الأربعاء، 25 مارس 2020


المبحث الثاني:مبادئ الضريبة
مبادئ الضريبة كثيرة، منها مبدأ السنوية..و إقليمية الضريبة..و عدم ازدواج الضريبة،..و هناك مبادئ أخرى، البعض منها سنتناوله هنا،في هذا المبحث، و البعض الآخر-تفاديا للتكرار- سنرجيء الحديث عنه ، لدراسته في مكان آخر،في  سياق أفضل من هذا ، أي في سياق يساعد الطالب على ربط المفاهيم بعضها ببعض،لأجل فهم أعمق للمادة.
وعليه ، فإن حديثنا هنا، سيقتصر على بعض المبادئ الأساسية، أو التي نعتبرها أساسية، و الملائم جدا أن تأتي في مستهل حديثنا عن الضريبة،..
المطلب الأول: مبدءا المساواة أمام و بالضريبة
من المبادئ الأساسية، هناك مبدءان يحكمان الضريبة، و هما مبدأ المساواة أمام الضريبة، و مبدأ العدالة (أو المساواة بالضريبة).
و في الواقع، إن المبدءان متكاملان، و يصعب الفصل بينهما، بل هما وجهان لعملة واحدة...فيمكن تعريف  العدالة الضريبية بأنها إخضاع "..جميع من هم في مركز اقتصادي واحد لعبء ضريبي متساو"[1].
و يمكن تحقيق هذه العدالة، بثلاثة طرق، هي: عمومية الضرائب، و منع تعددها على ذات المكلف إن كان الوعاء واحدا، و مراعاة الضرائب للظروف الشخصية و الاجتماعية و الاقتصادية للمكلف[2].
و الحقيقة، لقد أثيرت قضية العدالة الضريبية، منذ أقدم العصور، و لكن بمفاهيم متغيرة، ففي كل مرحلة من التاريخ، و من التطور البشري، يزهر مفهوما معينا للعدالة الضريبية..
و عموما، يلاحظ مؤرخو الفكر الجبائي، أن مفهوم العدالة الضريبية، قد تطور من " العدالة الحسابية أو الرياضية"(L'égalité mathématique)، إلى مفهوم " العدالة الشخصية" (L'égalité personnelle).
فالمفهوم الذي كان سائدا، في زمن هيمنة الفكر الليبرالي الرأسمالي، خلال القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، هو "العدالة الرياضية"، و مفاده أن العدالة تتحقق إذا فرضت الضريبة بسعر نسبي على الدخول المتساوية.
و نوضح هذه الفكرة، بمثال:إذا كان دخل "زيد" السنوي،يبلغ (100.000) درهم، و أدى عنه (1000 درهم)، فإن العدالة الضريبية تتحقق ، إذا دفع "عمرو"، و له دخل مساو له (100.000 ) درهم، ألف درهم أيضا.
غير، أن هذا المفهوم " للعدالة"، سرعان ما تعرض للنقد، إذ تبين أنه يقوم على " عدالة وهمية"، بدليل أنه إذا كان هناك  شخصان ملزمان بالضريبة على الدخل، يحققان دخلا سنويا متساويا؛ و أن أحدهما عازب، و الآخر متزوج و له أبناء؛فإن العبء الجبائي، أو فلنقل التضحية الجبائية،التي يتحملها المتزوج ، لا تعادل تلك التي يتحملها العازب.
من هنا، ظهرت الحاجة، إلى إيجاد طريقة أو معيار آخر، لتحقيق عدالة " أكثر انصافا"، تتحقق فيها المساواة في التضحية أمام الضريبة (égalité de sacrifice)،من خلال الأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية لكل مكلف :من هنا، ظهر مفهوم" التشخيص الضريبي".
عن هذا المفهوم الأخير، ستتفرع لاحقا، أربعة مبادئ أساسية أخرى، في الضريبة المعاصرة، و هي:1) مبدأ الأخذ بعين الاعتبار الأعباء العائلية، و 2) مبدأ تصاعدية الضريبة، و 3) مبدأ اعفاء الحد الأدنى اللازم للعيش،و 3) مبدأ التمييز بين مصادر الدخل.
1-مبدأ الأعباء العائلية:
عند تساوي الدخول، فإن الملزم العازب، يجب أن يؤدي ضرائب أكثر من رب الأسرة؛ لأن النسبة المخصصة للانفاق الضروري ، هي أكبر بالنسبة لرب الأسرة، منها للعازب.
2-  مبدأ تصاعدية الضريبة:
هذا النظام، هو نتيجة مباشرة، للمنفعة الحدية (L'utilité marginale)؛أو بالأحرى " تناقص المنفعة الحدية للدخل":فكلما ازداد حجم الدخل،كلما تناقصت قيمة الأجزاء الفائضة عن الحاجة منه:فلو قسمنا الدخل (و ليكن 10.000 درهم مثلا) إلى أجزاء أو شرائح، كل شريحة قيمتها ألف درهم، فإن الشرائح الأولى تكون منفعتها أكبر لصاحب الدخل،لأنه ينفقها على الضروريات، في حين أن ما زاد مثلا على (7000 أو 8000 درهم)، تكون منفعته أقل؛
3- مبدأ اعفاء الحد الأدنى (Exonération du minimum vital):
لقد تم التوصل إلى فكرة، أن لكل مواطن حصة من الدخل، لا يمكن أخضاعها للضريبة، لأنها تخصص لضمان توفير الحد الأدنى من الحاجيات (المعيشية).
4- التمييز بين الدخول:
حسب مصادرها:الدخل المتأتي من العمل، و الدخل المتأتي من الرأسمال (الملكية العقارية مثلا..)، و الدخل المختلط ،الذي يختلط فيه العمل بالرأسمال (مثل  التجارة، و الصناعة، و المهن الحرة كالطب و الصيدلة..إلخ).
إلا  أن مبدأ العدالة الجبائية، لا يتنافى مع " التمييز " الايجابي لمصلحة بعض المكلفين الذين يمارسون بعض الأنشطة الاقتصادية، ضعيفة المردود، أو يوجدون في أماكن جغرافية مهمشة اقتصاديا[3].
المطلب الثاني: مبدأ سنوية الضريبة:
و مبدأ سنوية الضريبة ، مبدأ عام تخضع له كافة الضرائب المباشرة، و مؤداه أن الضريبة تفرض على  الوعاء الخاضع لها (دخل، أو إنفاق ، أو رأسمال)، و وفقا للحالة التي تكون عليها خلال سنة كاملة، من أول يناير إلى نهاية دجنبر من السنة الضريبية ، أيا كانت التغييرات التي تطرأ عليه خلال هذه السنة.كما أن من مقتضى هذا المبدأ كذلك، أن الأشخاص الملزمين بالضريبة (الخاضع لها الوعاء)، في بداية السنة الضريبية (يناير) يظلون ملزمون بها، حتى لو حدثت تغييرات في مراكزهم القانونية أثناء السنة الضريبية ( أي بعد أول يناير من كل عام):من ذلك، أن الخاضع للضريبة الحضرية، لو باع منزله الخاضع لتلك الضريبة،بعد أول يناير، يبقى ملزما بالضريبة[4]. 
و يتفرع عن هذا المبدأ العام ، مبدأ فرعي آخر يعرف بمبدأ " استقلال السنوات الجبائية"، و مفاده أن كل سنة جبائية، تعتبر وحدة مستقلة بذاتها، مستقلة عن السنوات التي قبلها و السنوات التالية لها، يحسب فيها، بالنسبة لكل مكلف، ماله و ما عليه، ما حققه من مداخيل، أو ما حصل عليه من أرباح، و ما قام به من عمليات خاضعة للضريبة، و ما تحمله من تكاليف ، و ما لحقه من خسائر أيضا، اللهم إلا إذا كان هناك نص قانوني يقضي بخلاف ذلك.
و يترتب على  هذا أن الإدارة الجبائية إذا قبلت تصريحا جبائيا لسنة معينة سابقة ، مثلا، لا يعني أنها ملزمة باعتماد المضامين الجبائية لذلك التصريح، بالنسبة لسنة أو سنوات تالية،ذلك أن مبلغ الضريبة المؤدى عن سنة معينة، لا يعتبر حجة على الإدارة،فيما يخص سنوات أخرى، ما لم يكن هناك قانون يسمح بذلك، أو يكون هناك اتفاق بين المكلف و الإدارة الجبائية، يقضي بذلك.
و إذا جرت العادة، بأن سنة تقدير الضريبة، هي السنة الميلادية، التي تبدأ من فاتح يناير، و تنتهي بنهاية شهر دجنبر؛ إلا أنه يمكن للمكلف أن يختار سنة أخرى، تبدأ من شهر آخر غير يناير.هذا من ناحية، و من ناحية ثانية، فإنه إذا كانت مدة التقدير هي سنة، فقد تضرب الضريبة بالنسبة لبعض المكلفين على مدة أقل من الإثني عشر شهر، بسبب توقفه عن العمل ( إغلاق المقاولة بشكل مؤقت، أو دائم)، أكثر من اثني عشر شهرا،بسبب اشتغاله في أعمال يستغرق اتمامها و تنفيذها أكثر من سنة.
المطلب الثالث:مبدأ ضرورة الضريبة:
الضريبة تضرب على الجميع،..و يشمل هذا الواجب المالي الأفراد( الأشخاص الطبيعيين) و الهيئات ( الأشخاص المعنويين) في القطاع الخاص، و يستثنى منها عادة الدولة و مؤسساتها العامة( باستثناء تلك التي تقوم بأنشطة تجارية أو صناعية، و تخضع لأحكام القانون الخاص).
هذا المبدأ صار مبدأ دستوريا، لا يكاد يخلو منه أي دستور، منذ أن ورد لأول مرة في المادتين(13) و (14) من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان و المواطن، الصادر في 1789، و يقضي بأنه يجب على جميع المواطنين أن يساهموا في تغطية التكاليف العمومية، كل على قدر استطاعته[5].
و هذا المبدأ ، كما يرى فقهاء القانون العام، يتفرع عنه:
أ- حق الإدارة في الرقابة على تصريحات المكلفين؛
ب- و حق الإدارة في محاربة التهرب.
و هذا المبدأ، يرتبط او يتلازم  مع مبدأ " حرية التجارة و الصناعة": فإذا كانت الحرية لا تحول دون أداء الضريبة، فإن ضرورة الضريبة لا يجب أن تحد من الحرية. 
إن المكلف ببعض الضرائب ملزم بتقديم تصريحه أو إقراره الجبائي، إلى مصلحة الضرائب التي يوجد بها مقر إقامته أو نشاطه الخاضع للضريبة، داخل الأجل ، و وفق القواعد القانونية، و إلا تعرض لعقوبات.
هذا من ناحية، و من ناحية أخرى،فإن المكلف ملزم بأن يرفق بتصريحه الوثائق التي تدعم و تؤكد صحة تصريحه و دقة المعلومات الواردة فيه،لأن الإدارة الجبائية تمارس رقابة على هذه التصريحات.
المطلب الرابع:مبدأ حفظ حرية المكلف:
إن سن الضرائب، و منح الإدارات الجبائية صلاحيات كبيرة في تحصيلها، لا يجب أن يحد من حريات الأفراد الشخصية، و حرياتهم في ممارسة الأنشطة التجارية و الصناعية.
أ- على مستوى حماية الحرية الشخصية:رغم أن القانون الجبائي، يعترف للإدارة بمجموعة من الامتيازات، في قيامها بمهامها،إلا أن ذلك لا يجب أن يحد من حريات الأشخاص:فإذا كان التشريع الجبائي يلزم المكلف بتقديم تصريحه الجبائي وفق شروط معينة،و من ثم يرخص للإدارة أن تمارس رقابة على هذا التصريح، بل أن تعاقب المكلف في حالة عدم تقديمه،أو تقديمه بمضامين غير صحيحة، من ناحية أخرى. إلا أنه القانون الجبائي، في المقابل، يوجب على الإدارة الجبائي أن تقوم بكل هذه الإجراءات في إطار احترام كامل للضمانات التي يخولها القانون للمكلف،و إلا ألغى القرارات التي قد تتخذها الإدارة ضد المكلف؛
ب- على مستوى حماية حرية التجارة و الصناعة:إذا كان للقانون الجبائي، قواعده و مفاهيمه الخاصة، إلا أنه لا ينبغي التوسع في تطبيق هذا المعنى، بما يؤدي إلى المس بحرية المقاولين في إدارة مقاولاتهم، أو عرقلة أعمالهم :إن قانون الشغل، وجد، على غرار باقي القوانين، ليحفظ للمقاولين حرياتهم في إدارة و تسيير مقاولاتهم، بالطرق و المناهج التي يرونها مناسبة.غير أن المشرع الجبائي، لا يسمح  للمكلف،باسم الحرية، أن يرفض أداء الضريبة، أو يتهرب من أدائها باستعمال و سائل الغش و التزوير (في الوثائق المحاسبية مثلا).
المطلب الخامس المطلب الثالث:مبدأ القدرة على الدفع:
يراعي المشرع الجبائي عموما، عند فرض الضريبة، قدرة المكلف على الدفع، إذ يأخذ بعين الاعتبار حجم الدخل، و نوعيته، و الوضع العائلي و الاجتماعي، و غير ذلك من الأمور التي يحسب لها حساب، عند تقدير قدرات المكلفين على أداء الضرائب.
و الكثير من التشريعات الجبائية التي عرفتها البشرية، أخذت بصور من هذا المبدأ، إذ أن إهماله قد يهدد ، ليس الضريبة فقط، بل النظامين السياسي و الاجتماعي.و من أهم التشريعات التي أخذت به، التشريع الإسلامي؛ إذ أن الجزية كانت تؤدى على "قدر الطاقة" أي قدرة المكلف الجبائية.و هو المبدأ نفسه، الذي نادى به عدد من علماء الاقتصاد و المالية، و على رأسهم " آدم سميث"، كما سنرى لاحقا.



[1]  الصكبان-م.س- ص 170.
[2]  الصكبان- م.س- ص 170.
[3]  من ذلك أن المجلس الدستوري الفرنسي، خرج بقرار له، بتاريخ 29 دجنبر 2009، يقول فيه:" إن مبدا العدالة لا يحول دون وضع ضرائب خاصة، يكون موضوعها حث المكلفين على تبني سلوكيات تتطابق مع أهداف المصالح العامة، مادامت القواعد [القانونية] التي تحددها، مبررة من وجهة نظر هذه الأهداف".
" Le principe d'égalité ne fait pas obstacle à ce que soient établis des impositions spécifiques ayant pour objet d'inciter les redevables à adopter des comportements conformes à des objectifs d'intérêt général, pourvu que les règles qu'il fixe à cet effet soient justifiées au regard des dit objectifs ":Bouvier-op.cit-pp40-41.
[4]  د.السيد عبد المولى- التشريع الضريبي المغربي- مكتبة الطالب- الرباط (د.ت)- ص 100.
[5]  لقد كان عالم المالية، " سبستيان دون فوبون" (S.de Vauban)(1707-1633)، الذي يعتبر في نظر بعض المؤرخين " أول منظر لضريبة الحديثة"،من أوائل، إن لم يكن، أول من صاغ هذا المبدأ، في كتابه (Projet d'une dîme royale) (1707)، الذي جاء فيه:"Il existe une obligation naturelle aux sujets de toutes conditions de contribuer à proportion de leur revenu ou de leur industrie sans qu'aucun d'eux s'en puisse raisonnablement dispenser ":Catherine Golliau-Impôt payé par tous-in:Le point -col Références-Mai/juillet 2019-p80.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق