الجمعة، 22 مايو 2020

كيف تدرس؟ الطرق التي تساعدك على الفهم و الحفظ و تقوي ذاكرتك و تنظيم أوقات المراجعة و الراحة


كيف تدرس؟ الطرق التي تساعدك على الفهم و الحفظ و تقوي ذاكرتك و تنظيم أوقات المراجعة و الراحة..

كيف تدرس؟
(الجزء الرابع)

16- استخدم بعض الحيل و الطرق المساعدة للذاكرة.يصعب على الإنسان أحيانا حفظ بعض الأمور التي لا غنى له عن حفظها، كما يصعب عليه أحيانا أخرى حصر بعض الأمور التي يترتب عليه حفظها و حصرها، و حينئذ يكون من المناسب أن يبحث عن حيلة أو طريقة تساعده على حفظ ما يريد حفظهن و حصر ما ينبغي حصره.
و هذه الحيل كثيرة متنوعة، تختلف من درس إلى درس، و من مادة إلى أخرى، و من شخص إلى شخص.و بعض هذه الحيل أوجدها لنا القدامى، و يقدمها لنا المعلمون، و من المفيد في بعض الأحيان، على الأقل، أن نلجأ إليها، لنستفيد منها.و مثال ذلك، ما يقدمه لنا النحاة و معلمو اللغة، من أجروميات [ طرق لتبسّط النحو، و جعله في متناول الطلاب]، وكلمات تجمع القواعد الضرورية،أو تحصر الحروف العديدة التي لا بد من حفظها.وهكذا، يعلمنا أساتذتنا أن كل جمع مؤنث[ لأن كل جمع يجوز تأنيثه إلا جمع المذكر السالم]، بتحفيظنا البيت التالي:
إن قومي تجمعوا و بقتلي تحدثوا*********** لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث
كما يعلموننا حروف المضارعة، و يحصرونها لنا في كلمة (أنيت)، إلى آخر ما عندهم من طرق تساعد الطالب على الحفظ و التذكر.

على أن الطالب، لا يستغني أحيانا عن استنباط مثل هذه الحيل لنفسه، و اللجوء إليها في حفظه، و تذكيره لبعض القواعد و حصر بعض الأمور.
17- و هذا يوصلنا غلى قاعدة هامة جدا في الدرس و الحفظ، و هي وجوب عمل الطالب على استنباط الطرق و المناهج التي توافقه في درسه و حفظه، أكثر من غيرها.فالناس مختلف بعضهم عن بعض في كل شيء، في الجسد و النفس، في الفعل و العاطفة، في الذكاء و القدرات، في العادات و طرق العيش، و من المعقول ، تبعا لذلك، أن تختلف طرائقهم في الدرس و الحفظ و التذكير.ثم إنه من المعقول أيضا، أن تكون بعض القواعد أو الطرائق المفيدة لفلان من الناس، مضرة لفلان الآخر، أو أقل فائدة له.ولذلك كان لا بد للطالب من أن يكوّن لنفسه عاداته الفردية الخاصة في الدرس و الحفظ و التذكير، مستعينا فقط، بالقواعد العامة.على أنه، لا بد للطالب الذكي، من عدم الاقتصار على الصدفة و الاعتباط في تبني طرائقه الخاصة، و مناهجه الفردية، بل لا بد له من التعرف على ذاته، و دراسة أحواله، و ملاحظة نفسه، و التعرف على ما يفيده و يضره، و ما يقدم له فائدة أكثر، و ما يعود عليه بنفع أعم، و ما يوفر له وقته وجهده، و كل ذلك قبل أن يتبنى هذه الطريقة دون غيرها، أو يتخذ هذا المنهج دون سواه.
و معنى هذا كله، أن على الطالب قبل أن يتبنى طرائقه النهائية في الدرس و الحفظ و التذكير، أن ينظر في نفسه، و أن يجرب، و أن ينتقي عن خبرة و عن قناعة.و قد يُحتج على هذا كله،بأن الإنسان حين يتبنى طرائقه في الدراسة و الحفظ، و بالتالي الاستدعاء و التذكير، يكون حدثا لا يميز و لا يجرب،و أنه لا يكاد يتقدم به السن، و يصبح قادرا على التمييز حتى تكون طرائقه قد أصبحت عادات و تبلورت، مما يجعل تغييرها أمرا شاقا عسيرا، و أنه لذلك يجب أن يكون من عمل المعلم أن يعلم الطفل كيف يدرس و يحفظ و يتذكر، و أن يساعده على انتخاب طرائقه الخاصة، و تبني مفاهيمه الفردية.
و أنا، مع اعترافي بوجاهة هذا الاعتراض، أحب أن أؤكد لطلابنا أن في استطاعة الواحد منهم، مهما تقدم به السن، و حين تتوافر فيه الإرادة الحقة و الرغبة الأكيدة، أقول إن في استطاعة الواحد منهم، أن يعيد النظر في طرائقه، و أن يميز بين الصالح و الطالح، و أن يحتفظ بالصالح و ينبذ الطالح، و أن يعدل طرائقه من جديد.

18- لا تلجأ إلى التغيب [غَيْبًا:استظهاراً،عن ظهر القلب:"قرأ الكتاب غيبا"] إلا حين لا يكون من ذلك بد.أما المقصود بالتغيب، فالحفظ عن ظهر قلب و كلمة كلمة، أو قل (الصم) أو (البصم) كما يسميه بعض طلابنا.إن هذا النوع من الحفظ مضر جدا، و النسيان أسرع إليه من غيره، أما الفهم و الاحتفاظ بالأفكار الرئيسية فأمر أيسر، ومدة بقائه أطول.و أنا أعلم علم اليقين أن بعض طلابنا لا يستطيعون أن يحفظوا إلا هذا النوع من الحفظ، و لذلك فهم يجدون صعوبة بالغة في الحفظ، إلا إذا غيبوا الأفكار عن ظهر قلب.إن السبب في ذلك، هو أنهم اعتادوا هذا الأمر منذ صغرهم، فأصبح عادة.و العادة، كما يقال، طبيعة ثانية.و لكني أحب أن أؤكد لهؤلاء أنه ، بالرغم من صعوبة تغيير هذه العادة، فليس الأمر مستحيلا.كما أحب أن أؤكد لهم، أنه إذا كان في إمكانهم الاعتماد على هذا النوع من الحفظ في المدرسة الابتدائية، فإن الاعتماد عليه صعب في المدرسة الثانوية،مستحيل في الجامعة.
كما أحب أن أذكركم، بأن الذي يحفظ المعلومات عن ظهر قلب، لا يستطيع أن يتصرف بها ويستعملها و يستفيد منها، تصرف الذي يفهمها استعماله لها.و أخيرا، أحب أن أؤكد لهم أن التجارب العلمية، أجمعت على أن النسيان يتطرق إلى ما فهمت بمقدار أقل بكثير من تطرقه إلى ما حفظته دون فهم.


و أن المعلومات التي تصبها في قوالبك الشخصية، و يتمثلها عقلك، تصبح ملكك الشخصي، بخلاف المعلومات التي تحفظها بنصها، و التي تشعر أنها أشبه ما تكون بالثوب المُعار.وقديما قيل ، الثوب المعار لا يدوم، و إن دام فإنه لا يشعر بالدفء.على أني لا أحب أن يفهم الطالب، أني أقول بعدم تغيب أي شيء.إن هذا أمر مستحيل طبعا، و غير مفيد حتما.إن ثمة دساتير و قوانين و أقوالا مأثورة و أشعارا و آيات لا غنى لك عن حفظها عن ظهر قلب.
19- اترك أوقاتا للراحة بين فترات الدرس.لنفرض أنك خصصت عشر ساعات لدراسة مادة لدراسة مادة من المواد، فكيف تصرف هذه الساعات العشر؟ هل تصرفها في جلسة واحدة تدوم عشر ساعات؟ أم الأفيد أن تقضيها في جلستين، مدة الواحدة منهما خمس ساعات، تفصل بينهما فترة راحة؟ أم الأحسن أن تقسمها إلى أقسام ثلاثة متساوية، تفصل بينها فترتان للراحة ؟ أم ماذا؟
الحق إن الجواب على هذا السؤال، يقتضي ضبط شروط عديدة، منها مثلا نوع المادة المدروسة، و منها سن الطالب الذي يدرس، و منها عاداته في الدراسة، و غير ذلك من العوامل.ولكن المبدأ السليم في كل حال من الأحوال، هو أن الأنسب أن تقسم الساعات العشر على عدد من الفترات.و أن طول هذه الفترات يجب أن يكون معتدلا و وافيا بالغرض، فلا يكون قصيرا بحيث لا يستطيع المتعلم أن يلم بجزء كامل من الموضوع، و لا يكون طويلا بحيث يبعث الملل و السأم في نفس الطالب.و بالمناسبة، أحب أن أذكر الطالب بحقيقة هامة جدا، و هي أن التعب يختلط أحيانا بالملل، فيخيل للطالب أنه تعب مع  أنه ملاّن لا أكثر و لا أقل.و معنى هذا، يكفي أحيانا أن يغير الطالب الموضوع الذي يدرسه، حتى يستعيد نشاطه و حيويته.
ثم إن هذه الفواصل- فواصل الراحة- تساعد على إنضاج ما تعلمناه، و تعاون في استقراره في النفس، و رسوخه في الذهن.أما إدخال المعلومات على المعلومات- لا سيما حين تكون من نوع واحد- فكثيرا ما ينتهي بالتشويش- كتشويش ذهن المتعلم- و يعيق التعلم بدلا من أن يساعد عليه.
20- اجعل مراجعاتك في فترات متقطعة.إن ما قلناه عن وجوب تخلل فترات الراحة أوقات الدرس، صحيح فيما يخص فترات المراجعة.و معنى هذا أنه من الأنسب للطالب أن يترك بين مراجعة و أخرى فترة من الزمن ، تستقر المعلومات خلالها في الذهن، و تثبت فيه.و من الحقائق الثابتة أن المراجعة الأولى، يجب أن تعقب الدرس بعد فترة قصيرة،ثم تتباعد فترات المراجعة، ذلك أن التجارب العلمية برهنت، بما لا يقبل الجدل، على أن النسيان إنما أكثر ما يحصل بعد الحفظ بفترة قصيرة، ثم تقل نسبته (أي نسبة النسيان) حتى تثبت.و لذلك كان من الأهمية بمكان عظيم أن تكون مراجعتك الأولى لما درسته ، بعد فترة قصيرة من درسه، لا تتجاوز اليوم الواحد،ثم تعود إليه بعد فترات أطول.هذا، و لا أنسى أن أشير إلى حقيقة أخرى، برهن علم النفس على صحتها، و هي أن مقدار النسيان يتناسب عكسيا مع مقدار إتقان الحفظ، فالذي يحسن الحفظ و يبالغ فيه، مبالغة معقولة، ينسى، في المعتاد، أقل من الذي يكون حفظه ناقصا، و تثبيته سطحيا.

الخميس، 21 مايو 2020



دروس الصفقات العمومية
(توقفت هذه الدروس،لأسباب خارجة عن إرادتنا..فاغتنمناها فرصة لإعادة صياغة بعض المباحث..بما فيه مصلحة الطلبة، طبعا..و ها نحن نعود لنواصل المسير..و بالله التوفيق)

المبحث الثالث :مبدءا حرية المنافسة والمساواة في معاملة المتنافسين
يعتبر مبدأ المساواة بين المواطنين ( أمام القانون، و أمام الوظيفة العمومية، و في الانتفاع و استعمال المرافق العامة، ..)، من المبادئ العامة المنصوص عليها في كل دساتير العالم، و مواثيق حقوق الإنسان العالمية و الإقليمية و المحلية، و في القوانين العادية و المعاهدات..إلخ.
و لقد تكرس هذا المبدأ في مجال الصفقات العمومية، و لم يعد يثير أي نقاش.بل امتد هذا الحق من المواطنين إلى كل الناس، حتى الأجانب، كما مرّ معنا في الفصل السابق.
فلقد أصبح تحقيق المساواة بين جميع المتنافسين الصفقات العامة، مهما كانت جنسياتهم، إحدى حقوق الإنسان التي تؤكد عليها وثائق الأمم المتحدة، و/ أو المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة أو  غيرها من المنظمات المهنية أو الجهوية الأخرى: كصندوق النقد و البنك الدوليين، و منظمة التجارة العالمية، و غرفة التجارة الدولية، و منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية (OECD)..و غيرها.
و هذا المبدأ لا يمكن أن يتحقق في الواقع، إلا إذا تحقق إلى جانبه مبدأ آخر، ألا و هو مبدأ "حرية المنافسة"، أو " حرية الولوج إلى الطلبية العمومية":فيجب أن يكون هناك أولا حرية في التنافس، ثم بعد ذلك نحرص على تحقيق المساواة بين المتنافسين، أما إذا أغلقت المنافسة في وجه البعض دون البعض الآخر، ففي ذلك اعتداء على مبدأ المساواة،أولا، بالإضافة إلى ما يعنيه ذلك من " السعي" لتحقيق مساواة صورية"، بين "متنافسين" قد لا يكونوا مؤهلين للتنافس أصلا، مما يلحق ضررا كبيرا بالطلبية العامة.
و من هنا، فنحن نرى أن مبدئي " حرية المنافسة أو حرية الولوج إلى الطلبية العامة" و مبدأ" المساواة في معاملة المتنافسين"، مبدئين متكاملين، بل هما وجهان لعملة واحدة، و الحديث عن أحدهما يكاد يغني عن الآخر.
و المشرع المغربي، على غرار الكثير من المشرعين، اعتبر أن التنافس على نيل الصفقات العمومية يجب أن يؤسس على المنافسة الحرة في أوسع أوجهها، بين متنافسين متساوين في الولوج إلى الطلبية العمومية، و من ثم في المعاملة التي ينبغي أن يحظوا بها من طرف  الإدارة صاحبة الصفقة.
و من خلال هذا المنظور الذي يتوخى تنظيم الصفقات العمومية، بوساطة المنافسة الواسعة، مع ضمان المساواة بين المترشحين (المتنافسين)، و احترام التوازن في العلاقات بينهم و بين الإدارة ، صارت قوانين الصفقات العمومية، بما فيها القانون المغربي، تتضمن مقتضيات تضمن إشراك أكبر عدد ممكن من المتنافسين المعنيين بالصفقة، مع طمأنتهم بأنهم سيعاملون على قدم المساواة؛ ليس فقط لأن ذلك تفرضه المبادئ العامة للقوانين في الدول المتحضرة،بل لأنه أيضا يصب في مصلحة للإدارة نفسها؛إذ يوفر لها الفرصة لاختيار أفضل العروض الممكنة( أو المتاحة في السوق:في مكان و زمان معينين).
لكل هذه الأسباب، لم يعد مستساغا و لا مقبولا أن يستبعد المشتري العمومي (الإدارة)، أي شخص طبيعي أو معنوي (عام أو خاص، وطني أو أجنبي)، يتقدم للمشاركة في صفقة عمومية، دون سبب شرعي ينص عليه القانون.و هذا ما استقرت عليه القوانين المعاصرة، بل هو ما استقر عليه القضاء الإداري أيضا، الذي صار يؤكد على :
1- يجب على المشتري العمومي( الإدارة)، أن يوفر أجواء الحرية، التي تسهل على المتنافسين ولوج الطلبيات العمومية: و يندرج ضمن هذا المبدأ، عدم أحقية صاحب المشروع(Le maitre d'ouvrage)،في أن يمنع مقاولة من المقاولات، في ولوج الطلبية العامة، لمجرد نزاع بينهما، اللهم إلا إذا كان ذلك النزاع قد ترتب عنه المنع المؤقت أو الدائم للمقاولة، من طرف السلطة المختصة (تطبيقا لمقتضيت المادة 138)؛
2- يجب على المشتري، تحقيق المساواة، بين جميع المتنافسين، أمام الشروط التي تطلب الإدارة استيفاءها للمشاركة في التنافس على صفقة عمومية، و من ثم نيلها:فلا يمنح أحد المتنافسين امتيازات أو تسهيلات أكثر من الآخري،فلا يسمح له مثلا أن يقدم ملفا للترشح غير مستوف للشروط، أو يقدم هذا الملف خارج الآجال، أو يسمح له بتعديل عرضه بعد فتح الأظرفة، أو ما شابه ؛
3- إن الشروط التي يضعها المشتري العمومية، يجب أن تكون قانونية، بل ويجب أن تجد تبريرها في موضوع الصفقة:فطبيعة الصفقة، قد تسمح لصاحب المشروع، أن يجعل عدد المتنافسين محدودا؛
4- و من ثم فإن الشروط التي يضعها المشتري العمومي، المبالغ فيها أو التي تستهدف إبعاد بعض المترشحين،بدعوى عدم توافرهم على مؤهلات مهنية معينة أو قدرات تقنية، مثلا،يلغيها القاضي الإداري؛
5- و بالتالي،فإذا توافرت الشروط في المتنافس،أيا كان، امتنع على الإدارة إعمال سلطتها التقديرية في استبعاده من الصفقة:بمعنى أن تقدير مؤهلات المترشحين لنيل الصفقة، لا تتم إلا على أساس الوثائق التي تتضمنها ملفاتهم فقط، و من ثم فتفضيل أحد أو بعض العروض على بعض، لا يم إلا على أساس المقترحات المضمنة في كل عرض.
هذا إذا نظرنا إلى المساواة من الناحية القانونية،التي تقضي بأن تكون الإدارة على مسافة واحدة، من جميع المترشحين، حتى تتاح لهم ، على قدم المساواة، حظوظا و فرصا متساوية، للولوج إلى الصفقة، و نيلها.
 و هناك اعتبارات أخرى اقتصادية ، تشجع، لا شك، على الأخذ بمبدأ المساواة،و تتعلق بالاستعمال الأمثل للمال العام؛إذ لا يمكن بلوغ أفضل النتائج في استعمال المال العام؛ إلا إذا شُرِّعت الأبواب على مصراعيها ، أمام جميع المتنافسين على قدم المساواة، مهما كان أصلهم ، حتى يشاركوا بعروضهم: فبهذه الطريقة،يصبح صاحب المشروع ملما بظروف العرض كلها، و بالثمن الذي يطلبه مختلف البائعين،هذا من جهة. و من جهة أخرى، فإن المتنافسين المعنيين بالصفقة، يصبحون كلهم، أو معظمهم، في ظل هذه المنافسة المفتوحة، على علم بكل الطلبيات العمومية التي تهمهم، و بالأثمان التي قد تدفعها الإدارات العمومية للحصول عليها، فيضعون الخطط للاستفادة منها ( في الحال، أو في المستقبل).
و لتحقيق منافسة فعالة، من هذا النوع، نص المرسوم بمثابة قانون تنظيمي للصفقات العمومية،على حزمة من الإجراءات من أهمها:
أ- من حيث المبدأ العام ( المادة 24)، يحق لكل شخص طبيعي أو معنوي، أن يشارك بصفة صحيحة و أن ينال الصفقة العمومية، في إطار المساطر المقررة في القانون، إذا هو أثبت توفره على المؤهلات التقنية، و المالية، المطلوبة لذلك.و كان، بالإضافة إلى ذلك ،في وضعية قانونية سليمة إزاء إدارة الضرائب، و إزاء هيئات الضمان الاجتماعي.و لم يكن في حالة تصفية أو تسوية قضائية ( ماعدا في حالة ترخيص خاص)، أو في حالة إقصاء إداري[1]  أو قضائي (مؤقت أو نهائي)[2]؛
ب- لقد حرص المشرع على إشراك كل المترشحين للصفقات، على قدم المساواة، و يتجلى ذلك من خلال حرصه على الإعلان عن الصفقات بكل السبل المتاحة، حتى يعبئ كل الطاقات الممكنة: فنص على ضرورة الإعلان عنها في عدد من الجرائد( و على رأسها الجريدة الرسمية )، و في البوابات( المنصات) الإلكترونية، و في الدوريات(مجلات..) و النشرات المتخصصة، و بأية وسيلة أخرى للإشهار ( المادة 20)؛
ت-كما أنه من بين الوسائل التي استحثها مشرع مرسوم 2013،في مجال تحسين المنافسة، آلية " طلب إبداء الاهتمام"..و التي تمكن صاحب المشروع من معرفة المتنافسين المحتملين قبل الشروع في الدعوة إلى المنافسة:و بالتالي يمكن للإدارة أن توسع مجال التنافس، و بالتالي تستفيد من كل الفرص و الخيارات و الإمكانيات المتاحة في السوق المحلي أو الوطني أو الدولي،حسب الأحوال؛
ث-كما أن القانون ألزم صاحب المشروع بأن يحدد الأسس الموضوعية التي على أساسها سيتم اختيار " نائل الصفقة" ؛ بطريقة محايدة و موضوعية( حتى لا يتم وضعها على مقاس أحد المتنافسين، أو إخدى العروض..). و ألزمه ، كذلك، بالإعلان عن هذه الأسس أو المعايير، منذ البداية ( في الإعلان، أو نظام الاستشارة،أو دفتر التحملات الخاص بالصفقة..) و بذلك تكون هذه الأسس و المعايير معروفة سلفا عند جميع المتنافسين، دون تمييز بينهم:ففي الصفقات من نوع " طلب العروض المفتوح"، مثلا، يكون صاحب المشروع مطالبا بوضع " نظام للاستشارة"، يبين فيه "..على الخصوص ، من ضمن ما يبين، مقاييس قبول المتنافسين و إسناد الصفقة، و يجب أن تكون هذه المقاييس موضوعية و غير تميزية، و متناسبة مع محتوى[ موضوع] الأعمال[ أشغال، أو توريدات، أو خدمات].."( المادة 18)( و يحق لكل مترشح يرغب في التنافس لنيل الصفقة، الحصول على نظام الاستشارة، و الاستفسارة عن كل مسألة واردة فيه..)؛
ث- و يدخل في هذا السياق أيضا، الحياد الذي يجب أن يتحلى به صاحب المشروع، عند تحديد مواصفات و خصائص المشتريات ، التي يريد اقتناءها، إذ يجب أن يتجنب الإشارة إلى أي نوع، أو صنف بعينه ( من السلع أو المعدات أو التجهيزات..)، أو يحدد علامات تجارية، أو يشترط مواصفات لا تنطبق إلا على علامات( ماركات) تجارية معينة[3].يقول المشرع( المادة 5):"..يجب ألا تشير المواصفات إلى أية علامة تجارية أو إحالات على مصنف مواد أو تسمية أو براءة أو مفهوم أو نوع أو مصدر أو منتجين معينين إلا في حالة عدم وجود أية وسيلة أخرى كافية الدقة و الوضوح لوصف مميزات الأعمال المطلوبة، و بشرط أن تكون التسمية المستعملة مقرونة بعبارة أو ما يعادلها.."؛
ج- و إذا كان صاحب المشروع، من حيث المبدأ، حر في اختيار طريقة إبرام الصفقة، إلا مرسوم 2013،  قيد من هذه الحرية، وجل اللجوء إلى المساطر الاستثنائية(كالمسطرة التفاوضية) أمرا صعبا، حفاظا على حرية المنافسة؛
ح- و في إطار تحقيق المساواة بين المتنافسين، ألزم المشرع صاحب المشروع بأن يوفر للمتنافسين المعلومات على قدم المساواة، في كل مراحل إعدادهم لعروضهم.فكل معلومة أو توضيح، يقدم إلى أحد المتنافسين- بطلبه- يجب أن يُبلّغ إلى باقي المتنافسين ( و هذه جزئية أشرنا إليها في المبحث السابق، لأن ذلك هو مكانها المناسب، و لكنها خليقة بأن تذكر هنا أيضا لعلاقتها بالموضوع).
و مع كل هذا، إلا أنه لا يجب أخذ مفهوم حرية المنافسة، أو مبدأ المساواة بين المتنافسين، بمعناه المطلق، إذ أن المشرع حد من هذه الحرية، و أخذ بمفهوم " التمييز الإيجابي أو التفضيلي"(La discrimination positive)، لفائدة بعض المقاولات الوطنية، لاسيما الصغرى و المتوسطة:
 1- ففي إطار جعل الصفقات العمومية رافعة استراتيجية للتنمية،جاء مرسوم 2013، بمجموعة من الإجراءات الداعمة للمقاولات  الصغرى و المتوسطة، لتشجيعها على ولوج الطلبيات العمومية، و ذلك من خلال التنصيص على تخصيص(20% ) من الاعتمادات المالية المتوقع إنفاقها في الصفقات العامة، كل سنة مالية، لفائدة المقاولات الوطنية المتوسطة و الصغيرة( المادة 156).ليس هذا فقط،بل لضمان هذا التخصيص ، فقد فرض على صاحب المشروع، أن يحدد بالضبط، في البرنامج التوقعي السنوي، الصفقات التي سوف يخصصها للمقاولات الصغرى و المتوسطة .و أن يؤكد كل ذلك، من خلال مضمون الإعلان عن طلب المنافسة  و كذا نظام الاستشارة، أن الصفقة مخصصة للمقاولات الصغرى و المتوسطة( و من ثم،يصبح المتنافسون ملزمون أن يبيون في الوثائق التي يدلون بها ، انهم استوفوا هذا الشرط)[4].
2- من الأمثلة الأخرى التي يمكننا أن نسوقها هنا، للتدليل على نسبية " مبدأ المساواة أو حرية المنافسة"، التمييز التفضيلي الذي يسمح به القانون لفائدة المقاولات الوطنية، في حدود معينة.و بالفعل،فلقد منح المشرع المغربي بمقتضى (المادة155)، للمقاولة الوطنية حق الأفضلية على المقاولات  الأجنبية، و ذلك في الصفقات المتعلقة بالأشغال و الدراسات المرتبطة بها:فعندما تلاحظ لجنة طلب العروض أو لجنة المباراة، أن العرض المقدم من مقاولة مغربية يتساوى من حيث المواصفات المطلوبة،مع مقاولة أجنبية،تعطى الأفضليية للعرض المغربي، و ذلك بإضافة نسبة لا تتعدى( 15%) إلى مبلغ العرض الأجنبي[5]؛فيصبح بذلك العرض الأجنبي أكبر كلفة- و كأن المقاولة الأجنبية أضافت إلى الثمن الذي تطلبه لإنجاز الصفقة( 15%) من الثمن الأصلي المقترح[6]. و لا شك أن هذا يتنافى مع مفهوم حرية المنافسة، و مبدأ المساواة أمام الطلبية العمومية كذلك، إلا أن الكثير من القوانين تسمح بهذا الإجراء لتشجيع المقاولات الوطنية،و مساعدتها على ولوج للصفقات العمومية،في إطار نوع من إعادة التوازن بين كفتي المقاولة الوطنية و الأجنبية ، و تشجيع استهلاك المنتوج الوطني..و محاربة البطالة..إلخ.



[1]  تضع الإدارة "قوائم سوداء"، بأسماء بعض المقاولات الفردية أو الشركات، التي سبق لها نيل صفقة من الصفقات، و لم تحترم التزاماتها؛ و بالتالي تقرر عدم التعامل معها في المستقبل، و لا تفسح لها المجال للمشاركة في المنافسات على الصفقات التي تنوي إبرامها.
للاسف أن كل إدارة( وارة، أو مؤسسة عمومية، أو جماعة محلية)، تضع قوائم خاصة بها، في حين ينبغي التنسيق بين مختلف الإدارات، و تبادل المعلومات، لمحاصرة هذه المقاولات " الخارجة على القانون"، و القضاء عليها، و في ذلك، لا شك، حماية للمال العام، و تخليق للأجواء المحيطة بالصفقات العمومية.
[2]  و إن كان المترشح مهندسا، يرغب في الترشح لنيل صفقة من صفقات الهندسة المعمارية، فيجب ألا يكون قد صدر في حقه عقوبة سحب الترخيص أو عقوبة توقيف مزاولة المهنة ( المواد 96 و ما بعدها).
[3]  حتى لا يتم " تفصيل" تلك المواصفات و الخصائص على ما يعرضه أحد المتنافسين في ملفه ( الذي قد يكون متواطئا مع أحد المسؤولين أو أكثر، من السياسيين أو الإداريين، الذين لهم سلطة على إسناد الصفقة)
[4]  كما منح المشرع المغربي لصاحب المشروع إمكانية التنصيص في نظام الاستشارة أو في دفتر الشروط الخاصة، على إلزام المقاولة الأجنبية نائلة الصفقة،إذا قررت الاستعانة بمقاولة أخرى لإنجاز جزء من الصفقة، في إطار التعاقد من الباطن، باختيار مقاولة صغرى أو متوسطة وطنية( سنتحدث عن التعاقد من الباطن، في سياق حديثنا عن التنفيذ).

[5]  هذه النسبة يجب أن تحددها الإدارة صاحبة الصفقة، في نظام الاستشارة المتعلق بإبرام الصفقة.و في حالة عدم ذكر هذه النسبة في نظام الاستشارة، فإن المسطرة تتم دون أي تمييز تفضيلي لمصلحة المقاولات الوطنية (المادة 155).
[6]  هذه النسبة تطبق على حصة المقاولة الأجنبية، حتى في حالة مشاركتها في الصفقة، في إطار تجمع مع شركات أو مقاولات وطنية (المادة 155).

كيف تدرس؟ أفضل الطرق للحفظ، بحفظ الكل، و باستعمال الذاكرتين البصرية و السمعية،و الحفظ بصوت عال، و الاستعانة بالربط بين الدروس

كيف تدرس؟ أفضل الطرق للحفظ، حفظ الكل، و باستعمال الذاكرتين البصرية و السمعية،و الحفظ بصوت عال، و الاستعانة بالربط بين الدروس

كيف تدرس؟
(الجزء الثالث)
11- الجأ في الدرس و الحفظ إلى طريقة الكل، لا إلى طريقة الأجزاء، و معنى هذا أن تلجأ حين تدرس موضوعا من المواضيع، إلى قراءته كله، و فهمه بمجموعه.ثم تحفظه، حين تحفظه، بكليته دفعة واحدة.لنفرض أنك تحاول حفظ قصيدة من القصائد.ابدأ أولا بقراءتها كلها، و فهم معانيها، و إدراك أجزائها.و لنفرض أنها تبدأ بالغزل، ثم تنتقل إلى الفخر، و تنتهي ، أخيرا، بالهجاء.و حينئذ أنصحك بألا تحفظها على الطريقة القديمة، و ذلك بأن تحفظها شطرا شطرا، ثم بيتا بيتا؛ بل أنصحك بأن تحفظ القسم الغزلي بكامله دفعة واحدة، و كذلك القسم الفخري و الهجائي[ وحدة الموضوع تخلق روابط بين الأبيات]،بشرط ألا تكون هذه الأقسام أطول من اللازم:و لقد برهنت البحوث العلمية بأجمعها، على أن هذا النوع من الحفظ، أكثر اقتصادا في الوقت و الجهد.كما برهنت على أنه أبقى في الذهن و أثبت في الذاكرة.و إذا كان الأمر صعبا عليك بعض الشيء، فيما يخص الاستظهار[الحفظ عن ظهر قلب]،و ذلك على اعتبارك قد اعتدت هذا النوع من الحفظ في الماضي، فحاوله في الدروس الأخرى، حاوله في كل المواضيع التي تحتاج للحفظ، حاول أن تحفظ هذه المواضيع، بكليتها لا بأجزائها، و ستجد حتما؛ أن هذه الطريقة أكثر فائدة و أجدى عائدة.
كيف تدرس؟ أفضل الطرق للحفظ، بحفظ الكل، و باستعمال الذاكرتين البصرية و السمعية،و الحفظ بصوت عال، و الاستعانة بالربط بين الدروس
المرحوم أ.د.فاخر عاقل(1918-2010)

12- طلبت إليك [ في ] نصيحة سابقة أن تربط بين الدرس الحاضر و الدروس السابقة، كما طلبت إليك أن تربط بين أجزاء الدرس الواحد، أما الآن فنصيحتي أن تكون الروابط التي تلجأ إليها من النوع الذي يفيدك في المستقبل.و معنى هذا، أن تلجأ أولا إلى الروابط الطبيعية المنطقية[ التي تجدها في الطبيعة ] ما أمكن، و أن تقلل الروابط الاصطناعية ما وسعك ذلك.و معناه، بعد ذلك، أن تستهدف في الروابط التي تلجأ إليها الحياة عامة، و الحياة المدرسية [الجامعية..] خاصة، و أن تأخذ بعين الاعتبار هاتين الحياتين و مطالبيهما.لنفرض أنك تدرس الفيزيولوجيا[ علم وظائف الأعضاء]، و لنفرض أنك تدرس إحساسا كالبصر؛ يجب أن تعلم أولا، أنه لا بد لكل إحساس من جوابذ أو خلايا عصبية حسية تتلقاه،ولا بد له ، بعد ذلك، من أعضاء تنقله، ولا بد أيضا من مركز في الدماغ، و أخيرا، ولا بد له من نابذ أو عضو حركة، يقوم برد الفعل.اربط إذن بين إحساس البصر، و بين القاعدة العامة [ التي تحدث عنها المؤلف للتو:لكل إحساس جابذ..و نابذ]، و تساءل ما هو الجابذ البصري و أين يوجد؟ إنه خلايا حسية موجودة في القرنية العينية.فما هي القرنية؟ و ماذا يحيط بها و يتصل من طبقات و أنسجة؟ و هناك بعد ذلك العصب البصري، فما هي صفاته؟ و هناك المركز البصري على القشرة الدماغية، ففي أي عضو هو؟..إلخ.و هناك، أخيرا، استجابتنا للمؤثر الضوئي، فكيف تحدث؟ و ما هي أجزاء العين التي تستخدم في هذه الاستجابة؟ و حاول، بعد ذلك- و أنت تدرس العين- أن تتلفت حولك، فترى عينيك و عيون الناس، و تستعين بعيون الحيوانات، ثم حاول ، أخيرا، أن تطبق دراستك على الحياة ، مستفيدا من دراستك في فهم آلية عينك و العناية بها.
13- حاول أن تكون روابطك عديدة متنوعة.إن تعدد الروابط و تنوعها مفيدان في التذكير، فإذا نسيت واحدا من هذه الروابط عدت إلى غيره، فساعدك على تذكر ما نسيت و إيضاح ما غمض عليك.و لنعد إلى مثلنا السابق، مثل دراستك العين، إن بإمكانك ألا تقتصر في دراسة العين على القواعد العامة التي تعرفها للحواس المختلفة، بل تضيف إلى ذلك ما تعلمته في الضوء، ولاسيما فيما يخص العدسات و آلات التصوير؛ ذلك أن العين تشبه آلة التصوير تماما. و دراسة العدسات و أنواعها، أساسية لفهم آلية العين في احددابها و تفلطحها ، لاستقبال النور الشديد أو الضعيف.ولا شك أن ربطك لمعلوماتك عن الضوء بدراستك للعين، مفيد في إيضاح الاثنين معا.كما أنه مفيد بتذكيرك بالحقائق الضرورية لك، و الخاصة بالعين.
14- كرر ما تريد حفظه بصوت عال، فإذا صح أن القراءة الصامتة أسرع و أكثر اقتصادا في الوقت و الجهد من القراءة الجهرية، فإنه صحيح ،لاشك فيه، أن القراءة الصامتة أقل فائدة في الحفظ و الاستظهار من القراءة الجهرية.و السبب في ذلك بسيط معقول، و هو أن القراءة الجهرية تشرك في الحفظ حاسة السمع، فتساعد بذلك على تثبيت المعلومات و إبقائها في الذهن مدة أطول و بشكل أضبط.و ليس هذا فحسب، بل إن عليك أن تُسمع نفسك ما تريد حفظه ،بصوت عال أيضا.
كيف تدرس؟ أفضل الطرق للحفظ، بحفظ الكل، و باستعمال الذاكرتين البصرية و السمعية،و الحفظ بصوت عال، و الاستعانة بالربط بين الدروس

إن بعض طلابنا يعتقدون أنه يكفي أن يستعرضوا في ذهنهم الفكرة أو الأفكار التي درسوا، حتى يحفظوها ، ولكنهم لا يكادون يحاولون تسميعها فعلا، حتى يجدوا أنها طارت من ذهنهم، ورد ذلك إلى أنهم لم يتمرنوا على تسميع ما يريدون بصوت جهوري عال.
15- استخدم ذاكرتك البصرية في الحفظ، يقول علماء النفس إن ثمة أنواعا من الذاكرة البصرية، و فيها يكون المعول على العين، و الذاكرة السمعية و تستخدم الأذن،ثم الذاكرة الشمية و الذوقية و الحركية و غيرها من الذاكرات.كما يقول علماء النفس، إن بعض الناس ميال للاعتماد على بصره أكثر من حواسه الأخرى، في حين أن البعض الآخر نزّاع للاعتماد على سمعه، و هكذا.
ثم يقولون بأن العين هي العضو الأهم، و أن فائدتها بالنسبة لمجموع الناس أكثر فائدة من الحواس الأخرى، و أن نسبة استخدامها أكبر من نسبة استخدام غيرها من الحواس.هذا رغم إجماعهم على أن الغالبية العظمى من الناس تعتمد على مجموع حواسها أكثر من اعتمادها على حاسة بعينها.و الملحوظ أن بعض الطلاب يعتمدون على الذاكرة السمعية أكثر من اللازم، و يهملون الاستفادة من ذاكرتهم البصرية، و لذلك فإننا نراهم عاجزين عن حفظ ما يريدون حفظه، إلا إذا رددوه بصوت عال و (سمّعوه لأنفسهم) على حد تعبيرهم.و لعل الأنكى من ذلك، أن أمثال هؤلاء الطلاب، يعجزون عن الاستفادة مما حفظوا، كما يعجزون عن تطبيقه إذا لم يرددوه بصوت مرتفع.و إني، و إن كنت لا أنكر قيمة الذاكرة السمعية،و لا أقول بعدم الاستفادة منها، لأدعو إلى استخدام الذاكرة البصرية، و الاستفادة منها، و الاعتماد عليها،و تعوّد القراءة الصامتة، و ترديد الأفكار أو الألفاظ في النفس،لاسيما و أن العلم قد برهن، بما لا يقبل الجدل، على أن القراءة الصامتة أدعى للفهم و الحفظ و التذكر، و أكثر اقتصادا في الجهد المبذول، و الوقت المصروف.
و إذن، اعتمد على عينيك، و على ذاكرتك البصرية، و ليكن جل اعتمادك عليهما، ولكن لا تتأخر عن الاستعانة بأُذنك و ذاكرتك السمعية، حين يكون ذلك ضروريا، و حين تريد المبالغة في الحفظ 
و الاطمئنان إلى التذكر.
***
و إلى اللقاء مع الجزء الرابع و الأخير، قريبا..إن شاء الله تعالى.

كيف تدرس؟ تعلم كيف تستدعي المعلومات من الذاكرة، و كيف تقرأ بغرض الفهم و الحفظ، و تعلم كيف أن التركيز أثناء القراءة يساعد على الفهم و الحفظ بأقل الجهود و في أقصر وقت


كيف تدرس؟ تعلم كيف تستدعي المعلومات من الذاكرة، و كيف تقرأ بغرض الفهم و الحفظ، و تعلم كيف أن التركيز أثناء القراءة يساعد على الفهم و الحفظ بأقل الجهود و في أقصر وقت

كيف تدرس؟
(الجزء الثاني)
6- اربط بين ما تحفظ و ما يساعدك على استدعائه و تذكره.و لتكن الروابط التي تلجأ إليها منطقية معقولة.إن بعض طلابنا يحفظون كثيرا من الحقائق، و لكنهم لا يعملون ، قاصدين واعين، على ربطها بما يساعد على تذكرها، فتكون النتيجة أن يعفي النسيان عليها، و أن تضيع جهود الطالب، و أن يتسرب إلى نفسه الشك في ذاكرته، مع أن السبب البسيط هو أن الطالب لم يعمل على بطها بما يذكره بها.لنفرض أنك تحفظ ارتفاع جبل من الجبال، فقارنه[اربطه] بجبل آخر،و أحفظ- إلى جانب حفظك مقدار علوه- مقدار زيادته في العلو في جبل آخر أنت متأكد من حفظك لعلوه.و لنفرض أنك تحفظ تاريخ موقعة حربية، فاربطها بموقعة حربية أخرى، و اذكر أنها وقعت بعدها أو قبلها، بكذا من السنين.و لنفرض أنك تحاول حفظ بعض الحقائق عن نبات، فاربطه ، إذن، بفصيلته، و قارنه بها، و تذكر وجوه شبهه بها، و وجوه اختلافه عنها.
7- ثق بذاكرتك.إن ثقتك بذاكرتك، و اعتمادك عليها، جديران بأن يساعداها في عملها،حريان بأن يثبتا الحقائق فيها، و أن يعيناها على تقديم هذه الحقائق حين الطلب.إن الكثيرين منا لا يثقون بذاكرتهم، و لا يعتمدون عليها، فيعمدون إلى كثرة الحفظ، و تكرار التعلم، فيتعودون عدم الحفظ، إلا إذا لجأوا إلى التكرار الكثير.و ليس هذا فحسب، بل إن عدم الثقة هذا، معناه استعداد مسبق للنسيان، أو عدم الحفظ.و هنا لا بد لب من التنبيه إلى أن حفظ الدروس و تذكرها، يخضع للعادة و قوانينها، خضوع غيرها.فإذا اعتاد الإنسان أن يحفظ من قراءة إلى قراءتين، و ثابر على ذلك، ساعدته عادته هذه  على التقليل من مرات التكرار في المستقبل، و أعانته على تذكر المضمون بجهد أقل.ولا بد لي ،بعد ذلك، من الإشارة إلى أهمية عامل الثقة، في عامة الشؤون المتصلة بالدرس و التسمّيع.إن الطالب الذي يثق بنفسه و قدرته و ذاكرته و كفاءاته، طالب مكتوب له أن ينجح، و أما الطالب الخائف و المتردد، الذي لا يثق بنفسه و قدرته و كفاءاته، فطالب محتوم عليه أن يفشل مهما درس و حفظ و جاهد.
8- اقرأ بغية أن تحفظ و أن تذّكر.يتخذ بعض الطلاب من الدروس موقفا فيه كثير من اللامبالاة. إنهم يقرؤون دروسهم قراءتهم لرواية أو مجلة، و إذا صحّ أن في قراءة المجلة لذة و متعة، فإنه صحيح أيضا أن الإنسان لا يقرأ الرواية ليحفظها و يذّكرها- إلا في أحوال نادرة-، و لا يتصفح المجلة بنيّة أن يحتفظ بما فيها، و يستخدمه في المستقبل.و إنما يقرأ الرواية للتسلية، و يتصفح المجلة لتمضية الوقت.و ليس هذا هو الحال بالنسبة للدروس التي يجب أن يقرأها الطالب ليحفظها و يتذكرها، و يستفيد منها في حياته المقبلة.
هذا، و أحب أن أنبّه هنا، إلى أن الفرق الموجود بين مجرد الفهم من جهة، و الحفظ و التذكر من جهة أخرى.نعم إن الفهم أساسي و ضروري في الحفظ و التذكر، و لكن الفهم غير كاف وحده للحفظ و التذكر، و لا بد للمتعلم من أن يبذل جهدا إضافيا كي يحفظ و يتذكر في المستقبل.إذن، اقرأ لتفهم أولا، و إذا فهمت، قرأت لتحفظ ثانيا، و لكي تحتفظ بما حفظت للمستقبل، فتذكره عند الحاجة ثالثا.
9- و يتصل بالنصيحة السابقة، نصيحة أخرى، و هي:حاول الحفظ و التذكر و أنت تدرس.معلوم أن بعض طلابنا، يعتقدون أن مجرد القراءة و التكرار، كفيلان بالتثبيت و التذكر.و الواقع، أن هذا خطأ، فلا يكفي أن تقرأ كي تحفظ، كما لا يكفي أن تحفظ كي تتذكر.إن عليك، و أنت تقرأ، أن تقف عند الأفكار الرئيسية ، و تعمل على تثبيتها في ذهنك.ثم تستعيدها، لترى ما إذا كنت قد حفظتها، ثم تعود إليها بعد حين، و في فترات متقطعة، لتجد[ لتفحص] ما إذا كنت تتذكرها.أما إذا اعتمدت على مجرد التكرار، تكرار القراءة، فإنك لن تحفظ و لن تذّكر.
10-ولا بد لك حين تقرأ، لكي تحفظ و تتذكر، من أن تركز انتباهك حول ما تقرأ.بل لا بد لك من أن تكون تحت توتر نفسي عال مركّز، حول الموضوع الذي تحاول حفظه و تذكره.إن قراءة منتبهة واحدة، خير من عشرات القراءات اللاهية،يقوم بها قارئ مشتت الذهن، موزّع الانتباه.و الحق إن الانتباه، قادر على توفير وقتك و جهدك، و لعله يهمك أن تعلم أن الدراسات العلمية الحديثة، أجمعت كلها على أن الانتباه، و القدرة على تركيزه حول موضوع معين، عامل من أهم عوامل الذكاء، و دعامة من أصح دعائمه.
هذا، و أحب أن أؤكد لك أن السبب في أن بعض الطلاب، تكفيهم قراءة أو قراءتان للحفظ و التذكر، في حين يحتاج البعض الآخر لعدد عديد من مرات القراءة، لحفظ أسوأ و تذكر أقل، أقول إن السبب هو تركيز الأولين انتباههم و قراءتهم، و هم تحت توتر نفسي عال، و شرود ذهن الآخرين، و التهاؤهم عما يقرؤون ، بتداعيات أفكار و أحلام يقظة، تبتعد بهم عن غاياتهم.
***
و إلى اللقاء مع الجزء الثالث..قريبا إن شاء الله.

الأربعاء، 20 مايو 2020

كيف تدرس؟ ابدأ بتكوين فكرة عامة عن مضمون المادة الدراسية،ثم انتقل بعد ذلك إلى دراسة أجزائها، معتمدا على الفهم أولا أكثر من الحفظ، و مستعينا بربط الأجزاء بعضها ببعض في إطار رؤية شاملة للمادة الدراسية

كيف تدرس؟ ابدأ بتكوين فكرة عامة عن مضمون المادة الدراسية،ثم انتقل بعد ذلك إلى دراسة أجزائها، معتمدا على الفهم أولا أكثر من الحفظ، و مستعينا بربط الأجزاء بعضها ببعض في إطار رؤية شاملة للمادة الدراسية

كيف تدرس؟
هذا المقال ، في كيفية الدراسة،مفيد جدا للتلاميذ و الطلبة، و لجميع طلاب العلم مهما كان مستواهم.كنت قد بدأت تلخيصه ؛لأنشره في هذه المدونة، منذ  عدة سنوات، إلاّ أن ظروفا حالت دون إتمام ذلك التلخيص و من ثم النشر.و هاأنذا أنشره اليوم كاملا،دون تلخيص..لأني رأيت أنه قد يكون من الأفيد، نشره كما جاء في الأصل- مع بعض الإضافات و الشروحات هنا و هناك،موضوعة بين قوسين معقوفين- حتى تكون فوائده أهم و أعم.
و أهمية هذا المقال، لا تأتي من مضمونه القيم و المتميز فقط، بل  تأتي أيضا من المكانة العلمية، و الخبرة العملية لمؤلفه... المرحوم الدكتور فاخر عاقل.
و الدكتور عاقل (1918-2010)، لمن لا يعرفه،هو عالم نفس سوري، و مربي، و أستاذ جامعي كبير.كان أستاذا لعلم النفس التربوي في جامعة دمشق،و عمل أيضا أستاذا لعلم النفس في عدد من الجامعات العربية.و لقد أثرى المكتبة العربية، بمؤلفات تربوية( كتبا و مقالات و مداخلات..) قيمة عديدة(من أهمها أول معجم لعلم النفس، باللغة العربية)(تجد نبذة عن سيرة حياة هذا العالم، في موسوعة وكيبيديا).
و المقال الذي نحن بصدده ، طويل نسبيا، يتضمن عشرين نصيحة.سننشره في أربعة أجزاء،كل جزء يتضمن خمسة نصائح؛ و أرجو قرائي الأعزاء- بل ألح عليهم - أن يقرؤوا الأجزاء كلها..فلن يندموا على ذلك.
و حتى لا أطيل..وأجعل الطويل أطول مما ينبغي، أقف عند هذا الحد لأتمنى لكم قراءة مفيدة و ممتعة، إن شاء الله.
***
كيف تدرس؟
هذا المقال كتبته قبل ربع قرن بطلب من طلابي و معارفي، و أعيد اليوم نشره [2007]، بناء على طلب من الصديق رئيس التحرير [مجلة المعرفة [1]]، لأن الحاجة إليه ماسة.و أرجو أن يجد القراء فيه نفعا يبرر نشره.
كما أرجو أن يرى القارئ فيه النصائح العلمية التي تساعد على كيفية الدرس.
***
1- ابدأ بإلقاء نظرة عامة على الدرس، تطلع بواسطتها على مخطط البحث[ المادة الدراسية]، و على أجزائه المختلفة، و موقع كل جزء من هذه الأجزاء، و علاقته بالأجزاء الأخرى.إن هذه النظرة العامة، تُطلعك على مجمل الدرس[ المادة الدراسية]، و تعطيك فكرة عن ترتيبه و نظامه، و عن موضع الأفكار الخاصة، و الأقسام الثانوية، و عن الصلة القائمة بين كل قسم و القسم الذي يسبقه، و القسم الذي يتلوه.و قد درجت بعض الكتب المدرسية، على إثبات هذا المخطط في مطلع الدرس، و هي عادة حسنة مفيدة، تساعد التلميذ في دروسه، و تعينه على الفهم.فإذا كان في كتابك مثل هذه المخططات، فانظر فيها، و اخرج منها بفكرة عن الدرس.
و بديهي أن أشير هنا إلى أن المقصود من هذه المخططات، هو إعطاؤك هذه الفكرة الكلية ، لا أكثر و لا أقل، و ليس المقصود منها إطلاقا حفظها و الاكتفاء بها، و الاعتقاد بأن في الإمكان أن تعتبرها هيكلا عظميا يكسوه الطالب باللحم من عنده.إن هذا الاعتقاد خاطئ، و إن هذه الطريقة لا تساعد على الدرس، و فهم الدرس إطلاقا.
2- و بعد أن تكوّن فكرتك العامة عن الدرس، الذي بين يديك، انتقل إلى دراسة الأجزاء، جزءا جزءا، و احرص على الفهم.فالدرس الذي لا تفهمه، و لا تستكنه [ اكْتَنَه:أدرك حقيقة الشيء] خفاياه، و تطّلع على دقائقه، و تمثله [ تخيله، تصوره] على حقائقه؛ درس ينسى بسرعة، و لا يبقى في الذهن، إلاّ أمدا قصيرا.
يشكو الكثيرون من طلابنا، ضعف الذاكرة، و سرعة النسيان، و يسألون عن علاج لضعف الذاكرة، و عن طريقة التخلص من سرعة النسيان.و جوابي لهم دوما، افهموا ما تقرؤون، تحتفظون به وقتا أطول، و على شكل أنسب.و أرجو ألا تفهم من هذا أني أنكر ضعف الذاكرة، و أسبابه التي قد تكون جسدية أو غير جسدية.و لكن أحب، أن أذكر لطلابنا، أن معظم نسيانهم ناتج عن طريقة درسهم، و عن عدم فهمهم ما يدرسون.و لقد أثبتت التجارب العلمية المختلفة، أن نسيان المفهوم أصعب من نسيان غير المفهوم، و أن الدرس الذي تفهمه، و تتعمق معانيه، يبقى في ذهنك مدة أطول من بقاء الذي تستظهره [ تُثبّته أو تطبعه في الذاكرة] دون فهم.و أن نسيان النص أسهل من نسيان المعنى.و دليل ذلك بسيط، فأنت قد تنسى نص بيت من الشعر، أو آية من الآيات، ولكنك تذكر معناه أو معناها، و العكس غير صحيح، أي أنك لا تنسى المعنى و تذكر النص.
3- كيّف طريقة دراستك ، بحسب الدرس الذي تدرس.ذلك أن لكل درس طريقة تختلف قليلا أو كثيرا عن طريقة الدروس الأخرى.فطريقة دراسة التاريخ، تختلف عن طريقة دراسة الهندسة، و طريقة دراسة النحو، غير طريقة دراسة الأدب؛فاحرص على أن تكون طريقتك في الدرس موافقة للموضوع الذي تدرس.في دراستك للتاريخ، اعتبره حكاية ، و احرص على ربط المسببات بالأسباب، و ليكن اهتمامك بالأسماء و التواريخ، مرتبطا باهتمامك بالعصر الذي تدرس، و الأسرة التي تدرس، و المجتمع الذي تدرس.أما في دراسة اللغة، فلابد لك من أن تذكر أن اللغة واسطة، واسطة للتعبير عن الأفكار شفويا و كتابيا، و إنما تتقن اللغة بمقدار ما تتقن التعبير.و إن هذا التعبير مستحيل إذا لم تتمرن عليه بالفعل، فتتكلم اللغة ، و تكتبها، و لا تحفظ المفردات مجردة.ثم إن هذا التعبير غير ممكن إذا لم تستفد فيه، مما تعلمت من قواعد الصرف و النحو و الإملاء.كما أن هذا التعبير، يكون على غير ما تبتغي له، إذ لم تقرأ لكتاب اللغة المبرزين،و لم تسمع أهلها يتكلمون بها.وهكذا تجد أن لكل علم طريقة، و أن لابد لك من استعمال هذه الطريقة للتمكن من هذا العلم.
4- اربط الدرس الجديد بالدرس القديم.إن هذا الربط بين ما تعرف و ما تتصدى لتعلمه، مفيد جدا.إنه كفيل أولا، بإعطاء الدرس الجديد مكانه من البحث العام، أو الموضوع الكلي[المادة الدراسية بأكملها]. و هو ثانيا، يوضح الدرس الجديد، و يبين صلته بالبحث العام، و بذلك يسهل فهمه و حفظه، و بالتالي استدعاءه و تذكره.و هو ثالثا، يساعد على بقاء الدرس في الذهن مدة أطول، وقاعدة أثبت.
[و في الحقيقة، إن] المقصود من تجزئة البحث[ تقسيم المادة الدراسية، إلى سلسلة من الدروس و المحاضرات..]، تسهيل درسه و تهوين حفظه.و لكن هذه التجزئة تصبح مضرة إذا لم يُنظر إليها على أنها مؤقتة، و إذا لم يتبين الطالب علاقة البحث الجزئي [الدرس،المحاضرة الواحدة] بالموضوع الكلي [ المادة الدراسية= مجموع محاضرات أو دروس المادة الدراسية]، و لم يصل[ الدرس] الجديد بالقديم، و يدعمه، و يقويه بواسطته.
5-رتب المواد التي تدرسها.إن هذا التصنيف، و ذلك الترتيب كفيلان، حين يقومان على أساس منطقي واضح، وفكرة معقولة صحيحة، بأن يوضحا الدرس، و يسهلا فهمه وحفظه، و من ثم استدعاءه و تذكره.
و ليكن ترتيبك و تصنيفك للأبحاث التي تدرس قائمين على مبدأ منطقي معقول، و ليكن هذا الترتيب ن و ذاك التصنيف من عملك أنت، فلا تكتف بما يقدمه إليك الكتاب أو المعلم أو أحد الرفاق ولا تحسبن أن الوقت الذي تصرفه في هذا الترتيب وقت ضائع، بل على العكس، إنه يساعدك على فهم الدرس، و التغلغل في أسراره و خفاياه، كما يساعدك على تثبيته في ذهنك و إبقائه فيه، مدة طويلة، و استدعائه حين تشاء.
***
و إلى اللقاء مع الجزء الثاني من هذا المقال..قريبا إن شاء الله.




[1]  المعرفة- وزارة الثقافة السورية- دمشق  - العدد527 - آب(غشت) 2007- ص 18 و ما يليها.

الاثنين، 13 أبريل 2020


المبحث الثاني: مبدأ الشفافية
يراد بالشفافية في الصفقات العمومية، توفير جميع المعلومات، و المعطيات، و الوثائق، المتعلقة بصفقة معينة،لجميع المتنافسين، على قدم المساواة؛ سواء تعلقت هذه المعلومات بالقوانين أو الممارسات..و ذلك للأسباب التالية:
1- حتى لا تكون هناك قوانين معلنة، لا يتم العمل بها، و أخرى " سرية " هي التي تطبق؛
2- و حتى لا تكون هناك ممارسات تتم علنا، و أخرى تتم وراء " الأبواب المغلقة".
و بهذه الشفافية، إذن، تتاح لجميع المتنافسين، المعلومات الكافية المتعلقة بالصفقات التي يرغبون في التنافس لنيلها، حتى يحددوا على ضوئها (المعلومات)، مدى قدراتهم على المشاركة أم لا، و ما هي حظوظهم للفوز بها، و ما هي الفرص الربح التي قد يحققوها، من وراء ذلك الإنجاز.
هذا الحق ، يبدو بديهيا اليوم، و لكنه لم يكن كذلك منذ فترة ليست بالبعيدة جدا، إذ كانت هناك فئات قليلة تحتكر الصفقات،  تفرض أجواء من السرية و التعتيم حولها، حتى تمنع الآخرين من المشاركة فيها، و تستعمل كل الوسائل القانونية و غير القانونية ،لإبعاد المتنافسين المحتملين، و تغلق في أوجههم الأبواب.
و للأسف، فإن بعض النخب السياسية و الإدارية، قد ساهمت في هذه الأعمال، و اعتبرت الصفقات وسائل لتحقيق مكاسب مالية، أو في أحسن الأحوال نظرت إليها على أنها وسائل مالية لدعم أنصارها، و تمكينهم من السيطرة على مقدرات البلاد و العباد.
و لعل أفضل تشخيص لذلك الوضع، هو ما عبّر عنه الخبير الروسي " ألكسندر سكونوف"، في مقال له تحت عنوان" المبادئ العامة لعمليات تدقيق العقود العامة، فرصة لتعاون الأنتوساي":"[...] و في العديد من البلدان نجد أن نظام المشتريات ليس مجرد وسيلة للحصول على السلع و الخدمات، و لكنه أيضا آلية لتحقيق أهداف سياسية مختلفة.."[1].
و اليوم، يبدو أن الأمور قد تغيرت، على الأقل في الجانب القانوني ، و هذا ما نلمسه في المراسيم المنظمة للصفقات العمومية منذ 1998،التي شددت على وجوب احترام و تقوية أسس الشفافية و النزاهة.و فيما يلي من هذا المبحث، سنتعرض لبعض أهم الإجراءات التي اتخذت على هذا المستوى، و ذلك من خلال النقط التالية:
1- لقد أكد المرسوم على تقليص- و إن أمكن- نزع الصفة المادية عن مساطر إبرام الصفقات العمومية: فلقد أفرد المشرع " الباب السابع" من المرسوم، للحديث عن كيفية " تجريد المساطر من الصفة المادية"؛
2- و أهم إجراء يقترحه المرسوم لتحقيق هذا الهدف، هو إلزام أصحاب مشاريع الصفقات ، بنشر المعلومات و الوثائق المتعلقة بالصفقات المقرر إجراؤها في المستقبل، في البوابة الإلكترونية لصفقات الدولة، التي تسيرها الخزينة العامة للمملكة.فلقد نصت المادة (40) مثلا، على أنه:" يتعين على صاحب المشروع في بداية كل سنة مالية، و قبل متم الثلاثة أشهر الأولى منها، على أبعد تقدير، نشر البرنامج التوقعي للصفقات التي يعتزم إبرامها برسم السنة المالية المعنية، في جريدة ذات توزيع وطني على الأقل، و في بوابة الصفقات العمومية. و يمكن لصاحب المشروع أيضا القيام بنشر هذا البرنامج بكل وسيلة أخرى للنشر و لا سيما بطريقة إلكترونية".و تضيف هذه المادة:" يجب على صاحب المشروع أن يعرض البرنامج التوقعي للصفقات في مقاره[2] طيلة مدة ثلاثين (30) يوما على الأقل..".
و لكن ما هي أهم مضامين هذا البرنامج التوقعي، و التي يجب أن يتساوى المتنافسون في العلم بها، لتحقيق مبدأ الشفافية ؟
تقول المادة (40) :"...يتضمن البرنامج التوقعي، على الخصوص، الإشارة إلى موضوع الدعوة إلى المنافسة و طبيعة العمل و مكان التنفيذ و طريقة الإبرام المزمع اعتمادها و الفترة الزمنية المتوقعة لنشر الإعلان على الدعوة إلى المنافسة المتعلق بالصفقات التي يعتزم صاحب المشروع طرحها برسم السنة المالية المعنية.."؛
3- و الشفافية، لا يجب أن تقتصر على نشر " الشروط" التي يضعها صاحب المشروع، بناء على القوانين و الممارسات المعمول بها. بل تمتد كذلك إلى  نشر كل النصوص التشريعية و التنظيمية المنظمة للصفقات العمومية[3]؛  و كذا مختلف إعلانات الإشهار عن مختلف الصفقات، و اعلانات التصحيح( تصحيح الإعلانات)، و إعلانات طلب إبداء الاهتمام، و طلبات العروض..إلخ؛ و مختلف المحاضر(محضر الاجتماع أو زيارة المواقع، مستخرجات من محاضر فحص العروض..) و المقررات و التقارير ( مثل مقرر إلغاء المسطرة،و مقررات الإقصاء من المشاركة في الصفقات،و تقارير انتهاء الأشغال، و تقارير المراقبة و التدقيق..)، غيرها(147)[4].
4- و من الإجراءات الأخرى التي تضمنها هذا الباب، ما يعرف بـ" تجريد المساطر من الصفة المادية": و ذلك من خلال إفساح المجال لإيداع و سحب أظرفة و عروض المتنافسين من بوابة الصفقات ( المادة 148)، و فتح الأظرفة و تقييم العروض المودعة بطريقة إلكترونية ( المادة 149)، فضلا عن إمكانية إبرام صفقات عن طريق مسطرة " المناقصات الإلكترونية"[5]، و هي إحدى مستجدات المرسوم الحالي؛ و مفادها أنه يمكن للمتنافسين ، في صفقات التوريدات الجارية (أو العادية)، أي المتعلقة بشراء منتجات موجودة في السوق، من مراجعة الأثمان التي يقترحونها بالتخفيض- إذ الأمر يتعلق بمناقصة-، طيلة سريان إبرام الصفقة، في حدود التوقيت المحدد لها (المادة 151)[6]؛
5- و من المستجدات ، وضع قاعدة بيانات للموردين و المقاولين و الخدماتيين، تحتوي على المعلومات و الوثائق الإلكترونية المتعلقة بهؤلاء الفاعلين الاقتصاديين، و بمؤهلاتهم القانونية و المالية و التقنية، و كذا بمراجعهم المقررة في المادة (25) من مرسوم 2013.
هذا العمل سيحقق هدفين، من ناحية سيساعد على التخفيف من كمية و نوعية الوثائق المطلوبة من المترشحين للتنافس على الصفقات، في أفق نزع الصفة المادية عن الملفات الإدارية للمتنافسين، بهدف تم تمكينهم  من التفرغ لتحضير عروضهم، و من ناحية أخرى سيساعد الإدارة على التعرف على المترشحين، إذ يكفي إدخال هوية المترشح لمعرفة الكثير من المعلومات عنه، شريطة، طبعا، أن تكون المعلومات المخزنة في المنصة (قاعدة البيانات) صحيحة و يتم تحيينها بين الفينة و الأخرى(المادة 150).
6- و في إطار الالتزام بالشفافية، فرض القانون على صاحب المشروع أن يقدم للمتنافسين الإيضاحات و البيانات اللازمة عن الأعمال المطلوب تنفيذها قبل ميعاد تقديم العروض، و إطلاع المتنافسين- بطلب منهم- على المعلومات التي تمكنهم من تقييم الأعمال المراد إنجازها.فالمادة (22) تنص على أنه:" يجوز لكل متنافس أن يطلب من صاحب المشروع[ داخل أجل معين] (...) أن يقدم إليه توضيحات أو معلومات تتعلق بطلب العروض و الوثائق المرتبطة به ". و تضيف ( نفس المادة):".. يجب تبليغ كل توضيح أو معلومة يقدمها صاحب المشروع إلى أي متنافس بطلب من هذا الأخير، في نفس اليوم، و حسب نفس الشروط إلى المتنافسين الآخرين .."( و نفس الشيء تقريبا نصت عليه المادة 23 التي تتعلق بزيارة المواقع و التوضيحات و الأجوبة التي تعطى بشأنها خلال الاجتماع، و التي يجب أن تبلغ إلى علم باقي المتنافسين فورا)؛
7- و من الأمور الأخرى التي تضمن الشفافية، إجراء عمليات فتح أظرفة المتنافسين ( للتحقق من احتوائها على الأغلفة المشار إليها في المادة 24، لاسيما الغلاف الذي يشمل الملفين الإداري و التقني، و الغلاف الذي يضمن العرض المالي..)، في جلسة عمومية ( المادة 36).
و حتى عندما تكون الجلسة سرية، فإن المشرع  احتاط لضمان شفافيتها، حتى لا تتخذ وراء الأبواب المغلقة قرارات تضر بمصالح المتنافسين؛فألزم لجنة طلب العروض، مثلا، بتحرير محضر عن كل اجتماع من اجتماعاتها، تسجل فيه الكثير من الأمور التي جرت في هذه الاجتماعات ( الملاحظات و الاعتراضات المقدمة خلال عمليات فحص العروض، و كذا رأي اللجنة حولها، و أسباب إقصاء المتنافسين المبعدين، و العناصر التي اعتبرتها اللجنة مبررة لاقتراح العرض الذي تراه الأفضل..)(المادة 43)؛
8- و من المستجدات التي جاء بها المرسوم الحالي، نشر الثمن التقديري ( أو على الأصح التكلفة التقديرية) للصفقة، و المعد من طرف صاحب المشروع ، في إعلان ( إشهار) المنافسة ( الإعلان عن طلب العروض المفتوح مثلا: المادة20/ الفقرة ح).
المبحث :مبدأ المساواة في معاملة المتنافسين
يعتبر مبدأ المساواة بين المواطنين ( أمام القانون، و أمام الوظيفة العمومية، و في الانتفاع و استعمال المرافق العامة، ..)، من المبادئ العامة المنصوص عليها في كل دساتير العالم، و مواثيق حقوق الإنسان العالمية و الإقليمية و المحلية، و في القوانين العادية و المعاهدات..إلخ.
و لقد تكرس هذا المبدأ في مجال الصفقات العمومية، و لم يعد يثير أي نقاش.بل امتد هذا الحق من المواطنين إلى كل الناس، حتى الأجانب، كما مرّ معنا في الفصل السابق.
فلقد أصبح تحقيق المساواة بين جميع المتنافسين، مهما كانت جنسياتهم، إحدى حقو الإنسان التي تؤكد عليها وثائق الأمم المتحدة، أو المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة أو  غيرها من المنظمات المهنية أو الجهوية الأخرى: كصندوق النقد و البنك الدوليين، و التجارة العالمية، و غرفة التجارة الدولية، و منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية (OECD).
و هكذا، لم يعد مستساغا و لا مقبولا أن يستبعد المشتري العمومي (الإدارة)، أي شخص طبيعي أو معنوي (عام أو خاص، وطني أو أجنبي)، يتقدم للمشاركة في صفقة عمومية، دون سبب شرعي ينص عليه القانون.و هذا ما استقر عليه القضاء الإداري، الذي يؤكد على :
1- يجب على المشتري العمومي( الإدارة)، أن يوفر أجواء الحرية، التي تسهل على المتنافسين ولوج الطلبيات العمومية؛
2- يجب على المشتري، تحقيق المساواة، بين جميع المتنافسين، أمام الشروط التي تطلب الإدارة استيفاءها للمشاركة في التنافس على صفقة عمومية، و من ثم نيلها؛
3- إن الشروط التي يضعها المشتري العمومية، يجب أن تكون قانونية، بل ويجب أن تجد تبريرها في موضوع الصفقة؛
4- و من ثم فإن الشروط التي يضعها المشتري العمومي، المبالغ فيها أو التي تستهدف إبعاد بعض المترشحين،بدعوى عدم توافرهم على مؤهلات مهنية معينة أو قدرات تقنية، مثلا،يلغيها القاضي الإداري؛
5- و بالتالي،فإذا توافرت الشروط في المتنافس،أيا كان، امتنع على الإدارة إعمال سلطتها التقديرية في استبعاده من الصفقة.
هذا من الناحية القانونية، و هناك اعتبارات أخرى اقتصادية أيضا، تتعلق بالاستعمال الأمثل للمال العام، لا يمكن بلوغها إلا إذا شُرِّعت الأبواب على مصراعيها ، أمام جميع المتنافسين على قدم المساواة، مهما كان أصلهم ، حتى يشاركوا بعروضهم: فبهذه الطريقة،يصبح صاحب المشروع ملما بظروف العرض كلها، و بالثمن الذي يطلبه مختلف البائعين،هذا من جهة. و من جهة أخرى، فإن المتنافسين المعنيين بالصفقة، يصبحون كلهم، أو معظمهم، في ظل هذه المنافسة المفتوحة، على علم بكل الطلبيات العمومية التي تهمهم، و بالأثمان التي قد تدفعها الإدارات العمومية للحصول عليها، فيضعون الخطط للاستفادة منها ( في الحال، أو في المستقبل).
و لتحقيق منافسة فعالة، من هذا النوع، نص المرسوم بمثابة قانون تنظيمي للصفقات العمومية،على حزمة من الإجراءات من أهمها:
أ- من حيث المبدأ العام ( المادة 24)، يحق لكل شخص طبيعي أو معنوي، أن يشارك بصفة صحيحة و أن ينال الصفقة العمومية، في إطار المساطر المقررة في القانون، إذا هو أثبت توفره على المؤهلات التقنية، و المالية، المطلوبة لذلك.و كان، بالإضافة إلى ذلك ،في وضعية قانونية سليمة إزاء إدارة الضرائب، و إزاء هيئات الضمان الاجتماعي.و لم يكن في حالة تصفية أو تسوية قضائية ( ماعدا في حالة ترخيص خاص)، أو في حالة إقصاء إداري[7]  أو قضائي (مؤقت أو نهائي)[8]؛
ب- لقد حرص المشرع على إشراك كل المترشحين للصفقات، على قدم المساواة، و يتجلى ذلك من خلال حرصه على الإعلان عن الصفقات بكل السبل المتاحة، حتى يعبئ كل الطاقات الممكنة: فنص على ضرورة الإعلان عنها في عدد من الجرائد( و على رأسها الجريدة الرسمية )، و في البوابات( المنصات) الإلكترونية، و في الدوريات(مجلات..) و النشرات المتخصصة، و بأية وسيلة أخرى للإشهار ( المادة 20)؛
ت-كما أنه من بين الوسائل التي استحثها مشرع مرسوم 2013،في مجال تحسين المنافسة، آلية " طلب إبداء الاهتمام"..و التي تمكن صاحب المشروع من معرفة المتنافسين المحتملين قبل الشروع في الدعوة إلى المنافسة:و بالتالي يمكن للإدارة أن توسع مجال التنافس، و بالتالي تستفيد من كل الفرص و الخيارات و الإمكانيات المتاحة في السوق المحلي أو الوطني أو الدولي،حسب الأحوال؛
ث-كما أن القانون ألزم صاحب المشروع بأن يحدد الأسس الموضوعية التي على أساسها سيتم اختيار " نائل الصفقة" ؛ بطريقة محايدة و موضوعية( حتى لا يتم وضعها على مقاس أحد المتنافسين، أو إخدى العروض..). و ألزمه ، كذلك، بالإعلان عن هذه الأسس أو المعايير، منذ البداية ( في الإعلان، أو نظام الاستشارة،أو دفتر التحملات الخاص بالصفقة..) و بذلك تكون هذه الأسس و المعايير معروفة سلفا عند جميع المتنافسين، دون تمييز بينهم:ففي الصفقات من نوع " طلب العروض المفتوح"، مثلا، يكون صاحب المشروع مطالبا بوضع " نظام للاستشارة"، يبين فيه "..على الخصوص ، من ضمن ما يبين، مقاييس قبول المتنافسين و إسناد الصفقة، و يجب أن تكون هذه المقاييس موضوعية و غير تميزية، و متناسبة مع محتوى[ موضوع] الأعمال[ أشغال، أو توريدات، أو خدمات].."( المادة 18)( و يحق لكل مترشح يرغب في التنافس لنيل الصفقة، الحصول على نظام الاستشارة، و الاستفسارة عن كل مسألة واردة فيه..)؛
ث- و يدخل في هذا السياق أيضا، الحياد الذي يجب أن يتحلى به صاحب المشروع، عند تحديد مواصفات و خصائص المشتريات ، التي يريد اقتناءها، إذ يجب أن يتجنب الإشارة إلى أي نوع، أو صنف بعينه ( من السلع أو المعدات أو التجهيزات..)، أو يحدد علامات تجارية، أو يشترط مواصفات لا تنطبق إلا على علامات( ماركات) تجارية معينة[9].يقول المشرع( المادة 5):"..يجب ألا تشير المواصفات إلى أية علامة تجارية أو إحالات على مصنف مواد أو تسمية أو براءة أو مفهوم أو نوع أو مصدر أو منتجين معينين إلا في حالة عدم وجود أية وسيلة أخرى كافية الدقة و الوضوح لوصف مميزات الأعمال المطلوبة، و بشرط أن تكون التسمية المستعملة مقرونة بعبارة أو ما يعادلها.."؛
ج- و إذا كان صاحب المشروع، من حيث المبدأ، حر في اختيار طريقة إبرام الصفقة، إلا مرسوم 2013،  قيد من هذه الحرية، وجل اللجوء إلى المساطر الاستثنائية(كالمسطرة التفاوضية) أمرا صعبا، حفاظا على حرية المنافسة؛
ح- و في إطار تحقيق المساواة بين المتنافسين، ألزم المشرع صاحب المشروع بأن يوفر للمتنافسين المعلومات على قدم المساواة، في كل مراحل إعدادهم لعروضهم.فكل معلومة أو توضيح، يقدم إلى أحد المتنافسين- بطلبه- يجب أن يُبلّغ إلى باقي المتنافسين ( و هذه جزئية أشرنا إليها في المبحث السابق، لأن ذلك هو مكانها المناسب، و لكنها خليقة بأن تذكر هنا أيضا لعلاقتها بالموضوع).
و مع كل هذا، إلا أنه لا يجب أخذ مفهوم حرية المنافسة، بمعناه المطلق، إذ أن المشرع حد من هذه الحرية، لفائدة بعض المقاولات الوطنية، لاسيما الصغرى و المتوسطة:
 1- ففي إطار جعل الصفقات العمومية رافعة استراتيجية للتنمية،جاء مرسوم 2013، بمجموعة من الإجراءات الداعمة للمقاولات  الصغرى و المتوسطة، لتشجيعها على ولوج الطلبيات العمومية، و ذلك من خلال التنصيص على تخصيص(20% ) من الاعتمادات المالية المتوقع إنفاقها في الصفقات العامة، كل سنة مالية، لفائدة المقاولات الوطنية المتوسطة و الصغيرة.ليس هذا فقط،بل لضمان هذا التخصيص ، فقد فرض على صاحب المشروع، أن يحدد بالضبط، في البرنامج التوقعي السنوي، الصفقات التي سوف يخصصها للمقاولات الصغرى و المتوسطة .و أن يؤكد كل ذلك، من خلال مضمون الإعلان عن طلب المنافسة  و كذا نظام الاستشارة، أن الصفقة مخصصة للمقاولات الصغرى و المتوسطة( و من ثم،يصبح المتنافسون ملزمون أن يبيون في الوثائق التي يدلون بها ، انهم استوفوا هذا الشرط)[10].
2- من الأمثلة الأخرى التي يمكننا أن نسوقها هنا، للتدليل على نسبية مفهوم حرية المنافسة، التمييز التفضيلي الذي يسمح به القانون لفائدة المقاولات الوطنية، في حدود معينة.و بالفعل،فلقد منح المشرع المغربي بمقتضى المادة(155)، للمقاولة الوطنية حق الأفضلية على المقاولات  الأجنبية، و ذلك في الصفقات المتعلقة بالأشغال و الدراسات المرتبطة بها:فعندما تلاحظ لجنة طلب العروض أو لجنة المباراة، أن العرض المقدم من مقاولة مغربية يتساوى من حيث المواصفات المطلوبة،مع مقاولة أجنبية،تعطى الأفضليية للعرض المغربي، و ذلك بإضافة نسبة( 15%) إلى مبلغ العرض الأجنبي؛فيصبح بذلك العرض الأجنبي أكبر كلفة، و كأن المقاولة الأجنبية أضافت إلى الثمن الذي تطلبه لإنجاز الصفقة( 15%) من الثمن الأصلي المقترح. ثم بعد ذلك تقوم اللجنة،بإجراء المقارنة بين العرضين، المغربي و الأجنبي.و لا شك أن هذا يتنافى مع مفهوم حرية المنافسة، و مبدأ المساواة أمام الطلبية العمومية كذلك، إلا أن الكثير من القوانين تسمح بهذا الإجراء لتشجيع المقاولات الوطنية،و مساعدتها على ولوج للصفقات العمومية،في إطار نوع من إعادة التوازن بين كفتي المقاولة الوطنية و الأجنبية ، و تشجيع استهلاك المنتوج الوطني..و محاربة البطالة.


[1] المجلة الدولية للتدقيق الحكومي- عدد يوليو 2013.راجع النسخة الإلكترونية من هذا العدد في موقع " الأنتوساي ":www.intosai.org
أو على موقع المجلة:intosaijournal@gao.gov
[2]  و لم يحدد المشرع المقصود بمقاره: هل هي المقر الرئيس؟ أم مقار كل الإدارات الفرعية التابعة له؟ فبالنسبة للوزارة: هل المقصود المقار الموجودة في في العاصمة؟ أم المقار الجهوية و الإقليمية، التابعة لهذه الوزارة أيضا؟
[3]   و هذا إجراء، تستفيد منه، بالخصوص، المقاولات الأجنبية، التي قد لا يكون لها معرفة جيدة، بالمنظومة القانونية، المنظمة للصفقات العمومية، أو لها علاقة بهذا المجال.
[4]  إلا أن إدارة الدفاع الوطني تعفى من نشر البرنامج التوقعي، و تقرير انتهاء الصفقة، و كذا الوثائق المقررة في المادة (147).
[5]  وفق ما يتم في إطار المسطرة العادية التي تمثلها كل من المواد من 36 إلى 45 و ذلك وفق ما حدده قرار وزير الاقتصاد و المالية..قرار لوزير الاقتصاد و المالية رقم 20.14 صادر في 8 ذي القعدة 1435 (4سبتمبر 2014)، يتعلق بتجريد مساطر إبرام الصفقات العمومية من الصفة المادية، ج.ر عدد 6298، ص ص 7234-40.
و لقد أشار هذا القرار إلى أنه و ابتداء من فاتح يناير 2017، سيصبح سحب و إيداع  أظرفة المتنافسين و فتحها و تقييم العروض بطريقة إلكترونية، إجراء عاديا بالنسبة لكل الصفقات، كيفما كان مبلغها التقديري.و لكن يبدو أن كل من الإدارات و المترشحين، مازالوا غير قادرين على تطبيق هذا الإجراء ،و لعل العملية تحتاج مزيدا من الوقت.
[6]  يندرج هذا، ضمن ما يسمة بـ " نزع الطابع المادي"(La dématerialisation) عن الصفقات العمومية، و هو  مفهوم يعني، بكل بساطة، إمكانية إبرام الصفقات العمومية، بطريقة إلكترونية، إما باستعمال البريد الإلكتروني، أو استعمال منصة اتصال مباشر عبر الأنترنيت(une plate forme en ligne sur internet).
هذا، و ليس لنزع الطابع المادي، أي أثر على محتوى المعلومات التي ينبغي تبادلها بالطريقة الإلكترونية،و بالتالي فشروط الشراء العمومي، تطبق على المشتريات العمومية، بالطريقة المنزوع عنها الطابع المادي.
[7]  تضع الإدارة "قوائم سوداء"، بأسماء بعض المقاولات الفردية أو الشركات، التي سبق لها نيل صفقة من الصفقات، و لم تحترم التزاماتها؛ و بالتالي تقرر عدم التعامل معها في المستقبل، و لا تفسح لها المجال للمشاركة في المنافسات على الصفقات التي تنوي إبرامها.
للاسف أن كل إدارة( وارة، أو مؤسسة عمومية، أو جماعة محلية)، تضع قوائم خاصة بها، في حين ينبغي التنسيق بين مختلف الإدارات، و تبادل المعلومات، لمحاصرة هذه المقاولات " الخارجة على القانون"، و القضاء عليها، و في ذلك، لا شك، حماية للمال العام، و تخليق للأجواء المحيطة بالصفقات العمومية.
[8]  و إن كان المترشح مهندسا، يرغب في الترشح لنيل صفقة من صفقات الهندسة المعمارية، فيجب ألا يكون قد صدر في حقه عقوبة سحب الترخيص أو عقوبة توقيف مزاولة المهنة ( المواد 96 و ما بعدها).
[9]  حتى لا يتم " تفصيل" تلك المواصفات و الخصائص على ما يعرضه أحد المتنافسين في ملفه ( الذي قد يكون متواطئا مع أحد المسؤولين أو أكثر، من السياسيين أو الإداريين، الذين لهم سلطة على إسناد الصفقة)
[10]  كما منح المشرع المغربي لصاحب المشروع إمكانية التنصيص في نظام الاستشارة أو في دفتر الشروط الخاصة، على إلزام المقاولة الأجنبية نائلة الصفقة،إذا قررت الاستعانة بمقاولة أخرى لإنجاز جزء من الصفقة، في إطار التعاقد من الباطن، باختيار مقاولة صغرى أو متوسطة وطنية( سنتحدث عن التعاقد من الباطن، في سياق حديثنا عن التنفيذ).