الضمانات التي تمنحها الإدارة للمتنافسين لنيل الصفقات العمومية
الضمانات الممنوحة للمتنافسين
كل
هذه المبادئ الأساسية، التي تحدثنا عنها أعلاه، تبدو مثالية من الناحية النظرية، و
قد تكون جيدة من الناحية العملية، إذا احترمها أطراف التعاقد في الصفقات العمومية،
و لاسيما الإدارة.فالإدارة تتمتع بامتيازات كثيرة جدا، قد لا ترغب في التنازل
عنها، لتحقيق بعض التوازن مع المتنافسين لنيل الصفقات معها.فما هي الضمانات إذن، التي وفرها
القانون لتطبيق المبادئ الأساسية للصفقات العامة؟
لقد
منح المشرع المرشحين الراغبين في التنافس على نيل الصفقات، و كذا المتعاقدين مع
الإدارة، الكثير من الضمانات القانونية، بأن حقوقهم سيتم احترامها في مختلف المراحل
التي تمر منها مساطر إبرام الصفقات و تنفيذها ، كما يتجلى لنا من خلال المواد
التالية:
أ-
فالفقرة (6) من المادة (19)، تبين لنا أنه إذا استحال على أحد المتنافسين الحصول
على ملف طلب العروض، لسبب من الأسباب ؛ فإنه يحق له أن يشتكي إلى الجهة التي يخضع
لها صاحب المشروع المعني:و إذا تبين لصاحب المشروع، صحة الشكاية و استنادها إلى
مبررات مقبولة، يؤجل فتح الأظرفة ( و يعلن عن هذا التأخير، أو يخبر بأية وسيلة أخرى
المترشحين)؛
ب- و
في الفقرة (8) من نفس المادة، نجد المشرع يتيح فرصة للمتنافسين الذين يعتبرون أنهم
غير قادرين على تحضير عروضهم- و خصوصا إذا كان نظام الاستشارة ينص على إعداد ملف إضافي،أو عندما الأعمال موضوع الصفقة ، ذات
طبيعة معقدة-، داخل الأجل المعلن عنه في إشهار الصفقة،بأن يطلبوا إرجاء فتح الأظرفة،
إذا أقر صاحب المشروع بصحة طلب المتنافس أو المتنافسين أصحاب الطلب ( و هذا
المقتضى من مستجدات القانون الحالي،و لم يكن موجودا في القوانين السابقة)؛
ج-
ليس هذا فقط، بل نجد المشروع يعطي للمتنافسين الحق- خلال جلسة فتح الأظرفة- في أن
يدلوا بملاحظاتهم و تحفظاتهم، حول العيوب المحتملة التي قد تشوب مسطرة إبرام
الصفقة.و إذا أقر رئيس الجلسة صحة هذه التحفظات أو الملاحظات، يختم المسطرة و يخبر
بصوت عال المتنافسين بذلك( المادة 36/البند 5)؛
د- و
أباح المشرع للمتنافسين اللجوء إلى السلطات المختصة، لطلب إلغاء الصفقة: و في حالة
الشكاية المبنية على أسس صحيحة، تلغي الصفقة ( المادة 45)؛
ه-
غير أنه في حالة المباراة، إذا ألغى صاحب المشروع الصفقة، فإنه يمنح الجوائز
المقررة للمتنافسين الأحسن ترتيبا ، و هذا
الإجراء من مستحدثات القانون الجديد ( المادة (83)؛
و-
وبعد اختيار نائل الصفقة، فإن صاحب المشروع مطالب بإخبار باقي المتنافسين ، بأنه
تم إقصاؤهم، و ذلك في ظرف زمني لا يتجاوز خمسة (5) أيام، ابتداء من تاريخ انتهاء
أشغال لجنة فحص العروض، برفض عروضهم، مع ذكر أسباب إبعادهم، حتى يمكنهم اللجوء إلى
القضاء أو التظلم إلى الإدارة إن شاءوا
(المادة 44)؛
ز- و
لضمان هذا الحق، فإن المشرع ألزم الإدارة بأن تحتفظ بالوثائق التي تتضمن مبررات
إقصاء أولئك المتنافسين،لمدة خمس (5) سنوات على الأقل(المادة 44)؛
ح- و
من الضمانات الهامة التي منحها المشرع للمتنافسين، أنه منع السلطات المختصة من
تغيير الاختيار الذي أقرته لجنة طلب العروض ( المادة 44)؛
ط- من
الضمانات التي جاء بها مرسوم 2013، أن إلغاء طلب العروض يجب أن يتم بقرار موقع من
طرف السلطة المختصة، ، يتضمن الأسباب التي تبرر هذا الإلغاء،مع ضرورة نشره في
بوابة الصفقات العمومية،و طبعا تبليغه لأعضاء لجنة طلب العروض( المادة 45).
و نفس
الشي أشارت إليه (المادة 83) المتعلقة بإلغاء المباراة، الذي يتم بناء على مقرر
توقعه السلطة المختصة، و تبين أسباب هذا الإلغاء كذلك عندما يتعلق الأمر بإلغاء
الاستشارة المعمارية(المادة 111)، و إلغاء المباراة المعمارية (المادة 128)؛
ط- و
قد يحدث أن تقصي الإدارة أحد المتنافسين من المشاركة في الصفقات العمومية، إقصاء
مؤقتا أو نهائيا ( المادة 138)؛ و في هذه الحالة ، يستدعى المتنافس أو صاحب
الصفقة، لتبلغ إليه المؤاخذات، للإدلاء بملاحظاته، داخل الأجل المحدد من طرف صاحب
المشروع، و الذي لا يمكن أن يقل عن خمسة عشر (15) يوما، و يبلغ إليه مقرر العقوبة،
الذي يجب أن يكون معللا؛
ك-هذا،
و فيما يخص صفقات الجماعات الترابية- و هذا من مستجدات المرسوم الحالي (2013)،
أيضا-، أحدثت المادة (145) لجنة في وزارة الداخلية، يكون من اختصاصاتها، إبداء
الرأي حول مقررات وزير الداخلية، بإقصاء متنافسين مؤقتا أو نهائيا، من المشاركة في
صفقات الجماعات الترابية.و كذا إبداء الرأي حول تظلمات و شكايات المتنافسين في
مجال صفقات الجماعات الترابية؛
ل- و
من المستجدات التي جاء بها المرسوم الحالي، إدخال ما يسمى بـ " أجل
الانتظار"، و هو الأجل الذي أفسح للمتظلمين من الصفقات، و مدته خمسة عشر (15)
يوما، لا يمكن للسلطة المختصة خلاله أن تصادق على الصفقة، بل يجب عليها انتظار
انتهاء هذه المدة، و ذلك قصد تمكين المتنافسين من تقديم طعونهم الإدارية إليها (
المادة 152)
و هذا الإجراء، من مستجدات
المرسوم الحالي؛إذ لم يكن المرسوم السابق (2007)، يسمح للمتنافسين بتأجيل المصادقة على الصفقة، في انتظار البت في
طعونهم. أي بتعبير آخر، لم تكن هناك مدة
زمنية فاصلة بين تاريخ انتهاء أشغال لجنة إسناد الصفقة(اختيار نائل الصفقة ) من
ناحية،و تاريخ المصادقة على الصفقة من ناحية أخرى.فجاء مرسوم 2013،ليمنح
للمتنافسين غير الراضين عن نتيجة المنافسة، مهلة خمسة عشر (15) يوما ( كضمانة)،
تسمح لهم بتقديم طعونهم الإدارية،إلى
الجهة المختصة،لعلها تقبل طعونهم،فتمتنع عن المصادقة على الصفقة المعنية؛
م- و
عموما، يجوز لكل متنافس، حسب مقتضيات المادة (169)، أن يوجه شكايته كتابة إلى صاحب
المشروع،(تظلم إداري استعطافي) إذا لاحظ خرقا لإحدى قواعد المسطرة، أو لاحظ أن ملف
طلب المنافسة تضمن بنودا تمييزية أو شروطا غير متناسبة مع موضوع الصفقة، أو نازع
في سبب إقصاء عرضه.و في حالة عدم تلقي أي رد من الجهة المختصة، أو أن الرد لم يكن
مقنعا، أمكنه أن يرسل شكاية أخرى- تظلم إداري رئاسي- إلى الوزير المعني أو وزير
الداخلية ( في حالة صفقات الجماعات الترابية): و يمكن للسلطة المختصة، حسب الحوال،
إذا تبينت لها صحة الشكاية، أن يأمر بالقيام بتصحيح الخلل أو إلغاء المسطرة؛
ن-
كما أن القانون الحالي، أفسح المجال أمام المتنافسين، إمكانية تقديم طعونهم و
شكاياتهم، أمام لجنة الصفقات العمومية، بشكل مباشر و دون اللجوء إلى صاحب المشروع
المادة 170).
و من
طبيعة الحال، فإن كل متضرر من أعمال الإدارة، يمكنه أن يلجأ إلى القضاء..لينصفه(و
سنتناول المسطرة الإدارية و القضائية ،بتفصيل أكبر، في سياق حديثنا عن "
منازعات الصفقات العامة")[1].
***
و بعد..
إن الدراسات العلمية التي
أنجزت حول الصفقات العمومية، لاسيما تلك التي تمت بمساعدة المنظمات الدولية،
كالأمم المتحدة ، و ترانسبارنسي ( الشفافية)ن و فريدوم هاوس ، و غيرها من الهيئات،
تؤكد أنه رغم اعتراف الكثير من الدول بهذه المبادئ، و إدراجها في قوانينها، و
تشريعاتها المختلفة، إلا أنها لا تتقيد بها و لا تحترمها في الممارسة.و الأسباب
التي قد تفسر ذلك كثيرة و متنوعة،منها عدم وجود رغبة حقيقية- أو عدم وجود القدرة
أحيانا-، لدى المسؤولين ، على تطبيق تلك المبادئ في أرض الواقع،لأنها تلحق أضرارا
بمصالحهم .
من هنا، يطرح السؤال الهام:
هل القانون وحده يكفي لضمان الحصول على صفقات فعالة؟
لا شك أن وجود نظام قانوني،
بقواعد واضحة و متكاملة، أمر ضروري لإرساء أسس نظام جيد للصفقات العمومية.و لقد
بذل المغرب، أعني الحكومات المغربية المتعاقبة، و منذ فجر الاستقلال، جهودا كبيرة،
تذكر و تشكر ، لأجل توافر الترسانة القانونية المغربية، على نظام قانوني عصري و
جيد، حتى لا نقول ممتاز، يواكب آخر المستجدات، و يستجيب لجميع متطلبات الإدارات العمومية.إلا
أنها، حتى الآن، عجزت عن إتمام هذا الجهود، و تتويجها بوضع مدونة للصفقات
العمومية، تجمع كل الشتات التشريعي، الذي له صلة بالصفقات.
و لكن، في الحقيقة، إن هذه
القوانين، أو حتى المدونة، لو خرجت إلى حيز الوجود، لن تطبق نفسها بنفسها، بل هي
تعرف طريقها إلى التطبيق، عبر " عقول" الإداريين.و هنا، موطن الداء..
أجل، إن القواعد القانونية
وحدها، حتى و لو كانت هي أحسن القوانين، لا تكفي وحدها، بل لا بد من استكمالها
بمؤسسات تؤطر عمليات التطبيق، حتى تتم وفق المبادئ و المعايير الدولية للصفقات
الجيدة.
[1] و لحماية حقوق المتنافسين، و فرصهم في التقاضي، نص مرسوم 2013 على ضرورة مسك صاحب
المشروع لسجل لتتبع الشكايات يتضمن تاريخ استلام الشكاية ، و مآلها (المادة 169).و
لا شك أن احترام هذه المادة، سيحد من استهتار أصحاب المشاريع، و استخفافهم
بالشكايات، و عدم الرد عليها،سيما و أن تلك السجلات قد تصبح حججا ضدهم، في حالة
التنازع الإداري أو القضائي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق