السبت، 30 يونيو 2018

أهمية التركيز، عند قراءة سؤال الإمتحان

 التركيز عند قراءة سؤال الإمتحان..أفضل ضمانة للإجابة السليمة عليه

عن التركيز في قراءة سؤال الامتحان
لقد لفت انتباهي ، و أنا أقوم بحراسة امتحان " التشريع الضريبي" ، أمس الجمعة،أن الكثير من الطلبة، لا يقرؤون سؤال الامتحان من بدايته إلى نهايته ؛ بل يقتصرون على قراءة أجزاء منه فقط ؛ و من ثم يفوتهم إمكانية الربط بين مختلف العناصر التي قد تشكل الإجابة عن السؤال ، و التي هي كامنة في صيغته ، و موجودة ، أو أغلبها ، في الكلمات المستعملة في صياغته.
لقد فهمت هذا من الأسئلة ، المتكررة و المتشابهة ، التي كان الطلبة يطرحونها علي، أمس، في قاعات الامتحان؛إنها، جميعها،تؤكد أنهم لا يركزون أثناء قراءة السؤال على الكلمات و دلالاتها..و من ثم لم يوفقوا في الإجابة عن السؤال، رغم سهولته.
و لقد جاءتني طالبة، بعيد انتهاء الامتحان،و عرضت علي إجابتها،و هي تتوقع مني أن أقول لها" برافو! ..أحسنت!.."، و إذا بي أقول لها، لسوء حظها:"..و لكن ليس هذا هو الجواب الصحيح على النازلة موضوع السؤال في الامتحان !!..لأنه لم يكن مطلوبا منك البحث عن الأجر الصافي!..فهو من المعطيات!..لقد " أعطيتكم، في صيغة السؤال، هذا الأجر الصافي"..فلماذا البحث عن شيء معطى..أصلا؟!.".
لقد صدمت!.. و كان حري بها ألا تصدم ، لو أنها أخذت الوقت الكافي لقراءة السؤال..و تحليله..و التركيز  على معانيه ككل..و في كلماته، كل واحدة على حدة.
إن التركيز مهم جدا في مختلف الأنشطة التي يقوم بها الإنسان ، حتى أن أحد الفلاسفة ، لا يحضرني اسمه الآن ، قال:" إن نصف العبقرية تركيز..".
و التركيز مطلوب جدا، في بعض الأعمال أكثر من غيرها، لأن النتائج التي قد تترتب عن غيابه ، قد تكون خطيرة جدا، من ذلك عدم التركيز أثناء قراءة سؤال الامتحان..فهو أشبه، في خطورته، بسياقة السيارة في الطريق العام، بدون تركيز.
و عليه، فيجب على الطلبة قراءة سؤال الامتحان بتركيز شديد..قراءة متأنية و أكثر من مرة..و لقد سبق لي الحديث عن هذا الأمر، و لن أمل من تكراره لأهميته.يا أيها الطلبة!!..الله يرضى عنكم ، اقرؤوا سؤال الامتحان!! ؛ حتى تفهموا " الجملة" أو الفقرة"..التي اشتملت عليه..كلها..ثم ركزوا انتباهكم ، بعد ذلك..حتى تفهموا كل كلمة كلمة.. و كل مصطلح مصطلح..و كل مفهوم مفهوم..وكل تعبير تعبير..ورد في " بنية السؤال"، حتى تفهموه في معناه العام ( المطلق)، و معناه الخاص( النسبي)،أي المعنى الذي منح له في سياق سؤال الامتحان ، و في سياق المادة التي تمتحنون فيها ، و ابحثوا عن مختلف العلاقات و الروابط (المنطقية) التي قد توجد بين هذه الكلمات و المصطلحات و المفاهيم، فيما بينها.. لأنها قد تساعدكم على ربط الدروس بعضها ببعض،في إطار المادة الدراسية.و من ثم تساعدكم على إدراك كيف ؟ و لماذا ؟ بنيت جملة أو فقرة السؤال..بهذه الطريقة أو تلك ؟؟ و لماذا اختار الشخص الذي وضع السؤال هذه الكلمة أو هذا المصطلح دون ذاك؟ و لماذا وضع سؤاله في هذه الصيغة أو الصياغة دون تلك؟..؟
 بهذه المنهجية، تستطيعون حصر اهتمامكم و تركيزكم، ساعة قراءة الامتحان ، في الكلمات الأساسية ، التي تتحكم في فتح " أقفال" السؤال؛لأنكم إن لم تفهموا هذه الكلمات بالذات ، ضاع منكم معنى السؤال و مغزاه..و فشلتم بالتالي، لا قدر الله، في الإجابة عنه.

الاثنين، 11 يونيو 2018

منهجية الامتحان الكتابي: ما هي أهم الخطوات التي يعبرها الجواب ، في الامتحان الكتابي، من التفكير فيه،..إلى تحريره النهائي؟


ما هي أهم الخطوات التي يعبرها نص الجواب، في الامتحان الكتابي، من التفكير فيه.. إلى تسويده.. إلى تحريره النهائي؟

عن منهجية الامتحان مرة أخرى..
أكبر مشكلة - بل قل إشكالية..لأنها مجموعة من المشاكل المترابطة في الحقيقة-، يواجهها الطالب ساعة الامتحان، هي كيفية تنظيم  و عرض" ما فهمه أو حفظه " من أفكار و معلومات.. لها علاقة بموضوع السؤال،بطريقة ملائمة و فعالة ترضي المصحح.و كلما كانت خبرة الطالب محدودة، من ناحية، و كلما كانت المعلومات و الأفكار التي يريد استعراضها أو مناقشتها، كثيرة و متشعبة ، من ناحية ثانية، و كلما كان سؤال الامتحان صعبا أو معقدا، من ناحية ثالثة.. كلما  استعصى عليه(الطالب) تنظيمها، و إخراجها في شكل منطقي جذاب.. ما لم يكن مسلحا برؤية ( منهجية)، تساعده على  غربلة أفكاره، و التخلص مما لا فائدة منه، و الابقاء على ما يعتبره مناسبا لبناء الجواب،و من ثم ترتيبها و تنسيقها وفق تصميم معين، حتى تخرج في مظهر لائق، شكلا و مضمونا.
***
 لعل أكبر خطأ يقع فيه معظم الطلبة، ساعة الامتحان، هو الاندفاع  إلى الجواب عن سؤال أو أسئلة الامتحان..- مهما كانت طبيعتها- بسرعة و بشكل مباشر، و كتابة هذا الجواب في ورقة التحرير رأسا ، دون المرور بورقة التسويد..و كأنهم يستأنفون عملا بدؤوه في منازلهم..أو أعدوا جوابه -مسبقا- قبل أن يأتوا إلى مكان الامتحان!!!!
و لأن " النص النهائي للجواب عن سؤال الامتحان"، لا يمكن للطالب أن يكتبه بشكل مباشر في ورقة التحرير؛ إلا بعد التعرف عليه،و التفكير فيه..و تسويد الإجابة ..و تحريرها في ورقة التسويد، و من ثم إدخال الكثير من التعديلات عليها، و تصحيحها بعد قراءتها،و تنقيحها بعد إعادة قراءتها..فإن النص النهائي للجواب، الصالح للنقل إلى ورقة التحرير، لا يمكن التوصل إليه إلا بعد مراحل من التفكير و التعثر أحيانا..،لأنه لا ينضج إلا بعد اجتياز الكثير من الخطوات الذهنية و العملية، التي تتم أثناء التسويد..ليصبح جاهزا لـ" النقل" إلى ورقة التحرير، دون أخطاء، أو تشطيب، أو رتوش..إلخ.
 فما هي أهم الخطوات التي يعبرها نص الجواب، من التفكير فيه.. إلى تسويده.. إلى تحريره النهائي؟
1- بعدما يقرأ الطالب سؤال الامتحان عدة مرات( ثلاث مرات على الأقل)، يُكَوِّن فكرة أو أفكارا عنه، و يُكَوِّن رؤية أو رؤى عن كيفية الإجابة عنه  (فرضيات)؛
2- ثم.. يشرع في استحضار- استرجاع من الذاكرة- ما يعرفه عن الموضوع؛
3-بعد ذلك يقوم بغربلة ما تم استرجاعه، على ضوء الفرضيات التي اختارها، ليبقي في النهاية عددا محدودا منها،يرى أنها(الأفكار) هي الأهم من منطلق فرضية أساسية(مركزية) واحدة،يرى أنها ألأنسب لمعالجة الموضوع:تلك الفرضية، ستصبح هي إشكاليته ؛لأنه من خلالها سيرى مكامن الإشكال في السؤال، و كيفية حله.
و أهمية هذه الإشكالية، تكمن في أنها تحصر جواب السؤال - من حيث الموضوع،و الزمان،و المكان- في  عدد من الأفكار المنسجمة و المتكاملة فيما بينها من جهة، و من جهة أخرى تقترح حلولا لأهم المشاكل- و ليس بالضرورة كل المشاكل- التي تكوِّن إشكالية موضوع السؤال.فالإشكالية،إذن، تمثل خيطا رابطا (fil conducteur)،يستطيع الطالب أن يجمع بوساطته الأفكار القليلة الأهم التي أبقى عليها- بعد عملية الغربلة-، و معالجتها، بشكل متسلسل ، و مرتب، و منظم، وفق منطق معين، يأخذ شكل " تصميم"(Plan).
و بتعبير آخر، فأهمية الإشكالية ، ترجع إلى قدرتها على مساعدة الطالب على " حصر الموضوع"، في أهم الأفكار، منظورا إليها من عدة زوايا:
أ- من الزاوية التي ينظر منها الطالب إلى المادة الدراسية التي ينتمي إليها السؤال:فسؤال عن أجور العمال مثلا، تختلف الإجابة عنه، من مادة قانون الشغل، إلى مادة  الاقتصاد ..و قس على ذلك؛
ب- من الزاوية التي نظر منها الأستاذ المدرس للمادة( و المصحح للامتحان):فكل مدرس له رؤيته الخاصة للمادة التي يدرسها ، و على الطالب أن يختار إشكالية، لا تصطدم بقناعات أستاذه(فهذه هي طبيعة العلوم الاجتماعية، فهي ليست كالرياضيات أو الفيزياء..)؛
ج- من زاوية المعلومات و الأفكار التي يعرفها الطالب، و التي يرغب في تحليلها أو مناقشتها أو استعراضها.. في جوابه؛
د- من زاوية الوقت المتاح:فالإشكالية التي نختارها لبحث يستغرق سنة، ليست هي الإشكالية التي نختارها لامتحان يستغرق ساعة( تصور نفسك ستقوم بسفر بالطائرة ، فلا يمكنك أخذ كل الملابس التي تملكها، في حقيبة سفرك..و إنما تأخذ ما تحتاج إليه فقط..و في حدود 30 كيلو غرام)؛
4- بعد التوافر على إشكالية و تصميم( اكتبهما في ورقة منفصلة..و ابقيهما دائما تحت بصرك)..يمكن للطالب الممتحن، أن يشرع في كتابة المسودة..في نسختها الأولى،.. التي سيعمل لاحقا عل تصحيحها و تنقيحها..
5- أثناء عملية تصحيح المسودة و تصحيحها،.. على الطالب أن يراقب مدى تطابق ما كتب مع الإشكالية..و مدى انسجام و تكامل مكونات التصميم فيما بينها، و لا سيما فيما يتعلق باحترام قاعدتي التوزان  و التوازي:
أ- التوازي:بمعنى أنه إذا قسم القسم الأول من الجواب إلى  مطلبين أو ثلاثة مطالب ، فالقسم الثاني (أو الثالث إذا كان هناك قسم ثالث =المدرسة الأنجلوسكسونية) أيضا، يجب أن يتضمن مطلبين أو ثلاثة مطالب؛
ب-أما فيما يخص التوازن بين مكونات الموضوع،فيتعلق الأمر بتناسب أجزاء البحث بعضها مع بعض، من حيث عدد السطور و الصفحات،فلا يكون بعضها أكبر من بعض بشكل يخل بالتوازن.مثال ذلك، أنه إذا كان المطلب  الأول يتكون من صفحتين؛ فالمطلب الثاني( أو الثالث عند وجده) يجب أن يتراوح عدد صفحاته بين صفحة و نصف و صفحتين و نصف أو حتى ثلاث، و لكن  عدد صفحات ،أقل من الحد الأدنى  أو  أكثر من الحد الأقصى؛ يعتبر عيبا منهجيا كبيرا، يدل على عدم قدرة الطالب على تنظيم أفكاره( فهو لا يعرف كيف يوزع أفكاره و معلوماته على أقسام الجواب)، و أيضا على ضعف تحصيله العلمي (أن حصيلته من المعلومات ، المتعلقة بقسم من الجواب، قليلة..) ؛
4- خلال عملية التصحيح و التنقيح،على الطالب أن يحرص على سد الثغرات التي قد يجدها..في الفقرات، و المطالب أو المباحث، باستكمالها، بمعلومات إضافية، أو تفاصيل. و لكن- في المقابل-، يجب عليه ألا يتردد في التشطيب على المعلومات و العبارات، أو حتى الفقرات التي يرى أنها لا تخدم الإشكالية، أو تثقل التصميم  أو المتن بدون فائدة( فينقل معلومات تفصيلية مثلا، من المتن إلى الهامش)؛
5- بعد الانتهاء من تحرير المسودة و تصحيحها..ستبدأ مرحلة أخرى من التنقيح، هذه المرة تتعلق بالأسلوب، و اللغة، و علامات الترقيم إلخ؛
5- و بعد الانتهاء من التنقيح في كل صوره و مراحله، .. يمكن للطالب أن يشرع في النقل من المسودة إلى ورقة التحرير..و عليه أن يبدأ بصلب الموضوع..و يترك مساحة فارغة كافية للمقدمة:فالمقدمة هي آخر ما يكتب؛لأنه قد يظهر للطالب في آخر لحظة أخطاء في التصميم، فيضطر إلى تصحيحها..و بالله التوفيق.



في العلاقة بين القانون الروماني و القوانين الوضعية المعاصرة
بقلم د.محمد فتح الله الخطيب
[...] و لم تمد روما العالم بنطرية سياسية متكاملة، بل أعطته المادة الكافي لنظرية سياسية،فأرست قواعد نظام قانوني يعتبر الدعامة الأساسية التي يقوم عليها  كثير من النظم القانونية في عالم اليوم، و من بين ذلك القانون الوضعي الذي عمل على الفصل بين السياسة و الأخلاق، و أدى إلى تطور فكرة الشخصية القانونية  للدولة و سيادتها السياسية التي تمكنها من وضع القانون و تطبيقه.
فبينما كان المصدر الأصلي الذي يتمكن من فرض العقاب لدى الإغريق مصدراَ دينياَ خلقيا و لم يعتبر القانون إطلاقا أمراَ صادراَ من رئيس أعلى ، نظر الرومان إلى القانون نظرة عملية، إذ كان عليهم إدارة شئون الإمبراطورية المترامية الأطراف و ليس لديهم متسع من الوقت لحل المشاكل الناجمة عن تضارب القانون من ناحية، و مبادئ الأخلاق و الدين ، و أصبح على المواطنين الرومان واجب طاعة القانون، لا لعدالته و اتساقه مع مبادئ الأخلاق و اتفاقه مع التعاليم الدينية، و لكن لأنه صادر من السلطة السياسية العليا التي تعتبر إرادة الكيان السياسي في الدولة.
و بنفس هذا الأسلوب العملي توصل الرومان إلى الأفكار الأخرى التي تعتبر من المقومات الأساسية للفلسفة السياسية اللاحقة لعصرهم.فكان القناصل و أعضاء مجلس الشيوخ و غيرهم من المسئولين الرئيسيين هم أصحاب السلطة في تحديد حقوق الأفراد و واجباتهم، و لم تكن الآلهة أو المثل العليا أو المبادئ العامة للأخلاق هي مصدر تحديد هذه الحقوق و الواجبات. و قد تميزت شخصية الفرد عن شخصية الدولة.فالدولة ضرورة و نظام طبيعي للوجود الاجتماعي، أما الفرد فكان مركز التفكير القانوني الذي كان هدفه الأساسي حماية ذلك الفرد عن طريق القانون.فقد فرق الرومان بين الفرد و الدولة، فبينما كانت الدولة شخصية قانونية تمارس سلطاتها في حدود الإطار المرسوم لها، كان المواطن شخصية قانونية أيضا له حقوق تجب حمايتها و عليه واجبات عليه أن يؤديها.و تمتد حماية حقوق الفرد إلى الدفاع عن أي عدوان قد يوجه إليه حتى إذا كان صادرا من الحكومة ذاتها.
و كان سمو الأفراد و ما تمتعوا به من حقوق هو أحد مظاهر الدولة، و أصبح رئيس الدولة الأداة الرئيسية  للتعبير عن هذه السيادة الشعبية؛ فالحكام و الأباطرة وكلاء عن الشعب مسئولون  أمامه عن آرائهم و مسئولياتهم  و ممارساتهم و واجباتهم.فإذا كانت كلمة الإمبراطور تعتبر قانونا فإن ذلك يرجع إلى أن الشعب قد أوكل إلى  هذا الإمبراطور سلطاته كاملة. و على الرغم من أن فكرة العقد الاجتماعي قد لعبت دوراَ هاماَ في النظرية القانونية لدى الرومان، فإن الدولة قد اعتبرت من الناحية السياسية- كما اعتبرها الإغريق من قبل- شيئا طبيعيا لا يحتاج وجوده إلى تعليل أو تفسير.و لم تجد نظرية العقد الاجتماعي- التي تعتمد على فكرة تنازل الأفراد عن حقوقهم الطبيعية، حتى يتمكنوا من إقامة مجتمع سياسي منظم- مكانا في الفكر السياسي الروماني.غير أن لنظرية العقد الحكومي جذورا لدى الرومان، و هي النظرية التي تقوم على أن سلطة الأفراد  قد أوكلت إلى رجال الدولة الرسميين.فكانت للموظف السلطات الكاملة  و لم يكن من المسموح به الرجوع في العقد بعد إبرامه، أي لم يكن من المسموح به أن  تسحب سلطات الموظف العام بعد اختياره للقيام بأعباء وظيفة معينة..
عن المقدمة  التي كتبها الدكتور محمد فتح الله الخطيب للجزء الثاني من : تطور الفكر السياسي -جورج سباين- ترجمة:حسن جلال العروسي- طبعة الهيئة المصرية العامة- القاهرة 2010- ص ص 12-14.


عن القانون..

[...]و لكن.. ماذا عن القانون  و عن روح القانون ؟
كنا نظن في بدء دراسة القانون أنه نصوص. و أن الدنيا تتغير بتغيير النصوص.العدل يسن بقانون، الظلم يزول بقانون.الخطأ يحدد بقانون. و الصواب يحدد بقانون.
كلا...علمتنا الأيام، و علمنا الأساتذة الكبار، أن القانون شيء غير هذا، شيء أعمق و أبعد من هذا بكثير.
القانون الجدير بهذا الاسم هو المعبر حقا عن روح المجتمع، الصاعد من أعماقه، تماما كالتعبير الفني حين يكون صادقا..
بدليل أن هناك مجتمعا فيه قانون غير مكتوب " عادة " أو تقليدا[ انجلترا مثلا]، يعيش قرونا محل احترام الناس و مراعاتهم.
في حين أن هناك قانونا يحمل كل أنواع الأختام .ختم حاكم أو ختم برلمان . و لكنه لا يحظى بأي اعتراف أو احترام من الناس، حتى من يوم صدوره.
ليست كل ورقة تحمل  [ختم ] سلطة تشريعية أو تنفيذية، قانونا بهذا المعنى.
قانون بمعنى الفرض، نعم.قانون بمعنى قرار السلطة، نعم. و لكنه ليس قانونا ، بمعنى تعبيره عن روح المجتمع، و اتساعه لرغباته و أمنياته، و تجاوبه مع أفئدة الناس في هذا المجتمع.
لذلك ترى أحيانا قوانين تهطل كالمطر، لكن سرعان ما تجففها الشمس، و تمسحها الرياح...
و ترى قناعات الناس و تصرفاتهم، تسير ي مسالك أخرى تماما...
و نرى قوانين تنقل من الكتب، أو تؤخذ من بلاد شتى متنافرة، كمن ينتقي أصنافا من دكان العطار، و لكنها تبقى غريبة.
هل تورق شجرة بلاستيك مصطنعة، و تثمر؟ مستحيل.
هل تزرع شجرة حقيقية في أي مكان؟ إن كل نبتة لها بيئة و طقس [تحكم]عليها بالعقم أو بالإثمار.
كذلك القانون...
أحمد بهاء الدين
حديث الشهر-العربي- العدد 260
شعبان 1400هـ/يوليو 1980
ص ص6-11


في الصحة النفسية للطلبة

في الصحة النفسية للطلبة

في الصحة النفسية

" ليس المهم ما يحدث لنا، بل فكرتنا الخاصة عما يحدث لنا!"
***
إن الكثير من المشاكل التي نعاني منها، ليست موجودة في الحياة و في الواقع على النحو الذي نتصوره، بل هي - في الغالب- انعكاس لما في نفوسنا من يأس و تشاؤم..
و من هنا، يذهب علماء النفس، إلى أن المشاكل التي تحاصر حياتنا، ليست نتيجة مباشرة للأحداث التي تقع لنا، بقدر ما هي ناتجة عن تفكيرنا الشخصي ، و حكمنا الذاتي على الظروف و تقييمنا الخاص لدلالات الأحداث!  
و معنى هذا أن ما يسيء إلى الإنسان - في كثير من الأحيان- ليس هو ما يحدث، بل فكرته الخاصة عما يحدث!   و لعل هذا ما عناه الإمبراطور الفيلسوف الروماني الكبير" ماركوس أوريليوس" (Marcus Aurelius)(180-121)، عندما قال:" إن حياتنا ليست شيئا آخر سوى ما تخلقه منا أفكارنا ".فنحن الذين نقدر ظروفنا، و نحن الذين نقيّم أحداث حياتنا ، و نحن - في خاتمة المطاف - الذين  نخلق أسباب بأسنا و شقائنا، أو أسباب غبطتنا و سعادتنا..
د.زكريا إبراهيم - الصفاء النفسي- العربي- العدد 169 (الكويت :ديسمبر 1972)- ص ص 131-35.



طريقة فعالة مجربة للنجاح في الحياة الجامعية

طريقة فعالة مجربة للنجاح في الحياة الجامعية


 على هذا النهج سيروا

لمن يبحث عن طريقة فعالة للنجاح في الحياة الجامعية..اقدم له هذه "الوصفة"،إنها مجربة..و "على ضمانتي"..و لكن قبل استعمال هذه الوصفة، تأكد أنك لا تعاني من مرض الكسل..و لا تشكو من ضعف الإرادة و العزيمة..و الأهم من هذا، أن لا تعاني من " الشكوك و الوساوس "، حول من أنت ؟ و ماذا تريد؟
***
 كتب العلامة  العربي الكبير الدكتور أحمد زكي (1894-1975)- رحمه الله- ،عن أيام دراسته الجامعية ، في لندن في الربع الأول من القرن العشرين(1919-1928):،فقال:
كنت طالبا في بلد من بلاد الغرب..فذكرت شيئا عجبا.
ذكرت أنّا، نحن الطلبة،كنا نحضر المحاضرة، و نستمع إلى المحاضر و نلتقط و نملأ الأوراق البيض نقاطا. و يؤكد لنا الأستاذ أن محاضرته هذه ليست إلا تمهيدا لما سوف نقرأ في كتبنا ليلا.إنه في محاضرته إنما يبيّن لنا الخطوط العريضة للموضوع الذي يتحدث فيه.يرسم لنا الطريق السلطاني [الشارع العريض]، و يدع الشوارع التي تتفرع عنه للكتب تتحدث عنها.إن ساعة واحدة لا تكفي.إن النهار للإجمال،و الليل بيننا و بين الكتب للتفاصيل.
و يأتي الليل، فأراني قاعدا، و على الطاولة أمامي كتابان كبيران، كل منهما عُمدة..و أمامي لقطاتٌ لقطتها من لفظ الأستاذ تهديني إلى تعرّفي طريقي في هذين الكتابين.ثم كراسة ، هي كراستي لهذا الفرع من العلم،أنقل إليها المحاضرة التي أجمعها لنفسي بنفسي، من مصادر ثلاثة ، لسان الأستاذ صباحا، و حديث هذين الأستاذين المؤلفين الكبيرين ليلا.
و احتفظت بكراستي هذه، مثلا،للنظافة، و الكفاية، و أساسا للمراجعة كلما حان امتحان. و احتفظت بكراساتي هذه فأريتها لتلاميذي بعد ذلك في الجامعة، لأقول لهم على هذا النهج الذي تعلمناه سيروا.






طلب العلم و التعلم في تراثنا الإسلامي


طلب العلم و التعلم في تراثنا الإسلامي

في  طلب العلم..و التعلم..


كتب  الأديب و العالم العربي الكبير،عبد اللطيف البغدادي (ت 629هـ/1231م):
[...] أُوصِيكَ ألاّ تأخُذَ العلومَ من الكتبِ و إِنْ وَثِقْتَ من نفسِكَ بالفهم.و عليكَ بالأُستاذِينَ [الأساتذة]في كلِّ علمٍ تطلُبُ اكتسابَه؛ و إن كان الأستاذُ ناقصاً فخُذْ عنه ما عِنْده حتّى تَجِدَ أكملَ منه. و عليك بتعظيمهِ و ترجيبهِ [احترامه] ، و إن قدِرْتَ (على) أن تُفيدَه من دُنياكَ فافْعَلْ، و إِلاّ فبلسانِكَ و ثنائك.و إذا قرأتَ كِتابا فاحْرِصْ كلَّ الحِرْصِ على أن تستَظْهِرَهُ و تَمْلِكَ معناه، و تَوَهّمْ أن الكِتابَ قد عُدِمَ و أنّك مُسْتغنٍ عنه، و لا تحزَنْ لِفَقْدِه.و إذا كنت مُكِبّاً على دِراسة كتاب فإيّاك أن تشتغلَ بآخرَ معه  (بلِ احرِصْ على) صَرْفِ الزمانِ الذي تُريدُ صَرْفَهُ في غيره إليه.و إيّاكَ أن تشتغلَ بِعِلْمينِ دُفعةً واحدةً، و واظِبْ على العلمِ الواحدِ سنَةَ أو سنتين أو ما شاء اللهُ، فإذا قَضَيتَ منه وَطَرَكَ فانتقِلْ إلى علمٍ آخرَ.
و لا تظُنَّ أنّك إذا حَصَّلْتَ عِلْماً فقدِ اكتفيتَ،بلُ تحتاجُ إلى مراعاته لِينمى [يزداد] و لا ينقُصَ؛ و مُراعاتُه تكونُ بالمذاكرةِ و التفكّر و اشتغال المُبْتدئ بالتحفُّظِ و التعلّم و مُباحثة الأقرانِ و باشتغال العالمِ بالتعليمِ و التَصنيف [التأليف=البحث العلمي]...و من لم يَعْرَقْ جبينُه إلى أبوابِ العُلماء لم يُعْرِقْ في الفضيلة، و من لم يُخْجِلوه لم يُبَجِّلْهُ [يُعظِّمه] الناسُ، و من لم يُبَكِّتُوه [يوبخوه] لم يُسَوّدْ [يصبح سيدا ]، و من لم يحتملْ ألَمْ التعليمِ لم يَذُقْ لَذّةَ العلمِ..
اقتبسه د.عمر فروخ- تاريخ الأدب العربي-ج3ص ص506-7

و كتب أحد المربين المعاصرين ، هو الدكتور محمد رواس قلعجي:
"[...] العالم لا يكون عالما إلا إذا جالس العلماء و أخذ عنهم، و لقح فكره من فكرهم، و لا يكفي أخذه عن الكتب من غير أستاذ يرشده، لاحتمال أن يفهم منها غير المراد لقصور في تعبير المؤلف أو لكلالة ذهن من القارئ، و لذلك كان علماؤنا يطلقون على من استغنى عن الأساتذة بالكتب، اسم " الوراقين"، و نصوا على عدم جواز أخذ الفتوى منهم..":- في كتابه :" البحث العلمي تاريخه و منهجه في الإسلام"- رئاسة المحاكم الشرعية و الشؤون الدينية- الدوحة -(ذو الحجة 1402هـ/1982)- ص 74.

***
ملاحظة:الإضافات بين القوسين الهلاليين من الأستاذ " عمرفروخ"،و الإضافات بين القوسين المعقوفين، مني أنا عبد الإله السويلمي.