الأحد، 26 فبراير 2017

الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.

الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.

من أدوات البحث العلمي:الكتب غير المرجعية:
الكتب غير المرجعية، هي الكتب التي يمكن قراءتها من أولها إلى آخرها-  دفعة واحدة أو في دفعات متقاربة- لأغراض الدراسة أو التثقيف الذاتي أو الحصول على المعلومات.
و تنقسم هذه الكتب ، إلى  فئات كثيرة، من أهمها:

أولا :الكتب التمهيدية و الكتب الجامعية :

الكتب  التمهيدية، كما يدل على ذلك اسمها، تهدف إلى إرساء أهم الأسس و المبادئ و الأفكار و المصطلحات ، الخاصة بموضوع معين، و قضاياه المنهجية و التنظيمية؛ بشكل منهجي متكامل، يمهد أو يقدم ، لما يتبع  هذه الأسس و المبادئ،و يترتب عنها أو يؤسس عليها، من دراسات أكثر  عمقا أو أدق تفصيلا.
الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.
و تحمل هذه النوعية من الكتب، في الغالب، عناوين مثل:المدخل لدراسة القانون، أو المدخل لدراسة الشريعة،أو المقدمة العامة لدراسة الإدارة، أو مبادئ علم السياسة، أو الموجز في الاقتصاد السياسي،أو دروس في العلاقات الدولية..( في المراجع الفرنسية، نجد عناوين مثل:Introduction générale au droit, manuel de droit privé , L’Indispensable du droit constitutionnel ..).
الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.


أما الكتب الجامعية، و تسمى أيضا "الكتب المدرسية" أو "الكتب المنهجية"، فهي الكتب الموجهة لخدمة المقررات(المناهج) الدراسية.و أعني بها هنا، الكتب التي يكتبها الأساتذة الجامعيون، لمساعدة الطلبة و تخفيف العبء عنهم.ذلك أن الدراسة الجامعية ليس لها- من حيث المبدأ العام- "كتاب مقرر" ، غير أن الأحوال والظروف المحيطة ببعض الطلبة، مثل الطلبة المغاربة أو معظمهم -قلة المكتبات و افتقارها إلى أهم المصادر و المراجع ، و قلة ذات اليد.. -؛ قد تدفع بعض الأساتذة إلى تأليف كتبا منهجية،يضعونها بين أيدي الطلاب ، ليستعينوا بها على متابعة محاضرات الأستاذ (مؤلف الكتاب)، و التعمق في دراستها.
الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.


ثانيا: المونوغرافيات:

أما المونوغرافيات(Monographies) ، فيراد بها الكتب أحادية الموضوع ؛أي الكتب التي تهتم  بدراسة قضية معينة أو موضوع محوري معين،دراسة موضوعية شاملة.
ا

و هي كثيرة الأنواع، منها التعليقات على النصوص القانونية القصيرة، و الدراسات و الأبحاث القانونية الفقهية الطويلة،و أهمها جميعا الدراسات و البحوث و الرسائل الجامعية، لاسيما أطروحات الدكتوراه.
الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.

و الأطروحات(Thèses de doctorat)،أعمال علمية تتميز بعمق المعرفة و التحليل و الاستقصاء، يتقدم بها الطالب الباحث (المرشح)،لنيل درجة الدكتوراه،في فرع من فروع المعرفة. و تكمن القيمة العلمية لهذه الأطروحات،بالأساس،في أنها أعمالا إبداعية رفيعة ،تضيف جديدا إلى المعرفة البشرية(هذا هو المبدأ العام). و من ثم فهي جديرة بأن تكون مرجعا، يستمد منه الباحثون معلومات دقيقة، و متخصصة، و حديثة.
و لعله مما يؤكد، أهمية الأطروحات كمصدر للمعلومات، أن الكثير منها، تعرف طريقها للنشر، كليا أو جزئيا، على شكل كتب(أو كتيبات)، و مقالات و دراسات في دوريات الثقافة العامة أو المتخصصة.
الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.

ثالثا:المطبوعات الرسمية و المدونات:

المطبوعات الرسمية،هي كل الكتب و الكتيبات و الكراسات، و ما في حكمها..، التي تصدر عن الهيئات أو المؤسسات الحكومية أو الدولية،وتتعلق بممارستها لأنشطتها. و غالبا ما تتضمن هذه المنشورات، الكثير من النصوص و الوثائق و الإحصائيات الهامة، التي تحظى بثقة الباحثين أو اهتمامهم. من ذلك، على سبيل المثال: منشورات وزارة العدل، و وزارة التخطيط و الإحصاء، و وزارة المالية (خاصة تلك المتعلقة بتفسير و تطبيق القوانين التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالضرائب..) ، وزارة الداخلية( مثل المطبوعات المتعلقة بالانتخابات ..من مدونات و غيرها)؛و بعض منشورات المطبعة الرسمية (مداولات مجلس النواب..)؛ و التقرير السنوي لبنك المغرب،و التقارير الإدارية..، و التقارير التي تصدر عن المنظمات الحكومية المتخصصة، كالبنك الدولي..إلخ.
الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.

 أما المدونات القانونية(codes)، فهي مجموع النصوص القانونية الخاصة بفرع من فروع القانون، مجموعة في كتب.مثل الدساتير، و النصوص التنظيمية(المراسيم، و القرارات..)،و النصوص التشريعية( مدونة الأسرة ،و مدونة الشغل، ، أو قانون الالتزامات و العقود، أو قانون المسطرة المدنية، مدونة التحصيل العمومية، و مدونة السير الجديدة طبعا..إلخ.هذه الوثائق تنشرها الإدارات الحكومية، كما قد تقوم بنشرها بعض المجلات أو الهيئات (المحامون،و القضاة)، أو حتى الأفراد.مثال ذلك: سلسلة "نصوص و وثائق" أو سلسلة " دلائل التسيير" التي تنشرها " المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية"(REMALD).
الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.

و النصوص القانونية ، المنشورة على هذا النحو ، قد تكون مفيدة و لكنها، قد لا تخلو من الخطأ أحيانا.لذلك، يمكن استعمالها عند الضرورة ، أو تصحيحها، على ضوء النصوص المنشورة في الجريدة الرسمية.

 رابعا:الدوريات:

 ليست جميع الدوريات  مجلات أو صحف،بل قد تكون كتبا أيضا.لأن الدورية، في الحقيقة، هو الاسم الجامع لأصناف كثيرة من الأوعية الحاملة للمعلومات و المعرفة،تشترك جميعها، في كونها تصدر بشكل دوري أو منتظم( أو غير منتظم) .و يعرف علم البيبلوغرافيا، المطبوع الدوري بأنه: "هو المطبوع الذي يصدر بعنوان مميز، على فترات منتظمة، أو غير منتظمة(...)و ينضوي تحت مظلة هذا التعريف الصحف اليومية و المجلات الأسبوعية و نصف الشهرية و الفصلية و النصف سنوية و الحوليات و الكتب السنوية، على اختلاف مستوياتها و تنوع مجالات اهتمامها".
و تتيح الدوريات بطبيعتها ، فرصة تتبع نشأة و تطور الأحداث و الوقائع و الأفكار و النظريات الجديدة، خاصة تلك التي لا تسمح أحجام المقالات و الدراسات المعبرة عنها، بنشرها على شكل كتب.
الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.


و من هنا،تعتبر الدوريات، دون مبالغة، من أهم العوامل للدفع بالبحث العلمي و تطويره ؛ لاحتوائها على معلومات و أفكار حديثة باستمرار، من جهة، و لقدرتها الكبيرة  والسريعة الانتشار ، من جهة ثانية، و لثمنها المنخفض،قياسا غلى الكتب، من جهة ثالثة.
الكتب غير المرجعية، تعريفها، و أنواعها، و أهميتها للدراسة و البحث.

السبت، 25 فبراير 2017

من أهم أدوات البحث العلمي: الكتب المرجعية، كالموسوعاتن و القواميس..

من أهم أدوات البحث العلمي: الكتب المرجعية، كالموسوعات و القواميس..

تعتبر الكتب مرجعية، إذا اضطر الباحث إلى الرجوع إليها مرارا و تكرار، بمعنى أنه يصعبعليه-  إن لم نقل يستحيل- أن يقرأها من أولها إلى آخرها ، و إنما يراجعها كلما دعت  الحاجة.
و هذا الصنف من الكتب، يشمل مجموعة من المراجع الهامة،من أهمها الموسوعات بكل فئاتها ، و المعاجم الموسوعية، و المعاجم اللغوية على اختلاف أغراضها..

أولا:الموسوعات:

الموسوع في اللغة العربية هو: "  السِفْر أو الكتاب الذي يشمل عموم العلوم،و المؤنث موسوعة".و إذن فالموسوعة أو دائرة المعرفة أو المعارف( Encyclopedie)، هي  "تسجيل، في ترتيب هجائي أو تبويب موضوعي، للمعرفة التي وصل إليها الإنسان، في شتى الفروع  أو في فرع بعينه".
و تختلف الموسوعة عن القاموس من حيث أنها" لا تقتصر على تقديم التعريف فقط ، بل تقدم تاريخا للموضوع(قد يكون موجزا) ، و توضيحا لعلله ، و تبيانا لعلاقاته بالموضوعات المشابهة".

و تنقسم الموسوعات إلى عدة أصناف،فبعضها موسوعات عامة و أخرى موسوعات متخصصة:الأولى تشتمل على معلومات عامة ، عن كل فروع المعرفة ، و الأخيرة تتضمن معلومات عن فرع أو ميدان خاص من المعرفة.
و من الموسوعات المتخصصة في القانون ، على سبيل المثال، هناك موسوعة " شرح القانون المدني المصري" للدكتور معوض عبد التواب،و "الموسوعة الشاملة للمبادئ القانونية"للأستاذ محمد عنبر،و "الموسوعة الجنائية" للأستاذ محمد عبد المالك،و موسوعة "داللوز (Dalloz) للقانون" الفرنسية،و  "موسوعة السياسة" تأليف جماعي، تحت إشراف عبد الوهاب الكيالي، و" موسوعة العلوم السياسيةتأليف جماعي، من إصدار جامعة الكويت.


و تحظى الموسوعات بأهمية خاصة في البحث العلمي، إذ يبدأ الباحثون بحوثهم، عادة، بالاطلاع على موسوعة عامة، ثم موسوعة متخصصة، لأخذ فكرة عامة أو متخصصة ، بسيطة أو معمقة نسبيا عن الموضوع.و تكمن، أهمية الموسوعات كذلك،لاسيما الكبرى و المتخصصة،في كون موادها أو مقالاتها(articles)،محررة في الغالب من طرف كتاب خبراء متخصصين في كل فرع من فروع المعرفة. و مما يساعد على استعمال الموسوعات، " أنها تكتب بأسلوب مبسط لا يتطلب فهمه توسط المدرس أو الشروح، بل يكفي للاستفادة منها الحد الأوسط من الثقافة العامة مع الإلمام بالعلم الموضوعة له". كما أنها تتضمن فهارس هجائية، تساعد الباحث على الوصول إلى مراده بسرعة.هذا فضلا على أنها قد تحرص على  إصدار ملاحق سنوية، لتحيين المعلومات ،و ملاحقة المستجدات(كما كانت تفعل الموسوعة البريطانية (Britannica)،قبل توقفها عن الصدور في شكل ورقي).

هذا، و يتبع معظم المواد أو المقالات، في الموسوعات " المحترمة"؛ قوائم بيبلوغرافية مهمة، توجه الباحث إلى أهم  المصادر و المراجع المتخصصة في الموضوع الذي يبحث عنه، يمكنه الرجوع إليها للاستزادة من المعلومات في هذا الموضوع )و من ضمن هذه المراجع المحال عليها، طبعا، الموسوعات المتخصصة. (كما قد تحيل على مواد أخرى )بنفس الموسوعة(، لها صلة بالمادة المدروسة، و تعتبر مكملة لها(Les corrélats) .و المواد،في أغلب هذه الموسوعات الكبرى ، تحمل توقيعات محرريها.

ثانيا:المعاجم و القواميس:

يعرّف  القاموس بأنه:" معجم بالكلمات و معانيها ،مرتبة أبجديا بلغة واحدة أو بلغة و ما يقابلها في نقلها إلى لغة أخرى".

و تعتبر المعاجم و القواميس، من أهم أدوات و وسائل الخدمة المرجعية السريعة.
و قد يكون المعجم ثنائي اللغة(bilingue) كالمعاجم الفرنسية- العربية أو الإنكليزية- العربية، أو الإنكليزية -الفرنسية.كما قد يكون ثلاثي اللغة(trilingue)(إنجليزي-فرنسي-عربي.. و هكذا.

و هذه القواميس كلها مهمة جدا، بالنسبة لطلاب العلوم القانونية و  الاجتماعية. غير أنه يستحسن ،في هذا المجال، الحرص على الاستعانة بالقواميس التي تتوفر فيها بعض مواصفات الجودة التالية:
أ- يستحسن الاستعانة، بالقواميس التي تزود القارئ بقوائم طويلة من الكلمات المتشابهة في المعنى،حتى يمكنه أن يختار المعنى الدقيق الذي يبحث عنه؛
ب- يفضل المعاجم التي تستعمل المفردات في جمل توضيحية، و أمثلة نموذجية. أو التي تحاول استقصاء الكثير من الأمثلة الدالة على المعاني؛ لأن هناك الكثير من الألفاظ في اللغات الأجنبية التي يصعب إيجاد مقابل لها في اللغة العربية، و بالتالي لا يمكن للقارئ العربي أن يفهم المراد منها(و يختار المقابل الصحيح)، أو يعرف كيفية استعمالها، إلا من خلال الأمثلة باللغة المقابلة؛
ج- و من الأحسن ،أن يحرص الطلاب و الباحثون على استعمال المعاجم التي تواكب أحدث المصطلحات ، التي تظهر في شتى المجالات؛

د- هذا، بالإضافة إلى أن الطلاب،لاسيما طلاب الحقوق، يحتاجون إلى تعلم (نطق) أسماء الأعلام و المصطلحات،..إلخ، الأجنبية ،كما ينطقها أهلها.فهم لذلك لا يستغنون عن  المعاجم التي تورد مع كل كلمة، طريقة لفظها( و غالبا ما تجد إرشادات النطق في مقدمة المعجم؛
 هذا، و لا يفوتني أن أشير في الأخير، إلى نقطة على جانب كبير من الأهمية، ألا وهي أنه بالإضافة إلى القواميس اللغوية العامة، هناك أيضا القواميس المتخصصة، ففي العلوم الاجتماعية مثلا نجد "معجم العلوم الاجتماعية" (من إعداد نخبة من العلماء المصريين و العرب)،و "معجم العلوم السياسية الميسر"للدكتور أحمد سويلم العمري،و(Dictionnaire Juridique :Français-Arabe) لإبراهيم نجار،و أحمد زكي بدوي،و يوسف شلالا.

و من المعاجم الفرنسية الجديرة بالذكر هنا، المعاجم الوجيزة(Le lexique)،التي تستعمل في البحث السريع؛ و من أهمها (Lexique des termes juridiques)الذي نشر تحت إشراف (R.Guillien et J.Vincent)،و (Lexique des sciences sociales) تحت إشراف (M.Grawitz).




الأحد، 19 فبراير 2017

مهارات أساسية.. ضرورية للطالب الجامعي

مهارات أساسية.. ضرورية للطالب الجامعي

 إن التعليم الجامعي، يسعى لاكساب الطالب- الخريج الجامعي- مجموعة مهارات و كفايات غير تلك التي اكتسبها- أو كان يحتاجها- في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي:فالتعليم العالي لا يقتصر دوره، و لا تنحصر أهدافه، على تمكين الطالب من حيازة المعرفة النظرية، و المهارات اليدوية، و إنما تتجاوز ذلك إلى الاهتمام بتنمية درجات المرونة و سرعة التفكير و الإبداع لديه، و تنمية مهارات التعلم من خلال الخطأ و الصواب، و القدرة على الحكم السليم على الأشياء و الأشخاص و الظواهر و الأحداث و الأفكار، و من ثم إصدار القرارات الصائبة، و الأحكام العادلة المنصفة، و الإحساس بوحدة المعرفة البشرية، و ربط العلوم الدقيقة بالعلوم الانسانية و الاجتماعية، و القدرة على التحصيل و التعلم الذاتي، أي الوصول الذاتي إلى مصادر المعرفة الأصلية و استعمالها في حل المشاكل الشخصية، و اقتراح الحلول للإشكاليات الاجتماعية ، و القدرة على طرح الأسئلة، و عدم الاستسلام لوهم البساطة الظاهرة، و الوعي الزائف..إلخ.
 و المهارات الأساسية التي يحتاج الطالب إلى اكتسابها و التدرب على استعمالها، لأنها ضرورية للنجاح في الحياة الجامعية..بل الحياة ككل، كثيرة، منها مهارات عامة تتعلق بالتفكير و إدارة الوقت..إلخ،و مهارات تتعلق بالبحث العلمي، و مهارات تتعلق بالتعبير الكتابي و الشفوي..إلخ.
 فيما يلي، و بمناسبة الامتحانات- و المناسبة شرط كما يقال- ، نستعرض( و إياكم)، مجموعة من المهارات الضرورية للنجاح في الامتحانات..
1- مهارات إدارة الوقت:هي تلك المهارات ، التي تستخدم من أجل الحصول على أفضل استغلال للوقت المتاح( و لقد بدأت بها، لأن الطالب يحتاجها..للوصول في الوقت..إلى مكان الامتحان)؛
2- مهارة التركيز أو ضبط الانتباه:يقال بأن " نصف العبقرية تركيز"..و أنا أقول بأن ثلثي عناصر النجاح في الجامعة ، توجد في القدرة على التركيز..لاسيما يوم الامتحان؛إذ يحتاج الطالب في هذه المناسبة إلى استعمال أقصى درجات التركيز و الانتباه لما يقال له (يملى عليه :مثل السؤال)، او ما يطلب منه (مكتوبا) في ورقة السؤال؛
3-مهارة ترتيب الأولويات:هي المهارة المطلوبة لوضع الأشياء أو الأفكار أو الأعمال..إلخ،في ترتيب هرمي حسب أهميتها:ترتيب الإجابة على الأسئلة مثلا، حسب النقط المخصصة لها..؛
4- مهارة القراءة السريعة الاستيعابية: و هي المهارة المطلوبة لقراءة الأسئلة - عدة مرات- بسرعة، و استيعاب ما جاء فيها، و تكوين فكرة دقيقة عن ما هو المطلوب منها ؛
5- مهارة التفكير التحليلي: هو مهارة تساعد الطالب، على تجزئة نص السؤال و تفتيته إلى عناصره الأساسية و الثانوية، و إدراك ما بينها من علاقات أو روابط، مما يساعد على إدراك المراد من السؤال، و بالتالي العمل على صياغة الجواب في مرحلة لاحقة؛
6- مهارة استرجاع المعلومات: و هي المهارة المطلوبة لتذكر المعلومات المحتفظ بها في الذاكرة، و استرجاعها بطريقة منظمة،لاستخدامها عند الحاجة إليها؛
7- مهارة التصنيف:و هي المهارة التي تساعدنا على تجميع المعلومات و البيانات و عناصر الجواب، على أساس خصائصها و صفاتها، ضمن مجموعات أو فئات..فتشكل كل مجموعة أو كل فئة " شيئا ذا معنى"( نبني به فقرة..أو مطلبا..أو مبحثا..)؛
8- مهارة تحديد العلاقة بين السبب و النتيجة: هي المهارة التي تستخدم لتحديد العلاقات السببية بين الأحداث المختلفة، أو أنها تلك العملية الذهنية التي تبين كيف أن شيئا يكون سببا لأخر( نستخدمها كعامل مساعد لمهارة التصنيف ، و تساعدنا في ترتيب ما نكتب،عندما نستخدم المهنهج التاريخي..على سبيل المثال لا الحصر)؛
9- مهارة المقارنة و التباين أو التعارض:هي تلك المهارة التي تستخدم لفحص شيئين أو أمرين أو فكرتين أو نظريتين أو موقفين (فقهيين أو قضائيين مثلا)،أو أكثر،،لاكتشاف أوجه الشبه و نقاط الاختلاف؛
10- مهارة التفكير النقدي:هي عبارة عن مهارة تقييم و الحكم على الآراء و الأفكار و القوانين و النظريات و الظواهر..إلخ،لفحص دقتها و صدقها و موضوعيتها ، و بالتالي صلاحيتها و قيمتها الحقيقية، بالنسبة لما ننوي استعمالها فيه( كأدلة مثلا،لإثبات صحة ما نكتبه في ورقة الامتحان..)؛
11- مهارة صياغة  الإشكاليات و اختبارها:هي تلك المهارة التي تستخدم ، من أجل صياغة الإشكاليات ( الأفكار الأساسية= طرح الحلول) الممكنة لسؤال الامتحان، ثم العمل على فحص و اختبار هذه الحلول (الإشكاليات)،لاختيار واحد منها، يكون هو الأنسب للإجابة عن السؤال موضوع الامتحان؛
12- مهارة التفكير التجميعي:و هي المهارة التي يستطيع الطالب بمساعدتها، تقليل عدد الأفكار المطروحة إلى فكرتين اثنتين ( أو ثلاث في بعض الحالات)، تمثلان أفضل تقسيم (تصميم)،للإجابة عن الإشكالية المختارة؛
13 - مهارة الترتيب:و هي تلك المهارة التي تستخدم من أجل ترتيب الفقرات أو المحتويات بطريقة منظمة و دقيقة؛
14- مهارة إصدار الأحكام أو الوصول إلى حلول:هي المهارة التي تستخدم المعلومات المتوفرة، من أجل الوصول إلى أحكام عامة أو حلول للمشاكل التي تتكون منها الإشكالية؛
15- مهارة الاستنتاج: و هي تلك المهارة التي تستخدم من أجل توسيع أو زيادة حجم العلاقات القائمة على المعلومات المتوفرة، و الاستفادة من التفكير الاستدلالي أو التحليلي، من أجل تحديد ما يمكن أن يكون صحيحا؛
16- مهارة التوضيح أو التوسع: و هي تلك المهارة التي تستخدم من أجل تجميل الأفكار أو تفصيلها، و جعلها أكثر فائدة و دقة و جمالا، عن طريق التعبير عن معناها بإسهاب و توضيح.أو هي عبارة عن القدرة على إضافة تفضيلات جديدة للأفكار المطروحة حتى لتصبح الفكرة البسيطة، عميقة و مهمة؛
17- و مهارة التعبير الكتابي..و الشفوي..و مهارات أخرى عديدة، لا يتسع المجال لذكرها ( أحيل من يرغب التوسع فيها، على د. دودت أحمد سعادة- تدريس مهارات التفكير ( مع مئات الأمثلة التطبيقية)- دار الشروق- عمان (الأردن) 2003- ص 45 و ما يليها)

الثلاثاء، 14 فبراير 2017

المشكلة و الإشكالية:ما هو الفرق بينهما؟

سؤال يردده الكثير من الطلبة الباحثون..و فيما يلي جواب ممتاز للأستاذ الجابري، رحمه الله.
المشكلة و الإشكالية:ما هو الفرق بينهما؟

المشكلة و الإشكالية:ما هو الفرق بينهما؟

كتب الأستاذ المرحوم- بإذن الله تعالى- محمد عابد الجابري(1935-2010)..
[...] و الفرق بينهما [ المشكلة و الإشكالية] عندنا، يتلخص في كون المشكلة تتميز بكونها يمكن الوصول بشأنها إلى حل يلغيها.فـ " المشاكل"[ Les Problèmes] في الحساب تنتهي إلى حل، باستثناء بعض المعادلات الرياضية التي يكون حلها، أعني التخلص منها بعد البحث و المحاولة، بالإعلان عن كونها لا تقبل الحل.أما المشاكل المالية و الاقتصادية و الاجتماعية عموما، و المشاكل التي يصادفها العلماء في العلوم الطبيعية بمختلف أنواعها، فهي جميعها إلى نوع من الحل، آجلا أو عاجلا، ما دام المجال الذي تطرح فيه ينتمي إلى الواقع الموضوعي و يقبل نوعا ما من  التجريب.و في هذا الإطار يصدق قول ماركس :" إن الإنسانية لا تطرح من المشاكل إلا تلك التي تقدر على حلها".لماذا؟ لأن " المشاكل" ،بهذا المعنى، إنما تظهر  من خلال تقدم البحث ،فاكتساب مزيد من المعرفة بموضوع ما يفتح الطريق أمام اكتشاف مجاهيل جديدة، تكون مناسبة لطرح أسئلة جديدة.
هذا هو تصورنا لمعنى " المشكلة"، و أعتقد أنه من الممكن التعاقد مع القارئ على هذا المعنى.كما يمكن التعاقد على معنى أضيق أو أوسع؛ ففي هذا المجال، مجال الحدود و التعريفات، ليس هناك برهان، و إنما تعاقد بين الباحث و المتلقي ( و قد يكون المتلقي هو الباحث نفسه)!فبدون هذا لا يمكن الوصول إلى برهان، فالبرهان إنما يبنى، من جملة ما يبنى عليه، على الحدود و التعريفات.
هذا عن لفظ " المشكلة"، و أمرها لا يحتاج إلى مزيد بيان.أما " الإشكالية"، فهي شيء آخر.فعلا ، يستعمل كثير من الكتاب و القراء ( عندنا في العالم العربي)- أو يفهمون- هذا اللفظ و نسيبه " المشكلة" من غير تدقيق، و كأنهما من الألفاظ التي يجوز أن ينوب بعضها مناب بعض ( و هل هناك فعلا ألفاظ يجوز فيها ذلك بدون غرض و مبرر؟).
و مهما يكن، فنحن نستعمل هنا لفظ " إشكالية" في معنى محدد - و لو أنه معقد - غير معنى " المشكلة".و فيما يلي تفاصيل عقد (تعريف) نقترحه على القارئ. و لا يخطرن بالبال أن التعريفات و الحدود تصاغ كيف اتفق.كلا.ليس لأحد أن يقترح تعريفا إلا إذا كان هذا التعريف يزيدنا معرفة بالمعرّف به و يفسح المجال أمام لمزيد من المعرفة بالموضوع الذي نبحث فيه...
لقد سبق أن حددنا ما نعنيه بهذا المصطلح منذ أن بدأ يشيع في خطابنا العربي المعاصر [في كتاب](نحن و التراث 1980).لقد كتبنا آنذاك في هذا الموضوع ما يلي:" على الرغم من أن كلمة إشكالية من الكلمات المولدة في اللغة العربية ( و هي ترجمة موفقة لكلمة Problématique )، فإن جذرها العربي يحمل جانبا أساسيا من معناها الاصطلاحي.يقال: أشكل عليه الأمر بمعنى التبس و اختلط.و هذا مظهر من مظاهر المعنى الاصطلاحي المعاصر للكلمة ( و لكنه مظهر فقط).ذلك أن الإشكالية هي،في الاصطلاح المعاصر،منظومة من العلاقات التي تنسجها، داخل فكر معين ( فكر فرد أو فكر جماعة)، مشاكل عديدة مترابطة لا تتوافر إمكانية حلها منفردة و لا تقبل الحل - من الناحية النظرية - إلا في إطار حل عام يشملها جميعا.
و بعبارة أخرى: إن الإشكالية هي النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها، فهي توتر و نزوع نحو النظرية، أي نحو الاستقرار الفكري"
***
مثال تطبيقي..
و يسوق لنا الأستاذ الجابري،مثالا للإشكالية فيقول:إلى أي مدى يمكن التحرر من الإيديولوجيا، و البحث في موضوع العولمة و مسألة الهوية، بحثا علميا؟
هذا السؤال، في نظر الأستاذ الجابري، إشكالي..للأسباب التالية:
[...] ذلك أن العلاقة بين العولمة و مسألة الهوية ليست من العلائق البسيطة بل هي فعلا:
- "منظومة من العلاقات"، و ليست مجرد علاقة  بسيطة وحيدة الاتجاه:العلاقة بين العولمة  و مسألة الهوية قائمة في آن واحد بين طرف و طرف آخر داخل الدول المصنّعة، و داخل الدول النامية،و بين هذه الدول و تلك...
- " تنسجها داخل فكر معين":فكر فرد و فكر جماعة و فكر أمة إلخ.هذه العلاقة موضوعية فعلا، لها وجود في الواقع، و لكنها لا تتشكل منها إشكالية إلا بعد نقلها إلى الذهن بوصفها تطرح إشكالا قد يتمثل في كون العولمة تقفز على الهوية أو تلغيها، فيترتب عن ذلك رد فعل معين..و قد يتمثل في شيء آخر!
- " مشاكل عديدة مترابطة"، منها ما يخص ظاهرة العولمة نفسها، و منها ما يخص مسألة الهوية، و منها ما يخص العلاقة بينهما: مشاكل اقتصادية و تكنولوجية و معلوماتية و ثقافية و حضارية عامة.
-  هذه المشاكل " لا تتوفر إمكانية حلها منفردة و لا تقبل الحل- من الناحية النظرية- إلا في إطار حل عام يشملها جميعا"...
- و من هنا تبدو إشكالية العولمة و مسألة الهوية بمثابة " النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها، فهي توتر و نزوع نحو النظرية، أي نحو الاستقرار الفكري".
و الحق أننا هنا لا نطمع، و يجب أن لا نطمع، في حل نهائي لهذه الإشكالية.كل ما يمكن أن نحصل عليه بعد البحث هو شيء من " الاستقرار الفكري" ، شيء من المصالحة داخل وعينا بين عناصر متصارعة.

المرجع:مواقف:إضاءات و شهادات- العدد 43- دار النشر المغربية/سبريس- سبتمبر 2005- ص ص 7-13.
***

و كتب الأستاذ الدكتور العياشي عنصر، عن :الإشكالية و المشكلة و الإطار النظري:

[...] هناك اعتقاد قوي و راسخ، مفاده أن مهمة علم الاجتماع هي دراسة مشكلات المجتمع، كما يعيشها و يواجهها ، أي كما هي معطاة للإدراك الحسي المباشر.و تكون مهمة الباحث، في هذه الحالة رسم حدود تلك المشكلات، و تحديد طبيعتها ،و أسبابها، وصولا إلى اقتراح طرق معينة لمعالجتها ؛ استنادا إلى المعلومات و المعطيات التي يتحصل عليها، من خلال معاينة الواقع . إن مثل هذا التصور، هو السائد اليوم لدى الطلبة ، بل و لدى قطاع عريض من الأساتذة ،  كما تعبّر عنه أعمالهم.

و لا يخفى أن ذلك الاعتقاد يقوم على أسس و مسلمات ابستيمولوجية وضعية، و يعبر عن موقف نظري امبريقي، حيث يُنظر إلى الواقع باعتباره لا يمثل إشكالا و لا يُبطن سوى ما يُظهر، و بذلك يكون السبيل الوحيد و الفعال لمعرفة ذلك الواقع، هو الإدراك الحسي المباشر، عن طريق المقاربة الأمبريقية و المنهج التجريبي .و تبدو سيطرة هذا التصور واضحة في معظم أعمال و بحوث الطلبة، التي نحن بصدد دراسة عينة منها. يتجلى ذلك في اختيار موضوعات البحث، باعتبارها مشكلات مجتمعية متبلورة في المخيلة الجمعية، و محددة في المعرفة العامية، أو الحس المشترك الذي ينطلق مع مسلمة أساسية مفادها أن لا وجود للإشكال إطلاقا  في علاقة الذات العارفة بموضوع المعرفة.

لذلك فإن الغالبية العظمى من البحوث التي تفحصناها، لا تنطلق من صياغة إشكالية معينة كموضوع للدراسة، بل تقوم بتحديد المشكلة ، بمعنى أنها تنطلق من فكرة أن الباحث يتعامل مع الواقع المعطى للإدراك الحسي المباشر، و ليس من نموذج فكري أو نظري تتم صياغته و بناؤه من خلال عملية تنظير للواقع الملموس.

تجدر الاشارة هنا إلى قاعدة أساسية، أصبحت منسية أو تكاد، و هي ان البحث السوسيولوجي، لا يستغني عن وجود إشكالية تمثل صياغة نظرية و تجريدية للملموس، و هي خطوة جوهرية في عملية البحث العلمي، و إنتاج المعرفة عموما.و لا يمكن صياغة الإشكالية إلا ضمن إطار نظري مرجعي يُعتبر بمثابة المقاربة المعرفية التي يجد فيها الباحث أدوات و وسائل عمله لإنتاج  المعرفة. هذه الوسائل هي مجموعة المفاهيم و المقولات النظرية و الإجرائية التي تساعده على بلورة الإشكالية و تعّين له الطرائق و التقنيات التي بإمكانه الاستعانة بها في إنجاز دراسته ، سواء في مرحلة جمع المعطيات أو مرحلة تحليلها و تفسيرها.

لكن، كيف تبدو بحوث الطلبة بخصوص هذه النقطة؟ هل نجد صياغات محددة و واضحة للإشكاليات المدروسة؟ هل هناك أطر نظرية معينة لتناولها؟ إن أول ما يسترعي انتباهنا  عن تفحص بحوث الطلبة، هو الغياب شبه الكامل لهذه  الخطوة الأساسية .فالبحوث لا تنطلق عموما من صياغة للإشكالية أو بناء أو بناء لموضوع البحث، بل من تحديد للمشكلة، و الفرق بين الاثنين ذو دلالة قوية بخصوص الموقف الإبستيمولوجي، الذي تهيمن عليهن كما أشرنان نزعة حسية قوية و مقاربة امبريقاوية مفرطة.

إن ما نجده في بحوث الطلبة بخصوص هذه النقطة لا يتعدى تحديدا سطحيا و بسيطا لمشكلة ما كما هي مصاغة في المعرفة العامية السائدة. و إذا كان تعبير    " تحديد المشكلة " يتكرر في هذه الأعمال فإن ما يثير الانتباه هو أن ذلك لا يتم ضمن إطار نظري معين، تكون وظيفته مساءلة الواقع و الأدبيات التي تناولته بالدراسة، وصولا إلى تقديم صياغة جديدة أو مغايرة لموضوع البحث، انطلاقا من مقاربة معينة و باستخدام مجموعة من الأفكار و المقولات و المفاهيم التي تشكل إطارا نظريا متماسكا و متجانسا، يكون بمثابة الموجه و المرشد للباحث ، ليس في عملية صياغة الموضوع فحسبن بل و عند تحليل و فهم آليات تشكل الظاهرة و علاقاتها بغيرها  في النسيج الاجتماعي للظواهر.

المرجع:وضعية البحث السوسيولوجي في الجامعة:نموذج مذكرات الليّسانس في جامعة عنابة (1980-1993) -دراسات عربية- دار الطليعة- العدد 1/2- السنة الحادية و الثلاثون- بيروت (تشرين الثاني/كانون الأول- نوفمبر/ديسمبر 1994)- ص ص 60-61( وقدمت هذه الدراسة في الأصل إلى الملتقى المغاربي حول : المجتمعات المغاربية و الممارسات السوسيولوجية- الجزائر 13-15 نوفمبر/تشرين الثاني 1993).



الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

تقسيم العمل ..و الاقتصاد الأمريكي
(1929-1830)
كتب البروفسور لورنس ج.ر.هرسون(Lawrence J.R.Herson)، في كتابه (The Politics of Ideas)، الذي ترجم إلى الى العربية تحت عنوان" سياسات..و أفكار":
[...] لقد كانت الأمة الأمريكية الجديدة في حاجة ماسة إلى البنادق و المدافع و الذخيرة" بكميات كبيرة"..و من ثم فقد اقترح إيلي هويتني[(Eli Whitney)(1825-1765) ] - ذلك الشخص الذي مكنته "عبقريته" من تحسين آلة تمشيط القطن (وحلجه)..-[...] أن يكون صنع البنادق المسماة بنوع الماسكت ، و اللازمة للمشاة، عن طريق تقسيمها بصورة تجعلها ذات " أجزاء" تكون قابلة للتبادل " أي بأسلوب يجعل من السهل وضع كل جزء مكان الآخر، و استخدامه بدلا منه".
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

[...] و الآن ، تأمل-على سبيل المثال- كل ما تندرج تحته من نتائج و خطط و عمليات، فكرة تلك البنادق التي يتم تصنيعها بالطريقة التي اقترحها هويتني في هذا الصدد..
إن الأسلوب "التقليدي" ، القديم، لصنع البنادق كان يقضي بأن تصنع كل " بندقية" عن طريق عامل واحد - أو بمساعدة معاونيه من " صبيان الحرفة"- و من ثم ، فإن كل بندقية
تصنع بكاملها، كشيء قائم بذاته، ..و بعبارة أخرى، كانت كل أجزائها تصنع على وجه التخصيص، بالنسبة لكل بندقية، على حدة..ثم تركب معا بمنتهى الدقة و الإحكام و التأني.
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

[...] و الآن- و على النقيض تماما من هذا النظام التقليدي العتيق- يمكنك أن تقارن نظاما آخر، يقوم على مبدأ الانتاج الكبير، الذي يتم على الصورة التالية:
إن جميع الأجزاء، بالنسبة لجميع البنادق" التي من طراز ما قد وحدت قياسيا"،فصارت كلها واحدة، و نمطية، أي أنها متماثلة تماما.. و على ذلك،فإن من الميسور - في هذه الحالة- تخزين قطع الغيار اللازمة للاصلاح مقدما..و حتى قبل أن تمس الحاجة إليها..و بهذا يتسنى، أيضا، إصلاح أي " بندقية" من " مخزون" قطع الغيار الضخم.
و بهذا، يكون من الممكن فنيا تفتيت عملية صنع البندقية إلى جملة مراحل، أو خطوات، تشكل كل منها جزءا من أجزاء السلعة النهائية الصنع  " أي البندقية في حالتنا هذه"..و على هذا، ينبغي ألا يكون أي عامل في حاجة إلى أن يعلم من تفصيل مهمته أكثر من حدود المهارة اللازمة لانتاج الجزء المسئول عنه، لا غير!
و نتيجة لهذا الأسلوب، سوف يرتفع معدل الإنتاج،لأنه لن يكون محدودا- بعد الآن- بحدود أوقات و طاقات أولئك الذين يملكون قدرا كافيا من الدقة و المهارة، التي تمكن كلا منهم من صنع البندقية برمتها، و كامل أجزائها، كعمل فني واحد و متكامل..
[...] إن صنع " منتج سلعي" بأسلوب انتاج الأجزاء المتبادلة، أو المتعاوضة - و على نطاق واسع- ...هو ذات التكنيك أو الأسلوب الفني الذي أطراه- ونصح به- العالم الاقتصادي الكبير آدم سميث،بوصفه الطريق السلطاني [ الطريق الأفضل] إلى تحقيق أضخم و أعظم إنتاج،  بأقل تكلفة اقتصادية ممكنة..
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

[...] و على أساس هذه القواعد، و الظروف الانتاجية الجديدة، يصبح إنتاج الأجزاء المتبادلة- أو بمعنى آخر أجزاء المعاوضة، في منتج؛ مرتبطا- من ناحيتي المفهوم الفكري و التطبيق العملي على السواء- بروح و منطق، النظام الرأسمالي.و لقد يكون الأمر الأهم من ذلك بالنسبة لنمو، و تطور، هذا النظام الذي بدأ الأوربيون يحمدونه، و يطلقون عليه اسم " النظام الأمريكي في الانتاج" - هو ما تحقق بعدئذ من أفكار و نظريات بشأن تقسيم العمل، و تبسيط الإجراءات، و تحليل الوظائف و المهام.. مما جعل من الميسور ( بصفة مطردة) ابتكار أنواع الآلات، و الماكينات، و العُدد التي تضطلع بمهمة كل جزء من أجزاء كل منتج على حدة.و إذا نحن رجعنا إلى الوراء حتى عام 1853، و جدنا " صمويل كولت"[(S.Colt)(1862-1814)] (مخترع الروفلفر أو الغدارة)[= المسدس]، قد بنى مصنعا لانتاج " الغدارات" استخدم فيه (1400) آلة ميكانيكية ، كل آلة منها مختصة بصنع جزء من أجزاء الغدارة وفق نظام الانتاج الكبير!
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

و من مرحلة انتاج البنادق و المضخات و الساعات[- التي اتبع فيها نفس الأسلوب في العمل-]، انتشرت الأفكار و الأساليب الفنية الحديثة - المستخدمة في عمليات الانتاج الكبير- و تطرقت إلى ابتكار آليات و ماكينات أكثر تركيبا و أشد دقة و تعقيدا..و التي من قبيل آلات حصاد المحاصيل الزراعية، و آلات الخياطة (و بحلول سنة 1848، كان " سايروس ماك كورميك"[ (C.McCormick)(1884-1809)]- مخترع الحصادة الآلية- ينتج 4000 آلة في كل عام).
و الواقع ذهب البعض إلى أن الحرب الأهلية الأمريكية، إنما قد تم الانتصار فيها للشماليين، بفضل انتاج البنادق و الذخائر الحربية اللازمة، و كذا الأحذية و الملابس، بفضل اختراع الآلات التي اخترعت وقتئذ لتحقيق هذا الانتاج الكبير، و من بينها آلات الخياطة[1]..فضلا عما تحقق من سهولة و انتظام، في عمليات الحصاد الزراعي، بفضل التوسع في انتاج تلك الحصادات الزراعية السابق الإشارة إليه.
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

هذا، و يحاول مؤرخو التكنولوجيا - من خلال تأملاتهم المتعمقة لجذور هذا الموضوع- تفسير السبب في نجاح نظام الانتاج الكبير عندنا، فيرون أن هذا النظام هو امتداد لمنطق " الثورة الصناعية" الأوربية، و لتطبيقاتها العملية..و من ثم كان من اللازم أن يزدهر بدوره فوق صعيد التربة الأمريكية أيضا، و معظم الناس يتفقون على أن السبب المهم الذي أسهم في نجاح نظام الانتاج الكبير في العالم الجديد، هو نقص عدد السكان في أمريكا (وقتئذ)..
و بفضل هذا النظام - الذي غدا متاحا على نطاق واسع - عملت الآلات ( لا من أجل التخفيف من عناء الانسان فحسب، و مواجهة الحاجة المستمرة إلى العديد من الأيدي العاملة..الأمر الذي لم يكن ميسورا مع النقص النسبي في عدد السكان)- بل سمح كذلك، و لعدد أقل نسبيا ، أن يضطلعوا بإنتاج و توزيع السلع المختلفة، و الأغذية اللازمة ، بدرجة أكبر حجما..و على نطاق أكثر اتساعا و انتشارا..
إلا أن اقتصارنا على رؤية النظام الأمريكي كمجرد صورة للإنتاج الكبير عامة، أو لنظام القطع المتبادلة ( أو المتعاوضة) في المنتج الواحد بكميات هائلة..أو حتى صورة لاستخدام الآلية لصنع الآت أكثر دقة و تعقيدا مثل السيارات و الآلات الكاتبة..إلخ..
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

ان اقتصارنا على مثل هذه الرؤية المتعجلة تفقدنا، في الواقع، كثيرا من حقائق الوضع و دلالاته..ذلك أن الرأسمالية هي بمثابة ثقافة و نظام الانتاج الكبير في الولايات المتحدة غدا الحد، أو المعيار القاطع في قيام " نظم فرعية رأسمالية ثقافية"، لها صبغاتها السياسية و الاقتصادية البارزة..و الحق أن نظام الانتاج الكبير قد اندمج تماما في نسيج الحياة الأمريكية ذاتها، و أصبحا معا كلا واحدا.
و لكي نعي بوضوح ملموس، كل هذه المفاهيم " المجازية"، فإن علينا أن نتأمل أن منطق الانتاج الكبير، و تطبيقه العملي ، إنما يعنيان:
1- انتاج سلع و بضائع بتكاليف أكثر انخفاضا بصورة مطردة؛
2- و من ثم أيضا، يتسنى جعل المنتجات الغذائية و السلعية، متاحة لأولئك الذين هم في أدنى درجات السلم الاقتصادي؛
3- و بالتالي، يتسنى الاسهام في رفع مستويات المعيشة في المجتمع برمته؛
4- و الأكثر من هذا، فإنه يتسنى أيضا، بفضل مبدأ تقسيم العمل ، و مبدأ التخصص في الانتاج الجزئي لأقسام ، و أجزاء المنتج الواحد؛اتاحة فرص العمل لأولئك الذين ليس لهم إلا مهارات قليلة، أو تدريب منخفض المستوى نسبيا، و بذلك نوفر عليهم الوقت الطويل، و كذا النفقات الضرورية، مما كان سيتطلبه الأمر لو أنهم قضوا فترة التلمذة الصناعية بتمامها لإعدادهم مهنيا؛
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

5- هذا إلى أن عادات و احتيجات المعامل و المصانع، سيقع عبؤها على العامل و أسرته، فيحول أسلوب حياتهم اليومية..فثمة الحاجة إلى وضع تقارير يومية عن درجة المواظبة على العمل.كما أن حركات العمال و سلوكهم يتم رقابتها بدقة عن طريق نظام إداري رئاسي " هيرارشي" يشرف على نشاط " المصنع".هذا إلى أن ساعات العمل التي يقضيها العامل بالمصنع تضطره إلى أن يقيم هو و أسرته قريبا منه( الأمر الذي يساعد على تكوين أماكن و أحياء شعبية مزدحمة تماما بقطاعاتها)..و بإيجاز ، نجد أن كلا من نظام المصنع، و الثقافة العادية أو " الثانوية" للعامل، يندمج كلاهما في الآخر تماما؛
6- و على ذلك، فإن مستوى الإنتاجية، يعني بصفة عامة، ربحية أكبر. و من ثم، فإن مثل هذه الانتاجية المتزايدة تحفز على الادخار[توفير الاموال، الاقتصاد في الانفاق] (الأمر الذي يؤدي بدوره إلى " ظاهرة" التراكم النقدي أو " التكدس الرأسمالي)..عن طريق تقديم فرص للاستثمار و الكسب لأولئك الذين كدسوا رؤوس أموالهم على هذا النحو..كما أن ذلك يحفز بدوره على..
7- خلق و إيجاد اختراعات و ابتكارات جديدة، ..و هذه بدورها ترفع من مستوى الانتاجية ، و من الربح..الأمر الذي يعمل على..
8-زيادة الفرص أمام مقاولي الأعمال و مروجي المشروعات- (و هم الذين ينظمون سبل الإفادة من الابتكارات و المخترعات و يضطلعون بتمويلها، و بتنظيم العمل الانساني، كما يأخذون على عاتقهم تحمل المخاطر و مواجهتها)؛ ثم زيادة الفرص أمامهم لمواصلة الارتفاع بمستوى الأرباح إلى أعلى فأعلى.
إن هذا التصوير السريع الذي قدمناه، يعطي صورة مثالية لديناميات المجتمع، في ذات الوقت، و ذلك في غضون تلك الفترة التي يهمنا أمرها ها هنا( و الممتدة من سنة 1865 إلى سنة 1932).
على أن الرأسمالية لها أيضا جوانبها السوداء..جوانبها الأكثر سوءا.إن الطبيعة البشرية هي كما هي،فإن المقاول - ( أو بالأحرى منظم الأعمال)- سرعان ما يُغْرى بالرغبة في رفع الأسعار و جني الأرباح السريعة، لا عن طريق زيادة الإنتاجية [قوة الإنتاج، قياسا إلى التكلفة]..و لكن باحتكار عرض السلعة في السوق..و من ثم،،فإن الرأسمالية  تترك هنا لطبيعة منطقها ، كما تسعى وراء زيادة معدلات الربح إلى حدودها القصوى، عن طريق دفعها للعمال أقل الأجور الممكنة !!
و على هذا نجد أن ظواهر الأحياء الفقيرة المكدسة، إلى حد الاختناق بسكانها، و ساعات العمل الطويلة المرهقة،  و الأجور القليلة، و حوادث و إصابات  العمل في الصناعات ، في "ورش" غير آمنة أمنا صناعيا، و أيضا غير صحية..
كيف ساهم تقسيم العمل في تطوير الاقتصاد الأمريكي..ثم العالمي

و الواقع، كانت هذه كلها ظواهر عامة في غضون القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين( و هكذا" تخلق الرأسمالية بيئتها التي تلازمها")..
ثم إن منطق الرأسمالية يؤدي، كذلك، إلى الانتاج الزائد عن الحد، و إلى أن يزيد العرض على الطلب..و أيضا- و خلال الفترة التي تعنينا في هذه الدراسة- أدت إلى وقوع فترات هبوط و انكماش حادة و متكررة، و إلى بطالة عامة في صفوف العمال، و إلى وقوع فترات دورية من الضيق و المعاناة ( و هو ما نطلق عليه اسم الازمات )..
***
البروفسور لورنس هيرسون- سياسات..و أفكار: دراسة علمية تحليلية لمفهوم النظرية السياسية الاجتماعية، مع تطبيقاتها على واقع السياسة الأمريكية العامة- ترجمة: صلاح الدين الشريف- مكتبة الانجلو مصرية- القاهرة 1987- ص ص 414-422.






[1] لقد أسهم عدد كبير من المخترعين في اختراع آلة الخياطة، إلا أن اشهره هؤلاء هو الأمريكي" إلياس هاو"(E.Howe)(1819-1867)، الذس سجل براءة اختراع سنة 1846.و هي الآلة، التي عرفت تطويرات عديدة أهمها، تلك التي أدخلها عليها الأمريكي" إسحاق سنجر"(I.Singer)(1811-1875).