الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

في التعلم:بين الأستاذ و الكتاب:

في التعلم:بين الأستاذ و الكتاب:

من حيث المبدأ العام،يعتمد التعليم الجامعي على الجهود التي يبذلها الطالب في التعلم و اكتساب المعرفة؛إذ أن الأستاذ لا يوفر للطلبة إلا معلومات قليلة في المحاضرة التي يلقيها.
إلا أن المحاضرات ، لا تغني عن الكتب، و أغلب الطلبة لا يستفيدون استفادة كبيرة منها، و يشعرون دائما، أن المحاضرة تغني عن عشرات، بل مئات من الكتب؛ و ذلك أمر مفهوم؛إذ أن الأستاذ يقدم في المحاضرة ، عصارة فكره و معلوماته و تجاربه.و هذه حقيقة، لم نكتشفها اليوم، و ليست من التراث الذي ورثناه عن " الغرب المتقدم" فقط، بل هي أيضا، حقيقة قال بها العلماء و الكتاب العرب و المسلمون،مئات السنين.. قبل عصر النهضة الأوربي.
و 
في التعلم:بين الأستاذ و الكتاب:
هل يغني الكتاب عن الأستاذ؟؟
كتب عبد اللطيف البغدادي(ت 629هـ/1231م):

أُوصِيكَ ألاّ تأخُذَ العلومَ من الكتبِ و إِنْ وَثِقْتَ من نفسِكَ بالفهم.و عليكَ بالأُستاذِينَ[الأساتذة] في كلِّ علمٍ تطلُبُ اكتسابَه؛ و إن كان الأستاذُ ناقصاً فخُذْ عنه ما عِنْده حتّى تَجِدَ أكملَ منه. و عليك بتعظيمهِ و ترجيبهِ [تعظيمه]، و إن قدِرْتَ (على ) أن تُفيدَه من دُنياكَ فافْعَلْ، و إِلاّ فبلسانِكَ و ثنائك.و إذا قرأتَ كِتابا فاحْرِصْ كلَّ الحِرْصِ على أن تستَظْهِرَهُ و تَمْلِكَ معناه، و تَوَهّمْ أن الكِتابَ قد عُدِمَ و أنّك مُسْتغنٍ عنه، و لا تحزَنْ لِفَقْدِه.و إذا كنت مُكِبّاً على دِراسة كتاب فإيّاك أن تشتغلَ بآخرَ معه (بلِ احرِصْ على ) صَرْفِ الزمانِ الذي تُريدُ صَرْفَهُ في غيره إليه.و إيّاكَ أن تشتغلَ بِعِلْمينِ دُفعةً واحدةً، و واظِبْ على العلمِ الواحدِ سنَةَ أو سنتين أو ما شاء اللهُ، فإذا قَضَيتَ منه وَطَرَكَ فانتقِلْ إلى علمٍ آخرَ.
و لا تظُنَّ أنّك إذا حَصَّلْتَ عِلْماً فقدِ اكتفيتَ،بلُ تحتاجُ إلى مراعاته لِينمى [يزداد] و لا ينقُصَ؛ و مُراعاتُه تكونُ بالمذاكرةِ و التفكّر و اشتغال المُبْتدئ بالتحفُّظِ و التعلّم و مُباحثة الأقرانِ و باشتغال العالمِ بالتعليمِ و التَصنيف[التأليف=البحث العلمي].....و من لم يَعْرَقْ جبينُه إلى أبوابِ العُلماء لم يُعْرِقْ في الفضيلة، و من لم يُخْجِلوه لم يُبَجِّلْهُ[التعظيم] الناسُ، و من لم يُبَكِّتُوه[يوبخوه]لم يُسَوّدْ[يصبح سيدا]، و من لم يحتملْ ألَمْ التعليمِ لم يَذُقْ لَذّةَ العلمِ..
***
اقتبسه د.عمر فروخ- تاريخ الأدب العربي-ج3ص ص506-7).
في التعلم:بين الأستاذ و الكتاب:
أوصيك أن تأخذ العلم من الأستاذ مباشرة..و بالله التوفيق

إن الشروح بين الأقواس العادية،من وضع المرحوم الأستاذ فروخ (1906-1987).أما الشروح بين الأقواس المعقوفة ، فمن إضافاتي( أنا ع.السويلمي).

الجمعة، 18 أكتوبر 2013

منهجية نظم القصيدة عند العرب

منهجية نظم القصيدة عند العرب

كان أبو الحسن محمد بن طباطبا العلوي ( ت 322هـ/934م)، شاعرا و ناقدا مشهورا، من أشهر مؤلفاته كتابه "عيار الشعر"، الذي جعل فيه مقدمة في نقد الشعر، بين فيه "..أهمية استكمال عُدة الشعر قبل نظمه، و على ترديد النظر فيه بالتنقيح بعد نظمه.."[1].
منهجية نظم القصيدة عند العرب
و نقتبس فيما يلي، جزءا من هذه المقدمة، لعلاقته بالمنهجية..
قال ابن طباطبا العلوي،في الطبع و أدوات الشعر
...فمَن صحّ طَبْعُه و ذوقُه لم يَحْتَجْ إلى الاستعانةِ على نَظْمِ الشعر بالعَروضِ التي هي ميزانه، و من اضْطَرَبَ عليه الذوقُ لم يَسْتَغْن من تصحيحه و تقويمه بمعْرِفةِ العروض و الحذق به[في علم الشعر].
و للشعر أدواتٌ يجب إعدادُها قبل مِراسِه و تكلّف نظمه: فمن تعَصّتْ عليه أداة من أدواته لم يَكْمُلْ له ما يتكلّفه منه، و بان الخللُ في ما يَنْظِمهُ، و لَحِقَتْه العُيوبُ من كل جهة.
فمنها التوسّع في علم اللغة و البراعة في فَهْم الإعراب و الروايةُ لفنون الآداب و المعرفة بأيام الناس و مناقِبِهمْ و مَثالبهم و الوقوفُ على مذاهب العرب في تأسيس الشعر و التصرّف في معانيه – في كلّ فنّ قالته العرب فيه – و سلوكُ مناهجها في صِفاتها[الأوصاف، أحد فنون الشعر] و مخاطباتها.... و إطالتها و إيجازها....  و عُذوبة ألفاظِها و جَزالةِ معانيها و حسنِ مباديها و حلاوة مقاطعها و إيفاء كلّ معنىً حظّه من العبارة و إلباسه ما يُشاكله من الألفاظ حتّى يَبْرُزَ(الشعر) في أحسنِ زيٍّ و أبهى صورة (و) حتّى لا يكونَ مُتفاوتاُ مَرْقوعاً، بل يكونُ كالسبيكة المُفْرَغة[2] و الوَشْيِ [ التطريز] المُنَمْنَمِ [ المزخرف،زخرفا دقيقا على نظام معلوم] و العِقْد المنظّم و اللباس الرائق فتُسابقُ معانِيه ألفاظَه فيلتذّ الفهم بحسن معانيه كالتذاذِ السمِع بمُونِقِ[3] كلامه....
فإذا أراد الشاعرُ بناء قصيدةٍ مَخَضَ[4] المَعْنى الذي يريدُ بناء الشعر عليه في فكرهِ نثراً و أعدّ له ما يُلْبِسُه إياه من الألفاظ التي تُطابقه و القوافي التي توافقه و الوزنِ الذي يَسْلَسُ[ يلين و يسهل ] القولُ عليه.فإذا اتّفق له بيتٌ يُشاكل[ يشابه، يوافق] المعنى الذي يَرُومُه[يطلبه] أثبتَه و أعملَ فِكْرَهُ في شَغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تَنْسيقٍ للشعر و ترتيب لفنون القول فيه، بل يُعَلّق [ يُثبت،يدوّن] كل بيتٍ يتّفق له نظمُه على ( ما يمكن أن يكونَ من) تفاوت[ تباين] بينَه و بينَ ما قبله.فإذا كَمُلَتْ له المعاني و كَثُرت الأبياتُ وَفّق بينها بأبياتٍ تكون نِظاماً لها و سِلْكاً جامعاً لما تشتّت منها[5].ثم يتأمّل ما قد أدّاه إليه طبعه و نتيجةَ فكرته فيستقصي انتقاده و يَرِمّ[ يصلح] ما وَهَى [ضعف] منه و يُبَدّل بكل لفظةٍ مُسْتَكْرَهة لفظةً سهلةً نقيّة. و إن اتّفقتْ له قافيةٌ قد شَغَلها في معْنًى من المعاني و اتّفق له معنًى آخرُ مضادٌّ للمعنى الآخر – و كانت تلك القافيةُ أوقعَ [أكثر موافقة] في المعنى الثاني منها في المعنى الأوّل – نقَلَها إلى المعنى المُخْتار الذي هو أحسنُ و أَبْطَلَ ذلك البيتَ أو نقَضَ [هدم] بعضه  و طَلَبَ لمعناه قافيةً تشاكله...




[1]  عمر فروخ- تاريخ الأدب العربي – م. س – ج2 ص 421. و الجدير بالذكر أن الشروح الواردة في متن النص( بين الأقواس المعقوفة)، و كذا أغلب الشروح في الحواشي، مقتبسة عن هذا المرجع.
[2]  القطعة المصبوبة  من المعدن،دفعة واحدة؛ حتى لا يعرف أحد من أين تبتدئ و لا إلى أين تنتهي.
[3]  المونق:الجميل الذي يسر العين.
[4]  مخض فلان اللبن:وضعه في وعاء ثم حركه، حتى ينفصل الزبد من المخيض ( الماء الباقي بعد انفصال الزبد).
[5]  هذه الأبيات هي الإشكالية المركزية و الإشكاليات الفرعية( التشديد مني أنا ع.السويلمي).

الثلاثاء، 14 مايو 2013

كلية الحقوق..وحديث الذكريات..و معنى القانون


 كلية الحقوق..وحديث الذكريات..و معنى القانون

في الشهر الماضي[يونيو 1980] احتفلت كلية الحقوق في جامعة القاهرة بمرور مائة سنة على إنشائها..فهي أقدم كلية  من نوعها في العالم العربي و الشرق الأوسط.
كلية الحقوق..وحديث الذكريات..و معنى القانون
جامعة القاهرة
و لعل خريجيها، من كل أبناء العالم العربي، و خريجي حقوق " الاستانة" أو القسطنطينية، أيام كانت عاصمة الإمبراطورية العثمانية المسيطرة على العالم العربي كله سوى مصر[و المغرب الأقصى]، هم الذين قادوا و شكلوا السياسة في كل العالم العربي خلال حقبة طويلة من الزمن..ربما سادت[حتى/لولا] هزيمة حرب فلسطين الأولى سنة 1948،إذ بدأ حكم "الحقوقيين" يتزعزع و يتراجع، بعد أن طغى السيف[حكم العسكر=الانقلابات العسكرية التي شهدها العالم العربي في الخمسينات و الستينات من القرن العشرين] على القانون.
كلية الحقوق..وحديث الذكريات..و معنى القانون
جمال عبد الناصر، الذي تزعم أشهر انقلاب عسكري في التاريخ العربي المعاصر( في 23
يوليوز 1952)، و هو الانقلاب الذي انقلب بدوره إلى ثورة سنة 1956
و ربما كانت هزيمة 1948 ذاتها هي التي أقنعت العرب[الضباط الأحرار في مصر، بقيادة جمال عبد الناصر ..مثلا؟] زمنا طويلا بعدم جدوى القانون أمام السيف، مهما كانت القضية عادلة [القضية الفلسطينية مثلا].
 و إن " الحق فوق القوة، و الأمة فوق الحكومة" كلمة جميلة أطلقها أشهر حاملي شهادات القانون، سعد  زغلول، اهتزت بها أعواد المنابر زمنا..و لم يهتز بها شيء آخر بعد !
و كم كنت حزينا،لأنني كنت بعيدا عن القاهرة يوم احتفلت كلية الحقوق بالعيد المئوي لها.ذلك انني أحد خريجي تلك الكلية العتيدة، التي طبعت موجات الأثير على جدرانها عددا من أعظم الأصوات التي عرفتها مصر و العروبة.و إذا كنت لم أشتغل بالقانون إلا قليلا، إلا أن الأثر الذي تتركه كلية الحقوق في نفس تلميذها لا ينمحي،إذا كان قد دخلها عن حب و شغف، لا عن طريق تقليعة " مكاتب التنسيق".ثم انني إذا كنت قد تركت العمل بالقانون إلى مهنة الكتابة و الصحافة بعد حوالي خمس سنوات فقط ، إلا أنني ما اكتشف فجأة أنني مازلت أشتغل بالقانون من ناحية،ربما تركت ما نسميه "بالقانون الخاص"، و هي القوانين المدنية و الجنائية و غيرها،إلا أنني بقيت – ككاتب – على صلة دائمة بما نسميه " القانون العام": أي الاقتصاد و العلوم السياسية و القانون الدولي و القانون الدستوري و القانون الإداري..أي القوانين التي تنظم حياة المجتمعات و الشعوب و الدول،و ليس الحياة الخاصة للأفراد...كما هو الحال في كل ما نسميه "القانون الخاص"...
و لكن الأهم من ذلك، أنني فعلا اكتشف عادة انني مازلت اشتغل بالقانون،لأنني دائما أجد نفسيا متلبسا بالتفكير في أي موضوع بطريقة "قانونية".أو بطريقة متأثرة بالتفكير القانوني إلى حد بعيد.
ذلك أن دراسة القانون تعلم المرء طريقة خاصة في التفكير.تزود صاحبها بما يشبه "الترموستات" أو منظم درجة الحرارة،يقرأ الإنسان في الآداب، و يحلق وراء الفنون ، و يجوب آفاق الفلسفة..و هذه أشياء ربما كانت هي جوهر الفكر، و لكن من درس القانون – فيما يخيل لي – يجوب هذا كله و قد ربطه التفكير القانون إلى أرض واقعية معينة.فهو ينظم تفكيره، و يضع في صدره ميزانا دائما يزن به كل ما يعرض له من أفكار و أمور. و يخلصه من تيارات " الفن للفن " و " الفكر للفكر".في حين يربطه بأن الفن للحياة، و الفكر للحياة،و السياسة للحياة، و كل شيء وبدءه و منتهاه الحياة و الناس. و أن الرؤية المتأثرة بالقانون هي الفرق بين أحلام اليقظة و أحلام التطبيق. أو بين تهويمات الخيال و رؤى الحقيقة.
و لست هنا أفاضل بين شيئين،فحياتنا بلا أحلام لا تساوي شيئا.و بغير الأحلام ل تتحقق الأشياء العظيمة.و لكن حياة تقوم على الأحلام هي بالونات ملونة تطير في الهواء و تضيع، و ليست مركبات فضاء  محددة الغرض، محكمة التوجيه.
ثم..هل هناك قضية دارت حولها حياة المجتمعات الإنسانية منذ نشأت، و لا تزال، أكثر من قضية " الحق و الواجب ؟ " و هي قضية القانون. و أليس القانون هو الوسيلة البشرية لتنظيم الحياة..ابتداء من تنظيم حركة المرور في الشارع إلى علاقات الدول ببعضها البعض في البر و البحر و الفضاء ؟
كل إنسان يتفتح وعيه على شيء مختلف.هكذا الحياة. لو كانت زهورها بلون واحد، و أشجارها بطول واحد، لفقدت جمالها، بل لصارت جحيما.و نفس الحال في البشر. لو كانوا على شاكلة واحدة و نمط واحد لفقدت الحياة مذاقها بل وربما مغزاها.و الإخوة في البيت الواحد، كثيرا ما يتباينون رغم كل عوامل الوراثة الواحدة و التربية الواحدة..
بالنسبة لي..لا أذكر مهما حاولت التذكر أن أمرا استبد بي منذ البداية أكثر من تلك القضية، الحق و الواجب، الظلم و العدل، و بالتالي الأداة في كل هذا و هي القانون.
و كانت ترجمتها في سن المراهقة هي الشغف الهائل بحضور القضايا الكبرى،و الاستماع إلى المرافعات الرنانة.و كنت إذا قرأت عن محاكمة سياسية كبرى حدثت منذ عشرات السنين، ذهبت إلى دار الكتب، و طلبت مجلدات صحف تلك الفترة لأقرأ القضايا و المرافعات و مناقشات المحكمة كاملة بالتفصيل. و كان كل تاريخ مصر الوطني في الفترة السابقة[ قبل الثورة المصرية لسنة 1952؟ ] في يد المحامين، و كانت المحاكم إحدى أهم ساحات الكفاح.
و كنت أرى نفسي و أنا صبي في شتى الأدوار داخل تلك الحلبة الرائعة:قاعة المحكمة.أحيانا ذلك القاضي الجالس على عرشه، أو ذلك المحامي بصوته المدوي، و أحيانا المتهم الواقف في قفص الاتهام في ثبات بوصفه بطلا و سبب تلك الدراما كلها !

و استقر رأيي على أن أكون قاضيا.فهذه الهيبة و الرهبة. و هذه الدقة و المتابعة و اليقظة. ثم أخطر و أصعب شيء:حين يخلو إلى نفسه، و قد سمع أقوى الحجج من الجانبين، و عشرات الشهود المتناقضينـ و كيف يمسك من وسط هذا كله بخيط الحقيقة،و تصدر من فهمه الكلمة حاسمة و نهائية.
على أنني حين دخلت كلية الحقوق فعلا، دخلت في الواقع الجامعة بأكملها، و تفتحت أمامي مع سنوات الشباب كل فروع المعرفة.و كنت أحضر محاضرات كلية الحقوق و كلية الآداب و أحيانا غيرها.و تلك ميزة الجامعة.إنها تعطيك كل المفاتيح.هذا ما يفرقها عن المدرسة. و حين يقرأ المرء الأدب و الفلسفة و مذاهب الفكر المتلاطمة يجد أن العثور على الحقيقة ليس سهلا.بل إنه يكاد يكون مستحيلا ؟ هذه مجالات تعلمك أن لكل رأي ألف وجه، و أن كل موقف له ألف تفسير.و أن المذنب قانونيا قد يكون هو البريء فكريا أو اجتماعيا أو حتى فلسفيا. و وجدت أن مهنة القضاء صارت لا تناسبني.إنها مهنة مستحيلة.أي عذاب و أرق و ألم يكابده المرء حتى يقول " هذه هي الحقيقة " ! مستحيل..إنها ضد طبيعتي،عمل كل الموازنات، و حساب كل الاعتبارات، سوف يفضي بي إلى الشلل...
و اتجه ذهني إلى ذلك المترافع البليغ.إنه يأخذ جانبا واحدا و يحاول إثباته. و هذا أمتع و أسهل و أفخم حتى لو كان يدافع عن قاتل.فقد قرأت أيامها- فيما قرأت من كتب المحامين الكبار – كلمة لمحام إنجليزي كبير يقول " حين يقف المتهم في القفص ، مجردا من كل سلاح، محروما من أي صديق ، و العالم كله يشير إليه بأصابع الاتهام.هنا لا بد أن يقف إلى جانبه شخص.هذا الشخص هو المحامي.و في هذا الموقف يكمن دوره المقدس ! ".ما أعظم هذا !
كلية الحقوق..وحديث الذكريات..و معنى القانون
المحامي

و لكني حين تخرجت من كلية الحقوق، و من الجامعة كلها،لأنني مرة أخرى، كنت أشعر أنني طالب بالجامعة كلها(...)اكتشفت أن مهنة المحاماة هي آخر ما يناسبني ! على الأقل  ذلك النوع من المحاماة.فليس من طبيعتي الانطوائية أن أواجه الجمهور، و أتحدث كأنني على خشبة مسرح !ثم إنني كنت أقل من السن القانونية لممارسة المحاماة ! ثم إن الكلمة المكتوبة صارت أوسع انتشارا من أعظم كلمة تقال في قاعات المحاكم !
و كان حظي من ممارسة القانون أصعب جوانبه،بالنسبة لي: وكيل نيابة.مهمتي أن أضيق الخناق على المتهم، و أن أثبت جريمته، بدل أن أثبت براءته. و مرة أخرى جريمة بالمعنى القانوني، التي قد يكون في نفسي ألف سبب ضد اعتبارها جريمة.
و بعد سنوات قليلة قفزت من زورق القانون بشكله المباشر، إلى زورق الصحافة و الكتابة..و البحث عن الحق و الواجب و القانون بمعانيها الأوسع.
و بعد..
فقد بدأت هذا الحديث و في ذهني أن يكون حديث ذكريات عن أساتذة عظام، حتى و إن خالفتهم الرأي..و لكنني سرت وراء فكرة القانون، ربما لأنها ناقصة في حياتنا،أو لأنها غير مفهومة على وجهها الحقيقي. و لكني قبل أن أستطرد وراء فكرة القانون، استأذن في رواية الذكرى القانونية الوحيدة بعد تفرغي للصحافة...
كان المرحوم عبد الرزاق السنهوري باشا، أكبر عقل قانوني أنتجه العالم العربي في هذا القرن [ العشرين ] بغير شك.و لم ألحق به تلميذا في كلية الحقوق، و إن كانت كتبه ظلت هي الأساس في [أي ] مجال كتب فيه.و إذا كانت شهرته في القانون عالمية، فإنني كنت أراه من أفصح من كتبوا باللغة العربية.فكانت كتاباته القانونية من أرقى الكتابات الأدبية في تقديري.
كلية الحقوق..وحديث الذكريات..و معنى القانون
عبد الرزاق السنهوري( 1895-1971)
و لم أكن – على البعد طبعا – من المعجبين بدوره في الحياة العامة، سواء في آرائه في التعليم كوكيل لوزارة المعارف، أو لتعاطفه مع أحزاب الأقلية ضد حزب الوفد.
فلما تأسس مجلس الدولة لأول مرة، و كان أول رئيس له، قبل ثورة 23 يوليو 52 بسنتين تقريبا، صار بطلا قوميا لدى كل فئات الشعب في مصر.
كانت المعركة السياسية على أشدها قبل الثورة، و كانت معظم المواجهات السياسية تنتهي إلى مجلس الدولة[باعتبارها أعلى محكمة إدارية في مصر]، و كان يصدر أحكاما قضائية بلغت القمة في شجاعتها و نزاهتها، و دقتها في مراعاة القانون، و عمقها في تطبيق " روح القانون "، و هو الأصعب و الأهم.كانت رئاسة مجلس الدولة إحدى التحولات الكبرى في حياة مصر قبل الثورة.
و بعد الثورة ، اقترب منه منصب أول رئيس لجمهورية مصر اقترابا شديدا، و لكن تقلبات الثورات في أيامها الأولى عصفت به، و انتهى معزولا ، جالسا في بيته، غير مسموح حتى بذكر اسمه في صحيفة.
و كنت كاتبا صحفيا مبتدئا. و ذات يوم اتصل بي المستشار المرحوم زكي بك حسين، و كان صديقا لأبي.و قال لي أنه جاء ذكري في حديث مع السنهوري، و أنه أبدى إعجابا بما أكتبه كاسم جديد، و أنه يجب أن يراني. و كان الرجل و قد انسحبت عنه الأضواء لا يزور و لا يزار.
و وجدت في ذلك تشريفا عظيما... و ذهبت لجلسة هادئة في بيته في مصر الجديدة، كان لها وقع التنويم المغناطيسي. و اتفقنا على أن أزوره عصر كل خميس. و قد واظبت على ذلك حتى سافر في مهمة ،حين استعانت به حكومة الكويت.
ذكرت هذه الواقعة،لأنني لم أر في حياتي رجلا تجسدت فيه روح القانون مثل السنهوري.لست أتحدث هنا عن علمه و مؤلفاته و آثاره. و لا حتى عن الحوار معه حين يكون حول القضايا الجدية. و لكن،حتى حين يكون الحديث حول أبسط الأشياء اليومية،يشعر المرء أن هذا الرجل قد " تشرب " روح القانون. حتى عقله لا يتحرك و يعمل في الصغيرة و الكبيرة ، إلا  و قد نهل من هذا المنبع. كان قد ترك الدنيا و السياسة و عواطفها و انفعالاتها و صار عقلا خالصا و ضميرا خالصا.أي حكاية يأتي ذكرها ، لا تلبث، إذا علق عليها ، أن تجدها و كأنها كانت كومة من الأشياء ، و قد انتظمت فجأة ، و وضعت كل جزئية في مكانها بسحر ساحر.
و كان رحمه الله يحثني وقتها على ترك الصحافة، التي لم أبدأها إلا من قريب ، بعد أن عر مني أنني سجلت رسالة دكتوراه في السوربون بباريس ،عن مرحلة من تاريخ مصر السياسي، و كان ميله الغريزي إلى أن بحثا طويلا ممتعا هو أعظم شيء.و لكن التيار جرفني إلى مجرى الصحافة بغير رجعة..
و ما أقل  ما نختار ما نفعله في هذه الحياة...
و لكن.. ماذا عن القانون  و عن روح القانون ؟
كنا نظن في بدء دراسة القانون أنه نصوص. و أن الدنيا تتغير بتغيير النصوص.العدل يسن بقانون، الظلم يزول بقانون.الخطأ يحدد بقانون. و الصواب يحدد بقانون.
كلا...علمتنا الأيام، و علمنا الأساتذة الكبار، أن القانون شيء غير هذا، شيء أعمق و أبعد من هذا بكثير.
القانون الجدير بهذا الاسم هو المعبر حقا عن روح المجتمع، الصاعد من أعماقه، تماما كالتعبير الفني حين يكون صادقا..
بدليل أن هناك مجتمعا فيه قانون غير مكتوب " عادة " أو تقليدا، يعيش قرونا محل احترام الناس و مراعاتهم.
في حين أن هناك قانونا يحمل كل أنواع الأختام .ختم حاكم أو ختم برلمان . و لكنه لا يحظى بأي اعتراف أو احترام من الناس، حتى من يوم صدوره.
ليست كل ورقة تحمل [ختم] سلطة تشريعية أو تنفيذية، قانونا بهذا المعنى.
قانون بمعنى الفرض، نعم.قانون بمعنى قرار السلطة، نعم. و لكنه ليس قانونا ، بمعنى تعبيره عن روح المجتمع، و اتساعه لرغباته و أمنياته، و تجاوبه مع أفئدة الناس في هذا المجتمع.
لذلك ترى أحيانا قوانين تهطل كالمطر، لكن سرعان ما تجففها الشمس، و تمسحها الرياح...
و ترى قناعات الناس ي تصرفاتهم، تسير ي مسالك أخرى تماما...
و نرى قوانين تنقل من الكتب، أو تؤخذ من بلاد شتى متنافرة، كمن ينتقي أصنافا من دكان العطار، و لكنها تبقى غريبة.
هل تورع شجرة بلاستيك مصطنعة، و تثمر؟ مستحيل.
هل تزرع شجرة حقيقية في أي مكان؟ إن كل نبتة لها بيئة و طقس [تحكم] عليها بالعقم أو بالإثمار.
كذلك القانون...
أحمد بهاء الدين
حديث الشهر-العربي- العدد 260
شعبان 1400هـ/يوليو 1980
ص ص6-11
كلية الحقوق..وحديث الذكريات..و معنى القانون

أحمد بهاء الدين(1996-1927)، صحفي مصري و مفكر عربي كبير، غني عن التعريف.رأس تحرير مجلة العربي، بعدوفاة أحمد زكي- رحمهما الله-؛..و لعله كان واحدا من أهم صناع الرأي في العالم العربي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين.اقرأ سيرته، .. في موسوعة وكيبيديا.   

السبت، 27 أبريل 2013

الجامعة كما تصورها المرحوم أحمد أمين

الجامعة كما تصورها المرحوم أحمد أمين


الجامعة كما أتصورها

أحمد أمين

للجامعة – كما أتصور- وظيفتان : وظيفة علمية و وظيفة خلقية، و كلتا الوظيفتين متصلة بالأخرى أتم اتصال؛ فالضعف العلمي يتبعه ضعف خلقي و العكس ، كما أن القوة العلمية تتبعها قوة خلقية و العكس.
الجامعة كما تصورها المرحوم أحمد أمين

فمن الناحية العلمية ارى أن  وظيفتها تخالف الوظيفة العلمية للمدارس الابتدائية و الثانوية؛ ففيهما توجه العناية إلى وسائل التعليم أولا، و كمية من العلم أثبت العلم صحتها ثانيا.أما في الجامعة فوسائل التعليم فيها ثانويةن و إنما القصد الأول إلى البحث العلمي و وضع القضايا العلمية و الأدبية موضع البحث و النظر؛ من أجل هذا لا يمكنك أن تتصور مدرسة ابتدائية أو ثانوية من غير طلبة، لأنه لا يمكن تعليم من غير متعلم؛ و لكن يمكنني أن اتصور دراسة في كلية أو جامعة من غير طلبة، و ذلك بعكوف طائفة من العلماء و مساعديهم يبحثون و ينقبون.بل و لو كان هناك طلبة فالجزء الأهم من الجامعة لا يُقضى بين الفصول، و لكنه يقضى في مكاتب الأساتذة و المكاتب [ المكتبات] العامة و المعامل[ المختبرات].
الجامعة كما تصورها المرحوم أحمد أمين
في التعليم قبل الجامعي؛توجه العناية إلى وسائل التعليم أولا

و قديما قالوا:" العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك".و هذا أكثر انطباقا على العلم الجامعي.

فأستاذية الجامعة- كما أتصورها- نوع من الرهبنة؛ فكما ينقطع الراهب للعبادة في دير ينقطع الأستاذ للعلم و خدمته، أو بعبارة أخرى إن الراهب يعبد الله عن طريق الصوم و الصلاة، و هذا يعبده عن طريق العلم أيضا.

فإذا شغل الراهب بالمال و طرق تحصيله و حب الشهرة و الرياسة و الجاه، فهو راهب فسد، كذلك العالم إذا شغلته العلاوات و الدرجات و حب الشهرة و الجاه، فهو عالم فسد؛ إنما يجب على الامة و الحكومة أن توفرا له وسائل راحته الضرورية التي تتناسب مع تفرغه للعلم و تضحيته لذائذ الحياة من اجل العلم.فإن هو بعد ذلك ضل عن منهجه العلمي، فاللوم عليه.
الجامعة كما تصورها المرحوم أحمد أمين
في الجامعة، يجب أن تعطى الأولوية للبحث العلمي

هذا العالم – في هذا الوضع – قد وطّن نفسه على خدمة العلم، و خدمة الأمة في طريق العلم، و خدمة الإنسانية من طريق العلم، لا غرض له في الحياة إلا ذلك؛ العلم مثله الأعلى، و العلم لذته العظمى، و العلم يشغل أهم جزء من مخه، في أكله و شربه و راحته و رياضته و أحيانا في نومه؛ هو يحب الحقيقة كما أحب المجنون ليلى؛ يرى أنه لا يخفف آلام الإنسانية إلا الإخلاص في الفكر، و الإخلاص للعلم، و مواجهة الحقائق كما تبدو له، كائنة ما كانت و لو خالف الناس جميعا.

من أجل هذا كله تتطلب حياته الاستقلال التام، بل إن الاستقلال له ألزم من الاستقلال السياسي، لأن العلم لا يمكن أن ينهض إلا إذا كان حرًّا؛ و العالم لا يعد عالما إلا إذا عشق الحق، سواء كان ما اعتقده حقيقة يرضي الحكومة أو لا يرضيها، يرضي السياسة أو لا يرضيها.إن كانت السياسة تعترف بأن من وسائلها المشروعة تقريب وجهات النظر، فالعلم لا يعرف ذلك؛ إنما يعرف أن هذا أسود أو أبيض و لا بالدنيا كلها بل و لا بحياته، فكثير ضحوا حياتهم لنظريتهم العلمية.
الجامعة كما تصورها المرحوم أحمد أمين
مبادئ الحريات الأكاديمية..صارت عالمية

هذا ما أتصوره في الأستاذ الجامعي، فإن انحرف عن هذا النهج لم يكن أستاذا بحتاً، بل كان أستاذا و تاجراً.و كل ما في الأمر أنه تاجر بعلمه و الآخر تاجر بسلعته؛ بل هو شر من التاجر البحت، لأنه اتخذ من العلم سلعةن فقلب الوضع، و تاجر في غير متجر.

مثل هذا الأستاذ عزيز، و إذا ظفرنا بواحد من هذا الصنف في كل بيئة جامعية ضمنا نجاحها،لأنه إذ ذاك يصبح مناراً يهتدي به المدرسون و الطلبة في الظلمات؛ هو مثل حي للتضحية، و مثل حي في سمو الخلق، و مثل حي لغلبة المعنويات على الماديات، هو خير على العلم و الخلق جميعا.

هناك عامل آخر في البناء الخلقي الجامعي يعين الأستاذ على تحقيق مَثَله، هو الجامعة ككل، ممثلة في مجالس كلياتها و مجالس جامعاتها و مديرها و إدارتها.

و هي أن تكون متمشية مع الأستاذ في استقلاله، تعمل الواجب بقطع النظر عن كل اعتبار آخر. لا تخدم إلا شيئين: العلم و الخلق، ليست تخدم حزباً سياسيا، و لا تخدم رغبة وزير؛إنما تخدم العلم كعلم عالمي لا وطن له، و تخدم الخلق كخلق إنساني.فإن كان ولا بد من حصر هذه الدائرة الخلقية، فإنها تخدم أمتها ككل، و تتخذ لنفسها مركز النجم في السماء يسترشد به الساري، سواء أكان مؤمناً أم كافراً، و سواء أكان لونه السياسي أبيض أم أسود، تعتقد أنها الجامعة المصرية لا الجامعة السياسية الحزبية؛ فإذا هي موضع التقديس من كل حزب، و موضع الإكبار من كل هيئة.و متى اتخذت هذا الوضع، كانت كل العواطف، السياسية و الحزبية تُهبّ بعيداً عنها و لا تسلمها؛ تهب حولها لا عليها.فإن أريد منها أن تتنحي قِيدَ شعرة عن هذا النهج، قال كل من فيها:" لا" بملءِ فيه، حرة في معالجة مسائلها، حرة في وضع برامجها، حرة في تصريف مالها في حدود ميزانيتهان حرة في معالجة مشكلاتها كما يتراءى لها.

قد تخطئ في ذلك، و لكنها تتعلم من الخطأ كما تتعلم من الصواب، و تسترشد بضلالها كما تسترشد بهدايتها، و هي بهذا تنمو من الداخل لا تنمو من الخارج، تكون كالإنسان يكبر و يترعرع من الأكل الصحي و الهواء الصحي، لا كإنسان يضخم بكثرة الملابس عليه.

إن الجامعة إن فعلت هذا،كانت مثلا للطلبة في تصرفاتهم. إنهم يخجلون أن يتحزبوا إذا كان كل الجو الجامعي حولهم لا يتحزب. إنهم يعودون إلى آبائهم الروحيين إذا لعبت بهم الأهواء.إنهم يسمعون نبضات قلوب أساتذتهم كما يسمعون دقات ساعاتهم.يضبطون بأعمال أساتذتهم أخلاقهم، كما يضبطون على ساعة الجامعة ساعاتهم. أما إن عكس الوضع و سَيّر الخارجُ الأساتذة، و سَيّر الطلبة الأساتذُةَ و الخارجَ،كان ذلك هرما مقلوبا أو كان رجلا يمشي على رأسهن أو كان ضبطاً لساعة المرصد على ساعة رجل الشارع، و في ذلك إنذار بالخيبة.

بجانب أستاذ الجامعة و هيئة الأساتذة و الإدارة عامل آخر كبير من عوامل الخلق الجامعي، هو تكوين رأي عام بين الطلبة يشعر بالواجب و يقدّر المسؤولية؛ و أعتقد ان تسعين في المائة من زلات الطلبة ترجع إلى فقدان هذا العامل الهام؛ فلو ان هناك رأيا عاما يحتقر الطالب، إذا كلم فتاة كلمة نابية أو نظر إليها نظرة شاذة،فهل يجرؤ الطالب على ارتكاب هذا الخطأ؟ و إذا كان الرأي العام بين الطلبة يحتقر الكاذب، و يحتقر المستهتر، و يحتقر الهازل، فما أعظم الإصلاح الذي يرجى من وراء ذلك ![1]
الجامعة كما تصورها المرحوم أحمد أمين
خلال اجتماعات الطلبة، يتشكل الرأي العام الجامعي

إن معظم الزلات الخلقية من الطلبة لا تقع تحت سلطان القانون، فليس القانون يؤاخذ على كذبه، و لا نظرة نابية، و لا كلمة جارحة، و لا ضحكة مستهترة، و لا نحو ذلك من الشرور؛ إنما يترك ذلك كله للرأي الجامعي يعاقب عليه بالازدراء و الاحتقار و المقت؛ فما لم يوجد رأي عام من هذا القبيل و اكتفى بالقانون، فلا أمل في النجاح.

لا بد من الإكثار من اجتماع الطلبة بمناسبات مختلفة يتعرضون فيها للخطأ، و يهيأ الرأي العام فيها للنقد على هذا الخطأ، حتى يتبلور الرأي العام و يأخذ سبيله في سلطانه على النفوس.يجب أن يعوّدوا أن يحكموا أنفسهم بتكوين قضاة منهم يحكمون على زلاتهم و ينفذون قضاءهم بأيديهم و السنتهم.بهذا يسود في الطلبة الشعور بالشرف و الندم على الهفوة.

يجب أن يكون للجامعة تقاليد قد أسست على قانون الشرف، يخشى كل طالب من كسرها كما يخشى من ارتكاب السرقة أو الخيانة.

حكى لي أستاذي المرحوم عاطف بركات باشا، أنه لما سافر في بعثة إلى جامعة من جامعات إنجلترا، و كان حديث عهد بها، دخن في حجرة كان التدخين فيها محرّما، فمرّ بعض رجال الجامعة في هذه الحجرةن و شمّ رائحة الدخاننفسأل: من المدخّن؟ فلم يجب أحد، و لا عاطف بركات، فتركهم الأستاذ و انصرف.قال عاطف باشا:فاحسست أن كل من حولي من الطلبة ينظرون إليّ نظرة فيها شيء كثير من الاحتقار.فمن ذلك اليوم عظم شان الصدق في نفسي، و استفظعت غلطتي، و لم أعد بعد غلى مثلها.

و مما يتصل بهذا بث الروح بين الطلبة بشدة ارتباطهم بكليتهم؛ فيفخرون بأستاذهم الشهير بعلمه و مؤلفاته، و يفخرون بالنابغة فيها من أساتذتهم و طلبتهم، و بانتصار كليتهم في الألعاب و في جميع أفعال البطولة و في ميادين الأعمال الشريفة؛ و يستهجنون أعمال النذالة و السلوك الوضيع، و على الجملة يشعر كل طالب بأنه جزء من كل، يعتز بعزة الكل و يهون بهوانه.
الجامعة كما تصورها المرحوم أحمد أمين


***     ***     ***

أستاذ صالح يقوم مقام المنارة في الكلية، و هيئة صالحة من الأساتذة و الإدارة، و رأي عام من الطلبة له سلطان على نفوسهم، هي أهم ما أرى من عوامل الإصلاح للخلق الجامعي و العلم الجامعي.


الجامعة كما تصورها المرحوم أحمد أمين

المرحوم أحمد أمين
أحمد امين(1887-1954)، باحث أدبي عربي.اشتغل  قاضيا، في القضاء الشرعي لمدة معينة، ثم انتقل إلى التدريس في كلية الاداب بالجامعة المصرية( جامعة القاهرة)،ثم انتخب عميدا لها.له مؤلفات و شهيرة و مفيدة.و نشر مقالات أدبية كثيرة في مجلتي "الرسالة" و " الثقافة"، و جمعها في  كتابه "فيض الخاطر"، الذي ظهر في أجزاء(10) متتابعة قبيل وفاته(انظر: الموسوعة العربية الميسرة-"مادة أحمد أمين"؛ و انظر أيضا موسوعة وكيبيديا).

و المقال الذي بين أيدينا، هو أحد هذه المقالات.. و قد أعيد نشره مؤخرا، ضمن الأعمال الكاملة لأحمد أمين، تحت عنوان : موسوعة الحضارة الإسلامية- دار نوبليس- بيروت 2006-المجلد الحادي عشر- فيض الخاطر(1)- ص ص 61-64.



[1]  و  ما أحوجنا أن ينشأ هذا الرأي العام بين الأساتذة أيضا. و أنا شخصيا أعتقد أن أكثر من تسعين بالمائة من زلات الأساتذة ترجع إلى غياب هذا العامل الرادع.فلو أن هناك رايا عاما مشتركا بين الأساتذة،يجمع على احتقار الأستاذ الذي يتحرش بالطالبات، و يتاجر في النقط، و لا يقوم بواجبه إزاء الطلبة و غزاء زملائه و لا يحترم أحدا،و يستغل سلطاته لتحقيق جرائم يندى لها الجبين،.. لما تجرأ أستاذ على اقتراف "فضيحة" من الفضائح التي نسمع أو نقرأ عنها كل يوم.

السبت، 28 يوليو 2012

الموضوعية و الأمانة العلمية


 الموضوعية و الأمانة العلمية:


هناك رأي منتشر في الأوساط الجامعية، مفاده أن الطلبة و الباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية[1]،يجدون صعوبة في التقيد بمبدأ الموضوعية،فتكون الإشكاليات التي يدرسونها مطبوعة بأفكار و آراء و فرضيات مستقاة من  أوضاعهم و أدوارهم الاجتماعية[2] (المبحث الأول). ليس هذا فقط، بل  إن نسبة كبيرة منهم،تجهل قواعد الالتزام بالأمانة العلمية ( من حيث توثيق المصادر و المراجع)،مما يقلل من قيمة  الأعمال التي ينجزونها ، و يلقي بظلال من شك حول أصولها و أصالتها،  مهما كان الجهد و الوقت و المال،اللذين أنفق فيها (المبحث الآخر).

المبحث الأول: الموضوعية العلمية:

 في  أكثر من مناسبة، في هذه الدروس، نبهت الطلاب إلى أهمية أن يكونوا موضوعيين( في اختيار التخصص الذي يدرسونه،و في التعامل مع أساتذتهم و زملائهم، و أثناء الامتحانات،على سبيل المثال لا الحصر).و سيسمع الطلاب كلمة " الموضوعية"، كثيرا في حياتهم الجامعية ثم المهنية. و سيطالبهم الكثير من الناس، أن يكونوا موضوعيين في حكمهم على الأشياء و الأفكار و الناس.فمن أيسر ضروب النقد التي قد توجه إلى كل طالب أو باحث أو موظف..أو أي إنسان ؛ القول بأنه لم يكن موضوعيا، في تناول هذا الموضوع أو في اتخاذ ذاك القرار.أو أنه انساق وراء العواطف..أو المعتقدات الشخصية .. أو ما شابه هذا:فعندما تقول لأحدهم بأنه لم يكن موضوعيا،يشبه إلى حد كبير التهمة التي توجه للقاضي بأنه لم يكن عادلا و نزيها.
فما هي الموضوعية؟( المطلب الأول)  و ما هي العوامل المؤثرة فيها؟(المطلب الآخر)

المطلب الأول: ماهية الموضوعية:

الموضوعية في اللغة العربية، صفة للموضوعي، و هي مشتقة من "الموضوع" . و "..و بعضهم يقول عن (الموضوعي) إنه المجرد عن هوى النفس، و يقال حكمه على الأمر موضوعيا،أي مجرّدا عن الهوى"[3].هذا ما جاء في "قاموس الهادي إلى لغة العرب"، أما في قاموس" المنجد في اللغة و الأعلام"، فنجد أن الموضوعي هي:" التجرُّد و الحياد في الرأي و الموقف:[فيقال مثلا] من صفات الناقد الأولى الموضوعية..".
و مصطلح الموضوعية حديث النشأة في اللغة العربية[4]، و في اللغات الأخرى أيضا.ففي اللغات الأوروبية على سبيل المثال،لم يعرف المصطلح الذي يقابل الموضوعية، و هو (objectivité=objectivity)[5]، إلاّ في الأزمنة الحديثة. و يخبرنا قاموس(Le Petit Robert) الفرنسي ،أن مفهوم الموضوعي،قد ظهر أولا،ثم صيغ المصطلح المعبر عنه، أي(objectif)، في القرن الرابع عشر.أما مصطلح " الموضوعية"،فلم يظهر بدلالاته القريبة من هذه التي نستعملها اليوم، إلا في بداية القرن التاسع عشر[6].
و لقد ظهر المفهوم ، أعني الموضوعية، أول ما ظهر في حقل الفلسفة، للدلالة على البحث في الوجود الحقيقي للأشياء كموضوعات.أي للتعبير عن "الحوار" بين الفكر من جهة، و الأشياء باعتبارها حقائق خارجية(خارجة عن الفكر و الذهن) من جهة أخرى. أو " الحوار" بين الذات (sujet) و الموضوع(objet)، و بالتالي تصبح الموضوعية في هذا المعنى، هي رؤية "الموضوع" الذي يقع أو يحدث خارج الفكر(العقل)، و باستقلال عنه[7].
 الموضوعية و الأمانة العلمية
الصراع الأزلي= الذاتية..و الموضوعية

بتعبير آخر،فالموضوعية هي عنوان الحقيقة العلمية، أي الحقيقة العامة(universelle)، التي تحظى باتفاق العقول  حولها،و تفرض نفسها عليهم جميعا، مهما تعددت و تنوعت انتماءاتهم أو أهدافهم أو مصالحهم..إلخ.
فإذا توصل العقل إلى إدراك حقيقة ما، لها وجود واقعي،قائمة بذاتها و مستقلة عن الذات التي تدركها، كانت تلك الحقيقة موضوعية.فاليقين الموضوعي يستند إلى أسباب تفرض نفسها على جميع العقول، فإذا كانت القيم الأخلاقية مستقلة عن آراء الأفراد و سلوكهم، كانت تلك القيم موضوعية[8].

 الموضوعية و الأمانة العلمية
هل يمكن الموازنة بين القلب و العق عندما يتعلق الأمر بالموضوعية و الأمانة العلمية؟

و لقد عبّر عن نفس هذه الفكرة ، و لكن بأسلوب آخر، عالم الفيزياء والرياضيات الفرنسي الشهير "جول هنري بوانكاريه" Jules Henri Poincaré)(1912-1854) ،حين قال :" إن ما يضمن الموضوعية في العالم الذي نعيش فيه، هو أن هذا العالم مشترك مع كائنات أخرى عاقلةّ "[9].                                                                          
 الموضوعية و الأمانة العلمية
عالم الرياضيات الفرنسي الشهير هنري بوانكاريه
   
  هذا، و تدرس الموضوعية في العلوم الإنسانية-الاجتماعية، على أكثر من مستوى[10]، يهمنا منها هنا المستوى المنهجي، الذي يتعلق بكيفية تناول و دراسة الموضوعات العلمية.
و على هذا المستوى، فالموضوعية، لو شئنا التبسيط، تعني عدم السماح لذات الباحث- ( لثقافته،و أفكاره، و معتقداته، و مواقفه الاجتماعية..إلخ)- أن تتدخل في الموضوع( قيد الدرس)، و وقوفها على الحياد إزاءه.فأن تكون موضوعيا، معناه "ألا تتأثر بدوافعك ، و عاداتك، و قيمك، و مواقفك الاجتماعية أو الشخصية إلخ، و ألا تسمح لها بأن تؤثر على نتائج بحثك للموضوع المدروس[11].
هذا، و لقد تضاربت آراء العلماء و المفكرين و الفلاسفة، حول إمكانية وجود آراء و أحكام  " موضوعية"،في العلوم( بما فيها العلوم الدقيقة كالرياضيات ،و الفيزياء، و الكيمياء ، و البيولوجيا،..إلخ):فهناك من اعتبر أن باستطاعة العالم – لا بل من واجبه – إقامة حاجز بين أفكاره الخاصة و نشاطه كدارس أو باحث. و اعتبر آخرون أن إقامة هذا الحاجز أمرا مستحيلا[12].
و هذا السجال، في الحقيقة، قديم و ليس وليد الأزمنة الحديثة و المعاصرة.فقد ظهرت مدارس فلسفية منذ القدم، تقول بوجود حقيقة موضوعية ، أي خارجة عن ذات الإنسان المُدْرِك.و مقابلها، ظهرت مدارس فلسفية و فكرية أخرى -  قد تعود في جذورها إلى السفسطائيين اليونان - تقول بأنه من الصعب ، إن لم يكن من المستحيل ، الوصول إلى الحقيقة الموضوعية، فخط تفكير الباحث مرتبط بمثله العليا و معتقداته، و كذلك انتقاء الوقائع و حتى اختيار المواضيع التي يبحث فيها[13].
 الموضوعية و الأمانة العلمية
السفسطائيون الإغريق
و لقد تعرض هذا الاتجاه الفلسفي الأخير، إلى انتقادات شديدة، نظرا لما يترتب عن الأخذ به، من مخاطر كبيرة جدا، على كافة الأصعدة ،أهمها - بكل بساطة- نفي وجود " الحقيقة العلمية". لا بل كل الحقائق الأخرى، مما يجعل الإنسان، كل إنسان، معيارا لقياس كل شيء:ومثل هذه الآراء هي التي أدت إلى ميلاد إيديولوجيات عنصرية و إقصائية، مثل الفاشية و النازية و الصهيونية.

المطلب الآخر: العوامل المؤثرة في الموضوعية:

تتعدد العوامل المؤثرة في الموضوعية و تتنوع،سواء بالنسبة للعلوم عامة ،أو بالنسبة للعلوم الاجتماعية خاصة.
فالإنتاج العلمي،يحتاج إلى تمويل و اعتراف المجتمع به و تأييده له؛ فإن الباحث العلمي مطالب بمراعاة النخب السياسية ، و القوى الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الدينية. بل عليه أن يأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر النخب العلمية أيضا، أو ما يسمى بـ" المجتمع العلمي"(حسب مفهوم "توماس كون). و نذكر فيما يلي أهم هذه العوامل و أكثرها تأثيرا.

الفرع الأول :العوامل الذاتية أو الداخلية:

إذا كانت الموضوعية، هي الوقوف موقف الحياد إزاء الموضوع المبحوث أو المدروس.بيد أنها لا تتأتى (نظريا و عمليا)، إلاّ إذا كان موقع هذا الموضوع خارج الذات( بعيدا عن الإنسان و الإنسانية).أما عندما تكون الذات( ذات الباحث كفرد، أو باعتباره منتميا لجماعة أو مجتمع معين)،فإنه يصبح من الصعب تناول الموضوع بموضوعية.أي يصبح من الصعب على الباحث ، أن يتجرد من أحكام القيمة(jugements de valeur) الدينية، و الأخلاقية، و الإيديولوجية، و الثقافية، و النفسية، و غيرها، التي تشكل فكره.و لا يمكن له أن يتجاوز ما يسمى بـ " السوسيولوجيا الداخلية" أو " السوسيولوجيا الثقافية" للمجتمعات، و الجماعات، أو الطبقات الاجتماعية،التي ينتمي إليها، و التي نجدها في في كل زمان و مكان[14].
 الموضوعية و الأمانة العلمية
كتاب الموضوعية في العلوم الانسانية،لصلاح قنصوه
و يلخص الدكتور قنصوه هذه العوامل الذاتية أو الداخلية، في ثلاث مستويات،هي"الذاتية، و القيمة(أو القيمية)،و الإيديولوجية:" ففي الذاتية يتقوّم موقف الباحث من موضوع دراسته بوصفه فردا و شخصا معينا،بينما يتحدد موقفه في القيمة ( أو التقويم) بوصفه ملتزما بمعايير جماعته و مجتمعه، على حين يتعين موقفه في الإيديولوجية بوصفه متوحدا بجماعته متقمصا لمجتمعه"[15].

الفرع الآخر: العوامل الخارجية:

هذه  العوامل أو الأسباب الخارجية ،أعني على وجه الدقة، العوامل  الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية  ، هي التي يكون لها علاقة بالبيئة الاجتماعية، التي يعيش فيها الطالب أو الباحث، أو ينشر( يعرض، أو يناقش..) فيها نتاجه العلمي.

أولا- العوامل الاقتصادية:

 تؤثر العوامل  الاقتصادية،في المناهج و البرامج الدراسية، و في الامتحانات و المباريات التي يجتازها الطلبة.و تؤثر أيضا في البحوث العلمية التي يجرونها.ففي زمن العولمة الاقتصادية، و هيمنة الشركات متعددة الجنسيات، و انتشار مفاهيم السوق الحرة؛ فقدت الجامعات سيادتها على إنتاج و توزيع المعرفة[16]و أصبح الأستاذ يدرس أجزاء سطحية من المادة العلمية ، لأصناف خاصة من الطلبة ، ليتم تلوينهم بألوان معينة ، تلائم و ترضي أذواق أرباب أسواق الشغل.ثم إن الطلبة و الباحثون (عن الشغل)، يعيدون إنتاج بحوث و دراسات و أجوبة امتحانات و مباريات..إلخ،بنفس المواصفات التي لقنت لهم،.. استجابة لحاجيات/و (أو) مفاهيم السوق.
و من مظاهر هذا التأثير الاقتصادي أيضا، أن الكثير من الباحثين- لا سيما في الدول الأوروبية و أمريكا- ينجزون بحوثهم بتكليف من معاهد و مراكز البحوث و الدراسات الاستراتيجية، و الحكومات، و الجمعيات ،و الأحزاب السياسية، و الصحف و المجلات، و المؤسسات و المنظمات (الحكومية و غير الحكومية)..إلخ،مما يجعل من الصعب على هؤلاء الباحثين التزام الموضوعية و تحري الصدق و الحياد  في عمليات البحث،و عدم التدخل في نتائج البحوث؛ لأن ممولي البحوث يهدفون من وراء أبحاثهم الوصول إلى أغراض معينة،ليس لها علاقة بالعلم بمفهومه الإيجابي.إضافة إلى ذلك، فإن العديد من المؤسسات و الشركات الكبرى(متعددة الجنسيات)، قد أنشأت مراكز للبحوث خاصة بها، و من البديهي أن تكون البحوث ، بل و نتائج البحوث ، مطبوعة بطابع و رغبات و أهداف الجهات الممّولة.
و من مظاهر هذا التأثير أيضا، ما يعرف بإشكالية التمويل الأجنبي للبحوث العلمية في الدول النامية:فلقد استغلت الدول الغنية،ضعف الإمكانيات المالية المتاحة للجامعات في الدول النامية – و منها الدول العربية- ،فبسطت هيمنتها على الجامعات و مراكز البحوث في هذه البلدان، تحت مسميات الشراكة و التعاون..إلخ.

ثانيا- العوامل الاجتماعية و السياسية:

إن الباحث الاجتماعي، حتى لو توخى الموضوعية، فإنه مضطر لأن يأخذ بعين الاعتبار – قبل نشر بحوثه و تعميمها- الواقعين الاجتماعي و السياسي في البلد الذي يعيش (يعمل) فيه،أو ينشر فيه نتاجه العلمي؛ حتى لا يجد نفسه، في نزاع  و صدام مع الرأي العام، و بعض الفئات الاجتماعية النافذة ، أو مع السلطة السياسية(الحكومة). و قد يتعرض الباحث لبعض المضايقات أو العقوبات الأخلاقية،و المتابعات القضائية و الإدارية، إن خرج عن الأعراف و القيم الاجتماعية أو الدينية، أو مس – أو حاول حتى – المس بها [17].من ذلك على سبيل المثال: "..فقد حاولت الكنيسة لفترة طويلة [ في العصور الوسطى ] خنق الاكتشافات التي اعتبرتها مخالفة لمبادئها.و قد فرضت محاكم التفتيش على بعض العلماء أحكاما شنيعة، لعل أكثرها تعبيرا قضية " غاليلي"[Galileo(1642-1564) ].."[18]. و في زمننا المعاصر،أجهضت الحكومات السوفياتية السابقة، كل المحاولات التي قام بها العلماء السوفيت "المنشقون"، لتطبيق المناهج العلمية؛ على دراسة الممارسات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في الاتحاد السوفياتي[19].
 الموضوعية و الأمانة العلمية
غاليلو غاليلي

بل إن التاريخ، يوفر لنا أمثلة كثيرة عن المفكرين و العلماء الذين تعرضوا لأشد أنواع المضايقات و التنكيل، بسبب أفكارهم التي نشروها(الطبري( ت310هـ/923م)، و ابن رشد(ت 595هـ/1198م)،و ابن تيمية(ت728هـ/1318م)،..و غيرهم)،و العلماء الذين اضطروا لتغيير أماكن إقامتهم ، حتى يتمكنوا من نشر آرائهم في مكان آمن (مثل: جان جاك روسو(J.J.Rousseau)(1712-1778)، و فولتير(Voltaire)(1694-1778)، و كارل ماركس(K.Marx)(1818-1883)..، و غيرهم كثير).
 الموضوعية و الأمانة العلمية 
جان جاك روسو
 ثالثا:العوامل المرتبطة بالمجال العلمي:
إن  الباحث في العلوم الاجتماعية و الإنسانية- و حتى العلوم الطبيعية أحيانا- كثيرا ما يضطر إلى تجاهل الحقائق  العلمية التي تفرض نفسها عليه، أو يغير و يعدل في النتائج التي توصل  إليها، حتى تستقيم مع النماذج القياسية للمعرفة العلمية،التي أقرتها النخب، التي تفرض هيمنة على "الثقافة العلمية"/" المنهجية العلمية"/ "المجتمع العلمي"(كلها مسميات لاسم واحد تقريبا)،- في زمان و مكان معينين-، و تصنع المعايير و المقاييس - باعتراف المجتمع أو بتكليف منه(كما هو الحال في الجامعات و نقابات الأطباء و الصيادلة و المهندسين مثلا) -   لتقييم الإنتاج في ميدان من ميادين العلم و المعرفة. و بالتالي قد يجد بعض الباحثين في العلوم بمختلف فروعها،لاسيما الذين لا يحترمون أنفسهم و لا يحترمون العلم، أنفسهم منجرين وراء الآراء السائدة في هذا المجتمع العلمي، خوفا من أن يحكم عليهم هذا الأخير بالإقصاء و الإهمال.

المبحث الآخر : الأمانة العلمية:

و الحاصل،أن الموضوعية ترتبط بمضمون العلوم الاجتماعية-الإنسانية، باعتبارها علوما تدرس المجتمعات الإنسانية، بواسطة " باحث" له علاقات ، في نفس الوقت، بموضوع البحث، و المجتمع. و بالتالي يكون مطالبا بأن يبحث المواضيع و القضايا المعروضة عليه ؛كإنسان ينتمي إلى جماعة معينة تحمل إيديولوجية خاصة بها(ليبرالية، أو اشتراكية، أو إسلامية..إلخ).و يبحثها أيضا كعالم متجرد (من ذاته)،خبير في استعمال كافة التقنيات و الأدوات النظرية و العلمية. و مطالب بأن يكون أمينا مع "المجتمع" أو "مع الإنسانية كلها"، و خاصة مع زملائه العلماء و الباحثين و طلاب العلم و غيرهم، و بالأخص مع الذين يدرسون أو يقرؤون بحثه.
 و لأنه من الصعب التوفيق بين كل هذه المتطلبات؛ لم يعد أحد يشترط توفر الموضوعية المطلقة في البحوث العلمية، لاسيما البحوث في حقول العلوم الإنسانية-الاجتماعية، بل أصبح الجميع يكتفي بطلب توفر شرط  "الموضوعية النسبية"، ممثلة في احترام قواعد" الأمانة العلمية "(المطلب الأول)،و من أهمها التوثيق (المطلب الآخر).

المطلب الأول:قواعد الأمانة العلمية:

إن  نسبة مختلف أنواع المراجع و المصادر،( المنشورة و غير المنشورة)،  التي اعتمد عليها الباحث، إلى أصحابها، هي التي تسمى التوثيق. و هي التي يختزل فيها عادة،مفهوم الأمانة العلمية.
غير أن الأمانة العلمية ، في الحقيقة، هي أعمق و أكبر من أن تختزل في التوثيق وحده، مهما كانت أهميته. فهي تأخذ أبعادا  أخلاقية و علمية أخرى أكبر و أهم،  نشير إلي أهمها في المحاور الثلاث  الأساسية التالية:
أ‌-      تتجلى الأمانة العلمية، في أن يصف الباحث بكل صدق و أمانة ، كل خطوات و إجراءات و مراحل و صعوبات البحث الذي قام به. و أن يقدم النتائج  التي توصل إليها ، بكل صدق و أمانة، دون مراعاة أي اعتبار آخر إلا الحقيقة العلمية..إلخ. حتى يسهل على الباحثين الآخرين(المهتمين بالموضوع)،أن يتحققوا من النتائج التي وصل إليها، و الحكم عليها، و تقييمها من منظور العلم و المنهجية العلمية.و هذا، هو ما يعبر عنه بمصطلح"تبادل الذاتية" أو " الذاتية المشتركة" أو " البين ذاتية"[20](Intersubjectivité=Intersubjectivity)، الذي "..يشير إلى وجود قواعد و إجراءات واضحة تميز خطوات البحث ، بحيث أن قيام باحث آخر بإتباعها سيترتب عليه التوصل إلى النتائج نفسها التي توصل إليها الباحث الأول"[21].
 الموضوعية و الأمانة العلمية
الذاتية المشتركة
ب‌-أن يكون الباحث أمينا مع قرائه،يعني أن بإمكانه "يقدم لهم أوراق اعتماده"، دون خوف أو طمع. أي يُعرِّفهم و يصرح لهم بخلفياته و التزاماته القيمية (الاجتماعية، و الدينية، و السياسية، و الاقتصادية..)، و الظروف التي أنجز فيها البحث( الجهة المموّلة مثلا)؛ حتى يستطيعوا تقدير و تقييم النتائج التي توصل إليها تقييما صحيحا و دقيقا[22]. و هذا هو المعنى الحقيقي للموضوعية، في نظر الكثير من العلماء؛ فالدكتور محمود عودة، يقول بهذا الصدد:ـ
  بصرف النظر عن الجدل الذي يثار حول الموضوعية في العلوم الاجتماعية بشكل عام و علم الاجتماع بشكل خاص، بوصفها علوما قيمية، أو مشحونة بأحكام القيمة، إلا أن تحديد الانتماء الفكري للباحث بشكل واضح، هو الموضوعية بعينها، ذلك لأنه ينظر في هذه الحالة إلى الظاهرة الموجودة موضوعيا بمنظار فكري معين..[23].
و قال "جان مينو"(Jean Meynaud)(1914-1972)، أحد ابرز علماء السياسة الفرنسيين في القرن العشرين،في هذا الخصوص أيضا:
..و علم السياسة ليس وحده الذي يقاسي من هذا التعقيد البديهي[غياب الموضوعية]، فجميع فروع التحليل الاجتماعي تشترك معه في ذلك.و يؤلف هذا التعقيد أحد المشاكل الأساسية التي تعترض البحث العلمي و يقودنا، في بعض الأحيان إلى أن نتمنى على العالم ، أن يحدد في بداية بحثه، و بأقصى ما يمكن من الصراحة، المبادئ الأخلاقية التي يستوحي منها نظرته الاجتماعية.إن هذا الإقرار الصادق لا يلغي الانحراف الحاصل و لكنه يساعد القارئ على حصره و على تقدير مدى تأثيره بسهولة أكبر[24].
 الموضوعية و الأمانة العلمية
جان مينو
ت‌-و أخيرا، و ليس آخرا، أن يحترم الباحث، قواعد التوثيق[25]، ممثلة في ذكر كل المصادر و المراجع التي راجعها و اقتبس منها ،و البحوث السابقة التي اعتمد عليها، أو استفاد منها.
  

المطلب الآخر:القواعد العامة للتوثيق :

كل باحث مطالب ،كي  يكون موضوعيا و أمينا مع نفسه و مع قرائه، بذكر مصادر معلوماته. إذ بدون ذلك، يصعب على المعنيين بالبحث أو الدراسة التي كتبها، التحقق من صحة النتائج التي توصل إليها. هذا من ناحية. و من ناحية أخرى،فإن نسبة الأقوال إلى أصحابها، مبدأ تمليه التعاليم الدينية و الأخلاق العلمية أيضا. فليس من حق الذي يستفيد من جهود غيره أن ينسبها لنفسه، أو يتصرف فيما ينقل أو يقتبس أو يغيره.
و التوثيق، لا يكون صحيحا و دقيقا، إلا إذا رعي فيه مجموعة من القواعد و الشروط  وضعها علماء " البيبلوغرافيا".إلا أنه ليس هناك اتفاق بين الباحثين، حولها.إذ هناك ثلاث اتجاهات كبرى في هذا الصدد :1) التوثيق في الهامش( و في الغالب، يضيف الباحث إلى ذلك، في آخر بحثه، قائمة بالمصادر التي رجع إليها فعلا و أشار إليها في الهوامش، في سياق بحثه)، و 2) التوثيق في نهاية كل فصل أو كل بحث،و 3) التوثيق المختصر في متن النص(و يضاف إلى ذلك قائمة المصادر أو المراجع).
 الموضوعية و الأمانة العلمية
ماهو التوثيق؟
و نحن، نتفق مع الرأي الذي يذهب إلى أن" يخصص المتن لصلب الموضوع و للمعالجة ،و يترك الهامش لذكر المراجع أو الملاحظات"[26].و هذه هي الطريقة المعتمدة في الرسائل و البحوث الجامعية، في التقاليد الأكاديمية الفرنسية(و بعض المدارس الأنجلوسكسونية أيضا)[27].أما الطريقتان الثانية و الثالثة، فتستعملان  في الكتب و الدوريات و في الموسوعات.
و عليه، فسنقصر حديثنا هنا، على ذكر القواعد العامة للطريقة الأولى،لأنها، كما سبق القول هي الطريقة المعتمدة في البحوث و الدراسات الجامعية[28].
أ‌-     كانت أهم قواعد  التوثيق الأصلية، التي وضعها علماء البيبلوغرافيا، تتلخص في عدد قليل من الشروط. تلخصت في تسجيل المعلومات الكاملة عن الكتب(البيبليو=biblio=خاص بالكتب): عن المؤلف، و عن الكتاب، و عن دار النشر، و مكان(بلد) و تاريخ النشر.ثم أضيفت إليها بعد ذلك،بيانات و معلومات أخرى ،عندما  ظهرت أوعية جديدة للمعلومات مثل: الأشرطة المسجلة ، و الأفلام، و الأوعية الإلكترونية( الأقراص المدمجة مثلا)، و الأنترنيت .إلى أن استقرت الأمور اليوم، على التوثيق الذي يتضمن  مجموعة كبيرة من البيانات، كالآتي:
ب‌- اسم المؤلف أو أسماء المؤلفين..و المترجم..و كاتب التقديم إن وجد.
ث‌-و ليس هناك قاعدة متفق عليها في التوثيق العربي،فيما يتعلق بكتابة الاسم العربي، و إن كان هناك اتجاه بدأ ينتشر،يسبّق الاسم العائلي، ثم يتبع الاسم الشخصي و تفصل بينهما فاصلة. أو يوضع الاسم الشخصي بين قوسين بعد الاسم العائلي'.و هذه الطريقة الأخيرة ؛هي القاعدة المتبعة في الأسماء الأجنبية.
ج‌-  و في التوثيق العربي، جرت العادة أن يشار إلى الألقاب العلمية أو الشرفية_الدكتور،و الشيخ،و العميد..).أما في توثيق المراجع الأجنبية، فأغلب الباحثين لا يرون مبررا لذلك.
ح‌-  و أي كانت الطريقة، التي تفضلها، فيجب إن تطبقها من بداية البحث إلى آخره.
خ‌-   عنوان الكتاب(و في حالة العنوان الفرعي، افصله عن العنوان الرئيسي بنقطتي شرح(:) )..و اسم السلسلة التي يندرج فيها الكتاب(إن وجدت)، مع ذكر عدد الكتاب في السلسلة..وعدد المجلدات (إذا كان هناك أكثر من واحد).و يستحسن النص على أسماء المؤلفات الأجنبية بلغاتها الأصلية إن أمكن، و إلا فمن اللغة المقتبس عنها، إلى جانب مقابلاتها العربية.إن لم يتم هذا في الهامش ، عند ذكر المرجع لأول مرة،فيجب أن يتم ذلك في القائمة البيبلوغرافية التي ترد في نهاية البحث.
د‌-    رقم الطبعة (إذا كانت هناك طبعة أخرى غير الأولى(و قد تشير إليها اختصارا بالحرف " ط" و المختصر " ed= éd"، في المراجع الأجنبية).
ذ‌-   معلومات الطبع، و تتضمن: مكان النشر) المدينة التي نشر فيها الكتاب، أو عند الضرورة الدولة)، واسم الناشر( إذا لمر يرد اسم الناشر، تشير إلى ذلك بعبارة"دون ناشر"(د.ن= sans éd).و في حالة تعدد دور و أماكن النشر، يشار إليها جميعها إذا لم تتجاوز الثلاث.
ر‌-  و بعد ، ذكر مكان النشر.. يأتي ذكر تاريخ النشر(و إذا لم يرد في الكتاب إشارة لمكان النشر أو تاريخه، ذكر ذلك بين هلالين:دون مكان(د.م= s.l (sans lieu))،دون تاريخ= s.d (sans date) ).
ز‌- و في الأخير يأتي رقم المجلد إن وجد،و رقم الصفحة[29].
س‌-  و إذا ذكر اسم المؤلف في متن البحث، فلا داعي لإعادة ذكره في الهامش ، بل يذكر عنوان الكتاب فقط:كأن يرد في المتن قال الدكتور إدريس العلوي العبدلاوي، فالهامش يكون كالآتي:المدخل لدراسة القانون- مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء...
ش‌-و إذا ورد اسم المؤلف و عنوان الكتاب في متن البحث، فلا داعي لإعادة أي منهما،فإذا قيل:و تحدث ابن خلدون في مقدمته عن فضل علم التاريخ..، كان الهامش كالآتي: الطبعة السابعة لدار القلم- بيروت 1409/1989[30]- ص ص 9-35(أي من الصفحة 9 إلى ص 35).
ص‌- و إذا لم يكن الاقتباس من الأصل، بل من كتاب اقتبس منه لتعذر الحصول على الأصل مثلا، كان الهامش كالآتي: البلاذري- أنساب الأشراف-..-الجزء الأول- ص13.اقتبسه :د.حسين مؤنس في كتابه :تاريخ قريش-..- ص14.
ض‌- و إذا كان الاقتباس  من مرجع غير مطبوع/منشور أو مصدر ثانوي، و ليس من المصدر الأصلي( ليس من المخطوط أو الوثيقة غير المنشورة، و إنما من كتاب اقتبس منه) ، كانت الإحالة أو التوثيق كالآتي: رسالة السلطان سيدي محمد  إلى محمد بركاش، و هي توجد في: ابن زيدان-" إتحاف أعلام الناس  "-الرباط ...–ج3ص 442-3.
ط‌-   إذا تكرر مرجع في نفس الصفحة، بدون فاصل(أي دون أن تفصلهما إحالة على مرجع أو مصدر آخر..)،فإنه يذكر في المرة الأولى كاملا(أي بجميع التفاصيل) ،و في المرة الأخرى يذكر هكذا: نفس المرجع- ص..أو :المرجع السابق..أو : المرجع الذي سبق ذكره.
ظ‌-  و قد يشار إلى المرجع بذكر اسم المؤلف أو الكلمة الأولى من اسمه العائلي ( او شهرته)، متبوعا بنقطتين أو ثلاث، ثم عارضة، ثم المرجع-ثم الجزء( إن كان يتكون من عدة أجزاء)، و أخيرا رقم الصفحة.مثلا:قنصوه- الموضوعية..- ص.
ع‌-  و إذا تكرر  ذكر المرجع الأجنبي، دون فاصل أيضا،في نفس الصفحة، أشير إليه، هكذا:
Ibid.p(Ibidem =  كلمة لاتينية بمعنى :نفس المكان)
غ‌- أما المختصر(Id( Idem ،و هي كلمة لاتينية معناها:نفس الشيء.فتستعمل لتفادي تكرار (تسجيل) نفس المعلومات المتعلقة بالمؤلف (أو المؤلفين)، الواردة في الإشارة البيبلوغرافية  السابقة.فهي تحل محل اسم المؤلف، عند تتابع كتبه.مثال ذلك:Laroui( A)-L’Algérie et le Sahara marocain-..
Idem- Le roi Hassan II  et l’édification du Maroc moderne-in….     
ف‌- و إذا وجد فاصل واحد أو أكثر بين مرجعين لنفس المؤلف؛ ففي حالة المرجع العربي، تكون الإحالة:
ق‌-  *  الدكتور سليمان الطماوي - الوجيز في القضاء الإداري العربي..
ك‌-  ** الدكتور عبد القادر باينة-القضاء الإداري: الأسس العامة و التطور التاريخي...
ل‌-  ***  الطماوي– المرجع السابق أو المرجع الذي سبق ذكره( يشار إليه مختصرا بـ: م.س أو م.س.ذ).
م‌-    و في حالة المرجع الأجنبي ، يستعمل المختصر(Op.cit )، و أصله الكلمة اللاتينية (Opero citato  )،و تعنى(ذكر في هذا الكتاب المقتبس عنه=أو في هذا في العمل المقتبس عنه).و غالبا، ما يكون مسبوقا باسم المؤلف، و دائما متبوعا برقم الصفحة مصدر بالاقتباس.
ن‌-  مثال:L-M.Morfaux- vocabulaire de la philosophie et …-p
ه‌- M.Beaud-L’art de la thèse-…p
و‌-   Morfaux-op.cit,p                
ي‌- و إذا كان الاقتباس الثاني، من نفس الصفحة (أي من نفس الكتاب أو الجزء أو المجلد)،و دون فاصل،فتكون الإحالة على المرجع العربي كما يلي:
أ‌أ‌-    * الدكتور محمد معتصم – الحياة السياسية المغربية (1962-1991)- مؤسسة إيزيس للنشر-الدار البيضاء 1992- ص 15.
ب‌ب‌-                ** نفس المكان.
ت‌ت‌- و في حالة المرجع الأجنبي، تكون الإحالة، باستعمال المختصر ( Loc cit)،و أصلها الكلمة اللاتينية ((loco citato و معناها التقريبي:في  "المكان المشار إليه".و من طبيعة الحال، لا داع للإشارة، إلى رقم الصفحة مع هذا المختصر.
ث‌ث‌- و إذا كان المؤلف يشير إلى أفكار أو آراء تتردد و تتكرر في أمكنة متعددة من المرجع، يجوز ألا يذكر رقم الصفحة أو صفحات محددة،و أن يكتفى بالقول:
ج‌ج‌-                   * ابن خلدون- المقدمة- في أمكنة متعددة(ففي كل مكان من هذا الكتاب،مثلا، نجد المؤلف يتناول العلاقات بين مفهومي العصبية و الملك).
ح‌ح‌-                   **  فإذا كان المرجع أجنبيا ، استعملت الكلمة اللاتينية Passim بمعنى "هنا و هناك".
خ‌خ‌-  و بعض المؤلفين يحيلون على مصادر أو مراجع، باستخدام  تعابير مثل:" تفضل بالرجوع إلى" أو "راجع" أو "انظر". و في المراجع الأجنبية، تستعمل الكلمة الموجزة (Cf) ،من الكلمة اللاتينية(Confer)، بمعنى "قارن"، هكذا:Cf.T.Masmoudi-Le Crédit agricole et le Développement de l’agriculture au Maroc-Thése de doctorat d’Etat-Rabat 1980.
د‌د‌- كما قد يستعمل الكلمة اللاتينية"نظر أو انظر"( (vide. أو المختصر (q.v) و هي اختزال للكلمة اللاتينية(quod vide) بمعنى "انظر".أو الحرف(V)، من الكلمة الفرنسية (Voir)-و يقابلها في الإنجليزية(See)، ..لتؤدي كلها معنى " انظر" أو "راجع".
ذ‌ذ‌-  و قد يحتاج الباحث أو أي كاتب، أن يحيل قارئ كتابه، على فقرة أو فصل أو عنوان من كتابه، فيستخدم عبارات من نوع: "انظر الفقرة ..أعلاه" أو " راجع الفصل..اللاحق".
ر‌ر‌-                     و في المراجع الأجنبية ، يستعمل المختصر (Cf)، و هو اختزال لكلمة (Confer) بمعنى راجع أو قارن، متبوعا بعبارة (Infra= كلمة لاتينية ، بمعنى :فيما يلي،تحت هذا الكلام)، أو (Supra= كلمة لاتينية بمعنى: أعلاه، أو سابقا)،و أمامهما  الفقرة أو العنوان المحال عليه، مثل ذلك:Cf.supra.vol II .nº 125.
ز‌ز‌- و عندما، تكون الأفكار أو المعلومات، المشار إليها، قد وردت في صفحات متعددة، يتم ذكر الصفحة الأولى متبوعة بعبارة " و ما يليها " أو " و ما يتبعها".و في حالة المرجع الأجنبي et seq(et sequens = et suivantes).
س‌س‌-              أو تكتب الصفحات الدالة على مكان الاقتباس، و يفصل بينها عارضة أو فاصلة،على نحو(132-135أو 132-35أو 132-5).أما النقطة الفاصلة(؛)فتستخدم للفصل بين الكتب في الهامش،مثل:الطبري-...؛البلاذري-...؛ اليعقوبي...
ش‌ش‌-بالنسبة للمعلومات المقتبسة من الدوريات(Periodiques) ،من مجلات و صحف..توثق على النحو التالي:
ص‌ص‌-         - بالنسبة للمقال في الدورية، فإن التوثيق الكامل يشمل البيانات التالية:
ض‌ض‌-         -اسم المؤلف أو المؤلفين.
ط‌ط‌-                   - عنوان المقال.
ظ‌ظ‌-                   - اسم الدورية( مجلة..أو جريدة..أو كتاب دوري).
ع‌ع‌-                    - جهة النشر أو الإصدار(الهيئة أو المؤسسة أو دار النشر).
غ‌غ‌-                    - رقم المجلد إن وجد(و يفضل استعمال المختصر:مج).
ف‌ف‌-               - رقم العدد ( و قد يختصر في العربية في حرف "ع"، و في"no "  أو " " في المراجع الأجنبية).
ق‌ق‌-                   - تاريخ المجلد أو العدد(بالتاريخين الهجري و/أو الميلادي..الشهري أو الفصلي..أو..السنوي).
ك‌ك‌-                   - رقم الصفحة(عند التوثيق في الهامش، ندكر الصفحة المقتبس منها.و عند التوثيق  في القائمة البيبلوغرافية:نذكر صفحات االبداية و النهاية).
ل‌ل‌-                  و فيما يلي بعض الأمثلة:
م‌م‌- * عبد الإله السويلمي- لماذا لم تعرف مكة الضرائب قبل الإسلام؟- منار الإسلام-العدد361- وزارة العدل و الشؤون الإسلامية و الأوقاف-أبوظبي(محرم 1426/فبراير 2005)- ص ص 86-91.
ن‌ن‌-                    **خطاب صاحب الجلالة الملك ،بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية-جريدة " الصحراء المغربية"- يوم .. العدد
ه‌ه‌-                  و في حالة الجريدة الأجنبية (أو المطبوعة بلغة أجنبية)، تكتب الإحالة:
و‌و‌-           Discours de S.M. le Roi  à l’occasion de la session parlementaire d’octobre …in Le Matin du Sahara du  Samdi…numéro..
ي‌ي‌-       إذا كان المرجع مساهمة أو مداخلة في ندوة،أو يوم دراسي،أو مؤتمر ..يجد الباحث نفسه بين حالة من حالتين، الأولى حالة الندوة التي نشرت وقائعها على شكل كتاب، و الندوة أو اليوم الدراسي، الذي بقي دون نشر.
أ‌أ‌أ‌- أ- في الحالة الأولى،يذكر اسم الندوة،و محل انعقادها، و تاريخه، و الجهة التي نظمته(أو رعتها)، كالآتي:
ب‌ب‌ب‌-         * د.ادمون ربّاط-المسيحيون في الشرق قبل الإسلام(نظرة سريعة)-الندوة التي نظمتها "دار الفن و الأدب"(بيروت)،خلال شهري مارس و أبريل 1981، و التي نشرت أجزاء من وقائعها في كتاب "المسيحيون العرب:دراسات و مناقشات"-تحرير :إلياس خوري- الطبعة الثانية- مؤسسة  الأبحاث - بيروت1986-ص ص 14-28.
ت‌ت‌ت‌-          و في حالة الإحالة، على أكثر من مرجع في ندوة من الندوات:
ث‌ث‌ث‌-         * الأبحاث المقدمة في ندوة :موارد الدولة المالية في المجتمع الإسلامي من وجهة النظر الإسلامية.عقدت بتاريخ 3-10شعبان 1406/12-19أبريل1986،في القاهرة ، و قد نظمها المعهد الإسلامي للبحوث التابع للبنك الإسلامي للتنمية (جدة)، بالتعاون مع جامعة الأزهر، و بنك فيصل الإسلامي المصري بالقاهرة.منشورات المعهد الإسلامي1410/1989.
ج‌ج‌ج‌-              **  سلامة(د.عابدين أحمد): الموارد المالية في الإسلام:ص ص17-37.
ح‌ح‌ح‌-              *** عوض(د.محمد هاشم):الهيكل الضريبي المعاصر في ضوء المباديء الضريبية الإسلامية:ص ص 72-93.
خ‌خ‌خ‌-              -في حالة الندوة التي لم تنشر:نسجل نفس البيانات السابقة، إلا ما تعلق منها بالنشر.
د‌د‌د‌-                 - و قد يعتمد الكاتب على محادثة شفوية أو محاضرة.. أو برنامج تلفزيوني... ، و الإشارة إلى إحدى  هذه المصادر تكون هكذا:
ذ‌ذ‌ذ‌-                     * عبد الله إبراهيم - حديث مع طلبة السلك الثاني - شعبة القانون العام –كلية الحقوق بالدارالبيضاء- يونيو 1992(أذن بالإشارة إليه).
ر‌ر‌ر‌-                 ** جيهان السادات - شاهد على العصر(الحلقات المعادة) - قناة الجزيرة الفضائية-  حلقة..الأحد ..سبتمبر 2010.
ز‌ز‌ز‌-                 *** ع.السويلمي- محاضرات في مادة" منهجية العمل الجامعي"- الفصل الأول من الدراسات الجغرافية.. - السنة الدراسية2011-2012.
س‌س‌س‌-      24- إذا تم اقتباس مقولة أو نص أو خطاب، من عمل لم يطلع عليه الباحث مباشرة، و إنما بواسطة مرجع آخر؛ في هذه الحالة ، نوثق كالتالي: نبدأ بذكر المصدر الأصلي(الذي لم يطلع عليه الباحث مباشرة)، ثم نتبعه بعبارة: أورده أو اقتبسه: ثم نذكر المرجع.مثال ذلك:
ش‌ش‌ش‌-       * الخمليشي – شرح قانون المسطرة الجنائية-ج 1.أورده  :عبد العزيز حضري- القانون القضائي الخاص-....أو : اقتبسه في كتابه:قانون المسطرة..
ص‌ص‌ص‌-                      25- و في حالة المراجع الأجنبية، تستعمل عبارة "ذكره" (Khamlishi..cited in Hadri= Khamlishi cité par Hadri=.
ض‌ض‌ض‌-                      و الجدير بالذكر، أنه لا يجوز في هذه الحالة،أن نورد دراسة الخمليشي في قائمة المراجع.
ط‌ط‌ط‌-              و إذا تعلق الأمر بحادثة أو واقعة تاريخية، أو شهادة، أو مقولة أحد الأعلام..إلخ،لا توجد إلا في مرجع أو مصدر ثانوي مثل أطروحة(أو كتاب)، يمكن الإحالة عليها،كما يلي:أورد  هذه الحادثة:أحمد التوفيق في رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا،بعنوان:"بعض جوانب تاريخ المغرب الاجتماعي في القرن التاسع عشر"- نوقشت بكلية الآداب  -الرباط بتاريخ..1976- ص...
ظ‌ظ‌ظ‌-             أما بالنسبة لتوثيق المراجع الإلكترونية، فإنه يكون كالتالي:
ع‌ع‌ع‌-               - اسم المؤلف( ثم فاصلة:،)،و لقبه (ثم نقطة:.).
غ‌غ‌غ‌-               -  عنوان المقال(ثم نقطة:. )..اسم الموقع، ثم  تاريخ النشر(أو آخر تحيين له قبل الاقتباس منه) بين قوسين ( )إن أمكن ، ثم تكتب كلمة "الأنترنيت" و بعدها نقطة، ثم تكتب "متوفر  على" ثم العنوان الإلكتروني ..ثم تاريخ الاطلاع عليه:
ف‌ف‌ف‌-       و فيما يلي نموذج عن هذه الطريقة( التي أصبحت كلاسيكية، و لا تستعمل كثيرا):
ق‌ق‌ق‌-              Robert , Anderson.The ‘ Idea of University(27/03/2010)-Internet.متوفر على العنوان:                                                    
ك‌ك‌ك‌-         :http://WWW.historyandpolicy.org/papers/policy-paper-98htm
ل‌ل‌ل‌-               تم الاطلاع عليه، بتاريخ 23/08/2010
م‌م‌م‌-                    أو قد تكب الإحالة بشكل مختصر نسبيا، على النحو الآتي( و هي الطريقة الأكثر انتشارا):
ن‌ن‌ن‌-               L’Idéé d’Université selon John H.Newman ,par Hervé PASQUA،يوجد أو منشور أو متوفر على العنوان التالي:WWW.Univforum.or، تم الاطلاع عليه بتاريخ 23/08/2010.





[1]  يستعمل مصطلح " العلوم الاجتماعية"، في وصف العلوم التي تهتم بدراسة الحياة الإنسانية في المجتمعات.أي تدرس مختلف الظواهر و العلاقات التي تفرزها الحياة الجماعية.فهي لا تعنى بدراسة الحالات الفردية: من هنا، لا يعتبر علم النفس، و لا التاريخ، على سبيل المثال، من العلوم الاجتماعية.
غير أن هناك من الباحثين، من يذهب إلى القول بأن مصطلحي العلوم الاجتماعية و العلوم الإنسانية مترادفان: " فالإنسان ،مهما يكن من تنوع سلوكه و تفرده،لابد أن يكون منضويا في سياق اجتماعي": الدكتور صلاح قنصوه- الموضوعية في العلوم الإنسانية(عرض نقدي لمناهج البحث)-الطبعة الثانية-دار التنوير- بيروت 1984- ص 5(المقدمة).و يضيف ( في الصفحة التالية)، بأن مصطلح العلوم الإنسانية أكثر اتساعا من العلوم الاجتماعية و يشملها،إذ:"..يتسع لكل العلوم التي تبحث في الإنسان كعلم النفس و التاريخ،إذا ما ذهب البعض إلى استبعادهما من " العلوم الاجتماعية"..".
[2] د. خليل أحمد خليل – المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع- دار الحداثة للطباعة و النشر- بيروت 1984- ص216( مادة: موضوعية).
[3]  الهادي إلى لغة العرب-ج4 ص 502(مادتي: "موضوع الموضوع" و" موضوع الموضوعي")؛المنجد في اللغة- الطبعة 24-دار المشرق- بيروت 1975-مادة(موضوع).
[4]  لم أجد لهذه الكلمة أي أثر في القواميس القديمة، مثل "العين"، و هو أول معجم عربي، للخليل بن أحمد الفراهيدي( ت 175هـ؟/791م؟)،، و "مقاييس اللغة" لأحمد بن فارس ( ت 395هـ/1004م)، و " القاموس المحيط" لمجد الدين الفيروز آبادي (ت 817هـ/1414م).
[5]  و نقيضها(subjectivité=subjectivity)، أي  الذاتية، التي هي كون الشيء معتبرا بحسب الذات، فالذاتية هي :"كون الشيء قائما في الذهن لا حقيقة له في خارج الذهن":حسن سعيد الكرمي-قاموس المغني الأكبر(إنكليزي-عربي)-مكتبة لبنان1995-(مادة:subjectivety).
[6]  الحديث هنا، كما يفهم من السياق، عن اللغة الفرنسية، و لا أعرف- على وجه الدقة- مادا حصل في اللغات الأوروبية الأخرى، و إن كنت أرجح أن الأمر لا يختلف عن الصورة التي رسمناها أعلاه(في المتن).
[7]  تأليف جماعي، تحت إشراف: م.روزنتال و ي.يودين- الموسوعة الفلسفية- ترجمة:سمير كرم- الطبعة الرابعة - دار الطليعة – بيروت 1981- ص  ص 510-11(مادة:الموضوعية).
[8]  سوسن إلياس- الموضوعية- الموسوعة العربية- النسخة الرقمية، المنشورة على الموقع: www.arab-ency.com(اطلع عليه،بتاريخ 15/6/2012).
[9] L-M.Morfaux – Vocabulaire de la Philosophie et des Sciences Humaines-Armand Colin- Paris 1980-p245 art « l’objectivité ».
[10]  تنقسم دراسة الموضوعية في العلوم الإنسانية إلى مستويين رئيسيين  ينبغي أن نميز و نفصل بينهما.أولهما المستوى الأنطولوجي، و ثانيهما المستوى الميثودولوجي.و بينما يهتم المستوى الأول بالإجابة عن السؤال:ماذا ندرس؟ يهتم السؤال الآخر بالإجابة عن السؤال:كيف ندرس؟.انظر: قنصوه- الموضوعية في العلوم الإنسانية- م. س – ص70.
[11]  نفس المكان.
[12]  فلاديمير كورغانوف – البحث العلمي – ترجمة: يوسف  أبي فاضل و ميشيل أبي فاضل- سلسلة زدني علما- العدد 142- منشورات عويدات –بيروت 1983- ص 119.
[13]  جان مينو-مدخل إلى علم السياسة-ترجمة :جورج يونس- سلسلة زدني علما- الطبعة الثانية-منشورات عويدات- بيروت 1977-ص 14؛ و انظر أيضا: أحمد أبو زيد- لا عقلانية العلم و العلماء:توماس كون و نقد المنهج العلمي- العربي- العدد459- فبراير 1997- ص ص 68-69.
[14]  تدخل هذه المباحث في إطار ما يسمى بعلم اجتماع المعرفة،و ستتاح لطلبة العلوم السياسية أن يدرسوا هذه المباحث في سياق مادة "الإيديولوجيات السياسية"، التي أتشرف بتدريسها لطلبة الفصل السادس.
[15]  الموضوعية في العلوم الإنسانية- م. س – ص 58.
[16]  جيلز بيرتون- التعليم العالي : من العالمية إلى العولمة- ص 31.
[17]  موفق الحمداني و آخرون- مناهج البحث العلمي- إشراف:سعيد التل- جامعة عمان العربية للدراسات العليا- مؤسسة الوراق – عَمان 2006- ص43.
[18]  كورغانوف- البحث العلمي- م.س –ص124.
[19]  السيد ياسين – الديمقراطية و العلوم الاجتماعية:دراسة حول مشكلات التبرير و النقد و الالتزام- مجلة العلوم الاجتماعية- جامعة الكويت-  المجلد 12-العدد الأول- الكويت (ربيع 1984/1404)- ص 18.
[20]  قنصوه- الموضوعية في العلوم الإنسانية – م .س – ص 166.
[21]  مادة "أسس البحث العلمي"- موسوعة العلوم السياسية- جامعة الكويت –الكويت 1995 - ج1ص ص 42-3.
[22]  قنصوه – الموضوعية..- ص 71.
[23]  د.محمود عودة- أسس علم الاجتماع- دار النهضة- بيروت(دون تاريخ)-ص 67.
[24]  م.س- ص14.
[25] يقول الدكتور حشمت قاسم ، في هذا الصدد:" و يقصد بالتوثيق في هذا المقام التعرف على الإنتاج الفكري المتصل بموضوع معين، و استخلاص المعلومات اللازمة من هذا  الإنتاج، و إسناد هذه المعلومات إلى مصادرها بطريقة دقيقة تراعي مقتضيات الأمانة العلمية ":مرجع سابق- ص 223.
[26]  عبد العال و منصور- المنهجية القانونية- ص 39.
[27] و عادة ما تتضمن الرسائل الجامعية، و الدراسات الطويلة، بل و معظم الكتب، قوائم بيبلوغرافيسة شاملة لكل الممصادر و المراجع التي اعتمد عليها الباحث بشكل مباشر أو غير مباشر ، في بحثه.
بل نجد هذه القوائم، أيضا في نهايات المقالات و المساهمات(الدوريات، الندوات المنشورة) و المواد(الموسوعات..). أو في نهاية كل فصل كما هو الحال في بعض الرسائل  الجامعية.
و من الباحثين من يضمن هذه القائمة، كل ما اطلع عليه، و إن لم يشر إليه في المتن، أو في هامش أو حاشية من الحواشي .غير أن الرأي الراجح، ان يتم ذكر المصادر و المراجع التي تم الاقتباس منها أو الاستشهاد بها فعلا..فقط.
و يراعى في هذه القائمة نفس الشروظ تقريبا التى تراعى عند التوثيق في الهوامش،اللهم إلا بعض الاختلافات الضئيلة، التي سنشير إليها فيما يلي.
1-من الشروط التي ينبغي توفرها في قائمة المراجع، أن تكون المعلومات المدرجة فيها،مطابقة لما ورد في الهوامش.
2-و عادة،تقسم هذه القائمة إلى أقسام: تقسم في البداية إلى قسمين كبيرين أو ثلاثة أقسام أو أكثر، حسب اللغات المستعملة:قسم خاص بالمصادر و المراجع العربية، و قسم خاص بالمصادر و المراجع الفرنسية، و ثالث باللغة الإنجليزية أو غيره.
3-ثم يتم التقسيم بعد ذلك، داخل كل لغة، حسب  الفئات الكبرى للمصادر و المراجع: كتب، و قواميس، و موسوعات، و دوريات..إلخ.وتعامل المقالات و المساهمات في الندوات.. ،و ما شابه ذلك، معاملة الكتب و غيرها، أي باعتبارها أعمال مستقلة، "حتى و إن كانت كلمة المحرر أو افتتاحية العدد". و قد ترقم كل هذه العمال بأرقام متسلسلة  من بداية القائمة إلى نهايتها ، أم يفرد لكل لغة، بل لكل فئة ترقيمها المتسلسل الخاص بها.
4-و يراعى، عموما، في ذكر المصادر  والمراجع،الترتيب الهجائي( بحسب الحروف الأولى لأسماء العائلية للمؤلفين، مع إهمال أداة التعريف)..و في حالة تعدد أعمال المؤلف الواحد،فإنها ترتب، بحيث يكتب اسم المؤلف عند أول مرجع، ثم توثق مؤلفاته الأخرى بدون كتابة اسمه،و يستبدل الاسم بشرطة(عارضة).و يكون الترتيب بحسب تاريخ النشر (نبدأ بالأقدم فالأقدم). و إذا تعذر معرفة تواريخ الطبعات ،يمكن الاستعانة بأي مؤشرات.هذا من ناحية، و من ناحية اخرى، تسبق أعمال المؤلف منفردا ، الأعمال الجماعية(التي شارك فيها مع الآخرين).
انظر: مقدمة في منهج البحث العلمي – ص 218 و ما يليها؛و قواعد أساسية في البحث العلمي- ص 485 و ما بعدها.
[28]  فيما يتعلق بتوثيق الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية، انظر منهجية الاقتباس.
[29]  و الجدير بالذكر هنا، أنه  للفصل بين هذه العناصر تستعمل مختلف علامات الترقيم : النقطة، أو الفاصلة، أو النقطة فاصلة(الفاصلة المنقوطة:؛)،و النقطتان(:)..و شخصيا أفضل استعمال العارضة(الشرطة:- ).
و هناك من يستعمل أيضا، القوسين ( )،و علامات الاقتباس(الهلالين أ و الشولتين المزدوجتين "  " أو «  »  )، خاصة في المتن.
و عموما، ليس هناك قاعدة موحدة أو ملزمة، و لك  أن تختار ما يناسبك.على أن تحافظ على ذلك طيلة البحث.
[30]  فيما يخص كتب التراث، يفضل أن تتم الإشارة إلى التاريخ الهجري أيضا..