المطلب
الثالث- أسلوب التقدير الجزافي:
إن هذا الأسلوب،في جوهره،
ليس إلا فرعا أو نوعا من التقدير السابق، و إن كان يختلف عنه في النتائج التي
تترتب عنه.فهو يعتمد في تقدير الأوعية ، على العلاقة بين حقيقة معروفة لدى الإدارة
عن المادة الضريبية، و " حقيقية" أخرى مفترضة،يستدل عليها بوساطة قرائن (Indices) ، تتوافر عليها الإدارة أو يوفرها
المكلف أو هما معا.فلتقدير الوعاء في الإنتاج الزراعي، مثلا، تنطلق الإدارة من
حقيقة معروفة (و هي مساحة الأرض و خصوبتها ..)، و قرائن تتوافر عليها الإدارة (من
خلال الدراسات و المعطيات الإحصائية..إلخ)، لتخمن أو تستنتج أو تستدل على مقدار
الإنتاج الذي تحققه هذه الأرض أو تلك.و تفعل نفس الشيء مثلا، في تقدير أرباح بعض
التجار أو رجال الصناعة أو أصحاب المهن الحرة، فهي تنطلق من رقم العاملات(chiffre d'affaire)، لتسنتج الأرباح التي يحققها
أصحاب هذه المهن.
و يتم عادة التمييز،في هذا الأسلوب، بين الجزافي القانوني ( أو الصلب)، و
الجزافي الشخصي ( أو المرن أو الاتفاقي).فعندما تعتمد الإدارة الجبائية ،
في تقدير الوعاء الخاضع للضريبة، على قرائن قانونية(Indices)، يحددها المشرع، يكون الحديث عن
الجزافي القانوني.أما عندما يتم التفاوض على هذه القرائن بين الإدارة الجبائية و
المكلف[1]، أو
من يمثله، في إطار تمثيل مهني (نقابة، أو اتحاد مهني..)، فنكون بصدد ما
يعرف بالنظام الجزافي الاتفاقي و الفردي (Conventionnel et Individuel)[2].
و الجدير بالذكر هنا، أن
أسلوب التقدير الجزافي إنما هو أسلوب تلجأ إليه الإدارة عندما تعجز عن التوصل إلى
معرفة التقدير الحقيقي للوعاء، فتضطر إلى الأخذ بأسلوب تقريبي، يعطيها فكرة
تقريبية عن الوعاء، بناء عليها تقدر قيمته.و بناء على ذلك، تستطيع الإدارة
الجبائية الحصول على المعلومات التي تريدها من المكلف، بطريقة سلسة ( مباشرة أو
غير مباشرة)؛إذ لا يطلب من الملزمين تقديم تصريحات مفصلة عن دخولهم، بل يكتفون
بتقديم معلومات تتعلق برقم أعمالهم (مثلا بالنسبة للفلاحين، مساحة الأراضي
المزروعة، و بالنسبة للخبازين، كميات الدقيق المستعملة، و هكذا)؛ فتطبق الإدارة
سعرا جزافيا على هذا الرقم[3]، و
في بعض الحالات تطالب بأداء مبالغ معينة جزافية[4].فتقوم
الإدارة الجبائية،بناء على ذلك، بتقدير الربح الجزافي لصاحب محل تجاري، مثلا، من خلال المعلومات التي يقدمها عن قيمة مبيعاته(على
أساس أن ربحه يمثل نسبة معينة من قيمة المبيعات). أو تقدر دخل الطبيب عن طريق ما
يصرح به من معلومات عن عدد ساعات عمله( على أساس أنه، يفحص كذا مريض في الساعة) .
أو تقدر أرباح معمل لصناعة السكر، من خلال البيانات (الفاتورات) عن مشترياته من
قصب السكر أو الشمندر( على اعتبار أن كل طن من الشمندر ينتج كذا كيلو من السكر
الأسمر أو الأبيض..و الثفل (mélasse .أو أرباح معصرة، تنتج زيت الزيتوت
من خلال عدد أطنان الزيتون التي تعصرها:كأن تقدر مثلا، أن إنتاج لتر واحد من
الزيت، يحتاج إلى (5) كيلو غرام من الزيتون[5].
و الجدير بالتنيويه هنا،
إلى أنه رغم التشابه الظاهري بين أسلوبي التقدير الجزافي و التقدير على أساس
المؤشرات الخارجية، إلا أن هناك اختلاف بينهما ، يكمن في أن التقدير على أساس
المظاهر الخارجية، يشكل بحد ذاته وعاء الضريبة:فالتضريب، يتم مثلا، على أساس عدد
النوافذ و الأبواب، فالملزم (المكلف) الذي يوجد في منزله نوافذ أكثر؛ يؤدي ضريبة
مقدارها أكبر، من الملزم الذي يوجد في منزله نوافذ أقل، رغم أنه ليس هناك علاقة وطيدة
بين ذلك و بين المادة الضريبية (دخل المكلف مثلا أو أرباحه التجارية).أما الضريبة
بناء على التقدير الجزافي،فهي تنطلق من معطيات(قرائن) لها علاقة وطيدة بهذه المادة.و
بالتالي فالضريبة تضرب على على الوعاء، الذي نتوصل إلى معرفته، مستعينين بتلك
القرائن( القانونية أو الاتفاقية،..)، أما القرائن في حذ ذاتها فلا تعبر وعاءا.
من هنا،يتبن أن هذه
الطريقة، تعتبر أكثر دقة من طريقة " التقدير بناء على المؤشرات
الخارجية"،إلا أنها مع ذلك تبقى طريقة تقريبية، و غير دقيقة، كما أن لها عيوبا
كثيرة، من أهمها أنها لا تستطيع التوصل
إلى حقيقة المادة الضريبية،بل كل ما تستطيع الوصول إليه هو " مادة ضريبية
مفترضة".و هناك عيب آخر، لا يقل خطورة عن الأول،يتجلى في محاباة بعض المكلفين
على حساب مكلفين آخرين، إذ كلما استعصى على الإدارة التوصل إلى التقدير الحقيقي
اضطرت إلى اللجوء إلى الجزافي ، لا سيما الجزافي الاتفاقي، مع بعض المهنيين
(كالأطباء، و المحامين، و منتجي السكر، و أصحاب المخابز، و الجزارين، و
الفلاحين..و غيرهم)، و في ذلك إضرار بمفهوم العدالة الجبائية، و المساواة أمام
الضريبة.
فلا عجب أن قلص المشرعون
اعتمادهم على هذا الأسلوب، وزادوا من اعتمادهم على نظام الإقرار أو التصريح؛حتى صار
هو " النظام العام"، الذي لا يمكن الخروج عليه،أو استبداله، إلا في
حالات خاصة، نص عليها القانون.
المطلب
الرابع: أسلوب الإقرار أو التصريح:
في هذه الطريقة في إثبات
وجود المادة الضريبية، و تقدير قيمتها، فإن المكلف نفسه، هو الذي يصرح بوجود
المادة، و يقوم بنفسه بتقدير قيمتها.
و هذه الطريقة، لا تكتمل
إلا بالمراقبة التي تجريها الإدارة لهذا التصريح، و التحقق من مدى صحة و دقة ما
جاء فيه، و مدى التزام و احترام المكلف بالقواعد القانونية، كتقديم الإقرار،
بتحريره على أو وفق المطبوعات النموذجية التي تقدمها الإدارة، و داخل أجل معين،
يجب التقيد به.
أجل، فبمقتضى هذا النظام،
يلزم المكلف بالضريبة، بتقديم إقرار أو تصريح، داخل آجال معينة، يبين فيه، بصورة
مفصلة، مقدار وعاء الضريبة لديه. و هذا
التصريح يخضع لمراقبة الإدارة الجبائية، و لهذا يسمى بـ" التصريح
المراقب"(Déclaration
contrôlée)[6].
و هذا الأسلوب إذا ما قورن
بالأسلوبين السابقين،يعتبر أفضل منهما، فهو على الأقل يخلو من عيوبهما؛إذ لا يقدر
الوعاء على أساس تقريبي( المظاهر الخارجية)،و لا على أساس جزافي؛و إنما على أساس
معطيات،يعتبرها الملزم "حقائق"، فوق الشبهات،لا يمكن التشكيك في صحتها
إلا بدليل قاطع. و من هنا، فإن أغلب التشريعات الجبائية المعاصرة تأخذ به[7]،
لا سيما فيما يتعلق بتقدير دخول الأشخاص الطبيعيين، و حتى دخول الشركات[8].و
من هذه التشريعات، التشريع الضريبي المغربي الحالي، الذي اعتمد مبدأ التصريح، في
الكثير من الضرائب ،بما في ذلك الضرائب المحلية.
و التصريح، أو التصاريح،
التي تعتمد عليها الإدارة الجبائية، في تقدير الأوعية، أنواع عديدة، تختلف باختلاف
مصادرها؛فهناك..
1- التصريح الذي يقوم به
الملزمون أنفسهم:في بعض أنواع الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين، و الضريبة على
الشركات، و الضريبة على القيمة المضافة، و واجبات التسجيل و التنمبر، و غيرها؛
2- التصريح الذي يقوم به
الغير( المشغلون،و الشركات، و الأبناك..)، حيث يتم اقتطاع مبلغ الضريبة من
المنبع:في الضريبة على الأجور و المرتبات و ما في حكمهما،و الضرائب على توظيف رؤوس
الأموال المنقولة؛
3- و باستثناء الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية و الرسم المهني (ضريبة البطنطا)،
و رسم السكن ، و رسم الخدمات الجماعية،فإن باقي الرسوم تخضع لنظام الإقرار[9].
و للإقرار، في الواقع،
الكثير من المزايا:
1- فهو، أولا، يرسخ روح المواطنة:فغياب
روح المواطنة لدى بعض الملزمين، يلحق أضرارا بغيرهم، و بالمجتمع ككل.و على العكس
من ذلك ، فإن تحمس بعض الملزمين إلى ملء إقراراتهم بنزاهة،قد ينشر ثقافة التضامن الاجتماعي
، و يغير تلك النظرة للضريبة، التي ترى فيها مجرد إكراه ؛
2- و يعتبر الإقرار أفضل و سيلة لتقدير الوعاء، إذ
لا يوجد من هو أعرف بالمادة الضريبية( دخل، أو ثروة ،..)، من المكلف نفسه؛
3- يساهم الإقرار في تقليص
الأعباء و النفقات الإدارية،المتعلقة بالتحصيل الضريبي؛
4- و الإقرار، و إن كان يصدر عن المكلف،إلا أنه
يخضع لمراقبة الإدارة الجبائية ،و قد تترتب عنه جزاءات (عقوبات)، مدنية و جنائية،
في حالة إذا تبين أن الملزم نفسه - أو كل مكلف بملء الإقرار ، مثل رب العمل[10]-
لم يقدم الإقرار أو قدمه خارج الأجل أو قدم إقرارا مزيفا (استعمل وسائل الغش)
للتهرب من أداء الضريبة أو الضرائب المفروضة عليه( المواد 79-81 من المدونة العامة
للضرائب)[11]؛
4- و الإقرار، يستعمل في
الضرائب المباشرة ( كالضريبة على الدخل، و الضريبة على الشركات)، و الضرائب غير
المباشرة (كالضريبة على القيمة المضافة، و الرسوم الجمركية..)،إلا أن زمان القيام
به، يختلف من ضريبة لأخرى:
أ- ففيما يخص الأشخاص
الخاضعين للضريبة على القيمة المضافة:
أ/1- يكون الإقرار شهريا، بالنسبة للمقاولات التي ليس
لها مقر بالمغرب (79 و 80)؛
أ/2-كما قد يكون ربع
سنويا(كل ثلاثة أشهر)، بالنسبة للمؤسسات الموسمية؛
أ/3- كما قد يكون دوريا (المادة 109)، أو حتى سنويا.
ب- بالنسبة للضريبة على الدخل:
ب/1- فيما يخص دخل الأشخاص
الطبيعيين، يكون الإقرار، عادة، سنويا(79 و 80)؛
ب/2- أما بالنسبة لضريبة الدخل على الأشخاص المعنويين( الشركات)، فيكون
الإقرار في الغالب سنويا،كما قد يكون دوريا(بالنسبة لبعض أعمال الشركات غير
المقيمة)(المادة 20).
هذا،و لقد نصت الكثير من
القوانين الضريبية على نظام التصريح هذا،رغم الانتقادات التي توجه له، و رغم
العيوب التي قد يعاني منها: فهو قد يشكل عبئا نفسيا و اقتصاديا على الملزم، لاسيما
في الدول التي يصعب فيها على الملزمين ملء التصريحات بأنفسهم[12] ،
و يصعب عليهم الكشف عن جميع مواردهم.كما أنه، لهذا السبب أيضا، قد يكون مشجعا على
الغش الضريبي.و بالتالي،لا يكون فعالا إلا إذا كانت هناك إدارة قادرة على ممارسة
رقابة صارمة على تصريحات الملزمين. و لكن ذلك، في الواقع، يبدو مطلبا صعب المنال،
لصعوبة تحقيق هذه الرقابة على جميع أنواع الدخل[13] ،
و بنفس المستوى من الدقة:فالرقابة على الأجور و المرتبات، مثلا، أسهل من الرقابة
على الأرباح المهنية، و الرقابة على دخل أصحاب
الممتلكات العقارية، أسهل من الرقابة على دخل أصحاب الأسهم، و هكذا[14].
و لكن هذا لا يعني أن
الرقابة على التصريحات مستحيلة،ذلك أن الإدارة الجبائية تتوافر على عدة طرق للتحقق
من صحتها؛فبالإضافة إلى الامكانيات المتاحة لها، بفضل الحقوق المخولة لها كالحق في
الاطلاع على سجلات المكلف، و دفاتره التجارية، أو أية وثائق أو أوراق أخرى ترى
الإدارة ضرورة الاطلاع عليها، بقصد الوصول إلى الحقيقة، سواء أكانت موجودة بحوزة
المكلف نفسه(لأن القانون يفرض عليه مسكها:كالوثائق المحاسبية)، أو موجودة في
الإدارة الجبائية نفسها أو أدارات أخرى عامة أو خاصة( و جميع المؤسسات الخاضعة
لرقابة الدولة: إدارات الجماعات المحلية، و المؤسسات العامة، و الأبناك،و
الفنادق،و الشركات، و المستشفيات..إلخ)[15].
بالإضافة هذه الطريقة
المباشرة، قد تلجأ الإدارة إلى أساليب غير مباشرة في التحري و الاستقصاء، للوصول
إلى حقيقة صحة التصريحات المقدمة من عدمها.و لعل أهم طريقة تستعمل في هذا السياق،
هي طريقة " التقاطع"(recoupement)،التي تعتمد على جمع المعلومات و
تحليلها ،لربط الصلات بين مجموعة من التصريحات التي تتطابق أو تتناقض حول عدد من
الوقائع المنشئة للضرائب.من ذلك أن الإدارة، تستطيع أن تعتمد على تصريحات أصحاب
الشركات، فيما يتعلق بالأجور و المرتبات، و التعويضا، و المكافآت، و المنح، و
الهدايا، و المنافع و الخدمات العينية و النقدية، التي تقدمها مثلا، للعمال و الزبائن،لتراقب صحة التصريحات التي
يحتمل أن يكون قد قدمها عدد من المتعاملين مع هذه الشركات( من أطباء، و صيادلة، و
تجار، و أصحاب فنادق، و وكالت أسفار..و غيرها).كما تستطيع أن تستخدم تصريحات أصحاب
و وكالات الأسفار، و وكالات كراء السيارت،
عن العقود التي أبرموها، و الخدمات التي قدموها،إلخ، للتحقق من صحة الإقرارات التي
قدمها زبائن هذه الوكالات. كذلك، يمكنها أن
تحصل على "إقرارات" أو معلومات أخرى، من مستأجري السيارات و الفيلات المفروشة، أو
المنازل العادية العقار، عن القيم الإيجارية، التي دفعوها لأصاحب العقارات أو السيارات
أو غيرها، و بذلك تستطيع أن تراقب مدى صحة ما قدمه هؤلاء الأخيرون(أصحاب العقارات
أو السيارات..) من إقرارات..و هكذا.
المطلب
الخامس:أسلوب التقدير الإداري المباشر:
يمكن للإدارة أن تتدخل
مباشرة، لتقدير المادة الضريبية، إما بناء على معطيات يوفرها المكلف نفسه، أو
عندما يمتنع هذا الأخير، عن القيام بواجبه الجبائي، أو يقوم به، بوعي أو دون وعي،
بطريقة غير صحيحة، في مثل هذه الحالة، تتدخل الإدارة لتقوم بتقدير المادة
الضريبية..فيعتبر ذلك عقوبة للمكلف، لعدم قيامه بواجبه الجبائي أو قيام به بطريقة
غير سليمة:فمن الناحية القانونية،يقوم هذا الأسلوب في التقدير الإداري المباشر أو الفرض التلقائي
للضريبة، على حق الإدارة في أن تقوم بمفردها بتقدير وعاء الضريبة، بناء على
المعلومات التي تتوافر عليها، و هو حق يجد أسسه في مبادئ الضريبة التي تحدثنا
عنها، و من أهمها مبدأ عمومية الضريبة.
لا بل إن هذا التقدير، في
نظر الكثير من فقهاء القانون العام و علماء المالية العامة، يعد مظهرا من مظاهر
السطلة العامة التي تتمتع بها الإدارة الجبائية، فهي يمكنها أن تعفي نفسها من
التقيد بالتقدير الجزافي، أو التقدير على أساس المؤشرات الخارجية، بل يمكنها ان تتجاهل
التصريح الذي يقدمه المكلف، و تعمل حسب معرفتها، باعتماد طرق تراها مناسبة، إذا
رأت أن المصلحة العامة تكمن في ذلك.
و الجدير بالذكر أن هذه
الطريقة ، إذا كانت تتيح للإدارة الجبائية، حرية واسعة في التقدير،إلا أن الإدارة لا
يمكنها التعسف في استعمالها.و من هنا، فإنه لا يتم اللجوء إليها إلا في حالات
استثنائية محددة،كما سبق القول، و هي حالة التخلف عن تقديم الإقرار، و كذا في حالة
إذا لم تقتنع الإدارة الجبائية( مفتش الضرائب..)،بالمعلومات المقدمة في تصريح
معين( كأن يعتبر التصريح جاء خاليا أو ناقصا من العناصر التي تفيد في تحديد وعاء
الضريبة).
و هذا الأسلوب كان هو
الأسلوب العادي قديما،أما اليوم فيلقى معارضة شديدة، لذلك لا يتم اللجوء إليه، إلا
في حالات استثنائية،و كإجراء عقابي، ضد المكلفين الذين يمتنعون عن تقديم إقراراتهم
في الوقت المناسب.و هو أسلوب تلجأ إليه الإدارة الجبائية في حالة تماطل أو امتناع المكلفين ، بقصد أو بغير قصد، عن
تقديم التصريحات المطلوبة منهم خلال
الآجال المحددة قانونا.أو عندما يقدموا إقرارات ناقصة أو مزيفة[16].
و يتحدد الوعاء في هذه
الحالة،بناء على المعطيات و المعلومات المتوفرة عند الإدارة الجبائية عن الملزم،سواء
فيما يتعلق بسنة أو سنوات سابقة أو السنة موضوع الإقرار.
غير أنه، قبل سلوك أسلوب
التقدير المباشر( بصورة تلقائية)،ألزم المشرع الإدارة بضرورة تبليغ المعني بالأمر،
تبليغا قانونيا،بما تنوي هذه الأخيرة فعله،و تدعوه إلى تقديم إقراره داخل أجل
شهر...من تاريخ التوصل. و حتى إذا لم يستجب لتلك الدعوة، تخبره مرة ثانية، بوضع
إقراره داخل أجل شهر من تاريخ التبليغ، و تطلعه على الأسس الجديدة المنوي اعتمادها
في فرض الضريبة في حقه، بصورة تلقائية (Taxation d'office).
و تعتبر ضمانة التبليغ، من
الإجراءات الجوهرية التي يجب على الإدارة الجبائية احترامها، لمساسها بحق الدفاع.و
قد رتب القضاء على خرقها، بطلان مسطرة فرض الضريبة( بالصورة التلقائية).
بقي علينا أن نشير، في ختام
هذا الحديث عن التقدير، إلى أن المشرع الجبائي، يعمل دائما على الملاءمة بين نوعية
الأوعية و أساليب تقديرها؛فعندما يكون من الصعب تقدير الأوعية،( كما في الدخول
الزراعية و المهن الحرة)،فإن المشرع يخضعها للتقدير الجزافي.بينما الأوعية التي
يسهل تقديرها كالدخول الآتية من الأجور، و المرتبات، و الدخول العقارية؛فيخضعها
للتقديرات المؤسسة على تصريحات الملزمين أنفسهم أو تصريحات الغير(أرباب العمل..).
إلا أن فعالية هذه
الأساليب، من وجهة نظر المكلف، لا تعتمد على سهولة أو صعوبة التقدير فقط، و لكن
تعتمد أيضا على إجراءات مراقبة صحة أو دقة التقديرات، التي يمكن للإدارة القيام
بها:فقد تكون هناك إمكانيات لأكبر للتهرب من الضريبة في نظام الإقرار، أكبر بكثير
من النظام الجزافي.
[1] هناك فئات من المكلفين
بالضرائب، يجدون صعوبة كبيرة في تقديم تصريحات سنوية مفصلة،لعدم توفرهم على
الإمكانيات التي تساعدهم على التقدير الصحيح و الدقيق لدخولهم.و من هنا، أوجدت
التشريعات الضريبية حلولا لهذه الحالات، من خلال العمل بما يسمى بالتقديرات
الجزافية.
[2] و يتوج التفاوض؛ باتفاق يسري على الخاضعين للضريبة، و المنتمين لقطاع
أو نشاط اقتصادي معين، كالاتفاقية الجبائية، مع الجزارين، أو الخبازين،أو الفلاحين.
فبالنسبة للفلاحين، مثلا، لا تفرض الضريبة على دخل الفلاح الفعلي أو
الحقيقي،الناتج من قطعة أرض معينة، و إنما على دخل مقدر (بشكل تقريبي)،بناء على
تقديرات لجان إدارية متخصصة.و هذا التقدير، بالنسبة لبعض المهن و الحرف،لا يكون كل
سنة، و إنما لكل عدد من السنين، لأنه يتطلب وقتا وجهدا و تكاليف، ليس من السهل
تحملها كل سنة،كما أن المداخيل بالنسبة لتلك المهن قد تكون ثابتة على المدى
القصير.أما بالنسبة للفلاحة،فقد يختلف المحصول الزراعي من سنة لأخرى، و من ثم يصبح
من الضروري إجراء التقدير كل سنة. و لهذا نصت المادة (49) من مدونة الضرائب، على أن الربح
الجزافي في الأراضي المزروعة، تُقدّر عليه الضريبة بضرب "تقدير الربح الجزافي
لكل هكتار مزروع"، في عدد الهكتارات( المساحة) المزروعة.و تقوم لجنة محلية،
على مستوى كل جماعة، و في كل سنة زراعية، بتقدير الربح الجزافي للهكتار.
و الحاصل هنا،و هذا ما يجب الانتباه إليه، أنه في
التقدير الجزافي، لا يطلب من الملزم بالضريبة، تقديم تصريح بدخله
"الحقيقي" إلى الإدارة،لتناقشه فيه، و تتحقق من صحته..كما هو الحال في
نظام الإقرار أو التصريح.
[3] ففيما يتعلق بالضريبة على الدخل المهني، تنص
المادة (40):" يحدد الربح الجزافي بضرب رقم أعمال كل سنة مدنية في معامل يخصص
لكل مهنة وفق البيانات الواردة في الجدول الملحق بهذه المدونة..".و نصت
المادة (41) على أن تطبيق نظام الربح الجزافي ، نظام اختياري، يجب أن يعبر عنه
الخاضع للضريبة داخل آجال محددة (المادة 44) و يجب (حسب المادة 42) ألا يقل مبلغ
الضريبة، الذي يؤدى وفق نظام الربح الجزافي في الدخول المهنية الخضعة لضريبة
الدخل، عن حد أدنى معين..
[4] يمكن للشركات أيضا، أن تخضع للضريبة بأسعار
جزافية.تنص المادة (16) من المدونة العامة للضرائب، على أنه:" يجوز للشركات غير المقيمة [=
ليس لها مقر أو فروع في المغرب] المبرمة
معها صفقات أشغال أو بناء أو تركيب أن تختار، حين إيداع الإقرار المنصوص عليه..أو
بعد إبرام كل صفقة الخضوع للضريبة الجزافية على مجموع مبلغ الصفقة بالسعر المنصوص
عليه في المادة 19 III ألف أدناه..".
و تنص المادة (19)، في بندها III
ألف، تحت عنوان( سعر و مبالغ الضريبة الجزافية): " يحدد سعر و مبالغ الضريبة
الجزافية كما يلي:
ألف 8% دون
احتساب...فيما يخص الشركات غير المقيمة ، المبرمة معها صفقات...التي اختارت
الضريبة الجزافية؛
باء- مقابل القيمة بالدرهم لمبلغ خمسة و عشرين ألف
(25000) دولار أمريكي في السنة، بناء اختيار، مع الإبراء من جميع الضرائب و الرسوم
الأخرى المفروضة على الأرباح و الدخول بالنسبة للبنوك الحرة(Offshore Banque )؛
جيم- مقابل القيمة بالدرهم لمبلغ خمسمائة (500) دولار
أمريكي في السنة، مع الإبراء من جميع الضرائب و الرسوم الأخرى المفروضة على الأرباح أو الدخول بالنسبة للشركات القابضة
الحرة(Holding Offshore).
[5] تنص المادة (32) من المدونة العامة للضرائب، على
:"..غير أن في إمكان الخاضعين للضريبة [على الدخل المهني] الذين يزاولون نشاطهم بصفة فردية أو في إطار شركة
فعلية أن يختاروا..الخضوع للضريبة على الدخل وفق..نظام الربح الجزافي..".
[6] "La déclaration contrôlée est une méthode d'évaluation
fiscale réelle -souvent appelée évaluation , par laquelle le contribuable
évalue lui-même la matière imposable et la déclare , l'administration fiscale
procédant aux contrôles nécessaires.. ": G.Gest-art " Déclaration
Fiscal"-in:D.E.F.P-op.cit-p p 562.
[8] فيما يخص التصريح بالأرباح، فيما يتعلق
بالشركات، تنص المادة (20) من المدونة العامة للضرائب، على :" الإقرار بالحصيلة المفروضة عليها الضريبة و برقم
الأعمال:
I- يجب على الشركات سواء أكانت خاضعة للضريبة على
الشركات أم معفاة منها، باستثناء الشركات غير المقيمة المشار إليها في II و III من هذه المادة أن توجه إلى مفتش
الضرائب التابع له مقر الشركة الاجتماعي أو مؤسستها الرئيسية بالمغرب، إقرارا
بحصيلتها الخاضعة للضريبة محررا على أو وفق مطبوع نموذجي تعده الإدارة، و ذلك خلال
الثلاثة (3) أشهر الموالية لتاريخ اختتام كل سنة محاسبية..".
[9] "..عمد المشرع،عند إصلاحه للمنظومة
الجبائية [بمقتضى القانون 06-47]،إلى إدخال مجموعة من التعديلات[... منها] إحلال
نظام الإقرار محل نظام الإحصاء، الذي كان يطغى على غالبية الرسوم المحلية، في ظل
القانون الجبائي رقم 30-89، و ما نجم عن ذلك من غياب تشخيص حقيقي للقدرة التكليفية
للملزمين، و الأخطاء التي كانت تعتري عمليات الإحصاء، و التي طالما كانت تعيق
تطبيق الجبايات المحلية على الوجه المرغوب فيه..":بريح و الخطاب- مسلسل
الاصلاح الجبائي..- م.س- ص 98.
[10] قد يقدم الإقرار من غير المكلف نفسه، كما سبقت
الإشارة إلى ذلك ،فيكلف رب العمل أو المشغل( خاص أو عام) الذي يدفع الأجور أو
المرتبات، بملء الإقرارات المتعلقة بالعمال أو الموظفين العاملين عنده( فيها
معلومات عن الأجور و المرتبات، و عن الظروف الشخصية لكل مكلف..).و يدخل في إطار
الإقرار من الغير أيضا، إقرار الشركات عن الأرباح و الفوائد التي توزعها على حملة
الأسهم، و يكلف مالك المستشفى (الخاص) بالتبليغ عن ما يدفعه إلى الأطباء و
الممرضين مقابل خدماتهم،و الكلية عن التعويضات التي تدفع للأساتدة في إطار "
الساعات الإضافة" أو (vacation)، و هكذا.
و أهم ما يميز هذه الإقرارات، هو صحة المعلومات التي
تتضمنها؛إذ لا مصلحة لها- من حيث المبدأ-، في إعطاء معلومات غير صحيحة.انظر:
السويسي-م.س-ص 110؛رفعت المحجوب- م.س- ص ص 135-36.
[11] "..فإقرار بعض العقوبات الصارمة إلى حد
يجعلها تبدو غير متناسبة، هو أمر لا جدال في كونه يرمي إلى محاربة التصريحات
الكاذبة أو الناقصة،إلا أن الواقع يبين أن دافعي الضرائب الأفضل تنظيما هم الذين
تقع عليهم مثل هذه العقوبات.
" أما أولئك الذين يشتغلون في القطاع غير المهيكل،
فبحكم كونهم غير مرئيين يجعلهم في مأمن من كل عقوبة. و بذلك فإن نظام العقوبة الذي
وضع لمطاردة المتحايلين ذوي النيات السيئة إنما يطبق على دافعي الضرائب ذوي النيات
الحسنة، بسبب أخطاء بسيطة غالبا ما لا يكون لها أي أثر في مداخيل الخزينة.
" كما أن نظام العقوبات الجاري بها العمل لا يشجع
على التسوية التلقائية للوضعيات.فالتأخر في التصريح و الأداء بيوم واحد يترتب عليه
غرامة مالية مجموعها 30 بالمائة( 15
بالمائة عن التأخير في التصريح، و 10 بالمائة عن التأخير في الأداء، و زيادة قدرها
5 بالمائة)، في حين لا يترتب على كل شهر إضافي من التأخير [ عن الأداء] سوى زيادة
قدرها 0.5 بالمائة. و النتيجة أن المصرح الذي يتأخر بيوم واحد عن التصريح لا يبقى
لديه من دافع، يدفعه إلى المبادرة بتسوية وضعيته..":تقرير المجلس الاقتصادي و
الاجتماعي-م.س- ص 25.
[12] في حالة
التصريحات السنوية،مثل التصريح بالدخل في إطار الضريبة على الدخل أو الضريبة على
الشركات،فإن الإدارة الجبائية تخصص مطبوعا خاصا لهذا الغرض، كما سبقت الإشارة إلى
ذلك، يعبئه المكلف بنفسه،أو بواسطة المحاسب ، كل سنة قبل انتهاء الآجال التي حددها
القانون. في بعض الدول فإن المكلف الذي يعتبر أن مقدار دخله غير خاضع للضريبة،
يعفى من هذا التصريح،و طبعا فإن الإدارة تتحقق من هذا الادعاء.
[13] فبالنسبة للدخول و الأرباح الخاضعة للضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين و
المعنويين- الذين لم يختاروا الخضوع للضريبة على الشركات-؛ فتشمل:الدخول المهنية،
و الدخول الناتجة عن المستغلات الفلاحية، و الأجور و الدخول المعتبرة في حكمها،و
الدخول و الأرباح العقارية، و الدخول و الأرباح الناتجة عن رؤوس الأموال
المنقولة ( الأسهم و السندات)( المادة 22 من
المدونة العامة للضرائب).و بما أن جميع أصحاب هذه الدخول،يقدمون تصريحات؛ إلا من
استثناهم القانون-( كأصحاب الأجور، إن كان دخلهم الوحيد هو الأجر)- فمن الطبيعي أن
تختلف المعلومات المضمنة في كل تصريح منها ، حسب طبيعة الدخل؛ الأمر الذي يفترض في
المفتش الذي يراقبها أن تكون له معرفة جيدة بكل هذه الميادين التي يأتي منها دخل
الملزمين بالضريبة، حتى يتمكن من تمييز المعلومات الصحيحة من المزيفة. و هذا أمر
صعب، ما لم تحرص إدارة الجباية على تكوين لجان لفحص التصريحات، و تنظيم دورات
تدريبية مستمرة لموظفيها.
[14] P. Beltrame -art" Assiette (de l'impôt)"- in:Dictionnaire
Encyclopédique de Finances Publiques-op.cit-p 99.
جاء في تقرير لـ " المجلس الاقتصادي و
الاجتماعي"، تحت عنوان " النظام الضريبي المغربي: التنمية الاقتصادية و
التماسك الاجتماعي"(ص 28):..فيما يخص الضريبة على الدخل، لا جدال اليوم في أن
أصحاب المهن الحرة، و مثلهم التجار و الوسطاء، و كل من لهم دخل إضافي غير اجورهم،
لا يتحملون العبء الضريبي ذاته الذي يتحمله الأجراء. و لذلك لا بد من مجهود يفضي
إلى تحقيق التوازن.و هذا يقتضي في الآن ذاته اعتماد مراقبة أكثر صرامة- تقوم على وسائل
الإعلاميات و على عمليات تقاطع إحصائية- و اتخاذ تدابير تحفيزية..".
[15] و لا يجب أن يحول السر المهني، من حيث المبدأ العام، دون هذا الاطلاع.و يمكن
للجهات التي تتحجج أو تمتنع عن تقديم المعلومات، بدعوى الحفاظ على السر المهني، أن
تكتفي بتقديم جزء من المعلومات فقط، و
بالقدر الذي لا يمس بالسر المهني.
[16] راجع المادة (228)،من المدونة العامة للضرائب
تحت عنوان :" فرض الضريبة بصورة تلقائية عند عدم تقديم الإقرار بالحصيلة
الخاضعة للضريبة،أو مجموع الدخل أو الأرباح، أو رقم الأعمال، أو عدم تقديم العقود
و الاتفاقيات"، تنص في فقرتها الثانية":II-
إذا لم يقم الخاضع للضريبة بإيداع أو تتميم إقراره أو عقده، أو لم يدفع المبالغ
المحجوزة في المنبع ...داخل أجل الثلاثين (30) يوما المذكور، أخبرته الإدارة وفق
الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 أعلاه، بالأسس التي قدرتها و التي على أساسها
ستفرض عليه تلقائيا الضريبة..".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق