هنري فايول و علم الإدارة
هنري فايول و علم الإدارة
ولد هنري فايول(Henri
Fayol)،
في القسطنطينية عام 1841، و درس في مدرسة المناجم (L'Ecole des
Mines)،
في " سانت إتيان"(Saint-Etiene).ثم التحق بالعمل كمهندس، و هو
في التاسعة عشرة من عمره، بإحدى شركات استخراج المعادن (و المناجم)(
La compagnie de commentry Fourchambeau-Decazeville)، ليرتقي فيها عام 1888، إلى
درجة مدير عام.و بقي في هذا المنصب، إلى أن أحيل على التقاعد، في سنة 1918.
و في السنوات
الأخيرة من عمره، أبدى اهتماما كبيرا بقضايا إدارة و تسيير المصالح الحكومية، و
قدم محاضرات كثيرة في هذا الموضوع،ابتداء من سنة 1900،لا سيما في " المدرسة
العليا للحرب"(L'Ecole Supérieure de Guerre ).
و توفي "هنري
فايول" ،في باريس عام 1925.
أولا:مؤلفاته:
نشر "
فايول" بحوثا علمية عديدة ، لها علاقة بمجال عمله الهندسي، في الدوريات
المتخصصة، خاصة في (Bulletin de la société de l'Industrie Minérale). و لعل
واحد من هذه البحووث على الأقل ،وطيد الصلة بمجال الإدارة و
التسيير و الاقتصاد، هو (L'Industrialisation de l'Etat)(1919).
بالإضافة إلى هذه
البحوث، نشر " فايول" كتابا هو السبب في شهرته التي طَبَّقت الآفاق، و
هو " الإدارة الصناعية و العامة"(Administration
industrielle et générale)،
و نشره أول مره سنة 1916، في دورية (Bulletin de la société de l'industrie
minérale ).ثم
نشرته دار (Dunod)،
سنة 1919، و أعادت نشره في السنوات 1966،و 1979، و 1999.
و لأهمية الكتاب،
فقد ترجم إلى الكثير من اللغات الأوربية، كالإنجليزية، و الألمانية، و النرويجية،
و السويدية، و اللتوانية، و البولونية، و التشيكية ، و اليونانية، و الإسبانية، و
الإيطالية، و البرتغالية، و الرومانية، و اليابانية غيرها.و لا أعرف ما إن كان قد
ترجم إلى العربية أم لا..( لقد تبن لي، من آخر بحث قمت به بواسطة " محرك
البحث غوغل"، أنه ليس هناك طبعة عربية لهذا الكتاب، و الله أعلم).
و الجدير بالذكر
هنا، أن " هنري فايول"، ظل اسمها مجهولا لدى الكثيرين من المهتمين
بالمقاولات و الاقتصاد في فرنسا،و أن ترجمة كتابه إلى الإنجليزية سنة 1929، ثم
إعادة طبعه في أمريكا سنة 1949، هي التي جعلت الفرنسيين يلتفتون إلى الرجل( و دليل
ذلك، أن دار النشر التي نشرت كتابه، لم تطبع الطبعة الثانية(1966) من كتابه، إلا
بعد مرور نصف قرن تقريبا..على الطبعة الأولى(1919)).
ثانيا:هدف و تقسيم الكتاب:
يرى "فايول" أن الإدارة تلعب دورا
حيويا و خطيرا في مختلف الأعمال و الأنشطة الجماعية، صغيرة كانت أم كبيرة، صناعية
أو تجارية، أو سياسية، أو دينية، أو غيرها.
و لأجل إبراز هذا
الدور و التعريف به، ارتأى " فايول" أن يقدم في كتابه، المتقدم ذكره، أفكاره
عن الإدارة، و التي استقاها من خبرته الطويلة و العريضة في مجال التدبير و
التسيير.بل هو يقدم لنا هذه الأفكار على أنها تكوّن الطريقة الأمثل،لإدارة
المقاولات على اختلاف أنواعها .
فكل الأنشطة التي
تقوم بها المقاولات، يمكن تقسيمها إلى ستة أنشطة أو وظائف أساسية، هي:
1- وظائف أو
عمليات تقنية:الانتاج، و الصناعة، و التحويل..(Opérations
techniques)؛
2- وظائف أو
عمليات تجارية:الشراء،و البيع، و التبادل..(Opérations
commerciales)؛
3- وظائف أو
عمليات مالية: البحث عن المواد المالية(رؤوس الأموال)، و انفاقها(Opérations
financières)؛
4- وظائف أو عمليات
أمنية: حماية ممتلكات المقاولة، و العاملين فيها(Opérations de
sécurité )؛
5- وظائف أو
عمليات محاسبية:وضع الميزانيات، و جرد و أحصاء الموجودات (المخزون من السلع
المصنعة، و المواد الأولية..)(Opérations de comptabilité)؛
6- وظائف أو
عمليات إدارية:وتقوم بالتخطيط(و التوقع و التخمين)، و التنظيم،و القيادة(اصدار
التعليمات والتوجيه)، و التنسيق، و المراقبة(Opérations
administratives).
هذه الوظائف
الأساسية(fonctions essentielles ) الست، توجد في كل المقاولات،
الصغيرة و الكبيرة، البسيطة و المعقدة، و مهما كان هدفها أو الغرض من إنشائها،
فلابد أن تمارس هذه الوظائف الأساسية.و من هنا عرّف الإدارة بأنها:" هي التوقع، و التنظيم، و
القيادة، و التنسيق و الرقابة"(Administrer ,c'est prévoir
,organiser, commander, coordonner et contrôler).
ثالثا:الإدارة بمفهوميها العام و الخاص
و في الواقع، فإن
ّ فايول" يتحدث عن " الوظيفة الإدارية" بمعنيين مختلفين، و لكن غير
متناقضين بل متكاملين:بمعنى عام(واسع)، و بمعنى خاص(حصري).
فهو يتحدث عن
الإدارة بمعنى عام،و يستعملها كمرادف "للحكم"(Gouverner)،و القيادة:
أي حكم و قيادة المقاولة، نحو هدفها ، من خلال استغلال كل إمكانياتها و مواردها
أحسن استغلال.و هذا الحكم أو الإدارة، تمارس بوساطة و على مستوى كل الوظائف: ففي كل وظيفة من وظائف المقاولة، تؤدى جميع الوظائف أو
العمليات الإدارية( من تخطيط، و تنظيم، و قيادة، و تنسيق، و رقابة)؛ففي وظيفة
الإنتاج مثلا، نحتاج إلى تخطيط ، و تنظيم، و قيادة،.. و عملية إدارية.و بهذه الطريقة فإن المقاولة كلها تدار على النحو المرغوب
فيه، وتحقق أهدافها .
وظائف المقاولة/الوظائف
الإدارية
|
التخطيط(التوقع)
Prévoir
|
التنظيم
Organiser
|
القيادة
Commander
|
التنسيق
Coordonner
|
الرقابة
Contrôler
|
الإنتاج، ..
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
الشراء،البيع..
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
التمويل..
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
توفير الحماية
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
المحاسبة..
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
العملية الإدارية
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
نعم
|
في كل وظيفة من وظائف المقاولة، تؤدى جميع وظائف الإدارة
أما الإدارة
بمعناها الخاص، و يسميها ( L'Administration)،فهي العمل الذي يقوم به رؤساء
المقاولات و مديروها، على مستوى المقاولة كلها.أو هي بتعبير آخر تطبيق الوظيفة
السادسة، على مستوى أعلى يشمل المقاولة كلها، و لا يخص كل وظيفة على
حدة:فالمديرون، يخططون مثلا، و لكن للمقاولة كلها، و ليس فقط للإنتاج أو البيع، أو
الحماية.و ينطمون، على مستوى جميع الوظائف، و ليس على مستوى وظيفة واحدة.
و من هنا، يتجلى
لنا أن الإدارة بمفهومها الخاص،و بالنظر إلى المهام المنوطة بها، من جهة، و نوعية
المسؤولين الذين يتولون أمر "إدارتها"، فإنها - في الحقيقة- هي الأساس و
الأصل و المرجع النهائي لجميع الوظائف الخمس الأخرى، حتى لتبدو الوظائف الأخرى
مجرد فروع لها.
بلغة أخرى، إن
" فايول"، يعتقد أن "إدارة " المقاولة تتطلب إشراك جميع
الوظائف الستة،لبلوغ الأهداف المرسومة، بما فيها الوظيفة الإدارية(السادسة).إلا أن
هذه الأخيرة، إذا تولى أمرها رؤساء او مديرو ( أو ملاك) المقاولة أنفسهم،فهي تتحمل
عبء ما يمكن تسميته بـ" الإدارة العليا"، و التي تشمل المهام التالية:
1- التخطيط أو
التوقع (Prévoyance):فمديرو
أو رؤساء المقاولة يتوقعون و يتنبؤون بما ستكون عليه مقاولتهم في المستقبل،و على
ضوء ذلك يضعون برامج و خطط العمل لمواجهته، و التعامل معه؛
2- و ينظمون(Organiser
):أي
يبنون البناء المادي( الأقسام، و المصالح، و الفروع..) و الاجتماعي ( فرق العمل في
كل قسم، و اختصاصاته، و العناصر البشرية العاملة فيه،..) للمقاولة؛
3- القيادة(Commander):أي خلق الأجواء التي تجعل العمال و المستخدمين،
يقومون بأعمالهم(Commander ,c'est -à-dire relier , unir ,harmoniser
tous les actes et tous les efforts)..؛
4- التنسيق (Coordonner):أي الربط
بين مختلف الوظائف( الأعمال و الجهود)، و العناصر البشرية التي تقوم بها ، و خلق
الانسجام و التعاون بينهم..لبلوغ الأهداف.أو في جملة واحدة" ملائمة الوسائل
مع الأهداف"؛
5- الرقابة(Contrôler):أي الحرص
على أن تتم الأمور حسب القواعد، و التعليمات، و الأهداف المحددة.
و على تعدد هذه
المهام التي تقوم بها " الإدارة العليا" للمقاولة،إلا أن"
فايول"، مع ذلك، يرى أن الهم الأساسي للوظيفة الإدارية، يجب أن ينصب على
" الجسم الاجتماعي"(Le corps sociale)، أو القوى العاملة، و يترك
القضايا المتعلقة بالمواد و الآلات إلى الوظائف الأخرى(الإنتاج، و البيع،و
الأمن..).فالمدير الجيد هو الذي يحرص على إبقاء هذا " الجسم" معافى ،
سالما من الأمراض، متمتعا بصحة جيدة.و ذلك، باحترام مجموعة من المبادئ أو القواعد،
المرنة(flexible) و القابلة للتغيير و التطور،
لتستجيب للحاجيات المتغيرة و المتطوردة بدورها.يقول "فايول"، في هذا
الصدد:" Il n'ya rien de rigide ni absolu en matière
administrative ;tout est question de mesure".
إنها مهمة
صعبة،تتولاها إدارة المقاولة(الإدارة العليا)، تتطلب منها الكثير من الذكاء، و
الحكمة، و بعد النظر، و اللباقة، و الخبرة..أي كل المؤهلات التي يجب استيفاؤها في
المدير الجيد، من منظور " فايول".
هذه المبادئ ليست
ثابتة أو محددة، في عدد معين، بل إن قائمتها مفتوحة، قد تتسع لإضافات أخرى، فتشتمل
كل ما يمكن أن يقوي الجسم الاجتماعي للمقاولة، أو يسهل عملية الإدارة و التسيير.
رابعا:مبادئ الإدارة:
لقد لخص
"فايول" مبادئ الإدارة في أربعة عشر مبدأ.و هو يقول أن " قائمة
المبادئ" هذه التي يقترحها علينا، ليست إلا قائمة أولية أو مبدئية، أو هي
بالأحرى نموذج، يمكن أن تعدل و تستكمل وفق الحاجيات..،و حسب ما يستجد من ظروف.
1- تقسيم العمل (Division
du travail):الهدف
من تقسيم العمل هو زيادة الإنتاجية، و جودة الإنتاج أيضا، دون زيادة في التكاليف.و
يترتب على تقسيم العمل، التخصص المهام و الأعمال، و أيضا فصل السلطات و المسؤوليات
( قارن مع "آدم سميث"( تذكر:معمل الدبابيس)، و " فريدريك
تايلور")؛
2- السلطة و
المسؤولية (Autorité et responsabilité):السلطة هي الحق في القيادة (C'est
le droit de commander)،
و القدرة على فرض الطاعة( Le pouvoir de se faire obéir ).و يميز
" فايول" ، بين " السلطة القانونية"، المستمدة من المنصب أو
الوظيفة( L'autorité statutaire)، و السلطة
الشخصية(L'autorité personnelle) التي
يستمدها الإنسان من قدراته الشخصية ، كالذكاء، و المعرفة و الخبرة، و القدرة على
القيادة ( و كل ما نعبر عنه اليوم بالكاريزما Charisme).
و السلطة لا ينبغي
أن تمارس دون مسؤولية، أي دون جزاء ( ثواب أو عقاب):فالمسؤولية، هي إحدى توابع
السلطة.فالناس يسعون إلى امتلاك السلطة، و لكنهم يتهربون من المسؤولية، في حين لا
ينبغي الفصل بينهما.
و صاحب السلطة ،
ينبغي أن يكون حكما حكيما، و عادلا و صارما في نفس الوقت،و إلا فيخشى أن تؤدي
ممارسة السلطات إلى عواقب وخيمة على المقاولة، فالسلطة - كما قال "
مونتسكيو"(Monesquieu )(1689-1755)
في كتابه " روح القوانين"( De l'esprit
des lois)-
تغري بالاستبداد؛
3- الانضباط(Discipline):يقصد
" فايول" بالانضباط الطاعة و
المواظبة ، و النشاط ، و حسن الهيئة، و غير من المزاهر الخارجية، التي تؤشر على
احترام العامل لمكان عمله و لرؤسائه و العاملين معه، وفقا للعقود التي تنظم
العلاقات بين المقاولة و مستخدميها و العاملين فيها؛
4- وحدة الرئاسة
أو القيادة (Unité de commandement):عندما يكلف العامل أو
المستخدم بعمل معين، فلا يجب أن يتلقى الأوامر إلا من رئيس واحد.فإذا كان لرئيسين
سلطة على نفس الشخص أو على نفس المصلحة،نصبح أمام ازدواجية للسلطة.و في كل
الجماعات أو المجتمعات البشرية، صغيرة كانت أم كبيرة، كالأسرة ، و السفينة،و
الجيش، و الإدارات الحكومية، و غيرها، تؤدي القيادة المزدوجة(La dualité du
commandement)،
غالبا، حتى لا نقول دائما، إلى نزاعات قد تكون خطيرة أحيانا.و من هنا، ينبغي الحرص
على إبقاء القيادة المباشرة، في يد شخص واحد، و ألا يتلقى العامل الأوامر من رئيس
مباشر و آخر غير مباشر( متخطيا هذا الأخير،سلطات الأول)، أو أكثر من رئيس(و هو في
هذا يعارض " تايلور"، الذي لم ير مانعا من أن يتلقى العامل الأوامر من
أكثر من رئيس)؛
5- وحدة التوجيه (Unité
de direction):
هذا المبدأ يعني تعيين مسؤول واحد و برنامج واحد لكل مجموعة عمليات، ترمي إلى هدف
واحد(Un seul chef et un seul programme pour un ensemble d'opérations visant
le même but).
و لا ينبغي الخلط
بين هذا المبدأ الذي يتعلق بالتنظيم(تقسيم الأعمال إلى مجموعات من الأفراد،و تحديد
واجباتهم،و تحديد السلطة المسؤولة عنهم..)، و مبدأ "وحدة الرئاسة" الذي
يرتبط بعلاقة الأفراد (احترام التراتبية و الاختصاصات)؛
6- إخضاع المصلحة
الخاصة للمصلحة العامة(Subordination de l'intérêt particulier à
l'intérêt général):يعني
هذا المبدأ ألا يفضل العامل أو الأجير في المقاولة، مهما كانت مكانته فيها، مصالحه
الخاصة على مصالح المقاولة، عند تعارضهما؛
7- مكافأة العمال(Rémunération
du personnel):إن
مكافأة العمال، هو الأجر( الجزاء= الثمن، العوض) الذي يدفع لهم مقابل الخدمات التي
يؤدونها للمقاولة. و يجب أن يكون هذا الأجر عادلا، يرضي قدر المستطاع الأجير، دون
أن يضر بالمقاولة.
و مقدار هذا
الأجر، يخضع لتأثير ظروف لا يتحكم فيها المقاول (أو المقاولون)، مثل غلاء المعيشة
(التضخم=ارتفاع الأسعار)، و الوضعية الاقتصادية، و المنافسة بين العمال، و الظروف
العامة للعمل، و طريقة أداء الأجر( على أساس وقت العمل أو على أساس انتاج
العامل)..إلخ.
و ينصح "
فايول"، بأن يراعى في مقدار الأجر، العناصر التالية:
أ- أن يشكل مكافأة
عادلة، قدر المستطاع؛
ب- أن يشجع العمال
النشطين و المتحمسين؛
ج- ألا يتجاوز
الحدود المعقولة.
8- المركزية أو
اللامركيزية(Centralisation/décentralisation):يعني بهذا أن لرئيس المقاولة
أن يختار بين أن يجمع مقاليد السلطة كلها بيديه، بحيث تكون كل القرارات و
التعليمات، مهما كانت أهميتها، صادرة عنه.أو أن يفوض بعض سلطاته، حسب الظروف، و
حسب نوعية و كفاءة و مؤهلات الأعوان و المستخدمين الذين يستعينون بهم، و حسب حجم و
نشاط المقاولة( و يسهل معرفة ما إذا كان هناك مركزية أو لامركزية، و مستواها ، من خلال أسلوب التنظيم المتبع في المقاولة، و من خلال التنظيم الهيكلي organigramme)؛
9-
التراتبية(Hiérarchie):هي
الترتيب الهرمي للرؤساء، انطلاقا من أعلى الهرم (أعلى سلطة في الإدارة العليا)،
إلى العمال الموجودين في أدنى مستوى عند قاعدة الهرم.
و يقول
"فايول" أن هناك طريق تصل الأعلى بالأدنى، هي طريق التسلسل التراتبي (La
voie hiérarchique )،
و هو الطريق الذي تعبره الاتصالات، مرورا بكل بشتى الرتب، عندما تنطلق من أعلى نحو
الأسفل، أو عندما تنطلق من الأدنى نحو الأعلى:هذا الطريق تفرضه حاجيات " ضمان
الاتصال و التواصل"، من ناحية، و " وحدة القيادة" من ناحية أخرى.
و"
فايول" يقر بأن الأخذ الصارم بهذا المبدأ،قد يبطئ أحيانا من سرعة توصيل المعلومات من و إلى القيادة،إلاّ أن ذلك
لا يعد مبررا- في نظره- لخرق هذا المبدأ؛ بل هذا العيب يمكن إصلاحه، بإيجاد طرق أو
إجراءات أخرى،يمكنها أن تُسرّع عملية التواصل؛
رئيس القسم (2) رئيس القسم (1)
رئيس المصلحة (2) رئيس المصلحة (1)
حسب مبادئ
"فايول"، لا يمكن لرئيس المصلحة(1) أن يتصل برئيس المصلحة(2)، إلا من
خلال المرور برئيس القسم (1)، و المدير،ثم من المدير نزولا إلى رئيس القسم(2)..وصولا إلى رئيس المصلحة (2).
صحيح أنه،اقترح
أيضا وجود " جسر"(Passerelle)،بين رئيس القسم(1) و رئيس
القسم(2)، أو بين رئيس المصلحة(1) و رئيس المصلحة(2)، و لكنه ربط وجود ذلك،
بموافقة المديرين و الرؤساء، و بوجود انسجام و تعاون بين المستخدمين(راجع
المبدأ:14).
10- النظام (L'Ordre): يتحدث
" فايول" عن النظام في بعديه المادي و الاجتماعي، أي النظام الذي يتعلق
بالمواد، و الآلات و ماشابه، و النظام الذي يخص العمال و المستخدمين، و من إليهم:
أ- نظام المعدات(L'Ordre
matériel):
كي يكون هناك نظام على مستوى المعدات و الآلات، يجب أن نخصص مكان لكل شيء، و أن
يكون كل شيء في مكانه المخصص له، على أن يتم اختيار هذا المكان بعناية: و تطبيق النظام،على
هذا الأساس، سيؤدي إلى تجنب الضياع في المواد و الوقت،و يحافظ على المعدات و
الآلات( لاسيما إذا استكمل هذا النظام، بالحفاظ على النظافة)؛
ب- النظام
الاجتماعي (L'Ordre social): كي يسود النظام الاجتماعي في
المقاولة، يجب أن يحدد موقع(منصب، عمل، مهمة..) لكل أجير أو مستخدم، و أن يتواجد
هذا الأجير في المكان الذي حدد له.
و النظام يفترض
أيضا، أن يكون هذا الموقع مناسبا للعامل أو المستخدم الذي يشغله، و أن يكون العامل
أو المستخدم مناسبا للعمل الذي أسند إليه(" الرجل المناسب في المكان المناسب)(The
right man in the right place)؛
11- الانصاف (L'Equité):لتشجيع
العمال، و حثهم على بذل جهود كبيرة في أعمالهم،و أدائها بإخلاص و حسن نية؛ لا بد
من معاملتهم معاملة حسنة، تصون كرامتهم و تحترم إنسانيتهم؛
12- الاستقرار في
العمل (La stabilité du personnel): تتجلى عبقرية
"فايول"، و خبرته الواسعة، فإدراج هذا المبدأ في قائمته القصيرة، لأنه
في نظري مبدأ هام جدا.و مفاد هذا المبدأ، عند "فايول"؛ أن تتاح للعامل
أو المستخدم ،فرصة للتعرف على طبيعة العمل
المسند إليه، و ما هو مطلوب منه بالضبط، حتى يمكنه القيام به على أحسن وجه، هذا
على افتراض أنه يملك المؤهلات و المهارات الضرورية المطلوبة لانجاز العمل المنوط
به. ذلك أن نقل العامل من موقع(عمل=منصب، أو مهمة..)، إلى موقع آخر، قبل أن يعطى
الوقت الكافي لانجاز مهمته أو عمله أو حتى يظهر قدراته و مهاراته،لا يسمح بالحكم
على مؤهلاته ..و بالتالي،فلا شك أن ذلك يلحق به به، و بالمقاولة..ضررا كبيرا.
13- المبادرة(L'Initiative):إن إمكانية
وضع الخطط و تنفيذها، هي ما يطلق عليه " فايول" المبادرة.و يدرج ضمن هذا
المفهوم أيضا ، حرية " الاقتراح"،..و ينصح المديرين بإفساح المجال
للمرؤوسين لكي يشتركوا في التخطيط (أما
التنفيذ، فهم مسؤولون عنه طبعا)( قارن مع فريدريك تايلور)؛
14- اتحاد
المستخدمين (L'Union du personnel):" الاتحاد قوة"(L'Union
fait la force)،
هذا المثل،يقول " فايول"، يجب على كل مدير أن يتمعن فيه جيدا..،و يحرص
على الاستفادة منه.ذلك أن توفير أجواء الانسجام ، و الاتفاق، و التعاون بين
المستخدمين في كل مقاولة، يكون عاملا من عوامل قوتها.و من ثم يجب على كل مدير أن
يحرص على ابقاء " الوحدة" بين المستخدمين، و إن لم تكن موجودة فعليه
إيجادها، و أن يبتعد عن " سياسة فرق تسد"(diviser
pour régner)،فهي
لن تفيده في التحكم في العمال، بل على العكس، ستزرع بذور الشقاق و النزاع و الانقسام
بين المستخدمين، مما يلحق أضرارا كبيرة بالمقاولة، قد يكون من الصعب معالجتها.
بل إن الثمار
الطيبة لسيادة أجواء الانسجام و التعاون بين المستخدمين، يجب أن تغري المديرين،
بالحرص على خلقها و توفيرها..،فهي ، على سبيل المثال لا الحصر، تخفف و تحد من
الإجراءات الروتينية البيروقراطية ، فيما يتعلق بنقل المعلومات و تبادلها، و
بالتالي يكثر الاعتماد على التواصل الشفوي أكثر من التواصل الكتابي، و تكون
النتيجة الطيبة لذلك هي الربح في الوقت، و زيادة فعالية التواصل(لأن التواصل
الشفهي يكون أكثر تفصيلا و وضوحا).
***
و الحاصل:
بقي أن نشير، في الختام، إلى ملاحظتين، الأولى
أن " فايول" وجه كلامه، من خلال هذه المبادئ،إلى المديرين، فهم الذي
سيحرصون على تنفيذها، فهم المعنيون بتطبيق مبادئ النظام، و العدالة، و إنصاف
العمال، و توفير الانسجام، و الحرص على الاتحاد..إلخ.
و الأخرى ، أن هذه
المبادئ ،هي الأساس الذي أقيم عليه صرح " علم الإدارة"
الكبير، كما نعرفه اليوم،..فلا عجب أن أطلق بعضهم على " فايول" اسم
" الأب الحقيقي لنظرية الإدارة"(Le véritable père de la
théorie du management):
فعلى الرغم من من ريادة " فريدريك تايلور"(F.W.Taylor)، في مجال
"علم الإدارة"؛إذ وضع حجر الأساس"للإدارة العلمية"، بوساطة
كتابه (Principles of Scientific Management)؛إلا أنه
كمهندس اهتم بالجوانب التقنية التي يصادفها المهندس أو المشرف على العمال (contremaître)- فلاحظ
أهمية التخلص من الفوضى العارمة في مجال الأعمال، نتيجة الوقت و الجهود
الضائعة،فاستنبط طرقا " نمطية" لإنجاز الأعمال، اعتبرها هي الطريقة
الوحيدة و الأفضل -، في حين أن "فايول"، مارس القيادة من أعلى - كان
مديرا عاما-، فرأى الأمور من زاوية المسؤوليات، و اتخاذ القرارات، و القيادة و
التوجيه، و هي أعمال يصعب " تنميطها"- على عكس الأعمال التي قد يطلب من
العمال القيام بها-، بل هي متغيرة..و تتطلب رؤية شاملة و كاملة للمقاولة.
لقد كتب"
فايول"،كممارس محترف، فعكس خبرته الطويلة كمهندس،ثم كمدير شركة ، في تلك المبادئ الأربعة
عشرة،و التي بفضلها أصبح يحتل مكانة مرموقة، في تاريخ علم الإدارة. بل إنه منذ أن
صاغ تلك المبادئ و إلى اليوم، قليل هو عدد العلماء و الخبراء و المهتمين الذين لم
يتأثروا بها أو لم يكتبوا عنها.لا بل إن العناصر التي اعتبرها مكونة للوظيفة
الإدارية- الوظيفة السادسة: أعني التخطيط،و التنظيم ، و القيادة،و التنسيق و
الرقابة -،أصبحت تدخل في تعريف علم الإدارة كلها أو بعضها،و شكلت نظاما مفاهيميا،
استعان و يستعين به المديرون لتكوين رؤية واضحة عن مهامهم و كيفية تنفيذها، و تحمل
مسؤولياتها.
المراجع:
أولا- العربية:
1- د.محمد سعيد عبد الفتاح- الإدارة العامة؛
2- د.محمد عبد الوهاب- مقدمة في الإدارة؛
3- د.نبيل الحسيني النجار- الإدارة: أصولها و اتجاهاتها المعاصرة.
ثانيا- الفرنسية و
الانجليزية:
1- M.Crener et
B.Monteil-Principes de Management;
2-P.Labardin-L'essentiel de l'Histoire
de la Gestion;
3-D.A.Wren,A.G.Bedeian and J.D.Beeze-The
Foundations of Henri Fayol's administrative
theory-in:http://www.emeraldinsight.com;
4- Jean-Louis Peaucelle- Présentation et commentaire du livre d’Henri Fayol
Administration Industrielle et Générale-in:http://panoramix.univ.paris1.fr/IAEة
5-Md.Hasebur Rahman-Henry
Fayol and Frederick Winslow Taylor's contribution to Management Thought :An
Overview-ABC journal of Advanced Research ,Volume 1,N°2(2012)-in:Internet.
الهوامش:
و العمال، يمكن أن تحسب أجورهم ، بطريقة من الطرق
التالية:
1- على أساس
اليوم( Le paiement à la journée)، و عيب هذه الطريقة،
أنها تؤدي إلى التكاسل و التهاون، و من ثم لا بد من استكمالها بمراقبة أو حراسة
مستمرة للعمال؛
2- على أساس العمل
المتفق عليه بشكل جزافي( Le paiement à la tâche)- و هو ما نسميه
بالدارجة المغربية " العطش"-، و من عيوبه أنه يخفض مردودية العمال
النشطاء الجيدين، و يدفعهم إلى التراخي في انجاز العمل(لأن المهم، في هذه
الحالة،هو إتمام العمل، أما متى ؟ و كيف؟
ينجز العمل ،فغالبا، ما تكونان عنصران ثانويان) ؛
3- على أساس القطع(Le
paiement aux pièces)،أي عدد القطع التي
ينجزها العامل.و من عيوب هذا الأسلوب أن العامل، بكمية ما ينتج، أكثر من اهتمامه
بنوعية و جودة هذا الانتاج؛
و هذه الطرق
الثلاث، يمكن دمجها و المزج بينها بشتى الأساليب، كما يمكن تحسين فعاليتها، بإضافة
الحوافز و المكافآت المادية و العينية إليها:مثل المنح (primes)، أو المشاركة في الأرباح،أو مكافآت عينية أو
تشريفية (أوسمة، و شهادات..).