كيف تدرس؟ ابدأ بتكوين فكرة عامة عن مضمون المادة الدراسية،ثم انتقل بعد ذلك إلى دراسة أجزائها، معتمدا على الفهم أولا أكثر من الحفظ، و مستعينا بربط الأجزاء بعضها ببعض في إطار رؤية شاملة للمادة الدراسية
كيف تدرس؟
هذا المقال ،
في كيفية الدراسة،مفيد جدا للتلاميذ و الطلبة، و لجميع طلاب العلم مهما كان
مستواهم.كنت قد بدأت تلخيصه ؛لأنشره في هذه المدونة، منذ عدة سنوات، إلاّ أن ظروفا حالت دون إتمام ذلك التلخيص و من ثم النشر.و هاأنذا أنشره اليوم كاملا،دون تلخيص..لأني
رأيت أنه قد يكون من الأفيد، نشره كما جاء في الأصل- مع بعض الإضافات و الشروحات هنا و هناك،موضوعة بين قوسين معقوفين- حتى تكون فوائده أهم و أعم.
و أهمية هذا
المقال، لا تأتي من مضمونه القيم و المتميز فقط، بل تأتي أيضا من المكانة العلمية، و الخبرة العملية
لمؤلفه... المرحوم الدكتور فاخر عاقل.
و الدكتور
عاقل (1918-2010)، لمن لا يعرفه،هو عالم نفس سوري، و مربي، و أستاذ جامعي كبير.كان
أستاذا لعلم النفس التربوي في جامعة دمشق،و عمل أيضا أستاذا لعلم النفس في عدد من
الجامعات العربية.و لقد أثرى المكتبة العربية، بمؤلفات تربوية( كتبا و مقالات و
مداخلات..) قيمة عديدة(من أهمها أول معجم لعلم النفس، باللغة العربية)(تجد نبذة عن
سيرة حياة هذا العالم، في موسوعة وكيبيديا).
و المقال
الذي نحن بصدده ، طويل نسبيا، يتضمن عشرين نصيحة.سننشره في أربعة أجزاء،كل جزء
يتضمن خمسة نصائح؛ و أرجو قرائي الأعزاء- بل ألح عليهم - أن يقرؤوا الأجزاء
كلها..فلن يندموا على ذلك.
و حتى لا
أطيل..وأجعل الطويل أطول مما ينبغي، أقف عند هذا الحد لأتمنى لكم قراءة مفيدة و
ممتعة، إن شاء الله.
***
كيف تدرس؟
هذا المقال كتبته قبل ربع
قرن بطلب من طلابي و معارفي، و أعيد اليوم نشره [2007]، بناء على طلب من الصديق
رئيس التحرير [مجلة المعرفة [1]]،
لأن الحاجة إليه ماسة.و أرجو أن يجد القراء فيه نفعا يبرر نشره.
كما أرجو أن يرى القارئ فيه
النصائح العلمية التي تساعد على كيفية الدرس.
***
1- ابدأ بإلقاء نظرة عامة
على الدرس، تطلع بواسطتها على مخطط البحث[ المادة الدراسية]، و على أجزائه
المختلفة، و موقع كل جزء من هذه الأجزاء، و علاقته بالأجزاء الأخرى.إن هذه النظرة
العامة، تُطلعك على مجمل الدرس[ المادة الدراسية]، و تعطيك فكرة عن ترتيبه و
نظامه، و عن موضع الأفكار الخاصة، و الأقسام الثانوية، و عن الصلة القائمة بين كل
قسم و القسم الذي يسبقه، و القسم الذي يتلوه.و قد درجت بعض الكتب المدرسية، على
إثبات هذا المخطط في مطلع الدرس، و هي عادة حسنة مفيدة، تساعد التلميذ في دروسه، و
تعينه على الفهم.فإذا كان في كتابك مثل هذه المخططات، فانظر فيها، و اخرج منها
بفكرة عن الدرس.
و بديهي أن أشير هنا إلى أن
المقصود من هذه المخططات، هو إعطاؤك هذه الفكرة الكلية ، لا أكثر و لا أقل، و ليس
المقصود منها إطلاقا حفظها و الاكتفاء بها، و الاعتقاد بأن في الإمكان أن تعتبرها
هيكلا عظميا يكسوه الطالب باللحم من عنده.إن هذا الاعتقاد خاطئ، و إن هذه الطريقة
لا تساعد على الدرس، و فهم الدرس إطلاقا.
2- و بعد أن تكوّن فكرتك
العامة عن الدرس، الذي بين يديك، انتقل إلى دراسة الأجزاء، جزءا جزءا، و احرص على
الفهم.فالدرس الذي لا تفهمه، و لا تستكنه [ اكْتَنَه:أدرك حقيقة الشيء] خفاياه، و
تطّلع على دقائقه، و تمثله [ تخيله، تصوره] على حقائقه؛ درس ينسى بسرعة، و لا يبقى
في الذهن، إلاّ أمدا قصيرا.
يشكو الكثيرون من طلابنا،
ضعف الذاكرة، و سرعة النسيان، و يسألون عن علاج لضعف الذاكرة، و عن طريقة التخلص
من سرعة النسيان.و جوابي لهم دوما، افهموا ما تقرؤون، تحتفظون به وقتا أطول، و على
شكل أنسب.و أرجو ألا تفهم من هذا أني أنكر ضعف الذاكرة، و أسبابه التي قد تكون
جسدية أو غير جسدية.و لكن أحب، أن أذكر لطلابنا، أن معظم نسيانهم ناتج عن طريقة
درسهم، و عن عدم فهمهم ما يدرسون.و لقد أثبتت التجارب العلمية المختلفة، أن نسيان
المفهوم أصعب من نسيان غير المفهوم، و أن الدرس الذي تفهمه، و تتعمق معانيه، يبقى
في ذهنك مدة أطول من بقاء الذي تستظهره [ تُثبّته أو تطبعه في الذاكرة] دون فهم.و
أن نسيان النص أسهل من نسيان المعنى.و دليل ذلك بسيط، فأنت قد تنسى نص بيت من
الشعر، أو آية من الآيات، ولكنك تذكر معناه أو معناها، و العكس غير صحيح، أي أنك
لا تنسى المعنى و تذكر النص.
3- كيّف طريقة دراستك ،
بحسب الدرس الذي تدرس.ذلك أن لكل درس طريقة تختلف قليلا أو كثيرا عن طريقة الدروس
الأخرى.فطريقة دراسة التاريخ، تختلف عن طريقة دراسة الهندسة، و طريقة دراسة النحو،
غير طريقة دراسة الأدب؛فاحرص على أن تكون طريقتك في الدرس موافقة للموضوع الذي
تدرس.في دراستك للتاريخ، اعتبره حكاية ، و احرص على ربط المسببات بالأسباب، و ليكن
اهتمامك بالأسماء و التواريخ، مرتبطا باهتمامك بالعصر الذي تدرس، و الأسرة التي
تدرس، و المجتمع الذي تدرس.أما في دراسة اللغة، فلابد لك من أن تذكر أن اللغة
واسطة، واسطة للتعبير عن الأفكار شفويا و كتابيا، و إنما تتقن اللغة بمقدار ما
تتقن التعبير.و إن هذا التعبير مستحيل إذا لم تتمرن عليه بالفعل، فتتكلم اللغة ، و
تكتبها، و لا تحفظ المفردات مجردة.ثم إن هذا التعبير غير ممكن إذا لم تستفد فيه،
مما تعلمت من قواعد الصرف و النحو و الإملاء.كما أن هذا التعبير، يكون على غير ما
تبتغي له، إذ لم تقرأ لكتاب اللغة المبرزين،و لم تسمع أهلها يتكلمون بها.وهكذا تجد
أن لكل علم طريقة، و أن لابد لك من استعمال هذه الطريقة للتمكن من هذا العلم.
4- اربط الدرس الجديد
بالدرس القديم.إن هذا الربط بين ما تعرف و ما تتصدى لتعلمه، مفيد جدا.إنه كفيل
أولا، بإعطاء الدرس الجديد مكانه من البحث العام، أو الموضوع الكلي[المادة
الدراسية بأكملها]. و هو ثانيا، يوضح الدرس الجديد، و يبين صلته بالبحث العام، و
بذلك يسهل فهمه و حفظه، و بالتالي استدعاءه و تذكره.و هو ثالثا، يساعد على بقاء
الدرس في الذهن مدة أطول، وقاعدة أثبت.
[و في الحقيقة، إن] المقصود
من تجزئة البحث[ تقسيم المادة الدراسية، إلى سلسلة من الدروس و المحاضرات..]،
تسهيل درسه و تهوين حفظه.و لكن هذه التجزئة تصبح مضرة إذا لم يُنظر إليها على أنها
مؤقتة، و إذا لم يتبين الطالب علاقة البحث الجزئي [الدرس،المحاضرة الواحدة]
بالموضوع الكلي [ المادة الدراسية= مجموع محاضرات أو دروس المادة الدراسية]، و لم
يصل[ الدرس] الجديد بالقديم، و يدعمه، و يقويه بواسطته.
5-رتب المواد التي
تدرسها.إن هذا التصنيف، و ذلك الترتيب كفيلان، حين يقومان على أساس منطقي واضح،
وفكرة معقولة صحيحة، بأن يوضحا الدرس، و يسهلا فهمه وحفظه، و من ثم استدعاءه و
تذكره.
و ليكن ترتيبك و تصنيفك
للأبحاث التي تدرس قائمين على مبدأ منطقي معقول، و ليكن هذا الترتيب ن و ذاك
التصنيف من عملك أنت، فلا تكتف بما يقدمه إليك الكتاب أو المعلم أو أحد الرفاق ولا
تحسبن أن الوقت الذي تصرفه في هذا الترتيب وقت ضائع، بل على العكس، إنه يساعدك على
فهم الدرس، و التغلغل في أسراره و خفاياه، كما يساعدك على تثبيته في ذهنك و إبقائه
فيه، مدة طويلة، و استدعائه حين تشاء.
***
و إلى اللقاء مع الجزء
الثاني من هذا المقال..قريبا إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق