كيف تدرس؟ الطرق التي تساعدك على الفهم و الحفظ و تقوي ذاكرتك و تنظيم أوقات المراجعة و الراحة..
كيف تدرس؟
(الجزء الرابع)
16- استخدم بعض الحيل و الطرق المساعدة للذاكرة.يصعب
على الإنسان أحيانا حفظ بعض الأمور التي لا غنى له عن حفظها، كما يصعب عليه أحيانا
أخرى حصر بعض الأمور التي يترتب عليه حفظها و حصرها، و حينئذ يكون من المناسب أن
يبحث عن حيلة أو طريقة تساعده على حفظ ما يريد حفظهن و حصر ما ينبغي حصره.
و هذه الحيل كثيرة متنوعة،
تختلف من درس إلى درس، و من مادة إلى أخرى، و من شخص إلى شخص.و بعض هذه الحيل
أوجدها لنا القدامى، و يقدمها لنا المعلمون، و من المفيد في بعض الأحيان، على
الأقل، أن نلجأ إليها، لنستفيد منها.و مثال ذلك، ما يقدمه لنا النحاة و معلمو
اللغة، من أجروميات [ طرق لتبسّط النحو، و جعله في متناول الطلاب]، وكلمات تجمع
القواعد الضرورية،أو تحصر الحروف العديدة التي لا بد من حفظها.وهكذا، يعلمنا أساتذتنا
أن كل جمع مؤنث[ لأن كل جمع يجوز تأنيثه إلا جمع المذكر السالم]، بتحفيظنا البيت
التالي:
إن قومي تجمعوا و بقتلي
تحدثوا*********** لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث
كما يعلموننا حروف المضارعة،
و يحصرونها لنا في كلمة (أنيت)، إلى آخر ما عندهم من طرق تساعد الطالب على الحفظ و
التذكر.
على أن الطالب، لا يستغني
أحيانا عن استنباط مثل هذه الحيل لنفسه، و اللجوء إليها في حفظه، و تذكيره لبعض
القواعد و حصر بعض الأمور.
17- و هذا يوصلنا غلى قاعدة
هامة جدا في الدرس و الحفظ، و هي وجوب عمل الطالب على استنباط الطرق و المناهج
التي توافقه في درسه و حفظه، أكثر من غيرها.فالناس مختلف بعضهم عن بعض في كل شيء،
في الجسد و النفس، في الفعل و العاطفة، في الذكاء و القدرات، في العادات و طرق
العيش، و من المعقول ، تبعا لذلك، أن تختلف طرائقهم في الدرس و الحفظ و التذكير.ثم
إنه من المعقول أيضا، أن تكون بعض القواعد أو الطرائق المفيدة لفلان من الناس،
مضرة لفلان الآخر، أو أقل فائدة له.ولذلك كان لا بد للطالب من أن يكوّن لنفسه
عاداته الفردية الخاصة في الدرس و الحفظ و التذكير، مستعينا فقط، بالقواعد
العامة.على أنه، لا بد للطالب الذكي، من عدم الاقتصار على الصدفة و الاعتباط في
تبني طرائقه الخاصة، و مناهجه الفردية، بل لا بد له من التعرف على ذاته، و دراسة
أحواله، و ملاحظة نفسه، و التعرف على ما يفيده و يضره، و ما يقدم له فائدة أكثر، و
ما يعود عليه بنفع أعم، و ما يوفر له وقته وجهده، و كل ذلك قبل أن يتبنى هذه
الطريقة دون غيرها، أو يتخذ هذا المنهج دون سواه.
و معنى هذا كله، أن على
الطالب قبل أن يتبنى طرائقه النهائية في الدرس و الحفظ و التذكير، أن ينظر في
نفسه، و أن يجرب، و أن ينتقي عن خبرة و عن قناعة.و قد يُحتج على هذا كله،بأن
الإنسان حين يتبنى طرائقه في الدراسة و الحفظ، و بالتالي الاستدعاء و التذكير،
يكون حدثا لا يميز و لا يجرب،و أنه لا يكاد يتقدم به السن، و يصبح قادرا على
التمييز حتى تكون طرائقه قد أصبحت عادات و تبلورت، مما يجعل تغييرها أمرا شاقا
عسيرا، و أنه لذلك يجب أن يكون من عمل المعلم أن يعلم الطفل كيف يدرس و يحفظ و
يتذكر، و أن يساعده على انتخاب طرائقه الخاصة، و تبني مفاهيمه الفردية.
و أنا، مع اعترافي بوجاهة
هذا الاعتراض، أحب أن أؤكد لطلابنا أن في استطاعة الواحد منهم، مهما تقدم به السن،
و حين تتوافر فيه الإرادة الحقة و الرغبة الأكيدة، أقول إن في استطاعة الواحد
منهم، أن يعيد النظر في طرائقه، و أن يميز بين الصالح و الطالح، و أن يحتفظ
بالصالح و ينبذ الطالح، و أن يعدل طرائقه من جديد.
18- لا تلجأ إلى التغيب [غَيْبًا:استظهاراً،عن
ظهر القلب:"قرأ الكتاب غيبا"] إلا حين لا يكون من ذلك بد.أما المقصود
بالتغيب، فالحفظ عن ظهر قلب و كلمة كلمة، أو قل (الصم) أو (البصم) كما يسميه بعض
طلابنا.إن هذا النوع من الحفظ مضر جدا، و النسيان أسرع إليه من غيره، أما الفهم و
الاحتفاظ بالأفكار الرئيسية فأمر أيسر، ومدة بقائه أطول.و أنا أعلم علم اليقين أن
بعض طلابنا لا يستطيعون أن يحفظوا إلا هذا النوع من الحفظ، و لذلك فهم يجدون صعوبة
بالغة في الحفظ، إلا إذا غيبوا الأفكار عن ظهر قلب.إن السبب في ذلك، هو أنهم
اعتادوا هذا الأمر منذ صغرهم، فأصبح عادة.و العادة، كما يقال، طبيعة ثانية.و لكني
أحب أن أؤكد لهؤلاء أنه ، بالرغم من صعوبة تغيير هذه العادة، فليس الأمر
مستحيلا.كما أحب أن أؤكد لهم، أنه إذا كان في إمكانهم الاعتماد على هذا النوع من
الحفظ في المدرسة الابتدائية، فإن الاعتماد عليه صعب في المدرسة الثانوية،مستحيل
في الجامعة.
كما أحب أن أذكركم، بأن
الذي يحفظ المعلومات عن ظهر قلب، لا يستطيع أن يتصرف بها ويستعملها و يستفيد منها،
تصرف الذي يفهمها استعماله لها.و أخيرا، أحب أن أؤكد لهم أن التجارب العلمية،
أجمعت على أن النسيان يتطرق إلى ما فهمت بمقدار أقل بكثير من تطرقه إلى ما حفظته
دون فهم.
و أن المعلومات التي تصبها في قوالبك الشخصية، و يتمثلها عقلك، تصبح ملكك
الشخصي، بخلاف المعلومات التي تحفظها بنصها، و التي تشعر أنها أشبه ما تكون بالثوب
المُعار.وقديما قيل ، الثوب المعار لا يدوم، و إن دام فإنه لا يشعر بالدفء.على أني
لا أحب أن يفهم الطالب، أني أقول بعدم تغيب أي شيء.إن هذا أمر مستحيل طبعا، و غير
مفيد حتما.إن ثمة دساتير و قوانين و أقوالا مأثورة و أشعارا و آيات لا غنى لك عن
حفظها عن ظهر قلب.
19- اترك أوقاتا للراحة بين
فترات الدرس.لنفرض أنك خصصت عشر ساعات لدراسة مادة لدراسة مادة من المواد، فكيف
تصرف هذه الساعات العشر؟ هل تصرفها في جلسة واحدة تدوم عشر ساعات؟ أم الأفيد أن
تقضيها في جلستين، مدة الواحدة منهما خمس ساعات، تفصل بينهما فترة راحة؟ أم الأحسن
أن تقسمها إلى أقسام ثلاثة متساوية، تفصل بينها فترتان للراحة ؟ أم ماذا؟
الحق إن الجواب على هذا
السؤال، يقتضي ضبط شروط عديدة، منها مثلا نوع المادة المدروسة، و منها سن الطالب
الذي يدرس، و منها عاداته في الدراسة، و غير ذلك من العوامل.ولكن المبدأ السليم في
كل حال من الأحوال، هو أن الأنسب أن تقسم الساعات العشر على عدد من الفترات.و أن
طول هذه الفترات يجب أن يكون معتدلا و وافيا بالغرض، فلا يكون قصيرا بحيث لا
يستطيع المتعلم أن يلم بجزء كامل من الموضوع، و لا يكون طويلا بحيث يبعث الملل و
السأم في نفس الطالب.و بالمناسبة، أحب أن أذكر الطالب بحقيقة هامة جدا، و هي أن
التعب يختلط أحيانا بالملل، فيخيل للطالب أنه تعب مع أنه ملاّن لا أكثر و لا أقل.و معنى هذا، يكفي
أحيانا أن يغير الطالب الموضوع الذي يدرسه، حتى يستعيد نشاطه و حيويته.
ثم إن هذه الفواصل- فواصل
الراحة- تساعد على إنضاج ما تعلمناه، و تعاون في استقراره في النفس، و رسوخه في
الذهن.أما إدخال المعلومات على المعلومات- لا سيما حين تكون من نوع واحد- فكثيرا
ما ينتهي بالتشويش- كتشويش ذهن المتعلم- و يعيق التعلم بدلا من أن يساعد عليه.
20- اجعل مراجعاتك في فترات
متقطعة.إن ما قلناه عن وجوب تخلل فترات الراحة أوقات الدرس، صحيح فيما يخص فترات
المراجعة.و معنى هذا أنه من الأنسب للطالب أن يترك بين مراجعة و أخرى فترة من
الزمن ، تستقر المعلومات خلالها في الذهن، و تثبت فيه.و من الحقائق الثابتة أن
المراجعة الأولى، يجب أن تعقب الدرس بعد فترة قصيرة،ثم تتباعد فترات المراجعة، ذلك
أن التجارب العلمية برهنت، بما لا يقبل الجدل، على أن النسيان إنما أكثر ما يحصل
بعد الحفظ بفترة قصيرة، ثم تقل نسبته (أي نسبة النسيان) حتى تثبت.و لذلك كان من
الأهمية بمكان عظيم أن تكون مراجعتك الأولى لما درسته ، بعد فترة قصيرة من درسه،
لا تتجاوز اليوم الواحد،ثم تعود إليه بعد فترات أطول.هذا، و لا أنسى أن أشير إلى
حقيقة أخرى، برهن علم النفس على صحتها، و هي أن مقدار النسيان يتناسب عكسيا مع
مقدار إتقان الحفظ، فالذي يحسن الحفظ و يبالغ فيه، مبالغة معقولة، ينسى، في المعتاد،
أقل من الذي يكون حفظه ناقصا، و تثبيته سطحيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق