الجمعة، 3 أبريل 2020


المطلب الثالث- أسلوب التقدير الجزافي:
إن هذا الأسلوب،في جوهره، ليس إلا فرعا أو نوعا من التقدير السابق، و إن كان يختلف عنه في النتائج التي تترتب عنه.فهو يعتمد في تقدير الأوعية ، على العلاقة بين حقيقة معروفة لدى الإدارة عن المادة الضريبية، و " حقيقية" أخرى مفترضة،يستدل عليها بوساطة قرائن (Indices) ، تتوافر عليها الإدارة أو يوفرها المكلف أو هما معا.فلتقدير الوعاء في الإنتاج الزراعي، مثلا، تنطلق الإدارة من حقيقة معروفة (و هي مساحة الأرض و خصوبتها ..)، و قرائن تتوافر عليها الإدارة (من خلال الدراسات و المعطيات الإحصائية..إلخ)، لتخمن أو تستنتج أو تستدل على مقدار الإنتاج الذي تحققه هذه الأرض أو تلك.و تفعل نفس الشيء مثلا، في تقدير أرباح بعض التجار أو رجال الصناعة أو أصحاب المهن الحرة، فهي تنطلق من رقم العاملات(chiffre d'affaire)، لتسنتج الأرباح التي يحققها أصحاب هذه المهن.
 و يتم عادة التمييز،في هذا الأسلوب، بين الجزافي القانوني ( أو الصلب)، و الجزافي الشخصي ( أو المرن أو الاتفاقي).فعندما تعتمد الإدارة الجبائية ، في تقدير الوعاء الخاضع للضريبة، على قرائن قانونية(Indices)، يحددها المشرع، يكون الحديث عن الجزافي القانوني.أما عندما يتم التفاوض على هذه القرائن بين الإدارة الجبائية و المكلف[1]، أو من يمثله، في إطار تمثيل مهني (نقابة، أو اتحاد مهني..)، فنكون بصدد  ما يعرف بالنظام الجزافي الاتفاقي و الفردي (Conventionnel et Individuel)[2].
و الجدير بالذكر هنا، أن أسلوب التقدير الجزافي إنما هو أسلوب تلجأ إليه الإدارة عندما تعجز عن التوصل إلى معرفة التقدير الحقيقي للوعاء، فتضطر إلى الأخذ بأسلوب تقريبي، يعطيها فكرة تقريبية عن الوعاء، بناء عليها تقدر قيمته.و بناء على ذلك، تستطيع الإدارة الجبائية الحصول على المعلومات التي تريدها من المكلف، بطريقة سلسة ( مباشرة أو غير مباشرة)؛إذ لا يطلب من الملزمين تقديم تصريحات مفصلة عن دخولهم، بل يكتفون بتقديم معلومات تتعلق برقم أعمالهم (مثلا بالنسبة للفلاحين، مساحة الأراضي المزروعة، و بالنسبة للخبازين، كميات الدقيق المستعملة، و هكذا)؛ فتطبق الإدارة سعرا جزافيا على هذا الرقم[3]، و في بعض الحالات تطالب بأداء مبالغ معينة جزافية[4].فتقوم الإدارة الجبائية،بناء على ذلك، بتقدير الربح الجزافي لصاحب محل تجاري، مثلا،  من خلال المعلومات التي يقدمها عن قيمة مبيعاته(على أساس أن ربحه يمثل نسبة معينة من قيمة المبيعات). أو تقدر دخل الطبيب عن طريق ما يصرح به من معلومات عن عدد ساعات عمله( على أساس أنه، يفحص كذا مريض في الساعة) . أو تقدر أرباح معمل لصناعة السكر، من خلال البيانات (الفاتورات) عن مشترياته من قصب السكر أو الشمندر( على اعتبار أن كل طن من الشمندر ينتج كذا كيلو من السكر الأسمر أو الأبيض..و الثفل (mélasse  .أو أرباح معصرة، تنتج زيت الزيتوت من خلال عدد أطنان الزيتون التي تعصرها:كأن تقدر مثلا، أن إنتاج لتر واحد من الزيت، يحتاج إلى (5) كيلو غرام من الزيتون[5].
و الجدير بالتنيويه هنا، إلى أنه رغم التشابه الظاهري بين أسلوبي التقدير الجزافي و التقدير على أساس المؤشرات الخارجية، إلا أن هناك اختلاف بينهما ، يكمن في أن التقدير على أساس المظاهر الخارجية، يشكل بحد ذاته وعاء الضريبة:فالتضريب، يتم مثلا، على أساس عدد النوافذ و الأبواب، فالملزم (المكلف) الذي يوجد في منزله نوافذ أكثر؛ يؤدي ضريبة مقدارها أكبر، من الملزم الذي يوجد في منزله نوافذ أقل، رغم أنه ليس هناك علاقة وطيدة بين ذلك و بين المادة الضريبية (دخل المكلف مثلا أو أرباحه التجارية).أما الضريبة بناء على التقدير الجزافي،فهي تنطلق من معطيات(قرائن) لها علاقة وطيدة بهذه المادة.و بالتالي فالضريبة تضرب على على الوعاء، الذي نتوصل إلى معرفته، مستعينين بتلك القرائن( القانونية أو الاتفاقية،..)، أما القرائن في حذ ذاتها فلا تعبر وعاءا.
من هنا،يتبن أن هذه الطريقة، تعتبر أكثر دقة من طريقة " التقدير بناء على المؤشرات الخارجية"،إلا أنها مع ذلك تبقى طريقة تقريبية، و غير دقيقة، كما أن لها عيوبا كثيرة، من أهمها  أنها لا تستطيع التوصل إلى حقيقة المادة الضريبية،بل كل ما تستطيع الوصول إليه هو " مادة ضريبية مفترضة".و هناك عيب آخر، لا يقل خطورة عن الأول،يتجلى في محاباة بعض المكلفين على حساب مكلفين آخرين، إذ كلما استعصى على الإدارة التوصل إلى التقدير الحقيقي اضطرت إلى اللجوء إلى الجزافي ، لا سيما الجزافي الاتفاقي، مع بعض المهنيين (كالأطباء، و المحامين، و منتجي السكر، و أصحاب المخابز، و الجزارين، و الفلاحين..و غيرهم)، و في ذلك إضرار بمفهوم العدالة الجبائية، و المساواة أمام الضريبة.
فلا عجب أن قلص المشرعون اعتمادهم على هذا الأسلوب، وزادوا من اعتمادهم على نظام الإقرار أو التصريح؛حتى صار هو " النظام العام"، الذي لا يمكن الخروج عليه،أو استبداله، إلا في حالات خاصة، نص عليها القانون.
المطلب الرابع: أسلوب الإقرار أو التصريح:
في هذه الطريقة في إثبات وجود المادة الضريبية، و تقدير قيمتها، فإن المكلف نفسه، هو الذي يصرح بوجود المادة، و يقوم بنفسه بتقدير قيمتها.
و هذه الطريقة، لا تكتمل إلا بالمراقبة التي تجريها الإدارة لهذا التصريح، و التحقق من مدى صحة و دقة ما جاء فيه، و مدى التزام و احترام المكلف بالقواعد القانونية، كتقديم الإقرار، بتحريره على أو وفق المطبوعات النموذجية التي تقدمها الإدارة، و داخل أجل معين، يجب التقيد به.
أجل، فبمقتضى هذا النظام، يلزم المكلف بالضريبة، بتقديم إقرار أو تصريح، داخل آجال معينة، يبين فيه، بصورة مفصلة، مقدار وعاء الضريبة  لديه. و هذا التصريح يخضع لمراقبة الإدارة الجبائية، و لهذا يسمى بـ" التصريح المراقب"(Déclaration contrôlée)[6].
و هذا الأسلوب إذا ما قورن بالأسلوبين السابقين،يعتبر أفضل منهما، فهو على الأقل يخلو من عيوبهما؛إذ لا يقدر الوعاء على أساس تقريبي( المظاهر الخارجية)،و لا على أساس جزافي؛و إنما على أساس معطيات،يعتبرها الملزم "حقائق"، فوق الشبهات،لا يمكن التشكيك في صحتها إلا بدليل قاطع. و من هنا، فإن أغلب التشريعات الجبائية المعاصرة تأخذ به[7]، لا سيما فيما يتعلق بتقدير دخول الأشخاص الطبيعيين، و حتى دخول الشركات[8].و من هذه التشريعات، التشريع الضريبي المغربي الحالي، الذي اعتمد مبدأ التصريح، في الكثير من الضرائب ،بما في ذلك الضرائب المحلية.
و التصريح، أو التصاريح، التي تعتمد عليها الإدارة الجبائية، في تقدير الأوعية، أنواع عديدة، تختلف باختلاف مصادرها؛فهناك..
1- التصريح الذي يقوم به الملزمون أنفسهم:في بعض أنواع الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين، و الضريبة على الشركات، و الضريبة على القيمة المضافة، و واجبات التسجيل و التنمبر، و غيرها؛
2- التصريح الذي يقوم به الغير( المشغلون،و الشركات، و الأبناك..)، حيث يتم اقتطاع مبلغ الضريبة من المنبع:في الضريبة على الأجور و المرتبات و ما في حكمهما،و الضرائب على توظيف رؤوس الأموال المنقولة؛
3- و باستثناء الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية و الرسم المهني (ضريبة البطنطا)، و رسم السكن ، و رسم الخدمات الجماعية،فإن باقي الرسوم تخضع لنظام الإقرار[9].
و للإقرار، في الواقع، الكثير من المزايا:
1- فهو، أولا، يرسخ روح المواطنة:فغياب روح المواطنة لدى بعض الملزمين، يلحق أضرارا بغيرهم، و بالمجتمع ككل.و على العكس من ذلك ، فإن تحمس بعض الملزمين إلى ملء إقراراتهم بنزاهة،قد ينشر ثقافة التضامن الاجتماعي ، و يغير تلك النظرة للضريبة، التي ترى فيها مجرد إكراه ؛
2-  و يعتبر الإقرار أفضل و سيلة لتقدير الوعاء، إذ لا يوجد من هو أعرف بالمادة الضريبية( دخل، أو ثروة ،..)، من المكلف نفسه؛
3- يساهم الإقرار في تقليص الأعباء و النفقات الإدارية،المتعلقة بالتحصيل الضريبي؛
4-  و الإقرار، و إن كان يصدر عن المكلف،إلا أنه يخضع لمراقبة الإدارة الجبائية ،و قد تترتب عنه جزاءات (عقوبات)، مدنية و جنائية، في حالة إذا تبين أن الملزم نفسه - أو كل مكلف بملء الإقرار ، مثل رب العمل[10]- لم يقدم الإقرار أو قدمه خارج الأجل أو قدم إقرارا مزيفا (استعمل وسائل الغش) للتهرب من أداء الضريبة أو الضرائب المفروضة عليه( المواد 79-81 من المدونة العامة للضرائب)[11]؛
4- و الإقرار، يستعمل في الضرائب المباشرة ( كالضريبة على الدخل، و الضريبة على الشركات)، و الضرائب غير المباشرة (كالضريبة على القيمة المضافة، و الرسوم الجمركية..)،إلا أن زمان القيام به، يختلف من ضريبة لأخرى:
أ- ففيما يخص الأشخاص الخاضعين للضريبة على القيمة المضافة:
أ/1-  يكون الإقرار شهريا، بالنسبة للمقاولات التي ليس لها مقر بالمغرب (79 و 80)؛
أ/2-كما قد يكون ربع سنويا(كل ثلاثة أشهر)، بالنسبة للمؤسسات الموسمية؛
أ/3- كما قد يكون  دوريا (المادة 109)، أو حتى سنويا.
ب- بالنسبة للضريبة على الدخل:
ب/1- فيما يخص دخل الأشخاص الطبيعيين، يكون الإقرار، عادة، سنويا(79 و 80)؛
ب/2- أما بالنسبة لضريبة  الدخل على الأشخاص المعنويين( الشركات)، فيكون الإقرار في الغالب سنويا،كما قد يكون دوريا(بالنسبة لبعض أعمال الشركات غير المقيمة)(المادة 20).
هذا،و لقد نصت الكثير من القوانين الضريبية على نظام التصريح هذا،رغم الانتقادات التي توجه له، و رغم العيوب التي قد يعاني منها: فهو قد يشكل عبئا نفسيا و اقتصاديا على الملزم، لاسيما في الدول التي يصعب فيها على الملزمين ملء التصريحات بأنفسهم[12] ، و يصعب عليهم الكشف عن جميع مواردهم.كما أنه، لهذا السبب أيضا، قد يكون مشجعا على الغش الضريبي.و بالتالي،لا يكون فعالا إلا إذا كانت هناك إدارة قادرة على ممارسة رقابة صارمة على تصريحات الملزمين. و لكن ذلك، في الواقع، يبدو مطلبا صعب المنال، لصعوبة تحقيق هذه الرقابة على جميع أنواع الدخل[13] ، و بنفس المستوى من الدقة:فالرقابة على الأجور و المرتبات، مثلا، أسهل من الرقابة على الأرباح المهنية، و الرقابة على دخل  أصحاب الممتلكات العقارية، أسهل من الرقابة على دخل أصحاب الأسهم، و هكذا[14].
و لكن هذا لا يعني أن الرقابة على التصريحات مستحيلة،ذلك أن الإدارة الجبائية تتوافر على عدة طرق للتحقق من صحتها؛فبالإضافة إلى الامكانيات المتاحة لها، بفضل الحقوق المخولة لها كالحق في الاطلاع على سجلات المكلف، و دفاتره التجارية، أو أية وثائق أو أوراق أخرى ترى الإدارة ضرورة الاطلاع عليها، بقصد الوصول إلى الحقيقة، سواء أكانت موجودة بحوزة المكلف نفسه(لأن القانون يفرض عليه مسكها:كالوثائق المحاسبية)، أو موجودة في الإدارة الجبائية نفسها أو أدارات أخرى عامة أو خاصة( و جميع المؤسسات الخاضعة لرقابة الدولة: إدارات الجماعات المحلية، و المؤسسات العامة، و الأبناك،و الفنادق،و الشركات، و المستشفيات..إلخ)[15].
بالإضافة هذه الطريقة المباشرة، قد تلجأ الإدارة إلى أساليب غير مباشرة في التحري و الاستقصاء، للوصول إلى حقيقة صحة التصريحات المقدمة من عدمها.و لعل أهم طريقة تستعمل في هذا السياق، هي طريقة " التقاطع"(recoupement)،التي تعتمد على جمع المعلومات و تحليلها ،لربط الصلات بين مجموعة من التصريحات التي تتطابق أو تتناقض حول عدد من الوقائع المنشئة للضرائب.من ذلك أن الإدارة، تستطيع أن تعتمد على تصريحات أصحاب الشركات، فيما يتعلق بالأجور و المرتبات، و التعويضا، و المكافآت، و المنح، و الهدايا، و المنافع و الخدمات العينية و النقدية، التي تقدمها مثلا،  للعمال و الزبائن،لتراقب صحة التصريحات التي يحتمل أن يكون قد قدمها عدد من المتعاملين مع هذه الشركات( من أطباء، و صيادلة، و تجار، و أصحاب فنادق، و وكالت أسفار..و غيرها).كما تستطيع أن تستخدم تصريحات أصحاب و وكالات الأسفار، و وكالات  كراء السيارت، عن العقود التي أبرموها، و الخدمات التي قدموها،إلخ، للتحقق من صحة الإقرارات التي قدمها زبائن هذه الوكالات.  كذلك، يمكنها أن تحصل على "إقرارات" أو معلومات أخرى، من  مستأجري السيارات و الفيلات المفروشة، أو المنازل العادية العقار، عن القيم الإيجارية، التي دفعوها لأصاحب العقارات أو السيارات أو غيرها، و بذلك تستطيع أن تراقب مدى صحة ما قدمه هؤلاء الأخيرون(أصحاب العقارات أو السيارات..) من إقرارات..و هكذا.
المطلب الخامس:أسلوب التقدير الإداري المباشر:
يمكن للإدارة أن تتدخل مباشرة، لتقدير المادة الضريبية، إما بناء على معطيات يوفرها المكلف نفسه، أو عندما يمتنع هذا الأخير، عن القيام بواجبه الجبائي، أو يقوم به، بوعي أو دون وعي، بطريقة غير صحيحة، في مثل هذه الحالة، تتدخل الإدارة لتقوم بتقدير المادة الضريبية..فيعتبر ذلك عقوبة للمكلف، لعدم قيامه بواجبه الجبائي أو قيام به بطريقة غير سليمة:فمن الناحية القانونية،يقوم هذا الأسلوب في  التقدير الإداري المباشر أو الفرض التلقائي للضريبة، على حق الإدارة في أن تقوم بمفردها بتقدير وعاء الضريبة، بناء على المعلومات التي تتوافر عليها، و هو حق يجد أسسه في مبادئ الضريبة التي تحدثنا عنها، و من أهمها مبدأ عمومية الضريبة.
لا بل إن هذا التقدير، في نظر الكثير من فقهاء القانون العام و علماء المالية العامة، يعد مظهرا من مظاهر السطلة العامة التي تتمتع بها الإدارة الجبائية، فهي يمكنها أن تعفي نفسها من التقيد بالتقدير الجزافي، أو التقدير على أساس المؤشرات الخارجية، بل يمكنها ان تتجاهل التصريح الذي يقدمه المكلف، و تعمل حسب معرفتها، باعتماد طرق تراها مناسبة، إذا رأت أن المصلحة العامة تكمن في ذلك.
و الجدير بالذكر أن هذه الطريقة ، إذا كانت تتيح للإدارة الجبائية، حرية واسعة في التقدير،إلا أن الإدارة لا يمكنها التعسف في استعمالها.و من هنا، فإنه لا يتم اللجوء إليها إلا في حالات استثنائية محددة،كما سبق القول، و هي حالة التخلف عن تقديم الإقرار، و كذا في حالة إذا لم تقتنع الإدارة الجبائية( مفتش الضرائب..)،بالمعلومات المقدمة في تصريح معين( كأن يعتبر التصريح جاء خاليا أو ناقصا من العناصر التي تفيد في تحديد وعاء الضريبة).
و هذا الأسلوب كان هو الأسلوب العادي قديما،أما اليوم فيلقى معارضة شديدة، لذلك لا يتم اللجوء إليه، إلا في حالات استثنائية،و كإجراء عقابي، ضد المكلفين الذين يمتنعون عن تقديم إقراراتهم في الوقت المناسب.و هو أسلوب تلجأ إليه الإدارة الجبائية في حالة تماطل  أو امتناع المكلفين ، بقصد أو بغير قصد، عن تقديم التصريحات المطلوبة منهم  خلال الآجال المحددة قانونا.أو عندما يقدموا إقرارات ناقصة أو مزيفة[16].
و يتحدد الوعاء في هذه الحالة،بناء على المعطيات و المعلومات المتوفرة عند الإدارة الجبائية عن الملزم،سواء فيما يتعلق بسنة أو سنوات سابقة أو السنة موضوع الإقرار.
غير أنه، قبل سلوك أسلوب التقدير المباشر( بصورة تلقائية)،ألزم المشرع الإدارة بضرورة تبليغ المعني بالأمر، تبليغا قانونيا،بما تنوي هذه الأخيرة فعله،و تدعوه إلى تقديم إقراره داخل أجل شهر...من تاريخ التوصل. و حتى إذا لم يستجب لتلك الدعوة، تخبره مرة ثانية، بوضع إقراره داخل أجل شهر من تاريخ التبليغ، و تطلعه على الأسس الجديدة المنوي اعتمادها في فرض الضريبة في حقه، بصورة تلقائية (Taxation d'office).
و تعتبر ضمانة التبليغ، من الإجراءات الجوهرية التي يجب على الإدارة الجبائية احترامها، لمساسها بحق الدفاع.و قد رتب القضاء على خرقها، بطلان مسطرة فرض الضريبة( بالصورة التلقائية).
بقي علينا أن نشير، في ختام هذا الحديث عن التقدير، إلى أن المشرع الجبائي، يعمل دائما على الملاءمة بين نوعية الأوعية و أساليب تقديرها؛فعندما يكون من الصعب تقدير الأوعية،( كما في الدخول الزراعية و المهن الحرة)،فإن المشرع يخضعها للتقدير الجزافي.بينما الأوعية التي يسهل تقديرها كالدخول الآتية من الأجور، و المرتبات، و الدخول العقارية؛فيخضعها للتقديرات المؤسسة على تصريحات الملزمين أنفسهم أو تصريحات الغير(أرباب العمل..).
إلا أن فعالية هذه الأساليب، من وجهة نظر المكلف، لا تعتمد على سهولة أو صعوبة التقدير فقط، و لكن تعتمد أيضا على إجراءات مراقبة صحة أو دقة التقديرات، التي يمكن للإدارة القيام بها:فقد تكون هناك إمكانيات لأكبر للتهرب من الضريبة في نظام الإقرار، أكبر بكثير من النظام الجزافي.


[1]  هناك فئات من المكلفين بالضرائب، يجدون صعوبة كبيرة في تقديم تصريحات سنوية مفصلة،لعدم توفرهم على الإمكانيات التي تساعدهم على التقدير الصحيح و الدقيق لدخولهم.و من هنا، أوجدت التشريعات الضريبية حلولا لهذه الحالات، من خلال العمل بما يسمى بالتقديرات الجزافية.
[2]  و يتوج التفاوض؛ باتفاق يسري على الخاضعين للضريبة، و المنتمين لقطاع أو نشاط اقتصادي معين، كالاتفاقية الجبائية، مع الجزارين، أو الخبازين،أو الفلاحين. فبالنسبة للفلاحين، مثلا، لا تفرض الضريبة على دخل الفلاح الفعلي أو الحقيقي،الناتج من قطعة أرض معينة، و إنما على دخل مقدر (بشكل تقريبي)،بناء على تقديرات لجان إدارية متخصصة.و هذا التقدير، بالنسبة لبعض المهن و الحرف،لا يكون كل سنة، و إنما لكل عدد من السنين، لأنه يتطلب وقتا وجهدا و تكاليف، ليس من السهل تحملها كل سنة،كما أن المداخيل بالنسبة لتلك المهن قد تكون ثابتة على المدى القصير.أما بالنسبة للفلاحة،فقد يختلف المحصول الزراعي من سنة لأخرى، و من ثم يصبح من الضروري إجراء التقدير كل سنة. و لهذا نصت المادة (49) من مدونة الضرائب، على أن الربح الجزافي في الأراضي المزروعة، تُقدّر عليه الضريبة بضرب "تقدير الربح الجزافي لكل هكتار مزروع"، في عدد الهكتارات( المساحة) المزروعة.و تقوم لجنة محلية، على مستوى كل جماعة، و في كل سنة زراعية، بتقدير الربح الجزافي للهكتار.
و الحاصل هنا،و هذا ما يجب الانتباه إليه، أنه في التقدير الجزافي، لا يطلب من الملزم بالضريبة، تقديم تصريح بدخله "الحقيقي" إلى الإدارة،لتناقشه فيه، و تتحقق من صحته..كما هو الحال في نظام الإقرار أو التصريح.
[3]   ففيما يتعلق بالضريبة على الدخل المهني، تنص المادة (40):" يحدد الربح الجزافي بضرب رقم أعمال كل سنة مدنية في معامل يخصص لكل مهنة وفق البيانات الواردة في الجدول الملحق بهذه المدونة..".و نصت المادة (41) على أن تطبيق نظام الربح الجزافي ، نظام اختياري، يجب أن يعبر عنه الخاضع للضريبة داخل آجال محددة (المادة 44) و يجب (حسب المادة 42) ألا يقل مبلغ الضريبة، الذي يؤدى وفق نظام الربح الجزافي في الدخول المهنية الخضعة لضريبة الدخل، عن حد أدنى معين..
[4]  يمكن للشركات أيضا، أن تخضع للضريبة بأسعار جزافية.تنص المادة (16) من المدونة العامة للضرائب،  على أنه:" يجوز للشركات غير المقيمة [= ليس لها مقر أو فروع في المغرب]  المبرمة معها صفقات أشغال أو بناء أو تركيب أن تختار، حين إيداع الإقرار المنصوص عليه..أو بعد إبرام كل صفقة الخضوع للضريبة الجزافية على مجموع مبلغ الصفقة بالسعر المنصوص عليه في المادة 19 III ألف أدناه..".
و تنص المادة (19)، في بندها III ألف، تحت عنوان( سعر و مبالغ الضريبة الجزافية): " يحدد سعر و مبالغ الضريبة الجزافية كما يلي:
ألف 8%   دون احتساب...فيما يخص الشركات غير المقيمة ، المبرمة معها صفقات...التي اختارت الضريبة الجزافية؛
باء- مقابل القيمة بالدرهم لمبلغ خمسة و عشرين ألف (25000) دولار أمريكي في السنة، بناء اختيار، مع الإبراء من جميع الضرائب و الرسوم الأخرى المفروضة على الأرباح و الدخول بالنسبة للبنوك الحرة(Offshore Banque
جيم- مقابل القيمة بالدرهم لمبلغ خمسمائة (500) دولار أمريكي في السنة، مع الإبراء من جميع الضرائب و الرسوم الأخرى المفروضة على  الأرباح أو الدخول بالنسبة للشركات القابضة الحرة(Holding Offshore).
[5]  تنص المادة (32) من المدونة العامة للضرائب، على :"..غير أن في إمكان الخاضعين للضريبة [على الدخل المهني] الذين  يزاولون نشاطهم بصفة فردية أو في إطار شركة فعلية أن يختاروا..الخضوع للضريبة على الدخل وفق..نظام الربح الجزافي..".
[6] "La déclaration contrôlée est une méthode d'évaluation fiscale réelle -souvent appelée évaluation , par laquelle le contribuable évalue lui-même la matière imposable et la déclare , l'administration fiscale procédant aux contrôles nécessaires.. ": G.Gest-art " Déclaration Fiscal"-in:D.E.F.P-op.cit-p p 562.
[7] Voir:G.Gest-art " Déclaration Fiscal"-in:D.E.F.P-op.cit-p p 562-63.
[8]  فيما يخص التصريح بالأرباح، فيما يتعلق بالشركات، تنص المادة (20) من المدونة العامة للضرائب، على :" الإقرار  بالحصيلة المفروضة عليها الضريبة و برقم الأعمال:
I- يجب على الشركات سواء أكانت خاضعة للضريبة على الشركات أم معفاة منها، باستثناء الشركات غير المقيمة المشار إليها في  II و  III من هذه المادة أن توجه إلى مفتش الضرائب التابع له مقر الشركة الاجتماعي أو مؤسستها الرئيسية بالمغرب، إقرارا بحصيلتها الخاضعة للضريبة محررا على أو وفق مطبوع نموذجي تعده الإدارة، و ذلك خلال الثلاثة (3) أشهر الموالية لتاريخ اختتام كل سنة محاسبية..".
[9]  "..عمد المشرع،عند إصلاحه للمنظومة الجبائية [بمقتضى القانون 06-47]،إلى إدخال مجموعة من التعديلات[... منها] إحلال نظام الإقرار محل نظام الإحصاء، الذي كان يطغى على غالبية الرسوم المحلية، في ظل القانون الجبائي رقم 30-89، و ما نجم عن ذلك من غياب تشخيص حقيقي للقدرة التكليفية للملزمين، و الأخطاء التي كانت تعتري عمليات الإحصاء، و التي طالما كانت تعيق تطبيق الجبايات المحلية على الوجه المرغوب فيه..":بريح و الخطاب- مسلسل الاصلاح الجبائي..- م.س- ص 98.
[10]  قد يقدم الإقرار من غير المكلف نفسه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ،فيكلف رب العمل أو المشغل( خاص أو عام) الذي يدفع الأجور أو المرتبات، بملء الإقرارات المتعلقة بالعمال أو الموظفين العاملين عنده( فيها معلومات عن الأجور و المرتبات، و عن الظروف الشخصية لكل مكلف..).و يدخل في إطار الإقرار من الغير أيضا، إقرار الشركات عن الأرباح و الفوائد التي توزعها على حملة الأسهم، و يكلف مالك المستشفى (الخاص) بالتبليغ عن ما يدفعه إلى الأطباء و الممرضين مقابل خدماتهم،و الكلية عن التعويضات التي تدفع للأساتدة في إطار " الساعات الإضافة" أو (vacation)، و هكذا.
و أهم ما يميز هذه الإقرارات، هو صحة المعلومات التي تتضمنها؛إذ لا مصلحة لها- من حيث المبدأ-، في إعطاء معلومات غير صحيحة.انظر: السويسي-م.س-ص 110؛رفعت المحجوب- م.س- ص ص 135-36.
[11]  "..فإقرار بعض العقوبات الصارمة إلى حد يجعلها تبدو غير متناسبة، هو أمر لا جدال في كونه يرمي إلى محاربة التصريحات الكاذبة أو الناقصة،إلا أن الواقع يبين أن دافعي الضرائب الأفضل تنظيما هم الذين تقع عليهم مثل هذه العقوبات.
" أما أولئك الذين يشتغلون في القطاع غير المهيكل، فبحكم كونهم غير مرئيين يجعلهم في مأمن من كل عقوبة. و بذلك فإن نظام العقوبة الذي وضع لمطاردة المتحايلين ذوي النيات السيئة إنما يطبق على دافعي الضرائب ذوي النيات الحسنة، بسبب أخطاء بسيطة غالبا ما لا يكون لها أي أثر في مداخيل الخزينة.
" كما أن نظام العقوبات الجاري بها العمل لا يشجع على التسوية التلقائية للوضعيات.فالتأخر في التصريح و الأداء بيوم واحد يترتب عليه غرامة مالية  مجموعها 30 بالمائة( 15 بالمائة عن التأخير في التصريح، و 10 بالمائة عن التأخير في الأداء، و زيادة قدرها 5 بالمائة)، في حين لا يترتب على كل شهر إضافي من التأخير [ عن الأداء] سوى زيادة قدرها 0.5 بالمائة. و النتيجة أن المصرح الذي يتأخر بيوم واحد عن التصريح لا يبقى لديه من دافع، يدفعه إلى المبادرة بتسوية وضعيته..":تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي-م.س- ص 25.
[12]   في حالة التصريحات السنوية،مثل التصريح بالدخل في إطار الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات،فإن الإدارة الجبائية تخصص مطبوعا خاصا لهذا الغرض، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، يعبئه المكلف بنفسه،أو بواسطة المحاسب ، كل سنة قبل انتهاء الآجال التي حددها القانون. في بعض الدول فإن المكلف الذي يعتبر أن مقدار دخله غير خاضع للضريبة، يعفى من هذا التصريح،و طبعا فإن الإدارة تتحقق من هذا الادعاء.
[13]  فبالنسبة للدخول و الأرباح الخاضعة للضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين و المعنويين- الذين لم يختاروا الخضوع للضريبة على الشركات-؛ فتشمل:الدخول المهنية، و الدخول الناتجة عن المستغلات الفلاحية، و الأجور و الدخول المعتبرة في حكمها،و الدخول و الأرباح العقارية، و الدخول و الأرباح الناتجة عن رؤوس الأموال المنقولة  ( الأسهم و السندات)( المادة 22 من المدونة العامة للضرائب).و بما أن جميع أصحاب هذه الدخول،يقدمون تصريحات؛ إلا من استثناهم القانون-( كأصحاب الأجور، إن كان دخلهم الوحيد هو الأجر)- فمن الطبيعي أن تختلف المعلومات المضمنة في كل تصريح منها ، حسب طبيعة الدخل؛ الأمر الذي يفترض في المفتش الذي يراقبها أن تكون له معرفة جيدة بكل هذه الميادين التي يأتي منها دخل الملزمين بالضريبة، حتى يتمكن من تمييز المعلومات الصحيحة من المزيفة. و هذا أمر صعب، ما لم تحرص إدارة الجباية على تكوين لجان لفحص التصريحات، و تنظيم دورات تدريبية مستمرة لموظفيها.
[14] P. Beltrame -art" Assiette (de l'impôt)"- in:Dictionnaire Encyclopédique de Finances Publiques-op.cit-p 99.
جاء في تقرير لـ " المجلس الاقتصادي و الاجتماعي"، تحت عنوان " النظام الضريبي المغربي: التنمية الاقتصادية و التماسك الاجتماعي"(ص 28):..فيما يخص الضريبة على الدخل، لا جدال اليوم في أن أصحاب المهن الحرة، و مثلهم التجار و الوسطاء، و كل من لهم دخل إضافي غير اجورهم، لا يتحملون العبء الضريبي ذاته الذي يتحمله الأجراء. و لذلك لا بد من مجهود يفضي إلى تحقيق التوازن.و هذا يقتضي في الآن ذاته اعتماد مراقبة أكثر صرامة- تقوم على وسائل الإعلاميات و على عمليات تقاطع إحصائية- و اتخاذ تدابير تحفيزية..".
[15]  و لا يجب أن يحول السر المهني، من حيث المبدأ العام، دون هذا الاطلاع.و يمكن للجهات التي تتحجج أو تمتنع عن تقديم المعلومات، بدعوى الحفاظ على السر المهني، أن تكتفي بتقديم جزء من المعلومات فقط،  و بالقدر الذي لا يمس بالسر المهني.
[16]  راجع المادة (228)،من المدونة العامة للضرائب تحت عنوان :" فرض الضريبة بصورة تلقائية عند عدم تقديم الإقرار بالحصيلة الخاضعة للضريبة،أو مجموع الدخل أو الأرباح، أو رقم الأعمال، أو عدم تقديم العقود و الاتفاقيات"، تنص في فقرتها الثانية":II- إذا لم يقم الخاضع للضريبة بإيداع أو تتميم إقراره أو عقده، أو لم يدفع المبالغ المحجوزة في المنبع ...داخل أجل الثلاثين (30) يوما المذكور، أخبرته الإدارة وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 أعلاه، بالأسس التي قدرتها و التي على أساسها ستفرض عليه تلقائيا الضريبة..".




الفصل الرابع :تقنيات الضريبة[1]:
لقد مرّ معنا أن القانون هو الذي يحدد المادة أو النشاط أو الواقعة الخاضعة للضريبة( أي وعاء أو موضوع الضريبة)، و هو الذي يعين المقدار أو الجزء أو النسبة التي يجب اقتطاعها من هذه المادة، بشكل ضريبة.بمعنى أن القانون، هو الذي يحدد المكلف بالضريبة ، تحديدا قانونيا واضحا و كاملا، يخلو من اللبس و الغموض و الإبهام، قدر الإمكان، حتى تتمكن الإدارة الجبائية، من تحصيل الضريبة دون اعتراض من المكلف بها، هذا من جهة. و من هنا ندرك، من جهة أخرى، بأن  المكلف بالضريبة الذي قد ينازع أو يعترض على ضريبة ما؛فإنه لا ينازع - من حيث المبدأ العام- في القانون الذي سنّ الضريبة- لأنه شرّع باسمه، و عن طريق ممثليه الذين حظوا بثقته- ، و إنما ينازع، في الحقيقة، في تلك الثغرات و النواقص التي قد توجد في القوانين الجبائية، أو في الأخطاء التي قد تنجم عن الإدارة بمناسبة تنفيذها.
أجل،إن أغلب المشاكل التي تطرحها الضريبة، لا تنشأ بالأساس عن شرعيتها، بقدر ما تنشأ عن سوء تطبيقها، لا سيما في البلدان النامية، الأمر الذي دفع أحد الخبراء إلى القول:" ..غير أنه، ربما، كان أهم مظهر في وضع الضرائب بالدول النامية، ليس سن القواعد العامة، بقدر ما هو التطبيق العملي للأساليب الخاصة بطرق التقييم و التحصيل الفعال للضرائب.و بمعنى آخر، قد تكون ممارسة نظام الضرائب، أهم من وضعها بكثير.."[2].
بتعبير آخر، فإن الملزم، عندما يطعن في ضريبة معينة، و يرفض أدائها مثلا، و يلجأ إلى الجهات المختصة طالبا التحرر من أعبائها؛إنما يفعل ذلك لأنه يعتقد أن الإدارة الجبائية جانبت الصواب في تفسير القانون أو تطبيقه، و من ثم فرضت عليه ضريبة من غير أن يكون مكلفا بها، أو زادت عليه في المبلغ، أو أخطأت في حسابه، أو لم تحترم المسطرة القانونية الخاصة بتحصيل مبلغ الضريبة، أو تعسفت في استعمال صلاحياتها.
من هنا، فإن القضايا المتعلقة بتقدير الوعاء(مبحث أول)، و ربط الضريبة) مبحث ثان)، و تحصيلها(مبحث ثالث)، يجب أن تحظى باهتمام خاص من لدن دارسي التشريع الضريبي.و هذه المواضيع  هي التي تعرف عادة بالتنظيم الفني للضريبة،و هي موضوع هذا الفصل..
المبحث الأول: تقدير الوعاء الضريبي:
لتقدير المادة الضريبة،أو الوعاء الخاضع للضريبة- أو ما يعرف أيضا بأسس التضريب (Les bases d'imposition)-، اعتمدت النظم الضريبية الحديثة و المعاضرة أربعة طرق مختلفة لفعل ذلك، هي : طريقة المؤشرات الخارجية(المطلب الثاني)، و الطريقة الجزافية(المطلب الأول)، و طريقة التصريح(المطلب الثالث)، و طريقة التقدير المباشر(المطلب الرابع).
فيما يلي، من هذا المبحث، سندرس مختلف هذه الطرق، و لكن قبل ذلك، لا بد من التعريف بالوعاء، و الحديث عن الإشكالات الكبيرة و الخطيرة التي يثيرها تقديره(المطلب الأول).
المطلب الأول: الوعاء و إشكالاته
الوعاء الضريبي هو " المادة التي تفرض الضريبة عليها"[3]، أو هو " المنبع الذي تغترف منه الدولة مؤونتها بواسطة الضرائب"[4]، أو هو في تعريف ثالث:" يشير إلى القيمة أو الحدث أو الشيء الذي تفرض الضريبة على المكلفين بناء عليه "[5].و في تعريف رابع،هو " الموضوع (المحل) الذي تفرض عليه الضريبة، و هذا قد يكون شخصا أو مالا أو عملا "[6].
هذه تعريفات قديمة نسبيا، أما التعريفات الأحدث فتتبنى مفهوما أكثر اتساعا، مثل هذا الذي يعبر عنه " بيير بلترام(P.Beltrame)، الوعاء(L'assiette)؛ بقوله إن الوعاء هو:" مجموع العمليات الإدارية التي تهدف إلى البحث عن المادة الضريبية و تقديرها.."[7].
باستعراض هذه التعريفات، يتبين لنا أن الوعاء يتعلق باختيار المادة التي تفرض عليها الضريبة(رأسمال[8] أو دخل[9] أو تصرف أو نشاط معين[10]، أو قد يكون هو الشخص نفسه) ، هذا من جهة، و من جهة أخرى،فالوعاء لا يقتصر على دراسة المادة الضريبية،بل يهتم كذلك بطرق تقديرها،أي تحديد الجزء الذي تفرض عليه الضريبة من المادة موضوع الضريبة[11].
و بما أننا بحثنا، في المباحث السابقة، الجوانب المتعلقة باختيار المادة التي تفرض عليها الضريبة،فإننا سنقصر حديثنا هنا، على الجانب  المتعلق بتقديره.و التقدير يطرح إشكال أساسي هو: ما هي المادة التي ستضرب بالضريبة ؟ أو بتعبير آخر: :من سيكون ملزما بالضريبة ؟ ذلك أن معرفة المادة التي تفرض عليها الضريبة لا تكفي،في التشريعات الحالية التي تأخذ بتشخيص الضريبة(Personnalisation de l'impôt)،لتحديد المقدرة التكليفية للملزم[12].
إن المشرع الجبائي( البرلمان)، عادة، هو المطالب- في الدول الديمقراطية- بالإجابة عن هذين السؤالين؛ و البحث عن أفضل الحلول لملاءمة الضريبة مع شروط  التشخيص؛لأن الضريبة، كما مرّ معنا، تفرض بقانون(مبدأ شرعية الضريبة).
و رغم أن المشرع، يملك وحده الصلاحية، في تحديد الأساليب التي يجب اتباعها، في تقدير الأوعية الجبائية، إلا أنه من الخطأ الاعتقاد أن له حرية مطلقة في اختيار أساليب التقدير[13].بل هو يخضع لمعطيات الواقع السوسيولوجي، بمكوناته المختلفة( البنيات السياسية، و الاقتصادية، و الثقافية، و تاريخية، و غيرها).فعليه أن يراعي،مستوى تطور المجتمع( العادات و التقاليد السائدة..)، و خاصة المستوى الذي بلغته الإدارة الجبائية(كفاءة الأجهزة الإدارية، و توافرها على المؤهلات العلمية و الخبرة، و التجهيزات و الأدوات الضروية..)، و بلغه المكلفون( مستوياتهم التعليمية، و معرفتهم بأسس المحاسبة، و إمساك الدفاتر المحاسبية).
و لقد سبق لنا الحديث عن مثل هذه الحدود التي تحد من سلطات المشرع الجبائي،في سياق الحديث عن حدود السلطة التشريعية، و لكن لا بأس من التذكير بها هنا أيضا- إذ الذكرى تنفع المؤمنيين-،من خلال مثال أو مثالين:
أ- إن المشرع الذي يرغب في فرض نظام الإقرار أو التصريح في تقدير الأوعية الجبائية(و سنتعرف عليه فيما يلي)، لا يمكنه الأخذ بهذا النظام إلا إذا كانت الدولة، تتوفر على إدارة جبائية قادرة على التحقق من صحة الإقرارات. بل و أن تكون هناك أيضا إدارات أخرى (عامة و خاصة)، راغبة في تقديم المساعدة إلى الإدارة الجبائية، و قادرة على توفيرها عندما تطلب منها؛إذ بدون ذلك يصعب عليها القيام بواجبها:فالإدارة الجبائية، قد تملك حق التواصل مع الإدارات الأخرى(droit de communication)، للحصول على المعلومات ،لمراقبة صحة التصريحات التي يدلي بها الملزمون(المكلفون)، و لكن هذا التواصل لا يكون فعالا إلا إذا كانت هذه الإدارات( مثل المقاولات، و إدارات الضمان الاجتماعي، و البلديات، و الأبناك..إلخ)، تتوفر على أجهزة إدارية جيدة التظيم، قادرة على توفير المعلومات ( المحينة و الدقيقة)، عندما تطلب منها، و في أسرع وقت، و دون عراقيل بيروقراطية، أو موانع قانونية أو غيرها.
ب- و مثال آخر، لنفرض أن المشرع، قد اختار المادة التي يريد ضربها، و لتكن الدخل أو الرأسمال مثلا،فإن المشكلة التي قد تثار، هي كيفية التوصل إلى تحديد دقيق لهذا الدخل أو الرأسمال؛لأن المبالغة في تقدير هذا الوعاء سيؤدي إلى الإضرار بالمكلف، في حين أن التقصير في تقدير الوعاء (دخلا أو رأسمالا..)، سيلحق ضررا بحصيلة الضريبة، و بالتالي الإضرار بمصالح المجتمع[14].
و هنا، لا شك،أنك(كِ)،عزيزي الطالب(ة)،قد أدركت أن تقدير الوعاء الجبائي، يعد من أخطر الأعمال التي تقوم بها الإدارة الجبائية،للسبب البسيط(الذي أشرنا إليه في التو)،ألا و هو أن هذه الأخيرة، أثناء عملية التقدير، تكون خصما و حكما في نفس الوقت:فمن ناحية، عليها ألا تبالغ في تقدير الوعاء (بمبررات، السعي لأكبر حصيلة ممكنة)، و من ناحية أخرى، يجب ألا يقل التقدير، عن الحقيقة و الواقع (بمبررات،تخفيف العبء الجبائي على المكلفين).
أي ، بلغة أخرى، عليها أن تحقق التوازن في معادلة حماية حقوق الخزينة و حقوق المكلف معا( و هي حقوق متعارضة، كما نعلم):وهذا أهم إشكال في كل النظم الجبائية.
و بالإضافة إلى الدقة في تقدير الأوعية، فإن الإدارة مطالبة بأن تقوم بعملها، في إطار من السرية و الكتمان و التحفظ،أثناء سعيها لبلوغ هذا التقدير ؛فلا ينبغي لها أن تتعسف في استعمال سلطاتها في التفتيش في خصوصيات و أسرار الملزمين أو إفشائها، كما لا يحق لها، حتى لو كان الهدف هو خدمة الصالح العام، أن تزعج الملزمين، أو تقلق راحتهم، أثناء قيامها بعملها.
و من هنا، يتبين لكم أن عملية التقدير،من أخطر الأعمال التي قد تقوم بها الإدارة الجبائية، فهو في أي لحظة قد ينقلب إلى تهديد لحقوق و حريات الملزمين. من هنا أيضا، فليس غريبا أن نشأت و تنشأ عن عمليات التقدير ، أكثر المنازعات الجبائية عددا، و أشدها تعقيدا، بين الإدارة الجبائية و المكلفين.
و ليس غريبا أيضا، أن تطورت التشريعات الجبائية، في اتجاه إبعاد الإدارة عن التدخل المباشر في الكثير من عمليات التقدير، و لكن دون إقصائها بالمطلق؛إذا أبقتها قريبة  من هذه العمليات، حتى تستطيع أن تراقب عن كثب، و من ثم تتدخل،في الوقت المناسب.بل إن الإدارة تكون مضطرة،في الكثير من الحالات، إلى القيام بهذ التقدير بنفسها مخافة أن تتضيع حقوق الخزينة العامة.
و لأجل هذا،سنلاحظ، ابتداء من المطلب التالي،أن عمليات تقدير الأوعية الجبائية،قد انتقلت من الطرق البدائية، التي تتميز بالكثير من التعسف من جانب الإدارة( خاصة بالاعتماد على المؤشرات الخارجية، و طرق التقدير الجزافي..)،إلى طرق أخرى أكثر ديمقراطية؛إذ تأخذ بعين الاعتبار مساهمة الملزمين أنفسهم، في هذه العمليات.
المطلب الأول: أساليب تقدير الوعاء:
إن الإدارة الجبائية(fisc) ،نيابة عن الحكومة، هي التي تطلب الضريبة، و إذن فهي مطالبة بإثبات وجود المادة الضريبية، و من ثم تقديرها.إلا أنه نظرا لكثرة المكلفين و المواد الضريبية، و تنوعها الكبير، فإنه من المستحيل ، عمليا، أن تقوم الإدارة الجبائية بتقدير هذه المواد وحدها.و من هنا، فلقد تم اللجوء إلى طرق غير مباشرة في تقدير هذه المواد، مثل الطريقة المبنية على المؤشرات الخارجية، و طرق أخرى تحتاج فيها الإدارة إلى مساعدة أو موافقة المكلفين.
و في الحقيقة، عندما نتتبع تطور أساليب تقدير الأوعية الضريبية، التي اعتمدت في الأزمنة الحديثة و المعاضرة، سنلاحظ تطورا ينحو منحى التقليل من الاعتماد على التقديرات المباشرة و غير المباشرة التي تقوم بها الإدارة ،و الاعتماد أكثر فأكثر على التقديرات التي تتم بمساعدة المكلفين بالضرائب أنفسهم.
و هكذا، فالكثير من النظم الجبائية المعاصرة- مثل النظام الفرنسي ، الذي ورث عنه النظام المغربي الكثير-، ما زالت تتضمن ضرائب تعتمد في تقديرها على أساليب قديمة؛أي تعتمد على المعلومات التي تحصلها الإدارة بنفسها، بواسطة عمليات الاستقصاء و التحري و الإحصاء و المقارنة، كتقدير القيم الكرائية في بعض الضرائب المحلية(كالضريبة الحضرية، و الضريبة المهنية أو الباطنطا).
إلا أن أغلبية الضرائب الكبيرة و الهامة، التي تنعت بأنها معاصرة، كالضريبة على الدخل( دخل الأشخاص الطبيعيين و المعنويين)،فصارت تعتمد على التقديرات التي يدلي بها الملزمون أنفسهم، على شكل تصريحات..بحيث أن الإدارة، لم تعد تلجأ في هذا النوع من الضرائب للتقدير الإداري المنفرد، إلا كإجراء عقابي.
المطلب الثاني- أسلوب المؤشرات(المظاهر) الخارجية:
تعتمد هذه الطريقة في تقدير المادة الضريبية، على بعض المؤشرات الخارجية، التي قد لا تكون لها علاقة وطيدة مع هذه الأخيرة، مثال ذلك : القيمة الكرائية لمحل سكن المكلف، أو السيارات التي يمتلكها، أو عدد الخدم المنزليين العاملين لديه..
و هكذا،فقد تعمد الإدارة إلى تقدير الوعاء الجبائي، بالاعتماد على بعض المؤشرات(المظاهر) الخارجية(Les signes extérieurs)، التي يسهل معرفتها، كأجرة المكان الذي تباشر فيه المهنة، و عدد العمال و الآلات، أو مساحة المنزل الذي يسكن في الملزم،و عدد السيارات التي يملكها، و مدى توفره على خدم،و كلاب حراسة،و قدرة على تنظيم الحفلات في البيت،و إمضاء العطلة في الخارج..إلخ.
و هذه الطريقة في التقدير، هي التي اعتمدت خلال الثورة الفرنسية، على اعتبار أنها وسيلة جيدة لتجنب تعسفات الإدارة، و إبعادها عن التدخل في شؤون المكلفين.و من أشهر الضرائب، التي جاءت بها الثورة الفرنسية،و اعتمدت المظاهر الخارجية،هناك ضريبة " الأبواب و النوافذ"(contribution sur les portes et fenêtres)،التي طبقت في فرنسا من بداية نهاية القرن الثامن عشر،و استمرت إلى سنة 1925[15]،و كانت تعتمد في تقدير دخول الملزمين على نوعية و أعداد الأبواب و النوافذ في منازل الملزمين.[16]و مثال ذلك أيضا، ما أخذ به المشرع الفرنسي، و تابعه على ذلك، عدد من المشرعين منهم المغربي، في الضريبة المهنية( الباتنتا Patente)،حيث تدخل القيمة الكرائية للمكان أو الأمكنة التي تمارس بها المهنة، و كذا عدد العاملين فيها، و عدد و نوعية الآلات،كمؤشرات في تقدير الضريبة[17].
و رغم أن هذا الأسلوب، يعتبر بسيطا و سهلا، و يجنب الإدارة الاصطدام بالملزم،و لا يكلف الإدارة الجبائية الكثير من الجهد و المال و الوقت، و يقلل من حالات الغش الضربي،كما انه يحترم الحياة "لا يشجع الإدارة على حشر أنفها في أسرار الملكلف".. إلا أنه توجه إليه عدة انتقادات،من أهمها[18]:
أ- إنه غير دقيق؛إذ أن المؤشرات الخارجية غير كافية في إعطاء صورة صحيحة و دقيقة عن دخل الأشخاص أو ثرواتهم،فالناس يختلفون في التعاطي مع المظاهر:فهناك من يحب التظاهر بما ليس فيه و بما لا يملك، و هناك من يكره ذلك،إما بخلا أو تواضعا[19]؛
ب- إنه لا يساعد على تحقيق العدالة الجبائية؛لأنه لا يسمح بتشخيص الضريبة، أي لا يأخذ بعين الاعتبار ظروف الممول الشخصية :فقد يتشابه مكلفان في المظاهر الخارجية، و لكن أحدهما، قد يكون مثقلا بديون و أعباء عائلية أكثر؛
ج- قد يتغير دخل المكلف أو تتغير ثروته، بالارتفاع أو بالانخفاض، دون أن يلاحظ تغيرا فوريا في المظاهر الخارجية؛لأن هذه الأخيرة تتمتع بثبات نسبي قياسا إلى الدخل.
 و نظرا لخطورة هذه العيوب التي يعاني منها التقدير على اساس المؤشرات الخارجية، فلقد تم التخلي عنه ، و لم تعد الدول تأخذ به، و لا يستعان به إلا  بالنسبة لبعض الضرائب المحلية، و أيضا في بعض الحالات التي يصعب فيها تقدير الوعاء، و كذلك في الحالات التي ترغب فيها الإدارة التحقق من صحة التصريحات المدلى بها(في إطار محاربة الغش و التهرب الضريبيين عموما).


[1]  الفصل الثاني،ثم إملاء الشطر الكبير منه على الطلبة، في سياق المحاضرات التي تلقى، و الشطر الآخر، تم شرحه في السبورة، بنفس المناسبات.
[2]  ج.م.أب صعب- دور القانون في عملية التنمية مع إشارة إلى نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية- ضمن كتاب: العلم و التكنولوجيا في الدول النامية- مؤلف جماعي، أشرف على تحريره : كلير نادر و ا.ب.زحلان- ترجمة:د.ابراهيم عصمت مظاوع ، و د.ابراهيم بسيوني عميرة، و د.أحمد فؤاد عبد الجواد- دار المعرفة - القاهرة (دون تاريخ)- ص579
[3]  الصكبان- مقدمة في علم المالية العامة...-م.س- ص164.
[4]  هشام  صفوت العُمري- اقتصاديات المالية العامة و السياسة المالية- م.س- ص 98.
[5]  د.نائل العواملة- الإدارة المالية العامة بين النظرية و التطبيق- م.س- ص 305.
[6]  د.فاطمة السويسي- المالية العامة:الموازنة و الضرائب- المؤسسة الحديثة للكتاب- طرابلس(لبنان)2005-ص91.
[7] "Assiette ( de l'impôt):Ensemble des opérations administratives qui ont pour but de rechercher et d'évaluer la matière imposable..":art "Assiette (de l'impôt) "-in: Dictionnaire ...-op.cit p97.
[8]  ثروة أو ملكية..
[9]  أجر أو ربح..
[10]  إنتاج( قيمة مضافة) أو بيع أو شراء أو استيراد...
[11]  و هو ما يعرف أيضا بـ " المقدرة التكليفية للمكلف".
[12]   فلتطبيق مفهوم التشخيص(Personnalisation)( في الضرائب التي يطبق فيها التشخيص، مثل ضريبة الدخل )، ؛ فلا بد من معرفة مصدر الدخل المفروضة عليه الضريبة، و هل هو العمل أم الرأسمال( عقارات، و أموال منقولة كالأسهم و السندات..) أم العمل و الرأسمال معا( تجارة، صناعة، و فلاحة، و مهن حرة..)، و لا بد أيضا من معرفة الظروف الشخصية للملزم ، و من معرفة الظروف التي ينفق فيها الدخل( زوجة و أطفال، أمراض مزمنة، قروض)..انظر:رفعت المحجوب-ص 47؛ و انظر أيضا:P.di Malta-art " Personnalisation"-in:D.E.F.P-Volume II-pp1127-28.
[13]  و هي قضية سبق لنا تناولها، في سياق الحدود التي تؤطر عمل المشرع الجبائي.
[14]  السويس-م.س- ص 107.
[15]  يبدو أن هذه الضريبة، طبقت في بريطانيا العظمى منذ القرن السابع عشر، تحت اسم " ضريبة النافذة" (window tax) انظر:Making people pay-op.cit-p20
[16] O.Vernier- Portes et Fenetre (contributions)-in: Dictionnaire Encyclopédique de Finances Pubiques-sous la direction de L.Philip-op.cit- volume II-p p1178-79.
[17]  و لا بأس من أن نضيف هنا، بالنظر إلى أهمية الباطنطا( الضريبة المهنية)،في النظام الضريبي المغربي: إن هذه الضريبة قديمة نسبيا، استحدثتها الثورة الفرنسية، و قررتها في مارس سنة 1791.و الأصل في هذه الضريبة،أن الحكومة الثورية،في ذلك الوقت،بعدما حررت أصحاب الحرف و المهن من القيود القديمة التي كانت مفروضة عليهم،فرضت على كل من يريد أن يزاول تجارة أو صناعة، أو أية مهنة أخرى، أن يحصل على رخصة (Patente)، بمباشرتها،و يدفع عن ذلك ضريبة،هي ضريبة الباتنتا.و كانت مفروضة على أساس المظاهر الخارجية، كما قلنا في المتن أعلاه،مثل أجرة المكان الذي تشغله المهنة، أو عدد العمال الذين يستخدمهم المكلف، و غير ذلك من المظاهر الخارجية. و قد فرق القانون، فيما يتعلق بهذه الضريبة بين أنواع الصناعات و المهن، فقسمها إلى فئات و جعل لكل فئة منها ضريبة نسبية مقدرة على أساس المظاهر المذكورة.و ذلك لمراعاة الاختلاف في الأرباح باختلاف الصناعة و المهنة، فربح تاجر المواد الغذائية مثلا،غير ربح بائع الحلي  الذهبية و الفضية و المجوهرات.انظر:عطية- الوسيط في تشريع الضرائب-م.س- ص ص 34-35. و تعتبر هذه الضريبة اليوم، ضريبة محلية،إذ أن حصيلتها في معظمها تخصص للجماعات المحلية.و هي تنظم بمقتضى الظهير الشريف رقم 442.61.1، الصادر في 30 دجنبر 1961. و يحدد الأعوان المكلفون بتقدير وعاء الضريبة الحضرية( ضريبة المباني)،الأسس التي تفرض عليها هذه الضريبة، و يساعدهم في عملياتهم رئيس المجلس الجماعي، و يمكن أن يساهم في عمليات الإحصاء ممثلو الغرف المهنية.انظر: بريح و الخطاب-م.س- ص 45.
[18]  رفعت المحجوب- م.س- ص ص 133- 134؛ السويسي- م.س- 108.
[19]  " ففي حالة الضريبة على النوافذ يفترض أن عدد الأبواب و النوافذ في منزل الغني أكثر منها في منزل الفقير.بيد أن الواقع يكشف لنا عن غني لا يكثر من النوافذ و الأبواب، في حين يكثر منها رجل يحصل على دخل متوسط المقدار.و هكذا يخضع الأخير لضريبة أكبر من الأول، و هذا يناقض مبدأ فرض الضريبة على أساس درجة اليسار..": الصكبان-م.س- ص 280( الحاشية رقم:3).