في
العلاقة بين القانون الروماني و القوانين الوضعية المعاصرة
بقلم د.محمد فتح الله
الخطيب
[...] و لم تمد روما العالم
بنطرية سياسية متكاملة، بل أعطته المادة الكافي لنظرية سياسية،فأرست قواعد نظام
قانوني يعتبر الدعامة الأساسية التي يقوم عليها
كثير من النظم القانونية في عالم اليوم، و من بين ذلك القانون الوضعي الذي
عمل على الفصل بين السياسة و الأخلاق، و أدى إلى تطور فكرة الشخصية القانونية للدولة و سيادتها السياسية التي تمكنها من وضع
القانون و تطبيقه.
فبينما كان المصدر الأصلي
الذي يتمكن من فرض العقاب لدى الإغريق مصدراَ دينياَ خلقيا و لم يعتبر القانون
إطلاقا أمراَ صادراَ من رئيس أعلى ، نظر الرومان إلى القانون نظرة عملية، إذ كان
عليهم إدارة شئون الإمبراطورية المترامية الأطراف و ليس لديهم متسع من الوقت لحل
المشاكل الناجمة عن تضارب القانون من ناحية، و مبادئ الأخلاق و الدين ، و أصبح على
المواطنين الرومان واجب طاعة القانون، لا لعدالته و اتساقه مع مبادئ الأخلاق و
اتفاقه مع التعاليم الدينية، و لكن لأنه صادر من السلطة السياسية العليا التي
تعتبر إرادة الكيان السياسي في الدولة.
و بنفس هذا الأسلوب العملي
توصل الرومان إلى الأفكار الأخرى التي تعتبر من المقومات الأساسية للفلسفة
السياسية اللاحقة لعصرهم.فكان القناصل و أعضاء مجلس الشيوخ و غيرهم من المسئولين
الرئيسيين هم أصحاب السلطة في تحديد حقوق الأفراد و واجباتهم، و لم تكن الآلهة أو
المثل العليا أو المبادئ العامة للأخلاق هي مصدر تحديد هذه الحقوق و الواجبات. و
قد تميزت شخصية الفرد عن شخصية الدولة.فالدولة ضرورة و نظام طبيعي للوجود
الاجتماعي، أما الفرد فكان مركز التفكير القانوني الذي كان هدفه الأساسي حماية ذلك
الفرد عن طريق القانون.فقد فرق الرومان بين الفرد و الدولة، فبينما كانت الدولة
شخصية قانونية تمارس سلطاتها في حدود الإطار المرسوم لها، كان المواطن شخصية
قانونية أيضا له حقوق تجب حمايتها و عليه واجبات عليه أن يؤديها.و تمتد حماية حقوق
الفرد إلى الدفاع عن أي عدوان قد يوجه إليه حتى إذا كان صادرا من الحكومة ذاتها.
و كان سمو الأفراد و ما
تمتعوا به من حقوق هو أحد مظاهر الدولة، و أصبح رئيس الدولة الأداة الرئيسية للتعبير عن هذه السيادة الشعبية؛ فالحكام و
الأباطرة وكلاء عن الشعب مسئولون أمامه عن
آرائهم و مسئولياتهم و ممارساتهم و
واجباتهم.فإذا كانت كلمة الإمبراطور تعتبر قانونا فإن ذلك يرجع إلى أن الشعب قد
أوكل إلى هذا الإمبراطور سلطاته كاملة. و
على الرغم من أن فكرة العقد الاجتماعي قد لعبت دوراَ هاماَ في النظرية القانونية
لدى الرومان، فإن الدولة قد اعتبرت من الناحية السياسية- كما اعتبرها الإغريق من
قبل- شيئا طبيعيا لا يحتاج وجوده إلى تعليل أو تفسير.و لم تجد نظرية العقد
الاجتماعي- التي تعتمد على فكرة تنازل الأفراد عن حقوقهم الطبيعية، حتى يتمكنوا من
إقامة مجتمع سياسي منظم- مكانا في الفكر السياسي الروماني.غير أن لنظرية العقد
الحكومي جذورا لدى الرومان، و هي النظرية التي تقوم على أن سلطة الأفراد قد أوكلت إلى رجال الدولة الرسميين.فكانت
للموظف السلطات الكاملة و لم يكن من
المسموح به الرجوع في العقد بعد إبرامه، أي لم يكن من المسموح به أن تسحب سلطات الموظف العام بعد اختياره للقيام
بأعباء وظيفة معينة..
عن المقدمة
التي كتبها الدكتور محمد فتح الله الخطيب للجزء الثاني من : تطور الفكر
السياسي -جورج سباين- ترجمة:حسن جلال العروسي- طبعة الهيئة المصرية العامة-
القاهرة 2010- ص ص 12-14.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق