الأربعاء، 1 أبريل 2020


الفصل الثالث:الصفقة ..عقد بعوض:
ينص قانون الصفقات العمومية،على أن عقود الصفقات تبرم مقابل عِوَض[1] (contrat conclue à titre onéreux )، بمعنى   أن صاحب الصفقة يقوم بالعمل أو الأعمال المتفق عليها، مقابل حصوله على الثمن المحدد في العقد( من الإدارة)[2]:فالعوض،إذن، هو حصول المتعاقد مع الإدارة على المقابل المالي الذي يستحقه على وفائه بالتزامه المشروط في عقد الصفقة.
و تثير قضية العِوَض  إشكاليات كثيرة  و معقدة،إذ أن العوض هو أحد الأركان الأساسية التي تقوم عليها الصفقات العمومية:فهو المعيار الذي تقاس به فعالية الطلبية العمومية و حسن استعمال المال العام.كما أن التوصل إلى " العوض العادل و المنصف"، هو الهدف الذي من أجله تضطر الإدارة إلى تحديد حاجياتها بدقة، و تنظم منافسة واسعة.لا بل تفقد عبارة " الصفقة الأفضل اقتصاديا" معناها بالنسبة للإدارة، إذا هي تجاهلت مفهوم العوض "العادل"، أي الثمن في تناسبه مع المقابل الذي تحصل عليه:أشغال، أو خدمات، أو توريدات[3].
و نفس الشيء تقريبا، يمكن قوله، إذا نظرنا إلى العوض من زاوية المتعاقد مع الإدارة؛ فهو لا يدخل في منافسة لنيل صفقة معينة، إلا للحصول المقابل المالي.لا بل لا يتنافس إلا إذا شعر أن الثمن الذي يقترحه- في عرضه المالي- ثمن "عادل" و "منصف" بالنسبة له:بمعنى أنه يسمح له بتغطية التكاليف و تحقيق هامش من الربح، يسمح لمقاولته بان تستمر و أن تتقدم و تزدهر( و هذا أمر طبيعي و مشروع).
و هكذا، فالبحث عن العوض (أو المقابل المالي، أو الثمن) العادل، هو اكبر ضمانة بأن الإدارة ستستعمل المال العام استعمالا جيدا، من جهة.و هو الضمانة كذلك،بأن المتعاقد معها، سيحرص على انجاز العمل المطلوب منه على أحسن وجه( أو على الأقل حسب الشروط المحددة في دفاتر التحملات)، لا لشيء  إلا لأن الصفقة ستسمح له بالعمل و تحقيق أرباح "منصفة"..من جهة أخرى.
فما هي الأعواض أو الأثمان في الصفقات العمومية ؟( المبحث الأول).و كيف تحدد؟ ( المبحث الثاني) و ما هي طبيعتها؟( المبحث الثالث).
المبحث الأول: مفهوم العوض في الصفقة:
 يكاد يجمع القضاء و الفقه الإداريين معا[4] ، ربما باستثناء أنصار "نظرية عقد الإذعان" ، على أن عقد الصفقة العمومية يرتب التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين؛إذ أن التزام كل واحد من طرفي العقد، يجد سببه(سبب التزامه) في التزام الطرف الآخر:
1.    فالإدارة  تعتبر، من جهة، دائنة بتسلم العمل ( بناء سد، أو مستشفى..) أو المبيعات ( تجهيزات..)  أو خدمات ؛ و مدينة بالعوض(الثمن)..من جهة اخرى؛
2.    و المتعاقد معها،يعتبر، من ناحية، دائنا بالعِوض (الثمن)، و مدينا بتسليم العمل..أو المبيع أو الخدمة.. من ناحية أخرى.
و بتعبير آخر، فبالنسبة للإدارة ( أي المشتري العمومي) ،يكمن سبب التزامها بأداء الثمن؛ في تنفيذ الأشغال و تسلمها ( كليا أو جزئيا)، و تسلم التوريدات( التجهيزات، و الأدوات و السلع..)، أو في أداء الخدمة المطلوبة.و بالنسبة للمورِّد أو الخدماتي أو المقاول، فإن سبب التزامه بتسليم التوريدات أو الأشغال أو الخدمات؛ هو الثمن الذي سيحصل عليه.
و هذا ما أكده القضاء الإداري، في أكثر من حكم.من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1.      " ..و حيث إن عقد الصفقة هو عقد تبادلي ملزم لجانبين يقضي بتنفيذ كل من طرفيه لالتزامه مما يجعل الإدارة ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة التي أنجزت الأشغال المتفق عليها في ذلك العقد وفق المبلغ المحدد في 531.483.35 درهم.."(المحكمة الإدارية للرباط:حكم رقم 2543 بتاريخ 21/6/2012)؛
2.      " و حيث إن عقد الصفقة هو عقد تبادلي ملزم لجانبين يقضي بتنفيذ كل من طرفيه لالتزامه مما يجعل الإدارة ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة المنجزة لأشغال الصفقة.."(المحكمة الإدارية بالرباط :حكم بتاريخ 27/9/2012- ملف رقم 828/2006)؛
3.      "..و حيث إن عقد الصفقة هو عقد من جانبين يقضي بتنفيذ كل من طرفيه لالتزامه مما يجعل الإدارة ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة التي أنجزت الأشغال المتفق عليها في ذلك العقد، وفق المبلغ المحدد في الكشف الحسابي و محضر الاجتماع النهائي لتسليم الأشغال.."( المحكمة الإدارية للرباط:حكم رقم 1214-مؤرخ في 5/4/2012).
و من هذه الأحكام يتبن لنا أن  الثمن الذي تستحقه المقاولة- في عقد الأشغال على سبيل المثال- كجزاء لوفائها بالتزامها التعاقدي، هو دافعها الأساسي لإبرام الصفقة ، و أن غيابه في عقد الصفقة، يفقده طابعه التقابلي /التبادلي من وجهة نظر المقاول،أي يفقده طابعه التعاقدي،و بالتالي لا يتردد القاضي الإداري في اعتبار الصفقة التي بنيت على هذا العقد باطلة؛لأنها بغير مقابل أو عوض أو ثمن..أي بدون سبب(و هو ركن أساسي في كل عقد، حتى لو كان إداريا).
و إذا كان  القانون المدني، يشترط في الثمن الذي يحصل عليه البائع أن يكون معقولا، و إلا اعتبر "البيع" مجرد هبة مستترة، و يصبح العقد بالتالي معيبا، و قابلا للإبطال.فإن القانون الإداري، فيما يبدو، انتهى إلى نفس النتيجة، عندما اعتبر الصفقات التي يكون فيها الثمن هزيلا[5] ؛ أو التي تكون على شكل "عقود مساعدة تطوعية أو تبرعية" (à titre gratuit)، خارجة من نطاق الصفقات العمومية[6].
و إذا الأصل في عقود الصفقات العمومية أن يحدد الثمن بمبلغ(رقم) محدد من النقود،إلا أن القضاء الإداري لا يرى مانعا في أن يكون العوض مقابلا عينيا:فالشركة المتعاقدة على توريد بضاعة معينة، قد تقوم بالعمل المطلوب منها( تسليم آلات إلى مختبر عمومي، أو أدوية و تجهيزات إلى المستشفى العمومي، أو كراسي لإحدى الإدارات العمومية..)، و لكنها لا تحصل بالضرورة على العوض على شكل ثمن( مبلغ نقدي محدد)، بل قد تحصل على العوض في شكل عيني..أو نقدي و لكن بشكل غير مباشر.
و لتوضيح هذه الفكرة نستقي من الاجتهاد القضائي الفرنسي المثالين التاليين:

1.      لم ير مجلس الدولة الفرنسي، في حصول المتعاقد مع المشتري العمومي على عوض عيني، أي تناقض مع مفهوم الثمن(قضية شركة Sablières modernes d’Aressy (1980))[7]؛

2.      و في نفس الاتجاه أيضا، أصدر مجلس الدولة الفرنسي، و محاكم إدارية فرنسية أخرى، أحكاما صبت في نفس الاتجاه ؛ اعترفت فيها بالعوض العيني أو التعويض النقدي غير المباشر كأثمان للصفقات :فيمكن للمقاول  أن يبني لمصلحة المدينة، محطات صغيرة أو مواقف  للحافلات(abribus)، مجهزة  بكراسي لمستعملي وسائل النقل العمومية ، أو بناء مخادع هاتفية.. و ما شابه.ثم يحصل على ثمن ذلك من  استغلال هذه المنشآت،  بوضع ملصقات الإشهار بداخلها أو على جوانبها الخارجية، مع الإعفاء من أداء الرسوم احتلال الملك العام الجماعي أيضا ( قرار مجلس الدولة في قضية Société Jean Claude de Decaux الصادر في 4 نوفمبر 2005)؛

3.      و قد تبرم الإدارة مع أحد المستثمرين عقد لطباعة أدلة(ج دليل= annuaire) إدارية،على أن يحصل على العوض أو ثمن الصفقة من الأرباح التي يحققها من نشر بعض الإعلانات التجارية في هذه الأدلة( حكم محكمة الاستئناف الإدارية لباريس، بتاريخ 11 أكتوبر 1999، في قضية Ed.Tennog c/cne de Houilles).
و أيا ما كان شكل العوض، فيجب على الإدارة ألا تتنصل من مسؤولية أدائه.غير أن المتعاقد معها، من جهته مطالب ببذل قصارى الجهد للاستمرار في تنفيذ الصفقة، حتى لو أخلت الإدارة بالتزاماتها، كتأخير الأداء أو حتى عدم الأداء ، ليتمكن من المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته جراء ذلك ، فيما بعد.
و من هنا،نفهم كيف أن ثمن الصفقة، في الغالب، لا يقتصر على الثمن المتفق عليه في الثمن الأصلي[8]، بل يشمل أيضا التعويضات التي قد يحصل عليها نتيجة الأضرار التي تلحقه من أعمال الإدارة[9]، أو  تبعا لما قد يقوم به من أعمال إضافية، تطالبه الإدارة بإنجازها( بناء على عقود ملحقة)[10].
المبحث ثاني:تحديد الأثمان في الصفقات:
الأصل أن يحدد الثمن في عقد الصفقة  باتفاق طرفيها( أو أطرافها) ،أي أنه يدخل في عداد الشروط التعاقدية، بل هو جوهر هذه الشروط كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه.و تختلف طريقة تحديد الثمن تبعا لنوع الصفقة:
أ‌-       ففي عقد الأشغال العامة،قد يحدد المتعاقدان ثمنا إجماليا للعملية كلها،و يحددان ثمنا لكل نوع من الأعمال التي تكون الأشغال؛
ب‌-   أما في عقود التوريد، فقد يحدد الثمن للكمية المطلوب توريدها، و قد يحدد وفقا لنوع السلع المطلوب توريدها،على أساس تحديد ثمن لكل وحدة على حدة.
 و هو ما تتضمنه مقتضيات قانون الصفقات.فهو ينص في المادة (11)، تحت عنوان" طبيعة الأثمان و كيفيات تحديدها"، على أنه:" يمكن أن تكون الصفقة بثمن إجمالي أو بأثمان أحادية أو بأثمان مركبة، أو بأثمان بنسبة مائوية".
و سنتناول، فيما يلي، مختلف هذه الأصناف، في عجالة ،وفق الترتيب الذي جاء في المادة السابقة.
المطلب الأول:الصفقة بثمن إجمالي:
يعرف المشرع في المادة (11) ؛" الصفقة بثمن إجمالي " بقوله:" الصفقة بثمن إجمالي هي الصفقة التي يغطي فيها ثمن جزافي مجموع الأعمال موضوع الصفقة، و يتم حساب هذا الثمن الجزافي، على أساس  تفصيل المبلغ الإجمالي.يرصد لكل وحدة من هذا التفصيل ثمن جزافي، و يحسب المبلغ الإجمالي بجمع مختلف الأثمان الجزافية المحددة لكل هذه الوحدات".
و الكثير من الصفقات العمومية، تحدد الأثمان فيها، بطريقة إجمالية جزافية(à prix global forfaitaire)؛ ذلك أنه يفترض في الإدارة أن تكون قادرة على تحديد حاجياتها بدقة، و تحديد ما تستحقه هذه الحاجيات من أثمان، و على ضوء ذلك يمكنها التعاقد على أساس ثمن إجمالي و جزافي،بدون خوف أو تردد.
و هذا يعني،  أنه لا يمكن للإدارة أو المتعاقد معها أن يختارا التعاقد على أساس الصفقات ذات الأثمان الجزافية الإجمالية؛ إلا إذا توفرا على فكرة واضحة و دقيقة عما يريدان بلوغه من الصفقة.لأنه إذا جاءت نتيجة الصفقة مخيبة لآمال أحدهما ؛ لا يمكنه أن يطالب بتغيير الثمن، على أساس أنه تكلف أو تحمل أعمال أو خدمات أو توريدات إضافية، أكثر مما كان يظن( المتعاقد)[11]،أو أن الصفقة لم تحقق كل ما كان يرجوه منها( بالنسبة للإدارة).
و يتم اللجوء إلى هذا النوع من الأثمان ، في صفقات الأشغال و صفقات الخدمات، مثل:
أ‌-          في الأشغال:صفقات الهدم، و صفقات التهيئة، أو أشغال إعادة التشجير، و صفقات الأعمال الثانوية للأشغال(مثل أخذ الصور و الأفلام أو الدراسات الزلزالية  أو الدراسات الجيوتقنية)؛
ب‌-     في الخدمات:صفقات المتعلقة بالتنظيف، و صفقات البستنة،و صفقات الصيانة،إلخ.
المطلب الثاني: الصفقة بثمن أحادي:
تعرف المادة (11) الصفقة بثمن أحادي، كالتالي:" الصفقة بأثمان أحادية هي الصفقة التي تكون فيها الأعمال موزعة على وحداث مختلفة بناء على بيان تقديري مفصل يضعه صاحب المشروع، مع الإشارة بالنسبة لكل وحدة من هذه الوحدات إلى الثمن الأحادي المقترح.
" تحسب المبالغ المستحقة برسم الصفقة بتطبيق الأثمان الأحادية على الكميات المنفذة فعلا طبقا للصفقة".
بلغة أخرى، يمكن القول أن الثمن يكون أحاديا،عندما يمكننا أن نعرف ثمن العمل المراد انجازه-سواء كان شغلا أو خدمة أو توريدا- و لكن الثمن الحقيقي الذي سيدفع مقابل ذلك لا يعرف إلا عند انتهاء الصفقة:ذلك أن المبلغ أو الثمن الذي يجب أداؤه، في هذا النوع من الصفقات، لا يحدد إلا على أساس تقديري (= [12]estimatif ).
هذا، و يستعمل هذا النوع من الأثمان في صفقات التوريدات العادية و صفقات الخدمات العادية،القابلة للتجزيء، مثل:تجهيزات المكاتب، و شراء المواد الغذائية،و تدريب و تكوين الموظفين( السعر يحسب على أساس الحصص أو الدورات،.. إلخ.
و يستعمل أيضا في الأشغال،عندما لا يكون صاحب المشروع قادرا على تحديد كميات الأعمال التي يريد انجازها:أي أن العمل المطلوب لا يكون معروفا مسبقا،فيتم أداء الثمن للمتعاقد على أساس الكميات المنجزة أو المسلمة فعلا.
المطلب الثالث:الصفقة بأثمان مركبة:
لا شك أن لكل من أسلوب الأثمان الجزافية و أسلوب الأثمان الأحادية مزاياه و عيوبه.و من أجل إضفاء الكثير من المرونة، على الأثمان، و الاستفادة من مزايا الأسلوبين السابقين، اقترح المشرع أسلوبا ثالثا في تحديد الأثمان هو أسلوب " الصفقات بأثمان مركبة"، و هي كما يدل عليها اسمها، و كما عرّفها المشرع نفسه ( المادة 11):"..تتضمن أعمالا يؤدى جزء منها على أساس ثمن إجمالي و الجزء الآخر على أساس أثمان أحادية..".
المطلب الثالث:الصفقات بأثمان بنسبة مائوية:
ينص قانون الصفقات، على أن هذا الأسلوب أو النوع من الأثمان، لا يستعمل إلا في حساب أتعاب المهندسين المعماريين ( المادتين 11 و 90).
فالمادة (11) ، تعرف هذا النوع من الصفقات ، كما يلي:" تدعى الصفقة بثمن بنسبة مئوية عندما يحدد ثمن العمل بواسطة نسبة مئوية تطبق على مبلغ الأشغال المنجزة فعلا و التي تمت معاينتها بصفة قانونية دون احتساب الرسوم و دون احتساب المبلغ الناتج عن مراجعة الأثمان و مبالغ التعويضات و الغرامات المحتملة".
أما المادة (90)، التي تحيل عليها المادة (11) ، فتقول:"..تحسب أتعاب المهندس المعماري بتطبيق النسبة المئوية التي يقترحها على مبلغ الأشغال المنجزة فعلا(...)
" ..بالنسبة لأعمال تشييد البنايات بما في ذلك الأعمال المتعلقة بتهيئة و ترميم البنايات، لا يجوز أن تقل أتعاب المهندس المعماري عن نسبة أربعة في المائة( 4% ) أو تتجاوز نسبة خمسة بالمائة ( 5% ).
" بالنسبة للأعمال المتعلقة بصيانة و إصلاح المباني و عندما يقرر صاحب المشروع اللجوء إلى  مهندس معماري لا يمكن أن تقل نسبة أتعاب هذا الأخير عن ثلاثة في المائة (3 %) أو تفوق أربعة في المائة ( 4%  ) ".
المبحث الثالث:طبيعة الأثمان:
يتضمن ثمن الصفقة الربح و التكاليف التي تحملها المتعاقد للوفاء بالتزامه التعاقدي، أو الناتجة بالضرورة و بصفة مباشرة عن العمل موضوع الصفقة إلى حدود مكان تنفيذ العمل؛ بما في ذلك جميع الحقوق و الضرائب و الرسوم و المصاريف العامة و العرضية ( المادة 12).
و هذه التكاليف تختلف من صفقة لأخرى، من طبيعة الحال:
أ‌-          فالثمن في التوريدات، على سبيل المثال، يشمل تكاليف متعددة و متنوعة:كالتخزين، و التغليف،و التأمين، و النقل حتى التسليم،..إلخ( غير أنه يمكن لصاحب المشروع أن يقرر في دفتر التحملات الخاصة أن يتحمل مصاريف الاستخلاص الجمركي أو النقل أو هما معا)(المادة 12)؛
ت‌-     و في صفقات الخدمات، مثل الدراسات، قد تشمل التكاليف :مصاريف التنقل، و الترجمةن و طبع التقارير،او مصاريف الكتابة..إلخ (المادة 154)؛
ث‌-     و أكدت المادة (49) من المرسوم 2.99.1087 بتاريخ 4 ماي 2000،بشأن دفتر التحملات الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال لحساب الدولة، على أن ثمن الصفقة يجب أن يشمل عدا الربح و الضرائب و الرسوم و المصاريف العامة و المصاريف الطارئة، و جميع المصاريف الناتجة بالضرورة و مباشرة عن الأشغال، بما في ذلك بناء المسالك في الأوراش، و وضع الأسيجة و تجهيزات السلامة و المنشآت الصحية، و حراستها و إضاءتها..إلخ.
و  إذن هناك تكاليف كثيرة، يجب على المتعاقدين أخذها بعين الاعتبار، و بالتالي تؤثر في طبيعة الصفقات العمومية.فإذا كان الأصل في الصفقات هو أن تبرم بأثمان نهائية و ثابتة( المطلب الأول)،محددة في عقود الصفقات، باتفاق أطرافها. إلا أنه قد تظهر أسباب تجعل من الضروري عقد صفقات بأثمان قابلة للمراجعة (المطلب الثاني) ، أو حتى إبرامها بأثمان مؤقتة (المطلب الثالث).
المطلب الأول:الصفقات بأثمان ثابتة:
لقد مرّ معنا أعلاه، أن الإدارة تملك امتيازات ، باعتبارها ممثلة للصالح العام، تسمح لها بإجراء تعديلات على عقود الصفقات العامة التي تبرمها،فيما يخص قواعد  و شروط  تنفيذ هذه الصفقات.
إلا أن تلك الامتيازات لا تمتد للمقابل المالي المستحق للمتعاقد معها،لأنه يدخل في نطاق البنود التعاقدية، التي لا يمكن تغييرها إلا بموافقة طرفي عقد الصفقة.
و من هنا، فإن الأثمان التي تحدد في عقود الصفقات، تكون عادة أثمان ثابتة و نهائية، لا يحق للإدارة  تغييرها،إلا بموافقة المقاول أو المورد أو الخدماتي المتعاقد معها.غير أنه،إذا لم يكن بالإمكان تغيير هذه الأثمان الثابتة، إلا أنه يمكن تحيينها، حتى تأخذ بعين الاعتبار بعض المتغيرات الاقتصادية أو الجبائية، التي يجب احتسابها ضمن مكونات الثمن.
و مصداق ذلك،قول المشرع ، في المادة (12):" يكون ثمن الصفقة ثابتا عندما لا يمكن تعديله خلال أجل تنفيذ الصفقة.
" إذا تم تغيير سعر الضريبة على القيمة المضافة، بعد التاريخ الأقصى المحدد لتسليم العروض،فإن صاحب المشروع يعكس هذا التغيير على ثمن التسديد.
" بالنسبة للصفقات المتعلقة باقتناء مواد أو خدمات ذات أسعار منظمة، يعكس صاحب المشروع الفارق الناتج عن تغيير أثمان هذه المواد او الخدمات الحاصل بين تاريخ إيداع العروض و تاريخ التسلم على ثمن التسديد المحدد في الصفقة.
" تبرم على أساس أثمان ثابتة صفقات التوريدات و صفقات الخدمات غير تلك المتعلقة بالدراسات.
"  تبرم صفقات الدراسات بثمن ثابت إذا كان الأجل المحدد لتنفيذها يقل عن أربعة (4) أشهر".
المطلب الثاني:الصفقات بثمن قابل للمراجعة:
الأصل في الصفقات العمومية أنها تبرم على أساس الأثمان  الثابتة، مما يترتب عنه أنها غير قابلة للتغيير ، من حيث المبدأ العام:فلا يحق للإدارة تغيير الثمن بإرادتها المنفردة.
غير أنه، و استثناء من هذا المبدأ العام، الاتفاق بين أطراف الصفقة،- في دفتر التحملات الخاصة[13] - على حالات يسمح فيها بتغيير الأثمان المحددة في العقد،لاسيما عندما يتطلب تنفيذ هذه الصفقات مدة طويلة:فصفقات التوريدات و الخدمات(غير تلك المتعلقة بالدراسات)، تبرم على أساس أثمان ثابتة لأن المدد المطلوبة لتنفيذها تكون قصيرة في العادة، قياسا إلى المدد التي يحتاجها تنفيذ صفقات الأشغال العمومية( و من هنا، تبرم صفقات الأشغال بأثمان قابلة للتغيير révisable).
 و عموما، يشير قانون الصفقات إلى وجود إمكانيات لاتفاق طرفي عقد الصفقة،على تضمين دفتر التحملات الخاصة، صيغا معينة لمراجعة ثمنها و تاريخ استحقاق تلك المراجعة ، مهما كان أجلها، شريطة التقيد بقواعد و شروط مراجعة الأثمان الذي يقرره رئيس الحكومة( و يدرج غالبا في دفتر الشتحملات الإدارية العامة).
و هذه المقتضيات هي التي تنص عليها المادة (12) من قانون الصفقات:" يكون ثمن الصفقة قابلا للمراجعة عندما يمكن تغييره بسبب التقلبات الاقتصادية خلال تنفيذ العمل.
" تبرم صفقات الأشغال بثمن قابل للمراجعة.
" يمكن لصاحب المشروع أن يقرر قابلية الأثمان للمراجعة بالنسبة لصفقات الدراسات التي يساوي أو يفوق أجل إنجازها أربعة(4) أشهر.
" تحدد بقرار لرئيس الحكومة بعد تأشيرة الوزير المكلف بالمالية ،قواعد و شروط مراجعة الأثمان.و  تبين دفاتر التحملات صراحة كيفيات المراجعة و تاريخ استحقاقها".
المطلب الثالث:الصفقات بأثمان مؤقتة:
و الأصل في الصفقات العمومية أيضا، أنها تبرم بأثمان نهائية،تقابل الحاجيات و الأعمال المراد تحقيقها أو الاستجابة لها.
إلا أنه يستثنى من ذلك حالات يتم فيها اللجوء إلى صفقات بأثمان مؤقتة، و لا تصبح نهائية إلا بواسطة عقود ملحقة، و ذلك عندما تلجأ الإدارة، تحت ضغوط الحاجيات الملحة أو عندما يصعب عليها تقدير تكاليف بعض الصفقات التقنية المعقدة،أو لعدم توفر المعلومات عن تكاليف بعض الأعمال أو الخدمات..إلخ.في ظل هذه الظروف " الغامضة"،تضطر الإدارة إلى إبرام صفقات قبل التمكن من تحديد حجم الحاجيات التي تبغي تلبيتها و كذا تكاليف الاستجابة لها:ففي حالة فيضان، أو عدوان أجنبي على حوزة البلاد، أو تهدم قنطرة وحيدة أو أساسية تربط بين نقطتين،أو دمار أصاب أحد المطارات..إلخ، تضطر الإدارة إلى إبرام الصفقة للتصدي لهذه الأوضاع ، قبل تمكنها من تحديد الكيفية التي ستلبي بها الحاجيات التي فرضتها هذه المستجدات.ثم بعد ذلك، تجمع المعلومات التي تساعدها على تحديد حاجياتها بدقة، و من ثم الاتفاق مع المتعاقد معها- بناء على عقد ملحق- على الثمن النهائي للصفقة.
و لأن اللجوء إلى الأثمان المؤقتة استثناء يتعارض مع المبدأ القانوني الذي يقضي بـ" التعريف الدقيق لحاجيات الإدارة"؛ فإن المشرع قد قيده و أطره بشروط، حتى لا يكون إلا في حالات و بكيفيات محددة، عدّدها المشرع على سبيل الحصر:
أ-تقول المادة (12):" تبرم الصفقة بثمن مؤقت عندما يتعين الشروع في تنفيذ العمل في حين أن جميع الشروط الضرورية لتحديد ثمن أصلي نهائي غير مستوفاة بسبب الصبغة الاستعجالية للعمل.
" لا يجوز إبرام صفقة بثمن مؤقت إلا في الحالة المنصوص عليها في الفقرة 5 من البند ثانيا من المادة 86 أدناه و ضمن الشروط المقررة في البند ب من المادة 87 أدناه"؛
ب-الفقرة 5 من البند ثانيا من المادة 86، تقول:" الأعمال المستعجلة التي تهم الدفاع عن حوزة التراب الوطني أو أمن السكان أو سلامة السير الطرقي أو الملاحة الجوية أو البحرية، و التي يجب الشروع في تنفيذها قبل تحديد جميع شروط الصفقة طبقا للشروط المقررة في البند "ب" من المادة 87 بعده"؛
ج‌-        و تنص هذه المادة الأخيرة  على كيفية إبرام الصفقات التفاوضية، "العادية" و " الاستثنائية".ففي البند "أ" بينت كيف تعقد العادية. و في البند "ب" كيف تبرم الاستثنائية الاستعجالية :"..بتبادل رسائل أو اتفاقية خاصة بالنسبة للأعمال المستعجلة المنصوص عليها في حالة الاستثناء الواردة في الفقرة 5 من البند (ثانيا) من المادة 86 أعلاه، التي لا يتلاءم إنجازها مع إعداد الوثائق المكونة للصفقة. و يبين تبادل الرسائل أو الاتفاقية الخاصة المذكورة على الأقل على طبيعة العمليات و كذا حدود التزامات السلطة المتعاقدة من حيث المبلغ و المدة. و يحدد لها ثمنا نهائيا أو ثمنا مؤقتا.و في هذه الحالة الأخيرة، لا يجوز أن يؤدي إلى دفع أي سلفة أو دفعات مسبقة.و يجب أن تتم تسوية تبادل الرسائل أو الاتفاقية الخاصة على شكل صفقة بثمن نهائي خلال الثلاثة أشهر الموالية".

بقي علينا أن نشير في ختام هذا الفصل عن الثمن،إلى أن الأصل في قواعد المحاسبة العامة،أنه لا يجوز دفع المقابل المالي للمتعاقد مع الإدارة إلا إذا تم تنفيذ العقد:أي أن الأداء يكون بعد أداء العمل أو إنجاز الخدمة أو تسليم البضاعة( التسليم النهائي للأشغال، أو تسليم الأدوات و المعدات بالمواصفات المتفقد عليها في التوريدات، أو الانتهاء من أداء الخدمات..).إلا أن هناك صفقات (صفقات بأقساط اشتراطية،و صفقات مُحصّصّة)، تجعل الإدارة تؤدي وفق مبدأ آخر، هو " الدفع جزئيا وفقا للخدمات التي أديت"(acomptes pour lots de fournitures livrés ou tranches de travaux exécutés)[14].
و لكن هذا يفترض أن يكون صاحب الصفقة مليء ماليا، قادر على الإنفاق على تنفيذ الصفقة من بدايتها إلى نهايتها، و على كل ما يترتب عنها من تكاليف عادية و عرضية( أداء أجور العمال و المستخدمين، و شراء المواد الأولية أو الخام، و كراء الآليات أو شراؤها،نفقات التأمين و النقل..،تغيرات في الأسعار، أحوال جوية غير مناسبة..إلخ). و هذا أمر يصعب على الكثير من المقاولين و الموردين و الخدماتيين تحمله،خاصة بالنسبة للصفقات التي تتجاوز أثمنتها الملايين ..بل الملايير من الدراهم.لهذا تجد الإدارة نفسها مضطرة، في الغالب، إلى منح نائل الصفقة تسبيقات أو دفعات تحت الحساب بل و مساعدات مالية أو عينية أو غيرها،كلما دعت الضرورة لذلك و حسب وتيرة الأعمال المنجزة:قد تحسب من الثمن المستحق أو لا تحسب،حسب طبيعتها، أو حسب الاتفاق أو حكم القاضي الإداري[15].
بل و أكثر من هذا، و لتزويد المتعاقد مع الإدارة ببعض الأموال التي يحتاجها، عمل المشرع المغربي على انشاء صندوق خاص يتكلف بتمويل صفقات الدولة، تساهم فيه الدولة و بعض الأبناك .و بذلك يمكن للمتعاقد أن يرهن الصفقة، و يحصل على ما قد يحتاجه من سيولة.


[1]  العِوَضُ:واحدُ الأعواض.تقول منه:عاضه، و أعاضه، و عوّضه تعويضا و عاوضه، أي : أعطاه العِوض أي أعطاه بدلاً أو خلفاً.و استعاضَ: أي طلب العِوض.( انظر :القاموس).
[2]  و هذا العِوض أو الثمن الذي يدفعه المشتري العمومي، كما رأينا في الفصل التمهيدي، هو الذي يميز عقد الصفقة العمومية عن عقد الامتياز أو التدبير المفوض.
[3]  فعلى سبيل المثال:لقد حدّد المشرع، في صفقات طلب العروض المفتوحة أو المحدودة، و سواء تعلق الأمر بالأشغال أو التوريدات أو الخدمات، عددا من المقاييس يتم على أساسها قبول المتنافسين ( منها:الضمانات، و المؤهلات القانونية و التقنية و المالية، و الخدمة بعد البيع، و الفعالية المتعلقة بحماية البيئة..إلخ)- إلا أن القانون- المادة (18) على سبيل المثال- ينص على أنه بعد قبول المتنافسين" يبقى الثمن المقترح هو المقياس الوحيد الواجب مرعاته لأجل إسناد الصفقة"(مع استثناءات قليلة، منها صفقات الدراسات).
[4]  الجدير بالذكر أن المشرع المغربي، كما المشرع الفرنسي، لم يعرفا مفهوم الثمن، و تركا ذلك للقضاء و الفقه.
[5]  و القضاء الإداري الفرنسي( على الأقل)، ينظر بعين الريبة لمثل هذه الصفقات، إذ يخشى في مثل هذه الحالة، أن يكون العمل الذي ينجزه المقاول أو الخدماتي أو المورد، مقابل ثمن هزيل..مجرد رشوة  مستترة( بل هي مفضوحة)، لأحد المسؤولين السياسيين أو الإداريين..بهدف تمهيد الطريق لإبرام صفقة أكبر و أهم( تعوض لهذا المقاول أو المورد أو الخدماتي)، كل ما أنفقه...من رشاوى.
[6]  من هنا، أخرج المشرع عددا من العقود الإدارية التي تبرمها الجماعات الترابية من مجال تطبيق قانون الصفقات،لأنها تكتسي صفة "المساعدة".و هذا هو مقتضى المادة (131) :"..الاتفاقيات المبرمة من طرف الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات مع هيئات عمومية محلية أو وطنية أو هيئات دولية، و المتعلقة بالمساعدة لصاحب المشروع".
[7]  و ملخص القضية،باختصار شديد، أن  جماعة(Meillon) اتفقت مع (la société anonyme des sablières modernes d’ARESSY s.a.s)،لقطع أحد تعرجات نهر "غاف دي بو"(Le  gave de Pau )- و هو نهر يوجد في جنوب غرب فرنسا-، على أن يكون العوض  مقابل هذا العمل؛ هو حصولها مجانا، على المواد ( الحجارة و الرمال..) التي ستستخرج من أوراش الأشغال.
راجع هذا الحكم في أحد الموقعين التاليين:
Conseil d'Etat, 22 février 1980, n° 11939, SA des Sablières modernes d’Aressy  in : http://www.marche-public.fr/Marches-publics/Textes/Jurisprudence/CE-11939-sablieres-modernes-aressy.htm
أو موقع مجلس الدولة الفرنسي: http://www.conseil-etat.fr/
[8]  الذي يتضمن التكاليف و الأرباح.يقول المشرع ( المادة 12):" يتضمن ثمن الصفقة الربح و جميع الحقوق و الضرائب و الرسوم و المصاريف العامة و العرضية و بصفة عامة جميع النفقات الناتجة بالضرورة و بصفة مباشرة عن العمل موضوع الصفقة إلى حدود مكان تنفيذ العمل..".
و بالرجوع إلى دفاتر التحملات الإدارية العامة، يمكن العثور على توضيحات أو تفاصيل حول مكونات الثمن و طبيعته في كل صفقة.
[9]  و مبالغ هذه التعويضات و كيفيات حسابها، كما سيق القول، قد تحدد في شروط الصفقة، أو في حالة عدم الإشارة إليها، يتكلف القضاء بتحديدها.
[10]  إن الثمن الأصلي لا يتغير دائما في اتجاه الزيادة، بل قد ينقص أحيانا:ففي عقود الأشغال العمومية، قد تدعو الضرورة إلى تقليص الأشغال، فيتم توقيع عقد جديد، يحدد فيه الثمن الجديد للصفقة  الذي ينقص عن الثمن الأصلي(هذا هو مقتضى المادة 50 من  مرسوم 4 ماي 2000، بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على  صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة-منشور بالعدد 4800 من الجريدة الرسمية ن بتاريخ 4 يونيو 2000).
[11]  ما لم تكن الأعمال أو التوريدات أو الخدمات الإضافية، أضيفت بطلب من الإدارة:عندها يستحق المتعاقد تعويضا.
[12]  راجع النسخة الفرنسية من قانون الصفقات.
[13]  وفق صيغ مراجعة الأثمان، التي تحددها البنود المالية المشتركة، المنصوص عليها في دفاتر الشروط المشتركة( المادة 13- البند ألف-الفقرة 2).
[14]  الطماوي- ص 636.
[15]  و لقد تضاربت آراء القضاء الإداري حول المساعدات و تسهيلات التي تمنحها الإدارة، فهناك من اعتبرها داخلة في حساب الثمن، و هناك من أخرجها من الثمن( و قد نعود غلى بحث هذه النقطة لاحقا، إن شاء الله تعالى).


المطلب الثاني:الضرائب النسبية و الضرائب التصاعدية
إن معيار التمييز أو التصنيف هنا، يرتبط بطريقة التضريب.فالضرائب النسبية(impôts proportionnels) تعني ضرب المواد الضريبية بأسعار ثابتة، مهما كانت قيمة المادة الضريبية، مثال ذلك بعض السلع و الخدمات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، و كذا الضرائب المضروبة على الشركات، فهي تقوم على أسعار نسبية( كما سنرى، فيما يلي).و على العكس من ذلك، فإن الضريبة التصاعدية(impôt progressif)، تعني أن اسعار الضريبة تتصاعد (تزداد) بازدياد قيمة المواد الضريبية الخاضعة لها.
و النظام التصاعدي،إذن، يضرب بقوة أكبر الملزمين،قياسا إلى النظام النسبي:فصاحب الدخل الذي يصل إلى مائتي ألف(200.000) درهم مثلا،يؤدي ضريبة أكبر من ضعف الضريبة التي يؤديها اثنان من المكلفين لكل واحد منهما دخل قدره مائة ألف(100.000) درهم.
و لقد كانت نسبية الضريبة، تعتبر عند الكتاب الليبراليين، عنوانا للعدالة الجبائية، على اعتبار  أنها تتناسب طردا مع القدرات التكليفية لكل ملزم، و المتمثلة في ما يحققه من دخل أو ما يملكه من رأسمال.فهي تضرب الدخول و الثروات بطريقة متساوية، و تعامل المكلفين معاملة متساوية، و بذلك تحقق المساواة أمام الضريبة:فالفقير يؤدي أقل من الغني،رغم أن السعر المطبق عليهما، هو نفسه لا يتغير[1].
ثم جاءت أفكار، مع انتشار الإيديولوجية الاشتراكية،تفند هذا المفهوم الحسابي للعدالة الجبائية، و تدعو المشرع الجبائي، إلى الأخذ بمفهوم العدالة الجبائية الحقيقية، التي لا تتحقق بالمساواة الحسابية، بل بالأخذ بعين الاعتبار " القدرة الحقيقية " للمكلف، و التي لا تختزل في دخله أو ممتلكاته، و إنما تحسب فيها أيضا التكاليف و الأعباء التي يتحملها.
بتعبير آخر، لقد ظهر مفهوم جديد يدعو إلى " التناسب" في " التضحية" من أجل المصلحة العامة:فالضريبة العادلة، هي التي تحقق مساواة في التضحية بين الملزمين،و هذه المساواة لا تتحقق إلى عندما نخضع كل ملزم للضريبة التي تتناسب مع قدراته الحقيقية، أي بعدما نكون قد كشفنا عن أعبائه:فإذا اقتطعنا (5% ) من دخل مكلف ثري، دخله مليون (1.000.000) درهم، لا يكون له نفس التأثير الذي يكون لاقتطاع نفس النسبة (5%)، من مكلف فقير ، لا يتجاوز دخله خمسون ألف (50.000) درهم(في السنة طبعا..فالضريبة سنوية كما تعلمون).
 و لقد ظهرت أطروحات اقتصادية، مستنبطة من النظرية الحدية، تدعم هذا الرأي،و تبين المنفعة المتناقصة (للنقود التي تكون) الدخل: و على أساس من ذلك،ظهرت نظريات تطالب بإعفاء الحدود الدنيا من الدخل، أو إخضاعها لأسعار منخفضة؛ لأن الدخول الصغيرة، تخصص للنفقات الضروريات،في حين أصحاب الدخول الكبيرة ينفقون جزءا منها على نفقات البذخ و الرفاهية.و بالتالي أهمية  التدرج صعودا في الأسعار الجبائية ؛فتكون الأسعار المطبقة على الدخل أو الجزء من الدخل المخصص للنفقات الضرورية منخفضة (لأن هذا الجزء تكون منفعته كبيرة)، ثم تزداد (تصعد) مع النفقات التي تأتي بعدها في الأهمية،وصولا إلى أسعار مرتفعة على الأموال التي تنفق على الكماليات(نفقات الرفاهية و البذخ).  
و سنستأنف هذا الحديث عن الضرائب النسبية و التصاعدية، في سياق الحديث عن الأسعار، إن شاء الله تعالى.
المطلب الثالث :الضرائب التحليلية و الضرائب (الفريدة) العامة
يمكن للمشرع أن يختار بين نوعين من التقنيات الكبرى:
1- إما أن يقوم بتضريب، بشكل منفصل، كل عنصر من عناصر الرأسمال، و كل صنف من أصناف الدخل، و كل عملية من عمليات الإنافق على حدة.و بذلك، يستعمل المشرع عددا من الضرائب التي تسمى الضرائب التحليلية (Impôts analytiques).
2- أو يقوم بضرب الدخل الذي يحققه المكلف، بجميع أصنافه، و يضرب ما يتوافر عليه من عناصر الثروة ( الرأسمال) في مجموعها، أو جميع عمليات الإنفاق التي يقوم بها المكلف، خلال مرحلة من المراحل ( شهر، أو فصل، أو سنة)،و هكذا.في هذه الحالة، نتحدث عن الضرائب عامة أو شاملة أو مركبة (Impôts systematiques): مثل الضريبة العامة على الدخل( تضرب على الكثير من أصناف، إن لم نقل جميع أنواع الدخل التي يحققها الفرد أو المقاولة..)، و الضريبة على القيمة المضافة( التي تضرب على الكثير من أصناف الإنفاق..).
و النظم الجبائية المعاصرة ، في أغلبها، تطورت من النوع الأول (أي ضرائب تضرب على أوعية منفصلة:مثل الضريبة على الأجور و المرتبات، و ضريبة على الدخول العقارية، و ضريبة على الدخول المهنية..)، إلى النوع الآخر ( الضريبة العامة على الدخل مثلا..).و من هذه النظم، النظام الجبائي المغربي، كما سنرى لاحقا.
المطلب الرابع:الضرائب التوزيعية و الضرائب القياسية
الضريبة التوزيعية (impôt de répartition)هي الضريبة التي يقوم المشرع بتحديد حصيلتها الإجمالية، دون أن يحدد طريقة حسابها ( و تحديد سعرها).فالمبلغ المطلوب ( كحصيلة)، يوزع بين المكلفين، حسب قدراتهم على الأداء.و هذا التوزيع، قد يتم على أساس جغرافي أو إداري، فيقسم مبلغ الضريبة، بين الأقاليم ( أو الأقسام الإدارية)، و في كل إقليم يقسم بين المناطق..إلخ، وصولا  إلى المكلف الفرد.كما قد يكون التوزيع مهنيا ( أو اجتماعيا)، أي بين الجماعات المهنية ( الفلاحون، و التجار، و الصناع، و أصحاب المهن الحرة..إلخ)، و داخل كل مهنة أو حرفة، يقسم المبلغ المخصص لها، بين أعضائها، وصولا إلى المكلف الفرد.
إن لهذا النوع من الضرائب، ميزة أساسية تتمثل في ضمان الحصول على إيرادات محددة ن معروفة مسبقا.إلا أن له عيوب، من أهمها عدم مرونته،فهو لا يتكيف مع الزيادة التي قد تحصل في ثروات السكان، في المناطق الخاضعة للضريبة؛إذ لا يمكن للإدارة الجبائية في كل منطقة- من الناحية القانونية- أن تجبي إلا المقدار  المحدد سلفا لها.يضاف إلى ذلك، و هذا عيوب ثان،أن تقدير الحصيلة الجبائية، لا يمكن أن يأخذ في الحسبان الضرائب غير المباشرة.
إلا أن العيب الأكبر للضرائب التوزيعية، يكمن في عدم تحقيقها للعدالة و المساواة بين المكلفين:فهي مهما كانت جيدة ،لا يمكنا أن تحقق إلا عدالة نسبية،أي في إطار الوحدة الإقليمية الأخيرة، التي توزع فيها مبلغ الضريبة.أما فيما هو أكبر من هذا المستوى، فلا يمكن تحقيق العدالة:فمع تساوي مكلفين في القدرات الجبائية،فهما في الغالب سيؤديان ضريبتين مختلفتين،لا لشيء إلا لأن أحدهما يقيم في وحدة إقليمية (منطقة) كثيرة السكان، و الآخر في منطقة قليلة السكان.و في هذا خرق كبير لمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة،الأمر الذي أدى إلى التخلي عن هذا النوع من الضرائب، لمصلحة الضرائب القياسية.
أما الضريبة القياسية(impôt de quotité)،فهي الضريبة التي يحدد المشرع، مسبقا، طريقة حسابها و سعرها، و من ثم فحصيلتها الإجمالية لا تكون معروفة سلفا، بل تعتمد على كمية المادة الضريبية،  التي لا تقدر إلا بشكل تقريبي، و الحصيلة لا تعرف على وجه اليقين، إلا بعد انتهاء عملية التحصيل.
و إذن، فالاختلاف بين الضرائب التوزيعية و الضرائب القياسية، يكم في تحديد الوعاء، و من ثم السعر المطبق عليه.فبدل من الانطلاق من مبلغ إجمالي مضروبا على وعاء كبير هو إقليم الدولة (ثم يوزع على الوحدات الإقليمية للدولة)، فإن الضريبة القياسية، تنطلق أوعية بمواصفات معينة، و مكلفين لهم علاقة بهذه الأوعية.و التشريع الجبائي، في هذا النوع الأخير (القياسي)، لا يحدد الحصيلة الإجمالية للضريبة، و لكن يكتفي بتحديد السعر الذي يضرب الوعاء المحدد، بطريقة واحدة يتساوى أمامها جميع المكلفين الذين تعود لهم تلك الأوعية (المتشابهة جبائيا).
و إذا كان النظام القياسي،يفتقد إلى تلك الميزة التي يتوافر عليها النظام التوزيعي- و المتمثلة في المعرفة المسبقة لحصيلة الضريبة أو الضرائب-، إلا أن له ميزة أخرى ، لعلها أهم، ألا وهي تحقيق المساواة في معاملة المكلفين بالضرائب.
و لا أظنني في حاجة إلى القول، أو إلى التذكير، في ختام هذا المطلب، أن النظام القياسي ، هو الذي يستعمل اليوم.أما النظام التوزيعي ، فكان يستعمل في الماضي، و استمر العمل به نهاية العصور الحديثة( بل إلى بدايات القرن العشرين في بعض البلدان).


[1]  سنشرح ذلك، بالتفصيل، في سياق حديثنا عن الأسعار، إن شاء الله تعالى.


المبحث الثالث: تصنيفات أخرى
بالإضافة إلى التصنيفين الكبيرين السابقين، هناك تصنيفات أخرى،جديرة بالدرس هي أيضا، لأنها تسلط الضوء على جوانب أخرى من الضرائب، قد لا تقل أهمية عن ما رأيناه في المبحثين السابقين.
المطلب الأول: الضرائب العينية و الضرائب الشخصية
صحيح أن الضريبة، في نهاية المطاف يتحملها المكلف، شخصا طبيعيا كان أم معنويا.و لكن، في بعض الحالات، فإن المكلف لا يؤخذ بعين الاعتبار عند سن الضريبة، بل تراعى المادة الضريبية (الوعاء) فقط،  و في هذه الحالة تسمى الضريبة عينية (impôt réel). أما، عندما تأخذ الضريبة بعين الاعتبار(أيضا) شخص المكلف، أي ظروفه الاقتصادية و الاجتماعية، مثلا، فإنها تسمى ضريبة شخصية(impôt personnel).
و هكذا، فهذا التصنيف يراعي الآثار الاجتماعية للضريبة، و على أساس ذلك يمكن التمييز بين الضرائب العينية و الضرائب الشخصية:
1- فالضرائب الشخصية، هي التي تراعى فيها الظروف الشخصية و الاجتماعية للمكلف بدفع الضريبة،
أي مقدرته التكليفية، مثال ذلك الضريبة على الدخل(دخل الأشخاص الطبيعيين)، فهي تأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية و الاجتماعية للمكلف (عازب أو متزوج؟ رب أسرة كبيرة ام صغيرة؟ له ديون؟..إلخ)؛
 2- في حين أن الضريبة العينية لا تأخذ تلك الظروف بعين الاعتبار،لا الظروف الشخصية و لا الاجتماعية للمكلف؛ و إنما تكتفي بالنظر إلى المادة الخاضعة للضريبة فقط؛ مثل الضريبة على القيمة المضافة (TVA)،فهي لا تأخذ بعين القدرة التكليفية- القدرة على أداء الضريبة- للمكلف[1].
و من أهم عناصر التشخيص الضريبي،في النظم الجبائية المعاصرة:
أ- إعفاء حد أدنى من الدخول( أو الثروات= الرأسمال)،يناسب و النفقات الضرورية للمعيشة- و هي مسألة نسبية-؛بحيث لا يستفيد من هذا الإعفاء المكلفين الذين تزيد دخولهم على قدر معين؛
ب- و من أهم عناصر التشخيص كذلك، إعفاء الأعباء العائلية، يتناسب و عدد من يعولهم المكلف من أفراد أسرته أو عائلته( و هناك نظم تمنح إعفاءات أخرى،من بعض  أنواع الديون ( إلى حد معين)، التي يتحملها المكلف للتأمين على صحته، أو لاقتناء سكن..أو للانفاق على تعليم أبنائه..أو ما شابه)؛
ج- و من عناصر التشخيص أيضا ، التمييز بين أنواع الدخول الخاضعة للضريبة حسب مصادرها المختلفة:دخل العمل، ة دخل الرأسمال، و دخل المصدر المختلط (الرأسمال و العمل: دخل المقاول، و المحامي، و الطبيب..و غيرذلك من أصحاب المهن الحرة)[2].
و لعل السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الطالب(ة) هنا، هو: ترى أي النوعين أفضل؟ العيني أم الشخصي؟
ليس هناك شيء أفضل بالمطلق، و إنما هناك شيء أفضل من شيء بمقدار نسبي،..حسب الزمان..حسب المكان..حسب الأهداف و السياسات..حسب الإمكانيات..إلخ.و من ثم، إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية الإدارة الضريبية، يمكن القول  أن الضريبة العينية أفضل، لأن حسابها سهل؛إذ لا تتضمن إعفاءات(يجب حسابها و خصمها من الوعاء)، و لذات السبب ؛فالتهرب منها أيضا، أمر صعب.
أما إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية المكلف؛فالضريبة الشخصية هي الأفضل؛لأنها تمنح إعفاءات عائلية و غيرها، يصرح بها الملزم،و من ثم فإنه قد يبالغ في تقدير أعبائه العائلية و الاجتماعية، و بالتالي يسهل عليه التهرب من أداء مبلغ الضريبة المفروض عليه، كله أو بعضه ، لا سيما و أن الكثير من الإدارات الجبائية لا تتوافر على الوسائل القانونية و البشرية و المالية، للتحقق من صحة تصريحات المكلفين.
و مهما يكن الأمر، فإن التطور الذي حصل في التشريع الجبائي، ذهب في اتجاه أقرب ما يكون إلى الأخذ بوجهة نظر المكلف أو مراعاة ظروفه، بدليل أن المشرع الجبائي في الكثير من بلدان العالم، و منذ أكثر من قرن، أخذ يسن الضرائب العامة على الدخول، و بدأ بتقليص الضرائب النوعية،التي كانت تضرب على كل نوع من الدخول(راجع المطلب الثالث من هذا المبحث)،لأن الضريبة العامة على الدخل، تضرب مجموع دخل أو دخول المكلف(من الراتب أو الأجر، و دخل رأسمالي كالدخل العقاري، و دخول أخرى عند وجودها)،و  بذلك يصبح من الممكن تشخيص الضريبة، اي مقارنة قدرات المكلف على اداء الضريبة مع ظروفه الشخصية (الأعباء العائلية، و الديون..إلخ)، و هو الأمر الذي لا يتحقق بسهولة مع الضرائب العينية، التي تضرب على أجزاء منفصلة للدخل(ضريبة على الراتب أو الأجر، و ضريبة أخرى على الدخل العقاري أو الرأسمال المنقول..إلخ):و على هذا الأساس، يمكن القول،أن الضريبة العامة على الدخل [3]؛ ضريبة شخصية، وكل الضرائب النوعية(cedulaires)، هي ضرائب عينية.و من ثم،و لأن أغلب الضرائب غير المباشرة، هي ضرائب عينية؛فإنها توصف بأنها غير عادلة.


[1]  الجدير بالذكر أن هذا النوع، كان موجود منذ القدم،و مازال مستمرا إلى يومنا هذا.و ربما كان يبرر وجوده في القدم، ضعف الإمكانيات التي توافرت عليها الإدارات الجبائية التي لم تكن تساعدها على التحقق من الظروف الشخصية للمكلفين.أما اليوم، فتلقى هذه الضرائب الدعم من أنصار الفلسفات و الإيديولوجيات الليبرالية، عادة الحرية الفردية،و عدم تدخل الإدارة في حياة المكلفين، و الاطلاع على أحوالهم الاجتماعية أو الاقتصادية.
[2]  سنعود لمناقشة هذه النقطة، بتفصيل أكثر، في سياق بحثنا للضرائب على الدخل، في هذا الفصل.
[3]  و في الواقع، إن كل الضرائب المباشرة يمكن اعتبارها ضرائب شخصية، لأنها قابلة للتشخيص،إلا أن التشخيص الحقيقي لا يتم إلا في الضرائب العامة، لأنها تراعي مجمل الدخل،من ناحية،الأمر الذي يساعد على تقدير الظروف الشخصية الكاملة للمكلف، على نحو صحيح أو أقرب إلى الصحة.في حين لو طبق التشخيص على مستوى كل ضريبة نوعية،فإن الملزم سيستفيد من إعفاءات متعددة ، مرة بمناسبة أدائه للضريبة على الراتب أو الأجر، و مرة أخرى بمناسبة أدائه للضربة على دخله العقاري، و هكذا.و لا شك أن ذلك يتنافى مع العدالة الجبائية، ناهيك عن إضراره بالحصيلة الجبائية.