الثلاثاء، 31 مارس 2020


المطلب الثاني: معيار نقل العبء الجبائي:
السؤال الذي يطرح هنا، و الذي بالإجابة عنه، يتحدد التمييز، بين الضريبة المباشرة و الضريبة غير المباشرة، هو من يتحمل عبء الضريبة في النهاية؟ هل يقع عبؤها على الملزم (قانونا) بأدائها؟ أم أن هناك إمكانية لهذا الأخير،لكي يلقي بعبئها على غيره؟
ففي الحالة التي يستحيل أو يصعب، على الأقل، على المكلف(الملزم قانونا) بأن يلقي تكلفتها على غيره، نكون أمام ضريبة مباشرة (مثال ذلك الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين..).و في الحالة الأخرى،نكون بصدد ضريبة غير مباشرة ( مثل الضريبة على القيمة المضافة،التي و إن ألزم البائع أو المنتج(المقاول) بأدائها،إلا أنهما يستطيعان إلقاء عبئها بسهولة على المشتري (المستهلك) )[1].
و يقصد بهذا أن المكلف قانونيا بدفع الضريبة، قد يعمل على إلقاء عبئها كله أو بعضه، على شخص آخر، و هذا الأخير قد يسلك بدوره السبيل نفسه، حتى تستقر الضريبة على المكلف النهائي( الفعلي)( و هذه الظاهرة ، هي التي تعرف براجعية الضريبة أو نقل عبء الضريبة= L'incidence de l'impôt)[2].
و نقل العبء يكون سهلا في الضرائب غير المباشرة، من خلال عمليات التبادل ( المبادلات) التي يقوم بها المكلف، و هي تشكل وعاء الضرائب غير المباشرة (إنتاج السلع و تداولها)، قياسا إلى الضرائب المباشرة التي تفرض على اكتساب الدخل[3]، و على تملك الرأسمال، و هي وقائع بعيدة عن التبادل و المبادلات[4].
و لقد تعرض هذا المعيار إلى انتقاد،لأن بعض المكلفين، لا يستطيعون نقل عبء( أو ثقل) الضرائب الملقاة على كواهلهم، لإلقائه على كواهل غيرهم،في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ترغمهم على تحمل الضرائب، للحفاظ على زبائنهم.
المطلب  الثالث:معيار ثبات و استمرارية الوعاء:
و ذهب فريق ثالث من فقهاء الضريبة، إلى أن المعيار الأفضل للتمييز بين الضرائب المباشرة و الضرائب غير المباشرة، هو الذي يعتمد على طبيعة المادة الضريبية، من حيث مدى استمرارها و استقرارها و ثباتها.
و عليه، فالضرائب المباشرة ، حسب وجهة النظر هاته،هي التي تضرب على مصادر( للمواد الضريبة) تتمتع ببعض الثبات أو الدوام النسبي، كالرأسمال (العقارات، مثلا) ،أو تتجدد بشكل مستمر(مثل الدخل المتأتي من الأجور و المرتبات..).أما الضرائب غير المباشرة، فهي التي تضرب على بعض الوقائع و التصرفات العرضية أو المتقطعة(غير منتظمة)، كاستيراد السلع(بالنسبة للرسوم الجمركية)، و الاستهلاك( بالنسبة للضرائب على الاستهلاك، مثل ض.ق.م TVA)، و تسجيل العقود (بالنسبة لضريبة التسجيل و التنبر).
و يبدو أن هذا المعيار أكثر قبولا من سابقيه، إلا أنه ترد عليه هو الآخر بعض الاستثناءات، مما يجعل فعاليته محدودة، من ذلك مثلا ضريبة التركات:فهي ضريبة غير مباشرة،إذ تفرض على واقعة انتقال الثروة بسبب الموت، و هي واقعة عرضية لا تتكرر،و لكن بعض الكتاب يعتبرونها ضريبة مباشرة(على الرأسمال)، لاسيما إن اقتطعت نسبة كبيرة من التركة.
و رغم هذا الانتقاد، إلا أن هذا المعيار يبقى أكثر مصداقية من غيره.و الجدير بالذكر، أن المشرع المغربي، يميل إلى استعماله أكثر من غيره، في التمييز بين الضرائب المباشرة و غير المباشرة.
و بقي أن نشير ، في ختام هذا الحديث عن الضرائب المباشرة و الضرائب غير المباشرة،إلى أن لكل نوع مزاياه و عيوبه:
1-فالضرائب غير المباشرة ضرائب عينية في الغالب، في حين أن الضرائب المباشرة قد تكون عينية، كما قد تكون شخصية؛
2- الضرائب المباشرة، نظرا لتشخيصها، قد تحقق العدالة الاجتماعية؛ في حين لا تحقق الضرائب المباشرة هذه العدالة ( تعتبر عمياء، إذ لا تمييز بين الغني و الفقير، و لا بين رب الأسرة الكبيرة، و رب الأسرة الصغيرة)[5]؛
3- الحصيلة الجبائية للضرائب المباشرة قد تكون ثقيلة، فتولد لدى المكلفين الوعي الجبائي و الوطني( تدفعهم إلى التساؤول: كم يجبى؟ و لأي سبب؟ و أين ينفق فعلا؟..؟)؛في حين أن الضرائب غير المباشرة، قد تكون حصيلتها هي الأخرى كبيرة، إلا أن المواطنين( المكلفين) يدفعونها على دفعات متقطعة ، و من ثم لا يشعرون بثقلها، و يكاد احساسهم بها يكون منعدما (و من ثم فهذه الضرائب، تميت الوعي الجبائي لدى المواطنين).
و الحاصل،أن النظام الجبائي الفعال، هو الذي يحرص على الجمع بين الضرائب المباشرة و الضرائب غير المباشرة،لأن كل واحد من هذين النوعين؛إنما هو في الحقيقة،كما سبق القول أعلاه، طريقة من الطرق لتتبع الثروة.و لست في حاجة إلى القول، على ما أعتقد- اعتمادا على ما سبق و شرحته في مستهل هذه الدروس-، أن كيفية الجمع بين هاتين الطريقتين في نظام جبائي واحد؛ تتأثر إلى حد كبير بالأحوال السياسية، و الظروف الاقتصادية و الاجتماعية، و مستوى التقدم الإداري و التقني السائد في كل بلد.


[1]  و سنعود للحديث عن الضريبة على القيمة المضافة(TVA)، في فصل لاحق إن شاء الله.
[2]  من ذلك على سبيل المثال، الضريبة على الإنتاج:فالمنتج هو المكلف القانوني بالضريبة على الإنتاج(و هي ضريبة غير مباشرة، مثل TVA)، و لكنه يستطيع أن ينقل عبئها إلى الغير ( مستهلك ذلك الانتاج).و من ذلك أيضا أن التاجر الذي يستورد سلعا من الخارج، يتحمل (في البداية) عبء الضرائب الجمركية،غير أنه لا يلبث حتى يبيعها في السوق(الداخلي) ، بثمن ( يتضمن الكلفة، و الأرباح، و مقدار الضريبة التي دفعها):و هكذا يتمكن المكلف القانوني بالرسوم الجمركية، من نقل عبئها إلى المكلفين في الواقع،أي زبائنه من التجار( في حالة البيع بالجملة) ،الذين قد يقومون بدورهم  بنقل عبئها، ليلقوه على المستهلكين العاديين(في حالة البيع بالتقسيط).
[3]  هذا المعيار، ترد عليه، هو الآخر، استثناءات:فقد تفرض الضريبة(المباشرة) على الدخل العقاري، فيلقى المالك عبئها على المكتري.أو تفرض على الأجور، و هي أيضا ضريبة مباشرة، فيطالب العمال بزيادة أجورهم، فيقوم المقاول( المشغل) بالزيادة في أثمنة السلع التي ينتجها.و في المقابل، فقد يبني أحدهم منزلا،فيخضع للضريبة على القيمة المضافة- و هي ضريبة غير مباشرة-، و لكنه لا يستطيع أن ينقل عبئها إلى غيره.
[4]  المحجوب- ص 186، و يؤكد هذا المؤلف في نفس المكان:" ..و لذلك اتجه الاقتصاديون التقليديون [ الكلاسيكيون] ، في تحديد من يتحمل عبء الضريبة اتجاها بسيطا و واضحا.فذهبوا إلى أن عبء الضرائب المباشرة يقع على المكلفين قانونا بأدائها، و ذلك عن طريق خفض دخولهم النقدية[ بفعل الضرائب] ؛ بينما يقع عبء الضرائب غير المباشرة على المستهلكين، و ذلك عن طريق رفع أثمان سلع الاستهلاك، و قد اعتمد التقليديون في الوصول إلى هذه التفرقة البسيطة على مدى قرب وعاء هذين النوعين من الضرائب من المبادلات..".
[5]  فرب الأسرة الكبيرة، لا سيما الفقير، يضطر لشراء الكثير من المواد الغذائية، فيضطر،بالتالي، إلى  ضرائب أكثر من الضرائب التي يدفعها رب أسرة تتكون من فردين (الزوج و الزوجة).و لأجل تجنب هذا الحيف و الظلم، فكثيرا، يتم تخفيف الضرائب غير المباشرة على المواد الغذائية الأساسية( راجع ما كتبناه ، في هذه الدروس، عن أسعار الضريبة على القيمة المضافة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق