المبحث
الثالث: تصنيفات أخرى
بالإضافة إلى التصنيفين
الكبيرين السابقين، هناك تصنيفات أخرى،جديرة بالدرس هي أيضا، لأنها تسلط الضوء على
جوانب أخرى من الضرائب، قد لا تقل أهمية عن ما رأيناه في المبحثين السابقين.
المطلب
الأول: الضرائب العينية و الضرائب الشخصية
صحيح أن الضريبة، في نهاية
المطاف يتحملها المكلف، شخصا طبيعيا كان أم معنويا.و لكن، في بعض الحالات، فإن
المكلف لا يؤخذ بعين الاعتبار عند سن الضريبة، بل تراعى المادة الضريبية (الوعاء)
فقط، و في هذه الحالة تسمى الضريبة عينية
(impôt réel).
أما، عندما تأخذ الضريبة بعين الاعتبار(أيضا) شخص المكلف، أي ظروفه الاقتصادية و
الاجتماعية، مثلا، فإنها تسمى ضريبة شخصية(impôt personnel).
و هكذا، فهذا التصنيف يراعي
الآثار الاجتماعية للضريبة، و على أساس ذلك يمكن التمييز بين الضرائب العينية و
الضرائب الشخصية:
1- فالضرائب الشخصية، هي
التي تراعى فيها الظروف الشخصية و الاجتماعية للمكلف بدفع الضريبة،
أي مقدرته التكليفية، مثال
ذلك الضريبة على الدخل(دخل الأشخاص الطبيعيين)، فهي تأخذ بعين الاعتبار الظروف
الشخصية و الاجتماعية للمكلف (عازب أو متزوج؟ رب أسرة كبيرة ام صغيرة؟ له
ديون؟..إلخ)؛
2- في حين أن الضريبة العينية لا تأخذ تلك
الظروف بعين الاعتبار،لا الظروف الشخصية و لا الاجتماعية للمكلف؛ و إنما تكتفي
بالنظر إلى المادة الخاضعة للضريبة فقط؛ مثل الضريبة على القيمة المضافة (TVA)،فهي لا تأخذ بعين القدرة
التكليفية- القدرة على أداء الضريبة- للمكلف[1].
و من أهم عناصر التشخيص
الضريبي،في النظم الجبائية المعاصرة:
أ- إعفاء حد أدنى من الدخول( أو الثروات= الرأسمال)،يناسب
و النفقات الضرورية للمعيشة- و هي مسألة نسبية-؛بحيث لا يستفيد من هذا الإعفاء
المكلفين الذين تزيد دخولهم على قدر معين؛
ب- و من أهم عناصر التشخيص كذلك، إعفاء الأعباء العائلية،
يتناسب و عدد من يعولهم المكلف من أفراد أسرته أو عائلته( و هناك نظم تمنح إعفاءات
أخرى،من بعض أنواع الديون ( إلى حد معين)،
التي يتحملها المكلف للتأمين على صحته، أو لاقتناء سكن..أو للانفاق على تعليم
أبنائه..أو ما شابه)؛
ج- و من عناصر التشخيص أيضا ، التمييز بين أنواع الدخول
الخاضعة للضريبة حسب مصادرها المختلفة:دخل العمل، ة دخل الرأسمال، و دخل المصدر
المختلط (الرأسمال و العمل: دخل المقاول، و المحامي، و الطبيب..و غيرذلك من أصحاب
المهن الحرة)[2].
و لعل السؤال الذي يتبادر
إلى ذهن الطالب(ة) هنا، هو: ترى أي النوعين أفضل؟ العيني أم الشخصي؟
ليس هناك شيء أفضل بالمطلق،
و إنما هناك شيء أفضل من شيء بمقدار نسبي،..حسب الزمان..حسب المكان..حسب الأهداف و
السياسات..حسب الإمكانيات..إلخ.و من ثم، إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية الإدارة
الضريبية، يمكن القول أن الضريبة العينية
أفضل، لأن حسابها سهل؛إذ لا تتضمن إعفاءات(يجب حسابها و خصمها من الوعاء)، و لذات
السبب ؛فالتهرب منها أيضا، أمر صعب.
أما إذا نظرنا إلى المسألة
من زاوية المكلف؛فالضريبة الشخصية هي الأفضل؛لأنها تمنح إعفاءات عائلية و غيرها،
يصرح بها الملزم،و من ثم فإنه قد يبالغ في تقدير أعبائه العائلية و الاجتماعية، و
بالتالي يسهل عليه التهرب من أداء مبلغ الضريبة المفروض عليه، كله أو بعضه ، لا
سيما و أن الكثير من الإدارات الجبائية لا تتوافر على الوسائل القانونية و البشرية
و المالية، للتحقق من صحة تصريحات المكلفين.
و مهما يكن الأمر، فإن التطور الذي حصل في التشريع الجبائي، ذهب في اتجاه
أقرب ما يكون إلى الأخذ بوجهة نظر المكلف أو مراعاة ظروفه، بدليل أن المشرع الجبائي
في الكثير من بلدان العالم، و منذ أكثر من قرن، أخذ يسن الضرائب العامة على
الدخول، و بدأ بتقليص الضرائب النوعية،التي كانت تضرب على كل نوع من الدخول(راجع
المطلب الثالث من هذا المبحث)،لأن الضريبة العامة على الدخل، تضرب مجموع دخل أو
دخول المكلف(من الراتب أو الأجر، و دخل رأسمالي كالدخل العقاري، و دخول أخرى عند
وجودها)،و بذلك يصبح من الممكن تشخيص
الضريبة، اي مقارنة قدرات المكلف على اداء الضريبة مع ظروفه الشخصية (الأعباء
العائلية، و الديون..إلخ)، و هو الأمر الذي لا يتحقق بسهولة مع الضرائب العينية،
التي تضرب على أجزاء منفصلة للدخل(ضريبة على الراتب أو الأجر، و ضريبة أخرى على
الدخل العقاري أو الرأسمال المنقول..إلخ):و على هذا الأساس، يمكن القول،أن الضريبة
العامة على الدخل [3]؛
ضريبة شخصية، وكل الضرائب النوعية(cedulaires)، هي ضرائب عينية.و من ثم،و لأن أغلب الضرائب غير
المباشرة، هي ضرائب عينية؛فإنها توصف بأنها غير عادلة.
[1] الجدير بالذكر أن هذا النوع، كان موجود منذ
القدم،و مازال مستمرا إلى يومنا هذا.و ربما كان يبرر وجوده في القدم، ضعف
الإمكانيات التي توافرت عليها الإدارات الجبائية التي لم تكن تساعدها على التحقق
من الظروف الشخصية للمكلفين.أما اليوم، فتلقى هذه الضرائب الدعم من أنصار الفلسفات
و الإيديولوجيات الليبرالية، عادة الحرية الفردية،و عدم تدخل الإدارة في حياة
المكلفين، و الاطلاع على أحوالهم الاجتماعية أو الاقتصادية.
[3] و في الواقع، إن كل الضرائب المباشرة يمكن
اعتبارها ضرائب شخصية، لأنها قابلة للتشخيص،إلا أن التشخيص الحقيقي لا يتم إلا في
الضرائب العامة، لأنها تراعي مجمل الدخل،من ناحية،الأمر الذي يساعد على تقدير
الظروف الشخصية الكاملة للمكلف، على نحو صحيح أو أقرب إلى الصحة.في حين لو طبق
التشخيص على مستوى كل ضريبة نوعية،فإن الملزم سيستفيد من إعفاءات متعددة ، مرة
بمناسبة أدائه للضريبة على الراتب أو الأجر، و مرة أخرى بمناسبة أدائه للضربة على
دخله العقاري، و هكذا.و لا شك أن ذلك يتنافى مع العدالة الجبائية، ناهيك عن إضراره
بالحصيلة الجبائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق