كيف تدرس؟ أفضل الطرق للحفظ، حفظ الكل، و باستعمال الذاكرتين البصرية و السمعية،و الحفظ بصوت عال، و الاستعانة بالربط بين الدروس
كيف تدرس؟
(الجزء الثالث)
11- الجأ في الدرس و الحفظ
إلى طريقة الكل، لا إلى طريقة الأجزاء، و معنى هذا أن تلجأ حين تدرس موضوعا من
المواضيع، إلى قراءته كله، و فهمه بمجموعه.ثم تحفظه، حين تحفظه، بكليته دفعة
واحدة.لنفرض أنك تحاول حفظ قصيدة من القصائد.ابدأ أولا بقراءتها كلها، و فهم
معانيها، و إدراك أجزائها.و لنفرض أنها تبدأ بالغزل، ثم تنتقل إلى الفخر، و تنتهي
، أخيرا، بالهجاء.و حينئذ أنصحك بألا تحفظها على الطريقة القديمة، و ذلك بأن تحفظها
شطرا شطرا، ثم بيتا بيتا؛ بل أنصحك بأن تحفظ القسم الغزلي بكامله دفعة واحدة، و
كذلك القسم الفخري و الهجائي[ وحدة الموضوع تخلق روابط بين الأبيات]،بشرط ألا تكون
هذه الأقسام أطول من اللازم:و لقد برهنت البحوث العلمية بأجمعها، على أن هذا النوع
من الحفظ، أكثر اقتصادا في الوقت و الجهد.كما برهنت على أنه أبقى في الذهن و أثبت
في الذاكرة.و إذا كان الأمر صعبا عليك بعض الشيء، فيما يخص الاستظهار[الحفظ عن ظهر
قلب]،و ذلك على اعتبارك قد اعتدت هذا النوع من الحفظ في الماضي، فحاوله في الدروس
الأخرى، حاوله في كل المواضيع التي تحتاج للحفظ، حاول أن تحفظ هذه المواضيع،
بكليتها لا بأجزائها، و ستجد حتما؛ أن هذه الطريقة أكثر فائدة و أجدى عائدة.
المرحوم أ.د.فاخر عاقل(1918-2010)
12- طلبت إليك [ في ] نصيحة
سابقة أن تربط بين الدرس الحاضر و الدروس السابقة، كما طلبت إليك أن تربط بين
أجزاء الدرس الواحد، أما الآن فنصيحتي أن تكون الروابط التي تلجأ إليها من النوع
الذي يفيدك في المستقبل.و معنى هذا، أن تلجأ أولا إلى الروابط الطبيعية المنطقية[
التي تجدها في الطبيعة ] ما أمكن، و أن تقلل الروابط الاصطناعية ما وسعك ذلك.و
معناه، بعد ذلك، أن تستهدف في الروابط التي تلجأ إليها الحياة عامة، و الحياة
المدرسية [الجامعية..] خاصة، و أن تأخذ بعين الاعتبار هاتين الحياتين و
مطالبيهما.لنفرض أنك تدرس الفيزيولوجيا[ علم وظائف الأعضاء]، و لنفرض أنك تدرس
إحساسا كالبصر؛ يجب أن تعلم أولا، أنه لا بد لكل إحساس من جوابذ أو خلايا عصبية
حسية تتلقاه،ولا بد له ، بعد ذلك، من أعضاء تنقله، ولا بد أيضا من مركز في الدماغ،
و أخيرا، ولا بد له من نابذ أو عضو حركة، يقوم برد الفعل.اربط إذن بين إحساس
البصر، و بين القاعدة العامة [ التي تحدث عنها المؤلف للتو:لكل إحساس جابذ..و
نابذ]، و تساءل ما هو الجابذ البصري و أين يوجد؟ إنه خلايا حسية موجودة في القرنية
العينية.فما هي القرنية؟ و ماذا يحيط بها و يتصل من طبقات و أنسجة؟ و هناك بعد ذلك
العصب البصري، فما هي صفاته؟ و هناك المركز البصري على القشرة الدماغية، ففي أي
عضو هو؟..إلخ.و هناك، أخيرا، استجابتنا للمؤثر الضوئي، فكيف تحدث؟ و ما هي أجزاء
العين التي تستخدم في هذه الاستجابة؟ و حاول، بعد ذلك- و أنت تدرس العين- أن تتلفت
حولك، فترى عينيك و عيون الناس، و تستعين بعيون الحيوانات، ثم حاول ، أخيرا، أن
تطبق دراستك على الحياة ، مستفيدا من دراستك في فهم آلية عينك و العناية بها.
13- حاول أن تكون روابطك
عديدة متنوعة.إن تعدد الروابط و تنوعها مفيدان في التذكير، فإذا نسيت واحدا من هذه
الروابط عدت إلى غيره، فساعدك على تذكر ما نسيت و إيضاح ما غمض عليك.و لنعد إلى
مثلنا السابق، مثل دراستك العين، إن بإمكانك ألا تقتصر في دراسة العين على القواعد
العامة التي تعرفها للحواس المختلفة، بل تضيف إلى ذلك ما تعلمته في الضوء، ولاسيما
فيما يخص العدسات و آلات التصوير؛ ذلك أن العين تشبه آلة التصوير تماما. و دراسة
العدسات و أنواعها، أساسية لفهم آلية العين في احددابها و تفلطحها ، لاستقبال
النور الشديد أو الضعيف.ولا شك أن ربطك لمعلوماتك عن الضوء بدراستك للعين، مفيد في
إيضاح الاثنين معا.كما أنه مفيد بتذكيرك بالحقائق الضرورية لك، و الخاصة بالعين.
14- كرر ما تريد حفظه بصوت
عال، فإذا صح أن القراءة الصامتة أسرع و أكثر اقتصادا في الوقت و الجهد من القراءة
الجهرية، فإنه صحيح ،لاشك فيه، أن القراءة الصامتة أقل فائدة في الحفظ و الاستظهار
من القراءة الجهرية.و السبب في ذلك بسيط معقول، و هو أن القراءة الجهرية تشرك في
الحفظ حاسة السمع، فتساعد بذلك على تثبيت المعلومات و إبقائها في الذهن مدة أطول و
بشكل أضبط.و ليس هذا فحسب، بل إن عليك أن تُسمع نفسك ما تريد حفظه ،بصوت عال أيضا.
إن بعض طلابنا يعتقدون أنه
يكفي أن يستعرضوا في ذهنهم الفكرة أو الأفكار التي درسوا، حتى يحفظوها ، ولكنهم لا
يكادون يحاولون تسميعها فعلا، حتى يجدوا أنها طارت من ذهنهم، ورد ذلك إلى أنهم لم
يتمرنوا على تسميع ما يريدون بصوت جهوري عال.
15- استخدم ذاكرتك البصرية
في الحفظ، يقول علماء النفس إن ثمة أنواعا من الذاكرة البصرية، و فيها يكون المعول
على العين، و الذاكرة السمعية و تستخدم الأذن،ثم الذاكرة الشمية و الذوقية و
الحركية و غيرها من الذاكرات.كما يقول علماء النفس، إن بعض الناس ميال للاعتماد
على بصره أكثر من حواسه الأخرى، في حين أن البعض الآخر نزّاع للاعتماد على سمعه، و
هكذا.
ثم يقولون بأن العين هي
العضو الأهم، و أن فائدتها بالنسبة لمجموع الناس أكثر فائدة من الحواس الأخرى، و أن
نسبة استخدامها أكبر من نسبة استخدام غيرها من الحواس.هذا رغم إجماعهم على أن
الغالبية العظمى من الناس تعتمد على مجموع حواسها أكثر من اعتمادها على حاسة
بعينها.و الملحوظ أن بعض الطلاب يعتمدون على الذاكرة السمعية أكثر من اللازم، و
يهملون الاستفادة من ذاكرتهم البصرية، و لذلك فإننا نراهم عاجزين عن حفظ ما يريدون
حفظه، إلا إذا رددوه بصوت عال و (سمّعوه لأنفسهم) على حد تعبيرهم.و لعل الأنكى من
ذلك، أن أمثال هؤلاء الطلاب، يعجزون عن الاستفادة مما حفظوا، كما يعجزون عن تطبيقه
إذا لم يرددوه بصوت مرتفع.و إني، و إن كنت لا أنكر قيمة الذاكرة السمعية،و لا أقول
بعدم الاستفادة منها، لأدعو إلى استخدام الذاكرة البصرية، و الاستفادة منها، و
الاعتماد عليها،و تعوّد القراءة الصامتة، و ترديد الأفكار أو الألفاظ في النفس،لاسيما
و أن العلم قد برهن، بما لا يقبل الجدل، على أن القراءة الصامتة أدعى للفهم و
الحفظ و التذكر، و أكثر اقتصادا في الجهد المبذول، و الوقت المصروف.
و إذن، اعتمد على عينيك، و على ذاكرتك البصرية، و ليكن جل اعتمادك عليهما،
ولكن لا تتأخر عن الاستعانة بأُذنك و ذاكرتك السمعية، حين يكون ذلك ضروريا، و حين
تريد المبالغة في الحفظ
و الاطمئنان إلى التذكر.
***
و إلى اللقاء مع الجزء الرابع و الأخير، قريبا..إن شاء الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق