السبت، 26 ديسمبر 2015


نموذج للأسئلة التي تطرح في مادة الاقتصاد و التدبير
و نموذج للإجابة
امتحانات الدورة العادية -يناير 2015
مدة الإنجاز:ساعة و نصف
أجب عن أسئلة إحدى المجموعتين التاليتين:
المجموعة الأولى:
1- لم يكن " جون ماينرد كينز" اشتراكيا، بل كان ليبراليا؛إلا أنه تبنى فكرة اقتصادية أساسية؛ قربته كثيرا من الاشتراكيين.اشرح هذه الفكرة، و حدّد إلى أي فئة من الاشتراكيين- الماركسيون، و الاشتراكيون الإصلاحيون(الديمقراطيون)، و الاشتراكيون الطوباويون- قربته هذه الفكرة أكثر( 8 نقط)؛
2- لماذا استطاعت " النسقية"؛ أن تقارب المقاولة بشكل جيد (قياسا إلى المقاربات التقليدية)؟(6 نقط)؛
3- كيف مهّدت الماركنتيلية لظهور الرأسمالية الصناعية ؟( 6 نقط).
المجموعة الأخرى:
1- كتب احد مؤرخي الفكر الاقتصادي:" ..بقي قانون "جان باتست ساي" المعروف بقانون المنافد"، سائدا في الفكر الاقتصادي الليبرالي، لمدة تزيد على قرن من الزمن ، إلى أن ألقى عليه " جون ماينرد كينز" ظلا كثيفا من من الشك..في الثلاثينات من القرن العشرين..".
حلّل هذا الرأي و ناقشه (8 نقط)؛
2- كيف ساهمت نظريات علوم التدبير في زيادة إنتاجية المقاولات؟(6 نقط)؛
3-ما هي الأصول الفكرية لنظرية " اليد الخفية"؟ و ما علاقتها بالسياسات الاقتصاديةن التي طبقت في ظل الاقتصاد الكلاسيكي؟(6 نقط).


و نموذج للإجابة:
سأقدم فيما يلي، نموذجا للإجابة، أو بالأحرى للطريق التي يجب أن يسلكها الطالب،للتوصل إلى الإجابة الصحيحة، عن الأسئلة التي تطرح في مادة الاقتصاد و التدبير..
و نموذج الإجابة الذي أقترحه،يتعلق بالسؤال الرئيس في المجموعة الأولى:

لم يكن كينز اشتراكيا، و لكنه تبنى فكرة اقتصادية أساسية ،قربته من الاشتراكيين..

هذا السؤال يشبه إلى حد كبير السؤال الأول من المجموعة الأخيرة:"كتب أحد مؤرخي الفكر..."
و لقد تمكن الطلبة الذين تابعوا المحاضرات،و تعمقوا في دراسة الفكر الكلاسيكي و الفكر الكلاسيكي الجديد، في بعض  المراجع الورقية أو الإلكترونية ؛ من تقديم إجابات ممتازة عن السؤالين ؛ لأنه جرت العادة في هذه المصادرة أن تتم المقارنة بين فكر الكلاسيكيين و الكلاسيكيين الجدد من جهة، و فكر كينز و" تمرده أو ثورته" عليهم م جهة أخرى.كما أن الكثير من تلك المراجع، تناولت الفكر الاقتصادي الاشتراكي، و اشارت إلى اسهام "كينز" في انقاذ الليبرالية، و إخراجها من الهوة التي انزلقت إليها، في 1929، و التي لولاها- أعني اسهامات كينز- لتحققت فيها نبوءات "ماركس" ،بانهيارها و سقوطها،فوق رؤوس الرأسماليين.
و بالفعل،لقد أحدث "كينز" ثورة حقيقية في  الاقتصاد الليبرالي( الرأسمالي)،سواء على مستوى الأفكار أو الممارسات الاقتصادية.فلقد أقنع الناس ، في فترة حاسمة من التاريخ ، في العالم الليبرالي - ( أوروبا و أمريكا..و غيرها من الدول الليبرالية)- أن يعيدوا النظر في أسس الفكر الاقتصادي الكلاسيكي و الكلاسيكي الجديد، و الممارسات التي بنيت على أساسيهما، و التي كانت مرتكزة على مجموعة من المعتقدات أو المبادئ أو القوانين الأساسية، التي اعتبرت غير قابلة للنقاش، على اعتبار أنها حقائق علمية، بل قوانين طبيعية، من ذلك مبدأ " دعه يعمل ، دعه يمر"، و مبدأ " اليد الخفية"، و قانون المنافد لساي، و غيرها.
هذا لأشرح لكم خلفية السؤالين الرئيسيين في المجموعتين..و أنهما متشابهين إلى حد كبير..، و كان ذلك مقصودا، لأحقق نوعا من المساواة بين الطلبة..الذين يختارون المجموعة الأولى أو الأخرى.
و قبل أن نتطرق إلى كيفية الإجابة، و  مضمون الإجابة؛- ولقد تناولت كيفية الإجابة و شرحتها بتفصيل في المقال الخاص بمنهجية الإشكالية و التصميم،أقول قبل تناول مضمون الإجابة عن السؤالين المتشابهين في المجموعة الأولى و الأخيرة،أنوه إلى أنه كان يفترض أن يدرس  الطالب(ة) السؤال جيدا،قبل أن يشرع في الإجابة عنه:
و بالفعل، فمن المتوقع أن يقف الطالب(ة)، أمام السؤال و لو للحظات،و يتأمل في صياغته ،و يتوقف عند كل كلمة فيه و يحللها، و يعرف معناها، و الغرض من وجودها في السؤال..و القيمة التي تحظى بها في البناء الكلي للسؤال..إلخ؛ حتى يعرف ما هو مطلوب منه على وجه الدقة، فيجيب عنه و لا يتجاوزه إلى غيره ، و لا يجيب عن أسئلة افتراضية يضعها هو نفسه ، و من ثم يحاول فرضها على المصحح( و سنعود إلى هذه القضية بتفصيل أكبر لاحقا).
ثم كان ينبغي للطالب أيضا، أن يتأمل في عدد النقط المخصصة لمكافأة الإجابة الصحيحة على السؤال، و ما تمثله من مجموع النقط ..حتى يعرف مقدار الوقت و الجهد اللذين سيخصصهما لهذا السؤال:فمجوع النقط التي يمكن الحصول عليها، بعد الإجابة الصحيحة، هي (8 نقط)، و هي تمثل نسبة تفوق ثلث مجمل نقط الامتحان (20/20)، و لكنها أيضا أقل من النصف..
هذه مسائل بديهية،على الطالب أن يعرف كيف يحسبها، و يعرف كيف يتعاطى معها..فهي تدخل في الثقافة العامة لطالب العلم..حتى لو كان في الإعدادي، و من باب أولى الطالب الجامعي.
بعد هذه الملاحظات العامة، التي كان لابد من التذكير بها..
نأتي إلى الأسئلة:ما هي هذه الفكرة الأساسية التي جاء بها كينز الليبرالي، و التي أبعدته نسبيا من الليبراليين الكلاسيكيين و الليبراليين الجدد، و قربته من الاشتراكين؟ و كيف ألقى كينز ظلا من الشك على قانون المنافذ؟
إجابة سؤال المجموعة الأولى:
نضع السؤال أمامنا..و نقرأ، و نتأمل..و نتمعن ، ..أي العملية تحتاج إلى قراءة بطيئة ، و قراءة تأملية، و قراءة عميقة..

لم يكن " جون ماينرد كينز" اشتراكيا، بل كان ليبراليا؛إلا أنه تبنى فكرة اقتصادية أساسية؛ قربته كثيرا من الاشتراكيين.اشرح هذه الفكرة، و حدّد إلى أي فئة من الاشتراكيين- الماركسيون، و الاشتراكيون الإصلاحيون(الديمقراطيون)، و الاشتراكيون الطوباويون- قربته هذه الفكرة أكثر( 8 نقط)؛

هناك أشياء كثيرة، و منهجية خاصة يجب اتباعها في قراءة السؤال، و استخراج أهم ما فيه، لا داعي لتكرارها هنا،..و ننتقل بسرعة إلى تحليل السؤال..و الفكرة الأساسية التي تلفت الانتباه هي :إن كينز كان ليبراليا؛ بمعنى أنه كان يؤمن بالملكية الفردية، و حرية السوق..إلخ.
و هذه المعلومة وحدها، قد لا تفيد الطالب،إلا إذا كان يعرف أيضا:
1- إن كينز، نادى بتدخل الدولة لتنظيم الاقتصاد،لضمان التشغيل الكامل،و الرفع من الطلب الكلي..إلخ؛
2- و أن الاشتراكيين،على اختلاف فئاتهم، نادوا هم أيضا بتدخل الدولة في الاقتصاد، على تفاوت بينهم..طبعا.
إذا علم الطالب (ة) هذا، سيتمكن من الإجابة عن السؤال؛لأنه لن يبقى أمامه،إلا خطوة يخطوها، يتوصل بعدها إلى الفكرة( أو الإشكالية) الأساسية في السؤال، و التي اتفق فيها كينز مع الاشتراكيين،ألا و هي:أن الفكر الليبرالي و الفكر الاشتراكي التقيا معا،عند كينز.فكيف استطاع فكر كينز أن يربط هاتين المدرستين الاقتصاديتين المتناقضتين؟.

 هذه الفكرة،يمكن أن نعيد صياغتها بطريقة أخرى، على النحو التالي:ماهي الفكرة الاقتصادية التي اعتنقها كينز و جعلته في نفس الوقت ليبراليا و قريبا من الاشتراكيين؟
و هذه الفكرة الأخيرة،إذا اتخذناها إشكاليتنا الرئيسية، يجب  أن نفرعها إلى أفكار فرعية، كل واحدة منها، تجيب على جانب أو جزئية من الإشكالية.
من الأسئلة الفرعية،مثلا، السؤال التالي::ما هو المدى الذي يمكن أن يصل إليه تدخل الدولة في الاقتصاد، من وجهة نظر كينز ؟
 بالإجابة عن هذا السؤال الفرعي، سيستطيع الطالب أن يحدد فئة الاشتراكيين التي يتفق معها كينز، و إذا تمكن من ذلك، يكون قد أجاب عن السؤال برمته.
و الحاصل، أن السؤال الأول من المجموعة الأولى، يتمحور حول قضية أساسية،و هي : إن تطور الفكر الاقتصادي، انتهى في عهد كينز إلى ضرورة تدخل الدولة في تنظيم الاقتصاد.
هذه الإشكالية الرئيسية، قد تتفرع عنها إشكاليات- أو أفكار- فرعية، قد نجعل منها محاور لتحرير الإجابة،و قد تكون هي عناوين التصميم الذي نختاره، كالتالي:
1-  قد تكون الفكرة  الفرعية الأولى هي: إن كينز مفكر ليبرالي من نوع معين( مبحث أول):
في هذا المبحث،نحدد مفهوم الليبرالية الكلاسيكية في عجالة، و نبين اختلاف كينز مع  هذا المفهوم الليبرالي الكلاسيكي( و المتمثل في دعوته لتدخل الدولة)؛
2- و قد تكون الفكرة الفرعية الثانية هي: إن كينز قريب من الاشتراكيين( مبحث ثاني):
إذن،في هذا المبحث نشرح كيف أن مطالبة كينز بتدخل الدولة، تبعده عن الفكر الليبرالي الكلاسيكي، و تقربه من الفكر الاشتراكي، الذي يدعو هو الآخر لتدخل الدولة..
3- و قد تكون الفكرة الفرعية الثالثة و الأخيرة ،هي :إن كينز أقرب إلى الاشتراكية الإصلاحية(مبحث ثالث):
و نوضح في هذا المبحث،أن الاشتراكيين يختلفون حول مدى تدخل الدولة في تسيير أو توجيه أو الإشراف على الاقتصاد،و أن الليبرالية التي يعتنقها كينز تقربه أكثر من الاشتراكيين الإصلاحيين:و نشرح أين يلتقي معهم..
و بهذا تتم الإجابة عن الإشكالية التي اخترناها،أي نكون قد أجبنا عن السؤال الأول من المجموعة الأولى، وفق تصور ارتأيناه،نعتقد أنه يحل الإشكال، و يكشف لنا عن السبب الذي جعل كينز قريبا من الاشتراكيين عموما، و لاسيما الإصلاحيين منهم.
***
و أعود، في ختام هذا العرض،لألخص ما كان مطلوبا في السؤال الأول من المجموعة الأولى كالتالي:
إن الثورة التي أحدثها " كينز"؛ هي أنه اعتبر تدخل الدولة في المجال الاقتصادي ( تنظيم النشاط الاقتصادي ) أمرا ضروريا، لضمان التوازن الاقتصادي، و لتحقيق التشغيل الكلي..إلخ.و تدخل الدولة، في مجال الاقتصاد، قال به " مالتوس"، من الكلاسيكيين، و لكن بطريقة خجولة، لم تسترع الاهتمام. و أهملت.كما نادى بها الإشتراكيون، و بقوة أكبر من تلك التي أظهرها كينز نفسه، و لكن من منطلقات إيديولوجية تختلف عن المنطلقات الليبرالية التي آمن بها "كينز"( و هذه أمور معروفة لدى عامة المثقفين، ناهيك عن طلاب الدراسات القانونية و السياسية، و إن في السنة الأولى).
ففي حين كان الكلاسيكيون و الكثير من الكلاسيكيين الجدد ، ينادون بإبقاء الدولة بعيدة عن مجال الاقتصاد، و لا يسمحون لها بالتدخل لتنظيمه، بل رأوا أن التوازن الاقتصادي يتحقق تلقائيا بفضل " اليد الخفية"، و بفضل قانون المنافد، و عموما بفضل قوانين السوق الحرة.
إن الطالب يستطيع اكتساب هذه المعرفة ،من أكثر من مصدر، و في أكثر من مناسبة: فقد يعرفها، بمناسبة دراسة الفكر الاشتراكي.و يمكنه أن يدركها أيضا، إذا كان ملما بأفكار كينز.بمعنى،أن الطالب، الذي استوعب نصف البرنامج، يمكنه،أن يحصل على نصف النقطة، المخصصة للسؤال..
و للحصول على النصف الاخر،كان لا بد من الإجابة على السؤال التالي: و لكن ما هو الحد الذي ارتأى  كينز أن تدخل الدولة، لا يجب أن يتجاوزه في مجال الاقتصاد ؟ و الإجابة عن هذا السؤال الأخير، هي التي ستساعد الطالب، كما سبق القول، على معرفة المدرسة الاشتراكية التي يقترب منها كينز أكثر..
و بالفعل، فأغلب الاشتراكيين، نادوا بتدخل الدولة..، و هذا أمر اتفوا حوله.ثم اختلفوا فيما عدا ذلك:
1- فمعظم الطوباويين،لم يحبذوا التدخل القوي للدولة؛لأنهم أرادوا بناء اقتصاد تعاوني بمنأى عن الدولة، يعتمد على العمل الجماعي و التضامني للعمال و غيرهم.كما أنهم انتقدوا الكثير من الأفكار التي قامت على أساسها الليبرالية، مثل حرية المنافسة و الرغبة في تحقيق الأرباح( و هذا الانتقادات أبعدتهم عن كينز، الذي بقي مخلصا لأسس الفكر الليبرالي،متمثلة في الملكية الفردية، و حق الأفراد في جني الأرباح، بالاستعانة بميكانزمات المنافسة)؛
2- و لسبب قريب من هذا،اختلف "كينز" مع الماركسيين أيضا، الذين رفضوا هم  الملكية الخاصة، و طالبوا بتدخل الدولة في كل شيء، و حرموا امتلاك الأفراد للمقاولات الخاصة..؛
3-على عكس الاشتراكيين الديمقراطيين، الذين طالبو بتدخل الدولة ، و لكنهم آمنوا ببقاء المقاولات الخاصة التي تقوم على أساس الملكية الخاصة، و التي تعمل على أساس من المنافسة الحرة ، و تسعى لتحقيق الأرباح..
و بذلك، فلقد كان كينز أقرب إلى الاشتراكيين الديمقراطيين من غيرهم . و لقد أشرت إلى هذا مرارا و تكرارا في المحاضرات، و ذكّرت به في المطبوع أيضا. و أكبر دليل على ذلك أن الكثير من الطلبة توفقوا في الإجابة عن هذا السؤال، و أجابوا عنه أحيانا، باستعمال نفس التعابير التي وردت في المحاضرات أو المطبوع (بالإضافة إلى الطلبة الذي أجابوا أيضا، من خارج هذين المصدرين، و كانت إجابتهم موفقة و صحيحة و مقبولة..و  الحمد لله).
إجابة سؤال المجموعة الأخرى:
و بنفس الطريقة، يمكن الإجابة عن السؤال الأول من المجموعة الأخرى:
و الأفكار الأساسية، التي كان يفترض أن تتضمنها أجوبة هذا السؤال، يمكن تلخيصها كالآتي:
 لقد آمن الليبراليون الرأسماليون- الكلاسيكيون بشكل خاص- بأن الاختلالات الدورية التي يشهدها الاقتصاد الرأسمالي ، من حين لآخر، و تؤثر على مستويات الأسعار و الأجور و الإنتاج و التشغيل، تزول من تلقاء نفسها- إذ أن قوانين السوق تعالج هذه الاختلالات بنفسها دون حاجة لتدخل الدولة- ،ثم تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي.تماما كما أكد " جان باتست ساي " في قانونه الشهير،أعني قانون المنافذ، الذي يقول بأن كل عرض يخلق الطلب المساوي له،و أن البضائع التي ينتجها هذا المقاول،تبادل بسلع أو بضائع أو خدمات ينتجها مقاول آخر؛ و بالتالي يتحقق التوازن بين العرض الكلي و الطلب الكلي دائما، و لا يمكن، بالتالي، أن تظهر أزمة ما نتيجة الزيادة في الإنتاج.ذلك أن الإنتاج(العرض)،في الحقيقة، لا يخرج إلى السوق إلا بعد أن يحقق مداخيل لعوامل الإنتاج( العمال يحصلون على الأجر، و ملاك الأرض يحصلون على الريع، و أصحاب رؤوس الأموال يحصلون على الفائدة،و المقاولون يحصلون على أرباح)،  و هذه المداخيل تنفق في السوق لشراء بضائع و سلع و خدمات أنتجها منتجون(مقاولون)آخرون،أي تتحول إلى طلب..فيتحقق التوازن الكلي(في السوق):فكل سلعة في السوق تجد من يشتريها، بما فيها قوة العمل و هي سلعة من السلع، عند الكلاسيكيين.
غير أنه عندما وقعت أزمة 1929،و التي امتدت إلى الثلاثينات من القرن العشرين،تبين أن أزمة الانتاج(العرض) يمكن أن تقع ،بل و يطول أمدها؛ و من ثم بدأ التشكيك في نظرية " المنافد".
و كان كينز على رأس منتقدي،قانون " المنافذ" لساي،و بين أنه يقوم على أساس خاطيء ؛إذ أن بعض العرض الفعلي(الإنتاج) قد يكون أكثر من الطلب-  بعض المنتجات، لا تجد من يشتريها-، لأن بعض المنتجين لا ينفقون كل مداخيلهم في السوق،و يقومون بإدخارها(و هذه نقطة اشار إليها مالتوس قبل كينز).و عندما يزداد حجم العرض( الانتاج)،مع تقلص  الطلب عليه، يقل الطلب على اليد العاملة، فتزداد البطالة..و يتحقق في المجتمع نوع من التوازن أدنى من العادي، أي أقل من التوازن الكلي:يتحقق فيه التوازن بين حجم اقل من الإنتاج مع طلب مساوي له، و لكنه قليل، قياسا مع الطلب العادي.
و للخروج من هذه الأزمة، اقترح كينز التخلي عن الفكرة التي قال بها "ساي"، و مفادها؛  أن العرض يخلق الطلب، و طالب باستبداله بفكرة أخرى، هي أن الطلب يخلق العرض:أي أن الطلب على السلع الاستهلاكية ، سيجعل المصانع و المعامل و المزارع و المتاجر تطلب اليد العاملة، فيتقلص عدد العاطلين عن العمل، و هؤلاء العمال و المستخدمين سيحصلون على أجور و رواتب سينفقونها في الطلب على السلع، ستترجم بدورها إلى طلب على مزيد من العمالة.كما أن توفر الأموال بأيدي المقاولات، و قدرتها على الاقتراض بفوائد ضئلة..،سيشجعها على الاستثمار و طلب السلع الاستثمارية، و بالتالي ستشغل العاطلين عن العمل.. و هكذا يعود الانتعاش إلى الاقتصاد.
و لكن، في ظروف الأزمة، من سيقوم بذلك الطلب الكلي الذي سيخلق العرض؟ يقول كينز: إن على الدولة أن تقوم بتشغيل العاطلين عن العمل، و تدفع لهم أجورا و رواتب من ميزانية الدولة( أو ميزانيات البلديات..إلخ)،و أن تنشئ مقاولات و مشاريع و تمنح المقاولات القروض بفوائد منخفضة ،..فتشجع بذلك على تشغيل اليد العاملة العاطلة..إلخ،و تحريك آلة الاقتصاد من جديد.



الأربعاء، 29 يوليو 2015

عقبات تحول بيننا بين تجديد فكرنا العلمي


الدكتور زكي نجيب محمود(1993-1905)- رحمه الله- من كبار فلاسفتنا المعاصرين.و له إسهامات هامة في علم المنهج. و عنه أخذت درسا في المنهج ما نسيته منذ تعلمته، و خلاصته:" أن العلم الحقيقي، هو الذي لا يملك فيه الباحث القدرة على تغيير النتائج".فالكيميائي مثلا- و أنا درست الكيمياء-، إذا قام بتحليل محلول معين، لا يستطيع أن يغير نتيجة التحليل،فالنتيجة تفرض نفسها عليه: فإذا كان المحلول يحتوي حديدا أو نحاسا، فلا يمكنه أن يكتب في تقريره - اللّهم إلا إذا قرر تزوير النتيجة- أنه يحتوي الذهب أو الفضة.
هذا الدرس على بساطته، هو المعيار الأساس في تمييز العلوم الطبيعية من العلوم الاجتماعية: ففي الأولى يصعب على الباحث تغيير النتيجة، في حين في العلوم الاجتماعية، يمكن للباحث بسهولة أن يقول عن الأبيض أنه أسود، و عن الأحمر أنه أخضر، أو أنه مشكل من ألوان  قوس قزح.
في الفقرات التالية، المقتبسة من الفصل الثاني، من كتابه " تجديد الفكر"، يحدثنا الأستاذ زكي نجيب محمود عن بعض العقبات التي تحول بيننا و بين تجديد فكرنا العلمي، فلنستمع إليه..
عقبات تحول بيننا بين تجديد فكرنا العلمي
زكي نجيب محمود

مهما يكن المصدر الأول الذي يستقي منه الإنسان مبادئ المعرفة و العلم، ثم يعود فيبني على تلك المبادئ سائر أحكامه و أفكاره و معتقداته و مذاهبه، فقد يكون ذلك المصدر الأول وحيا من السماء، أو مشاهدات شاهدناها بحواسنا للأشياء من حولنا، أو لمعات حدسية اهتدت بها البصيرة إلى حقيقة العالم أو حقيقة الإنسان، أقول إن المصدر الأول لمبادئ المعرفة و العلم ، قد يكون بابا من هذه الأبواب، ثم يسلط الإنسان على تلك "المبادئ" قوته الاستدلالية - و ذلك هو " العقل"- ليستخرج كل ما يجد في وسعه أن يستخرجه من أحكام و أفكار؛ و مهما يكن ذلك المصدر الأول - و قد اختلف الفلاسفة في أيها تكون له الصدارة- فهنالك شرط لا بد من الوفاء به، لكي تستقيم لنا المعرفة الصحيحة بعد ذلك، و هو أن يمحو الانسانُ أخطاءه التي كان قد زلّ فيها قبل أن يستقي العلمَ من مصدره المختار، و أن يسدّ الطريق على تلك الأخطاء حتى لا تعاوده من جديد، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ إذ لا يجدي أن نملأ وعاء الحق في أذهاننا، حين يكون وعاء الباطل مازال هنالك قائما إلى جواره؛ فالباطل - على مر الزمن- قمين[ كفيل] أن يفسد الحق، كما تفسد الثمرة العطبة ما حولها من ثمرات صحاح؛ فإذا جاء الحق و ظهر - بأية وسيلة من وسائله- وجب كذلك أن يُزهق الباطل في اللحظة نفسها؛ فإقامة الصواب و تصحيح الخطأ جانبان لموقف واحد، هما الإيجاب و السلب يسيران معا،الأول يثبت ما يستحق الإثبات، و الثاني يمحو ما لا بد أن يمحى.
عقبات تحول بيننا بين تجديد فكرنا العلمي
روني ديكارت
و هذا بعينه هو ما حرص على فعله فلاسفة المنهج العلمي جميعا، على اختلاف أزمانهم و تباين مناهجهم؛ فهم- إذ يرسمون للناس طرائق الفكر السديد- يُجمعون على إزالة الباطل و طمس مصادره.لتتم لهم إقامة الحق و تفجير منابعه...
[... و هذا ما فعله رواد المنهج الحديث فـــ] كان المنهج العلمي الجديد ذا وجهين، تولى كلاًّ منهما رجل، أما أحد الرجلين فهو الفيلسوف الفرنسي ديكارت[(1650-1596)(René Descartes) ]، الذي أراد أن يكون السير العلمي بادئاً من فكرة داخلية نثق في صوابها، ثم نمضي خارجين منها إلى حيث العالم الطبيعي و ما وراءه؛ و أما ثانيهما فهو الفيلسوف الإنجليزي بيكون [ (Francis Bacon)(1626-1561)]، الذي رأى أن يكون طريق السير في الاتجاه المضاد، بادئا من  الطبيعة الخارجية و ما نشاهده في ظواهرها، ثم نمضي داخلين إلى فكرة عقلية نقيمها و نكون على يقين من صوابها.
و لكن ليختلفا كيف شاءا في اتجاه السير ماذا يكون؟
عقبات تحول بيننا بين تجديد فكرنا العلمي
فرنسيس بيكون

أنقطع الشوط من داخل نفوسنا إلى الواقع الخارجي، أم نقطعه من الواقع الخارجي إلى داخل نقوسنا؟ فالذي يهمنا من الرجلين في سياق حديثنا هذا، هو أن كليهما قد حرص أشد الحرص على محاربة الخطأ و اقتلاع جذوره، حتى تُبذر بذور المعرفة الصحيحة على أرض طيبة غير مشوبة بأخلاط الضلال.

فالرجلان معا يلتقيان في أن المعرفة الصحيحة ينبغي أن تكون هي الحالة الطبيعية للإنسان السوي، لولا أن اعترضتها العوارض فسدّت عليها الطريق: عوارض من أوهام الإنسان و نزواته و ميوله و أهوائه و رغباته و شهواته و ما قد يصيبه من تعصب و تسرع، و من خضوع سهل لذوي الشهرة و النفوذ من أقدمين و محدثين و معاصرين؛ لماذا يخطئ الإنسان طريق الحق مادامت نفسه و ما يجرى فيها واضحة له إذا ما انطوى ببصره إليها، ليمعن فيها النظر (هذا ديكارت) و مادامت الطبيعة منشورة الصفحات لمن يريد أن يقرأ قراءة الصادق الأمين ( هذا بيكون).لماذا يقع الإنسان في الخطأ، و الباطن قائم أمام بصيرته و الظاهر معلن أمام بصره؟ أليس الخطأ هو أن نضع في رأسك فكرة لا تصور ما هنالك؟ فلماذا تفعل، و ما هنالك يكشف لك عن نفسه إذا سلكت إليه الطريق؟
لا بد أن يكون هنالك عثرات تحول دون ذلك السير المستقيم، كأن تكون رؤسنا ملئت - على غير وعي منا - بأفكار مسبقة، بثها فينا آخرون، حتى إذا ما شببنا ، ألفينا أنفسنا تحت سلطانها؛ و لهذا عني الرجلان - ديكارت و بيكون- أول ما عنيا بأن يدقا في الرؤوس دقا عنيفا، لتنفض كل ما فيها، قبل أن نأمل في علم جديد نضعه بأنفسنا على أساس جديد[ كان الأساتذة الجامعيون، عندما كنت طالبا، على رأس من يقوم بهذا الدق العنيف.و أذكر  بهذه بالمناسبة، أستاذنا الدكتور عبد اللطيف أكنوش- حفظه الله-، الذي كان يجيد هذا النوع من الدق..في رؤوس طلبة السنة الأولى حقوق، بكلية الدار البيضاء، أو على الأقل هذا هو انطباعي عنه..].

الدكتور زكي نجيب محمود- تجديد الفكر العربي- الطبعة السادسة- دار الشروق- القاهرة/بيروت 1400/1980- ص ص 21-26.


الخميس، 23 يوليو 2015

مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية

مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية

تعرفت على الأستاذ الدكتور " إيفان دربن" (Evan Durbin)(1948-1906)،كمفكر اقتصادي و سياسي، عندما قرأت الترجمة العربية  لكتابه " سياسة الاشتراكية الديمقراطية"(The Politics of Democratic Socialism)(London-1940)، و كنت وقتها أّدرِّس مادة " الإيديولوجيات السياسية المعاصرة"، لطلبة الفصل السادس قانون عام(2011).
و منذ ذلك التاريخ، راجعت الكتاب عدة مرات،كانت آخرها في بداية الموسم الدراسي  الحالي،بمناسبة إعداد بعض المحاضرات في الاقتصاد،للفصل الأول.و في كل مرة، كنت  أعيد  قراءة فصول كثيرة منه، و في كل مرة أكتشف كم كان هذا المؤلف أستاذا بارعا و مبدعا في معظم المواضيع التي تناولها أو حتى أشار إليها، في كتابه.و أستاذيته تتجلى في أسلوبه الأكاديمي التعليمي؛ فهو يستعرض الأفكار  الصعبة، بأسلوب بسيط أو مُبسط، و لكن دون تبسيط يخل بالقيمة العلمية لأفكاره ، و أيضا دون استخفاف بعقل القارئ. بيد أن أستاذيته تتجلى أكثر في المنهج الذي اتبعه في كتابه ، و كان رائدا فيه:فهو لا يكتفي بالتحليل السياسي الاقتصادي لموضوع اقتصادي محض، بل يستعين بمختلف فروع العلوم الاجتماعية الأخرى- علم السياسة، و علم الاحتماع، و علم النفس، و القانون،و التاريخ..إلخ -، لشرح أفكاره، و التدليل على صحتها؛ و ذلك انطلاقا من رؤية واضحة لديه،مفادها أن قضايا العلوم الاجتماعية لا يمكن حلها من خلال الدراسات الفرعية المتخصصة (كل فرع على حدة)، بل من خلال الجهود المشتركة لجميع العلوم الاجتماعية.و هو يشرح وجهة نظره هاته - التي كانت جديدة وقت نشر الطبعة الأولى من كتابه، سنة 1940-، في الفقرات التالية.
و لكن قبل ذلك، لا بد من الإشارة، في نهاية هذه الفقرات،أن " دربن" بدأ حياته العلمية بدراسة البيولوجيا، و بالضبط " علم الحيوان"، انتقل بعدها إلى دراسة العلوم، ثم استقر أخيرا في دراسة الاقتصاد،ليعين، بعد تخرجه، محاضرا في مدرسة لندن الاقتصادية( London School of Economics (LSE))(1930-1945).
 و كان بالموازاة مع دراسته ، يناضل في صفوف حزب العمال ، فما هي إلا سنوات حتى أصبح من كبار الشخصيات السياسية في بريطانيا، في النصف الأول من القرن العشرين.و في عام 1948، توفي غرقا في شاطيء البحر، و قد ألقى بنفسه في الماء لينقذ ابته و طفلا آخر، فمات غرقا، إذ لم يكن يجيد السباحة.و كان في ذلك الوقت عضوا في البرلمان  و وزيرا في حكومة العمال، و كان زملاؤه يتوقعون له مستقبلا زاهرا في السياسة، لو قدر له أن يعيش.

[...] إنني عالم اجتماعي بالمهنة، و انني أبدأ بافتراض مألوف في حضارة أوروبا منذ القرن الثامن عشر، و هو أننا يجب أن ننتهج الأساليب الاجتماعية[= المناهج الاجتماعية]، و لكن الأفراد القليلين الذين وهبوا جزءا كبيرا من وقتهم و جهدهم لتتبع الدراسات الاجتماعية الحالية يشعرون بالثقة بأن كثيرا منهم يوفون بهذه الحاجة إن المواضيع التي نتحدث فيها متخصصة جداً.
و إننا لا ننفق كل جهودنا في دراسة و تمحيص جزء منفصل من الحقل الاجتماعي.بل بعض "أوجه" السلوك الاجتماعي، و من الصعب ألا نشعر أن حقيقة المجتمع البشري المركبة - و هي الشيء الذي يجب علينا إدراكه- تضيع بين هذه الأوجه المختلفة من الحياة.
و ربما يسمح لي القارئ بأن أستشهد ببعض فقرات من مقال لي يعالج هذه المشكلة بأسلوب آخر.فقد كتبت ما يلي، في مجلة" إيكونميك جورنال"، في معرض مناقشتي للمشاكل التي تعترض منهاج البحث عند العالم الاجتماعي عامة، و عند الاقتصادي خاصة:
"..و من الضروري أن نوجه انتقادا مضادا آخر لما عليه الحالة الحاضرة في العلوم الاجتماعية [ الثلاثينات من القرن العشرين]؛فهذه العلوم - كما يبدو لي- لا يمكن أن تنفصل بعضها عن بعض في مجال الدراسة.
و لا شك في أن تقسيم العلوم الاجتماعية إلى أقسام فرعية أمر مرغوب فيه كما هو حتمي. و أن العلوم الطبيعية لم يكن يقدر لها التقدم لو أن العلماء درسوا العالم الطبيعي ككل.و كذلك فالعلوم الاجتماعية لم يكن يقدر لها التقدم لو أننا درسنا المجتمع ككل.و لكن الحقيقة تبقى و هي أن تقسيمنا للعلوم الاجتماعية - خلافا للعلوم الطبيعية- إن هو إلا تجريد عن الحقيقة و ليس جزءا من الحقيقة ".

فعلم النبات ما هو إلا دراسة لمجموعة من الكائنات الحية ؛ هي النباتات.و علم الحيوان ما هو إلا دراسة لمجموعة أخرى من الكائنات الحية هي؛ الحيوانات. و دراسة  الكيمياء التركيبية[Synthetic Chemistry =  Chemie Synthétique ] ما هي إلا دراسة لمجموعة من المواد ؛هي الجزيئات[Molecules= Molécules ].و دراسة البللورات[ Crystals =Cristals  ] ما هي إلا دراسة لمجموعة من الأشياء؛ هي البللورات.   و موضوع الدراسة في كل هذه الحالات أشياء حقيقية مستقلة أو مجموعة من الأشياء، و ليست موضوعا لشيء مركب، و أنها أشياء حقيقية.

و لكن هل يمكن تمييز معظم موضوعاتنا[ في العلوم الاجتماعية] بهذه الكيفية؟ أفليست هذه الموضوعات غالبا ما تكون جوانب من الحقيقة الاجتماعية، أو هي تجريد عن الحقيقة؟ و هل يعد علم الاقتصاد شيئا آخر غير دراسة الجانب الاقتصادي من السلوك الاجتماعي؟ و هل تعد الدراسة العلمية للقانون شيئا آخر غير دراسة الجوانب القانونية للسلوك الاجتماعي؟ و هل يعد التاريخ السياسي شيئا آخر غير دراسة الجوانب السياسية من التاريخ عامة؟ و أخيرا هل يعد التاريخ الاقتصادي شيئا آخر غير دراسة للجوانب الاقتصادية للتاريخ عامة؟ أي أن تقسيماتنا ترجع، مرة أخرى، إلى تحديد معاني كلمات اقتصادي، و قانوني، و سياسي، و لا ترجع إلى الأقسام الفرعية التي تتضمنها موضوعات الدراسة.
و لا شك في أن معظم العلماء الاجتماعيين يعترفون بذلك..فليس هناك أي اقتصادي ينكر أن السلوك (الاقتصادي) يتاثر بالأفكار السياسية، و التقاليد القانونية و التاريخية. و كذلك يزداد اعتراف المحامين بأن القانون و تطور القانون يتأثران بالقوى " الاقتصادية" و " السياسية". و لا يمكننا أن نعتقد أن مجرى التاريخ " السياسي" منفصل عن عن الأحداث " الاقتصادية"، و هكذا.
و سوف ترغمنا هذه الاعتبارات على أن نتساءل عما إذا كانت موضوعاتنا[فروع العلوم الاجتماعية] الحالية تتلاءم مع أي تقسيم حقيقي في موضوع دراستنا ، فربما تضيع  الحقيقة بين الأوجه التي نقسمها..و دعنا الآن نسوق بعض الأمثلة العشوائية:
1- لنفرض أننا أردنا أن نفهم الجانب القانوني للملكية، طبيعتها ، و أصلها، و أهميتها الحالية و احتمالات المستقبل بالنسبة لها.فما هو عدد الموضوعات[=العلوم الاجتماعية الفرعية = علم الاقتصاد، علم السياسة،..إلخ] القائمة التي يمكن، أو في الواقع يجب، أن تسهم في دراستنا؟
كل الموضوعات تقريبا،فبدون مساعدة القانون لا يمكننا تفهم ما هو نظام الملكية. و بدون التاريخ العام لا يمكننا ان نقول كيف جاء نظام الملكية إلى الوجود، أو ما هي القوى التي يمكن أن تغيره. و بدون علم الاقتصاد لا يمكننا أن نتفهم ما يترتب على نظام الملكية. و كثير مما ينطوي عليه نظام الملكية لا يتضح إلا عن طريق علم النفس. و لعلم النفس العام و علم الأجناس[Anthropology=علم الإنسان=علم يعنى بأصل و تطور الحضارات الإنسانية و الصفات الجسدية للإنسان..] قسط كبير يسهمان به.و بدون مساعدة كل هذه الموضوعات أو معظمها لا يمكننا أن نقول إننا ندرس نظام الملكية في وضعه الاجتماعي الحقيقي، أو أن نضع أنفسنا في موقف يسمح لنا بأن نتنبأ للمستقبل.
2- أو لنفرض أننا أردنا أن ندرس الحرب - و مما يؤسف له أنها ظاهرة اجتماعية ملموسة- عندئذ نجد أن التاريخ ضروري لنا في هذه الدراسة. و علم النفس ضروري ، و كذلك علم الأجناس كما أن علم الاقتصاد و علم الاجتماع عامة لهما قسط كبير يسهمان به.
و على ذلك، يبدو أن دراسة الحقيقة تشق جميع مجالات التخصص القائمة لدينا حاليا.أو بالأحرى تطوقها جميعا.و إذا ما اتحدنا أمكن لنا أن نقف و ننصب قامتنا، أما إذا انقسمنا فلا مفر من أننا سنهوى.و على ذلك، فعلى أي شكل سوف نتحد؟
إنني مقتنع بأن حل هذه المشكلة يمكن الوصول إليه في المدى الطويل عن طريق قيام تعاون منظم بين الأخصائيين الحاليين:الاقتصاديين مع المؤرخين، و المؤرخين مع علماء الاجتماع، و علماء الاجتماع مع علماء النفس.
و لكن وقتاً طويلا سوف ينقضي في الواقع قبل أن ينتظم مثل هذا التعاون بطريقة عاقلة.و وقت أطول قبل أن تصبح نتائج هذا التعاون ممكنة و ذات فائدة في مدى السياسة الاجتماعية.فهل من المستحيل أن نفعل أي شيء في هذا الوقت، أو أن نناقش دراسة الخدمات الاجتماعية بطريقة مثمرة؟
لقد كتبت هذا الكتاب[ سياسة الاشتراكية الديمقراطية]  على أمل أن الإجابة بالنفي تماما ليست هي الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة.
و لكن مناقشة مشكلة المنهج تفسر الشكل الخاص الذي سيتخذه هذا الكتاب، إن لم نكن نلتمس العذر لهذا الشكل.فلقد حاولت أعطي مجالا واسعا، و أن أقول شيئا عن عدد كبير من الموضوعات [يقصد فروع العلوم الاجتماعية] لأنني أعتقد أن جميعها لازم لكي نفهم السياسة الاقتصادية فهما سليما.و إنني أرمي إلى التعرض إلى علم النفس، و النظرية السياسية، و علم الاقتصاد؛ ذلك لأن المجتمع الذي نعيش فيه، و الذي يجب علينا أن نعمل على إصلاح شكله، يتألف من أفراد لا تعتبر بواعثهم و نظمهم و طبيعتهم اقتصادية، أو شخصية تماما و لكنها مركبة من هذه البواعث الثلاث، و لا يفهمه إلا أولئك الذين سوف يدرسون الجنس البشري على وضعه الحقيقي، أي على أن طبيعته مختلفة و مركبة.


إيفان برن- سياسة الاشتراكية الديمقراطية- الترجمة العربية للدار القومية للطباعة و النشر- القاهرة (دون تاريخ)- ص ص 29-33.

السبت، 16 أغسطس 2014

مكتبة فيلسوف

مكتبة فيلسوف

مكتبتي ليست من المكتبات الكبيرة..فهي لا تزيد عن ثلاثة آلاف مجلد اغلبها في علم النفس و هي مجموعة للاستعمال و ليس للزينة. و يحدث كثيراً ان أتمنى شراء كتب جديدة و لكن يمنعني من ذلك ضيق المكان..فمثلا كلما ذهبت في الصيف الى إنجلترا يكون اول شيء اعنى به ، بمجرد وصولي ، هو ان امر على المكتبات لاتعقب الانتاج الجديد ، خصوصا في مجال الفلسفة.و أني لاتردد طويلا جداً قبل شراء كتاب اريد ان اشتريه، للسبب الذي ذكرته، و هو ضيق المكان.على أني في حياتي الجامعية كنت استخدم على نطاق واسع مكتبة الجامعة، فكانت بمثابة مكتبتي الخاصة..
و اهم الكتب التي احتفظ بها في مكتبتي القواميس..التي لا بد ان تكون موجودة عند اي خطوات العمل،سواء احتجتها او لم  احتجتها،فلا بد ان تكون هناك.. ايضا الكتب الاساسية للفلاسفة الاعلام..فمثلا احتفظ داىما بالكتب الاساسية " لبرتراند 
 راسل" و " ديكارت" و " أفلاطون " و " أرسطو " من القدماء.. لان أمثال هذه المراجع قد يلزم الانسان في اي موضوع فلسفي يسهم بكتابته..
و اقرب الكتب لقلبي ليس هو أقربها لعقلي؛فعقلي يميل الى الاتجاه المعاصر للفلسفة؛ و لذلك أقربها الى عقلي التي تحوي أعلام الفلسفة المعاصرة أمثال " تشارل سبيرس " و " جون ديوي " بالاضافة الى الوجوديين بالرغم من انني لست وجوديا..
و لكن اكثر فيلسوف أميل اليه بعاطفتي هو  " أفلاطون" لآني اشعر، و أنا أطالع محاوراته، انني استمع الى أصوات تكاد تكون غير بشرية، في مناقشة القضايا المعروضة. و لعل السر في ميلي الى محاورات أفلاطون انها فلسفة وضعت في قالب ادبي فأضافت الجمال الى الحق في رقعة واحدة..و على هذا فمن أفضل الكتب التي أنتجها عقل بشري كتاب " جمهورية أفلاطون".. و هذا الكتاب من الأهمية بمكان ؛ حتى انني اعتبر ان كثيراً جداً من المدارس الفلسفية تعتبر مجرد تعليقات عليه، و على ما دار فيه سواء كانت تعليقات بالقبول او الرفض..
د.زكي نجيب محمو
المصدر:ماجدة خير الله - أضواء .. على مكتبات هم - اخر ساعة- دار اخبار اليوم - العدد ٢٢٦١- فبراير ١٩٧٨- ص ٣٩.

السبت، 25 يناير 2014

فكرة الجامعة

 لقد مرت الجامعة، منذ نشأتها و حتى الآن،بالكثير من التطورات، ساهمت - لاشك- في إكسابها سماتها الأساسية البارزة و المميزة التي نعرفها لها و بها اليوم: فهي "الحرم" الذي يجمع الأفراد و الجماعات من كل حدب و صوب، و من مختلف التيارات الفكرية،و يسمح لهم بتبادل الآراء و الأفكار ،  في أجواء من الود و الاحترام و الأمن( و الحرية الأكاديمية)[1].
و هي أيضا، المكان الأفضل لتداول المعرفة الصحيحة،و تنقيحها ،و إنتاجها، و جعلها في متناول كل من بإمكانهم استيعابها و استخدامها،لخدمة الأفراد و الجماعات و الإنسانية ككل. 
و لكن الجامعة في حقيقتها، فكرة..أكثر من كونها مكانا  أو " حرما جامعيا". بل هي لم ترتبط، في نشأتها و تطورها، بالأمكنة، بقدر ما ارتبطت بالأفكار الإنسانية و تطورها. و لعل أقرب دليل يؤكد ذلك، هو أن الوظائف التي تؤديها الجامعة ، و المكانة التي تحتلها داخل كل مجتمع،..إلخ،ليست إلا انعكاس للحالة الفكرية التي يمر بها هذا المجتمع أو ذاك، و ترجمة صادقة للإيديولوجيات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية السائدة فيه.

فما هي الجامعة؟ (المبحث الأول) و كيف نشأت و تطورت؟(المبحث الثاني) و ما هي الوظائف التي قامت و مازالت تقوم بها ( المبحث الثالث).

المبحث الأول:مفهومالجامعة:

تعرف الجامعة عادة،بأنها مؤسسة للتعليم النظامي العالي[2]؛و تتكون في معظم الحالات من مجموعة من كليات، تختص كل منها بفرع من فروع المعرفة أو العلوم الأساسية و التطبيقية و الهندسية و الطبية و الإنسانية.و قد تتضمن أيضا بعض المدارس أو المعاهد المهنية.و تتميز المؤسسات الجامعية ، عن مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي،بأنها تملك الحق في منح  مختلف الدرجات العلمية الوطنية، في مختلف حقول الدراسة فيها[3].كما أن من مميزاتها أن الأساتذة  فيها،يقومون بالإضافة إلى مهام التدريس  بإنجاز الأبحاث العلمية و الإشراف عليها و تأطيرها، و نشر المؤلفات العلمية[4].

و سنقوم فيما يلي، بتحليل هذا التعريف ، إلى عناصره الأولية، لنرى ما يختفي وراءه من معلومات هامة.

المطلب الأول: الجامعة مؤسسة للتعليم العالي:

يكون الانتساب إلى الجامعة، من حيث المبدأ العام، بعد الحصول على شهادة الدراسة الثانوية(البكالوريا)؛ لأنه يشترط في الطالب الجامعي، أن يعرف مجموعة من المعارف العلمية المتكاملة -((في صورة مفاهيم علمية، و نظريات، و مناهج، و قواعد لغوية..و غيرها) - تؤهله لتلقي التعليم العالي و العميق .
و كل هذه المؤهلات ، يحتاجها كل الطلاب في كل الجامعات، و في كل الكليات و المعاهد، بل و في كل التخصصات. فالتعليم العالي، بصفة عامة، يمثل حقلا تعليميا و تكوينيا " متقدما" و عميقا، يكتسب الطالب فيه، مهارات معرفية و " كفايات أو كفاءات" تخصصية عالية المستوى، بالمقارنة بالمهارات و الكفايات المعرفية الأولية العامة التي يلقنها في التعليم ما قبل الجامعي.
و لكن الجامعة،  ليست بالضرورة، هي الـ" مؤسسة" الوحيدة التي تقدم  بعض هذا النوع من الخدمات؛ فقد تكون هناك مؤسسات أخرى خاصة أو عامة تقوم بوظائف التعليم و التكوين،هي الكليات و المعاهد و المدارس و الأكاديميات- تختلف الأسماء من بلد لآخر-، و التي تركز على واحد أو اثنين من حقول المعرفة، و لا تتبع بالضرورة لوزارة التعليم العالي، بل قد تتبع لوزارة أو أكثر. ففي المغرب، مثلا،توجد مؤسسات غير تابعة للجامعات، و بالتالي غير تابعة لوزارة التعليم العالي- ( تتبع مختلف الوزارات)-،و تؤدي وظائف التعليم العالي و التكوين المهني، أو البحث العلمي، و تسمى هذه المؤسسات مدارس أو معاهد أو مراكز[5].
و لكن الجامعة،مع ذلك، تبقى هي المؤسسة الوحيدة التي تؤدي كل هذه الوظائف مجتمعة ،و  في هذا الصدد ، كتب الفيلسوف  الألماني "كارل يسبرز"(Jaspers)(1969-1883) في كتابه" فكرة الجامعة"(Die Idee der Universitat-1923)، أن :" الجامعة هي المدرسة المهنية، و معهد البحث ، و المركز الثقافي في آن واحد. و أن من يحاول دفع الجامعة لأن تختار بين الوظائف الثلاث، أو من يحاول دفعها لأن تصبح ثلاثة مراكز أحدها للتدريب المهني ، و آخر للتعليم، و ثالث للبحث يكون قد جرها إلى الانتحار لأن حياتها تقوم على تفاعل الوظائف الثلاث"[6].
فكرة الجامعة
كارل  ياسبرز

المطلب الثاني: التعليم الجامعي تعليم نظامي:

 عندما يقال عن سلوك أو نشاط  معين بأنه نظامي،فإنما  يراد بذلك، في الغالب، وصفه بأنه مضبوط بالنظام و الانتظام.و عندما يقال عن مؤسسة تعليمية، بأنها نظامية،فالمراد بذلك غالبا، إلزامية الحضور إلى الدروس التي تلقى فيها- أي في الحرم الجامعي، الذي يشمل مبنى الإدارة، و قاعات الدراسة أو مدارجات ،و المعامل و المختبرات ، و المكتبة، إلخ-و المواظبة على ذلك بشكل منتظم (مستمر) .
 و الدراسة الجامعة، كما هو معلوم، تحتاج إلى الانتظام، أي التفرغ. إلا أن بعض الطلبة لا يستطيعون التفرغ، لأسباب كثيرة منها الرغبة في الجمع بين الدراسة و كسب الرزق،أو لأسباب أخرى.
من هنا،تطور مفهوم الجامعة،حتى يستجيب لحاجيات هذه الفئة من الطلبة، و من ثم تم إعفاء الطلبة من شرط المواظبة على الحضور.و هكذا يلاحظ اليوم، أن الكثير من الجامعات لا تشترط التواجد الدائم بالجامعة، خاصة بالنسبة للطلبة المرتبطين بالتزامات وظيفية أو غيرها تضطرهم إلى تقسيم وقتهم بين الدراسة و العمل.
كما يلاحظ ،و منذ مدة ليست بالقصيرة (منذ 1971 في بريطانيا)، ظهور جامعات مفتوحة- يستطيع كل من يرغب بذلك، الانتماء إليها-،و جامعات  تسمح بالدراسة عن بعد: و السمة العامة التي تجمع بين هذين النمطين من الجامعات،و تميزهما عن الجامعات التقليدية، هي أن " المعلم" و "المتعلم"،يوجدان في أماكن منفصلة،و يتم التواصل بينهما باستعمال وسائل الاتصال التقليدية (البريد أو المعاصرة  (من فضائيات، و بريد إلكتروني،و غيره من تقنيات الأنترنيت). و بذلك يستطيع الطلبة أن يدرسوا في بيوتهم ، حسب قدراتهم و في الأوقات التي تناسبهم.

الجامعات الإلكترونية

و لكن عدم الالتزام بالحضور للحرم الجامعي- أو عدم وجود هذا الحرم أصلا، كما هو الحال في بعض أنظمة التعليم عن بعد - لا يعفي الطلبة من الالتزام بباقي الشروط الأخرى للتعليم التقليدي:مثل شروط القبول، و محتوى المقررات، و نظام التقويم (الامتحانات).

المطلب الثالث: الدرجات الجامعية:

 تمنح الجامعات للخريجين، درجات أو شواهد ( دبلومات).و هي ألقاب علمية ، تشهد لمن يحملها ،بأنه  بلغ في دراسة حقل من حقول المعرفة ، درجة معينة من الاتقان أو التعمق .فالطالب الذي ينهي بنجاح المرحلة الأولى، التي تمتد ثلاث سنوات، في نظام "الليسانس- الماستر-الدكتوراه"( و اختصاره: إِلْ.إِمْ.دي=LMD)، يحصل على درجة علمية تسمى "الإجازة"( الليسانس= Licence)،و هي تعادل شهادة البكالوريوس(Bachelor) في النظم الأنجلوسكسونية.
الدبلوم= تتوج الحياة الجامعية

أما الطالب الذي ينجح في المرحلة الأولى من الدراسات العليا(السلك الثالث)،و التي تمتد سنتين بعد الإجازة، فيمنح درجة " الأستاذية" أو " الماستر (Master ))(=الماجستير في النظام الأنجلوسكسوني).ثم إذا أراد الحصول على الدكتوراه، فعليه أن يتم المرحلة "الأخيرة" من الدراسة الجامعية، و التي تمتد لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات(، و يعد بحثا معمقا ، يدافع فيه عن أطروحة معينة(Thése)، أمام لجنة من الأساتذة الجامعين ( و الخبراء  أحيانا)، الذين يفترض فيهم معرفة عميقة جدا، بموضوع البحث( و منهجية البحث العلمي الجامعي و مناهجه).
فكرة الجامعة
نظام "الليسانس الماستر الدكتوراه"

المطلب الرابع : الأستاذ الجامعي و البحث العلمي:

إن وضعية الأستاذ الجامعي، و مكانته الاجتماعية، و سلطته العلمية، و المزايا المادية و المعنوية التي يتمتع (أو قد يتمتع) بها،داخل و خارج الجامعة التي ينتمي إليها؛ تجعله في موقع جد متميز قياسا إلى زميليه في التعليمين الابتدائي و الإعدادي/الثانوي.و هو موقع، تترتب عنه الكثير من النتائج، التي تكون لها انعكاسات كبيرة جدا، على علاقة الأستاذ بالإطار الإداري/التنظيمي الذي يعمل فيه ،و علاقته بطلبته، و علاقته بالمواد التي يدرسها:فالأستاذ الجامعي، يتوفر على حرية كبيرة في إعداد و إلقاء محاضراته على طلبته،فله، مثلا، أن يختار الشكل و الصيغة اللتان تناسبانه في إلقاء محاضراته أو تقديمها ( و هذا يدخل في إطار ما يعرف بـ "الحرية الأكاديمية.
و إلى جانب التدريس، فإن الأستاذ الجامعي يخصص حيزا هاما من وقته للبحث العلمي. لا بل أصبحت قضية تفرغ الكثير من الأساتذة للبحث العلمي على حساب التعليم، مشكلة من أهم المشاكل التي تعاني منها الجامعات اليوم: فالكثير من الأساتذة يخصصون أوقات كثيرة للبحث العلمي ، و يعتبرون أن التدريس شر لابد منه،بل هو مضيعة للوقت -الوقت الذي يجب أن يستثمر في البحث-، إذ أن النجاح في نشر البحوث هو الذي يعتبر "دليلا عمليا على الملائمة للحياة العملية الأكاديمية"[7]، و يعتبر سبيلا إلى الاستقرار و النجاح في الحياة الجامعية، و  هو أقرب طريق للترقية[8].
و هكذا،للأسف، أصبح البحث العلمي و المهام الأخرى الملقاة على كاهل الأستاذ الجامعي، تقلص من دوره التوجيهي:فمسؤولية  عضو هيئة التدريس الأكاديمية ، لا تتوقف عند القيام بالتدريس و إجراء الأبحاث فقط،  بل تتعدى ذلك إلى الإرشاد الأكاديمي للطلاب، فمدرس الجامعة ليس ملقنا لكنه مرشد و موجه و صديق لطالب الجامعة ، الذي يكون في العادة طالب ناضج بالغ يأمل في معاملته على هذا الأساس.
فهل نحن في حاجة إلى  سن قوانين "التفرغ"، حتى يتفرغ الأستاذ "بكليته لكليته"؟ و لإجبار الأساتذة على تخصيص حصص زمنية معينة ،كل أسبوع،لمعاونة طلابهم داخل حرم الجامعة و تلبية طلباتهم الأكاديمية و إرشادهم في كل ما يسهل لهم استيعاب دروسهم و النجاح في امتحاناتهم و حياتهم الجامعية[9]؟
ليس لدي أجوبة عن هذه الأسئلة...و لكن مما لاشك فيه،أنه من الضروري تعديل قوانين الترقية حتى تأخذ بعين الاعتبار الجهود التي يبذلها الأساتذة في مساعدة الطلبة، و الرقي بطرق و مناهج التدريس.

المبحث الثاني :نشأة الجامعة و تطورها:

هذا ، هو مفهوم الجامعة اليوم ،و هو مفهوم حديث، في حين أن الجامعة قديمة، مما يعني أنه  قد نشأ و تطور عبر مئات السنين، حتى استقر على مضمونه الحالي.فما هي أهم المراحل التي عبرتها الجامعة في مسار تطورها الطويل؟ و ما هي أبرز التحولات التي طرأت على أهدافها و وسائلها في العمل؟

المطلب الأول:النشأة الأولى، في العصور القديمة:

هناك رأي منتشر بين  الأكاديميين و الباحثين الأوربيين، يزعم أن الجامعات قد نشأت في أوروبا خلال العصور الوسطى، و أنه لا يجوز إرجاع أصلها إلى ما قبل القرنين الثاني عشر و الثالث عشر الميلاديين،إذ في ذينك القرنين نشأت جامعات بولونيا( الإيطالية)، و باريس و أكسفورد، و أصبحت قدوة لكل الجامعات الأخرى[10].
و هذا الرأي فيه الكثير من المغالطة و المبالغة، و هو في نظري المتواضع، بعيد كل البعد عن الصواب.ذلك أن  الجامعة كمؤسسة  للتعليم العالي ،لابد أن تكون قديمة،من حيث الفكرة و من حيث التطبيق أيضا.
فمن حيث الفكرة، لا بد أنها نشأت في أكثر من مكان،لأنها تقوم على تصور بسيط جدا،يستند إلى ثلاثة عناصر من السهل العثور عليها في كل الحضارات ، و هي: 1)الطالب الذي يرغب بالمعرفة العميقة(التعمق و "التخصص" في معرفة موضوع معين)، و  2) المادة المعرفية المعمقة(إمكانية وجود هذا النوع من المعرفة)،أي 3) إمكانية وجود  الأستاذ المتخصص،القدر على تقديم المعرفة العميقة للطلاب الذين يرغبون في تلقيها عنه( مجانا أو مقابل تعويض..).
و هذه شروط،كما ترى،من الممكن توفرها في كل مكان، و ليس في أوروبا العصور الوسطى فقط[11].و على أساس هذا الاستنتاج المنطقي ، يمكننا القول بأنه لا يجب ربط نشأة الجامعة ، بأوروبا العصور الوسطى.بل لابد أن تكون فكرة الجامعة أقدم من ذلك. هذا ما يقوله المنطق،لا بل هذا هو ما يؤكده التاريخ أيضا.
 و بالفعل،فالتاريخ، يخبرنا أن الجامعة كرسالة، تعود – على الأقل- إلى بلاد اليونان، مئات السنين قبل الميلاد.ففي عام (388 ق.م) افتتح أفلاطون(نحو 427-347 ق.م) أكاديميته، في عام (335 ق.م) أسس أرسطو"( نحو384-322 ق.م) " الليسيوم"(Lyceum).و هذان المعهدان أو الجامعتان، هم أشهر مؤسسات التعليم العالي في العالم القديم.[12]
فكرة الجامعة
أفلاطون و أحد تلامذته (لعله أرسطو ؟)

هذه هي الفكرة الأصل في الجامعة، أما الأشياء الأخر(القوانين المنظمة لعلاقة الأساتذة بالطلبة، و الإدارة، و الامتحانات، و الشواهد،..إلخ)، فهي تفاصيل لم تظهر إلا فيما بعد، و ابتداء من العصور الوسطى.

المطلب الثاني: نشأة الجامعات الإسلامية:

 في العصور الوسطى، ازدهر المفهوم الإسلامي للجامعة ، ممثلا بما يعرف بالمدارس  و الجوامع: مثل جامع القرويين(245ه/859 م)، و الأزهر(359ه/970 م)، و الزيتونة( أفتتحت كمسجد ابتداء من 120ه/737 م)، و المدرسة النظامية ( 459 ه/ 1066 م).و كانت هذه الجامعات، تدرس مختلف أنواع العلوم و الفنون.و كانت تقوم، بشكل ثانوي، بتكوين الأطر و الموظفين،و توفر فرص التدرب على أسس البحث العلمي،و تمنح الشهادات العلمية.و مازالت بعض هذه الجامعات، قائمة حتى يوم الناس هذا؛ و لكن يبدو أن مفهوم التعليم فيها ، قد انحصر في التعليم الديني بالأساس( القرويين بالخصوص).و يصف الأستاذ محمد عبد الرحيم غنيمة في كتابه " تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى"،بقوله:"إنها صورة ناطقة عن التقاليد الجامعية، فهناك الإجازات العلمية، و الملابس الجامعية، و ألقاب الأساتذة كالإمام و الفقيه و المحدث...إلخ. و كل لقب من هذه الألقاب يدل على مستوى معين"[13].
فكرة الجامعة
جامعة القرويين

و من المعروف أن هذه المدارس كان لها تأثير كبير في نشأة الجامعات الأوروبية حوالي القرن الثاني عشر الميلادي.

المطلب الثالث: نشأة الجامعات الأوربية:

فكرة الجامعة
شعار جامعة ساليرنو

و بالفعل،فلقد بدأت المعالم الأولى للجامعات الأوربية  تظهر منذ القرن الحادي عشر و بداية القرن الثاني عشر،فظهرت جامعات سلرنو (Salerno) و بولونا (Bologna) في إيطاليا، و مونبلييه(Montpellier) و باريس في فرنسا. و ما أن حلّ عام 1250 حتى كانت هناك تسع جامعات في إيطاليا، و خمس في فرنسا، و اثنتان في انجلترا، و أربع في إسبانيا. و في نهاية القرن الخامس عشر، بلغ عدد الجامعات في أوروبا ثمانين جامعة.و كان الطلبة و الأساتذة يتنقلون من جامعة إلى أخرى( كان التدريس يتم باللغة اللاتينية بالأساس)، و كان الحكام يتنافسون على اجتذاب الجامعات بأساتذتها و طلبتها.[14]
فكرة الجامعة
شعار جامعة بولونيا الإيطالية

في القرن 14م، كانت كلمة "جامعة"(Universitas)، قد بدأت تستعمل للدلالة على مجموع الطلاب و المدرسين الذين يؤلفون رابطة أو نقابة، ذات استقلال ذاتي،و هدفها توفير الحماية لأعضائها،و التمتع ببعض الامتيازات الخاصة المعترف بها[15].و لم يكن لهذا "المجمع" أو "الجامعة" مكان محدد، بل كان يمكنها أن تنقل مكان اجتماعها إلى حيثما شاءت[16].
و خلال هذه الفترة، طورت الجامعات الأوربية الكثير من ملامحها،التي نراها اليوم، من اسم و موقع مركزي، و اساتذة يتمتعون ببعض الاستقلال الذاتي، و طلبة ملتزمون و نظام محاضرات مستقر، و إجراءات للامتحانات و منح للدرجات العلمية، و حتى التنظيم الإداري.[17]
و لقد ظلت الجامعات الأوربية،حتى مطلع العصر الحديث؛ تعمل وفق تقاليد موروثة عن القرون الوسطى، و تكاد تحصر مهمتها في تعليم النخب الحاكمة،و إعدادها لتحمل أمانة القيادة السياسية و الفكرية للمجتمع.[18]

المطلب الثالث: الجامعات في العصور الحديثة و المعاصرة:

 في القرن التاسع عشر، عرفت الجامعات الألمانية، ثورة كبيرة، كان لها صدى هائل، في كل أنحاء العالم. فبفضل الإصلاحات التي أدخلها العالم و المصلح التربوي  "فيلهلم فون هومبولت"(Wilhelm Heinrich von Humboldt)(1769-1859) على نظام التعليم في جامعة برلين - أولا ثم في باقي الجامعات الألمانية لاحقا- صار نظام التعليم الجامعي  الألماني هو المثل الأعلى للتعليم العالي. فما هي أهمية هذه الإصلاحات؟
فكرة الجامعة
شعار جامعة برلين


و بالفعل،فمنذ هذه الإصلاحات  قامت الجامعات الألمانية على مبادئ إيجابية، لفتت إليها انتباه المعنيين بالتعليم الجامعي، من أهمها:أولا، أنها أصبحت مؤسسة للتعليم ما بعد الثانوي، إذ كان يتحتم على الطلبة الراغبين في الالتحاق بها ؛ أن يتموا المرحلة الثانوية بنجاح.و ثانيا: كان للطلبة أن يختاروا ، بمطلق الحرية، مجال دراستهم.و أكثر من هذا، كان بوسعهم أن ينتقلوا من جامعة لأخرى،دون تأثير كبير على مستقبلهم الدراسي.و ثالثا :كان أعضاء هيئة التدريس أحرارا فيما يريدون تدريسه،و أن يقوموا بالأبحاث البحتة(لاسيما في العلوم الطبيعية). و أخيرا ،و ليس آخرا، كانت الجامعات تتوفر على مكتبات غنية، كما كانت تتيح للطلبة القيام أنشطة أخرى بالموازاة مع الدراسة، مثل الأنشطة الرياضية[19].
و لو تأملنا في هذه المزايا أو السمات، لوجدنا أنها هي الأسس التي قامت عليه فكرة الجامعة المعاصرة، و لم يبق إلا بعض التحسينات ، التي ستساهم بها الجامعات الأمريكية فيما بعد، لتكتمل صورة الجامعة كما نعرفها اليوم.
و لعل أهم هذه الإسهامات التي أضافتها الجامعات الأمريكية، تمثلت في اهتمامها بالتكوين المهني ،و انفتاحها على المجتمع الذي تنتمي إليه.
حقا،إذا كان توفير المعرفة و نشرها قد شكلا مصدر فخر و شهرة الجامعات الأوربية، كالفرنسية و الإنجليزية.و إذا كان تحويل الجامعات إلى مراكز للبحوث العلمية هو محل فخر و اعتزاز الجامعات الألمانية و شهرتها عبر العالم؛فإن ما جعل الجامعات الأمريكية تحظى باهتمام الشعوب و تكريمها، هو عنايتها الفائقة بالتكوين المهني من جهة، و تسخير الجامعة لخدمة المجتمع الذي تنتمي إليه من جهة أخرى[20].
و بفضل هذا المفهوم الذي ينبثق من جذور الثقافة الأمريكية، استطاعت الجامعات الأمريكية- لاسيما جامعات (Land grant colleges)، التي أنشـأت بموجب قانون مريل(Morill Act)، لسنة 1862- ان تجعل من التركيز على التكوين المهني ( في ميادين الزراعة و الصناعة الميكانيكية)،الطريق الأقصر الذي عبرته الولايات المتحدة،  في ظرف نصف قرن فقط (1862-1914)، لتصبح واحدة من أقوى الدول في العالم[21].
فكرة الجامعة
موريل (صاحب المشروع القانوني) و الرئيس لينكولن الذي دعمه و صادق عليه

المطلب الرابع: الجامعات في عصر حقوق الإنسان:

 غير أنه،على أهمية الدور الذي لعبته الجامعات الألمانية و الأمريكية ، في تطوير مفهوم الجامعة الحديث،لا يجب أن نقلل من إسهامات عوامل أخرى، و على رأسها التحولات الكبرى التي شهدها العالم، مثل الثورات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الصناعية و الثقافية، و الثورات العلمية و التكنولوجية، التي عرفها العالم( ابتداء من النصف الثاني من القرن التاسع عشر،و خصوصا في بداية القرن العشرين).ثم  ثورات التحرر و الاستقلال و البناء و الديمقراطية و حقوق الإنسان(السياسية و المدنية، و الاجتماعية و الاقتصادية،و ..) التي شهدها العالم ، لاسيما العالم النامي،في النصف الثاني من القرن العشرين.
1-  ففي عصر الديمقراطية  و حقوق الإنسان،أصبح الحق في  التعليم الجامعي ، حقا مضمونا لكل فرد أنهى مرحلة التعليم العام..و واجب عليه في آن واحد.
"2- و في زمن الحرية، أصبح  الشعار الذي يرفع أكثر من غيره هو "الحرية الأكاديمية":حرية الأستاذ و الطالب..و إدارة الجامعة، عن كل السلطات و التأثيرات الخارجية.
3- و في زمن التنمية المستدامة و التنمية البشرية  الشاملة، صار التعليم الجامعي لا يقصر اهتمامه على البحث العلمي أو نقل الموروث العلمي أو التكوين المهني أو خدمة المجتمع فحسب ، بل صار يهتم بتنمية شخصية المتعلم، و بيئته الاجتماعية من كافة النواحي.و لقد زاد الاهتمام بهذه المضامين، في العقود القليلة الأخيرة من القرن الماضي. خاصة مع بروز وجهات نظر تؤكد على فاعلية العنصر البشري و استثماره في دفع عجلة التنمية في المجتمع و الحفاظ على مكاسبها،و إعداده للتعامل مع الظواهر المستحدثة و الناجمة عن التغيرات الهيكلية و عن  العولمة بأبعادها الاقتصادية و التكنولوجية و الثقافية.
فكرة الجامعة
الحق في التعليم العالي، صار من الحقوق الجوهرية التي يجب على الدول احترامها و الإنفاق عليها

4- و في الحقيقة، لقد امتد تأثير العولمة إلى وظائف الجامعة نفسها:ففي زمن  الشركات المتعددة الجنسيات و انتشار مفاهيم السوق ؛ أخذت الجامعات تفقد سيادتها على إنتاج و توزيع المعرفة.يتجلى ذلك ، على سبيل المثال، في ظهور شراكات جديدة بين "العلم " و "الرأسمال" و "السلطة السياسية"، كان من نتائجها، تحويل قدرات الجامعة على التعليم و التكوين و البحث، إلى خدمة المصالح الضيقة للنخب السياسية و الاقتصادية ،على حساب مشاريع التنمية الحقيقيةو كانت نتيجة هذه التحالفات " المشبوهة" أن انصب اهتمام العملية التعليمية الجامعية، على  تلوين الطلبة بألوان  براقة تلائم أذوق أرباب أسواق الشغل من جهة، و تخفي ضعف مؤهلاتهم العلمية و العملية ، من جهة أخرى:أي أن الأستاذ  لم يعد يدرس من المواد التعليمية، إلا الجوانب القليلة السطحية التي يطلبها السوق.و بذلك أخذت الجامعة تفقد قدرتها على خلق المعرفة الحقيقية و إصلاحها و إبداعها.
و الحاصل، من هذا الاستعراض السريع ،أن  الجامعة نشأت و تطورت و مازالت تتطور و لن تتوقف عن التطور..و أنه في كل مرحلة من المراحل التي قطعتها اكتسبت وظيفة جديدة تساهم بها في بناء المجتمع الذي تنتمي إليه، بل و في تشييد صرح البشرية جمعاء..

المبحث الثالث:وظائف الجامعة :

منذ منتصف القرن الماضي- العشرين- تقريبا، هيمنت على حقل التعليم الجامعي، ما عرف باسم الجامعة متعددة الوظائف.و هي فكرة جديدة للجامعة، نشأت كرد فعل على عجز مفهوم الجامعة التقليدي عن مسايرة ركب الحضارة و الاستجابة لحاجيات الإنسانية.
فالمفهوم الحديث للجامعة يرى أنه من الضروري أن يؤسس التعليم الجامعي على خلفية عريضة من الثقافة العامة( المطلب الأول)، دون تقليل من أهمية التخصص ، بل يراه أمرا مطلوبا،إذ لا بد للطالب من أن يتدرب على كل ما يستجد في مجال تخصصه ، حتى يسهل عليه، بعد التخرج، الاندماج في الحياة المهنية و النجاح فيها(المطلب الثاني).و من أهداف التعليم الجامعي الحديث أيضا تخريج " أجيال"،من الأفراد الذين يتسمون بسعة الأفق و القدرة على تفحص "الحقائق" الرائجة في المجتمع، و التحقق من صحتها،أو إصلاحها،و كذا التكيف مع المستجدات عندما تظهر( المطلب الثالث).و أخيرا،فإن من واجب الجامعة أن لا تكتفي بتنمية الأكاديميين أو الجامعيين فحسب ، بل يجب عليها أن تلعب دورا قياديا و رائدا في تطوير المجتمع برمته( المطلب الرابع). و من ثم تعبئة الجسم الجامعي كله للإسهام في تحقيق التنمية المستدامة و السلم و الرفاهية لكل فئات المجتمع، و في تطبيق حقوق الإنسان.. في مختلف المجالات (المطلب الخامس).

المطلب الأول: التعليم و نشر الثقافة:

إن نشر الثقافة العامة ، بوصفها عملية تواصل يتم من خلال نقل المعارف و المعاني و الخبرات البشرية بين الأجيال؛ هي أهم وظيفة تقوم بها الجامعة حاليا،و تكاد تنفرد بها.فبالرغم التطورات التي طرأت على وظائف الجامعة،  من جهة،و بالرغم من ظهور مدارس و معاهد عليا أصبحت تقدم هي الأخرى مستويات عليا من الثقافة العامة، إلا أن الجامعة مازالت تحتفظ بأهميتها الكبيرة في تقديم أعلى مستويات الثقافة العامة على الإطلاق.
إن هذه الوظيفة، كما رأينان هي الوظيفة الأصلية للجامعة، فكل الجامعات القديمة، سواء تلك التي ظهرت في الحضارة العربية الإسلامية، أو الحضارة الغربية، أو غيرها من الحضارات، إنما نشأت في الأصل لنشر الثقافة في صفوف أبناء النخب الحاكمة، التي كانت تقبل على الجامعة ،من أجل الإشباع العقلي، وحبا منها للمعرفة، و رغبة منها في التعلم،و ليس بهدف نفع عملي[22].
فكرة الجامعة
توفير الثقافة العامة  العميقة ،هي أقدم وظيفة للجامعة
و اليوم، ما زالت الجامعات تحمل رسالة نشر الثقافة العامة:فالمهمة الأولى للأستاذ الجامعي، هي نقل المعلومات التي أصبحت مستقرة و متفق عليها، في ميدان من ميادين المعرفة الإنسانية، من خلال دراستها، و تبويبها، و فرز  و مقارنة عناصرها،و مناقشة  تياراتها و نظرياتها المختلفة،و استقصاء مكوناتها، و إخضاعها للنقد و الفحص[23].
و لقد ظهرت في الجامعات الأوربية، منذ القرن التاسع عشر و إلى منتصف القرن العشرين، بعض التيارات التربوية، التي حاولت تغليب الثقافة التخصصية على الثقافة العامة داخل الجامعات، على اعتبار أن دور التعليم الجامعي، هو جعل الطالب يحصر اهتمامه  في التخصص و التعمق، في مادة من المواد الدراسية( أو مواد متكاملة)، فبذلك يتفوق في مجال من مجالات المعرفة،و بالتالي يضمن المجتمع ككل  التطور و التقدم في هذا الحقل العلمي.
غير أنه، و منذ الخمسينات من القرن العشرين، بدأت الأصوات ترتفع مطالبة، بإدخال تعديلات على هذه المنهجية الجامعية ؛ لأنه اتضح للناس؛ أن التخصصات الضيقة؛ تنتج خريجين جامعيين  من ذوي الأفق الثقافي الضيق ،الذين كثيرا ما تنحصر حصيلتهم العلمية في مجال محدود جدا،و يكونون خارج هذا المجال جهلة، و جهلهم لا يضرهم وحدهم بل  يجر الكثير من الويلات على أسرهم و مجتمعاتهم[24].
و هكذا،فلم يعد هناك أحد يؤمن بأن ثقافة الخريج الجامعي ، يجب أن تقتصر على الثقافة التخصصية في علم أو فن واحد أو فرع واحد من فروع المعرفة. ذلك أنه لا يمكن لأي مواطن معاصر، في أي مكان في العالم، أن يتحمل مسؤولياته الكاملة ، و يؤدي الواجبات المتعددة الملقاة على عاتقه، و المساهمة في بناء المجتمع الذي ينتمي إليه،و هو لا يعرف إلا نوعا واحدا من أنواع المعرفة[25].

المطلب الثاني:الإعداد ..لمهنة:

إن وظيفة إكساب الطلبة المعارف و المهارات العملية التخصصية،  التي تؤهلهم للعمل في مختلف المهن( الهندسة، و الطب،و المحاماة، و التعليم،و المحاسبة.إلخ)؛ كانت من الوظائف " الهامشية"  للجامعة القديمة،و حتى بدايات العصر الصناعي، كما مرّ معنا أعلاه.أما في عصرنا هذا،فلقد أصبح التعليم المهني أحد أركان التعليم الجامعي الأساسية، نتيجة الربط " الميكانيكي"- في عقول جميع الناس- بين التعليم الجامعي و الحصول على فرص للشغل من جهة، و التعليم المهني و التقدم الصناعي و الزراعي و التكنولوجي من جهة أخرى[26].
و هكذا، صار من أهداف الجامعة، في مفهومها المعاصر،إعداد(Formation)[27] الطالب/المواطن،لأن يكون مؤهلا لممارسة نشاط مهني معين، و بالتالي يكون قادرا على كسب عيشه و الإنفاق على نفسه و أسرته( أو عائلته) من خلال أداء عمل أو وظيفة معينة في المجتمع، بدلا من أن يعيش عالة على غيره.هذا فضلا على ما يحققه ذلك العمل، أو تلك الوظيفة، من قيمة مضافة، قد تساهم في التنمية الشاملة،( الاقتصادية، و الاجتماعية، و..إلخ)، للمجتمع الذي تنتمي إليه الجامعة.
فكرة الجامعة
التكوين المهني، أحد الوظائف الأساسية للجامعة

 و لكن إعداد الطلبة لممارسة مهن المستقبل، لا يكون بالتلقين، و إنما بالتمرين و التدريب، فالدروس العملية و التطبيقية تترك آثارا تبقى راسخة في ذهن الطلاب، و هي بذلك تربطهم بالواقع المعيش، الذي سيضطرون  إلى مواجهته بعد تخرجهم[28].
و لقد كانت الجامعات الأمريكية رائدة في هذا الميدان، فقد ركّزت - و ما زالت- على الجانب العملي للمعرفة بدل الاهتمام بالجانب النظري فحسب.يقول البروفيسور "بارنز":" يوجد اعتقاد هام في فلسفة التعليم الأمريكية..[هو] فكرة أن المدارس يجب أن تدرب الشخص كله (أي الطالب) و ليس عقله فحسب.."[29].
وهكذا ارتبطت كليات الطب الأمريكية، بالوحدات الاستشفائية،منذ وقت مبكر نسبيا،و هو ما مكن الطلبة من معاينة حالات واقعية، و الأساتذة من تحيين التقنيات العلاجية و الجراحية و الإدارية. أما في كليات الحقوق ،فقد شجعت الطلبة  على ربط صلات وطيدة و وثيقة بالجهاز القضائي؛ فعوض الاقتصار على كتب أحكام القضاء، وجدناهم يحضرون المحاكمات و يعملون مع المحامين،..إلخ.بل كان بإمكان الطلبة ، ضمن شروط خاصة،الدفاع عن المتقاضين الفقراء. و استفاد طلبة الهندسة المعمارية، من جهتهم، من إمكانية العمل في بعض المشاريع العمرانية الرامية إلى تجديد الأكواخ. فيما ارتاد أولئك الذين سيصبحون علماء اجتماع مصالح الرعاية الاجتماعية.

المطلب الثاني: البحث العلمي:

يقوم بالبحث العلمي في المجتمعات المعاصرة، ثلاثة أصناف من المؤسسات هي: الجامعات، و المعاهد غير الجامعية(الحكومية و الخاصة)،و مراكز البحث العلمي في الشركات.غير أن الجامعات تؤدي مهام تتزايد أهميتها باستمرار، في مجال الأبحاث العلمية الأساسية.فهي التي تعد الباحثين ، و تضمن بالتالي تزويد معاهد و مراكز الأبحاث باستمرار ،بالقوى البشرية و العقول العلمية المتخصصة في البحوث العلمية.هذا، فضلا على أن البحوث العلمية، التي تتم خارج الجامعات، تعتمد اعتمادا كبيرا على نتائج البحوث التي تنجز في الجامعات.
لا بل إن الكثير من الاكتشافات و الاختراعات، يعود الفضل في تحقيقها إلى البحوث الجامعية،التي أنجزها الأساتذة و الطلاب الجامعيون، في مختلف المجالات و التخصصات العلمية:في علم الفلك، و الفيزياء النووية، و الرياضياتن و الكيمياء، و البيولوجيا، و الميكانيك، و علم النفس، و عم الاجتماع، و علم السياسة، و  المسيقى،..و غيرها.
فكرة الجامعة
البحث العلمي

أجل،فالمجتمعات اليوم كلها، خاصة  المتقدمة ، أصبحت تنتظر من الجامعة ألا تقصر وظائفها على تلقين المعرفة للطلبة، أو تعدهم لممارسه مهن معينة، بل عليها أيضا أن تدربهم على مبادئ التعليم الذاتي المستقل،و التعود على طرح الأسئلة، و اختيار و اختبار الفروض،و وزن الأشياء بمقاييس العقل و المنطق، في إصدار الأحكام و بلوغ النتائج بعد جمع الحقائق و الوقوف على المعلومات الصحيحة، و الدراسة العلمية المنظمة، و ابتكار الحلول لمواجهة مشاكل الحياة المتجددة،التي تحتاج إلى حلول جديدة،أي تحتاج - بلغة أخرى- إلى الكثير من العقول المفكرة لا المقلّدة، التي تعوّل على الحفظ[30].
كما أن الجامعة مكلفة أيضا بحكم دورها في المجتمع بصياغة الحقائق المتحصِّلة، و تفحصها و التحقق من صدّقيتها، و مدى قابليتها للتعميم، ثم صيغتها( أو إعادة صياغتها)، بطريقة علمية مناسبة لتيسير الإفادة منها في الحياة اليومية.و لا يتأتى ذلك لها، إلا من خلال قيامها بالبحوث النظرية و التطبيقية المتصلة بالمتطلبات الناشئة عن الحاجيات الآنية و المتوقعة للمجتمع.و بذلك تصبح الجامعة مصدرا، لإنتاج المعرفة العلمية الصحيحة،و نشرها و تعميمها و تيسيرها، حتى تكون في متناول كل من يرغب باستعمالها أو تسخيرها في خدمة التنمية الشاملة لمجتمعها:و يتمثل ذلك عمليا،في تقديم معارفها و خبراتها لخدمة أنشطته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية..إلخ.

المطلب الرابع: خدمة المجتمع:

و تعني هذه الوظيفة ، الخدمات العامة التي تقدمها الجامعة، خارج  نشاطها العادي (التعليم و التكوين و البحث العلمي)، لهيئات و منظمات و أفراد،لأغراض ثقافية  و مهنية و اجتماعية و سياسية، و طبية ، وتنموية: للمساهمة،في اقتراح حلول للمشكلات التي تواجه المجتمعات المعاصرة،مثل تلوث الهواء و الماء، الأمراض، و النقص في الغذاء، و حماية البيئة البحرية، و غيرها [31].
و لقد نشأت هذه الوظيفة في مفهومها المعاصر في الولايات المتحدة الأمريكية، في  القرن التاسع عشر فقط(1862)؛ إذ كانت خدمة المجتمع، ضمن الوظائف التي تقوم بها جامعات هبة أو منحة الأرض الأمريكية([32]University Land Grant).أما اليوم،فأهم الأنشطة التي تشهدها الجامعات الآن، و التي يمكن أن ندرجها  في إطار هذه الوظيفة ، هي تلك التي تتمثل في المجالات الفكرية و الثقافية العامة،و  من أبرزها إقامة الندوات و المؤتمرات، و المعارض العلمية و الثقافية و الفكرية،تحت رعاية الجامعة ، سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه.. فالجامعة اليوم، كما يؤكد الأستاذ الدكتور محمد منير مرسي :" ..و ينبغي أن تتفتح الجامعة على المجتمع كما ينبغي أن تفتح أبوابها لأبنائه من غير طلابها ليجدوا في رحابها العلم و الثقافة و المعالجة العلمية لمشكلاتهم الاجتماعية. و على الجامعة أن تتحسس آمال المجتمع و آلامه لتكون معبرة عنها واعية لها مستجيبة لها متعاطفة معها.و لا بد للجامعة أن تستجيب للاحتياجات الثقافية للمجتمع لتسهم من خلال ذلك في تنشيط بنيته الاجتماعية و الارتفاع بمستواه الفكري و الثقافي"[33].
فكرة الجامعة
في 1962 احتفلت الولايات المتحدة بمرور مائة سنة على تأسيس "جامعة خدمة المجتمع"

المطلب الخامس: الإسهام في التنمية الشاملة و احترام حقوق الإنسان:

إن الوظائف التي تحدثنا عنها أعلا، هي الوظائف  الأساسية و " التقليدية" للجامعات اليوم، في كل أنحاء العالم .غير أنه ، و تحت تأثير فلسفات التربية التي انتشرت في السنوات الأخيرة، و التي روجت و تروج لها بعض المنظمات الدولية كاليونسكو ، ظهرت وظائف أخرى للجامعة ، هدفها تخريج "أجيال" من المواطنين العالميين الذين يتسمون بسعة الأفق، و الانفتاح على بيئاتهم المحلية و العالمية.
تأمل معي، عزيزي القارئ، على سبيل المثال ما جاء في بيان المؤتمر العالمي للتعليم العالي لعام 2009، الذي نظمته اليونسكو:
 المادة3:و ينبغي لمؤسسات التعليم العالي أن تعمل، من خلال مهامها الأساسية ( البحث و التعليم و خدمة المجتمع)، التي تضطلع بها في سياق الاستقلال المؤسسي و الحرية الأكاديمية، على تعزيز توجهها الجامع بين التخصصات، و تشجيع التفكير النقدي و تعزيز المواطنة النشطة.فمن شأن ذلك الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة و السلم و الرفاهية، و في تطبيق حقوق الإنسان، و منها المساواة بين الجنسين.
المادة 4:ينبغي ألا يقتصر التعليم العالي على تطوير مهارات عالية لخدمة العالم الراهن و المقبل فحسب،و إنما يجب ان يسهم أيضا في تهيئة مواطنين ذوي مبادئ أخلاقية و ملتزمين ببناء السلام و الدفاع عن حقوق الإنسان و القيم الديمقراطية[34].
من خلال هذه المواد يتجلى لك أن الفكرة التي صارت مهيمنة على الجامعة اليوم و في كل أنحاء العالم تقريبا،هي أنه لا يجب أن تحصر هذه الأخيرة دورها في تخريج الأطر المطلوبة لشغل المناصب " التخصصية"، في مختلف المواقع. أو الاهتمام بالبحث العلمي فحسب، على أهميتهما النسبية.بل إن من واجبها أيضا، تخريج النخب و الزعامات ، القادرة على قيادة المجتمع إلى مستقبل أفضل، بدلا من الاكتفاء بخدمة الواقع،وفق ممارسات تقليدية و عقيمة في الغالب.
و زبدة القول، إن التعليم الجامعي اليوم لم يعد يقصر دوره، و لا يحصر أهدافه في العمل على تمكين الطلبة الجامعيين من حيازة المعرفة العامة، و المهارات العقلية و اليدوية التخصصية فحسب، و إنما تتجاوز ذلك إلى الاهتمام بتنمية كفاياتهم العامة، و كل قدراتهم و مؤهلاتهم،لاسيما الإبداعية منها، مثل: المرونة و سرعة التفكير و الإبداع[35]، و تنمية مهارات التعلم من خلال الخطأ و الصواب، و القدرة على الحكم السليم و إصدار القرارات،و الاعتماد على النفس في الوصول إلى مصادر المعرفة الأصلية و الأصيلة و توظيفها في استنباط الحلول للمشاكل الشخصية و الاجتماعية، و القدرة على الحوار و النقاش و الخطابة و الإلقاء.هذا فضلا عن  الإحساس بوحدة المعرفة، و ربط العلوم الدقيقة بالعلوم الإنسانية و الاجتماعية..و الشعور بوحدة الإنسانية[36] .
و لقد زاد الاهتمام بهذه المضامين و المعاني، في العقود القليلة الماضية، خاصة مع بروز وجهات نظر تؤكد على فاعلية العنصر البشري و استثماره في دفع عجلة التنمية في المجتمع و الحفاظ على مكاسبها،و إعداده للتعامل مع الظواهر المستحدثة و الناجمة عن التغيرات الهيكلية و عن  العولمة بأبعادها الاقتصادية و التكنولوجية و الثقافية.
و انطلاقا من هذا المنظور، فإن الطالب الذي يدرس الحقوق، و الطالب الذي يدرس الآداب، و الطالب الذي يدرس العلوم، على تباين و تنوع تخصصاتهم، ينبغي أن يشتركوا جميعا في ثقافة عامة واحدة،مغربية و عالمية معاصرة في نفس الوقت، حتى يتخرجوا جميعا أبناء جامعة واحدة، و أبناء وطن واحد،و أبناء إنسانية واحدة،..و أبناء زمن واحد[37].
و لقد أدرك المشرع المغربي هذه الحقيقة ،فعمل على مسايرة كل هذا التطور الذي طرأ على  وظائف الجامعة.و الدليل على ذلك،أنه  حدد- في المادة (3) من الفصل الأول،من القانون المتعلق بتنظيم التعليم العالي في المغرب- ،مهام الجامعات على النحو الآتي:تناط بالجامعات المهام الرئيسية التالية(...)التكوين الأساسي و التكوين المستمر؛ تنمية و نشر العلم و المعرفة و الثقافة؛إعداد الشباب للاندماج في الحياة العملية خاصة بواسطة تنمية المهارات؛البحث العلمي و التكنولوجي؛(...)؛المساهمة في التنمية الشاملة للبلاد؛المساهمة في تطوير الحضارة الإنسانية..إلخ".
فكرة الجامعة
مانديلا..رمز المواطن العالمي






[1]  د.يوسف سيد محمود – رؤى جديدة لتطوير التعليم الجامعي- تقديم :د.حامد عمار – الدار المصرية اللبنانية – بيروت 2009- ص ص 21-22.راجع أيضا مادة "الجامعة" في الموسوعة العربية العالمية-  الطبعة الثانية- مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر و التوزيع- الرياض 1999-المجلد الثامن-ص 147 و ما يليها.
[2]  يمكن أن تكون الجامعات عامة أو خاصة.فالنظام لقانوني المغربي، يسمح بإنشاء الجامعة الخاصة، و يطلق عليها في هذه الحالة أسماء " مدارس أو معاهد أو مراكز"، كما يمكن الترخيص لها بحمل أسماء " جامعة خاصة أو " كلية خاصة". راجع المادة(41) من الظهير الشريف رقم 01.00.199 الصادر في 15 صفر 1421( 19 ماي 2000)، بتنفيذ القانون رقم 01.00 المتعلق بالتعليم العالي-ج.ر . عدد 4798-21 صفر 142 (25 ماي 2000)-ص 1194.
[3]  موفق دعبول – الجامعة – الموسوعة العربية – النسخة الرقمية- المنشورة على  العنوان:www.arab-ency.com ( اطلع عليه بتاريخ:03/2/2011).و انظر أيضا: لموسوعة العربية الميسرة- دار الشعب –القاهرة 1965-مادة " الجامعة".
[4]  دليلك إلى الجامعات الأمريكية- ترجمة: د.أمين  سلامة- مكتبة الوعي العربي/دار الجيل للطباعة- الفجالة(مصر) 1986- ص 52.
[5]  و الأمثلة على ذلك كثيرة، منها:المدرسة الحسنية للأشغال العمومية، التابعة لوزارة التجهيز؛ و المعهد العالي للإعلام و الاتصال، التابع لوزارة الاتصال، و مراكز تكوين الأساتذة التابعة لوزارة التربية و التعليم..إلخ.
[6]  اقتبسه  الدكتور سامي عريفج- وظيفة الجامعات في العالم العربي اليوم- الفيصل- العدد 69-دار الفيصل الثقافية-الرياض (ربيع الأول 1403هـ/يناير 1983م)- ص37.

[7] جيمس تريفيل- لماذا العلم؟- ترجمة:شوقي جلال- سلسلة عالم المعرفة- العدد 372- المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب- الكويت (فبراير 2010)- ص 206.
[8]  معايير الترقية المهنية، في الجامعات اليوم، هي مدى مساهمة المرشح للترقية في النشاط البحثي- بغض النظر عن القيمة الحقيقية لهذا النشاط- و ذلك وفق أساس في التقييم، مقتبس عن الجامعات الغربية، مفاده " انشر أو اندثر"(Publish or Perish)، و " جدّد أو تبخّر"(Innovate or Evaporate).جيمس تريفيل- لماذا العلم؟- ترجمة:شوقي جلال- سلسلة عالم المعرفة- العدد 372- المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب- الكويت (فبراير 2010)- ص 203 و ما يليها.
و يقول هذا المؤلف (ص 205 ):" و كم هي عسيرة المبالغة في تقييم الآثار السلبية التي تركها التأكيد على البحوث و أضرت بالتدريس على المستوى الجامعي(...) و نذكر على سبيل المثال أنه في مطلع سبعينات القرن العشرين تلقى أستاذ مساعد جديد بإحدى الجامعات الكبرى نصيحة صادقة الود من رئيس القسم الذي يتبعه، إذ قال له: "إذا قضيت أكثر من 10في المائة من وقتك في التدريس ،فإنك بذلك ستضر بفرص الترقي إلى أستاذ".انظر أيضا: حسن الصغير – التعليم الجامعي في الوطن العربي – ص 26.
[9]  يقول الأستاذ الدكتور أبوشقرا، معلقا على قانون التفرغ:" ..إن هذا القانون ربط مصير الأستاذ بمصير الكلية التي ينتمي إليها، فلم يعد عابر سبيل يلقي محاضرته و يمشي، و بسبب هذا القانون أصبح للأستاذ الجامعي الوقت الكافي لمعاونة طلابه داخل الحرم الجامعة و تلبية طلباتهم الأكاديمية و إرشادهم في كل ما يعود إلى رفع مستواهم و توفير المناخ الملائم لنجاحهم.و لو أردنا أن نهتدي بمن سبقنا في تراثه الجامعي لوجب علينا تأمين المزيد من الوقت للطلاب، كأن نجل مثلا لكل فريق من الطلاب أستاذا واحدا يقوم مقام المرشد، يستشيرونه في جميع أمورهم الأكاديمية و غير الأكاديمية.و من هنا نفسر موقف الطلاب المؤيّد،لا بل التمسك، بقانون التفرغ، و هذا خير دليل على الفائدة التي يقدمها هذا القانون للطلاب":م.س- ص ص 14-15.و لعل الأستاذ أبوشقرا، يشير هنا، إلى ما يعرف في الجامعات الغربية (الإنجليزية و الأمريكية و الأسترالية..و حتى الأوربية)، بنظام( الحماية أو  الوصاية=tutorat ).
[10]  فؤاد سزكين- الجامعة ميراث البشر المشترك هل كانت نشاتها في أوروبا من تلقاء نفسها؟- م.س- ص51-52.
[11] سامي عريفج- نشوء الجامعات و تطور وظائفها-أفكار- وزارة الثقافة و الشباب- عمان –العدد 47-كانون الأول 1979- ص 29.
 [12]   المرجع السابق- ص 31 و ما بعدها.
[13]   اقتبسه سامي عريفج - المرجع السابق- ص 31.
 [14] فؤاد سزكين- الجامعة ميراث البشر المشترك هل كانت نشاتها في أوروبا من تلقاء نفسها-في:الجامعة، البحث العلمي، و التنمية- مطبوعات الأكاديمية المغربية- الرباط 1989- ص54؛عريفج- المرجع السابق- ص ص 31-32.
[15]  يقول الأستاذ محمود قمبر :"الحرية لأكاديمية: نشأت فكرة الحرية الأكاديمية بقيام أول رابطة  حقيقية لأساتذة جامعة باريس، تناضل من أجل الحرية و الاستقلال في مجتمع محكوم دينيا و ملكيا. و نجحت هذه الرابطة في وضع أول لائحة جامعية في 1215م تحدد الواجبات و الالتزامات و الأخلاقيات و الامتيازات و حرية التدريس و منح الليسانس و الإدارة الذاتية و حرمة الجامعة و تعزيز روافد التمويل برسوم طلابية و إعانات خيرية..".و يضيف :" و الحرية الأكاديمية تعني حرية الجامعات كمؤسسات تعليمية عليا بما يحقق لها استقلالية وظيفية تمارس بها أعمالها، و حرية أساتذتها كعلماء باحثين عن المعرفة و القائمين بإنتاجها و تطويرها و نشرها و تعليمها..": محمود قمبر – م. س- ص 68.
[16]  نشوء الجامعات و تطور وظائفها-أفكار- ص31-32؛ الجامعة ميراث البشر المشترك هل كانت نشاتها في أوروبا من تلقاء نفسها- ص  51.
[17]  عريفج- ص 32.
[18]  دليلك إلى الجامعات الأمريكية- ترجمة: د.أمين  سلامة- مكتبة الوعي العربي/دار الجيل للطباعة- الفجالة(مصر) 1986- ص 54
[19]  بارنز- دليلك إلى الجامعات الأمريكية- م.س- ص ص 57-58.
[20]  سنتناول هذه الخدمة في سياق حديثنا عن وظائف الجامعة.
[21]  نيقولاس هانز- التربية المقارنة – ترجمة يوسف ميخائيل أسعد-دار النهضة العربية – القاهرة 1966- ص 378 و ص ص 386-7.؛ عبد الهادي بوطالب- وضع  البحث و الإبداع في العالم الإسلامي- في الجامعة ، البحث العلمي و التنمية- مرجع سابق- ص 62.
[22]  "..لقد نشأت جامعاتنا في سياق ليبرالية صفوة تنشد المعرفة من أجل المعرفة و الاستنارة،ممتزجة مع معارك الاستقلال و الحركة الوطنية، ثم انتقالا بتوجهها إلى مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، لتركز حاليا على مطالب سوق العمل كما هو الشأن في جميع الأقطار النامية الأخرى":د.حامد عمار- العرب و جامعاتهم..رؤية مستقبلية- العربي- العدد 551- وزارة الإعلام- الكويت( شعبان 1425هـ/أكتوبر 2005م)- ص 22.  و يمكن الاستشهاد لصحة هذا "الرسالة"، برأي "قاسم أمين "، الذي عاصر تأسيس أو جامعة مصرية أهلية (سنة 1908)، إذ قال:" لا يمكننا أن نكتفي الآن بأن يكون طلب العلم وسيلة لمزاولة صناعة ، أو للالتحاق بوظيفة، بل نطمع أن نرى بين أبناء وطننا طائفة تطلب العلم حبا للحقيقة و شوقا إلى اكتشاف المجهول، فئة يكون مبدؤها التعلم للتعلم":د.محمد حسين هيكل- رسالة الجامعة المصرية- اقتبسه:د.محمود قمبر – دراسات في التعليم الجامعي- م.س- ص 36.
[23]  د.أحمد حسين الصغير – ص24.
[24]  جامعة الهواء- العربي-العدد 155- أكتوبر – ص 14.
[25] دراسات في التعليم الجامعي- ص ص 55-56.و يضيف (56-57):"..لم  يعد من اللائق أن يجهل الطبيب الحقائق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و التي تؤثر في حياة مرضاه، أو أن يجهل الأديب أو المفكر الحقائق العلمية و تقنيات العصر التي تشكل حياة الناس في مجتمعه.
" إن العلوم خارج التخصص أصبحت تشكل في برنامج الدراسة الجامعية نسبة تتراوح ما بين 10% و 20% و توزعت المواد في دوائر ثلاث: علوم القسم العلمي، و علوم الكلية التابع لها القسم، و علوم خارج القسم و الكلية في الجامعة التي ينتميان لها".
[26]  بركات- التربية أمام الانفجار الثقافي و السكاني- م.س- ص 59.
[27]  يستعمل هذا المصطلح الفرنسي عادة، فيما يخص علاقته بالجامعة، بمعنى التدريب الفكري و اكتساب الخبرة العملية.انظر: د: جون.ب.ديكنسون- العلم و المشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث-ترجمة : شعبة الترجمة باليونسكو- عالم المعرفة- العدد112- أبريل 1987- ص 97.
[28]  انظر: د.محمد مرعي – الجامعات العربية..لماذا هي خارج الترتيب العالمي؟- العربي- العدد 587- أكتوبر 2007-ص 24.
غير أن خبراء التعليم الجامعي، يرون أنه لكي يحقق هذا التكوين الثمار المرجوة منه، يجب أن يعهد به إلى مدرسين ممارسين لمهن معينة،أو لذوي  الخبرة العملية و المهنية(praticiens) :ففي كليات الحقوق مثلا، يمكن أن يعهد بهذا التكوين للمحامين و القضاة ورجال الأعمال(مديري المؤسسات الخاصة)، و الموظفين الكبار(في القطاع العام)،..إلخ.
[29]  دليلك إلى الجامعات الأمريكية- م. س – ص 66.
[30]  د.سعيد إسماعيل علي- فلسفات تربوية معاصرة- عالم المعرف- العدد 198-  المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب - الكويت (يونيو 1995)- ص 119.
[31]  حسن الصغير – م. س- ص 29.
[32]  سميت كذلك، لأنها أقيمت على أراضي منحتها أو وهبتها حكومات الولايات إلى مؤسسي هذه الجامعات. و من هذه الجامعات ، الرائدة في ميدان خدمة المجتمع، جامعة "دركسيل" (Drexel)، في فيلادلفيا(ولاية بنسليفانيا) ،التي كانت تفتح صالاتها لسماع الموسيقى و المحاضرات و الخطابة، و المعارض و المباريات و ما شابه، "لكسب رضا الشعب".انظر: بارنز- م. س- ص 63 و ص 71.
[33]  دراسات في التربية المعاصرة- م.س- ص ص 31-32.
[34]   و المنشور في موقع اليونسكو،و عنوانه: www.unesco.org
[35]  يراد بالإبداع عموما، القدرة على إيجاد حلول جديدة لمشكلات مطروحة(قديمة أو جديدة)، سواء باختراع أشياء جديدة،أو اكتشاف علاقات جديدة بين الأشياء.
[36]  يقول الأستاذ الدكتور هنري مدني:"..فالعلوم التي تدرس أو بالحري تمارس في الجامعات و كلياتها متعددة جداً و كل منها له أهميته في المجموعة. فكلمة" جامعة" نفسها تذكرنا بضرورة التفاعل و التعايش للفروع بعضها مع البعض على حرم الجامعة كي تأتي بالنتائج المطلوبة و المؤدية إلى تحسين حياة الإنسان و المجتمع الموجود فيه.فكليات العلوم التطبيقية أول من يشدّد على ضرورية الثقافة العامة في برامجها و هكذا نحن حريصون جدا في جامعاتنا بأن لا نخرج الطبيب أو المهندس الذي لا يعرف سوى كتاب الطب أو الرياضيات و العلوم":التفرغ و أستاذ العلوم التطبيقية- ندوة: الأستاذ الجامعي و التفرغ- سلسلة ندوات الدراسات الإنمائية – ص37.
[37]  لعل هذا أحد الأسباب التي دفعت المشرع إلى إحداث "جامعات" من نوع " الكليات متعددة التخصصات" ،لتشجيع اتصال و احتكاك الطلبة و الأساتذة  من كل التخصصات .فكرة الجامعة