الاثنين، 30 مارس 2020


المبحث الثاني: الضرائب المباشرة و الضرائب غير المباشرة
(التصنيف التقني-الإداري)
بالإضافة إلى التصنيف الاقتصادي السابق، الذي يأخذ بعين الاعتبار المادة الضريبية)، هناك تصنيف تقليدي، أكثر عمومية من غيره/ يأخذ بعين الاعتبار، في نفس الوقت، الملزم بالضريبة، و المادة الضريبية، و النظام القانوني و الإداري للضريبة.و يتعلق الأمر بالتصنيف الذي يميز بين الضرائب المباشرة (impôts directs)، و الضرائب غير المباشرة (impôts indirects).
و بالفعل، فهذا التصنيف يستند إلى المعايير التقنية(الفنية) و الإجراءات (المساطر) الإدارية[1] ، المعتمدة، في أغلب النظم و التشريعات الجبائية، فيما يتعلق بتحدد أوعية الضرائب، و تقدير المواد الخاضعة لها، و تصفيتها (حسابها)، و تحصيلها.و هذا التصنيف، هو الأقدم، كما أنه هو الأكثر استعمالا[2].
و لعل السبب في استعمال هذا التصنيف، منذ مدة طويلة، يعود إلى بساطته:فإذا نظرنا إلى الضرائب من زاوية الطرق التي تتبعها الإدارة الجبائية، لتتبع الثروة، سنجدها تختار بين طريقتين،إحداهما مباشرة، و الأخرى غير مباشرة:
أ- فقد تفرضها بشكل مباشر على عناصر الثروة و هي تحت يد المكلف؛ أي عند نشأتها، أو بتعبير أكثر وضوحا؛ عند حصول المكلف على الدخل ، أو عند تحقق واقعة تملكه للثروة ، على شكل رأسمال؛
ب- كما يمكنها أن تفرضها بشكل غير مباشر على الثروة؛ و ذلك عند استعمالها(في الاستهلاك) أو تداولها( بمناسبة مختلف التصرفات و المعاملات:بيع،أو شراء، أو إرث..):في هذه الحالة تعتبر الإدارة الجبائية، استعمال المكلف للثروة أو تداولها، مظهرا خارجيا يؤكد وجود الثروة[3].
و إذن، بلغة أخرى، فالضرائب المباشرة ؛ تضرب على مختلف أنواع الدخل (أجور، و مرتبات..إلخ)، و على مختلف أنواع رأس المال( أراضي زراعية، و مواشي، و مباني، و سيارات، و سندات و أسهم، و مجوهرات ولوحات و تحف فنية..إلخ)؛ و يتحملها المكلف بها بشكل نهائي.أما الضرائب غير المباشرة، فتضرب على السلع و الخدمات (انتاجا و استهلاكا..)، و يتحملها " مؤقتا" المكلف بها قانونيا،الذي لا يعتبر إلا مجرد وسيط بين الإدارة و الغير (المكلف الفعلي أو في الواقع)؛ الذي يتحمل عبئها النهائي.
و رغم أن تقسيم الضرائب هذا هو الأشهر، نظرا لبساطته؛و فعاليته فيما يتعلق بالضرائب الأساسية؛ إلا أنه مع ذلك " تقسيم زئبقي" يصعب الامساك به؛ و يكاد يفقد فعاليته، عندما يتعلق بالضرائب الصغرى؛ و من هنا تم إبداع معايير أخرى (مساعدة)، لتمييز الضرائب المباشرة عن الضرائب غير المباشرة، نذكر فيما يلي أهمها[4].
و من هنا، يقوم هذا التصنيف على ثلاث دعامات، أو معايير هي: معيار وجود جداول(سجلات) للتحصيل، و معيارأثر أو انعكاس الضريبة، و معيار ثبات الوعاء من عدمه.
المطلب الأول:المعيار الإداري أو طريقة التحصيل:
هناك، من يحاول التمييز بين الضرائب المباشرة و الضرائب غير المباشرة، بالاعتماد على طريقة التحصيل، و الإدارة المكلفة بالتحصيل:فالضريبة المباشرة،تحصّل(= تجبى) عن طريق جدول(سجل) اسمي(Le critère de l'emission du rôle)[5] ، في حين أن الضريبة غير المباشرة، لا تجبى،في معظم الأحيان، بناء على جدول اسمي (عملية شراء سلعة مثلا، تخضع للضريبة على القيمة المضافة، و لا يمكن أن تتكهن الإدارة الجبائية مسبقا، بأن زيد أو عمرو، سيشتري سلعة معينة بتاريخ معين، لتدرج اسمه في جدول الضريبة على القيمة المضافة).
و يقصد بهذه الجداول الاسمية ، سجلات تضعها الإدارة الجبائية( المصلحة المكلفة بالوعاء=  Le service chargé de l'assiette)، تقيد فيها اسم المكلف ، و نوع الضريبة المفروضة عليه (المادة الضريبية).و بالاعتماد على هذه الجداول؛- التي لها  الصفة التنفيذية (titre exécutoire)؛أي تسمح للإدارة الجابية باستعمال القوة لتحصيل ما جاء فيها-؛  تصدر إدارة الضرائب الإعلام بالضريبة(avis d'imposition)، المقتبس عن ذلك السجل( الذي يتضم اسم الضريبة المباشرة، و رقم الجدول، و رقم الأمر بالتحصيل، و تاريخ الشروع في التحصيل، و تاريخ الاستحقاق.. إلخ).
و استنادا إلى وجود هذه الجداول، تصنف الضرائب على أنها مباشرة ( مثل الضريبة على الدخل، و الضريبة على السكنى، و الضرائب العقارية..)، و في حالة تحصيل الضرائب دون الاعتماد على وجود هذه الجداول، تصنف هذه الضرائب على أنها غير مباشرة( مثل الضريبة على القيمة المضافة، و ضرائب التسجيل..):وفي الواقع يصعب وضع جداول لهذه الضرائب، لأنها تفرض على أعمال إنتاج أو استهلاك غير منتظمة في الزمن، بل يصعب توقعها أحيانا.
إلا أن هذا المعيار، ترد عليه استثناءات؛فالضريبة على أرباح الأسهم و السندات،وفق هذا المعيار،تعتبر ضريبة غير مباشرة؛لأنها لا تجبى على أساس جداول اسمية،و لا تفرض أو تحصّل نتيجة اتصال مباشر بين الإدارة الجبائية و المكلف؛ في حين يتفق الجميع على أن هذه الضريبة ، تعد إحدى أنواع الضرائب على الدخل (الأرباح)، و هي من الضرائب المباشرة.و ضريبة "الفينيت"(vignette automobile)، تعتبر وفق هذا المعيار ضريبة غير مباشرة، لأنها لا تجبى بالاعتماد على جداول اسمية،مع العلم أنها ضريبة على الرأسمال(ملكية السيارة)[6].
و رغم دقة هذا التصنيف، إلا أن الكثير من النظم الجبائية تعتمد عليه، و على أساسه يتم تقسيم المصالح الإدارية الجبائية، بل على أساسه يوزع الاختصاص أحيانا بين القضاء العادي و القضاء الإداري، فيما يتعلق بالنظر في المنازعات الجبائية.



[1]  يستعمل التصنيف الإداري بمعنى آخر أيضا: فالمحاسبة العمومية الوطنية، تصنف الضرائب حسب الجماعات الاجتماعية المستفيدة منها، و بالتالي الإدارات الجبائية المعنية بتحصيلها؛فيتم التمييز بين الضرائب العائدة للدولة ( الضريبة على الدخل، و الضريبة على القيمة المضافة..)، و الضرائب العائدة للجماعات الترابية (الضريبة على السكن، الضرائب العقارية الحضرية..)، و تلك التي تستفيد منها منظمات الاحتياط الاجتماعي ( المساهمة الاجتماعية=Contribution sociale ).
[2]  يعود بعض المؤلفين ، بأصل هذا التصنيف إلى مرسوم  أصدرته الحكومة الفرنسية، بتاريخ 22 دجنبر 1879.انظر:Bouvier -op.cit-p 22
[3]  المحجوب-المرجع السابق- ص 57.
[4]  و هناك أيضا معايير أخرى، جديرة بالاهتمام، منها:
1- معيار علاقة الضريبة بموضوعها:فالضرائب المباشرة هي الضرائب التي تضرب على موضوع(مادة ضريبية) ، ليس أداء الضريبة، شرط للحصول عليه،أما الضرائب غير المباشرة، فهي الضرائب التي تفرض على موضوع لا يمكن استعماله و الحصول على اشباع منه قبل أداء أو الخضوع للضريبة:من ذلك فشراء الحاسوب،لا بد من دفع الضريبة (غير المباشرة=ض.ق.م) أولا حتى يمكن الاستفادة من الحاسوب؛أما في حالة الضرائب على الدخل أو الرأسمال، فإن الضريبة ليست شرطا للحصول عليهما، و انما تستحق بعد تواجدهما (فالطبيب مثلا، يحصل الدخل،ثم بعد ذلك يؤدي الضريبة)؛
2- معيار المقدرة التكليفية:إن الضرائب المباشرة، وفق هذا المعيار،هي التي تراعي مختلف الظروف الشخصية و الاجتماعية للمكلف، أما الضرائب غير المباشرة، فهي الضرائب التي لا تقبل بطبيعتها أن تكون وسيلة لمراعاة الظروف الشخصية و الاجتماعية لدافع هذه الضرائب.
انظر: الصكبان-م.س- ص 207.
[5]  و الجداول قد تكون جماعية (  rôles collectifs)، عندما يتعلق الأمر بإجراءات التحصيل الأصلية،و قد تكون فردية(rôles individuels)، عندما يتعلق الأمر بتحصيل الضريبة من مكلف  واحد، بعدما حصل تصحيح المعطيات الجبائية الخاصة به ، بعد تظلم إدراي تقدم بها، مثلا.
[6] هناك من يعتبر هذه الضريبة غير مباشرة، و أنها تضرب على الاستهلاك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق