المبحث
الرابع:الحكامة و ترشيد استعمال المال العام
لقد ارتفعت الأصوات منذ
السنوات الأخيرة،من القرن العشرين، تطالب بمحاربة ظاهرة استفحلت و انتشرت في
الكثير من المجتمعات، لاسيما مجتمعات العالم الثالث، و منها المجتمع المغربي، أكثر
من أي وقت مضى،ألا و هي الظاهرة التي عرفت بـ " زواج المال و السلطة". و
قد تمثلت هذه الظاهرة بالخصوص في استغلال بعض رجال السياسة و الإدارة لمناصبهم،
لكسب الثروات عن طريق تسهيل عمليات إسناد الصفقات العامة، لهذه الجهة أو تلك.و قد
رافق ذلك أو ساعد عليه، أن الكثير من المسؤولين الإداريين و السياسيين، يمارسون
الأعمال الحرة، بشكل مباشر و مكشوف أو مستتر، و قد يكون لبعضهم مصالح في بعض المقاولات أو
الشركات ( أو مكاتب الدراسات و المكاتب الاستشارية..) الوطنية و
الأجنبية.
لقد ألقت هذه الظاهرة بظلال
كثيفة من الشك حول مصداقية الإدارة، و حول المفهوم الذي كان سائدا عن أغلب الناس،
عن حياد الإدارة و حرصها على المصلحة العامة، و كشفت بالواضح أن للإداريين أفكارهم و مصالحهم التي قد تكون
متناقضة مع المصلحة العامة، و من ثم قد يتواطؤن أو يتآمرون على الصالح العام.
و لعل هذا الاهتمام من
الرأي العام العالمي و المحلي،قد وفّر الإجابات على أسئلة ظلت مطروحة منذ مدة طويلة، من نوع:
كيف و لماذا تبرم الكثير من الصفقات العامة، من مختلف الأنواع، و بمختلف المبالغ؛ثم
تعرف طريقها إلى التنفيذ، رغم عدم توفرها على أبسط الشروط الموضوعية للنجاح؟؟؟!!، أو رغم عدم الحاجة الاجتماعية أو
الاقتصادية إليها أصلا ( إذ لم تنجز أي
دراسات تمهيدية لتحديد الحاجات الحقيقية المتعلقة بها.. أو الجدوى الاقتصادية أو الاجتماعية
منها)!!؟؟
بل إن هذا الاهتمام..أعاد صياغة
أسئلة أخرى،بمفردات أكثر قوة، و مضامين أوضح : لماذا تسند بعض الصفقات دائما ، لنفس لأشخاص ( الطبيعيين و المعنويين)،
دون غيرهم!!؟؟ رغم عدم
استيفائهم، للشروط المنصوص عليها في القانون،.. بعضها أو كلها!!!؟؟؟ و لماذا تبرم ، و تنفذ، و تسلم لمختلف الإدارات ،
خدمات و أشغال و توريدات، لا تساوي ربع ما أنفق عليها، بدل من إنفاق على مرافق
عامة قد تكون في أمس الحاجة إليها( كالصحة، و التعليم، و الأمن..و غيرها)؟؟؟!!!
إن
الفساد في مجال الصفقات العمومية، كبير و خطير،في كل أنحاء العالم، و لقد حاول المشرعون في الكثير من البلدان الحد منه ، بعدة
وسائل في السابق، لعلها انصبت أساسا حول ضبط المساطر و الإجراءات
القانونية ، المتعلقة بإبرام الصفقات.و لقد فشلت هذه المحاولات، لأنها لم تهتم
بالصفقات في كل أبعادها، و إنما اهتمت بقضايا مسطرية و إجرائية تتعلق بتتبع الصفقات،
أثناء إبرامها و تنفيذها، و إلى حد ما بعد تنفيذها. و لم تبحث ،في تلك المرحلة،في النتائج التي قد تترتب عن إبرام الصفقات من حيث فعاليتها و
نجاعتها.أي لم تطرح الأسئلة، التي كان يجب أن تطرح، لمعرفة الجدوى(الاجتماعية، و
الاقتصادية..) منها.و هذا الوضع ( المليء بالثغرات ..)، كان من الأسباب التي شجعت
على ظهور الفساد، و شجعت على انتشاره، في ميدان الصفقات العمومية؛ إذ نجح المفسدون و
الفاسدون، في التقيد بالقواعد القانونية( الشكلية) و المسطرية( في الظاهر)،
فتمكنوا،في الحقيقة و الواقع، من تمرير صفقات "خاوية"(صحيحة شكلا أي
مسطريا، ولكن فارغة مضمونا): فسرقوا بذلك الأموال المخصصة للإنفاق العام، إذ لم
يجدوا من يحاسبهم على النتائج، و لا من يسأل، أو حتى يتساءل" و لكن..لماذا
أبرمت تلك الصفقات أصلا؟ هل كانت ضرورية (في الزمان..و المكان؟)؟ هل كان هناك تناسب بين الأموال المنفقة و المشتريات المحصل عليها؟..و هل استفاد الناس(عموم الناس) من هذه الصفقة أو تلك؟
و كم هو عدد الذين استفادوا..قياسا إلى الذين حرموا من النفقات الأخرى التي كان
يمكن أن تنفق فيها تلك الأموال؟..؟
أسئلة..عكست وجود مشاكل بل إشكاليات في الكثير من الدول.إلا أن الحكومات في الغرب، و بعض الهيئات الحكومية و غير الحكومية كانت سباقة لإيجاد حلول لها ؛ من
خلال إبداعها لمفاهيم جديدة في الحكم و التدبير العمومي، كمفهوم الحكامة(La gouvernance)، أو الحكامة الجيدة(La bonne gouvernance).
ثم
جاء دستور 2011 المغربي، فأولى اهتماما كبيرا بالحكامة الجيدة- و أفرد لها بابا خاصا، هو
الباب الثاني عشر-،كما اهتم ايضا بالقضايا المرتبطة بها ، مثل الحق في المعلومات، و
الشفافية،و النزاهة، و محاربة الفساد و استغلال النفوذ، و ربط المسؤولية
بالمحاسبة،و تخليق العمل في المرافق العامة، و حق السكان في تقديم العرائض..و غيره.
و من
هنا،و بوحي من هذا الدستور، جاء القانون الجديد للصفقات العمومية،لا سيما في
القواعد المتعلقة بالحكامة،ليولي قضية تدبير الصفقات العمومية ،و النتائج التي
تترتب عنها ، أهمية كبرى، أو على الأقل أكبر مما كان يحصل في الماضي.و يتجلى ذلك
مثلا، و بشكل قوي،في حرص مشرع الصفقات،في مرسوم 2013، على تطويق ظاهرة الفساد من ثلاث جهات أو جوانب أساسية: فمن جانب نراه، حاول سد أهم الثغرات التي يمكن أن يتسرب منها المال
العام بحسن أو بسوء نية. و من جانب ثان، نراه يحمّل جزءا من المسؤولية للمتعاقدين مع الإدارة أيضا. و من جانب ثالث، نراه يلقي الجزء الأكبر من مسؤولية على كاهل الإدارة
نفسها.
أي
أنه حاول التصدي لمشكلة سوء التدبير، من خلال تحميل المسؤولية القانونية لأغلب المعنيين بالصفقات العمومية.أقول " أغلب المشاركين"، و ليس جميعهم؛لأن مشرع الصفقات- و باختلاف مع المشرع الدستوري- لم يشرك في عملية محاربة الفساد الذي يطال الصفقات، إلا المعنيين بها بشكل مباشر فقط ؛ و تجاهل غيرهم.و هذه
رؤية قاصرة،في وجهة نظري- وقد أكون مخطئا-؛ إذ كان الأولى إشراك كل المعنيين، أو أكثرية المعنيين بهذه الصفقات،
و على رأسهم ابناء المجتمع، الذين باسمهم و لأجلهم، و لتلبية حاجياتهم، تبرم
الصفقات، لا سيما أبناء المجتمع المدني، و
هم من أكثر فئات المجتمع نشاطا، و أقدرهم على تتبع مسارات الصفقات، و الكشف عن ما
يشوبها من اختلالات و انحرافات.لا سيما أن الدستور ينص على حق المواطنين في تقديم
العرائض، و هو حق، لا شك، أن المشرع الدستوري أراده أن يكون وسيلة أيضا،للتأثير
على تدبير الصفقات، و مراقبة فعالية تنفيذها.
و لو أن مشرع الصفقات، في المرسوم الجديد، أخذ بعين
الاعتبار هذه المقتضيات الدستورية و فعّلها، في مواده التي
خصصها للحكامة، لكان بذلك قد سلك طريقا قصيرا وسالكا و فعالا ؛ لمحاربة فساد الصفقات، من
ناحية. و لكان، من ناحية أخرى، قد ساهم (بذلك) في إعطاء مفهوم الحكامة في مرسوم
2013، بعدا شاملا و أقرب إلى مفهوم دستور 2011؛ الذي شمل أيضا الحكامة باعتبارها صورة من صور الديمقراطية
التشاركية، و هو بعد أساسي في الحكامة الجيدة، إن لم يكن هو البعد الأهم.
و لكن،
للأسف، أخذ مشرع الصفقات العمومية المغربي، بمفهوم ضيق للحكامة،استبعد منه البعد
الخاص بالديمقراطية التشاركية، فجعله بذلك أقرب إلى مفهوم " الترشيد في
الإنفاق العمومي" بحصر المعنى، و ربما فعل ذلك، تحت ضغط خبراء البنك الدولي، الذين
فرضوا فهمهم الخاص للحكامة،أو الحكامة الجيدة كما ينبغي لها أن تطبق في بلدان العالم الثالث؛ و التي جعلوها تدور حول محور" ترشيد النفقات العامة".
و لا عجب في ذلك،ففي دولة كالمغرب، تعتبر فيه مصادر الأموال العامة، محدودة و قليلة، كان من الطبيعي أن يحظى
ترشيد الإنفاق العام- باعتباره السبيل الأهم لمواجهة كل الحاجات العامة -؛ باهتمام
أكبر من البعد الديمقراطي، ليصبح مرادفا للحكامة الجيدة .و تصبح الحكامة الجيدة،
بالتالي، إحدى أهم الحلول لحل المشاكل الناجمة عن تدبير النفقات العمومية " الكثيرة"، للدولة و المؤسسات العامة و
الجماعات الترابية، التي لا تتوافر إلا على إيرادات جبائية و غيرها، قليلة.
و من هنا، صار الترشيد و
الحكامة ، في القانون المغربي للصفقات العامة، وجهان لعملة واحدة، يعنيان من ناحية التوجيه السديد و الملائم للأموال العامة، عن طريق اختيار أفضل العروض الاقتصادية الممكنة. و من ناحية أخرى يعنيان كذلك؛ ضمان الاستعمال الفعال لهذه الأموال العامة،من خلالإنشاء نظام للتقارير يبين تكلفة التقديرية للصفقات و تكلفتها الفعلية أو الحقيقية ، و الفروق
بينهما و أسبابها.
ليس هذا فقط، بل يعنيان أيضا- لا بل ربما
أولا - تضييق الخناق على الآمرين بالصرف و الإداريين و الموظفين ( الذين يدورون في
فلكهم، و يأتمرون بأوامرهم، في الغالب، أو ضدا على أوامرهم أحيانا..)، بالحد من
سلطاتهم التقديرية، في تحديد(المواصفات) و تقدير الحاجيات العامة، و من ثم إسناد و
إرساء الصفقات، على مقاولات " بعينها، مختارة مسبقا".
و
هكذا جعل المشرع قواعد الحكامة/أو ترشيد الصفقات العامة، تبدأ منذ مرحلة الإعداد
لها، و تمتد إلى ما بعد تنفيذها:
أ- فلقد ألزم
المشرع، أصحاب المشاريع بتحديد الحاجات التي تلبي مطالب المرافق العامة( التي
يتولون إدارتها و تسييرها)، و كيفية الاستجابة لها، قبل الشروع في أي
صفقة:فالإدارة الرشيدة التي تدبر أمورها بحكامة جيدة، هي الإدارة المسؤولة؛ التي
تخطط لعملية شراء حاجياتها، لضمان توفير الاحتياجات و المستلزمات الضرورية لتسيير
المرافق العامة ( من الأشغال و/ أو
التوريدات و/ أو الخدمات)، بالكميات المناسبة، و الجودة المناسبة، و في التوقيت
المناسب، و الأثمان المناسبة، و من المصدر ( المقاول/ المورد/ الممول) المناسب.
و كما اهتم المشرع، بترشيد الانفاق على الصفقات، حتى قبل ميلادها ، فلقد
حرص على توافر الحكامة الجيدة في إبرامها أيضا..فأوجد أساليب لترشيد الإنفاق العام
، من خلال، تأكيده على قاعدة " اختيار العرض الأفضل اقتصاديا"، أي
"العرض الأجود بالثمن الأقل"؛ حيث كان يتم ، في مراحل سابقة،كما مرّ معنا في المبحث الأول من هذا الفصل،إسناد
الصفقة لمن يطلب أقل ثمن لإنجازها.غير أنه لما تبين له، أن هذا الاختيار
ينطوي على عيب كبير، يكمن في أن " العرض الأقل ثمنيا"، لا يكون دائما هو
الأفضل من وجهة نظر المصلحة العامة ؛ تم استبداله بمعيار آخر، حاول من خلاله
المشرع أن يراعي الجودة ، و لكن دون أن
يتخلى عن الثمن الأقل؛ و ذلك باعتماد مفهوم " العرض الأفضل اقتصاديا"، و هو
العرض الذي تتحقق فيه الحكامة الجيدة، متمثلة في أفضل علاقة بين الثمن و الجودة (
الفعالية و المردودية).
ب- و يمتد اهتمام المشرع، بمسألة ترشيد الانفاق على
الصفقات، إلى مرحلة ما بعد التنفيذ، حيث نجده
قد أنشأ نظاما للرقابة على نفقات الصفقات،كما سبق القول أعلاه، بوساطة التقارير التي يعدها أصحاب
المشاريع، و التي يمكن من خلالها تتبع عمليات الإنفاق العمومي، و معرفة الفروق التي قد
توجد بين النفقات الفعلية و النفقات المقدرة و المخططة للصفقات؛ و من ثم إمكانية البحث عن أساب
هذه الفروق ، و كيفية تفاديها أو تصحيحها في المستقبل.
و هكذا،فظام التقارير
" البعدية" عن الصفقات، من شأنه أن يحد من الانحرافات التي قد تحصل أثناء
التنفيذ، أو التي قد تنجم عن "أخطاء في التقديرات الأولية و المخططات". و في جميع الحالات، فهو نظام قد يقلص ، إذا طبق بصرامة و موضوعية،
إلى حد كبير من التلاعبات و الأخطاء، التي قد تحصل من طرف الإدارة صاحبة المشروع (أو بعض الموظفين فيها) بحسن نية، أو نتيجة تواطؤ بينها و بين المتعاقدين معها.
و من
هنا، ندرك، كيف و لماذا جاءت القواعد المتعلقة بالحكامة في هذا القانون، كأنها
وسائل إضافية، لضمان حماية المال العام و فعالية الصفقات، بواسطة الإدارة صاحبة
المشروع أولا، و ثانيا ، بطريقة غير مباشرة، بواسطة المتعاقدين معها، كما يتجلى
فيما يلي:
1-
ففيما يتعلق بالمترشحين، نراه يلزمهم بتقديم شهادات ، و التعهد بتطهير الصفقات التي
يبرمونها :
أ- أن يشهدوا على أنفسهم بأنهم لا يوجدون في حالات
تضارب مصالح(أي تناقض المصالح الخاصة مع المصلحة العامة) ( المادة 26/ الفقرة
"و")، كما هي مبينة في المادة (168):يجب على أعضاء لجان إبرام الصفقات،
عدم التدخل في مساطر إبرامها، عندما تكون لهم مصلحة فيها، بطريقة مباشرة أو غير
مباشرة، و لو من بعيد؛
ب- أن يلتزموا بعدم اللجوء- بشكل مباشر (بأنفسهم) أو
غير مباشر ( بواسطة غيرهم)-، إلى أفعال الغش، أو الرشوة أو تقديم وعود، أو هبات أو
هدايا..إلخ، بقصد التأثير على مختلف مساطر إبرام الصفقات و تدبيرها و تنفيذها(
المادة 26/الفقرتان " د و هـ ")؛
2- أما فيما يتعلق بالإدارة،فقد
جاء المشرع ، بسلسة من الإجراءات ، التي تهدف إلى دفع الإدارة إلى تحمل مسؤوليتها،
في مراقبة الصفقات في كل مراحلها:
أ- فالمادة (161)، تنص على أن الإدارة يمكنها أن تعهد
بالإشراف على صفقاتها (الأشغال العمومية)، إلى جهة عمومية ( إدارة، أو مؤسسة، أو
مقاولة) لتتبع عمليات الإشراف ، في مختلف مراحل دورة حياة الصفقة ( من مرحلة
الدراسات التمهيدية..)، إلى مرحلة استلام المنشأة النهائي، و بالتالي مراقبة مدى
احترام القوانين، في هذه المراحل، و إعداد تقارير عن عمليات التنفيذ، و وتيرتها، و
جودتها..إلخ.
و مهمة الإشراف هذه، في الواقع، خطيرة جدا، بالنظر
إلى النتائج التي قد تترتب عنها ؛إذ أن مسؤوليتها تمتد إلى تتبع عمليات إنجاز
الصفقة، لضمان تنفيذها وفقا للعقد المبرم بين صاحب المشروع و المتعاقد معه، و
بالتالي عدم تعريض المصلحة العامة، ممثلة في مصلحة الإدارة، للمخاطر التي قد تنجم
عن سوء التنفيذ، أو التأخر فيه، أو الزيادة في تكاليفه. و تتم عملية الإشراف و
التتبع هاته، من خلال الاتصال المنتظم بنائل الصفقة، و تذكيره بمواعيد التسليم (
الابتدائي و النهائي..)، و حثه على الالتزام بما تعهد به في العقد، ثم التأكد من
سلامة التنفيذ، و مطابقته للمواصفات..إلخ.
ب- إلزام كل صاحب صفقة بأن يُعد عنها تقريريا
تقديميا، يتضمن بالخصوص: طبيعة و مدى الحاجات المراد تلبيتها، و تكلفتها
التقديرية، و الأسباب التي أدت إلى اختيار طريقة أو مسطرة إبرامها، و تبرير اختيار
مقاييس انتقاء الترشيحات ، و تقييم العروض(المادة 163):و هذه مراقبة تبدأ من
المنبع، و تساعد على مقارنة النتائج التي يتم التوصل إليها عند المصب ( عند انتهاء
الصفقة)، كما سنرى في المادة التالية..؛
ج- و بالفعل، فالمادة (164)، ألزمت الإدارات بإعداد
تقارير عند الانتهاء من تنفيذ كل صفقة يتجاوز مبلغها مليون درهم،
يرسل إلى رئيس الإدارة صاحبة المشروع، تسجل فيه كل الاختلالات و الفوارق التي قد
تحصل بين التوقعات الأولية و النتائج النهائية،و أسبابها.فهي وسيلة رقابة على
المتعاقدين مع الإدارة، و لكنها وسيلة رقابة على الأداء التدبيري لصاحب المشروع
أيضا.و من هنا، حددت مهلة إعداد هذا النوع من التقارير في ثلاثة أشهر ( بعد
التسليم النهائي للأعمال)، حتى يمكن لصاحب المشروع أن يستخلص الدروس، و
يتدارك ما يمكن تداركه.
د- بالإضافة إلى ذلك، فرضت المادة (165) على الإدارة،
واجب القيام بمراقبات و تدقيقات حول طرق إبرام و تنفيذ الصفقات، التي يتجاوز ثمنها
خمسة (5) ملايين درهم ( مع احتساب الرسوم)،
و بالنسبة للصفقات التفاوضية التي يتجاوز مبلغها مليون (1.000.000) درهم
(مع احتساب الرسوم)، و إعداد تقارير عنها، يوجه إلى رئيس الإدارة المعني ( و ينشر
ملخص لها في البوابة الإلكترونية).
كما عمل المرسوم من خلال هذه المادة على تحديد محتوى
تقرير افتحاص الصفقات خصوصا على مستوى:
* قانونية مساطر إعداد الصفقة و إبرامها و تنفيذها؛
*تقييم حقيقية أو مادية الأشغال المنفذة أو التوريدات
المسلمة أو الخدمات المنجزة؛
* احترام إجبارية إعداد الوثائق المختلفة المتعلقة
بالصفقة و المقررة في هذا المرسوم؛
* تحقيق الأهداف المتوخاة من العمل؛
* تقييم النتائج المحصل عليها بالنظر إلى الوسائل
المسخرة؛
* شروط استعمال الوسائل المسخرة؛
* تقييم ثمن الصفقة بالنظر إلى الأثمان المطبقة و
تقييم كلفات الأعمال موضوع هذه الصفقة؛
* ملائمة و فائدة المشاريع و الأعمال المنجزة في إطار
الصفقة.
3- كما يلاحظ أن المشرع، قد سمح
بالتعاقد من الباطن، لكنه أخضعه لشروط صارمة، من أهمها ألا يتجاوز التعاقد من
الباطن خمسين بالمائة (50 %)، من مبلغ الصفقة، أو يشمل الحصة أو الجزء
الرئيسي منها ( المادة 158): و الهدف من هذا الشرط، هو الحد من إمكانيات التواطؤ
بين المتنافسين،كما
قد يفسر بأنه محاولة من المشرع ، في إبقاء العلاقة منحصرة في صاحب المشروع و نائل
الصفقة، قدر المستطاع، لأن " شخص المتعاقد، هي محل اعتبار في الصفقات"(هناك تشابه بين وضعية المتعاقد مع الإدارة، و وضعية الأجير إزاء المشغل في قانون الشغل؛ فشخصية كل واحد منهما تكون محل اعتبار في العقد: فالإدارة، عندما تسند الصفقة لهذا المترشح أو ذاك،فإنها تقوم بذلك بعدما درست ملفه الإداري، و عرفت مؤهلاته، و
أخلاقه المهنية أيضا..و على ضوء ذلك قبلت التعاقد معه.و من ثم فهي تفضل أن لا تتعامل مع طرف ثالث( المتعاقد من الباطن) الذي لا تعرف عنه شيئا).
4- و من الوسائل الجيدة،
التي جاء بها مرسوم 2013، و يحاول من خلالها الترشيد في الانفاق، كذلك، التوصية باعتماد
أسلوب " مركزية الشراء"، أو ما سماه المشرع " بمسطرة تكتل
المشتريات"؛ أي إسناد مهمة الشراء إلى وحدة إدارية واحدة أو "
منسق"، يتم تكليفه ، بناء على اتفاق بين عدد من المشترين، الذي قد يجمع بينهم
قاسم مشترك، هو إبرام صفقات متشابهة. تنص المادة (162) على أنه:"
" 1- يمكن لأصحاب
المشاريع، تنسيق اقتناء التوريدات من نفس النوع في إطار " تكتل
مشتريات"؛
" 2- يتكون تكتل
المشتريات من صاحبي مشاريع أو أكثر يتجمعون من أجل طرح دعوة للمنافسة واحدة تؤدي
إلى إبرام عدد من الصفقات يساوي عدد أصحاب المشاريع أعضاء التكتل؛
" يخضع إبرام الصفقات
من طرف تكتلات المشتريات للقواعد المقررة في هذا المرسوم.
" 3- تحدد اتفاقية
تأسيسية لـ " تكتل المشتريات" كيفيات عمل التكتل و توقع من طرف أعضاء
هذا التكتل..".
هاته الآلية من شأنها أن
تسمح لعدد من أصحاب المشاريع بالتجمع من أجل طرح دعوى لمنافسة واحدة، تؤدي إلى
إبرام عدد من الصفقات، يساوي عدد أصحاب المشاريع أعضاء التكتل.و يجب أن يخضع إبرام
الصفقات من طرف تكتل المشتريات لنفس القواعد المقررة في المرسوم. و ألزم المرسوم
كذلك، أعضاء التكتل أن يبرموا اتفاقية
بينهم ، توضح كيفيات عمل التكتل ، و تعين الاتفاقية منسقا من بين أعضاء التكتل يمثلهم في الصفقات، على أن تضمن في كل
ملف صفقة يبرمها هذا التكتلن نسخة من الاتفاقية التأسيسة لتكتل المشتريات.
و في الواقع، يستطيع
المشترون العموميون المنضوون في مثل هذه التكتلات، أن يحققوا مزايا و فوائد كثيرة،
جراء توحيد عمليات الشراء؛ إذ يستطيعون الحصول على كميات كبيرة من التوريدات، بأثمان
جيدة، و بشروط أخرى إضافية، تفضيلية ، تتعلق بالتسليم، و النقل، و الحراسة، و
التخزين..إلخ.زيادة على أنها، تحقق مزايا أخرى للدولة ككل ، منها أنها: تمنع
الازدواجية في الإجراءات،و بالتالي توفير النفقات، المتعلقة بعمليات و إجراءات
الشراء،و التفتيش عند الاستلام، ..إلخ.
و في الحقيقة، لقد سبق
للمغرب أن مرّ بتجربة فاشلة- أو أُفشلت-، فيما يتعلق بتنسيق المشتريات العامة،طبقها في
الستينات من القرن الماضي.فلقد كان المرسوم
الملكي المؤرخ في 17/7/1965 ، قد أحدث إدارة مركزية لتموين الإدارات العمومية،
في وزارة المالية.إلا أن هذه التجربة أقبرت في مهدها، و لم يكتب لها
النجاح:فالتوريدات لم تكن دائما جيدة، أو لم تكن ترضي، في الغالب، أصحاب الطلبيات.
كما أن الموردين لم يحترموا الآجال التي تشترطها الإدارات. بالإضافة إلى أن الظروف
الإدارية، التي كانت تعمل فيها هذه المديرية، لم تساعدها على القيام بالمهام
المنوطة بها، فتم إلغاؤها، بظهير بمثابة قانون
بتاريخ 11 ماي 1974( دون حل المشكل الذي ظل مطروحا).
و يبدو أن مشرع 2013،
أراد تخطي هذه التجربة المريرة؛ محاولا تصحيح العيب الأساسي في النظام السابق، و الذي تسبب في فشلها، و المتمثل في أن الكثير من الوزارات لم ترى بعين الرضا وصاية وزارة المالية عليها، بل اعتبرت ذلك مبعثا للحد من استقلالها المالي.لهذا أوصى مرسوم 2013، أصحاب
المشاريع بنهج مسطرة " تكتيل المشتريات"، كلما كان ذلك ممكنا، عندما يكون هناك تشابه أو انسجام أو تقارب بين مواصفات هذه المشتريات، و لاسيما عندما تكون
الإدارات التي تطلبها منتمية إلى وزارة (وصية) واحدة،أو مجموعة من الإدارات تؤدي
وظائف متشابهة، مثل الجماعات الترابية ( الجهات، و العمالات، و الأقاليم، و
الجماعات )،فالقانون المغربي، يسمح لها، بتأسيس تكتلات للقيام بعمليات الشراء (
المادة146 ).
و هناك ، من يشترط في
الإنفاق العمومي، شرطين، هما الكفاءة و الفعالية:
الكفاءة: إخراج
المخرجات( تلبية الحاجيات) بأقل كلفة؛
الفعالية: هي تلبية
الحاجيات الحقيقية للجمهور الذي يتلقى هذه الخدمات فعلا.