطر على البال لأول وهلة، أو لا يمكن استحضارها..بطريقة أخرى.

أجل، يمكن لهذه التقنية، أن تساعد الطالب على استحضار الكثير من المعلومات المخزنة في ذاكره،أو استخراجها من الكتب أو الأنترنيت..، عن أي موضوع يريد أن يناقشه أو يكتب فيه.لأنها ، بكل بساطة، تتكون من مجموعة من الأسئلة، قادرة على الالتفاف و الإحاطة بجوانب أي موضوع، تقريبا،و من ثم تمد الطالب-الباحث بما يحتاج إليه من معلومات متعددة و متنوعة.

و لنرى فيما يلي، كيف تعمل هذه الأسئلة، و كيف يمكنها أن تساعد..و لتوضيح ذلك،بمثال ملموس،نأخذ قضية ساخنة،كلنا قرأنا أو سمعنا عنها؛و هي مقتل المرحوم جورج فلويد، و المظاهرات الاحتجاجية، التي عرفها العالم جراء ذلك.

1- السؤال :لماذا؟(سؤال عن الاستراتيجية)

يستعمل هذا السؤال، للبحث في جذور المشكل؟ أو في تبرير/تفسير واقع معين؛ أو عند البحث عن الأسباب و العوامل و الدوافع و الأهداف، التي تمثل أصل أو مصدر الموضوع، أو ما شابه.

يمكننا مثلا، أن نطرح السؤال:لماذا قتل جورج فلويد؟ لماذا تتصرف الشرطة الأمريكية بعنصرية؟ لماذا العنصرية مازالت مستمرة في أمريكا؟ لماذا انتشرت المظاهرات في أمريكا و العالم؟ لماذا وقعت المظاهرات في فرنسا؟ و بريطانيا؟..

2- السؤال:ماذا؟ (سؤال عن الدلالات و المعاني)

يستعمل هذا السؤال،عند البحث عن طبيعة الموضوع، و مميزاته:أي تحديد و تعريف إطار الموضوع، و المصطلحات .و دلالاتها و معانيها

يمكننا أن نسأل: ماذا وقع في مينيابوليس؟ ماذا فعل جورج فلويد؟ ماذا فعلت الشرطة؟ ماذا قال/فعل الرئيس ترامب؟ ماذا قال/فعل زعماء الحزب الديمقراطي؟ ماذا فعل المتظاهرون؟ ماذا قالت الصحافة؟

3- السؤال: من؟( سؤال عن العامل الإنساني)

يستعمل للسؤال عن الفاعلين، و عن العوامل البشرية، أي الأشخاص الذين لهم علاقة مباشرة بالموضوع المطروح؛

يمكننا أن نسأل: من هو جورج فلويد؟ من هو الشرطي الذي قتله؟ من هم الذي تظاهروا ضد الشرطة؟ من ساند الشرطة؟ من حضر تشييع جنازة فلويد؟ من تحدث عنها في وسائل الإعلام؟..؟

4- السؤال: متى؟ (سؤال عن عامل الزمان)

يستعمل هذا السؤال،عندما نريد أن نأخذ بعين الاعتبار التأثير الذي أحدثه الزمن، في مجموع العناصر المفيدة لمعرفة الموضوع المطروح:كالتواريخ، و المدد، و الآجال، و حالات التكرار أو التواتر..إلخ؛

يمكننا أن نسأل:متى قتل فلويد؟ متى قتل آخر أمريكي أفريقي قبل فلويد؟ متى بدأت المظاهرات في أمريكا؟ متى بدأت المظاهرات خارج أمريكا؟ متى بدأت الحركات الاحتجاجية ضد العنصرية في أمريكا؟ متى بدأت العنصرية في أمريكا؟ متى وصل الأمريكيون الأفارقة إلى أمريكا؟..؟

5- السؤال: أين؟ (سؤال عن عامل المكان)

يستعمل هذا السؤال، عند البحث عن تأثير البعد المكاني الواقعي أو المفترض للموضوع: الأماكن، و المظاهر الجغرافية، التقسيمات الإدارية، أو القطاعية، مجالات و ميادين التطبيق..إلخ؛

يمكننا أن نسأل:أين توجد مينيابوليس؟ أين قتل فلويد بالضبط؟ أين تكرر وقوع عمليات القتل ضد الأمريكيين من أصل إفريقي؟ أين تجمع المتظاهرون في أمريكا؟ و في باقي البلدان؟ أين دفن فلويد؟

6- السؤال: كم؟ ( سؤال عن الكم)

يستعمل هذا السؤال، عندما نريد الأخذ بعين الاعتبار العناصر القابلة للقياس بالأرقام ، كالتكاليف، و الكميات، و الأوزان، و الأعداد..إلخ؛

يمكننا أن نسأل: كم كان عدد المتظاهرين في أمريكا؟ كم كان عدد المتظاهرين في باقي دول العالم؟ كم كان يتقاضى فلويد عن عمله؟ كم كان يملك؟ كم كان عدد أولاده؟ كم يوم استمرت المظاهرات؟ كم كان عدد الصحفيين الذين غطوا الأحداث؟ كم هو عدد الأمريكيين من أصل أفريقي؟ كم يملكون من ثروة أمريكا؟ و من عدد المناصب فيها؟ كم عدد العاطلين منهم؟ ..؟

7- السؤال: كيف (سؤال عن الكيف)

يطرح هذا السؤال، للسؤال عن الأعمال و سبل التنفيذ: المناهج، و الإجراءات، و الوسائل؛ و التقنيات..إلخ؛

يمكننا أن نسأل:كيف وقعت هذه الأحداث؟ كيف تعاملت الشرطة مع مقتل فلويد؟ كيف تعاملت الشرطة مع قاتل فلويد؟ كيف تصرف القضاء؟ كيف تصرف رجال الإدارة؟ كيف أدار ترامب هذه الأزمة؟ كيف استغل الحزب الديمقراطي هذه الأحداث؟ كيف تناولت وسائل الإعلام هذه الأحداث؟ كيف اختلف التعاطي الأوربي مع المظاهرات، عن التعامل الأمريكي؟..؟

8- السؤال :عن المآل( السؤال عن التأثير  و الآثار و النتائج)

يستعمل هذا السؤال، لمعرفة المآلات ، و الآثار و التبعات، و عن فرضيات و احتمالات التطورات المستقبلية: الحصيلة الحالية، و المحتملة..إلخ.

يمكننا أن نسأل: هل سيتم إنصاف جورج فلويد؟ هل سيحكم على قتلة فلويد بعقوبات قاسية؟ ماذا ستكون ردود أفعال الأمريكيين الأفارقة؟ هل ستتغير القوانين لمصلحة السود؟ هل ستتغير القوانين لتحد من تعسفات رجال الشرطة؟ هل ستتغير الاعتمادات المالية المخصصة لرجال الشرطة؟ هل ستنتهي العنصرية في أمريكا ؟ و في أوربا؟ هل ستؤثر الأحداث على إعادة انتخاب ترامب؟

إن الأسئلة التي يمكن أن تطرح كثيرة و كثيرة جدا، و لكن المهم أن كل سؤال، يوفر لنا معطيات و معلومات، و يسلط الضوء على جوانب، تهملها الأسئلة الأخرى؛ و في مجموعها، تعطي هذه الأسلةصورة، شبه كاملة أو متكاملة عن الموضوع، الذي نكون بصدد البحث فيه، و من هناأهميتها.

و زيادة، في التوضيح، نسوق، فيما يلي، المثال التالي، الذي اقتبسناه، من مؤلفي الكتاب، الذي أشرنا إليه في الهامش.


مثال تطبيقي لتقنية الأخطبوط

 تخيل نفسك في قاعة مسرح..ثم لاحظ كيف أنه يمكن ، باستعمال تقنية الأخطبوط، أن تحيط بالكثير مما فيه، إن لم يكن كل ما فيه

فالسؤال:لماذ؟ يمكنك من معرفة  الهدف الذي يسعى إليه مؤلف المسرحية؟ و الهدف الذي يريد بلوغه صاحب المسرح؟ و الهدف الذي يريد كل واحد من الممثلين تحقيقه؟..و هكذا.

و السؤال: ماذ؟ يفيدك في معرفة نوعية و طبيعة العمل المسرحي..

و السؤال: من؟ يساعدك في التعرف على المؤلف..و المخرج..و الممثلين..إلخ.

و السؤال متى؟ يفيدك في التعرف على السياق التاريخي للأحداث..أو لعرض المسرحية..أو لتأليفها..أو تاريخ المسرح..

و السؤال :أين؟ يفيدك في معرفة الأجواء أو البيئة المحيطة  بالأحداث ..و مختلف الأماكن التي تدور فيها أحداث المسرحية..

و السؤال: كم؟ يساعد على تحديد عدد المساهمين في المسرحية..من ممثلين مثلا..أو شخصيات المسرحية..و عدد الجمهور..و تكاليف المسرحية..و ثمن التذكرة..و الأرباح التي يحققها صاحب المسرح..و أجور المخرج و الممثلين..و كل ما له علاقة بالكم.

أما السؤال: كيف؟ فيجيب عن السؤال:كيف تدور الأحداث؟ و حبكة القصة(المسرحية)..و عمل المخرج(كيف يدير المسرحية..؟)..و الممثلين( كيف يؤدي الممثلون أدوارهم..؟).

أما السؤال الأخير، و هو وماذا بعد أو ما هي الآثار و التأثير و النتائج..؟ فيساعد على معرفة آثار العمل المسرحي، و تأثيره في الحاضر و المستقبل..و مختلف الاحتمالات و الفرضيات المتعلقة بذلك.

أهمية هذه تقنية الأخطبوط

و الحاصل، في نهاية هذا الحديث، أن أهمية هذه التقنية ، تتمثل في ست نقط:

أ- إنها سريعة جدا، في استخراج المعارف و المعلومات من الذاكرة أو حتى من الكتب و الأنترنيت..أو أي وعاء آخر ؛

ب-  أنها تساعد على الإحاطة بجميع جوانب الموضوع، التي يصعب الوصول إليها أو استعادتها، بطريقة أخرى؛

ج-  أنها تساعد  على تنظيم و تصنيف المعلومات و الأفكار..إلخ، حسب منطق خاص، في كل متماسك، يساعد على إعادة استخدامها، بكل سهولة و يسر؛

د-  أنها تساعد على قياس كمية و نوعية  المعلومات حول موضوع معين، و بالتالي رصد جوانب النقص في المعطيات عنه؛

هـ- و أخيرا، فهي تمثل دعامة أساسية  للعمل المكتوب أو الشفوي،في وقت قصير.

 



[1]  سميت هذه التقنية، بتقنية الأخطبوط،لأنها تتكون من أسئلة متعددة كمجسات الأخطبوط، و أيضا لأن الحروف الأولى من هذه الأسئلة ، إذا جمعت، تصبح قريبة من اسم الأخطبوط بالفرنسية:

Pourquoi ? Quoi ? Qui ? Quand ? Où ? Combien ? Comment ? Conséquences ?      للتعرف أكثر على هذه الطريقة، يمكن الرجوع إلى:

Michelle  Fayet et Jean-Denis Commeignes- Méthodes de Communication écrite et orale-3e édition Dunod -Paris 2008- p 6 et suivantes.                                          


الأحد، 14 يونيو 2020

ما ليس بحثا علميا: اي العمل الذي يريد صاحبه، وصفه بأنه علمي و منهجي، في حين أنه، في الحقيقة، ليس كذلك

ما ليس بحثا علميا: اي العمل الذي يريد صاحبه، وصفه بأنه علمي و منهجي، في حين أنه، في الحقيقة، ليس كذلك

ما ليس بحثا علميا !

لقد سبق لي الحديث، في هذهالمدونة، عن بعض أنواع الطلبة الجامعيين.

فيما يلي، سأحدثكم عن نوع آخر من الطلبة :الطلبة الباحثون، الذين يؤمنون بنظرية " الجهد الأقل"، و يطبقونها في أعمالهم البحثية، إما كسلا، أو لضعف حيلة، أو استخفافا بأنفسهم و/أو بالأستاذ، أو لأسباب أخرى..يبذلون أقل الجهود، و يتوقعون أفضل النتائج.

هذا النوع ، من الطلبة، إذا كُلف بإنجاز بحث علمي، ستجدهم يكتفون بجمع أشتات من المعلومات  و المعطيات، ثم يعرضونها، في تقاريرهم المكتوبة(الرسائل..الأطروحات) ، "كما اتفق"،.. معتقدين أنهم، بذلك، قد قاموا بواجبهم أحسن قيام!! و لا يبقى إلا أن ينالوا "الجائزة".

كنت أراجع ، مؤخرا، مسودة " تقرير"، كتبه طالب(الليسانس) من هذا النوع، عن ما أسماه هو دون استحياء "بحثا"، فتذكرت ما كتبه الأستاذ الدكتور محمد شيّا، عن ما "ليس بحثا عمليا و منهجيا"؛ أي الأعمال التي يريد أصحابها وصفها بأنها "بحوث علمية منهجية"، في حين أنها، في الواقع و الحقيقة، ليست كذلك.

عن هذه الأعمال ،سأحدثكم اليوم..معتمدا بالأساس، على ما كتبه الأستاذ الدكتور محمد شيّا، في كتابه " مناهج التفكير و قواعد البحث في العلوم الإنسانية و الاجتماعية"[1].


***

1- ليس بحثا منهجيا أو علميا:العمل الذي يشرع فيه الباحث، معتمدا على "محاسن الصدف"، أي بدون أي استعداد؛في حين أن البحث العلمي يتطلب من الباحث، بذل جهود كبيرة و كثيرة، و تقديم تضحيات هائلة.لذلك يشترط في الباحث استعدادات خاصة،علمية و فكرية، و بدنية، و نفسية، و مالية،..إلخ[2].

و إذا كانت عملية البحث العلمي، في العلوم الإنسانية و الاجتماعية، لا تتم دفعة واحدة، بل تمر بمجموعة من المراحل، تسمى  "خطوات البحث العلمي"؛هي اختيار موضوع البحث أو الشعور بالمشكلة،فحصر هذه المشكلة (وصياغة الإشكالية)،و تحديد الإطار النظري ، ثم تحويل الإشكالية إلى فرضية، و بناء على الفرضية يتم جمع البيانات و تحليلها ،و أخيرا تحديد دلالة النتائج التي يتم التوصل إليها[3]..فكل مرحلة ، بل كل خطوة تحتاج إلى استعداد كامل و شامل.

أجل، كل هذه الخطوات، التي يخطوها البحث لبلوغ الغاية منه، قد تستغرق عدة أيام أو عدة شهور أو حتى عدة سنوات، حسب نوعية البحث و أهميته و عمقه.و خلال هذه المدة المقدرة للبحث،يجب أن يبقى الباحث على أتم الاستعداد العلمي و النفسي و المادي..و إلا اضطر لتوقيف بحثه مرة بعد أخرى..و قد ،لا قدر الله، يتخلى عن مشروعه البحثي..أو يؤجله إلى أجل..غير مسمى.

2- ليس من البحث العلمي: العمل الذي يحاول الباحث من خلاله أن يثبت حقيقة أو فكرة / أو ينفيها،في تجاهل تام للمعطيات أو المعلومات التي تفندها / أو تثبتها.فلا يقرأ من المصادر و المراجع، و لا يجمع من المعلومات و المعطيات إلا ما يؤكد وجهة نظر معينة، اختارها مسبقا؛ و يترك أو يتجاهل ما يخالفها أو يعارضها.ثم يزعم ، بعد ذلك، أنه أنجز بحثا علميا، بدليل أنه اتبع "حرفيا" الخطوات البحث العلمي، في جمع المعلومات، و دراستها، و تحليلها..إلخ:إن هذا العمل الذي لا يكشف من الحقيقة إلا جزءا منها، أو لا يرى من العملة إلا وجها واحدا، لا يمكن أن يعدا بحثا علميا.

بتعبير آخر، نقول إن البحث لا يكون علميا إذا كان باستطاعة الباحث أن يختار بوعي النتيجة (أو النتائج) التي توصل إليها:فينتقي ما شاء من المراجع و المعلومات و البيانات، لينتقي ما شاء من النتائج..أو يغيرها و يعدلها ، كما يشاء، و يلوي عنق الحقيقة،في الاتجاه الذي يريد.

إن البحث العلمي الحقيقي، كما قال المرحوم الأستاذ الدكتور زكي نجيب محمود يوما، هو البحث الذي يفرض نتائجه على الباحث، و يقبلها هذا الأخير بكل سرور.

إن البحث العلمي، لا يكون علما بإتباع خطوات البحث العلمي فقط؛ بل  هو كما قال الأستاذ شيا"[...] هو يكون علميا حين تتوفر في الباحث..الروح العلمية.الروح العلمية هي المحدد الحقيقي لعملية البحث، و العلامة الفارقة بين ما هو علمي و ما هو غير علمي.."[4].

و تتميز الروح العلمية،بميزات كثيرة، من أهمها:

أ- الموضوعية والنزاهة:فالروح العلمية، لا ترى في الواقعة أو الظاهرة ، موضوع البحث، ما ليس فيهاحقا؛

ب- الاستقلال و الحرية:الروح العلمية، لا تتقيد بأية قيود، و لا تلتزم، إلا بالحقيقة الثابتة بالأدلة؛فلا تجري وراء الأطماع، فلا تخضع للأهواء و المصالح، أو رغبات القوى الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية..أو غيرها؛

ج- الشك و النقد:الروح العلمية، روح نقدية و متشككة، فهي لا تسلم بصحة أي شيء إلا بعد الفحص؛

د- العقلانية و التنظيم: الروح العلمية، منظمة (منهجية)،بمعنى أن خطواتها و إجراءاتها، تكون دائما ،مبنية وفق تفكير عقلاني منظم، على أساس من المنطق؛

هـ- الجدية، و الصرامة، و المثابرة الفعالة: فرحلة البحث، كما يقول الأستاذ شيّا:"[...] أشبه بمغامرة غير مضمونة النتائج.و الباحث فيها صيّاد متفحص منقب، إذا اشتم رائحة فكرة مفيدة لبحثه لحق بها، أو تبيّن شعاع ضوء يكشف غموض موضوعه يمّم صوبه، غير آبه بالصعوبات و العقبات التي تنتظره.رحلة البحث كهذه لا يستطيعها إلا الباحث الذي حزم أمره و كان له من لذة الاكتشاف الموعود ما يساعده في طريقه إلى غايته.."[5].

3- ليس بحثا منهجيا أو علميا: العمل الذي يكتفي فيه الطالب-الباحث، بجمع المعلومات و المعطيات و البيانات..إلخ.أو يكتفي توصيف و تصنيف ما جمع من معطيات، بدون أي جهد إضافي.

صحيح أن جمع المعلومات..و تصنيفها، هو جهد أساسي في عملية البحث العلمي، إلا أنه لا يكفي في حد ذاته، بل يجب استكماله بأعمال أخرى ، كتحليل المعلومات، و نقدها، لأجل استعمالها في صياغة إشكالية،..و حلها :فالبحث العلمي، كما قلنا يتكون من عدة خطوات، ليس جمع المعلومات إلا خطوة منها.

4- ليس بحثا علميا: العمل الذي يستعجل فيه الطالب جني ثمار البحث قبل نضجها.

إن النتيجة في البحث العلمي، تشبه غلى حد كبير النتيجة، في عملية الطبخ الناجحة:فالطباخ يعمل بهدوء و تركيز في مطبخه، يعطي لكل عملية يقوم بها، الوقت الكافي لإنجازها.و في النهاية،يضع "الطعام " فوق النار،بالقوة التي تناسبه، و ينتظر الوقت الضروري حتى ينضج،و لا ينهي عملية الطبخ، قبل "النضج" أو بعدها، و إنما في الوقت

و كذلك النتيجة في البحث العلمي، فهي أيضا يجب أن تأتي كخلاصة طبيعية، و منطقية، لسلسلة من الخطوات و الإجراءات، التي تتم ، الواحدة تلوى الأخرى، في مسار، يقود بشكل أو آخر إليها (تلك النتيجة).

و هذه السلسلة من الخطوات يكون متفق عليها، في مجال معرفي معين (منهجية جامعية)، أو يعرّف بها الباحث (إن كانت منهجية أو منهجا مختلفا)[6]،فتصير واضحة شفافة، يمكن الرجوع إليها، و التحقق من صحتها و دقتها، و بالتالي الاطمئنان/ عدم الاطمئنان إلى النتيجة التي خلصت إليها.

5- ليس من البحث العلمي المنهجي:العمل المكون من خطوات و إجراءات متناقضة،و/ أو يخلص إلى خلاصات و نتائج متضاربة، ينفي بعضها بعضا.

و عليه، فإذا لاحظ الباحث أنه يقوم بخطوة إلى الأمام، ثم يعود خطوة إلى الوراء؛ أو يقول شيئا ثم يعود لينقضه، فيجب أن يتوقف فورا، و يتدارك الأمر، و يعرف أنه صار من الضروري البحث عن سبب أو أسباب التناقض لإزالتها، قبل استئناف المسير.

 

[1]  مناهج التفكير و قواعد البحث في العلوم الإنسانية و الاجتماعية- المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع- الطبعة الثانية- بيروت 1429/2008- ص ص 155- 158.

[2]  جوديث بل- كيف تعد مشروع بحثك العلمي؟-ترجمة : قسم الترجمة بدار الفاروق- دار الفاروق – القاهرة 2006- ص 26.

[3]  سبق لنا الحديث عنها، و قد نعود لتناولها قريبا ، إن شاء الله. 

[4]  شيّا- المرجع السابق- ص ص 157-8 ( التشديد من المؤلف).

[5]  شيّا- نفس المرجع- ص 158.

[6]  راجع ما كتبناه، في هذه المدونة، عن المنهجية الجامعية.


الأحد، 7 يونيو 2020

الطلبة رواد محركات البحث على الأنترنيت

الطلبة رواد محركات البحث على الأنترنيت


كلنا نعلم، بأن الطلبة الجامعيون هم أكثر الفئات الاجتماعية استخداما لمحركات البحث.و لكن قليلون منا،هم الذين يعلمون أن الطلبة الجامعيون، و لاسيما طلاب الدراسات العليا، ساهموا بدور كبير، ربما أكثر من غيرهم، في إبداع و تطوير هذه المحركات.

***

كلنا نعرف محركات البحث على الأنترنيت، فهي مواقع على الشبكة العنكبوتية العالمية( الويب=WEB )، تقدم لمستخدميها المعلومات التي يبحثون عنها، في هذه الشبكة.فهل تعلم متى ظهرت؟ و من ابتكرها أول مرة؟ و من ابتكر و طور أقوى المحركات على الإطلاق؟..إنهم الطلبة..التالية أسماؤهم..


ألان إمتيج،مبتكر أول محرك للبحك في الأنترنيت

الأربعاء، 3 يونيو 2020

اختيار الموضوع و وضع التصميم في البحوث الإعلامية

 اختيار الموضوع و وضع التصميم في البحوث الإعلامية

اختيار الموضوع  و وضع التصميم

 في البحوث الإعلامية

من المعروف، أن عملية البحث العلمي، لا تتم في مرحلة واحدة أو في دفعة واحدة، بل تمر بمجموعة من  المراحل ، تسمى " خطوات البحث العلمي".و أولى هذه الخطوات، هي اختيار موضوع البحث[1].

إن هذه الخطوة على جانب كبير من الأهمية، إذ لا يمكن أن نتصور أن يقدم باحثا على مشروع بحثي، قد يتطلب منه بذل جهد و وقت و أموال..إلخ، دون أن يمهد لذلك أولا باختيار موضوعا له( و إشكالية لحله و معالجته، و تصميما لاستعراض أطروحاته..و نتائجه).

و غالبا ما يرتبط موضوع البحث، باهتمامات الباحث الشخصية،بل كثيرا ما ينشأ  الاهتمام بموضوع بعينه، انطلاقا من ملاحظة أو ملاحظات عابرة،تدعو بدورها إلى مزيد من الملاحظات الأكثر عمقا، و من ثم يبدأ الإحساس أو الشعور الأولي بإشكالية الموضوع.

و اختيار موضوع البحث ليس سهلا، كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، بل قد يكون أحيانا، في غاية الصعوبة.و الصعوبة، لا تأتي من قلة المواضيع،إذا نظرنا إلى الأمر بشكل مطلق، و إنما تكمن هذه الصعوبة في أن يحصل كل باحث باحث، على الموضوع الذي يتناسب مع تخصصه، و مع مؤهلاته، و مع رغباته و طموحه ، و كذلك، مع  الزمان المتاح أمامه ، و أيضا تتناسب الصعوبة مع إمكانيات الحصول على المصادر و المراجع..إلخ، التي سيستعين بها لانجاز بحثه.

فيما يلي، سنتعرف، مع الأستاذ محمد عبد العزيز الحيزان، على بعض أو أهم الصعوبات التي قد تعترض الباحثين في مجال الإعلام..، و التي قد تحول بينهم و بين التوصل إلى موضوع(إشكالية) جيد للبحث..فيكون ذلك سببا في فشل كل جهودهم البحثية، و ربما مستقبلهم العلمي،إذ كما يؤكد الأستاذ محمد الحيزان" ..الكثير من العلماء( الباحثين)، مدينين بتفوقهم لقدرتهم الحكيمة على اختيار مشاكل أبحاثهم، و ليس لقدرتهم على إيجاد تفسير لها".

***

أولا:اختيار موضوع البحث

[...]تعد مرحلة اختيار موضوع ملائم، لعمل بحث علمي، في أي من التخصصات، بما في ذلك الإعلام، من أصعب المراحل و أحرجها،  بل إنها تكاد تكون أشقها على الإطلاق، فمن الأمور الشائعة بين الطلاب و المتخصصين في الإعلام، ممن يكلفون بإعداد البحوث و كتابتها، سواء في المرحلة الجامعية[ الإجازة أو الليسانس] أو في مرحلة الدراسات العليا[ الماستر و الدكتوراه]، أن يتساءلوا: في أي الموضوعات يمكنني أن أعمل بحثي؟ و كيف ستكون عملية الاختيار؟ و هل سبق و أن تناول أحد بالدراسة، ذلك الموضوع؟ أم أنه جديد في بابه؟ و هكذا..

إذاً[إذن] ، فالمقبل على عمل بحث ما، ربما يعيش مرحلة قلق طويلة، يخسر فيها الكثير من الوقت و الجهد، قبل أن يستقر على موضوع بعينه، بل إنه ربما يشرع في عمل بحث ما ، ثم يفاجأ، لسبب من الأسباب، بأنه لا يمكن الاستمرار فيه، ليعود لنفس الدوامة التي يعاني منها الكثير.

هناك الكثير من الأمور التي لا بد وأن يراعيها الدارس، قبل اختياره لأي موضوع.

يأتي في مقدمة الخطوات التي ينبغي أن يحرص عليها من يرغب في القيام ببحث، و بخاصة المبتدئ، أن يحدد مجال الدراسة، بمعنى أن يضع نصب عينيه إطارا معينا من تلك  الأطر التي يرى أنها تتلاءم مع رغباته الشخصية و ميوله، و يقرر بأن ذلك هو المجال العام الذي يريد أن يبحث فيه. و عليه أن يتذكر بأنه كلما أمكن حصر ذلك الموضوع، في نطاق أضيق، كلما يعني ذلك بأنه اقترب من موضوع بحثه. ففي البحوث الإعلامية، على سبيل المثال، يجب على الباحث أن يحدد أولا تحت أي إطار عام يرى  (الباحث) بأنه يملك فيه الخبرة المناسبة، بل و الرغبة الشخصية؟ و يبدأ ذلك، ولا شك، بتحديد الشعبة التي يريد أن يتناول فيها موضوع الدراسة، و هو أمر تفرضه طبيعة التخصص الذي اختاره الطالب ( الصحافة، أو الإذاعة، أو التلفزيون، أو العلاقات العامة، أو الإعلان، أو وسائل الإعلام بصورة عامة..إلخ)، و يمكن للباحث أيضا أن يستعين بعناصر أخرى ، كنوع الاتصال الذي يريد أن يركز عليه، في دراسته ، كالاتصال الجماهيري، أو الاتصال الشخصي،  و نحو ذلك.

بعد ذلك، يمكن الانطلاق إلى الخطوة التالية، المتمثلة في حصر الموضوع بصورة أدق، فلو افترضنا أنك كباحث حددت بأن المجال الواسع الذي تريد أن تدرسه هو التلفزيون،فإن هذا التحديد سوف يمنحك فرصة التركيز في مضمار واحد يقودك إلى الهدف بطريقة صحيحة، غير أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، إذ إن موضوعا كهذا ، لا يزال ذا تشعبات مختلفة، يصعب تغطيتها في بحث واحد، ذلك أن الباحث، يتعامل مع نهر ضخم من أنهار  و بحور المعرفة الإعلامية، كوّنته جداول واسعة، يمثل بعضها ، على سبيل المثال: تاريخ التلفزيون، أهمية محطات التلفزيون في العالم، البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، التقنية التفلزيونية ،  الآثار السلبية للتلفزيون، برامج التلفزيون ، مقارنة التلفزيون بوسائل الإعلام الأخرى، الإخراج التلفزيوني،جمهور التلفزيون..وهكذا.

ثم إن هذه الجداول تكونت بدورها، من ترع صغيرة، هي في الواقع الخطوات التالية لمحاولة حصر الموضوع، الذي يمكن تحديده بصورة أوضح عن طريق اختيار أحد تلك الجداول، مما يجد فيه الباحث مكانا لموضوعه.و على الرغم من أن أحد هذه الجداول يصلح لأن يكون موضوعا مناسبا، إلا أنه كلما أمكن تضييق الموضوع مرة أخرى، أصبحت فرصة الباحث في التركيز أقوى، و كذا تصبح إمكانية مساهمته بشيء جديد في مجال المعرفة أكبر.

لذا، فإنه يمكن اللجوء إلى أحد الجزئيات ( الترع) التي تمثل عنصرا من عناصر ذلك الجدول؛ فلو وجد الباحث مثلا- بحكم رغبته و ميوله- بأنه أقرب إلى عمل بحث عن البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، أكثر من غيره؛ فإن عليه أن يقرر فيما إذا كان يريد أن يدرس: تقنية البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، أو تأثيرها السلبي أو الإيجابي أو كليهما،أو محطات ذلك البث، أو مدى استقبال و استخدام  الجمهور المحلي لها أو لبعضها، أو أية جزئية يمكن ربطها بالعنوان العام الذي تولدت منه هذه الموضوعات.بل إن هذه الموضوعات نفسها، يمكن تشعيبها هي الأخرى إلى شعب مختلفة، تصلح لأن تكون مواضيع مستقلة لعمل بحث متكامل.

و على الرغم من أهمية تحديد مجال الاهتمام ، إلا أن ذلك يعد تمهيدا أوليا لخطوة تعد  أكثر أهمية من تحديد المجال، و هي ما تعرف بعملية التعرف على مشكلة البحث، التي تدفع الباحث إلى الرغبة في التعرف على تفسير لها.

 إن تحديد مشكلة البحث، تعد عملا حاسما في تقرير أهمية الدراسة من عدمها، و لذلك يقال بأن " الكثير من العلماء (الباحثين) مدينين بتفوقهم، لقدراتهم الحكيمة على اختيار مشاكل أبحاثهم، و ليس لقدرتهم على إيجاد تفسير لها".هذا القول، يعني بأن تحديد مشكلة البحث ليست بالسهولة التي تتم فيها عملية تحديد مجال البحث، و يعني في الوقت ذاته بأن مشكلة البحث هي التي تقرر عنوان البحث و تحدده؛ فالباحث لا يختار عنوانا لبحثه كخطوة أولى، و إنما يختار مجال بحثه ثم يحدد مشكلته.

لا بد من الاعتراف بأن هناك حيرة شديدة يقع فيها الكثير من الباحثين المبتدئين، قبل تحديد مشكلة موضوع البحث، تنشأ من قلة الاطلاع و عدم الإلمام التام بأبعاد المجال الذي اختاره[ الباحث] ليكون إطارا لموضوع دراسته، إذ أن الاطلاع الواسع و الإلمام بالمجال أمران رئيسيان يؤديان دورا أساسيا في توجيه الباحث إلى مبتغاه.

لذا، ينصح المختصون ، أنه على الباحث ، بعد تحديد أي من الجداول التي أشرنا إليها، ليكون مجالا لدراسته، أن يستعين بالمراجع المناسبة، حول الفكرة الرئيسية التي يقررها في بداية الأمر، و ذلك لسببين رئيسيين، هما:

1- الحصول على موضوع مناسب، إما عن طريق  الاقتراحات التي يطرحها الباحثون الآخرون، عندما يوصون بضرورة الاهتمام، بجانب أغفلته الدراسات ، أو عن طريق أن يلاحظ ، من يريد اختيار موضوع جديد، من خلال تجربته الشخصية أو قراءاته و اطلاعه، بأن هناك جانبا ما ، لم تعطه البحوث السابقة، نصيبه  من الدراسة.

2- معرفة مدى توفر المراجع المطلوبة ،التي تعين الباحث على الاستمرار في الموضوع الذي وقع الاختيار عليه. و مع أهمية المراجع، في توجيه الباحث بشكل كبير، إلا أنها ليست الملهم الوحيد لاختيار موضوع البحث، بل إن هناك طرقا أخرى يمكن أن تعين الباحث في الحصول على بغيته.

من تلك الطرق على سبيل المثال " الملاحظة":فملاحظة الواقع، و بخاصة فيما يتعلق بالدراسات الاجتماعية و الإعلامية، تعد خير وسيلة للاهتداء إلى دراسة المشاكل المعاصرة. فملاحظتك مثلا لإقبال القراء على صحيفة أو صفحة معينة، و إحجامهم عن أخرى، قد تدفعك إلى طرح تساؤلا عدة تصلح لأن تكون أهدافا لقيامك ببحث يساعد في إيجاد حلول لمشكلة لم يفطن لها الكثير من الباحثين.

هناك طريقة أخرى تساعد على الاختيار أيضا، و تتمثل في : طلب المشورة ممن لديهم الخبرة الكافية في التخصص، الذي ترغب في عمل البحث فيه؛ ذلك لأن أولئك المتمرسين هم، في الغالب، أكثر دراية بالثغرات التي لم يتطرق لها الباحثون، و تحتاج لمزيد من التدقيق و البحث، كما أنهم أحرى من يرشدك إلى المراجع الرئيسة التي تساعدك على القيام ببحث بناء أو دراسة مفيدة.

و على أية حال يجدر التنبيه، إلى أن الاستعانة بأهل الخبرة، ينبغي ألا تقتصر على عملية اختيار موضوع مناسب للبحث، بل يفترض أن تلجأ إليها باستمرار، و إن كان اختيار الموضوع قد تم بطريقة أخرى.

ثانيا:وضع الخطة البحثية ( التصميم):

تتراوح عملية إعداد خطة (تصميم) البحث، بين جهد مختصر، يحدد فيه الباحث الآلية التي سوف ينفذ في ضوئها دراسته، و بين جهد مضاعف يفصل فيه القول، وفقا لعناصر أساسية تمثل أركانا رئيسة في بناء مخطط بحثه.و تمثل الحالة الأخيرة، في الغالب، الدراسات الأكاديمية، في مراحل الدراسات العليا، و كذلك الدراسات التي تقدم في هيئة مشاريع بحثية للمؤسسات بأنواعها المختلفة. و على الرغم من أنه ليس هناك قاعدة موحدة، لإعداد الخطط البحثية، إلا أن معظمها يكاد يتفق على أن تتضمن ما يلي:

1- العنوان؛

2- المقدمة؛

3- الدراسات السابقة؛

4- مشكلة الدراسة؛

5- التساؤلات و الفرضيات؛

6- منهج الدراسة، و يشمل:

   أ- تمهيد يحدد نوع المنهج المستخدم( كمي، كيفي)، و نوع الدراسة ( تأصيلية ، وصفية، تاريخية، استكشافية، و نحو ذلك).مع ملاحظة، أن الدراسة، لا يعني أنها تنحصر في نوع واحد فقط من الأنواع المشار إليها؛ و إنما قد توظف أكثر من نوع في أكثر من  جزئياتها وفقا لاحتياجاتها، فهي تستخدم المنهجين الكمي و الكيفي،و قد تحتوي على أجزاء وصفية، و أخرى استكشافية، و هكذا.

  ب- مجتمع الدراسة و عينتها ( في الغالب خاص بالدراسة المستخدمة للمنهج الكمي)؛

 ج- أداة الدراسة ( و يقصد بذلك الوسيلة التي يتم من خلالها جمع المعلومات)؛

د- طريقة أو طرق تحليل المعلومات.

7- تقسيمات الدراسة؛

8- المراجع؛

الملاحق (إن وجدت).

و قد يرى بعض الباحثين، التعريف بعناصر أخرى تنفرد بنفسها في عناوين مستقلة، من تلك العناصر على سبيل المثال:

1- أهمية الدراسة: وليس هناك موقع محدد لإدراجها، غير أنه يمكن وضع العنوان الخاص بها بعد المقدمة، مباشرة أو قبل مشكلة الدراسة؛

2- الإحساس بالمشكلة: و يفضل في حال الحاجة إلى إدراج هذا العنصر ، أن يسبق مشكلة الدراسة و يمهد لها.

3- التعريف بالمصطلحات: و يستحسن أن تذكر مباشرة بعد تساؤلات الدراسة و فرضياته، ذلك لأن هذا العنصر يتناول بالشرح ، في معظمه، مفاهيم تتضمنها التساؤلات و الفرضيات، لذا فإن من المناسب أن يكون إيضاح تلك المفاهيم ، بعد الموقع الذي ترد فيه إشكالات عدم وضوحها.

4- حدود الدراسة: ويقصد بها الحالات ذات العلاقة بالظاهرة المدروسة، المستثناة من تعميم نتائج الدراسة عليها، و ذلك لعدم التعرض لها في مجال البحث، مثال ذلك: أن يذكر أحد الباحثين الذين درسوا قرائية الجمهور للمجلات السعودية، بأن الدراسة مقتصرة على المجلات العامة، و لا تشمل المجلات المتخصصة أو مجلات المؤسسات، و أن الجمهور المعني بالدراسة هم جمهور الشباب من الذكور فقط، و لا تشمل الفئات الأخرى.

5- مسلمات الدراسة، و هي " مجموعة من العبارات ، يضعها الباحث لبحثه، و يسلم بصحتها، دون أن يحتاج إلى إثباتها و إقامة الدليل عليها، فهي عبارة عن حقائق واضحة بذاتها، أو بديهيات  لا تحتاج إلى أن يقدم دليلا عليها"؛ و يلجأ إليها الباحث ، حينما يرى أن التسليم بالحقائق  التي يذكرها ، تدعم أهمية طرح تساؤلات و فرضيات علمية جاءت الدراسة للبحث فيها.

أما متى يتم التعريف بهذه العناصر، فذلك يرجع إلى مدى توفر مادة ثرية تستطيع أن تستقل بنفسها عن العناصر الواردة في القائمة الأولى.و بالعموم، فإن للباحث أن يدرج عناصر أخرى يرى أهمية ذكرها، لتعزيز عملية بناء مخططه، و ذلك كأن يقوم بالتعريف بخلفية عن موضوع دراسة تحت عناوين مستقلة، و ذلك كالحديث عن نظرية من نظريات الاتصال، يرغب الباحث في أن يؤسس عليها الدراسة، أو كالحديث عن تقنية الاتصال عبر شبكة المعلومات العالمية ( الأنترنيت)، في مخطط يتناول، مثلا، استخدام الجمهور للصحافة الإلكترونية، و نحو ذلك.

محمد عبد العزيز الحيزان- البحوث الإعلامية/ أسسها، أساليبها،مجالاتها- ص 29 و ما بعدها.

لتحميل الكتاب اضغط هنا



[1]  ليس هناك اتفاق بين الباحثين حول هذه الخطوات، هناك من يجعلها خمس خطوات، و هناك من يجعلها أربع أو حتى ثلاث خطوات؛إلا أن هناك شبه إجماع على الخطوتين الأولى و الثانية، المتمثلتان في اختيار الموضوع و الشعور بالإشكالية، و من ثم حصر هذه الإشكالية و تحديدها ( أو تحديد الإطار النظري).

و هناك من يجعل الخطوة الثالثة، هي طرح الفرضيات (لحل الإشكالية)، و من ثم جمع المعلومات حولها، و تحليلها،لاختيار أنسبها و أكثرها ملاءمة لحل الإشكالية. و في هذه المدونات، مواضيع كثيرة تعالج هذه القضايا.