الأحد، 19 فبراير 2017

مهارات أساسية.. ضرورية للطالب الجامعي

مهارات أساسية.. ضرورية للطالب الجامعي

 إن التعليم الجامعي، يسعى لاكساب الطالب- الخريج الجامعي- مجموعة مهارات و كفايات غير تلك التي اكتسبها- أو كان يحتاجها- في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي:فالتعليم العالي لا يقتصر دوره، و لا تنحصر أهدافه، على تمكين الطالب من حيازة المعرفة النظرية، و المهارات اليدوية، و إنما تتجاوز ذلك إلى الاهتمام بتنمية درجات المرونة و سرعة التفكير و الإبداع لديه، و تنمية مهارات التعلم من خلال الخطأ و الصواب، و القدرة على الحكم السليم على الأشياء و الأشخاص و الظواهر و الأحداث و الأفكار، و من ثم إصدار القرارات الصائبة، و الأحكام العادلة المنصفة، و الإحساس بوحدة المعرفة البشرية، و ربط العلوم الدقيقة بالعلوم الانسانية و الاجتماعية، و القدرة على التحصيل و التعلم الذاتي، أي الوصول الذاتي إلى مصادر المعرفة الأصلية و استعمالها في حل المشاكل الشخصية، و اقتراح الحلول للإشكاليات الاجتماعية ، و القدرة على طرح الأسئلة، و عدم الاستسلام لوهم البساطة الظاهرة، و الوعي الزائف..إلخ.
 و المهارات الأساسية التي يحتاج الطالب إلى اكتسابها و التدرب على استعمالها، لأنها ضرورية للنجاح في الحياة الجامعية..بل الحياة ككل، كثيرة، منها مهارات عامة تتعلق بالتفكير و إدارة الوقت..إلخ،و مهارات تتعلق بالبحث العلمي، و مهارات تتعلق بالتعبير الكتابي و الشفوي..إلخ.
 فيما يلي، و بمناسبة الامتحانات- و المناسبة شرط كما يقال- ، نستعرض( و إياكم)، مجموعة من المهارات الضرورية للنجاح في الامتحانات..
1- مهارات إدارة الوقت:هي تلك المهارات ، التي تستخدم من أجل الحصول على أفضل استغلال للوقت المتاح( و لقد بدأت بها، لأن الطالب يحتاجها..للوصول في الوقت..إلى مكان الامتحان)؛
2- مهارة التركيز أو ضبط الانتباه:يقال بأن " نصف العبقرية تركيز"..و أنا أقول بأن ثلثي عناصر النجاح في الجامعة ، توجد في القدرة على التركيز..لاسيما يوم الامتحان؛إذ يحتاج الطالب في هذه المناسبة إلى استعمال أقصى درجات التركيز و الانتباه لما يقال له (يملى عليه :مثل السؤال)، او ما يطلب منه (مكتوبا) في ورقة السؤال؛
3-مهارة ترتيب الأولويات:هي المهارة المطلوبة لوضع الأشياء أو الأفكار أو الأعمال..إلخ،في ترتيب هرمي حسب أهميتها:ترتيب الإجابة على الأسئلة مثلا، حسب النقط المخصصة لها..؛
4- مهارة القراءة السريعة الاستيعابية: و هي المهارة المطلوبة لقراءة الأسئلة - عدة مرات- بسرعة، و استيعاب ما جاء فيها، و تكوين فكرة دقيقة عن ما هو المطلوب منها ؛
5- مهارة التفكير التحليلي: هو مهارة تساعد الطالب، على تجزئة نص السؤال و تفتيته إلى عناصره الأساسية و الثانوية، و إدراك ما بينها من علاقات أو روابط، مما يساعد على إدراك المراد من السؤال، و بالتالي العمل على صياغة الجواب في مرحلة لاحقة؛
6- مهارة استرجاع المعلومات: و هي المهارة المطلوبة لتذكر المعلومات المحتفظ بها في الذاكرة، و استرجاعها بطريقة منظمة،لاستخدامها عند الحاجة إليها؛
7- مهارة التصنيف:و هي المهارة التي تساعدنا على تجميع المعلومات و البيانات و عناصر الجواب، على أساس خصائصها و صفاتها، ضمن مجموعات أو فئات..فتشكل كل مجموعة أو كل فئة " شيئا ذا معنى"( نبني به فقرة..أو مطلبا..أو مبحثا..)؛
8- مهارة تحديد العلاقة بين السبب و النتيجة: هي المهارة التي تستخدم لتحديد العلاقات السببية بين الأحداث المختلفة، أو أنها تلك العملية الذهنية التي تبين كيف أن شيئا يكون سببا لأخر( نستخدمها كعامل مساعد لمهارة التصنيف ، و تساعدنا في ترتيب ما نكتب،عندما نستخدم المهنهج التاريخي..على سبيل المثال لا الحصر)؛
9- مهارة المقارنة و التباين أو التعارض:هي تلك المهارة التي تستخدم لفحص شيئين أو أمرين أو فكرتين أو نظريتين أو موقفين (فقهيين أو قضائيين مثلا)،أو أكثر،،لاكتشاف أوجه الشبه و نقاط الاختلاف؛
10- مهارة التفكير النقدي:هي عبارة عن مهارة تقييم و الحكم على الآراء و الأفكار و القوانين و النظريات و الظواهر..إلخ،لفحص دقتها و صدقها و موضوعيتها ، و بالتالي صلاحيتها و قيمتها الحقيقية، بالنسبة لما ننوي استعمالها فيه( كأدلة مثلا،لإثبات صحة ما نكتبه في ورقة الامتحان..)؛
11- مهارة صياغة  الإشكاليات و اختبارها:هي تلك المهارة التي تستخدم ، من أجل صياغة الإشكاليات ( الأفكار الأساسية= طرح الحلول) الممكنة لسؤال الامتحان، ثم العمل على فحص و اختبار هذه الحلول (الإشكاليات)،لاختيار واحد منها، يكون هو الأنسب للإجابة عن السؤال موضوع الامتحان؛
12- مهارة التفكير التجميعي:و هي المهارة التي يستطيع الطالب بمساعدتها، تقليل عدد الأفكار المطروحة إلى فكرتين اثنتين ( أو ثلاث في بعض الحالات)، تمثلان أفضل تقسيم (تصميم)،للإجابة عن الإشكالية المختارة؛
13 - مهارة الترتيب:و هي تلك المهارة التي تستخدم من أجل ترتيب الفقرات أو المحتويات بطريقة منظمة و دقيقة؛
14- مهارة إصدار الأحكام أو الوصول إلى حلول:هي المهارة التي تستخدم المعلومات المتوفرة، من أجل الوصول إلى أحكام عامة أو حلول للمشاكل التي تتكون منها الإشكالية؛
15- مهارة الاستنتاج: و هي تلك المهارة التي تستخدم من أجل توسيع أو زيادة حجم العلاقات القائمة على المعلومات المتوفرة، و الاستفادة من التفكير الاستدلالي أو التحليلي، من أجل تحديد ما يمكن أن يكون صحيحا؛
16- مهارة التوضيح أو التوسع: و هي تلك المهارة التي تستخدم من أجل تجميل الأفكار أو تفصيلها، و جعلها أكثر فائدة و دقة و جمالا، عن طريق التعبير عن معناها بإسهاب و توضيح.أو هي عبارة عن القدرة على إضافة تفضيلات جديدة للأفكار المطروحة حتى لتصبح الفكرة البسيطة، عميقة و مهمة؛
17- و مهارة التعبير الكتابي..و الشفوي..و مهارات أخرى عديدة، لا يتسع المجال لذكرها ( أحيل من يرغب التوسع فيها، على د. دودت أحمد سعادة- تدريس مهارات التفكير ( مع مئات الأمثلة التطبيقية)- دار الشروق- عمان (الأردن) 2003- ص 45 و ما يليها)

الثلاثاء، 14 فبراير 2017

المشكلة و الإشكالية:ما هو الفرق بينهما؟

سؤال يردده الكثير من الطلبة الباحثون..و فيما يلي جواب ممتاز للأستاذ الجابري، رحمه الله.
المشكلة و الإشكالية:ما هو الفرق بينهما؟

المشكلة و الإشكالية:ما هو الفرق بينهما؟

كتب الأستاذ المرحوم- بإذن الله تعالى- محمد عابد الجابري(1935-2010)..
[...] و الفرق بينهما [ المشكلة و الإشكالية] عندنا، يتلخص في كون المشكلة تتميز بكونها يمكن الوصول بشأنها إلى حل يلغيها.فـ " المشاكل"[ Les Problèmes] في الحساب تنتهي إلى حل، باستثناء بعض المعادلات الرياضية التي يكون حلها، أعني التخلص منها بعد البحث و المحاولة، بالإعلان عن كونها لا تقبل الحل.أما المشاكل المالية و الاقتصادية و الاجتماعية عموما، و المشاكل التي يصادفها العلماء في العلوم الطبيعية بمختلف أنواعها، فهي جميعها إلى نوع من الحل، آجلا أو عاجلا، ما دام المجال الذي تطرح فيه ينتمي إلى الواقع الموضوعي و يقبل نوعا ما من  التجريب.و في هذا الإطار يصدق قول ماركس :" إن الإنسانية لا تطرح من المشاكل إلا تلك التي تقدر على حلها".لماذا؟ لأن " المشاكل" ،بهذا المعنى، إنما تظهر  من خلال تقدم البحث ،فاكتساب مزيد من المعرفة بموضوع ما يفتح الطريق أمام اكتشاف مجاهيل جديدة، تكون مناسبة لطرح أسئلة جديدة.
هذا هو تصورنا لمعنى " المشكلة"، و أعتقد أنه من الممكن التعاقد مع القارئ على هذا المعنى.كما يمكن التعاقد على معنى أضيق أو أوسع؛ ففي هذا المجال، مجال الحدود و التعريفات، ليس هناك برهان، و إنما تعاقد بين الباحث و المتلقي ( و قد يكون المتلقي هو الباحث نفسه)!فبدون هذا لا يمكن الوصول إلى برهان، فالبرهان إنما يبنى، من جملة ما يبنى عليه، على الحدود و التعريفات.
هذا عن لفظ " المشكلة"، و أمرها لا يحتاج إلى مزيد بيان.أما " الإشكالية"، فهي شيء آخر.فعلا ، يستعمل كثير من الكتاب و القراء ( عندنا في العالم العربي)- أو يفهمون- هذا اللفظ و نسيبه " المشكلة" من غير تدقيق، و كأنهما من الألفاظ التي يجوز أن ينوب بعضها مناب بعض ( و هل هناك فعلا ألفاظ يجوز فيها ذلك بدون غرض و مبرر؟).
و مهما يكن، فنحن نستعمل هنا لفظ " إشكالية" في معنى محدد - و لو أنه معقد - غير معنى " المشكلة".و فيما يلي تفاصيل عقد (تعريف) نقترحه على القارئ. و لا يخطرن بالبال أن التعريفات و الحدود تصاغ كيف اتفق.كلا.ليس لأحد أن يقترح تعريفا إلا إذا كان هذا التعريف يزيدنا معرفة بالمعرّف به و يفسح المجال أمام لمزيد من المعرفة بالموضوع الذي نبحث فيه...
لقد سبق أن حددنا ما نعنيه بهذا المصطلح منذ أن بدأ يشيع في خطابنا العربي المعاصر [في كتاب](نحن و التراث 1980).لقد كتبنا آنذاك في هذا الموضوع ما يلي:" على الرغم من أن كلمة إشكالية من الكلمات المولدة في اللغة العربية ( و هي ترجمة موفقة لكلمة Problématique )، فإن جذرها العربي يحمل جانبا أساسيا من معناها الاصطلاحي.يقال: أشكل عليه الأمر بمعنى التبس و اختلط.و هذا مظهر من مظاهر المعنى الاصطلاحي المعاصر للكلمة ( و لكنه مظهر فقط).ذلك أن الإشكالية هي،في الاصطلاح المعاصر،منظومة من العلاقات التي تنسجها، داخل فكر معين ( فكر فرد أو فكر جماعة)، مشاكل عديدة مترابطة لا تتوافر إمكانية حلها منفردة و لا تقبل الحل - من الناحية النظرية - إلا في إطار حل عام يشملها جميعا.
و بعبارة أخرى: إن الإشكالية هي النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها، فهي توتر و نزوع نحو النظرية، أي نحو الاستقرار الفكري"
***
مثال تطبيقي..
و يسوق لنا الأستاذ الجابري،مثالا للإشكالية فيقول:إلى أي مدى يمكن التحرر من الإيديولوجيا، و البحث في موضوع العولمة و مسألة الهوية، بحثا علميا؟
هذا السؤال، في نظر الأستاذ الجابري، إشكالي..للأسباب التالية:
[...] ذلك أن العلاقة بين العولمة و مسألة الهوية ليست من العلائق البسيطة بل هي فعلا:
- "منظومة من العلاقات"، و ليست مجرد علاقة  بسيطة وحيدة الاتجاه:العلاقة بين العولمة  و مسألة الهوية قائمة في آن واحد بين طرف و طرف آخر داخل الدول المصنّعة، و داخل الدول النامية،و بين هذه الدول و تلك...
- " تنسجها داخل فكر معين":فكر فرد و فكر جماعة و فكر أمة إلخ.هذه العلاقة موضوعية فعلا، لها وجود في الواقع، و لكنها لا تتشكل منها إشكالية إلا بعد نقلها إلى الذهن بوصفها تطرح إشكالا قد يتمثل في كون العولمة تقفز على الهوية أو تلغيها، فيترتب عن ذلك رد فعل معين..و قد يتمثل في شيء آخر!
- " مشاكل عديدة مترابطة"، منها ما يخص ظاهرة العولمة نفسها، و منها ما يخص مسألة الهوية، و منها ما يخص العلاقة بينهما: مشاكل اقتصادية و تكنولوجية و معلوماتية و ثقافية و حضارية عامة.
-  هذه المشاكل " لا تتوفر إمكانية حلها منفردة و لا تقبل الحل- من الناحية النظرية- إلا في إطار حل عام يشملها جميعا"...
- و من هنا تبدو إشكالية العولمة و مسألة الهوية بمثابة " النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها، فهي توتر و نزوع نحو النظرية، أي نحو الاستقرار الفكري".
و الحق أننا هنا لا نطمع، و يجب أن لا نطمع، في حل نهائي لهذه الإشكالية.كل ما يمكن أن نحصل عليه بعد البحث هو شيء من " الاستقرار الفكري" ، شيء من المصالحة داخل وعينا بين عناصر متصارعة.

المرجع:مواقف:إضاءات و شهادات- العدد 43- دار النشر المغربية/سبريس- سبتمبر 2005- ص ص 7-13.
***

و كتب الأستاذ الدكتور العياشي عنصر، عن :الإشكالية و المشكلة و الإطار النظري:

[...] هناك اعتقاد قوي و راسخ، مفاده أن مهمة علم الاجتماع هي دراسة مشكلات المجتمع، كما يعيشها و يواجهها ، أي كما هي معطاة للإدراك الحسي المباشر.و تكون مهمة الباحث، في هذه الحالة رسم حدود تلك المشكلات، و تحديد طبيعتها ،و أسبابها، وصولا إلى اقتراح طرق معينة لمعالجتها ؛ استنادا إلى المعلومات و المعطيات التي يتحصل عليها، من خلال معاينة الواقع . إن مثل هذا التصور، هو السائد اليوم لدى الطلبة ، بل و لدى قطاع عريض من الأساتذة ،  كما تعبّر عنه أعمالهم.

و لا يخفى أن ذلك الاعتقاد يقوم على أسس و مسلمات ابستيمولوجية وضعية، و يعبر عن موقف نظري امبريقي، حيث يُنظر إلى الواقع باعتباره لا يمثل إشكالا و لا يُبطن سوى ما يُظهر، و بذلك يكون السبيل الوحيد و الفعال لمعرفة ذلك الواقع، هو الإدراك الحسي المباشر، عن طريق المقاربة الأمبريقية و المنهج التجريبي .و تبدو سيطرة هذا التصور واضحة في معظم أعمال و بحوث الطلبة، التي نحن بصدد دراسة عينة منها. يتجلى ذلك في اختيار موضوعات البحث، باعتبارها مشكلات مجتمعية متبلورة في المخيلة الجمعية، و محددة في المعرفة العامية، أو الحس المشترك الذي ينطلق مع مسلمة أساسية مفادها أن لا وجود للإشكال إطلاقا  في علاقة الذات العارفة بموضوع المعرفة.

لذلك فإن الغالبية العظمى من البحوث التي تفحصناها، لا تنطلق من صياغة إشكالية معينة كموضوع للدراسة، بل تقوم بتحديد المشكلة ، بمعنى أنها تنطلق من فكرة أن الباحث يتعامل مع الواقع المعطى للإدراك الحسي المباشر، و ليس من نموذج فكري أو نظري تتم صياغته و بناؤه من خلال عملية تنظير للواقع الملموس.

تجدر الاشارة هنا إلى قاعدة أساسية، أصبحت منسية أو تكاد، و هي ان البحث السوسيولوجي، لا يستغني عن وجود إشكالية تمثل صياغة نظرية و تجريدية للملموس، و هي خطوة جوهرية في عملية البحث العلمي، و إنتاج المعرفة عموما.و لا يمكن صياغة الإشكالية إلا ضمن إطار نظري مرجعي يُعتبر بمثابة المقاربة المعرفية التي يجد فيها الباحث أدوات و وسائل عمله لإنتاج  المعرفة. هذه الوسائل هي مجموعة المفاهيم و المقولات النظرية و الإجرائية التي تساعده على بلورة الإشكالية و تعّين له الطرائق و التقنيات التي بإمكانه الاستعانة بها في إنجاز دراسته ، سواء في مرحلة جمع المعطيات أو مرحلة تحليلها و تفسيرها.

لكن، كيف تبدو بحوث الطلبة بخصوص هذه النقطة؟ هل نجد صياغات محددة و واضحة للإشكاليات المدروسة؟ هل هناك أطر نظرية معينة لتناولها؟ إن أول ما يسترعي انتباهنا  عن تفحص بحوث الطلبة، هو الغياب شبه الكامل لهذه  الخطوة الأساسية .فالبحوث لا تنطلق عموما من صياغة للإشكالية أو بناء أو بناء لموضوع البحث، بل من تحديد للمشكلة، و الفرق بين الاثنين ذو دلالة قوية بخصوص الموقف الإبستيمولوجي، الذي تهيمن عليهن كما أشرنان نزعة حسية قوية و مقاربة امبريقاوية مفرطة.

إن ما نجده في بحوث الطلبة بخصوص هذه النقطة لا يتعدى تحديدا سطحيا و بسيطا لمشكلة ما كما هي مصاغة في المعرفة العامية السائدة. و إذا كان تعبير    " تحديد المشكلة " يتكرر في هذه الأعمال فإن ما يثير الانتباه هو أن ذلك لا يتم ضمن إطار نظري معين، تكون وظيفته مساءلة الواقع و الأدبيات التي تناولته بالدراسة، وصولا إلى تقديم صياغة جديدة أو مغايرة لموضوع البحث، انطلاقا من مقاربة معينة و باستخدام مجموعة من الأفكار و المقولات و المفاهيم التي تشكل إطارا نظريا متماسكا و متجانسا، يكون بمثابة الموجه و المرشد للباحث ، ليس في عملية صياغة الموضوع فحسبن بل و عند تحليل و فهم آليات تشكل الظاهرة و علاقاتها بغيرها  في النسيج الاجتماعي للظواهر.

المرجع:وضعية البحث السوسيولوجي في الجامعة:نموذج مذكرات الليّسانس في جامعة عنابة (1980-1993) -دراسات عربية- دار الطليعة- العدد 1/2- السنة الحادية و الثلاثون- بيروت (تشرين الثاني/كانون الأول- نوفمبر/ديسمبر 1994)- ص ص 60-61( وقدمت هذه الدراسة في الأصل إلى الملتقى المغاربي حول : المجتمعات المغاربية و الممارسات السوسيولوجية- الجزائر 13-15 نوفمبر/تشرين الثاني 1993).



الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

تقسيم العمل ..و الاقتصاد الأمريكي
(1929-1830)
كتب البروفسور لورنس ج.ر.هرسون(Lawrence J.R.Herson)، في كتابه (The Politics of Ideas)، الذي ترجم إلى الى العربية تحت عنوان" سياسات..و أفكار":
[...] لقد كانت الأمة الأمريكية الجديدة في حاجة ماسة إلى البنادق و المدافع و الذخيرة" بكميات كبيرة"..و من ثم فقد اقترح إيلي هويتني[(Eli Whitney)(1825-1765) ] - ذلك الشخص الذي مكنته "عبقريته" من تحسين آلة تمشيط القطن (وحلجه)..-[...] أن يكون صنع البنادق المسماة بنوع الماسكت ، و اللازمة للمشاة، عن طريق تقسيمها بصورة تجعلها ذات " أجزاء" تكون قابلة للتبادل " أي بأسلوب يجعل من السهل وضع كل جزء مكان الآخر، و استخدامه بدلا منه".
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

[...] و الآن ، تأمل-على سبيل المثال- كل ما تندرج تحته من نتائج و خطط و عمليات، فكرة تلك البنادق التي يتم تصنيعها بالطريقة التي اقترحها هويتني في هذا الصدد..
إن الأسلوب "التقليدي" ، القديم، لصنع البنادق كان يقضي بأن تصنع كل " بندقية" عن طريق عامل واحد - أو بمساعدة معاونيه من " صبيان الحرفة"- و من ثم ، فإن كل بندقية
تصنع بكاملها، كشيء قائم بذاته، ..و بعبارة أخرى، كانت كل أجزائها تصنع على وجه التخصيص، بالنسبة لكل بندقية، على حدة..ثم تركب معا بمنتهى الدقة و الإحكام و التأني.
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

[...] و الآن- و على النقيض تماما من هذا النظام التقليدي العتيق- يمكنك أن تقارن نظاما آخر، يقوم على مبدأ الانتاج الكبير، الذي يتم على الصورة التالية:
إن جميع الأجزاء، بالنسبة لجميع البنادق" التي من طراز ما قد وحدت قياسيا"،فصارت كلها واحدة، و نمطية، أي أنها متماثلة تماما.. و على ذلك،فإن من الميسور - في هذه الحالة- تخزين قطع الغيار اللازمة للاصلاح مقدما..و حتى قبل أن تمس الحاجة إليها..و بهذا يتسنى، أيضا، إصلاح أي " بندقية" من " مخزون" قطع الغيار الضخم.
و بهذا، يكون من الممكن فنيا تفتيت عملية صنع البندقية إلى جملة مراحل، أو خطوات، تشكل كل منها جزءا من أجزاء السلعة النهائية الصنع  " أي البندقية في حالتنا هذه"..و على هذا، ينبغي ألا يكون أي عامل في حاجة إلى أن يعلم من تفصيل مهمته أكثر من حدود المهارة اللازمة لانتاج الجزء المسئول عنه، لا غير!
و نتيجة لهذا الأسلوب، سوف يرتفع معدل الإنتاج،لأنه لن يكون محدودا- بعد الآن- بحدود أوقات و طاقات أولئك الذين يملكون قدرا كافيا من الدقة و المهارة، التي تمكن كلا منهم من صنع البندقية برمتها، و كامل أجزائها، كعمل فني واحد و متكامل..
[...] إن صنع " منتج سلعي" بأسلوب انتاج الأجزاء المتبادلة، أو المتعاوضة - و على نطاق واسع- ...هو ذات التكنيك أو الأسلوب الفني الذي أطراه- ونصح به- العالم الاقتصادي الكبير آدم سميث،بوصفه الطريق السلطاني [ الطريق الأفضل] إلى تحقيق أضخم و أعظم إنتاج،  بأقل تكلفة اقتصادية ممكنة..
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

[...] و على أساس هذه القواعد، و الظروف الانتاجية الجديدة، يصبح إنتاج الأجزاء المتبادلة- أو بمعنى آخر أجزاء المعاوضة، في منتج؛ مرتبطا- من ناحيتي المفهوم الفكري و التطبيق العملي على السواء- بروح و منطق، النظام الرأسمالي.و لقد يكون الأمر الأهم من ذلك بالنسبة لنمو، و تطور، هذا النظام الذي بدأ الأوربيون يحمدونه، و يطلقون عليه اسم " النظام الأمريكي في الانتاج" - هو ما تحقق بعدئذ من أفكار و نظريات بشأن تقسيم العمل، و تبسيط الإجراءات، و تحليل الوظائف و المهام.. مما جعل من الميسور ( بصفة مطردة) ابتكار أنواع الآلات، و الماكينات، و العُدد التي تضطلع بمهمة كل جزء من أجزاء كل منتج على حدة.و إذا نحن رجعنا إلى الوراء حتى عام 1853، و جدنا " صمويل كولت"[(S.Colt)(1862-1814)] (مخترع الروفلفر أو الغدارة)[= المسدس]، قد بنى مصنعا لانتاج " الغدارات" استخدم فيه (1400) آلة ميكانيكية ، كل آلة منها مختصة بصنع جزء من أجزاء الغدارة وفق نظام الانتاج الكبير!
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

و من مرحلة انتاج البنادق و المضخات و الساعات[- التي اتبع فيها نفس الأسلوب في العمل-]، انتشرت الأفكار و الأساليب الفنية الحديثة - المستخدمة في عمليات الانتاج الكبير- و تطرقت إلى ابتكار آليات و ماكينات أكثر تركيبا و أشد دقة و تعقيدا..و التي من قبيل آلات حصاد المحاصيل الزراعية، و آلات الخياطة (و بحلول سنة 1848، كان " سايروس ماك كورميك"[ (C.McCormick)(1884-1809)]- مخترع الحصادة الآلية- ينتج 4000 آلة في كل عام).
و الواقع ذهب البعض إلى أن الحرب الأهلية الأمريكية، إنما قد تم الانتصار فيها للشماليين، بفضل انتاج البنادق و الذخائر الحربية اللازمة، و كذا الأحذية و الملابس، بفضل اختراع الآلات التي اخترعت وقتئذ لتحقيق هذا الانتاج الكبير، و من بينها آلات الخياطة[1]..فضلا عما تحقق من سهولة و انتظام، في عمليات الحصاد الزراعي، بفضل التوسع في انتاج تلك الحصادات الزراعية السابق الإشارة إليه.
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

هذا، و يحاول مؤرخو التكنولوجيا - من خلال تأملاتهم المتعمقة لجذور هذا الموضوع- تفسير السبب في نجاح نظام الانتاج الكبير عندنا، فيرون أن هذا النظام هو امتداد لمنطق " الثورة الصناعية" الأوربية، و لتطبيقاتها العملية..و من ثم كان من اللازم أن يزدهر بدوره فوق صعيد التربة الأمريكية أيضا، و معظم الناس يتفقون على أن السبب المهم الذي أسهم في نجاح نظام الانتاج الكبير في العالم الجديد، هو نقص عدد السكان في أمريكا (وقتئذ)..
و بفضل هذا النظام - الذي غدا متاحا على نطاق واسع - عملت الآلات ( لا من أجل التخفيف من عناء الانسان فحسب، و مواجهة الحاجة المستمرة إلى العديد من الأيدي العاملة..الأمر الذي لم يكن ميسورا مع النقص النسبي في عدد السكان)- بل سمح كذلك، و لعدد أقل نسبيا ، أن يضطلعوا بإنتاج و توزيع السلع المختلفة، و الأغذية اللازمة ، بدرجة أكبر حجما..و على نطاق أكثر اتساعا و انتشارا..
إلا أن اقتصارنا على رؤية النظام الأمريكي كمجرد صورة للإنتاج الكبير عامة، أو لنظام القطع المتبادلة ( أو المتعاوضة) في المنتج الواحد بكميات هائلة..أو حتى صورة لاستخدام الآلية لصنع الآت أكثر دقة و تعقيدا مثل السيارات و الآلات الكاتبة..إلخ..
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

ان اقتصارنا على مثل هذه الرؤية المتعجلة تفقدنا، في الواقع، كثيرا من حقائق الوضع و دلالاته..ذلك أن الرأسمالية هي بمثابة ثقافة و نظام الانتاج الكبير في الولايات المتحدة غدا الحد، أو المعيار القاطع في قيام " نظم فرعية رأسمالية ثقافية"، لها صبغاتها السياسية و الاقتصادية البارزة..و الحق أن نظام الانتاج الكبير قد اندمج تماما في نسيج الحياة الأمريكية ذاتها، و أصبحا معا كلا واحدا.
و لكي نعي بوضوح ملموس، كل هذه المفاهيم " المجازية"، فإن علينا أن نتأمل أن منطق الانتاج الكبير، و تطبيقه العملي ، إنما يعنيان:
1- انتاج سلع و بضائع بتكاليف أكثر انخفاضا بصورة مطردة؛
2- و من ثم أيضا، يتسنى جعل المنتجات الغذائية و السلعية، متاحة لأولئك الذين هم في أدنى درجات السلم الاقتصادي؛
3- و بالتالي، يتسنى الاسهام في رفع مستويات المعيشة في المجتمع برمته؛
4- و الأكثر من هذا، فإنه يتسنى أيضا، بفضل مبدأ تقسيم العمل ، و مبدأ التخصص في الانتاج الجزئي لأقسام ، و أجزاء المنتج الواحد؛اتاحة فرص العمل لأولئك الذين ليس لهم إلا مهارات قليلة، أو تدريب منخفض المستوى نسبيا، و بذلك نوفر عليهم الوقت الطويل، و كذا النفقات الضرورية، مما كان سيتطلبه الأمر لو أنهم قضوا فترة التلمذة الصناعية بتمامها لإعدادهم مهنيا؛
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

5- هذا إلى أن عادات و احتيجات المعامل و المصانع، سيقع عبؤها على العامل و أسرته، فيحول أسلوب حياتهم اليومية..فثمة الحاجة إلى وضع تقارير يومية عن درجة المواظبة على العمل.كما أن حركات العمال و سلوكهم يتم رقابتها بدقة عن طريق نظام إداري رئاسي " هيرارشي" يشرف على نشاط " المصنع".هذا إلى أن ساعات العمل التي يقضيها العامل بالمصنع تضطره إلى أن يقيم هو و أسرته قريبا منه( الأمر الذي يساعد على تكوين أماكن و أحياء شعبية مزدحمة تماما بقطاعاتها)..و بإيجاز ، نجد أن كلا من نظام المصنع، و الثقافة العادية أو " الثانوية" للعامل، يندمج كلاهما في الآخر تماما؛
6- و على ذلك، فإن مستوى الإنتاجية، يعني بصفة عامة، ربحية أكبر. و من ثم، فإن مثل هذه الانتاجية المتزايدة تحفز على الادخار[توفير الاموال، الاقتصاد في الانفاق] (الأمر الذي يؤدي بدوره إلى " ظاهرة" التراكم النقدي أو " التكدس الرأسمالي)..عن طريق تقديم فرص للاستثمار و الكسب لأولئك الذين كدسوا رؤوس أموالهم على هذا النحو..كما أن ذلك يحفز بدوره على..
7- خلق و إيجاد اختراعات و ابتكارات جديدة، ..و هذه بدورها ترفع من مستوى الانتاجية ، و من الربح..الأمر الذي يعمل على..
8-زيادة الفرص أمام مقاولي الأعمال و مروجي المشروعات- (و هم الذين ينظمون سبل الإفادة من الابتكارات و المخترعات و يضطلعون بتمويلها، و بتنظيم العمل الانساني، كما يأخذون على عاتقهم تحمل المخاطر و مواجهتها)؛ ثم زيادة الفرص أمامهم لمواصلة الارتفاع بمستوى الأرباح إلى أعلى فأعلى.
إن هذا التصوير السريع الذي قدمناه، يعطي صورة مثالية لديناميات المجتمع، في ذات الوقت، و ذلك في غضون تلك الفترة التي يهمنا أمرها ها هنا( و الممتدة من سنة 1865 إلى سنة 1932).
على أن الرأسمالية لها أيضا جوانبها السوداء..جوانبها الأكثر سوءا.إن الطبيعة البشرية هي كما هي،فإن المقاول - ( أو بالأحرى منظم الأعمال)- سرعان ما يُغْرى بالرغبة في رفع الأسعار و جني الأرباح السريعة، لا عن طريق زيادة الإنتاجية [قوة الإنتاج، قياسا إلى التكلفة]..و لكن باحتكار عرض السلعة في السوق..و من ثم،،فإن الرأسمالية  تترك هنا لطبيعة منطقها ، كما تسعى وراء زيادة معدلات الربح إلى حدودها القصوى، عن طريق دفعها للعمال أقل الأجور الممكنة !!
و على هذا نجد أن ظواهر الأحياء الفقيرة المكدسة، إلى حد الاختناق بسكانها، و ساعات العمل الطويلة المرهقة،  و الأجور القليلة، و حوادث و إصابات  العمل في الصناعات ، في "ورش" غير آمنة أمنا صناعيا، و أيضا غير صحية..
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

و الواقع، كانت هذه كلها ظواهر عامة في غضون القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين( و هكذا" تخلق الرأسمالية بيئتها التي تلازمها")..
ثم إن منطق الرأسمالية يؤدي، كذلك، إلى الانتاج الزائد عن الحد، و إلى أن يزيد العرض على الطلب..و أيضا- و خلال الفترة التي تعنينا في هذه الدراسة- أدت إلى وقوع فترات هبوط و انكماش حادة و متكررة، و إلى بطالة عامة في صفوف العمال، و إلى وقوع فترات دورية من الضيق و المعاناة ( و هو ما نطلق عليه اسم الازمات )..
***
البروفسور لورنس هيرسون- سياسات..و أفكار: دراسة علمية تحليلية لمفهوم النظرية السياسية الاجتماعية، مع تطبيقاتها على واقع السياسة الأمريكية العامة- ترجمة: صلاح الدين الشريف- مكتبة الانجلو مصرية- القاهرة 1987- ص ص 414-422.






[1] لقد أسهم عدد كبير من المخترعين في اختراع آلة الخياطة، إلا أن اشهره هؤلاء هو الأمريكي" إلياس هاو"(E.Howe)(1819-1867)، الذس سجل براءة اختراع سنة 1846.و هي الآلة، التي عرفت تطويرات عديدة أهمها، تلك التي أدخلها عليها الأمريكي" إسحاق سنجر"(I.Singer)(1811-1875).

الاثنين، 26 ديسمبر 2016

هنري فايول و علم الإدارة

هنري فايول و علم الإدارة  

هنري فايول و علم الإدارة
هنري فايول و علم الإدارة

ولد هنري فايول(Henri Fayol)، في القسطنطينية عام 1841، و درس في مدرسة المناجم (L'Ecole des Mines)، في " سانت إتيان"(Saint-Etiene).ثم التحق بالعمل كمهندس، و هو في التاسعة عشرة من عمره، بإحدى شركات استخراج المعادن (و المناجم)( La compagnie de commentry Fourchambeau-Decazeville)، ليرتقي فيها عام 1888، إلى درجة مدير عام.و بقي في هذا المنصب، إلى أن أحيل  على التقاعد، في سنة 1918.
و في السنوات الأخيرة من عمره، أبدى اهتماما كبيرا بقضايا إدارة و تسيير المصالح الحكومية، و قدم محاضرات كثيرة في هذا الموضوع،ابتداء من سنة 1900،لا سيما في " المدرسة العليا للحرب"(L'Ecole Supérieure de Guerre ).
و توفي "هنري فايول" ،في باريس عام 1925.

أولا:مؤلفاته:

نشر " فايول" بحوثا علمية عديدة ، لها علاقة بمجال عمله الهندسي، في الدوريات المتخصصة، خاصة في (Bulletin de la société de l'Industrie Minérale). و لعل واحد من هذه البحووث على الأقل ،وطيد الصلة بمجال الإدارة و التسيير و الاقتصاد، هو (L'Industrialisation de l'Etat)(1919).
بالإضافة إلى هذه البحوث، نشر " فايول" كتابا هو السبب في شهرته التي طَبَّقت الآفاق، و هو " الإدارة الصناعية و العامة"(Administration industrielle et générale)، و نشره أول مره سنة 1916، في دورية (Bulletin de la société de l'industrie minérale ).ثم نشرته دار (Dunod)، سنة 1919، و أعادت نشره في السنوات 1966،و 1979، و 1999.
و لأهمية الكتاب، فقد ترجم إلى الكثير من اللغات الأوربية، كالإنجليزية، و الألمانية، و النرويجية، و السويدية، و اللتوانية، و البولونية، و التشيكية ، و اليونانية، و الإسبانية، و الإيطالية، و البرتغالية، و الرومانية، و اليابانية غيرها.و لا أعرف ما إن كان قد ترجم إلى العربية أم لا..( لقد تبن لي، من آخر بحث قمت به بواسطة " محرك البحث غوغل"، أنه ليس هناك طبعة عربية لهذا الكتاب، و الله أعلم).
و الجدير بالذكر هنا، أن " هنري فايول"، ظل اسمها مجهولا لدى الكثيرين من المهتمين بالمقاولات و الاقتصاد في فرنسا،و أن ترجمة كتابه إلى الإنجليزية سنة 1929، ثم إعادة طبعه في أمريكا سنة 1949، هي التي جعلت الفرنسيين يلتفتون إلى الرجل( و دليل ذلك، أن دار النشر التي نشرت كتابه، لم تطبع الطبعة الثانية(1966) من كتابه، إلا بعد مرور نصف قرن تقريبا..على الطبعة الأولى(1919)).
هنري فايول و علم الإدارة

ثانيا:هدف و تقسيم الكتاب:

 يرى "فايول" أن الإدارة تلعب دورا حيويا و خطيرا في مختلف الأعمال و الأنشطة الجماعية، صغيرة كانت أم كبيرة، صناعية أو تجارية، أو سياسية، أو دينية، أو غيرها.
و لأجل إبراز هذا الدور و التعريف به، ارتأى " فايول" أن يقدم في كتابه، المتقدم ذكره، أفكاره عن الإدارة، و التي استقاها من خبرته الطويلة و العريضة في مجال التدبير و التسيير.بل هو يقدم لنا هذه الأفكار على أنها تكوّن الطريقة الأمثل،لإدارة المقاولات على اختلاف أنواعها .
فكل الأنشطة التي تقوم بها المقاولات، يمكن تقسيمها إلى ستة أنشطة أو وظائف أساسية، هي:
1- وظائف أو عمليات تقنية:الانتاج، و الصناعة، و التحويل..(Opérations techniques
2- وظائف أو عمليات تجارية:الشراء،و البيع، و التبادل..(Opérations commerciales
3- وظائف أو عمليات مالية: البحث عن المواد المالية(رؤوس الأموال)، و انفاقها(Opérations financières
4- وظائف أو عمليات أمنية: حماية ممتلكات المقاولة، و العاملين فيها(Opérations de sécurité
5- وظائف أو عمليات محاسبية:وضع الميزانيات، و جرد و أحصاء الموجودات (المخزون من السلع المصنعة، و المواد الأولية..)(Opérations de comptabilité
6- وظائف أو عمليات إدارية:وتقوم بالتخطيط(و التوقع و التخمين)، و التنظيم،و القيادة(اصدار التعليمات والتوجيه)، و التنسيق، و المراقبة(Opérations administratives).
هذه الوظائف الأساسية(fonctions essentielles ) الست، توجد في كل المقاولات، الصغيرة و الكبيرة، البسيطة و المعقدة، و مهما كان هدفها أو الغرض من إنشائها، فلابد أن تمارس هذه الوظائف الأساسية.و من هنا عرّف  الإدارة بأنها:" هي التوقع، و التنظيم، و القيادة، و التنسيق و الرقابة"(Administrer ,c'est prévoir ,organiser, commander, coordonner et contrôler).

ثالثا:الإدارة بمفهوميها العام و الخاص

و في الواقع، فإن ّ فايول" يتحدث عن " الوظيفة الإدارية" بمعنيين مختلفين، و لكن غير متناقضين بل متكاملين:بمعنى عام(واسع)، و بمعنى خاص(حصري).
فهو يتحدث عن الإدارة بمعنى عام،و يستعملها كمرادف "للحكم"(Gouverner)،و القيادة: أي حكم و قيادة المقاولة، نحو هدفها ، من خلال استغلال كل إمكانياتها و مواردها أحسن استغلال.و هذا الحكم أو الإدارة، تمارس بوساطة و على مستوى كل الوظائف: ففي كل وظيفة من وظائف المقاولة، تؤدى جميع الوظائف أو العمليات الإدارية( من تخطيط، و تنظيم، و قيادة، و تنسيق، و رقابة)؛ففي وظيفة الإنتاج مثلا، نحتاج إلى تخطيط ، و تنظيم، و قيادة،.. و عملية إدارية.و بهذه الطريقة فإن المقاولة كلها تدار على النحو المرغوب فيه، وتحقق أهدافها [1].
وظائف المقاولة/الوظائف الإدارية
التخطيط(التوقع)
Prévoir
التنظيم
Organiser
القيادة
Commander
التنسيق
Coordonner
الرقابة
Contrôler
الإنتاج، ..
نعم
نعم
نعم
نعم
نعم
الشراء،البيع..
نعم
نعم
نعم
نعم
نعم
التمويل..
نعم
نعم
نعم
نعم
نعم
توفير الحماية
نعم
نعم
نعم
نعم
نعم
المحاسبة..
نعم
نعم
نعم
نعم
نعم
العملية الإدارية
نعم
نعم
نعم
نعم
نعم
في كل وظيفة من وظائف المقاولة، تؤدى جميع وظائف الإدارة
أما الإدارة بمعناها الخاص، و يسميها ( L'Administration)،فهي العمل الذي يقوم به رؤساء المقاولات و مديروها، على مستوى المقاولة كلها.أو هي بتعبير آخر تطبيق الوظيفة السادسة، على مستوى أعلى يشمل المقاولة كلها، و لا يخص كل وظيفة على حدة:فالمديرون، يخططون مثلا، و لكن للمقاولة كلها، و ليس فقط للإنتاج أو البيع، أو الحماية.و ينطمون، على مستوى جميع الوظائف، و ليس على مستوى وظيفة واحدة.
و من هنا، يتجلى لنا أن الإدارة بمفهومها الخاص،و بالنظر إلى المهام المنوطة بها، من جهة، و نوعية المسؤولين الذين يتولون أمر "إدارتها"، فإنها - في الحقيقة- هي الأساس و الأصل و المرجع النهائي لجميع الوظائف الخمس الأخرى، حتى لتبدو الوظائف الأخرى مجرد فروع لها.
بلغة أخرى، إن " فايول"، يعتقد أن "إدارة " المقاولة تتطلب إشراك جميع الوظائف الستة،لبلوغ الأهداف المرسومة، بما فيها الوظيفة الإدارية(السادسة).إلا أن هذه الأخيرة، إذا تولى أمرها رؤساء او مديرو ( أو ملاك) المقاولة أنفسهم،فهي تتحمل عبء ما يمكن تسميته بـ" الإدارة العليا"، و التي تشمل المهام التالية:
1- التخطيط أو التوقع (Prévoyance):فمديرو أو رؤساء المقاولة يتوقعون و يتنبؤون بما ستكون عليه مقاولتهم في المستقبل،و على ضوء ذلك يضعون برامج و خطط العمل لمواجهته، و التعامل معه؛
2- و ينظمون(Organiser ):أي يبنون البناء المادي( الأقسام، و المصالح، و الفروع..) و الاجتماعي ( فرق العمل في كل قسم، و اختصاصاته، و العناصر البشرية العاملة فيه،..) للمقاولة؛
3- القيادة(Commander):أي  خلق الأجواء التي تجعل العمال و المستخدمين، يقومون بأعمالهم(Commander ,c'est -à-dire relier , unir ,harmoniser tous les actes et tous les efforts)..؛
4- التنسيق (Coordonner):أي الربط بين مختلف الوظائف( الأعمال و الجهود)، و العناصر البشرية التي تقوم بها ، و خلق الانسجام و التعاون بينهم..لبلوغ الأهداف.أو في جملة واحدة" ملائمة الوسائل مع الأهداف"؛
5- الرقابة(Contrôler):أي الحرص على أن تتم الأمور حسب القواعد، و التعليمات، و الأهداف المحددة.
و على تعدد هذه المهام التي تقوم بها " الإدارة العليا" للمقاولة،إلا أن" فايول"، مع ذلك، يرى أن الهم الأساسي للوظيفة الإدارية، يجب أن ينصب على " الجسم الاجتماعي"(Le corps sociale)، أو القوى العاملة، و يترك القضايا المتعلقة بالمواد و الآلات إلى الوظائف الأخرى(الإنتاج، و البيع،و الأمن..).فالمدير الجيد هو الذي يحرص على إبقاء هذا " الجسم" معافى ، سالما من الأمراض، متمتعا بصحة جيدة.و ذلك، باحترام مجموعة من المبادئ أو القواعد، المرنة(flexible) و القابلة للتغيير و التطور، لتستجيب للحاجيات المتغيرة و المتطوردة بدورها.يقول "فايول"، في هذا الصدد:" Il n'ya rien de rigide ni absolu en matière administrative ;tout est question de mesure"[2].
إنها مهمة صعبة،تتولاها إدارة المقاولة(الإدارة العليا)، تتطلب منها الكثير من الذكاء، و الحكمة، و بعد النظر، و اللباقة، و الخبرة..أي كل المؤهلات التي يجب استيفاؤها في المدير الجيد، من منظور " فايول"[3].
هذه المبادئ ليست ثابتة أو محددة، في عدد معين، بل إن قائمتها مفتوحة، قد تتسع لإضافات أخرى، فتشتمل كل ما يمكن أن يقوي الجسم الاجتماعي للمقاولة، أو يسهل عملية الإدارة و التسيير.

رابعا:مبادئ الإدارة:

لقد لخص "فايول" مبادئ الإدارة في أربعة عشر مبدأ.و هو يقول أن " قائمة المبادئ" هذه التي يقترحها علينا، ليست إلا قائمة أولية أو مبدئية، أو هي بالأحرى نموذج، يمكن أن تعدل و تستكمل وفق الحاجيات..،و حسب ما يستجد من ظروف.
1- تقسيم العمل (Division du travail):الهدف من تقسيم العمل هو زيادة الإنتاجية، و جودة الإنتاج أيضا، دون زيادة في التكاليف.و يترتب على تقسيم العمل، التخصص المهام و الأعمال، و أيضا فصل السلطات و المسؤوليات ( قارن مع "آدم سميث"( تذكر:معمل الدبابيس)، و " فريدريك تايلور")؛
2- السلطة و المسؤولية (Autorité et responsabilité):السلطة هي الحق في القيادة (C'est le droit de commander)، و القدرة على فرض الطاعة( Le pouvoir de se faire obéir ).و يميز " فايول" ، بين " السلطة القانونية"، المستمدة من المنصب أو الوظيفة( L'autorité statutaire)، و السلطة الشخصية(L'autorité personnelle) التي يستمدها الإنسان من قدراته الشخصية ، كالذكاء، و المعرفة و الخبرة، و القدرة على القيادة ( و كل ما نعبر عنه اليوم بالكاريزما  Charisme).
و السلطة لا ينبغي أن تمارس دون مسؤولية، أي دون جزاء ( ثواب أو عقاب):فالمسؤولية، هي إحدى توابع السلطة.فالناس يسعون إلى امتلاك السلطة، و لكنهم يتهربون من المسؤولية، في حين لا ينبغي الفصل بينهما.
و صاحب السلطة ، ينبغي أن يكون حكما حكيما، و عادلا و صارما في نفس الوقت،و إلا فيخشى أن تؤدي ممارسة السلطات إلى عواقب وخيمة على المقاولة، فالسلطة - كما قال " مونتسكيو"(Monesquieu )(1689-1755) في كتابه " روح القوانين"( De l'esprit des lois)- تغري بالاستبداد؛
3- الانضباط(Discipline):يقصد " فايول" بالانضباط الطاعة  و المواظبة ، و النشاط ، و حسن الهيئة، و غير من المزاهر الخارجية، التي تؤشر على احترام العامل لمكان عمله و لرؤسائه و العاملين معه، وفقا للعقود التي تنظم العلاقات بين المقاولة و مستخدميها و العاملين فيها؛
4- وحدة الرئاسة أو القيادة (Unité de commandement):عندما يكلف العامل أو المستخدم بعمل معين، فلا يجب أن يتلقى الأوامر إلا من رئيس واحد.فإذا كان لرئيسين سلطة على نفس الشخص أو على نفس المصلحة،نصبح أمام ازدواجية للسلطة.و في كل الجماعات أو المجتمعات البشرية، صغيرة كانت أم كبيرة، كالأسرة ، و السفينة،و الجيش، و الإدارات الحكومية، و غيرها، تؤدي القيادة  المزدوجة(La dualité du commandement)، غالبا، حتى لا نقول دائما، إلى نزاعات قد تكون خطيرة أحيانا.و من هنا، ينبغي الحرص على إبقاء القيادة المباشرة، في يد شخص واحد، و ألا يتلقى العامل الأوامر من رئيس مباشر و آخر غير مباشر( متخطيا هذا الأخير،سلطات الأول)، أو أكثر من رئيس(و هو في هذا يعارض " تايلور"، الذي لم ير مانعا من أن يتلقى العامل الأوامر من أكثر من رئيس)؛
5- وحدة التوجيه (Unité de direction): هذا المبدأ يعني تعيين مسؤول واحد و برنامج واحد لكل مجموعة عمليات، ترمي إلى هدف واحد(Un seul chef et un seul programme pour un ensemble d'opérations visant le même but).
و لا ينبغي الخلط بين هذا المبدأ الذي يتعلق بالتنظيم(تقسيم الأعمال إلى مجموعات من الأفراد،و تحديد واجباتهم،و تحديد السلطة المسؤولة عنهم..)، و مبدأ "وحدة الرئاسة" الذي يرتبط بعلاقة الأفراد (احترام التراتبية و الاختصاصات)[4]؛
6- إخضاع المصلحة الخاصة للمصلحة العامة(Subordination de l'intérêt particulier à l'intérêt général):يعني هذا المبدأ ألا يفضل العامل أو الأجير في المقاولة، مهما كانت مكانته فيها، مصالحه الخاصة على مصالح المقاولة، عند تعارضهما؛
7- مكافأة العمال(Rémunération du personnel):إن مكافأة العمال، هو الأجر( الجزاء= الثمن، العوض) الذي يدفع لهم مقابل الخدمات التي يؤدونها للمقاولة. و يجب أن يكون هذا الأجر عادلا، يرضي قدر المستطاع الأجير، دون أن يضر بالمقاولة.
و مقدار هذا الأجر، يخضع لتأثير ظروف لا يتحكم فيها المقاول (أو المقاولون)، مثل غلاء المعيشة (التضخم=ارتفاع الأسعار)، و الوضعية الاقتصادية، و المنافسة بين العمال، و الظروف العامة للعمل، و طريقة أداء الأجر( على أساس وقت العمل أو على أساس انتاج العامل)..إلخ.
و ينصح " فايول"، بأن يراعى في مقدار الأجر، العناصر التالية[5]:
أ- أن يشكل مكافأة عادلة، قدر المستطاع؛
ب- أن يشجع العمال النشطين و المتحمسين؛
ج- ألا يتجاوز الحدود المعقولة.
8- المركزية أو اللامركيزية(Centralisation/décentralisation):يعني بهذا أن لرئيس المقاولة أن يختار بين أن يجمع مقاليد السلطة كلها بيديه، بحيث تكون كل القرارات و التعليمات، مهما كانت أهميتها، صادرة عنه.أو أن يفوض بعض سلطاته، حسب الظروف، و حسب نوعية و كفاءة و مؤهلات الأعوان و المستخدمين الذين يستعينون بهم، و حسب حجم و نشاط المقاولة( و يسهل معرفة ما إذا كان هناك مركزية أو لامركزية، و مستواها ، من خلال أسلوب التنظيم المتبع في المقاولة، و من خلال التنظيم الهيكلي organigramme)؛
9- التراتبية(Hiérarchie):هي الترتيب الهرمي للرؤساء، انطلاقا من أعلى الهرم (أعلى سلطة في الإدارة العليا)، إلى العمال الموجودين في أدنى مستوى عند قاعدة الهرم.
و يقول "فايول" أن هناك طريق تصل الأعلى بالأدنى، هي طريق التسلسل التراتبي (La voie hiérarchique )، و هو الطريق الذي تعبره الاتصالات، مرورا بكل بشتى الرتب، عندما تنطلق من أعلى نحو الأسفل، أو عندما تنطلق من الأدنى نحو الأعلى:هذا الطريق تفرضه حاجيات " ضمان الاتصال و التواصل"، من ناحية، و " وحدة القيادة" من ناحية أخرى.

و" فايول" يقر بأن الأخذ الصارم بهذا المبدأ،قد يبطئ أحيانا من سرعة  توصيل المعلومات من و إلى القيادة،إلاّ أن ذلك لا يعد مبررا- في نظره- لخرق هذا المبدأ؛ بل هذا العيب يمكن إصلاحه، بإيجاد طرق أو إجراءات أخرى،يمكنها أن تُسرّع عملية التواصل؛


المدير



رئيس القسم (2)                                                      رئيس القسم (1)
رئيس المصلحة (2)                                               رئيس المصلحة (1)


حسب مبادئ "فايول"، لا يمكن لرئيس المصلحة(1) أن يتصل برئيس المصلحة(2)، إلا من خلال المرور برئيس القسم (1)، و المدير،ثم من المدير نزولا إلى رئيس القسم(2)..وصولا إلى رئيس المصلحة (2).
صحيح أنه،اقترح أيضا وجود " جسر"(Passerelle)،بين رئيس القسم(1) و رئيس القسم(2)، أو بين رئيس المصلحة(1) و رئيس المصلحة(2)، و لكنه ربط وجود ذلك، بموافقة المديرين و الرؤساء، و بوجود انسجام و تعاون بين المستخدمين(راجع المبدأ:14).
10- النظام (L'Ordre): يتحدث " فايول" عن النظام في بعديه المادي و الاجتماعي، أي النظام الذي يتعلق بالمواد، و الآلات و ماشابه، و النظام الذي يخص العمال و المستخدمين، و من إليهم:
أ- نظام المعدات(L'Ordre matériel): كي يكون هناك نظام على مستوى المعدات و الآلات، يجب أن نخصص مكان لكل شيء، و أن يكون كل شيء في مكانه المخصص له، على أن يتم اختيار هذا المكان بعناية: و تطبيق النظام،على هذا الأساس، سيؤدي إلى تجنب الضياع في المواد و الوقت،و يحافظ على المعدات و الآلات( لاسيما إذا استكمل هذا النظام، بالحفاظ على النظافة)؛
ب- النظام الاجتماعي (L'Ordre social): كي يسود النظام الاجتماعي في المقاولة، يجب أن يحدد موقع(منصب، عمل، مهمة..) لكل أجير أو مستخدم، و أن يتواجد هذا الأجير في المكان الذي حدد له.
و النظام يفترض أيضا، أن يكون هذا الموقع مناسبا للعامل أو المستخدم الذي يشغله، و أن يكون العامل أو المستخدم مناسبا للعمل الذي أسند إليه(" الرجل المناسب في المكان المناسب)(The right man in the right place)؛
11- الانصاف (L'Equité):لتشجيع العمال، و حثهم على بذل جهود كبيرة في أعمالهم،و أدائها بإخلاص و حسن نية؛ لا بد من معاملتهم معاملة حسنة، تصون كرامتهم و تحترم إنسانيتهم؛
12- الاستقرار في العمل (La stabilité du personnel): تتجلى عبقرية "فايول"، و خبرته الواسعة، فإدراج هذا المبدأ في قائمته القصيرة، لأنه في نظري مبدأ هام جدا.و مفاد هذا المبدأ، عند "فايول"؛ أن تتاح للعامل أو المستخدم ،فرصة  للتعرف على طبيعة العمل المسند إليه، و ما هو مطلوب منه بالضبط، حتى يمكنه القيام به على أحسن وجه، هذا على افتراض أنه يملك المؤهلات و المهارات الضرورية المطلوبة لانجاز العمل المنوط به. ذلك أن نقل العامل من موقع(عمل=منصب، أو مهمة..)، إلى موقع آخر، قبل أن يعطى الوقت الكافي لانجاز مهمته أو عمله أو حتى يظهر قدراته و مهاراته،لا يسمح بالحكم على مؤهلاته ..و بالتالي،فلا شك أن ذلك يلحق به به، و بالمقاولة..ضررا كبيرا.
13- المبادرة(L'Initiative):إن إمكانية وضع الخطط و تنفيذها، هي ما يطلق عليه " فايول" المبادرة.و يدرج ضمن هذا المفهوم أيضا ، حرية " الاقتراح"،..و ينصح المديرين بإفساح المجال للمرؤوسين  لكي يشتركوا في التخطيط (أما التنفيذ، فهم مسؤولون عنه طبعا)( قارن مع فريدريك تايلور)؛
14- اتحاد المستخدمين (L'Union du personnel):" الاتحاد قوة"(L'Union fait la force)، هذا المثل،يقول " فايول"، يجب على كل مدير أن يتمعن فيه جيدا..،و يحرص على الاستفادة منه.ذلك أن توفير أجواء الانسجام ، و الاتفاق، و التعاون بين المستخدمين في كل مقاولة، يكون عاملا من عوامل قوتها.و من ثم يجب على كل مدير أن يحرص على ابقاء " الوحدة" بين المستخدمين، و إن لم تكن موجودة فعليه إيجادها، و أن يبتعد عن " سياسة فرق تسد"(diviser pour régner)،فهي لن تفيده في التحكم في العمال، بل على العكس، ستزرع بذور الشقاق و النزاع و الانقسام بين المستخدمين، مما يلحق أضرارا كبيرة بالمقاولة، قد يكون من الصعب معالجتها.
بل إن الثمار الطيبة لسيادة أجواء الانسجام و التعاون بين المستخدمين، يجب أن تغري المديرين، بالحرص على خلقها و توفيرها..،فهي ، على سبيل المثال لا الحصر، تخفف و تحد من الإجراءات الروتينية البيروقراطية ، فيما يتعلق بنقل المعلومات و تبادلها، و بالتالي يكثر الاعتماد على التواصل الشفوي أكثر من التواصل الكتابي، و تكون النتيجة الطيبة لذلك هي الربح في الوقت، و زيادة فعالية التواصل(لأن التواصل الشفهي يكون أكثر تفصيلا و وضوحا).
***
و الحاصل:
 بقي أن نشير، في الختام، إلى ملاحظتين، الأولى أن " فايول" وجه كلامه، من خلال هذه المبادئ،إلى المديرين، فهم الذي سيحرصون على تنفيذها، فهم المعنيون بتطبيق مبادئ النظام، و العدالة، و إنصاف العمال، و توفير الانسجام، و الحرص على الاتحاد..إلخ.
و الأخرى ، أن هذه المبادئ ،هي الأساس الذي أقيم عليه صرح " علم الإدارة" الكبير، كما نعرفه اليوم،..فلا عجب أن أطلق بعضهم على " فايول" اسم " الأب الحقيقي لنظرية الإدارة"(Le véritable père de la théorie du management): فعلى الرغم من من ريادة " فريدريك تايلور"(F.W.Taylor)، في مجال "علم الإدارة"؛إذ وضع حجر الأساس"للإدارة العلمية"، بوساطة كتابه (Principles of Scientific Management)؛إلا أنه كمهندس اهتم بالجوانب التقنية التي يصادفها المهندس أو المشرف على العمال (contremaître)- فلاحظ أهمية التخلص من الفوضى العارمة في مجال الأعمال، نتيجة الوقت و الجهود الضائعة،فاستنبط طرقا " نمطية" لإنجاز الأعمال، اعتبرها هي الطريقة الوحيدة و الأفضل -، في حين أن "فايول"، مارس القيادة من أعلى - كان مديرا عاما-، فرأى الأمور من زاوية المسؤوليات، و اتخاذ القرارات، و القيادة و التوجيه، و هي أعمال يصعب " تنميطها"- على عكس الأعمال التي قد يطلب من العمال القيام بها-، بل هي متغيرة..و تتطلب رؤية شاملة و كاملة للمقاولة[6].
لقد كتب" فايول"،كممارس محترف، فعكس خبرته الطويلة  كمهندس،ثم كمدير شركة ، في تلك المبادئ الأربعة عشرة،و التي بفضلها أصبح يحتل مكانة مرموقة، في تاريخ علم الإدارة. بل إنه منذ أن صاغ تلك المبادئ و إلى اليوم، قليل هو عدد العلماء و الخبراء و المهتمين الذين لم يتأثروا بها أو لم يكتبوا عنها.لا بل إن العناصر التي اعتبرها مكونة للوظيفة الإدارية- الوظيفة السادسة: أعني التخطيط،و التنظيم ، و القيادة،و التنسيق و الرقابة -،أصبحت تدخل في تعريف علم الإدارة كلها أو بعضها،و شكلت نظاما مفاهيميا، استعان و يستعين به المديرون لتكوين رؤية واضحة عن مهامهم و كيفية تنفيذها، و تحمل مسؤولياتها.

المراجع:
أولا- العربية:
1- د.محمد سعيد عبد الفتاح- الإدارة العامة؛
2- د.محمد عبد الوهاب- مقدمة في الإدارة؛
3- د.نبيل الحسيني النجار- الإدارة: أصولها و اتجاهاتها المعاصرة.
ثانيا- الفرنسية و الانجليزية:
1- M.Crener et B.Monteil-Principes de Management;
2-P.Labardin-L'essentiel de l'Histoire de la Gestion;
3-D.A.Wren,A.G.Bedeian and J.D.Beeze-The Foundations of Henri Fayol's administrative theory-in:http://www.emeraldinsight.com;
4- Jean-Louis Peaucelle- Présentation et commentaire du livre d’Henri Fayol Administration Industrielle et Générale-in:http://panoramix.univ.paris1.fr/IAEة
5-Md.Hasebur Rahman-Henry Fayol and Frederick Winslow Taylor's contribution to Management Thought :An Overview-ABC journal of Advanced Research ,Volume 1,N°2(2012)-in:Internet.

الهوامش:

[1][1]  إن " فايول" يرى أن الإدارة تمارس على مستوى كل عامل و كل مستخدم،فلك واحد منهم قد يشارك بنصيب كبير أو صغير في الإدارة، حسب المسؤولية الملقاة على عاتقه، و كلما ارتقى في سلم المسؤولية، كلما أصبحت حصته من الإدارة أكبر.قال في إحدى محاضراته:"Every employee in an undertaking ,then, takes larger or smaler share in the work of administration, and has , therefore , to use and display his administrative facultiesThis is why we often see men ,who are specially gifted, gradually rise from the lowest to the highest level of the industrial hierarchy.": D.A.Wren,A.G.Bedeian and J.D.Beeze-The Foundations of Henri Fayol's administrative theory-p908.                                                                              
[2] cité par: M.Crener et B.Monteil-Principes de Management-p66.
[3] لقد أوضح " فايول" أن الصفات المطلوبة في المديرين ( و غيرهم من العاملين و المستخدمين)، يجب أن تكون متكاملة ، بعضها جسماني و الآخر معنوي (عقلي و ثقافي و أخلاقي):
أ- القدرات الجسدية: يجب أن يكون المدير في صحة جيدة، و يتمتع بحيوية، و نشاط؛ و الاستعداد للعمل، في شتى الظروف..
ب-القدرات الفكرية:يجب أن يتمتع باستعداد للفهم، و التعلم من التجارب ،و التفكير السليم، و اتخاذ المبادرات، إصدار قرارات حكيمة، و وضع الخطط الاستراتيجية و التكتيكية ؛و أن يتمتع بالحيوية الفكرية و المرونة؛و التأقلم مع الظروف بسرعة..
ج- القدرات المعنوية:يجب أن يتمع بالطاقة ، و الجدية و الصرامة، و أن  يتحلى بالشجاعة الأدبية، فيتحمل مسؤولية الأعمال التي يقوم بها، و الإخلاص في العمل و التفاني فيه ، و نكران الذات؛
د-  الثقافة العامة: يجب أن يتوافر على معارف متنوعة، ليس لها بالضرورة علاقة بالعمل أو المهام التي يقوم بها..؛
هـ- الثقافة الخاصة:و من طبيعة الحال، يجب أن يتوافر على ثقافة عميقة في المهنة أو الوظيفة أو العمل الذي يقوم به، سواء كان تقنيا، أو تجاريا، أو إداريا، ..إلخ؛
و- الخبرة:يجب أن يتوافر المدير على خبرة، و هي المعرفة الناتجة عن ممارسة المهنة أو الوظيفة أو العمل..
و لقد أشار"فايول" أيضا، إلى أن الصفات التي يجب توافرها في العامل، هي تقنية (مهنية)، و تزداد الحاجة إلى القدرة الإدرية كلما ارتقى في السلم الإداري( يصعد نحو الإدارة العليا): و كلما كان الإنسان متعلما في المدارس و المعاهد التقنية، كلما سهل عليه ارتقى درجات السلم المؤدي، إلى مواقع صناعة القرار، في الوظيفة الإدارية.

[4]  و لتوضيح الفرق، نقتبس المثال التالي من " كروني و مونتاي"(Crener et Monteil): لنفرض أنه عندنا عملية بيع منتجات، أسندت إلى فريق من المستخدمين، يتكون من 14 فردا.و أنهم عندما نزلوا إلى الساحة،انقسموا بدورهم إلى فريقين، كل فريق من (7) أفراد، و على رأس كل فريق (رئيس).
فكل بائع، سيطيع أوامر رئيسه المباشر (فهناك وحدة في الرئاسة أو القيادة)، و لكن الجميع يتقيد بالبرنامج الذي وضعته السلطة التراتبية الأعلى، التي نظمت العملية أصلا( و إذن هناك وحدة التوجيه).:فوحدة الرئاسة، لا يمكن أن توجد دون وحدة توجيه.
[5]  و العمال، يمكن أن تحسب أجورهم ، بطريقة من الطرق التالية:
1- على أساس اليوم( Le paiement à la journée)، و عيب هذه الطريقة، أنها تؤدي إلى التكاسل و التهاون، و من ثم لا بد من استكمالها بمراقبة أو حراسة مستمرة للعمال؛
2- على أساس العمل المتفق عليه بشكل جزافي( Le paiement à la tâche)- و هو ما نسميه بالدارجة المغربية " العطش"-، و من عيوبه أنه يخفض مردودية العمال النشطاء الجيدين، و يدفعهم إلى التراخي في انجاز العمل(لأن المهم، في هذه الحالة،هو إتمام العمل، أما  متى ؟ و كيف؟ ينجز العمل ،فغالبا، ما تكونان عنصران ثانويان) ؛
3- على أساس القطع(Le paiement aux pièces)،أي عدد القطع التي ينجزها العامل.و من عيوب هذا الأسلوب أن العامل، بكمية ما ينتج، أكثر من اهتمامه بنوعية و جودة هذا الانتاج؛
و هذه الطرق الثلاث، يمكن دمجها و المزج بينها بشتى الأساليب، كما يمكن تحسين فعاليتها، بإضافة الحوافز و المكافآت المادية و العينية إليها:مثل المنح (primes)، أو المشاركة في الأرباح،أو مكافآت عينية أو تشريفية (أوسمة، و شهادات..).
تذكروا هذه الطرق..فسيكون لكم موعد آخر معها، في الفصل الثالث(مادة: قانون الشغل)، إن شاء الله تعالى.
[6] M.Crener et B.Monteil-Principes de Management-P.U.Q-p61 et suivantes.