الأربعاء، 1 أبريل 2020


المطلب الثاني:الضرائب النسبية و الضرائب التصاعدية
إن معيار التمييز أو التصنيف هنا، يرتبط بطريقة التضريب.فالضرائب النسبية(impôts proportionnels) تعني ضرب المواد الضريبية بأسعار ثابتة، مهما كانت قيمة المادة الضريبية، مثال ذلك بعض السلع و الخدمات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، و كذا الضرائب المضروبة على الشركات، فهي تقوم على أسعار نسبية( كما سنرى، فيما يلي).و على العكس من ذلك، فإن الضريبة التصاعدية(impôt progressif)، تعني أن اسعار الضريبة تتصاعد (تزداد) بازدياد قيمة المواد الضريبية الخاضعة لها.
و النظام التصاعدي،إذن، يضرب بقوة أكبر الملزمين،قياسا إلى النظام النسبي:فصاحب الدخل الذي يصل إلى مائتي ألف(200.000) درهم مثلا،يؤدي ضريبة أكبر من ضعف الضريبة التي يؤديها اثنان من المكلفين لكل واحد منهما دخل قدره مائة ألف(100.000) درهم.
و لقد كانت نسبية الضريبة، تعتبر عند الكتاب الليبراليين، عنوانا للعدالة الجبائية، على اعتبار  أنها تتناسب طردا مع القدرات التكليفية لكل ملزم، و المتمثلة في ما يحققه من دخل أو ما يملكه من رأسمال.فهي تضرب الدخول و الثروات بطريقة متساوية، و تعامل المكلفين معاملة متساوية، و بذلك تحقق المساواة أمام الضريبة:فالفقير يؤدي أقل من الغني،رغم أن السعر المطبق عليهما، هو نفسه لا يتغير[1].
ثم جاءت أفكار، مع انتشار الإيديولوجية الاشتراكية،تفند هذا المفهوم الحسابي للعدالة الجبائية، و تدعو المشرع الجبائي، إلى الأخذ بمفهوم العدالة الجبائية الحقيقية، التي لا تتحقق بالمساواة الحسابية، بل بالأخذ بعين الاعتبار " القدرة الحقيقية " للمكلف، و التي لا تختزل في دخله أو ممتلكاته، و إنما تحسب فيها أيضا التكاليف و الأعباء التي يتحملها.
بتعبير آخر، لقد ظهر مفهوم جديد يدعو إلى " التناسب" في " التضحية" من أجل المصلحة العامة:فالضريبة العادلة، هي التي تحقق مساواة في التضحية بين الملزمين،و هذه المساواة لا تتحقق إلى عندما نخضع كل ملزم للضريبة التي تتناسب مع قدراته الحقيقية، أي بعدما نكون قد كشفنا عن أعبائه:فإذا اقتطعنا (5% ) من دخل مكلف ثري، دخله مليون (1.000.000) درهم، لا يكون له نفس التأثير الذي يكون لاقتطاع نفس النسبة (5%)، من مكلف فقير ، لا يتجاوز دخله خمسون ألف (50.000) درهم(في السنة طبعا..فالضريبة سنوية كما تعلمون).
 و لقد ظهرت أطروحات اقتصادية، مستنبطة من النظرية الحدية، تدعم هذا الرأي،و تبين المنفعة المتناقصة (للنقود التي تكون) الدخل: و على أساس من ذلك،ظهرت نظريات تطالب بإعفاء الحدود الدنيا من الدخل، أو إخضاعها لأسعار منخفضة؛ لأن الدخول الصغيرة، تخصص للنفقات الضروريات،في حين أصحاب الدخول الكبيرة ينفقون جزءا منها على نفقات البذخ و الرفاهية.و بالتالي أهمية  التدرج صعودا في الأسعار الجبائية ؛فتكون الأسعار المطبقة على الدخل أو الجزء من الدخل المخصص للنفقات الضرورية منخفضة (لأن هذا الجزء تكون منفعته كبيرة)، ثم تزداد (تصعد) مع النفقات التي تأتي بعدها في الأهمية،وصولا إلى أسعار مرتفعة على الأموال التي تنفق على الكماليات(نفقات الرفاهية و البذخ).  
و سنستأنف هذا الحديث عن الضرائب النسبية و التصاعدية، في سياق الحديث عن الأسعار، إن شاء الله تعالى.
المطلب الثالث :الضرائب التحليلية و الضرائب (الفريدة) العامة
يمكن للمشرع أن يختار بين نوعين من التقنيات الكبرى:
1- إما أن يقوم بتضريب، بشكل منفصل، كل عنصر من عناصر الرأسمال، و كل صنف من أصناف الدخل، و كل عملية من عمليات الإنافق على حدة.و بذلك، يستعمل المشرع عددا من الضرائب التي تسمى الضرائب التحليلية (Impôts analytiques).
2- أو يقوم بضرب الدخل الذي يحققه المكلف، بجميع أصنافه، و يضرب ما يتوافر عليه من عناصر الثروة ( الرأسمال) في مجموعها، أو جميع عمليات الإنفاق التي يقوم بها المكلف، خلال مرحلة من المراحل ( شهر، أو فصل، أو سنة)،و هكذا.في هذه الحالة، نتحدث عن الضرائب عامة أو شاملة أو مركبة (Impôts systematiques): مثل الضريبة العامة على الدخل( تضرب على الكثير من أصناف، إن لم نقل جميع أنواع الدخل التي يحققها الفرد أو المقاولة..)، و الضريبة على القيمة المضافة( التي تضرب على الكثير من أصناف الإنفاق..).
و النظم الجبائية المعاصرة ، في أغلبها، تطورت من النوع الأول (أي ضرائب تضرب على أوعية منفصلة:مثل الضريبة على الأجور و المرتبات، و ضريبة على الدخول العقارية، و ضريبة على الدخول المهنية..)، إلى النوع الآخر ( الضريبة العامة على الدخل مثلا..).و من هذه النظم، النظام الجبائي المغربي، كما سنرى لاحقا.
المطلب الرابع:الضرائب التوزيعية و الضرائب القياسية
الضريبة التوزيعية (impôt de répartition)هي الضريبة التي يقوم المشرع بتحديد حصيلتها الإجمالية، دون أن يحدد طريقة حسابها ( و تحديد سعرها).فالمبلغ المطلوب ( كحصيلة)، يوزع بين المكلفين، حسب قدراتهم على الأداء.و هذا التوزيع، قد يتم على أساس جغرافي أو إداري، فيقسم مبلغ الضريبة، بين الأقاليم ( أو الأقسام الإدارية)، و في كل إقليم يقسم بين المناطق..إلخ، وصولا  إلى المكلف الفرد.كما قد يكون التوزيع مهنيا ( أو اجتماعيا)، أي بين الجماعات المهنية ( الفلاحون، و التجار، و الصناع، و أصحاب المهن الحرة..إلخ)، و داخل كل مهنة أو حرفة، يقسم المبلغ المخصص لها، بين أعضائها، وصولا إلى المكلف الفرد.
إن لهذا النوع من الضرائب، ميزة أساسية تتمثل في ضمان الحصول على إيرادات محددة ن معروفة مسبقا.إلا أن له عيوب، من أهمها عدم مرونته،فهو لا يتكيف مع الزيادة التي قد تحصل في ثروات السكان، في المناطق الخاضعة للضريبة؛إذ لا يمكن للإدارة الجبائية في كل منطقة- من الناحية القانونية- أن تجبي إلا المقدار  المحدد سلفا لها.يضاف إلى ذلك، و هذا عيوب ثان،أن تقدير الحصيلة الجبائية، لا يمكن أن يأخذ في الحسبان الضرائب غير المباشرة.
إلا أن العيب الأكبر للضرائب التوزيعية، يكمن في عدم تحقيقها للعدالة و المساواة بين المكلفين:فهي مهما كانت جيدة ،لا يمكنا أن تحقق إلا عدالة نسبية،أي في إطار الوحدة الإقليمية الأخيرة، التي توزع فيها مبلغ الضريبة.أما فيما هو أكبر من هذا المستوى، فلا يمكن تحقيق العدالة:فمع تساوي مكلفين في القدرات الجبائية،فهما في الغالب سيؤديان ضريبتين مختلفتين،لا لشيء إلا لأن أحدهما يقيم في وحدة إقليمية (منطقة) كثيرة السكان، و الآخر في منطقة قليلة السكان.و في هذا خرق كبير لمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة،الأمر الذي أدى إلى التخلي عن هذا النوع من الضرائب، لمصلحة الضرائب القياسية.
أما الضريبة القياسية(impôt de quotité)،فهي الضريبة التي يحدد المشرع، مسبقا، طريقة حسابها و سعرها، و من ثم فحصيلتها الإجمالية لا تكون معروفة سلفا، بل تعتمد على كمية المادة الضريبية،  التي لا تقدر إلا بشكل تقريبي، و الحصيلة لا تعرف على وجه اليقين، إلا بعد انتهاء عملية التحصيل.
و إذن، فالاختلاف بين الضرائب التوزيعية و الضرائب القياسية، يكم في تحديد الوعاء، و من ثم السعر المطبق عليه.فبدل من الانطلاق من مبلغ إجمالي مضروبا على وعاء كبير هو إقليم الدولة (ثم يوزع على الوحدات الإقليمية للدولة)، فإن الضريبة القياسية، تنطلق أوعية بمواصفات معينة، و مكلفين لهم علاقة بهذه الأوعية.و التشريع الجبائي، في هذا النوع الأخير (القياسي)، لا يحدد الحصيلة الإجمالية للضريبة، و لكن يكتفي بتحديد السعر الذي يضرب الوعاء المحدد، بطريقة واحدة يتساوى أمامها جميع المكلفين الذين تعود لهم تلك الأوعية (المتشابهة جبائيا).
و إذا كان النظام القياسي،يفتقد إلى تلك الميزة التي يتوافر عليها النظام التوزيعي- و المتمثلة في المعرفة المسبقة لحصيلة الضريبة أو الضرائب-، إلا أن له ميزة أخرى ، لعلها أهم، ألا وهي تحقيق المساواة في معاملة المكلفين بالضرائب.
و لا أظنني في حاجة إلى القول، أو إلى التذكير، في ختام هذا المطلب، أن النظام القياسي ، هو الذي يستعمل اليوم.أما النظام التوزيعي ، فكان يستعمل في الماضي، و استمر العمل به نهاية العصور الحديثة( بل إلى بدايات القرن العشرين في بعض البلدان).


[1]  سنشرح ذلك، بالتفصيل، في سياق حديثنا عن الأسعار، إن شاء الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق