المبحث الثاني: الصفقة عقد إذعان:
إن هذا التحليل التي انتهينا منه للتو، قد يقنع بعض الناس بأن الصفقات
العمومية عقود تبادلية حقيقية، ترتب التزامات متبادلة في ذمة كل من الإدارة و
المتعاقد معها.و لكن هناك فئات أخرى، منهم عدد من القضاة الإداريين و الفقهاء،يرون
أن هذه العقود غير تبادلية في الواقع:
1. فمن طبيعة العقود التبادلية ، أنه إذا طالب
أحد المتعاقدين الآخر بتنفيذ التزامه، و
لم يكن هو نفسه قد نفذ التزامه التعاقدي، كان للمتعاقد الآخر أن يدفع ذاك الطلب
بما يسمى " الدفع بعدم التنفيذ".إلا أن هذا لا يحدث في العقود الإدارية،و
منها الصفقات:فالمتعاقد مطالب بالاستمرار في التنفيذ،حماية لمبدأ "استمرارية
المرفق العام"(و هناك أمثلة أخرى لا داعي لذكرها هنا) ؛
2. كما
أن تلك الشروط التي يقال أن المتعاقد يوافق عليها بمحض إرادته ؛ ليست في
حقيقتها إلا أمالي تمليها الإدارة:فالإدارة تعرض شروطها على المتعاقد معها (في
دفاتر التحملات)، فيتعين عليه قبولها أو رفضها دون مناقشة؛
3. لا بل إن الإدارة صاحبة المشروع نفسها- ( و
لتكن جماعة قروية أو بلدية على سبيل المثال)- ، لا تقوم بصياغة دفاتر الشروط
العامة ( الإدارية و التقنية( المشتركة) ) بنفسها، بل تُفرض عليها كما تفرض على
المتعاقد معها، باعتبارها مقتضيات " تنظيمية" عامة، تلزم الإدارة صاحبة المشروع، بإدراجها في وثائق الصفقة ؛
4. و من طبيعة الحال، فإنه يحق للحكومة و
للإدارة العليا المختصة، أن تصدر قرارات قد تؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى تعديل الأسس التي تقوم عليها الصفقة ،
فتصبح الإدارة صاحبة المشروع ملزمة بتعديل بنود الصفقة ضمانا لحسن سير المرفق
العام. هذا من جهة. و من جهة أخرى يمكن للإدارة صاحبة المشروع نفسها أن تعدل حتى تلك الشروط التي تضمنها عقد الصفقة
الأصلي ( أعني هنا دفتر الشروط الخاصة)[1]،إذا اقتضت المصلحة العامة
ذلك؛
5. كما أن الإدارة لا تستطيع حتى لو شاءت أن
تتنازل عن حقوقها التي منحها إياها القانون، مثل حقها في الحصول على ضمانة من صاحب
الصفقة، أو إعفاءه من الإدلاء بالملف الإداري، أو التنازل عن حقها في المراقبة و
الإشراف و التوجيه..إلخ.
من هنا يتبين لنا أن الصفقات العمومية تخضع لقواعد خاصة، تختلف عن تلك التي
تنظم الصفقات التي يبرمها الخواص ( تخضع للقانون المدني).فأطراف الصفقة العمومية
لا يستطيعون، حتى لو شاءوا، الاتفاق على استبدال كل أو جل الشروط المضمنة في دفاتر
التحملات العامة ( الإدارية و المشتركة).و كل ما يستطيعونه، هو أن يحيدوا عن هذه
الشروط ، أي يبتعدوا عنها قليلا.و من هنا، يضع بعض الفقهاء العقود الإدارية ، ضمن
صنف عقود الإذعان[2].
و يسوق أنصار نظرية " الصفقة العمومية عقد إذعان"،بعض الأمثلة،
التي تدعم وجهة نظرهم منها أنه قد يحدث أن يتقدم بعض المتنافسين على الصفقة، بعرض
تقني، يتضمن ملاحظات أو اقتراحات، يحاول من خلالها أن يبرهن:
أ- أن عرضه – قد يختلف عن الشروط العامة (
الإدارية و التقنية) و الشروط الخاصة- في هذه الجزئية أو تلك ؛
ب- أو
أن عرضه، لا يستجيب لكل المواصفات و الشروط المطلوبة في دفتر من الدفاتر؛
ت- أو يحاول تصحيح ما يعتبره أخطاء تقنية واردة
في الدفتر الخاص بالصفقة؛
ث- أو يحاول إدخال تغييرات على صياغة شرط من
شروط الدفتر الخاص بالصفقة؛..إلخ.
فتكون النتيجة إقصاؤه من المشاركة في الصفقة،
على أساس أن كل هذه الملاحظات تعتبر تحفظات، في حين أنه للفوز بالصفقة يجب القبول
بالشروط كما هين دون تحفظ أو تعديل.
و الإدارة تبرر موقفها هذا بالقول بأنها
مطالبة بمعاملة كل المتنافسين على قدم المساواة،أي على أساس معايير موحدة.هذا من
جهة، و من جهة أخرى فإن السماح للمتنافسين بإجراء تعديلات على الدفاتر، سيحرم
الإدارة من المقارنة بين العروض المتنافسة التي تقيدت "حرفيا" بشروط
الدفاتر[3].
من هنا، ذهب الكثير من القضاء و الفقه معا إلى اعتبار الصفقات العمومية
عقود إذعان(contrat d’adhésion )؛ لأن الموجب الأصلي ( أي
الإدارة)، يعرض إيجابه في شكل بات و نهائي لا يقبل المناقشة، و بالتالي لا يمكن
للطرف الآخر إلا أن يرفض العقد أو يقبله بكل مكوناته ( عقد الالتزام و دفاتر
التحملات)، إذا كانت له رغبة في التعاقد.
غير أنه تفرع عن هذا الرأي ، وجهة نظر ترى أن الصفقات العمومية،و إن كانت
عقود إذعان، إلا أن ذلك لا يقلل من القيمة
التعاقدية لعقودها،لأن عقود الإذعان بطبيعتها تنتج عن اتفاق إرادتين، و الطرف
المذعن غير مجبر على التعاقد، هذا من ناحية.و من ناحية ثانية، فصحة العقود لا
تستند إلى ضرورة وجود إرادتين متساويتين ( لنتذكر هنا رأي موريس هوريو). و من
ناحية ثالثة،فإن الإدارة تعوض للمتعاقد معها لا على أساس أنها اتخذت قرار انفرادي،
و لكن تنفيذا لالتزامات تبادلية تعاقدية .
بالإضافة، إلى ذلك،يقول الدكتور العربي مياد:" و من نافلة القول،فإن
صفقات الأشغال أو الأدوات أو الخدمات المبرمة لحساب الدولة تبقى عقودا إدارية تدخل
ضمن زمرة عقود الإذعان، و لا ينفي عنها الصفة التعاقدية كون شروطها تملى من طرف
الإدارة بشكل إنفرادي، لأن هذه الخاصية تتوارى أو تقل حدتها بعد قبول تلك الشروط
من طرف المقاول أو المورد الذي يعهد إليه بانجاز الصفقات العمومية".و يضيف(
في مكان آخر):" و غني عن البيان ان العقود الإدارية، مثل كنانيش التحملات،
عقود بمعنى الكلمة، رغم ما قيل في حقها من أنها تحرر مسبقا بإرادة منفردة من طرف
الإدارة.فإذا كانت الإدارة تتمتع بهذا الامتياز فليس من باب التسلط و إنما لأنها
تعمل على تحقيق المصلحة العامة، إذ من واجبها استنادا إلى مبدأ انتظام المرفق
العام و استمراريته أن تسهر على إعداد شروط العقد و حسن تنفيذها، بل وإدخال
التعديلات عليها"[4].
المبحث الثالث:الصفقات عقود توازن :
إذا كانت العقود الخاصة تخضع لمبدأ " العقد شريعة
المتعاقدين"،فإن الإدارة في العقود الإدارية، و ضمنها الصفقات العمومية،
تتمتع ببعض الامتيازات إزاء المتعاقد معها.و الأصل في هذه الامتيازات، يعود إلى أن
القانون الإداري و الاجتهاد الإداري( و حتى الفقه الإداري)، يعترفون للمصلحة
العامة بحق الأسبقية : لا يمكن تحقيق المساواة، بين مصلحة شخصية، و مصالح مجتمع و
دولة بأكملهما.
و عليه،فعندما تبرم الإدارة صفقة مع مقاول بناء مثلا،يحق لها التمتع ببعض
الحقوق الإمتيازية :كأن تتدخل لتراقب سير الأعمال،و أن تدخل تعديلات على على عقد
الصفقة، إذا ثبت أن ذلك سيكون في مصلحة الإدارة،بل قد تفسخ العقد(فمبدأ ثبات
العقود مبدأ معمول به في القانون الخاص لا العام)( المطلب الأول).
غير أن المشرع كي يحقق نوعا من التوازن في عقود الصفقات، و غيرها من العقود
الإدارية، منح للمتعاقد مع الإدارة مجموعة
من الحقوق أيضا، أهمها حقه في الحصول على الثمن المتفق عليه، و حقه في الحصول على
تعويضات عن الأضرار التي لحقته جراء تنفيذ الصفقة ( المطلب الآخر).
المطلب الأول: امتيازات الإدارة:
سندرس هذه الامتيازات بالتفصيل لاحقا، و لكن لا بأس من الإشارة هنا إلى أهم
هذه الامتيازات التي تتمتع بها الإدارة في تنفيذ عقود الصفقات، نتيجة تمتعها
بالسلطة العمومية؛ أعني حقها في الرقابة و الإشراف (الفرع الأول)، و حقها في تعديل
العقد بإرادتها المنفردة ( الفرع ثاني)، و أخيرا حقها في العقاب ( الفرع الثالث).
الفرع الأول:الحق في المراقبة:
من الحقوق التي تتمتع بها الإدارة في العقود الإدارية، حقها في الرقابة و
الإشراف على حسن تنفيذ شروط و مقتضيات عقد الصفقة، و يتجلى هذا الحق بشكل خاص في
صفقات الأشغال العمومية.فهي تتولى، بناء على البنود و الشروط و المقررة في دفاتر
التحملات، الإشراف على الأشغال، و ذلك بإصدار أوامر الخدمة(ordres de service )
إلى صاحب الصفقة بواسطة المهندس، الذي يسهد على حسن تنفيذ العقد.و لها أن تدلي
برأيها في مجريات و سير عمل الأشغال، و لها أن توجه تعليماتها للعناصر البشرية
العاملة في تنفيذ الأشغال.
و تستمر هذه الرقابة منذ بداية تنفيذ الصفقة إلى تسليمها النهائي، و عندها
تمارس الإدارة رقابة من نوع آخر، تنصب على التأكد و التحقق من حسن جودة التنفيذ، و
من مطابقته لعقد الصفقة.
الفرع الثاني:الحق في تعديل العقد:
من حق الإدارة بصفة عامة أن تعدل قراراتها بشكل انفرادي ، وفقا لمقتضيات
المصلحة العامة، سواء كانت هذه القرارات انفرادية في أصلها، أو لها صلة بعقد من
العقود الإدارية:فلها في العقود أن تعدل في شروطها بما يزيد أو ينقص من التزامات
المتعاقد معها، و دون حاجة لموافقته.
غير أن حق الإدارة في تعديل العقود التي تبرمها، مقيد بشروط أساسية، من
أهمها ألا تتعدى تلك التعديلات نطاق الشرعية،و ألا يهدف كل تعديل إلا تحقيق
المصلحة العامة.و ألا تتجاوز التعديلات
حدا معينا محددا في القانون أو متفق عليه [5]؛و
ألا تمس التعديلات البنود التعاقدية،و بالخصوص المزايا أو الحقوق المالية للمتعاقد[6]. و أن يتقاضى المتعاقد مع الإدارة التعويضات
المناسبة عن الأضرار الحقيقية التي نتجت عن تلك التعديلات خاصة التعديلات التي قد
تمس بالتوازن المالي للعقد.
الفرع الثالث: الحق في العقاب:
من المزايا أو الامتيازات الأخرى التي تتمتع بها الإدارة في نظام العقود
الإدارية، انه بإمكانها اتخاذ قرارات ضد المتعاقد معها، ثم تنفذها دون الحاجة إلى
استصدار حكم قضائي. و من ذلك أنها تستطيع أن تتخذ قرارا بمعاقبة المتعاقد معها إذا
اخل بالتزاماته، لحثه على حسن تنفيذ العقد المبرم معه. و قد تتخذ هذه العقوبات،
شكل عقوبات مالية أو زجرية.بل يمكن للإدارة أن تتولى بنفسها إتمام العقد أو تعهد
به إلى طرف ثالث (مقاول، أو خدماتي، أو مورد)، إذا تأكدت ان المتعاقد ( الأصلي)
سيء النية في التنفيذ.غير أن أخطر هذه العقوبات جميعا، هي فسخ العقد بقرار
انفرادي( مع ضمان حق المتعاقد في المطالبة بالتعويض إن كان متضررا من هذا القرار).
المطلب الآخر:حقوق المتعاقد مع الإدارة:
في مقابل الامتيازات التي تتمتع بها الإدارة،يستفيد المتعاقد معها من
مجموعة من الحقوق،لعل أهمها على الإطلاق هو حقه في الحصول على الثمن المحدد
للصفقة، بعد إنجازه للعمل المتفق عليه.فعدم أداء الإدارة لهذا الثمن، قد يلحق
بالمتعاقد معها أضرارا جسيمة، يلقى عبؤها على كاهل الإدارة.
و مما يتعلق بهذا الحق الأساسي،حق المتعاقد في إعادة التوازن المالي
للعقد.ذلك أنه قد تحدث ظروف غير متوقعة ( عند إبرام الصفقة)، تؤدي إلى الإخلال
بالتوازن المالي للصفقة فتضع المتعاقد مع الإدارة في مركز خارج العقد (la situation extracontractuelle)،
مما يقتضي منح المتعاقد تعويضا ماليا، يعيد للصفقة توازنها، و إذا استحال ذلك أمكن
للمتعاقد طلب فسخ العقد.
و قيمة هذه التعويضات، قد يكون منصوص عليها في عقد الصفقة نفسه،كما يمكن
للقضاء التدخل لتقديرها ( القرار الشهير للغرفة الإدارية للمجلس الأعلى، في قضية
المجلس البلدي ضد شركة النقل/ 1963).
و من أهم الحالات، التي قد تفقد الصفقة توازنها، نذكر ما يلي:إذا طالبت
الإدارة المتعاقد معها بإنجاز أعمال إضافية، أو اتخذت أي قرارات انفرادية، أو طرأت
ظروف أو صعوبات اقتصادية أخلت بالتوازن المالي للعقد.
و بما أن الحالة الأولى واضحة لا تحتاج إلى توضيح- كما أننا سنعود إليها
لاحقا-،فسنقصر حديثنا السريع فيما يلي على الحالتين الأخريين: أعني الظروف أو
الصعوبات الطارئة ( الفرع الأول)، و القرارات الانفرادية( الفرع الثاني).
الفرع الأول:نظرية الظروف الطارئة:
تتلخص هذه النظرية(La théorie de l’imprévision ) في ان ظروفا استثنائية خارجة عن
إرادة الطرفين المتعاقدين، و غير متوقعة وقت التعاقد، تأتي فتعوق أو تؤخر تنفيذ
الصفقة و تجعله مرهقا أشد الإرهاق للمتعاقد؛لأنها تقلب التوازن المالي في الصفقة
رأسا على عقب، و إن كانت لا تجعل التنفيذ مستحيلا( كما هو الحال في القوة القاهرة)[7].
في مثل هذه الحالة يصبح المتعاقد
في مركز "خارج العقد"،لأنه ليس هو المركز التعاقدي الذي توقعه عقد
الصفقة عند إبرامه أول مرة.و قد يدوم هذا الوضع لبعض الوقت- تسمى الفترة غير
التعاقدية (La période extra-contractuelle) – و تبدأ مع بداية اختلال
التوازن المالي للصفقة و تنتهي بحالة من اثنين:إما بإعادة التوازن للصفقة الأصلية،
بواسطة التعويضات التي تمنح للمتعاقد( أو يمكن لكلا الطرفين فسخ العقد)، و الحالة
الأخرى هي أن يعود التوازن تلقائيا إلى الصفقة، ليعود المتعاقدان إلى الحالة التي
توقعها عقد الصفقة الأصلي( و يعوض المتعاقد عن الأعباء التي تحملها عندما كان خارج
التعاقد).
و في الغالب فإن الإدارة لا تتحمل وحدها كل الخسائر، ما لم تكن هي المسؤولة
عنها: بمعنى أن الإدارة تتحمل جزءا و المتعاقد معها يتحمل جزءا آخر ( قد يكون هو الأكبر).
الفرع الثاني: نظرية فعل الأمير:
فعل الأمير(La théorie de fait de
prince)، هو تصرف إداري أو
قرار قانوني( تشريعي أو تنظيمي)، سواء كان محقا أو مبطلا،فيعتبر حالة من حالات
القوة القاهرة، فتقف أو تزول به الالتزامات.
و من هنا ندرك أن التعويض الذي يحصل عليه المتعاقد يكون أكبر و أهم، من ذاك
الذي يحصل عليه في حالة تحقق "نظرية الظروف الطارئة".
و مع ذلك فإن مجلس الدولة قد قرر ( قرار صادر بتاريخ 15 /7/1949 في قضية Ville d’El Beuf )، أنه إذا صدرت نصوص عامة:قوانين
أو قرارات تنظيمية من شأنها أن تزيد في أعباء المتعاقد زيادة فادحة، و كانت هذه
النصوص العامة غير متوقعة و صادرة من سلطة أخرى غير السلطة المتعاقدة، فإن النظرية
الواجبة التطبيق هي نظرية " الظروف الطارئة" و ليست نظرية " فعل
الأمير".
و من أمثلة تلك النصوص العامة القوانين و القرارات التنظيمية، التي تزيد من
أجور العمال أو تمنحهم بعض الإعانات الاجتماعية،كإعانة غلاء المعيشة، أو تزيد في
بعض الضرائب أو الرسوم، أو فرض الحصار عن منطقة أو إقليم مثلا..إلخ؛ لأن من شأن
هذه "التغييرات" أن تزيد في أعباء المتعاقد مع الإدارة.
غير أن لا يمكن للمتعاقد مع الإدارة الاستفادة من هذه التعويضات، إلا إذا
استمر في تنفيذ الصفقة رغم الأعباء التي ألقيت على كاهله بفعل الأمير أو نتيجة
الظروف الطارئة؛فإذا تحقق هذا الشرط أمكنه مطالبة الإدارة أن تتحمل معه أو عنه
الخسائر التي تحملها خلال الفترة غير العقدية( أي الأعباء التي تحملها خارج العقد)[8].
و الحاصل، بعد استعراض هذه الآراء،هو أن الصفقة العمومية ليست عقدا
بالمفهوم المتعارف عليه في القانون الخاص، و لكنها ليست في نفس الوقت عقد إذعان
بالمعنى الدقيق للكلمة.و لعل أقرب الآراء للصواب، هو القول بأنها عقد تبادلي،يميل
إلى تحقيق التوازن بين المصلحة العامة التي تتوخاها الإدارة، و المصلحة الخاصة
للمتعاقدين معها.و لعل مفهوم العقد التبادلي، يتجلى أكثر في التزام الإدارة بأداء
العوض، كما سنرى فيما يلي.
[2] يعرف عقد الإذعان عموما بأنه العقد الذي يقتصر دور أحد الأطراف فيه على قبول عقد
منظم بصورة مسبقة من المتعاقد الآخر، دون إمكانية مناقشة بنوده.
و لا بد من الإشارة إلى أن عقد الإذعان جاء
تعريبا للاصطلاح الفرنسي (contrat d'adhesion)، و يعني عقد الانضمام. من ذلك ، يبدو أن نظرية الإذعان
جاءت وفقا لرؤية الفقيه السنهوري- رحمه الله- و تعريبه للمصطلح الفرنسي، و هو
تعريب أو ترجمة بعيدة عن المفهوم الفرنسي الذي يدل عليه المصطلح الفرنسي، الذي
يفيد " الانضمام" أكثر مما يعني " الإذعان".و يقول الدكتور
قبلان:"..نرى أن مفهوم الانضمام يرجح على مفهوم الإذعان في مثل تلك العقود،
لأنها تؤمن للعقد أهم ركن، ألا و هو الرضى؛ إذ بدونه لا نكون أمام صيغة العقد
بمفهومه القانوني":المرجع السابق-ج1ص 164.
[3] و لا يوجد لهذا المبدأ إلا استثناءين اثنين، و
هما:1) عندما يسمح صاحب المشروع للمرشح لنيل الصفقة( أو بعد نيله) تعديل دفتر
التحملات الخاص بالصفقة( و هذا لا يوجد في القانون الحالي).و 2) إذا كان القانون
يسمح للمرشح المتنافس أن يقترح بديل أو بدائل (variantes)، شريطة أن يحترم
الخصائص التقنية التي حددتها الإدارة:فالمرشح حر في أن يقدم عرضا مطابق لما جاء في
الدفاتر، كما يمكنه أن يرفق عرضه التقني الأساسي بعرض آخر بديل، في الملف التقني،
باستقلال عن دفتر التحملات الخاص( أي دون أن يدخل تغيرات على دفتر التحملات الخاص
الذي تعرضه الإدارة). و لقد نظم المشرع المغربي هذا الإجراء في المادة (20) من
قانون الصفقات:" إذا نص نظام الاستشارة
على تقديم عروض بديلة بالنسبة للحل الأساسي المحدد في دفتر الشروط الخاصة
يتعين أن يحدد هذا النظام موضوع و حدود هذه العروض البديلة و شروطها
الأساسية".
[4] عقود الإذعان:دراسة مقارنة – مكتبة دار السلام
للطباعة و النشر – الرباط 2004- على التوالي ص 83 و ص 800.
[5] فلا يجوز أن تغير تلك التعديلات عقد الصفقة بشكل
كبير، إلى درجة تجعل المتعاقد أمام عقد
صفقة جديد ، قد تفوق قيمته المالية الثمن الأصلي
المتفق عليه.
[6] إن البنود التعاقدية المحضة( أعني الثمن بالخصوص، و الأجل، و كيفية تقدير
التعويضات..إلخ)؛ لا يجوز للإدارة تعديلها إلا بإرادة الطرف الآخر.
[8] قضت المحكمة الإدارية للرباط،مؤخرا، في أحد
الملفات التي عرضت عليها كالآتي:"..و حيث إن قرار المقاولة بالاستمرار في
التنفيذ كشرط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة لمواجهة حجم الأشغال و الأعباء يعتبر
صحيحا و منتجا لكافة آثاره إزاء صاحب المشروع، و يجعل المقاولة المعنية بالأمر
محقة في الحصول على المبالغ المالية و التعويضات التي اقتضاها إنجاز الأشغال،
استنادا إلى ضرورات سير المرافق العامة بانتظام و إلى قواعد العدالة":قسم
القضاء الشامل- حكم بتاريخ 27/9/2012.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق