الأربعاء، 25 مارس 2020




الباب الثاني :
لقد رأينا في الفصل التمهيدي،حدة النقاشات التي أثيرت ، في القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، حول الطبيعة التعاقدية للعقود الإدارية.إلا أن حدة هذه النقاشات، فيما يخص الصفقات العمومية، قد خفت اليوم- حتى لا نقول اختفت -؛لأن المشرعين في مختلف البلدان، و منذ النصف الثاني من القرن العشرين، اختاروا أن يسدلوا الستار على هذا الملف بشكل نهائي، مؤكدين ، من خلال مختلف القوانين التي سنّوها، أن الصفقات العمومية، إن لم تكن بطبيعتها عقودا، فهي بحكم القانون كذلك.
 و من هؤلاء المشرعين، نجد المشرع المغربي، الذي مافتئ يصرح، في مختلف القوانين الصادرة عنه[1]،بأن الصفقات العمومية ، عقود ( المفصل الأول) تبرمها الإدارة( الدولة، او الجماعات المحلية، أو المؤسسات العمومية)( الفصل الثاني)، مع مقاول او مورد أو خدماتي بهدف تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات( الفصل الثالث)، مقابل عوض محدد( الفصل الرابع).و أن هذه العقود، غالبا ما تكون مكتوبة، و تتضمن دفاتر تحمُّلات تحدد الشروط التي بموجبها تنفذ الصفقات      ( الفصل الخامس).
الفصل الأول:الصفقات العمومية عقود:
يعرف العقد، بأنه " اتفاق بين إرادتين ، على إنشاء التزام أو على نقله" أو هو في تعريف آخر" اتفاق إرادتين على ترتيب أثر قانوني بإنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله"[2].و كي يصبح هذا الاتفاق صحيحا من الناحية القانونية ( و يحدث الآثار القانونية الملزمة)، فلا بد أن يتوفر على أربعة شروط     ( نص عليها الفصل الثاني من قانون الالتزامات و العقود)، و هي :
1.    أهلية المتعاقدين؛
2.    تعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام ( الرضى أو التراضي)؛
3.    شيء محقق يصلح أن يكون محلا للالتزام المتولد عن العقد؛
4.     سبب مشروع للالتزام المذكور.
و لأن الرضى ( أو التراضي)، يعتبر الركن الأساسي في العقد، فسنتناوله أولا( هو و العيوب التي قد تشوبه)( مبحث أول)، ثم سنتناول بعد ذلك باقي الأركان، على التوالي :الأهلية، فالمحل،ثم السبب (مبحث ثاني).
غير أنه، و إن كان عقد الصفقة العمومية، يشبه ،في أركانه، عقود القانون المدني،إلا أن بنيانه لا يستقر في حقيقة الأمر، إلا إذا استند على ركن آخر ( خامس)، هو الكتابة( مبحث ثالث).
المبحث أول: الرضى و عيوبه:
العقود مبدئيا اختيارية،إذ لا يمكن إرغام أحد على التعاقد إلا برضاه.فإذا تحقق شرط الرضى أصبح للعقد قوته الإلزامية( المطلب الأول).و لكن قد يحدث ان يشوب هذا الرضى بعض العيوب، فيصبح فاقدا لقوته الإلزامية، و يتعرض بالتالي للإبطال( المطلب الآخر).
المطلب الأول: التعبير عن الرضى:
إن إبرام عقد الصفقة العمومية، لا يمكن أن يتم إلا إذا تبادل طرفا هذا العقد إيجابا و قبولا متوافقين، تعبيرا عن إرادة كل منهما الحرة، في إحداث أثر قانوني، متمثل في الالتزام بالصفقة.فالإدارة و المتعاقد معها، لا يمكن إخضاعهما لأي التزام بمقتضى عقد الصفقة،- ( كما لا يمكنهما الاستفادة منها ) – إلا إذا عبّرا عن إرادتهما في أن يكون هناك عقد:فإذا تحقق من أحد الطرفين إيجاب، و من الطرف الآخر قبول، يكون التعبير عن إرادة الالتزام قد تحقق و اكتمل، و بالتالي ينشأ العقد.
و تبادل الإيجاب و القبول في الصفقات العمومية، يتم وفق إجراءات معينة، قننها المشرع، و لا يمكن لطرفي العقد ان يخالفاها ( قواعد آمرة).و عموما، و مع مراعاة استثناءات قليلة، فإن الدعوة التي توجهها الإدارة، على شكل إعلان تعلن فيه عن صفقة عمومية ( في إحدى الوسائل المتعددة لنشر الإعلانات الورقية أو الإلكترونية)، تعد بمثابة إيجاب من الإدارة مستوفي لكافة الشروط القانونية؛لأنه يتضمن في الغالب،و بشكل دقيق و تام، كل العناصر الجوهرية للعقد المراد إبرامه.إلا أنه، من الناحيتين القانونية و الواقعية، لا يعتبر ذاك الإعلان عن الصفقة إيجابا حقيقيا ملزما للإدارة إذا ما لقي قبولا من أحد الراغبين في التعاقد، لأن الإدارة – و يدعمها القانون و القضاء الإداري في ذلك- تعتبر دعوتها لإبرام صفقة من الصفقات ( و المنشورة في إعلان من الإعلانات)، مجرد دعوة للتعاقد وليست وعدا بالتعاقد، تلتزم الإدارة بمقتضاه بالتعاقد إذا أظهر أحدهم رغبته في إبرام الصفقة.
و مهما كان الأسلوب المعتمد في إبرام الصفقة و سواء تم اتفاق الطرفين في " مجلس العقد" أو بعد مدة،فالإدارة تحتفظ لنفسها بالحق في الرجوع عن إيجابها أو دعوتها للتعاقد.فإذا كان أسلوب إبرام الصفقة هو " التفاوض المباشر" مثلا، فإن العقد يعتبر مبرما في نفس الوقت الذي يتم فيه الاتفاق على العمل و العوض ( الثمن).و قد يتجسد الاتفاق في التوقيع الفوري على الصفقة.و لكن مع ذلك، لا تعتبر الصفقة نافذة إلا بعد استكمال إجراءات المصادقة عليها، و قد يرفض من له الصلاحية المصادقة على العقد، بدعوى المصلحة العامة[3].
المطلب الآخر:عيوب الرضى:
عيوب الرضى تفترض ان شرط الرضى متحقق في العقد، و لكنه مشوب بعيب، أثّر على قيمته و قوته. و يترتب على وجود عيب من عيوب الرضى في عقود الصفقات العمومية، بخلاف العقود المدنية، أنها تصبح باطلة بطلانا مطلقا[4]. و يلاحظ هنا،أن القاضي الإداري ن و إن كان يستوحي أهم اجتهاداته من القانون و القضاء المدنيين، عند البت في قضايا العقود الإدارية، إلا أنه يبتعد عنهما في الكثير من الأحيان، لاسيما عندما تكون قواعد تسيير و تنظيم المرفق العمومي مهددة؛ فيفضل – وقتها- عدم الحكم بإبطال الصفقات العمومية حتى و إن كانت مشوبة بعيب من عيوب الرضى، و ذلك بهدف تحقيق استقرار التعامل ، و المحافظة على سير المرافق العامة بانتظام و اطراد.
و الرضى يكون معيبا، بصفة عامة، إذا شابه تدليس أو غلط أو إكراه أو استغلال. إلا أننا سنتناول فيما يلي، العيوب التي تشوب العقود الإدارية، أعني التدليس و الغلط، لأن حالات الإكراه و الاستغلال تكاد تكون نادرة، إلى منعدمة[5].
الفرع الأول : التدليس:
التدليس أو الخداع (Le dol)، هو" استعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد"[6]، و هو من المبررات التي يعترف بها القانون المغربي، لإبطال العقود ( حسب الفصل 52 من ق.إ.ع).
و هناك أحكام قديمة نسبيا، صدرت عن مجلس الدولة الفرنسي، قضت بإبطال العقود التي يشوبها التدليس. من ذلك على سبيل المثال، الحكم في قضية (Les grands moulins de corleil/14/12/1923)[7]. غير أن القاضي الإداري عموما، لم يجز إبطال العقد بسبب التدليس إلا إذا كانت هناك طرق احتيالية لجأ إليها أحد المتعاقدين بلغت من الجسامة حدا كبيرا، لولاها لما أُبرم العقد ( حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية الصادر بجلسة 21/11/1984)[8].
الفرع ثاني: الغلط:
الغلط (L’erreur) هو " وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على اعتقاد غير الواقع"[9].أو هو تصور للحقيقة يتولد في ذهن المتعاقد، يدفعه إلى التعاقد؛ إذ لولاه لما تعاقد ( المادة 40 من ق.إ.ع).
و الغلط أنواع، فهناك الغلط في شخصية المتعاقد، و الغلط في الشيء محل التعاقد أو قيمته ، و كذلك الغلط في القانون.و لكن القاضي الإدارين على ما يبدو- على الأقل الفرنسي-لم يقبل الطعون الرامية إلى إبطال الصفقات العمومية، بسبب وجود غلط في القانون أو في تقدير ثمن الصفقة؛لأن مثل هذه الأخطاء لا يتصور وقوعها من هيئات مهنية  محترفة[10] ، أو من الإدارة ( حكم مجلس الدولة في قضية الشركة Soc.de la piscine de la dame blanche/30/3/1980).و لكنه، في المقابل، اعتبر الغلط في الشخص المتعاقد أو في صفة من صفاته ( التي لها علاقة بالعقد)؛ إذ أن صفة الشخص المتعاقد (=intuitus personae ) تعتبر أساسية في الكثير من العقود، و من ضمنها العقود الإدارية،و تعتبر عيبا يجيز إبطال العقود الإدارية؛ و لقد قضى مجلس الدولة الفرنسي ببطلان عقد الصفقة الذي أبرمه الشخص( الطبيعي) بصفته الشخصية، في حين أن الإدارة قصدت التعاقد معه باعتباره ممثلا  لإحدى الشركات(شخص معنوي) ( حكم مجلس الدولة في قضية OPHLM du calvados[11]،بتاريخ /11/2/1972)[12].
المبحث الثاني: الأهلية، و الموضوع ، و السبب:
لقد أرجأنا الحديث عن الأهلية و الموضوع و السبب، لأنها قليلا ما كانت مبررات لإبطال العقود الإدارية.و مع ذلك، فقد يحدث أن يقرر القاضي الإداري إبطال عقد من العقود الإدارية،إما لوجود عيب في الأهلية (المطلب الأول)، أو في الموضوع (المطلب الثاني) أو السبب( المطلب الثالث).
المطلب الأول:الأهلية:
الأصل في الرضى الذي يتم به انعقاد العقد، أن يصدر من متعاقدين مؤهلين للتعاقد.و معلوم أن الأهلية المطلوبة في العقود الإدارية و منها الصفقات العمومية، تختلف عنها في العقود المدنية. فالأهلية، بالنسبة للمتعاقد باسم الإدارة هي امتلاك الصلاحية أو الاختصاص، أو الحصول على ترخيص أو تفويض ممن يمكن الصلاحية أو لاختصاص ، للتعاقد .و عموما، و باختصار شديد، فإن الصفقات العمومية لا تعتبر صحيحة إلا إذا أبرمها من له الصلاحية لفعل ذلك، و إلا اعتبرت باطلة بطلانا مطلقا[13].و لا يسمح القضاء الإداري بتدارك هذا الخطأ، و تصحيح العقد لاحقا ( a posteriori)، بتوقيعه من الشخص المؤهل لذلك. و هذا ما ذهب إليه القضاء الإداري الفرنسي( على سبيل المثال، حكمه في قضية Soc.d’Entreprises générales et de travaux publics pour la France et les colonies c/Mins.des travaux publics13/7/19611 ).
إلا أنه، في المقابل، يسمح للمتعاقد مع الإدارة، أن يطالب بتعويض عن الأضرار التي تكون قد لحقته جراء ذلك (حكم مجلس الدولة في قضية وزارة العدل ضد Entreprise Brep  ، و الصادر  بتاريخ 12/10/1949).
المطلب الثاني: المحل أو الموضوع:
لكي يكون هناك إلزام، فمن الواجب أن يكون للعقد موضوعا، و هو الشيء الذي يلتزم المتعاقد بالقيام به[14].فإذا تعلقت الصفقة، على سبيل المثال، بتوريد مواد غذائية إلى مطعم جامعي، فإن موضوع الالتزام بالنسبة للمورد هو تسليم المواد الغذائية  بالكميات و المواصفات المتفق عليها، و في الوقت و المكان المحددين في العقد.و يكون موضوع الالتزام بالنسبة للإدارة ( المشتري العمومي ) هو دفع الثمن المتفق عليه في العقد، بمجرد تسلم المواد الغذائية( باحترام و يكون موضوع الالتزام بالنسبة للإدارة ( المشتري العمومي ) هو دفع الثمن المتفق عليه في العقد، بمجرد تسلم المواد الغذائية( باحترام إجراءات الأداء طبعا).
و في القانون المدني، و يسايره القضاء الإداري في ذلك،يجب أن يكون المحل موجودا، معينا أو قابلا للتعيين، قابلا للتعامل فيه أي يكون موضوعه ممكنا و غير مستحيل في ذاته، و غير مخالف للنظام العام و الآداب( أي يكون شرعيا[15]).و من هنا، فلا يمكن للإدارة أن تلجأ إلى أسلوب التعاقد لتلبية كل حاجياتها،فلا يمكنها أن تنظم أو تسيّر بعض المرافق العامة السيادية ( كالأمن، و العدالة، و الدبلوماسية..إلخ)، عن طريق العقود الإدارية.كما لا يمكنها أن تتفق مع الأفراد، على اللجوء إلى التحكيم لفض المنازعات التي قد تنشأ معهم( إلا إذا كان القانون يسمح بذلك صراحة).و من هذا الباب، اعتبر القاضي الإداري أن الصفقة التي أبرمتها الإدارة و ترتب عنها تحديد الملك العمومي، غير ذات موضوع، لأنه لا يحق للإدارة  أن تنجز بواسطة العقود أعمالا تتطلب قرارات تنظيمية( حكم مجلس الدولة  في قضية Ass.les amis de la Terre 8/3/1985 ).و قضى القضاء الإداري المصري بأنه :"..إذا كانت الحكومة  قد تعاقدت مع المدعي على تنفيذ عملية توسيع و تعديل الطريق رقم 312، فإن مقتضى هذا التعاقد الإداري، أن يقوم المدعي بتنفيذ العقد من ماله الخاص، و على مسؤوليته. و هذا التعاقد لا ينسحب على ما ورد في البند التاسع من جدول الفئات الخاص بالعملية المتعاقد عليها المتعلقة بتوريد و تركيب بوابات حديد "طراز فهمي حنين"، متى كانت الحكومة قد اشترت براءة اختراع هذا النوع من البوابات، و صار من حقها دون سواها تشغيلها لمصالحها المختلفة دون الأفراد. و يترتب على ما تقدم اعتبار هذا البند من المقاولة، مما يتعارض في طبيعته مع جوهر العقد الإداري، إذ اتضح مما سبق أن موضوع البند التاسع من جدول الفئات مستحيل على المدعي، و على كافة الأفراد استحالة مطلقة، الأمر الذي يترتب عليه بطلان هذا البند..".
المطلب الثالث: السبب:
يمكن تعريف السبب بأنه الهدف الذي من أجله التزم طرفا العقد، أو الأساس الدافع للتعاقد، و الهدف الذي ينبغي للمتعاقد الحصول عليه من جراء التعاقد[16].و السبب الذي من أجله،تبرم الإدارة العقود الإدارية عموما، و هو تحقيق المصلحة العامة، و ضمان سير المرافق العامة. أما السبب الذي يدفع الطرف الآخر فهو المصلحة الخاصة، متمثلة في الحصول على عوض مالي.
و هكذا،فإن  التزام كل واحد من طرفي العقد، يجد سببه(سبب التزامه) في التزام الطرف الآخر:
1.    فالإدارة  تعتبر، من جهة، دائنة بتسلم العمل ( بناء سد، أو مستشفى..) أو المبيعات ( تجهيزات..)  أو خدمات ؛ و مدينة بالعوض(الثمن)..من جهة اخرى؛
2.    و المتعاقد معها،يعتبر، من ناحية، دائنا بالعِوض (الثمن)، و مدينا بتسليم العمل..أو المبيع أو الخدمة.. من ناحية أخرى.
لكن إبرام الإدارة- و حتى المتعاقد معها- لا يكون نتيجة لسبب واحد،إذ قد تكون هناك أسباب مباشرة و قريبة، و أسباب بعيدة...
الفرع الأول: السبب من وجهة نظر الإدارة:
إن الإدارة، من حيث المبدأ غير ملزمة بإظهار السبب (المباشر ) الذي من أجله أبرمت العقد، ما لم يقم هناك نزاع قضائي، فتضطر للكشف عنه حتى لا تتهم بمخالفة القانون[17].و لكن حتى في هذه الحالة، فهي تقف موقف الدفاع، و على خصمها أن يثبت أن السبب الذي دفعها للتعاقد لم يكن شرعيا، و هذا أمر يصعب إثباته.
و يتفق الفقه إلى وجوب توافر ركن السبب في العقد الإداري،و أن الإدارة لا تتعاقد بدون سبب أو بسبب باطل، إلا في حالات قليلة.و يلاحظ ندرة القرارات الإدارية القاضية بإبطال العقود الإدارية لغياب ركن السبب.لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا، هو ماهية الباعث أو الدافع للتعاقد؟
و لقد مرّ معنا، في الفصل التمهيدي و في مستهل هذا الفصل أيضا، أن القانون يحدد الأسباب ( الأساسية) التي من أجلها تبرم الصفقات ، و هي إنجاز أشغال، أو تقديم خدمات ، أو تسليم توريدات.
و من البديهي القول، بأن الصفقة التي لا يكون لها محل ( موضوع)، لا يكون لها من باب أولى سبب.بيد أنه قد يكون هناك موضوع شرعي- أو حتى مشروع – لإبرام صفقة معينة؛إلا أن السبب الذي من أجله أبرمت يكون غير شرعي أو غير مشروع ( أو هما معا): فقد يبرم رئيس جماعة محلية معينة، مدادا سريع الزوال،( و هذا في حد ذاته عمل شرعي لا غبار عليه)، و لكنه يستعمله لتسهيل تزوير الانتخابات ( و هذا عمل غير شرعي، و يعاقب عليه القانون)،أو أن يبرم المسؤول عن الإدارة( وزير أو مدير أو رئيس جماعة أو رئيس مصلحة خارجية=مندوب) صفقة عامة، لشق طريق تؤدي إلى ملكية خاصة،بدون توفر السبب القانوني الضروري الذي برر ذلك [18] .
الفرع الآخر: السبب من وجهة نظر المتعاقد مع الإدارة:
ينص قانون الصفقات العمومية،على أن عقود الصفقات تبرم مقابل عِوَض(م[19]) (contrat conclue à titre onéreux )، بمعنى   أن صاحب الصفقة يقوم بالعمل أو الأعمال المتفق عليها، مقابل حصوله على الثمن المحدد في العقد( من الإدارة)[20]:فالعوض،إذن، هو حصول المتعاقد مع الإدارة على المقابل المالي الذي يستحقه على وفائه بالتزامه المشروط في عقد الصفقة[21].
و تثير قضية العِوَض  إشكاليات كثيرة  و معقدة،إذ أن العوض هو أحد الأركان الأساسية التي تقوم عليها الصفقات العمومية:فهو المعيار الذي تقاس به فعالية الطلبية العمومية و حسن استعمال المال العام.كما أن التوصل إلى " العوض العادل و المنصف"، هو الهدف الذي من أجله تضطر الإدارة إلى تحديد حاجياتها بدقة، و تنظم منافسة واسعة.لا بل تفقد عبارة " الصفقة الأفضل اقتصاديا" معناها بالنسبة للإدارة، إذا هي تجاهلت مفهوم العوض "العادل"، أي الثمن في تناسبه مع المقابل الذي تحصل عليه:أشغال، أو خدمات، أو توريدات(م[22]).
و نفس الشيء تقريبا، يمكن قوله، إذا نظرنا إلى العوض من زاوية المتعاقد مع الإدارة؛ فهو لا يدخل في منافسة لنيل صفقة معينة، إلا للحصول المقابل المالي.لا بل لا يتنافس إلا إذا شعر أن الثمن الذي يقترحه- في عرضه المالي- ثمن "عادل" و "منصف" بالنسبة له:بمعنى أنه يسمح له بتغطية التكاليف و تحقيق هامش من الربح، يسمح لمقاولته بان تستمر و أن تتقدم و تزدهر( و هذا أمر طبيعي و مشروع).
و من هنا يتبن لنا أن  الثمن الذي تستحقه المقاولة- في عقد الأشغال على سبيل المثال- كجزاء لوفائها بالتزامها التعاقدي، هو دافعها الأساسي لإبرام الصفقة ، و أن غيابه في عقد الصفقة، يفقده طابعه التقابلي /التبادلي من وجهة نظر المقاول،أي يفقده طابعه التعاقدي،و بالتالي لا يتردد القاضي الإداري في اعتبار الصفقة التي بنيت على هذا العقد باطلة؛لأنها بغير مقابل أو عوض أو ثمن..أي بدون سبب(و هو ركن أساسي في كل عقد، حتى لو كان إداريا).
و إذا كان  القانون المدني، يشترط في الثمن الذي يحصل عليه البائع أن يكون معقولا، و إلا اعتبر "البيع" مجرد هبة مستترة، و يصبح العقد بالتالي معيبا، و قابلا للإبطال.فإن القانون الإداري، فيما يبدو، انتهى إلى نفس النتيجة، عندما اعتبر الصفقات التي يكون فيها الثمن هزيلا(م[23]) ؛ أو التي تكون على شكل "عقود مساعدة تطوعية أو تبرعية" (à titre gratuit)، خارجة من نطاق الصفقات العمومية(م[24]).
و إذا كان الأصل في عقود الصفقات العمومية أن يحدد الثمن بمبلغ(رقم) محدد من النقود،إلا أن القضاء الإداري لا يرى مانعا في أن يكون العوض مقابلا عينيا:فالشركة المتعاقدة على توريد بضاعة معينة، قد تقوم بالعمل المطلوب منها( تسليم آلات إلى مختبر عمومي، أو أدوية و تجهيزات إلى المستشفى العمومي، أو كراسي لإحدى الإدارات العمومية..)، و لكنها لا تحصل بالضرورة على العوض على شكل ثمن( مبلغ نقدي محدد)، بل قد تحصل على العوض في شكل عيني..أو نقدي و لكن بشكل غير مباشر[25].
و أيا ما كان شكل العوض، فيجب على الإدارة ألا تتنصل من مسؤولية أدائه.غير أن المتعاقد معها، من جهته مطالب ببذل قصارى الجهد للاستمرار في تنفيذ الصفقة، حتى لو أخلت الإدارة بالتزاماتها، كتأخير الأداء أو حتى عدم الأداء ، ليتمكن من المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته جراء ذلك ، فيما بعد.
و من هنا،نفهم كيف أن ثمن الصفقة، في الغالب، لا يقتصر على الثمن المتفق عليه في الثمن الأصلي(م[26])، بل يشمل أيضا التعويضات التي قد يحصل عليها نتيجة الأضرار التي تلحقه من أعمال الإدارة(م[27])، أو  تبعا لما قد يقوم به من أعمال إضافية، تطالبه الإدارة بإنجازها( بناء على عقود ملحقة)(م[28]).
المبحث الثالث: كتابة الصفقات:
العقود الإدارية ، يمكن أن تكون مكتوبة أو شفاهية.إلا أن المشرع اشترط في الصفقات أن تكون عقودها مكتوبة.ذلك أن حقوق المتعاقدين مع الإدارة معرضة للضياع،إذا كان العقد الذي يحكم الصفقة غير مكتوب.فالكتابة، كما هو معروف تسهل إثبات الحقوق و الاحتجاج بها في مواجهة الإدارة، لاسيما و أن بعض الصفقات العمومية قد يستمر تنفيذها لعدة سنوات كما هو الحال في صفقات الأشغال العمومية و صفقات التوريد.
هذا فضلا على أن الصفقات العمومية، تتعلق بتدبير و إنفاق مبالغ كبيرة من المال العام، و من ثم فإن عملية إثباتها و مراقبة التصرف فيها، تقتضي كتابتها[29].و لهذا نجد المشرع المغربي يفرض على الإدارة الاحتفاظ بسجلات و دفاتر و نماذج معينة، تستخدم لأغراض الرقابة و حماية حقوق الغير.هذا ما تؤكده  المادة (26) من قانون الصفقات (2007) على :" و يجب كتابة مبلغ الالتزام و كذا الأثمان الأحادية بجدول الأثمان و البيان التقديري المفصل بالأرقام و بكامل الحروف، و كذلك الشأن بالنسبة للأثمان المبينة في تحليل المبلغ الإجمالي".
و في الحقيقة رغم أن المشرع أكد على كتابة عقود الصفقات العمومية، إلا أنه لم ينظم أشكال الكتابة المطلوبة في هذا النوع من العقود، و إن كان يشير – بطريقة غير إلزامية- إلى تحرير الصفقات في العقود النموذجية العامة، التي تحررها الإدارة. و تنص المادة (86) في هذا الصدد على الآتي :" يحدد مقرر للوزير الأول ، يتخذ باقتراح من لجنة الصفقات، نماذج المستندات التالية[30]:
" أ- عقد الالتزام؛
ب- إطار جدول الأثمان و البيان التقديري المفصل؛
ج-إطار تحليل المبلغ الإجمالي..".
إن هذه النماذج غير ملزمة ، و بالتالي، يمكن كتابة عقود الصفقات في عقود رسمية( أمام الموثق  أو العدلين)، أو عقود عرفية.لا بل يمكن إبرام العقود أيضا عن طريق تبادل المراسلات بين الإدارة و المتعاقد معها، إذ  يعتبر هذا التبادل بمثابة رابطة تعاقدية مكتوبة، و ذلك شريطة أن يتم التعبير بشكل واضح عن الرغبة التعاقدية و عن موضوع العقد أيضا. و هذا ما أشارت إليه المادة (73) من المرسوم:" تبرم الصفقات التفاوضية:
" إما بناء على عقد التزام...
ب- إما بناء على مراسلة وفقا للأعراف التجارية ، تحدد شروط إنجاز العمل ؛
ج- إما بصفة استثنائية، بتبادل رسائل أو اتفاقية خاصة بالنسبة للأعمال المستعجلة (...) و يتعين أن ينص تبادل الرسائل أو الاتفاقية الخاصة على الأقل على طبيعة العمليات ، و كذا حدود التزامات الدولة من حيث المبلغ و المدة ، و أن يحدد ثمنها نهائيا أو مؤقتا".
بقي علينا أن نشير إلى أن الاجتهاد القضائي المغربي، اعتبر العقود الملحقة( بالعقود الأصلية)، عقودا صحيحة، حتى و لو لم يتم تحريرها كتابة.و هذا ما جاء في نص الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، بتاريخ 16/11/2006.


[1]  انظر على سبيل المثال المادة 3 ( الفقرتان 9 و 12) و المادة 15  من المرسوم 2.06.388، الصادر في 5 فبراير 2007، بمثابة ميثاق للصفقات.و المادتان 2 و 4 ( الفقرة 13) من المرسوم 2.12.349 الصادر في 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية، و التي تنص على أن الصفقات: " عقود بعوض تبرم بين صاحب مشروع[ الدولة، أو الجهات،أو الجماعات الترابية الأخرى، أو المؤسسات العمومية] من جهة، و شخص ذاتي أو اعتباري من جهة أخرى، يدعى مقاولا  أو موردا أو خدماتيا، و تهدف إلى تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات..".
و تنص المادة 13 ( الفقرة ألف)، على :" الصفقات عقود مكتوبة تتضمن دفاتر تحملات تحدد شروط إبرامها و تنفيذها..".
[2]  د.أنور سلطان- المبادئ القانونية العامة- الطبعة الثانية – دار النهضة العربية – بيروت 1978- ص279.
[3]  من هنا، يميز المشرع ، في المادة (4) من المرسوم 349/2013،بين نائل الصفقة، و هو " المتنافس الذي تم قبول عرضه قبل تبليغ المصادقة على الصفقة" و  صاحب الصفقة، و هو :" نائل الصفقة الذي تم تبليغ المصادقة على الصفقة إليه".
[4]  وجود عيب من عيوب الرضى في العقود المدنية، يؤدي إلى ان تصبح هذه العقود قابلة للإبطال.
و الجدير بالذكر هنا، أن كل عيب من هذه العيوب، يعرف بعيب " مخالفة القانون"،لأن القانون هو الذي حدد هذه العيوب.انظر: باينة- الوسائل القانونية للنشاط الإداري- م.س- ص ص 63 و 64.
[5]  الإكراه أو الخوف " هو ضغط على الشخص يولد في نفسه رهبة تحمله على التعاقد".أم الاستغلال و الغبن فهو "  عدم التعادل في الالتزامات المتقابلة التي يرتبها العقد، أي عدم التعادل بين ما يبذله العاقد و ما يأخذه": انظر- المبادئ القانونية العامة- م.س- ص303 و ص 305.
و من المستبعد جدا، أن تكره الإدارة أحدهم على التعاقد معها.أما التفاوت في الالتزامات في العقد الإداري، فهو أمر طبيعي، و لا يمكن أن يكون سببا لاعتبار العقد مشوبا بعيب من عيوب الرضى.
[6] المبادئ القانونية العامة- م.س – ص 301؛ القاموس القانوني- م.س- مادة " Dol".
[7]  و ملخص هذا الحكم أن العقد المنشأ  على نحو قانوني صحيح ، يكون ملزما للمتعاقدين كالقانون، إلا إذا شاب تصرفات أحد المتعاقدين، صبغة الخداع.فهذه التصرفات من شأنها أن تتسبب بفسخ العقد متى ثبت أن الطرف الآخر ما كان ليوافق على التعاقد بغيابها.عندئذ فإن هذه التصرفات تمنح المتعاقد المتضرر من الخداع الحق بالمطالبة بالتعويض عن الضرر، فضلا عن إبطال العقد.
[8]   إذ قضت :" طبقا لحكم المادة 127 من القانون المدني، و من حيث إنه عن ادعاء الطاعن بأن جهة الإدارة دلست بإيهامه أن السعر[ الثمن] الذي يتعاقد به هو سعر مجزٍ يحقق له ربحا، فإن هذا الادعاء عار عن الصحة، إذ تخلو الأوراق مما يفيد ذلك. كما أن الطاعن لم يقدم الدليل عليه. و فضلا عن ذلك فإنه بافتراض أن الإدارة أوهمته بأن السعر الذي تتعاقد به هو سعر مجز، فإن ذلك لا يعتبر تدليسا في مفهوم المادة 125 من القانون المدني، للمطالبة بإبطال العقد.ذلك أن الفقرة الأولى من هذه المادة تتطلب في التدليس الذي يجوز إبطال العقد بسببه، أن تكون ثمة طرق احتيالية لجأ غليها أحد المتعاقدين، تبلغ من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم العقد. و مجرد إيهام الإدارة للطاعن بأن السعر الذي ارتضى التعاقد به هو سعر مجز، لا يعتبر في حال من الأحوال من قبيل الطرق الاحتيالية التي يجوز وصفها بالتدليس، سيما و أن الطاعن تاجر محترف، اعتاد التعامل في الأسواق و توريد هذه المحاصيل، و هو أعلم بمجال السوق و متطلباته و أسعاره، و من ثم لا يجوز عليه إيهام أو تغرير": اقتبسه قبلان- آثار القانون الخاص على العقد الإداري-ج1ص 253.
[9]  المبادئ القانونية العامة- ص 299.  و من الأمثلة التي يسوقها هذا المؤلف للغلط " ..كم يشتري قطعة حُلي على أنها من الذهب الخالص ، فيتبين أنها من الفضة المغطاة بطبقة من الذهب"(نفس المكان). و يضيف " و يشترط لاعتبار الغلط معيبا للرضى توافر شرطين: الأول: أن يكون الغلط جوهريا[ أن يكون هو الدافع إلى التعاقد].الثاني أن يكون الغلط داخلا في نطاق العقد[ داخلا فيما اتفق عليه المتعاقدان أو فيما يفترض اتفاقهما عليه]"( ص ص 299-230).
[10]  على سبيل المثال، الشركات التي تعودت التنافس على الصفقات العمومية، و التي تتوفر على موظفين و خبراء و مستشارين متخصصين في الميدان..
[11] Les organismes d'habitations à loyer modéré sont, en France, des organismes publics ou privés qui construisent ou gèrent des logements locatifs destinés à des personnes de condition modeste..
انظر موسوعة وكيبيديا،النسخة الفرنسية.
[12]    سليمان الطماوي- الأسس العامة للعقود الإدارية- اقتبسه :قبلان-م.س- ص 248.
[13]   و فضلا عن ذلك ،ينص قانون الصفقات العمومية، على أنه لا تعتبر الصفقات صحيحة، إلا بعد المصادقة عليها من طرف السلطة المختصة.و هذه السلطة هي" الآمر بالصرف أو الشخص المفوض من قبله قصد المصادقة على الصفقة، أو أي شخص آخر مؤهل لهذا الغرض بنص تشريعي أو تنظيمي"( المادة 4، من المرسوم 2.12.349).و تشمل هذه السلطة:
أ‌-        رئيس الحكومة و الوزراء أو من يقوم مقامهم، بالنسبة للصفقات التي تبرم لمصلحة الدولة؛
ب‌-    الآمرون بالصرف، أي الرؤساء، بالنسبة للجماعات الترابية،
ت‌-    المديرون بالنسبة للمؤسسات العمومية
[14]  إذا كان المحل عموما، هو "  الالتزام بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل"،فإن العقود الإدارية، و الصفقات بوجه خاص، تنصب على القيام بعمل أو أعمال محددة.
[15]   فلا يمكن للإدارة أن تكون طرفا في عقد يخالف القانون بمعناه الواسع:الدستور، أو التشريعات ( القوانين بالمعنى العضوي)، و القرارات التنظيمية( القوانين بالمعنى المادي)، و المبادئ العامة  للقانون، و العرف الإداري، و الاجتهاد القضائي (الإداري و المدني ).
[16]  قبلان-م.س- ج1ص 319.
[17]   و " هذا ما أكده المجلس الأعلى بالغرفة الإدارية في عدة أحكام إذ يفرض على الإدارة أثناء سريان الدعوى، أن تبين أسباب قرارها في المذكرات الجوابية ما دام لا يوجب على الإدارة في هذه الحالة تعليل قراراتها": باينة-الوسائل القانونية-م.س- ص19.
[18]  باينة- المرجع السابق- ص66.
[19]  العِوَضُ:واحدُ الأعواض.تقول منه:عاضه، و أعاضه، و عوّضه تعويضا و عاوضه، أي : أعطاه العِوض أي أعطاه بدلاً أو خلفاً.و استعاضَ: أي طلب العِوض.( انظر :القاموس).
[20]  و هذا العِوض أو الثمن الذي يدفعه المشتري العمومي، كما رأينا في الفصل التمهيدي، هو الذي يميز عقد الصفقة العمومية عن عقد الامتياز أو التدبير المفوض.
[21]  و هذا ما أكده القضاء الإداري، في أكثر من حكم.من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1.      " ..و حيث إن عقد الصفقة هو عقد تبادلي ملزم لجانبين يقضي بتنفيذ كل من طرفيه لالتزامه مما يجعل الإدارة ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة التي أنجزت الأشغال المتفق عليها في ذلك العقد وفق المبلغ المحدد في 531.483.35 درهم.."(المحكمة الإدارية للرباط:حكم رقم 2543 بتاريخ 21/6/2012)؛
2.      " و حيث إن عقد الصفقة هو عقد تبادلي ملزم لجانبين يقضي بتنفيذ كل من طرفيه لالتزامه مما يجعل الإدارة ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة المنجزة لأشغال الصفقة.."(المحكمة الإدارية بالرباط :حكم بتاريخ 27/9/2012- ملف رقم 828/2006)؛
3.       "..و حيث إن عقد الصفقة هو عقد من جانبين يقضي بتنفيذ كل من طرفيه لالتزامه مما يجعل الإدارة ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة التي أنجزت الأشغال المتفق عليها في ذلك العقد، وفق المبلغ المحدد في الكشف الحسابي و محضر الاجتماع النهائي لتسليم الأشغال.."( المحكمة الإدارية للرباط:حكم رقم 1214-مؤرخ في 5/4/2012).
[22]  فعلى سبيل المثال:لقد حدّد المشرع، في صفقات طلب العروض المفتوحة أو المحدودة، و سواء تعلق الأمر بالأشغال أو التوريدات أو الخدمات، عددا من المقاييس يتم على أساسها قبول المتنافسين ( منها:الضمانات، و المؤهلات القانونية و التقنية و المالية، و الخدمة بعد البيع، و الفعالية المتعلقة بحماية البيئة..إلخ)- إلا أن القانون- المادة (18) على سبيل المثال- ينص على أنه بعد قبول المتنافسين" يبقى الثمن المقترح هو المقياس الوحيد الواجب مرعاته لأجل إسناد الصفقة"(مع استثناءات قليلة، منها صفقات الدراسات).
[23]  و القضاء الإداري الفرنسي( على الأقل)، ينظر بعين الريبة لمثل هذه الصفقات، إذ يخشى في مثل هذه الحالة، أن يكون العمل الذي ينجزه المقاول أو الخدماتي أو المورد، مقابل ثمن هزيل..مجرد رشوة  مستترة( بل هي مفضوحة)، لأحد المسؤولين السياسيين أو الإداريين..بهدف تمهيد الطريق لإبرام صفقة أكبر و أهم( تعوض لهذا المقاول أو المورد أو الخدماتي)، كل ما أنفقه...من رشاوى.
[24]  من هنا، أخرج المشرع عددا من العقود الإدارية التي تبرمها الجماعات الترابية من مجال تطبيق قانون الصفقات،لأنها تكتسي صفة "المساعدة".و هذا هو مقتضى المادة (131) :"..الاتفاقيات المبرمة من طرف الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات مع هيئات عمومية محلية أو وطنية أو هيئات دولية، و المتعلقة بالمساعدة لصاحب المشروع".
[25] و لتوضيح هذه الفكرة نستقي من الاجتهاد القضائي الفرنسي المثالين التاليين:

1.      لم ير مجلس الدولة الفرنسي، في حصول المتعاقد مع المشتري العمومي على عوض عيني، أي تناقض مع مفهوم الثمن(قضية شركة Sablières modernes d’Aressy (1980))[25]؛

2.      و في نفس الاتجاه أيضا، أصدر مجلس الدولة الفرنسي، و محاكم إدارية فرنسية أخرى، أحكاما صبت في نفس الاتجاه ؛ اعترفت فيها بالعوض العيني أو التعويض النقدي غير المباشر كأثمان للصفقات :فيمكن للمقاول  أن يبني لمصلحة المدينة، محطات صغيرة أو مواقف  للحافلات(abribus)، مجهزة  بكراسي لمستعملي وسائل النقل العمومية ، أو بناء مخادع هاتفية.. و ما شابه.ثم يحصل على ثمن ذلك من  استغلال هذه المنشآت،  بوضع ملصقات الإشهار بداخلها أو على جوانبها الخارجية، مع الإعفاء من أداء الرسوم احتلال الملك العام الجماعي أيضا ( قرار مجلس الدولة في قضية Société Jean Claude de Decaux الصادر في 4 نوفمبر 2005)؛

و قد تبرم الإدارة مع أحد المستثمرين عقد لطباعة أدلة(ج دليل= annuaire) إدارية،على أن يحصل على العوض أو ثمن الصفقة من الأرباح التي يحققها من نشر بعض الإعلانات التجارية في هذه الأدلة( حكم محكمة الاستئناف الإدارية لباريس، بتاريخ 11 أكتوبر 1999، في قضية Ed.Tennog c/cne de Houilles).
[26]  الذي يتضمن التكاليف و الأرباح.يقول المشرع ( المادة 12):" يتضمن ثمن الصفقة الربح و جميع الحقوق و الضرائب و الرسوم و المصاريف العامة و العرضية و بصفة عامة جميع النفقات الناتجة بالضرورة و بصفة مباشرة عن العمل موضوع الصفقة إلى حدود مكان تنفيذ العمل..".
و بالرجوع إلى دفاتر التحملات الإدارية العامة، يمكن العثور على توضيحات أو تفاصيل حول مكونات الثمن و طبيعته في كل صفقة.
[27]  و مبالغ هذه التعويضات و كيفيات حسابها، كما سيق القول، قد تحدد في شروط الصفقة، أو في حالة عدم الإشارة إليها، يتكلف القضاء بتحديدها.
[28]  إن الثمن الأصلي لا يتغير دائما في اتجاه الزيادة، بل قد ينقص أحيانا:ففي عقود الأشغال العمومية، قد تدعو الضرورة إلى تقليص الأشغال، فيتم توقيع عقد جديد، يحدد فيه الثمن الجديد للصفقة  الذي ينقص عن الثمن الأصلي(هذا هو مقتضى المادة 50 من  مرسوم 4 ماي 2000، بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على  صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة-منشور بالعدد 4800 من الجريدة الرسمية ن بتاريخ 4 يونيو 2000).
[29]  قضى القاضي الإداري بأن "..حيث إن إبرام الصفقات العمومية يجب أن يتم وفق الشكليات التي يستوجبها القانون إما بسند طلبي أو عقد كتابي بالنظر لارتباط الصفقات العمومية بالمال العام": حكم رقم 4400 ، مؤرخ في 29/11/2012( ملف رقم 44/13/2012)– المحكمة الإدارية بالرباط- منشور في مجلة القضاء الإداري- العدد الثاني – السنة الأولى- الرباط- شتاء/ربيع 2013- ص175.
[30]  النموذج: وثيقة نمطية تستخدم في جمع و نقل البيانات الخاصة بموضوع معين، كما أنه يستخدم لحفظ البيانات التي يرجع إليها مستقبلا.
هذا عن التعريف، و من الناحية العملية، فالنموذج عبارة عن قطعة من الورق تحتوي على فراغات لتسجيل البيانات او التعليمات المطلوبة.
و قد يعد النموذج من نسخة واحدة، و في هذه الحالة يعتبر مصدرا للبيانات، كما هو الحال في عقد الالتزام، كما سنرى. كما قد يعد من عدة نسخ لغرض نقل البيانات إلى الجهات أو الإدارات الأخرى حسبما تقتضي ظروف العمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق