الأربعاء، 1 أبريل 2020


الفصل الثالث:الصفقة ..عقد بعوض:
ينص قانون الصفقات العمومية،على أن عقود الصفقات تبرم مقابل عِوَض[1] (contrat conclue à titre onéreux )، بمعنى   أن صاحب الصفقة يقوم بالعمل أو الأعمال المتفق عليها، مقابل حصوله على الثمن المحدد في العقد( من الإدارة)[2]:فالعوض،إذن، هو حصول المتعاقد مع الإدارة على المقابل المالي الذي يستحقه على وفائه بالتزامه المشروط في عقد الصفقة.
و تثير قضية العِوَض  إشكاليات كثيرة  و معقدة،إذ أن العوض هو أحد الأركان الأساسية التي تقوم عليها الصفقات العمومية:فهو المعيار الذي تقاس به فعالية الطلبية العمومية و حسن استعمال المال العام.كما أن التوصل إلى " العوض العادل و المنصف"، هو الهدف الذي من أجله تضطر الإدارة إلى تحديد حاجياتها بدقة، و تنظم منافسة واسعة.لا بل تفقد عبارة " الصفقة الأفضل اقتصاديا" معناها بالنسبة للإدارة، إذا هي تجاهلت مفهوم العوض "العادل"، أي الثمن في تناسبه مع المقابل الذي تحصل عليه:أشغال، أو خدمات، أو توريدات[3].
و نفس الشيء تقريبا، يمكن قوله، إذا نظرنا إلى العوض من زاوية المتعاقد مع الإدارة؛ فهو لا يدخل في منافسة لنيل صفقة معينة، إلا للحصول المقابل المالي.لا بل لا يتنافس إلا إذا شعر أن الثمن الذي يقترحه- في عرضه المالي- ثمن "عادل" و "منصف" بالنسبة له:بمعنى أنه يسمح له بتغطية التكاليف و تحقيق هامش من الربح، يسمح لمقاولته بان تستمر و أن تتقدم و تزدهر( و هذا أمر طبيعي و مشروع).
و هكذا، فالبحث عن العوض (أو المقابل المالي، أو الثمن) العادل، هو اكبر ضمانة بأن الإدارة ستستعمل المال العام استعمالا جيدا، من جهة.و هو الضمانة كذلك،بأن المتعاقد معها، سيحرص على انجاز العمل المطلوب منه على أحسن وجه( أو على الأقل حسب الشروط المحددة في دفاتر التحملات)، لا لشيء  إلا لأن الصفقة ستسمح له بالعمل و تحقيق أرباح "منصفة"..من جهة أخرى.
فما هي الأعواض أو الأثمان في الصفقات العمومية ؟( المبحث الأول).و كيف تحدد؟ ( المبحث الثاني) و ما هي طبيعتها؟( المبحث الثالث).
المبحث الأول: مفهوم العوض في الصفقة:
 يكاد يجمع القضاء و الفقه الإداريين معا[4] ، ربما باستثناء أنصار "نظرية عقد الإذعان" ، على أن عقد الصفقة العمومية يرتب التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين؛إذ أن التزام كل واحد من طرفي العقد، يجد سببه(سبب التزامه) في التزام الطرف الآخر:
1.    فالإدارة  تعتبر، من جهة، دائنة بتسلم العمل ( بناء سد، أو مستشفى..) أو المبيعات ( تجهيزات..)  أو خدمات ؛ و مدينة بالعوض(الثمن)..من جهة اخرى؛
2.    و المتعاقد معها،يعتبر، من ناحية، دائنا بالعِوض (الثمن)، و مدينا بتسليم العمل..أو المبيع أو الخدمة.. من ناحية أخرى.
و بتعبير آخر، فبالنسبة للإدارة ( أي المشتري العمومي) ،يكمن سبب التزامها بأداء الثمن؛ في تنفيذ الأشغال و تسلمها ( كليا أو جزئيا)، و تسلم التوريدات( التجهيزات، و الأدوات و السلع..)، أو في أداء الخدمة المطلوبة.و بالنسبة للمورِّد أو الخدماتي أو المقاول، فإن سبب التزامه بتسليم التوريدات أو الأشغال أو الخدمات؛ هو الثمن الذي سيحصل عليه.
و هذا ما أكده القضاء الإداري، في أكثر من حكم.من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1.      " ..و حيث إن عقد الصفقة هو عقد تبادلي ملزم لجانبين يقضي بتنفيذ كل من طرفيه لالتزامه مما يجعل الإدارة ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة التي أنجزت الأشغال المتفق عليها في ذلك العقد وفق المبلغ المحدد في 531.483.35 درهم.."(المحكمة الإدارية للرباط:حكم رقم 2543 بتاريخ 21/6/2012)؛
2.      " و حيث إن عقد الصفقة هو عقد تبادلي ملزم لجانبين يقضي بتنفيذ كل من طرفيه لالتزامه مما يجعل الإدارة ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة المنجزة لأشغال الصفقة.."(المحكمة الإدارية بالرباط :حكم بتاريخ 27/9/2012- ملف رقم 828/2006)؛
3.      "..و حيث إن عقد الصفقة هو عقد من جانبين يقضي بتنفيذ كل من طرفيه لالتزامه مما يجعل الإدارة ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة التي أنجزت الأشغال المتفق عليها في ذلك العقد، وفق المبلغ المحدد في الكشف الحسابي و محضر الاجتماع النهائي لتسليم الأشغال.."( المحكمة الإدارية للرباط:حكم رقم 1214-مؤرخ في 5/4/2012).
و من هذه الأحكام يتبن لنا أن  الثمن الذي تستحقه المقاولة- في عقد الأشغال على سبيل المثال- كجزاء لوفائها بالتزامها التعاقدي، هو دافعها الأساسي لإبرام الصفقة ، و أن غيابه في عقد الصفقة، يفقده طابعه التقابلي /التبادلي من وجهة نظر المقاول،أي يفقده طابعه التعاقدي،و بالتالي لا يتردد القاضي الإداري في اعتبار الصفقة التي بنيت على هذا العقد باطلة؛لأنها بغير مقابل أو عوض أو ثمن..أي بدون سبب(و هو ركن أساسي في كل عقد، حتى لو كان إداريا).
و إذا كان  القانون المدني، يشترط في الثمن الذي يحصل عليه البائع أن يكون معقولا، و إلا اعتبر "البيع" مجرد هبة مستترة، و يصبح العقد بالتالي معيبا، و قابلا للإبطال.فإن القانون الإداري، فيما يبدو، انتهى إلى نفس النتيجة، عندما اعتبر الصفقات التي يكون فيها الثمن هزيلا[5] ؛ أو التي تكون على شكل "عقود مساعدة تطوعية أو تبرعية" (à titre gratuit)، خارجة من نطاق الصفقات العمومية[6].
و إذا الأصل في عقود الصفقات العمومية أن يحدد الثمن بمبلغ(رقم) محدد من النقود،إلا أن القضاء الإداري لا يرى مانعا في أن يكون العوض مقابلا عينيا:فالشركة المتعاقدة على توريد بضاعة معينة، قد تقوم بالعمل المطلوب منها( تسليم آلات إلى مختبر عمومي، أو أدوية و تجهيزات إلى المستشفى العمومي، أو كراسي لإحدى الإدارات العمومية..)، و لكنها لا تحصل بالضرورة على العوض على شكل ثمن( مبلغ نقدي محدد)، بل قد تحصل على العوض في شكل عيني..أو نقدي و لكن بشكل غير مباشر.
و لتوضيح هذه الفكرة نستقي من الاجتهاد القضائي الفرنسي المثالين التاليين:

1.      لم ير مجلس الدولة الفرنسي، في حصول المتعاقد مع المشتري العمومي على عوض عيني، أي تناقض مع مفهوم الثمن(قضية شركة Sablières modernes d’Aressy (1980))[7]؛

2.      و في نفس الاتجاه أيضا، أصدر مجلس الدولة الفرنسي، و محاكم إدارية فرنسية أخرى، أحكاما صبت في نفس الاتجاه ؛ اعترفت فيها بالعوض العيني أو التعويض النقدي غير المباشر كأثمان للصفقات :فيمكن للمقاول  أن يبني لمصلحة المدينة، محطات صغيرة أو مواقف  للحافلات(abribus)، مجهزة  بكراسي لمستعملي وسائل النقل العمومية ، أو بناء مخادع هاتفية.. و ما شابه.ثم يحصل على ثمن ذلك من  استغلال هذه المنشآت،  بوضع ملصقات الإشهار بداخلها أو على جوانبها الخارجية، مع الإعفاء من أداء الرسوم احتلال الملك العام الجماعي أيضا ( قرار مجلس الدولة في قضية Société Jean Claude de Decaux الصادر في 4 نوفمبر 2005)؛

3.      و قد تبرم الإدارة مع أحد المستثمرين عقد لطباعة أدلة(ج دليل= annuaire) إدارية،على أن يحصل على العوض أو ثمن الصفقة من الأرباح التي يحققها من نشر بعض الإعلانات التجارية في هذه الأدلة( حكم محكمة الاستئناف الإدارية لباريس، بتاريخ 11 أكتوبر 1999، في قضية Ed.Tennog c/cne de Houilles).
و أيا ما كان شكل العوض، فيجب على الإدارة ألا تتنصل من مسؤولية أدائه.غير أن المتعاقد معها، من جهته مطالب ببذل قصارى الجهد للاستمرار في تنفيذ الصفقة، حتى لو أخلت الإدارة بالتزاماتها، كتأخير الأداء أو حتى عدم الأداء ، ليتمكن من المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته جراء ذلك ، فيما بعد.
و من هنا،نفهم كيف أن ثمن الصفقة، في الغالب، لا يقتصر على الثمن المتفق عليه في الثمن الأصلي[8]، بل يشمل أيضا التعويضات التي قد يحصل عليها نتيجة الأضرار التي تلحقه من أعمال الإدارة[9]، أو  تبعا لما قد يقوم به من أعمال إضافية، تطالبه الإدارة بإنجازها( بناء على عقود ملحقة)[10].
المبحث ثاني:تحديد الأثمان في الصفقات:
الأصل أن يحدد الثمن في عقد الصفقة  باتفاق طرفيها( أو أطرافها) ،أي أنه يدخل في عداد الشروط التعاقدية، بل هو جوهر هذه الشروط كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه.و تختلف طريقة تحديد الثمن تبعا لنوع الصفقة:
أ‌-       ففي عقد الأشغال العامة،قد يحدد المتعاقدان ثمنا إجماليا للعملية كلها،و يحددان ثمنا لكل نوع من الأعمال التي تكون الأشغال؛
ب‌-   أما في عقود التوريد، فقد يحدد الثمن للكمية المطلوب توريدها، و قد يحدد وفقا لنوع السلع المطلوب توريدها،على أساس تحديد ثمن لكل وحدة على حدة.
 و هو ما تتضمنه مقتضيات قانون الصفقات.فهو ينص في المادة (11)، تحت عنوان" طبيعة الأثمان و كيفيات تحديدها"، على أنه:" يمكن أن تكون الصفقة بثمن إجمالي أو بأثمان أحادية أو بأثمان مركبة، أو بأثمان بنسبة مائوية".
و سنتناول، فيما يلي، مختلف هذه الأصناف، في عجالة ،وفق الترتيب الذي جاء في المادة السابقة.
المطلب الأول:الصفقة بثمن إجمالي:
يعرف المشرع في المادة (11) ؛" الصفقة بثمن إجمالي " بقوله:" الصفقة بثمن إجمالي هي الصفقة التي يغطي فيها ثمن جزافي مجموع الأعمال موضوع الصفقة، و يتم حساب هذا الثمن الجزافي، على أساس  تفصيل المبلغ الإجمالي.يرصد لكل وحدة من هذا التفصيل ثمن جزافي، و يحسب المبلغ الإجمالي بجمع مختلف الأثمان الجزافية المحددة لكل هذه الوحدات".
و الكثير من الصفقات العمومية، تحدد الأثمان فيها، بطريقة إجمالية جزافية(à prix global forfaitaire)؛ ذلك أنه يفترض في الإدارة أن تكون قادرة على تحديد حاجياتها بدقة، و تحديد ما تستحقه هذه الحاجيات من أثمان، و على ضوء ذلك يمكنها التعاقد على أساس ثمن إجمالي و جزافي،بدون خوف أو تردد.
و هذا يعني،  أنه لا يمكن للإدارة أو المتعاقد معها أن يختارا التعاقد على أساس الصفقات ذات الأثمان الجزافية الإجمالية؛ إلا إذا توفرا على فكرة واضحة و دقيقة عما يريدان بلوغه من الصفقة.لأنه إذا جاءت نتيجة الصفقة مخيبة لآمال أحدهما ؛ لا يمكنه أن يطالب بتغيير الثمن، على أساس أنه تكلف أو تحمل أعمال أو خدمات أو توريدات إضافية، أكثر مما كان يظن( المتعاقد)[11]،أو أن الصفقة لم تحقق كل ما كان يرجوه منها( بالنسبة للإدارة).
و يتم اللجوء إلى هذا النوع من الأثمان ، في صفقات الأشغال و صفقات الخدمات، مثل:
أ‌-          في الأشغال:صفقات الهدم، و صفقات التهيئة، أو أشغال إعادة التشجير، و صفقات الأعمال الثانوية للأشغال(مثل أخذ الصور و الأفلام أو الدراسات الزلزالية  أو الدراسات الجيوتقنية)؛
ب‌-     في الخدمات:صفقات المتعلقة بالتنظيف، و صفقات البستنة،و صفقات الصيانة،إلخ.
المطلب الثاني: الصفقة بثمن أحادي:
تعرف المادة (11) الصفقة بثمن أحادي، كالتالي:" الصفقة بأثمان أحادية هي الصفقة التي تكون فيها الأعمال موزعة على وحداث مختلفة بناء على بيان تقديري مفصل يضعه صاحب المشروع، مع الإشارة بالنسبة لكل وحدة من هذه الوحدات إلى الثمن الأحادي المقترح.
" تحسب المبالغ المستحقة برسم الصفقة بتطبيق الأثمان الأحادية على الكميات المنفذة فعلا طبقا للصفقة".
بلغة أخرى، يمكن القول أن الثمن يكون أحاديا،عندما يمكننا أن نعرف ثمن العمل المراد انجازه-سواء كان شغلا أو خدمة أو توريدا- و لكن الثمن الحقيقي الذي سيدفع مقابل ذلك لا يعرف إلا عند انتهاء الصفقة:ذلك أن المبلغ أو الثمن الذي يجب أداؤه، في هذا النوع من الصفقات، لا يحدد إلا على أساس تقديري (= [12]estimatif ).
هذا، و يستعمل هذا النوع من الأثمان في صفقات التوريدات العادية و صفقات الخدمات العادية،القابلة للتجزيء، مثل:تجهيزات المكاتب، و شراء المواد الغذائية،و تدريب و تكوين الموظفين( السعر يحسب على أساس الحصص أو الدورات،.. إلخ.
و يستعمل أيضا في الأشغال،عندما لا يكون صاحب المشروع قادرا على تحديد كميات الأعمال التي يريد انجازها:أي أن العمل المطلوب لا يكون معروفا مسبقا،فيتم أداء الثمن للمتعاقد على أساس الكميات المنجزة أو المسلمة فعلا.
المطلب الثالث:الصفقة بأثمان مركبة:
لا شك أن لكل من أسلوب الأثمان الجزافية و أسلوب الأثمان الأحادية مزاياه و عيوبه.و من أجل إضفاء الكثير من المرونة، على الأثمان، و الاستفادة من مزايا الأسلوبين السابقين، اقترح المشرع أسلوبا ثالثا في تحديد الأثمان هو أسلوب " الصفقات بأثمان مركبة"، و هي كما يدل عليها اسمها، و كما عرّفها المشرع نفسه ( المادة 11):"..تتضمن أعمالا يؤدى جزء منها على أساس ثمن إجمالي و الجزء الآخر على أساس أثمان أحادية..".
المطلب الثالث:الصفقات بأثمان بنسبة مائوية:
ينص قانون الصفقات، على أن هذا الأسلوب أو النوع من الأثمان، لا يستعمل إلا في حساب أتعاب المهندسين المعماريين ( المادتين 11 و 90).
فالمادة (11) ، تعرف هذا النوع من الصفقات ، كما يلي:" تدعى الصفقة بثمن بنسبة مئوية عندما يحدد ثمن العمل بواسطة نسبة مئوية تطبق على مبلغ الأشغال المنجزة فعلا و التي تمت معاينتها بصفة قانونية دون احتساب الرسوم و دون احتساب المبلغ الناتج عن مراجعة الأثمان و مبالغ التعويضات و الغرامات المحتملة".
أما المادة (90)، التي تحيل عليها المادة (11) ، فتقول:"..تحسب أتعاب المهندس المعماري بتطبيق النسبة المئوية التي يقترحها على مبلغ الأشغال المنجزة فعلا(...)
" ..بالنسبة لأعمال تشييد البنايات بما في ذلك الأعمال المتعلقة بتهيئة و ترميم البنايات، لا يجوز أن تقل أتعاب المهندس المعماري عن نسبة أربعة في المائة( 4% ) أو تتجاوز نسبة خمسة بالمائة ( 5% ).
" بالنسبة للأعمال المتعلقة بصيانة و إصلاح المباني و عندما يقرر صاحب المشروع اللجوء إلى  مهندس معماري لا يمكن أن تقل نسبة أتعاب هذا الأخير عن ثلاثة في المائة (3 %) أو تفوق أربعة في المائة ( 4%  ) ".
المبحث الثالث:طبيعة الأثمان:
يتضمن ثمن الصفقة الربح و التكاليف التي تحملها المتعاقد للوفاء بالتزامه التعاقدي، أو الناتجة بالضرورة و بصفة مباشرة عن العمل موضوع الصفقة إلى حدود مكان تنفيذ العمل؛ بما في ذلك جميع الحقوق و الضرائب و الرسوم و المصاريف العامة و العرضية ( المادة 12).
و هذه التكاليف تختلف من صفقة لأخرى، من طبيعة الحال:
أ‌-          فالثمن في التوريدات، على سبيل المثال، يشمل تكاليف متعددة و متنوعة:كالتخزين، و التغليف،و التأمين، و النقل حتى التسليم،..إلخ( غير أنه يمكن لصاحب المشروع أن يقرر في دفتر التحملات الخاصة أن يتحمل مصاريف الاستخلاص الجمركي أو النقل أو هما معا)(المادة 12)؛
ت‌-     و في صفقات الخدمات، مثل الدراسات، قد تشمل التكاليف :مصاريف التنقل، و الترجمةن و طبع التقارير،او مصاريف الكتابة..إلخ (المادة 154)؛
ث‌-     و أكدت المادة (49) من المرسوم 2.99.1087 بتاريخ 4 ماي 2000،بشأن دفتر التحملات الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال لحساب الدولة، على أن ثمن الصفقة يجب أن يشمل عدا الربح و الضرائب و الرسوم و المصاريف العامة و المصاريف الطارئة، و جميع المصاريف الناتجة بالضرورة و مباشرة عن الأشغال، بما في ذلك بناء المسالك في الأوراش، و وضع الأسيجة و تجهيزات السلامة و المنشآت الصحية، و حراستها و إضاءتها..إلخ.
و  إذن هناك تكاليف كثيرة، يجب على المتعاقدين أخذها بعين الاعتبار، و بالتالي تؤثر في طبيعة الصفقات العمومية.فإذا كان الأصل في الصفقات هو أن تبرم بأثمان نهائية و ثابتة( المطلب الأول)،محددة في عقود الصفقات، باتفاق أطرافها. إلا أنه قد تظهر أسباب تجعل من الضروري عقد صفقات بأثمان قابلة للمراجعة (المطلب الثاني) ، أو حتى إبرامها بأثمان مؤقتة (المطلب الثالث).
المطلب الأول:الصفقات بأثمان ثابتة:
لقد مرّ معنا أعلاه، أن الإدارة تملك امتيازات ، باعتبارها ممثلة للصالح العام، تسمح لها بإجراء تعديلات على عقود الصفقات العامة التي تبرمها،فيما يخص قواعد  و شروط  تنفيذ هذه الصفقات.
إلا أن تلك الامتيازات لا تمتد للمقابل المالي المستحق للمتعاقد معها،لأنه يدخل في نطاق البنود التعاقدية، التي لا يمكن تغييرها إلا بموافقة طرفي عقد الصفقة.
و من هنا، فإن الأثمان التي تحدد في عقود الصفقات، تكون عادة أثمان ثابتة و نهائية، لا يحق للإدارة  تغييرها،إلا بموافقة المقاول أو المورد أو الخدماتي المتعاقد معها.غير أنه،إذا لم يكن بالإمكان تغيير هذه الأثمان الثابتة، إلا أنه يمكن تحيينها، حتى تأخذ بعين الاعتبار بعض المتغيرات الاقتصادية أو الجبائية، التي يجب احتسابها ضمن مكونات الثمن.
و مصداق ذلك،قول المشرع ، في المادة (12):" يكون ثمن الصفقة ثابتا عندما لا يمكن تعديله خلال أجل تنفيذ الصفقة.
" إذا تم تغيير سعر الضريبة على القيمة المضافة، بعد التاريخ الأقصى المحدد لتسليم العروض،فإن صاحب المشروع يعكس هذا التغيير على ثمن التسديد.
" بالنسبة للصفقات المتعلقة باقتناء مواد أو خدمات ذات أسعار منظمة، يعكس صاحب المشروع الفارق الناتج عن تغيير أثمان هذه المواد او الخدمات الحاصل بين تاريخ إيداع العروض و تاريخ التسلم على ثمن التسديد المحدد في الصفقة.
" تبرم على أساس أثمان ثابتة صفقات التوريدات و صفقات الخدمات غير تلك المتعلقة بالدراسات.
"  تبرم صفقات الدراسات بثمن ثابت إذا كان الأجل المحدد لتنفيذها يقل عن أربعة (4) أشهر".
المطلب الثاني:الصفقات بثمن قابل للمراجعة:
الأصل في الصفقات العمومية أنها تبرم على أساس الأثمان  الثابتة، مما يترتب عنه أنها غير قابلة للتغيير ، من حيث المبدأ العام:فلا يحق للإدارة تغيير الثمن بإرادتها المنفردة.
غير أنه، و استثناء من هذا المبدأ العام، الاتفاق بين أطراف الصفقة،- في دفتر التحملات الخاصة[13] - على حالات يسمح فيها بتغيير الأثمان المحددة في العقد،لاسيما عندما يتطلب تنفيذ هذه الصفقات مدة طويلة:فصفقات التوريدات و الخدمات(غير تلك المتعلقة بالدراسات)، تبرم على أساس أثمان ثابتة لأن المدد المطلوبة لتنفيذها تكون قصيرة في العادة، قياسا إلى المدد التي يحتاجها تنفيذ صفقات الأشغال العمومية( و من هنا، تبرم صفقات الأشغال بأثمان قابلة للتغيير révisable).
 و عموما، يشير قانون الصفقات إلى وجود إمكانيات لاتفاق طرفي عقد الصفقة،على تضمين دفتر التحملات الخاصة، صيغا معينة لمراجعة ثمنها و تاريخ استحقاق تلك المراجعة ، مهما كان أجلها، شريطة التقيد بقواعد و شروط مراجعة الأثمان الذي يقرره رئيس الحكومة( و يدرج غالبا في دفتر الشتحملات الإدارية العامة).
و هذه المقتضيات هي التي تنص عليها المادة (12) من قانون الصفقات:" يكون ثمن الصفقة قابلا للمراجعة عندما يمكن تغييره بسبب التقلبات الاقتصادية خلال تنفيذ العمل.
" تبرم صفقات الأشغال بثمن قابل للمراجعة.
" يمكن لصاحب المشروع أن يقرر قابلية الأثمان للمراجعة بالنسبة لصفقات الدراسات التي يساوي أو يفوق أجل إنجازها أربعة(4) أشهر.
" تحدد بقرار لرئيس الحكومة بعد تأشيرة الوزير المكلف بالمالية ،قواعد و شروط مراجعة الأثمان.و  تبين دفاتر التحملات صراحة كيفيات المراجعة و تاريخ استحقاقها".
المطلب الثالث:الصفقات بأثمان مؤقتة:
و الأصل في الصفقات العمومية أيضا، أنها تبرم بأثمان نهائية،تقابل الحاجيات و الأعمال المراد تحقيقها أو الاستجابة لها.
إلا أنه يستثنى من ذلك حالات يتم فيها اللجوء إلى صفقات بأثمان مؤقتة، و لا تصبح نهائية إلا بواسطة عقود ملحقة، و ذلك عندما تلجأ الإدارة، تحت ضغوط الحاجيات الملحة أو عندما يصعب عليها تقدير تكاليف بعض الصفقات التقنية المعقدة،أو لعدم توفر المعلومات عن تكاليف بعض الأعمال أو الخدمات..إلخ.في ظل هذه الظروف " الغامضة"،تضطر الإدارة إلى إبرام صفقات قبل التمكن من تحديد حجم الحاجيات التي تبغي تلبيتها و كذا تكاليف الاستجابة لها:ففي حالة فيضان، أو عدوان أجنبي على حوزة البلاد، أو تهدم قنطرة وحيدة أو أساسية تربط بين نقطتين،أو دمار أصاب أحد المطارات..إلخ، تضطر الإدارة إلى إبرام الصفقة للتصدي لهذه الأوضاع ، قبل تمكنها من تحديد الكيفية التي ستلبي بها الحاجيات التي فرضتها هذه المستجدات.ثم بعد ذلك، تجمع المعلومات التي تساعدها على تحديد حاجياتها بدقة، و من ثم الاتفاق مع المتعاقد معها- بناء على عقد ملحق- على الثمن النهائي للصفقة.
و لأن اللجوء إلى الأثمان المؤقتة استثناء يتعارض مع المبدأ القانوني الذي يقضي بـ" التعريف الدقيق لحاجيات الإدارة"؛ فإن المشرع قد قيده و أطره بشروط، حتى لا يكون إلا في حالات و بكيفيات محددة، عدّدها المشرع على سبيل الحصر:
أ-تقول المادة (12):" تبرم الصفقة بثمن مؤقت عندما يتعين الشروع في تنفيذ العمل في حين أن جميع الشروط الضرورية لتحديد ثمن أصلي نهائي غير مستوفاة بسبب الصبغة الاستعجالية للعمل.
" لا يجوز إبرام صفقة بثمن مؤقت إلا في الحالة المنصوص عليها في الفقرة 5 من البند ثانيا من المادة 86 أدناه و ضمن الشروط المقررة في البند ب من المادة 87 أدناه"؛
ب-الفقرة 5 من البند ثانيا من المادة 86، تقول:" الأعمال المستعجلة التي تهم الدفاع عن حوزة التراب الوطني أو أمن السكان أو سلامة السير الطرقي أو الملاحة الجوية أو البحرية، و التي يجب الشروع في تنفيذها قبل تحديد جميع شروط الصفقة طبقا للشروط المقررة في البند "ب" من المادة 87 بعده"؛
ج‌-        و تنص هذه المادة الأخيرة  على كيفية إبرام الصفقات التفاوضية، "العادية" و " الاستثنائية".ففي البند "أ" بينت كيف تعقد العادية. و في البند "ب" كيف تبرم الاستثنائية الاستعجالية :"..بتبادل رسائل أو اتفاقية خاصة بالنسبة للأعمال المستعجلة المنصوص عليها في حالة الاستثناء الواردة في الفقرة 5 من البند (ثانيا) من المادة 86 أعلاه، التي لا يتلاءم إنجازها مع إعداد الوثائق المكونة للصفقة. و يبين تبادل الرسائل أو الاتفاقية الخاصة المذكورة على الأقل على طبيعة العمليات و كذا حدود التزامات السلطة المتعاقدة من حيث المبلغ و المدة. و يحدد لها ثمنا نهائيا أو ثمنا مؤقتا.و في هذه الحالة الأخيرة، لا يجوز أن يؤدي إلى دفع أي سلفة أو دفعات مسبقة.و يجب أن تتم تسوية تبادل الرسائل أو الاتفاقية الخاصة على شكل صفقة بثمن نهائي خلال الثلاثة أشهر الموالية".

بقي علينا أن نشير في ختام هذا الفصل عن الثمن،إلى أن الأصل في قواعد المحاسبة العامة،أنه لا يجوز دفع المقابل المالي للمتعاقد مع الإدارة إلا إذا تم تنفيذ العقد:أي أن الأداء يكون بعد أداء العمل أو إنجاز الخدمة أو تسليم البضاعة( التسليم النهائي للأشغال، أو تسليم الأدوات و المعدات بالمواصفات المتفقد عليها في التوريدات، أو الانتهاء من أداء الخدمات..).إلا أن هناك صفقات (صفقات بأقساط اشتراطية،و صفقات مُحصّصّة)، تجعل الإدارة تؤدي وفق مبدأ آخر، هو " الدفع جزئيا وفقا للخدمات التي أديت"(acomptes pour lots de fournitures livrés ou tranches de travaux exécutés)[14].
و لكن هذا يفترض أن يكون صاحب الصفقة مليء ماليا، قادر على الإنفاق على تنفيذ الصفقة من بدايتها إلى نهايتها، و على كل ما يترتب عنها من تكاليف عادية و عرضية( أداء أجور العمال و المستخدمين، و شراء المواد الأولية أو الخام، و كراء الآليات أو شراؤها،نفقات التأمين و النقل..،تغيرات في الأسعار، أحوال جوية غير مناسبة..إلخ). و هذا أمر يصعب على الكثير من المقاولين و الموردين و الخدماتيين تحمله،خاصة بالنسبة للصفقات التي تتجاوز أثمنتها الملايين ..بل الملايير من الدراهم.لهذا تجد الإدارة نفسها مضطرة، في الغالب، إلى منح نائل الصفقة تسبيقات أو دفعات تحت الحساب بل و مساعدات مالية أو عينية أو غيرها،كلما دعت الضرورة لذلك و حسب وتيرة الأعمال المنجزة:قد تحسب من الثمن المستحق أو لا تحسب،حسب طبيعتها، أو حسب الاتفاق أو حكم القاضي الإداري[15].
بل و أكثر من هذا، و لتزويد المتعاقد مع الإدارة ببعض الأموال التي يحتاجها، عمل المشرع المغربي على انشاء صندوق خاص يتكلف بتمويل صفقات الدولة، تساهم فيه الدولة و بعض الأبناك .و بذلك يمكن للمتعاقد أن يرهن الصفقة، و يحصل على ما قد يحتاجه من سيولة.


[1]  العِوَضُ:واحدُ الأعواض.تقول منه:عاضه، و أعاضه، و عوّضه تعويضا و عاوضه، أي : أعطاه العِوض أي أعطاه بدلاً أو خلفاً.و استعاضَ: أي طلب العِوض.( انظر :القاموس).
[2]  و هذا العِوض أو الثمن الذي يدفعه المشتري العمومي، كما رأينا في الفصل التمهيدي، هو الذي يميز عقد الصفقة العمومية عن عقد الامتياز أو التدبير المفوض.
[3]  فعلى سبيل المثال:لقد حدّد المشرع، في صفقات طلب العروض المفتوحة أو المحدودة، و سواء تعلق الأمر بالأشغال أو التوريدات أو الخدمات، عددا من المقاييس يتم على أساسها قبول المتنافسين ( منها:الضمانات، و المؤهلات القانونية و التقنية و المالية، و الخدمة بعد البيع، و الفعالية المتعلقة بحماية البيئة..إلخ)- إلا أن القانون- المادة (18) على سبيل المثال- ينص على أنه بعد قبول المتنافسين" يبقى الثمن المقترح هو المقياس الوحيد الواجب مرعاته لأجل إسناد الصفقة"(مع استثناءات قليلة، منها صفقات الدراسات).
[4]  الجدير بالذكر أن المشرع المغربي، كما المشرع الفرنسي، لم يعرفا مفهوم الثمن، و تركا ذلك للقضاء و الفقه.
[5]  و القضاء الإداري الفرنسي( على الأقل)، ينظر بعين الريبة لمثل هذه الصفقات، إذ يخشى في مثل هذه الحالة، أن يكون العمل الذي ينجزه المقاول أو الخدماتي أو المورد، مقابل ثمن هزيل..مجرد رشوة  مستترة( بل هي مفضوحة)، لأحد المسؤولين السياسيين أو الإداريين..بهدف تمهيد الطريق لإبرام صفقة أكبر و أهم( تعوض لهذا المقاول أو المورد أو الخدماتي)، كل ما أنفقه...من رشاوى.
[6]  من هنا، أخرج المشرع عددا من العقود الإدارية التي تبرمها الجماعات الترابية من مجال تطبيق قانون الصفقات،لأنها تكتسي صفة "المساعدة".و هذا هو مقتضى المادة (131) :"..الاتفاقيات المبرمة من طرف الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات مع هيئات عمومية محلية أو وطنية أو هيئات دولية، و المتعلقة بالمساعدة لصاحب المشروع".
[7]  و ملخص القضية،باختصار شديد، أن  جماعة(Meillon) اتفقت مع (la société anonyme des sablières modernes d’ARESSY s.a.s)،لقطع أحد تعرجات نهر "غاف دي بو"(Le  gave de Pau )- و هو نهر يوجد في جنوب غرب فرنسا-، على أن يكون العوض  مقابل هذا العمل؛ هو حصولها مجانا، على المواد ( الحجارة و الرمال..) التي ستستخرج من أوراش الأشغال.
راجع هذا الحكم في أحد الموقعين التاليين:
Conseil d'Etat, 22 février 1980, n° 11939, SA des Sablières modernes d’Aressy  in : http://www.marche-public.fr/Marches-publics/Textes/Jurisprudence/CE-11939-sablieres-modernes-aressy.htm
أو موقع مجلس الدولة الفرنسي: http://www.conseil-etat.fr/
[8]  الذي يتضمن التكاليف و الأرباح.يقول المشرع ( المادة 12):" يتضمن ثمن الصفقة الربح و جميع الحقوق و الضرائب و الرسوم و المصاريف العامة و العرضية و بصفة عامة جميع النفقات الناتجة بالضرورة و بصفة مباشرة عن العمل موضوع الصفقة إلى حدود مكان تنفيذ العمل..".
و بالرجوع إلى دفاتر التحملات الإدارية العامة، يمكن العثور على توضيحات أو تفاصيل حول مكونات الثمن و طبيعته في كل صفقة.
[9]  و مبالغ هذه التعويضات و كيفيات حسابها، كما سيق القول، قد تحدد في شروط الصفقة، أو في حالة عدم الإشارة إليها، يتكلف القضاء بتحديدها.
[10]  إن الثمن الأصلي لا يتغير دائما في اتجاه الزيادة، بل قد ينقص أحيانا:ففي عقود الأشغال العمومية، قد تدعو الضرورة إلى تقليص الأشغال، فيتم توقيع عقد جديد، يحدد فيه الثمن الجديد للصفقة  الذي ينقص عن الثمن الأصلي(هذا هو مقتضى المادة 50 من  مرسوم 4 ماي 2000، بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على  صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة-منشور بالعدد 4800 من الجريدة الرسمية ن بتاريخ 4 يونيو 2000).
[11]  ما لم تكن الأعمال أو التوريدات أو الخدمات الإضافية، أضيفت بطلب من الإدارة:عندها يستحق المتعاقد تعويضا.
[12]  راجع النسخة الفرنسية من قانون الصفقات.
[13]  وفق صيغ مراجعة الأثمان، التي تحددها البنود المالية المشتركة، المنصوص عليها في دفاتر الشروط المشتركة( المادة 13- البند ألف-الفقرة 2).
[14]  الطماوي- ص 636.
[15]  و لقد تضاربت آراء القضاء الإداري حول المساعدات و تسهيلات التي تمنحها الإدارة، فهناك من اعتبرها داخلة في حساب الثمن، و هناك من أخرجها من الثمن( و قد نعود غلى بحث هذه النقطة لاحقا، إن شاء الله تعالى).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق