الأربعاء، 25 مارس 2020


المبحث الثاني:أنواع العقود الإدارية:
إن العقود التي تبرمها الإدارة، متعددة و متنوعة. و العقود التي قد تُضفى عليها صفة "العقود الإدارية"، هي الأخرى متعددة و متنوعة.مما يجعل الباحث أمام كم هائل من العقود المتنوعة، كلها تدعي الانتماء إلى صنف واحد.كيف نشأ هذا الإشكال؟
 في الواقع، لقد انحصرت العقود الإدارية المعاصرة، عند نشأتها في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، في ثلاثة صور هي:عقد الالتزام أو الامتياز، و عقد الأشغال العامة، و عقد التوريد.إلا أنه سرعان ازدادت و تنوعت، بازدياد تدخل الدولة في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية،مما أدى إلى ظهور و تطور أشكال و انواع أخرى من العقود.
ألا يمكن تصنيف كل هذه العقود؟
 في الحقيقة، ، انه مهما حاول الباحث اليوم، ان يرتب و يصنف العقود الإدارية، على أي اساس من الأسس شاء؛ إلا أنه سيجدها عصية على التصنيف الدقيق و الشامل، و ذلك لتنوعها و تعددها[20].و لقد ارتأينا، حتى لا نكرر أنفسنا، أن لا نتناول في هذا المبحث إلا العقود الإدارية المسماة الكبرى التي لا تندرج ضمن صنف الصفقات العمومية( التي سنتناولها بالتفصيل لاحقا).أما العقود الإدارية غير المسماة، فلا سبيل لدراستها هنا، لأنها لا تكاد تعد أو تحصى[1].
و عليه، فسنخصص الحيّز الأكبر من حديثنا فيما يلي، لتناول:عقود الامتياز(المطلب الأول)، و عقود التدبير المفوض(المطلب الثاني)، و عقود تقديم المساهمة ( المطلب الثالث).
المطلب الأول:عقود الامتياز:
يقصد بهذه العقود(contrats de concessions)، تلك الاتفاقيات التي تبرمها الإدارة ( الدولة أو أحد الأشخاص العمومية) مع احد الأفراد أو الشركات؛لإدارة مرفق عام اقتصادي، و استغلاله لمدة محدودة، و ذلك عن طريق عمال  و أموال يقدمها الملتزم و على مسؤوليته، في مقابل تقاضي رسوم من المنتفعين بهذا المرفق العام[21].
و الجدير بالذكر، أن القول بأن "الاستغلال يكون لمدة محدودة"، مسألة نسبية تختلف من عقد لآخر.كما ان لها(المسألة) علاقة بالرسوم التي يتقاضها صاحب الامتياز.أي – بتعبير آخر – لها علاقة بالأموال التي انفقها على امتيازه:فكلما كانت تكلفة استغلال المرفق العمومي "متوسطة" ، و مدة الاستغلال طويلة؛ كلما كانت الرسوم صغيرة.و قس على ذلك[2].
و في الواقع، لقد كان هذا النوع من العقود معروفا في أوربا، منذ القرن التاسع عشر على الأقل.و لقد ظهر هناك، ليكون في البداية، كطريقة في تخفيف بعض العبء الملقى على كاهل الإدارة ( مع العلم أن عقود الامتياز لا تعفي الإدارة، من الاستمرار في تحمل مسؤولية المرافق العامة).ففي فرنسا،خلال القرن التاسع عشر، على سبيل المثال، أبرمت الإدارة المركزية، عقودا سمحت للشركات الخاصة باستغلال مرافق عامة، وفق أحد الأشكال التالية:1) عقود أقرب إلى مفهوم عقود الامتياز الحالية (concessions de services publics)، كعقود استغلال المناجم، و الممرات المائية و الطرقات،و استخراج الأملاح و بيعها. أو2) عقود إجارة أراضي زراعية، مقابل أجرة سنوية، نقدية أو عينية(حصة أو نسبة من المحاصيل) (contrats d’affermage ).3) أو عقود وكالة أو نيابة (gérance)، بمقتضاها تسمح  الإدارة للمتعاقد معها(الوكيل أو النائب= gérant)؛أن يستغل لحسابه المرفق العمومي،مقابل أجر يدفعه لها[22].
و لقد طورت فرنسا في التسعينات من القرن العشرين،صنفا (فرعيا) من هذه العقود؛ ليطبق بالخصوص في الجماعات المحلية (collectivités locales)، هو عقد التدبير المفوض(contrats de délégation de service public). و لقد لقيت هذه العقود رواجا كبيرا، في بعض البلدان ، و من بينها المغرب.و سنتناول بالدراسة، فيما يلي،هذا الفرع من عقود الامتياز. و لكن قبل ذلك؛ لا بد لنا من الإشارة، و لو في عجالة، إلى فرع آخر من عقود الامتياز، نادرا ما يحظى باهتمام  الباحثين و الدارسين المغاربة.نلفت إليه الانتباه،و نحن نمر، حتى لا يخلطه الطلبة بعقود صفقات الأشغال العمومية، نظرا للتشابه الكبير بينهما.أعني هنا، "عقود الامتياز الخاصة بالأشغال العمومية"(Les concessions de travaux publics).
فهذا  النوع من العقود، يبرم لإنجاز كل أو بعض المنشآت و المباني ، من طرف أحد أصحاب الامتياز، الذي يحصّل أجره من حقوق استغلال المبنى أو المنشأة التي أقامها(ملعب لكرة القدم، أو مجزرة ، أو سوقا، أو حتى طريقا سيارا..على سبيل المثال لا الحصر).
و الجدير بالذكر هنا، أن سلطات الحماية الفرنسية لجأت في كثير من الحالات لهذا الأسلوب ، على الأقل في بدايات عهدها.فبفضله استطاعت بناء و تسيير خطوط السكك الحديدية، و كذا انتاج و توزيع الطاقة الكهربائة، على سبيل المثال لا الحصر[3].
هذا و الفرق بين هذا النوع من العقود، و صفقة الأشغال، يكمن في المقابل المالي الذي يحصل عليه المقاول الذي بنى المنشأة:ففي الصفقة العمومية، كما سنرى، يحصل المقاول على الثمن الكامل عن أعماله،من صاحب المشروع.في حين،لا يحصل المقاول في عقد الامتياز ،إلا على الحق في استغلال المبنى أو المنشأة التي أقامها، و باستعمال هذا الحق، يمكنه تحصيل رسوم من المستفيدين منها، بمفرده أو بالإشتراك مع صاحب المشروع.
بقي علينا أن نشير، في الختام، إلى أن الكثير من الفقهاء يؤمنون أن عقد الامتياز ، ليس عقدا إداريا محضا؛لأنه يشمل نوعين من البنود: بنود أو شروط تعاقدية، و أخرى تنظيمية(بمعنى قانونية)[23].فالبنود التعاقدية، هي تلك التي تنظم أو تحكم الأعباء المالية المتبادلة بين مانح الامتياز و الحاصل عليه(صاحب الامتياز). فهي إذن، لا تؤثر على مستعملي المرفق العام(usagers)، بل يقتصر تأثيرها على تنظيم الجوانب المتعلقة بكيفية مكافأة صاحب الامتياز(مدة الامتياز، و كيفية استرداده،و المزايا التحفيزية ،..إلخ).و هذا النوع من الشروط لا يمكن للإدارة تعديلها إلا بموافقة الملتزم معها؛
أما البنود التنظيمية:فهي التي تتعلق بتنظيم المرفق العام و سيره سواء  أقامت الإدارة بتسيير المرفق العام بنفسها أو أسندت ذلك إلى غيرها، كالرسوم التي يسمح بتحصيلها، و شروط الانتفاع بالخدمات التي يقدمها المرفق (مثل احترام مبادئ: المساواة في معاملة مستعملي المرفق، و استمرارية المرفق العام، و ملاءمة المرفق العام مع التطورات..إلخ): هذه الشروط يمكن للإدارة تعديلها بإرادة منفردة؛ إذ ليست تعاقدية، و ذلك كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك؛ نظرا لكون الإدارة هي المسؤولة أساسا عن إدارة المرافق العامة، حتى بعد تكليف الملتزم بإدارة و استغلال المرفق العام[4].
المطلب الثاني: عقود التدبير المفوض:
تعرف المادة (2) من القانون 54.05، المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة،كالتالي:" يعتبر التدبير المفوض عقدا يفوض بموجبه شخص معنوي خاضع للقانون العام يسمى " المفوض"، لمدة محددة، تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى "  المفوض إليه"، يخول له حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا.
يمكن أن يتعلق التدبير المفوض كذلك بإنجاز أو تدبير منشأة عمومية أو هما معا تساهم  في مزاولة نشاط المرفق العام المفوض"[24].
و باستعراض مضامين هذا التعريف، نستطيع أن نلاحظ وجود ثلاثة أركان يقوم عليها بناء التدبير المفوض:
1-الوسيلة القانونية: وجود اتفاق أو عقد بين "المفوِّض"(déléguant) و "المفوض له"(délégataire
2- موضوع العقد:استغلال مرفق عمومي؛
3-العنصر المالي(الأجر=rémunération ):مداخيل أو إتاوات(redevances) أو رسوم، أو ما شابه؛ التي يجب أن تكون مرتبطة بنتيجة الاستغلال غير الثابتة أو المؤكدة(تزيد أو تنقص ،حسب الأحوال):فالتفويض يحمّل "المفوض له"،مسؤولية المخاطر المالية لاستغلال المرفق موضوع التفويض، مهما كانت الوسيلة أو الوسائل التي يستعملها في الحصول على أجره[25].
هذا، و إذا كان عقد التدبير المفوض يشبه إلى حد كبير عقد الامتياز(من ذلك أنه يتضمن مثله بنودا تعاقدية و أخرى تنظيمية)؛ إلا أنه يختلف عنه في جانب أساسي، ألا وهو قصر مدة الأول ؛ الأمر الذي يجعل الرسوم التي يحصلها "المفوض له "، في العادة، أعلى سعرا  من تلك التي يحصل عليها صاحب الامتياز: فهذه هي الوسيلة الوحيدة الفعالة، لاسترجاع أمواله و تحقيق  أرباحه أيضا، في اقصر وقت.
المطلب الثالث: عقد المساهمة:
إن عقد المساهمة، أو الالتزام بالمعاونة(contrat d’offre de concours)،عقد يلتزم بمقتضاه شخص من أشخاص القانون العام أو الخاص، بالمساهمة نقدا أو عينا أو هما معا،في نفقات مرفق عام أو أشغال عامة.
فقد يتقدم إلى الإدارة بعرض المساهمة، فرد من الأفراد، كأحد الملاك العقاريين،يعرض المساهمة في إنفاق طريق عام، يوصل إلى ممتلكاته. أو شخص من أشخاص القانون العام،كغرفة الفلاحة، تعرض المساهمة في حفر آبار، أو تجهيز مستودعات إحدى تعاونيات إنتاج الحليب، بآلات التبريد.أو يعرض أحد المقاولين العقاريين المساهمة، في بناء أجزاء من الحي أو المطعم الجامعي..إلخ.فإذا قبلت الإدارة هذا العرض أو ذاك، ينعقد العقد.
هذا، و يشترط في هذه العقود،أن تأتي كنتيجة للمبادرة الحرة  من المساهم. و لا يقلل من قيمة "حرية المبادرة " هاته، كونها جاءت بإيعاز أو إيحاء أو إغراء أو حتى طلب من الإدارة.
و ما يميز هذا النوع من العقود الإدارية، أنه لا ينشئ التزامات بالنسبة للإدارة، رغم قبولها له.و لذلك يمكنها العدول عنه، متى شاءت (بمبررات، لها علاقة بالمصلحة العامة.. طبعا):و بالتالي، لا يمكن مسائلتها عن تراجعها، بناء على وعدها بالتعاقد:فلا يمكن، على سبيل المثال، للفلاح الذي باع مواشيه أو أراضيه، ليساهم في بناء مسجد، أن يتابع وزارة الأوقاف لأنها عدلت في آخر لحظة، عن فكرة بناء ذلك المسجد،بدعوى أنه تكبد خسائر، نتيجة "وعد وزارة الأوقاف  الذي لم يتحقق".
 و لكن، في المقابل، يعتبر العقد ملزما لمن تقدم بعرض أو طلب المساهمة،و يعتبر طلبه "إيجابا"، و متى لقي "قبولا" من الإدارة، كما سبق القول،انعقد العقد. و من ثم فإن العرض الذي يتقدم به شخص طبيعي، لا يسقط بوفاته، بل يجب على ورثته سحبه،إذا أرادوا ذلك، قبل قبول الإدارة له.
و بالإضافة إلى هذه العقود، هناك عقودا إدارية أخرى، مثل عقود " القرض العام"، بالإضافة إلى عقود الصفقات العمومية، التي تتكون من:
أ‌-     الصفقات التي تتعلق بالأشغال العمومية(كبناء الطرق، مثلا)؛
ب‌-الصفقات التي تتعلق بتوريد الأدوات و المعدات و التجهيزات؛
ت‌- الصفقات المتعلقة بالخدمات( و أهمها خدمات النقل).
هذه الصفقات، ستكون بإذن الله تعالى، موضوعا لدراستنا المفصلة في هذه الدروس، و لكن يجب علينا قبل الشروع في دراستها، أن نتم بحث العقود الإدارية، بالنظر في طبيعتها التعاقدية:هل هي فعلا عقودا بالمعنى الصحيح لكلمة عقد؟
المبحث الثالث:الحقيقة التعاقدية في العقود الإدارية[26]:
ان انتقال الإدارة من الأعمال الإنفرادية ، إلى اسلوب التعاقد، لا سيما في بعض الأنشطة التجارية و الصناعية و الخدماتية ، التي كانت حكرا على الخواص، قد أربك فقهاء القانون في القرن التاسع عشر.
و بالفعل، فولوج الإدارة إلى مجالات كانت تدار وفق مبادئ و قواعد القانون الخاص، و مبدأ المساواة بين المتعاقدين،قد أقلق الفقهاء الذين يؤمنون بسمو الدولة و سيادتها على الأفراد.
 لقد آمن الكثير من فقهاء القانون  الأوربيين ، في القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين،أن الحكومة، في كل بلد، هي موطن السيادة و مركزها. و ان هذه الصفة تبقى لصيقة بها و بكل من يمثلها أو يتفرع عنها، في كل الأعمال التعاقدية أو الانفرادية.و من ثم لم يتصوروا إمكانية إخضاع الحكومة( او الإدارة التي تمثلها) للالتزامات التعاقدية،لأن ذلك يجعلها، في نظرهم،في مقام مساو للأشخاص الطبيعيين و المعنويين ، الأدنى منها( بما لا يترك مجالا للمقارنة). و هذا الأمر- أي التسوية- يتنافى مع مفهوم السيادة، التي تشترط، أول ما تشترط، التفاوت بين الحكام(الإدارة) و المحكومين.
إن هذه الإشكالية ،فرضت نفسها على فقهاء القانون العام، خلال الفترة التي سبقت الإشارة إليها أعلاه؛ فحاولوا حلها،بشتى الطرق،و حاولوا ابداع آراء لاستيعاب هذا الواقع الجديد، و تكييفه مع النظرية الوحيدة المتعارف عليها في ذلك الوقت، ألا و هي نظرية العقد المدني.
إلا أن معظم الحلول، تجمعت حول ثلاثة أراء أساسية: لقد ارتأى فريق من الفقه، أن العقود التي تبرمها الإدارة، هي عقود حقيقية، تطبعها حرية الإرادة و الرضى و المساواة. و بالتالي يجب أن تخضع للقانون الخاص ( المطلب الأول). فيما تصور فريق ثان بأن العقود التي تبرمها الإدارة، ليس فيها مساواة بين الأطراف، بل هي عقود تتميز بالتفاوت بين طرفيها، و هذا طبيعي فيها؛ لأن أحد طرفيها ينتمي إلى القانون العام،و من ثم ليس ثمة ما يمنع من وصفها بالعقود،فإن لم تخضع للقانون الخاص فهي تخضع للقانون العام( المطلب الثاني).في حين ذهب فريق ثالث، إلى أن العقود هي العقود،لا تتغير سواء كانت خاضعة للقانون الخاص او العام، و سواء أبرمتها الدولة أو الخواص. و أن العقود التي تبرمها الدولة، ليست عقودا "محضة" أو "حقيقية"، بل هي مزيج أو خليط من بنود تنظيمية و اخرى تعاقدية( المطلب الثالث).
المطلب الأول: عقود الإدارة  عقود مدنية:
ذهب أصحاب هذا الرأي، لاسيما في فرنسا و ألمانيا و إيطاليا- و في مصر لاحقا- إلى اعتبار العقود التي تبرمها الإدارة جميعها،عقودا خاضعة للقانون الخاص (القانون المدني).و بالتالي لا يجوز للدولة،إذا كانت طرفا فيها ، أن تنفرد بامتيازات خاصة على حساب المتعاقدين معها؛ذلك أن الأصل في العقود هو المساواة بين المتعاقدين.
فالإدارة كانت تلبي حاجياتها- في الأصل- بوساطة القرارات الانفرادية- المبنية على عدم التكافؤ و اللامساواة بين الإدارة و الأفراد-،فإذا هي اختارت اللجوء إلى أسلوب التعاقد، فليس أمامها إلا نظرية واحدة للتعاقد، و هي المستمدة من القانون المدني:فالعقد هو العقد، المؤسس على المساواة بين المتعاقدين، و على مبدأ " العقد شريعة المتعاقدين".
و من أشهر القائلين بهذا الرأي، نجد أتباع المدرسة الفردانية(Individualiste)، الذين نادوا، منذ القرن الثامن عشر، بتحرير الأفراد من الضغوط الاجتماعية، و خاصة الناشئة عن القانون، و التي يجب أن تكون استثنائية،لأنها تقيد الحرية، و الأفراد لا يمكن تقييد حريتهم إلا بإرادتهم الخاصة،لا سيما و أن الأفراد هم أساس كل الحقوق، و معيار جميع القيم.و لقد كانت الفكرة السائدة بينهم ، ان سيادة الحكومة أمر نسبي؛ فهي ليست مطلقة بلا حدود أو قيود، بل تحدها و تقيدها الحقوق الطبيعية للأفراد. بمعنى ، أنه لا يمكنها المساس بالحقوق الطبيعية  أو تجاوزها، إلا بناء على عقود، يعبر من خلالها الأفراد – دون إكراه- عن رضاهم و قبولهم بالتنازل عن بعض حقوقهم، و من ضمنها حقهم في التساوي مع غيرهم. فليس هناك من قاعدة قانونية أفضل من تكوين اتفاق يبرم طواعية و اختيارا بين أشخاص يتمتعون بالحرية في تصرفاتهم.
و في ألمانيا، ظهرت مدرسة فقهية أخرى، انطلقت من أسس مختلفة، و لكنها انتهت إلى نفس ما انتهت إليه المدرسة الفردانية تقريبا،هي  مدرسة " الدولة الخزينة أو بيت المال"(L’Etat fisc)(من اللاتينية fiscus= خزانة الدولة).
و تقول هذه النظرية،المستمدة في اصولها من القانون الروماني، بأن للدولة شخصيتين،شخصية تتمتع بالسلطة العمومية، و شخصية أخرى،تمثل الذمة المالية للدولة(Patrimoniale). و أن الشخصية الأولى هي الأصل، بل هي التي خلقت الشخصية الأخرى، بمقتضى قرار سيادي.و أن الدولة تدخل طرفا ،بواسطة الجانب الذي يمثل ذمتها المالية، في العقود التي تعقدها.و بالنتيجة، فلا مانع من أن تكون الدولة مقيدة – و لو جزئيا- بالشروط و البنود التعاقدية، مثلها في ذلك مثل الخواص،مادام أن جانبها السيادي بقي بمنأى عن العقود.
و لقد انتشرت آراء هذه المدرسة في فرنسا أيضا، و وجدت في الفقيه الفرنسي "لوي إدوارد جوليان لافريير"(Laferrière)(1841-1901) أحد أكبر أنصارها.لا بل إنه عمل على تطويرها و تحسينها، حتى أخرجها في صورة أكثر قبولا:لقد أدارها على فكرة بسيطة،مفادها أن للإدارة شخصيتين ،أو هي شخص بوجهين(  double face ):فهي شخصية معنوية عادية، لها ذمة مالية، و تتصرف كباقي أشخاص القانون العادي.و لكنها تتصرف أيضا - و هذا هو وجهها الآخر – كشخصية تتمتع بحقوق السلطة العمومية(comme dépositaire d’une part de l’autorité ou de la puissance)،و بالتالي تعبر عن السيادة.
لقد لقيت هذه النظرية رواجا غير يسير في أواخر القرن التاسع عشر، و بخاصة بين فقهاء  فرنسا و إيطاليا و ألمانيا. و تحمس للدفاع عنها،في البداية، ا فقهاء كبار مثل "هوريو"، و لكنهم مالبثوا أن تراجعوا عن تأييدها،لاسيما بعد الانتقادات التي وجهت لها.
و لكن أنصارها، لم يستسلموا مع ذلك، بل عملوا على تطوير نظريتهم في اتجاه التخلص من الطابع المزدوج لشخصية الدولة،  متبنين لرأي يقول بوحدة شخصية الدولة، و أن هذه الشخصية  لها بعد قانوني واحد،غير قابل للتجزئ،رغم أن الدولة تتصرف أحيانا كسلطة و أحيان أخرى كقوة اقتصادية؛إذ في كلتا الحالتين فإن الدولة هي التي تتصرف.
و لقد دافع عن وجهة النظر هاته، بشكل خاص،الفقيهان الألمانيان "رودولف فون أهرينج"(Ihering)(1892-1818) و "جورغ جلينيك"(Jellinek)(1851-1911).
فلقد جاء "اهرينج"، بنظرية التحديد الذاتي لسلطة الدولة، و طورها بعده "جلينك".و مؤدى هذه النظرية أن للدولة،باعتبارها رمز السيادة، خصائص جوهرية، من أهمها أنها غير قابلة للإخضاع إلا لإرادتها و بإرادتها الحرة. و من ثم فعندما تبرم الدولة عقدا، فإنها تكون بذلك قد اختارت بمحض إرادتها أن تضع نفسها،في موضع مساوي للخواص، و بالتالي فإن ذلك لا ينتقص من سيادتها،إذ أن التزامها بالعقود التي تبرمها مع الخواص، جاء نتيجة لإرادتها الحرة.
المطلب الثاني:العقود الإدارية تتميز باللامساواة:
يرى أتباع هذا الرأي، أن الالتزام التعاقدي في العقود الإدارية ، هو وليد قرار انفرادي(سلطوي أو تنظيمي)، تصدره الإدارة بما لها من سلطة آمرة،يرضخ لها الطرف الآخر المتعاقد معها.فالعقود الإدارية إذن؛ هي عقود تنتج ، بطريقة مباشرة، عن ممارسة الإدارة لسلطتها العمومية.أي أنها بطبيعتها، تتميز بالتفاوت الحاصل بين الحكام و المحكومين، و بالتالي،فمن تحصيل الحاصل،أن تخضع للقانون العام، و أن يختص القضاء الإداري بالبت فيها.
يقول العميد "موريس هوريو"(Hauriou)(1856- 1929)، و هو أحد اهم المدافعين عن هذا الرأي ، بأنه ليس في القانون ما يمنع من إبرام عقد بين طرفين غير متساويين.فالعقود التي كانت تبرم قديما - في الجمهورية أو الإمبراطورية الرومانيتين- بين الأحرار و العبيد ؛ كانت عقودا مستوفية لكل الشروط[27].
و لا عجب في ذلك- يضيف هوريو- فالعقود تبنى على القبول و الرضى، و قد يقبل أحد طرفي العقد ، لسبب من الأسباب، أن يكون في مكانة أو درجة أدنى من الطرف الآخر:فالقانون يسمح بذلك.
و من هنا، يخلص أنصار هذا الرأي  إلى القول؛ ان العقود الإدارية؛هي عقود حقيقية و صحيحة،رغم أنه لا يتحقق فيها مبدأ المساواة بين الأطراف المتعاقدة،إذ لا يعقل أن تكون هناك مساواة بين الإدارة(الحكام) و الخواص(المحكومين)،فمن طبيعة الأمور أن يكون هناك تفاوت بينهم:بمعنى أن المحكومين المتعاقدين مع الإدارة، يقبلون تلقائيا،أن يكونوا في مكانة أدنى من الإدارة.هذا من ناحية.و من ناحية أخرى،يمكن اعتبارها عقودا حقيقية و صحيحة لأنها، بكل بساطة، تنسجم مع إرادة الإدارة التي تريد أن تبقى،حتى داخل العلاقة التعاقدية،محتفظة لنفسها بالامتيازات الكثيرة التي توفرها لها القرارات الانفرادية( السلطة العمومية).بتعبير آخر،فالإدارة لا ترى فرقا جوهريا بين العقد و القرار الانفرادي،فكلاهما وسيلتين تستعملهما للقيام بمهامها(أي أن هذا هو منطق الإدارة أو السلطة الحاكمة).و كأن الإدارة - و هذا مالا يصرح به "هوريو"، و إنما يستنبط من كلامه-،عندما تبرم عقدا من العقود،فكأنها تتخذ قرارا انفراديا؛ وتستره بثياب العقد،حتى لا يعترض عليه أحد: و الدليل على ذلك، أن الإدارة تملي شروط العقد كما تشاء،و لا يملك المتعاقد معها إلا الخضوع و الاستسلام لما يملى عليه، أو الانسحاب من عملية التعاقدية برمتها.
و عليه، و لإدراك حقيقة العقود الإدارية، يوصي "هوريو" الباحثين "عن حقيقتها" ، ألا يقفوا عند مظاهرها الخارجية،المطبوعة بالمساواة ؛ فذلك ليس إلا مظهرا خداعا.فالحقيقة التي لا يجب أن ننساها، هي أن الإدارة لا تؤمن بالمساواة مع الخواص( فهذا امر يتنافى مع طبيعتها، اي مع طبيعة القانون العام الذي يحكم جل أعمالها). بل يجب على الباحثين عن معنى العقود التي تبرمها الإدارة، الغوص في دراسة كنانيش التحملات العامة و الخاصة؛ فبذلك يستطيعون الكشف عن نوعية العلاقة التعاقدية  التي تحبذها الإدارة، و التي لا يمكن إلا أن تكون مطبوعة باللامساواة.
المطلب الثالث: العقود الإدارية عقود مختلطة:
عندما كان يدافع "هوريو" عن وجهة نظره، خرج فقيه فرنسي آخر،حجة هو الآخر في القانونين العام و الخاص، هو العميد "ليون دوجي"(Duguit)(1859-1928)، بنظرية جديدة حول الطبيعة التعاقدية للعقود الإدارية، سيكسب لها النجاح و الانتشار الواسع، هي نظرية العمل القانوني المركب أو المختلط.
لقد رأى هذا الفقيه، ان الأعمال أو الاتفاقيات التي تبرمها الإدارة مع الخواص، هي اقرب إلى أن تكون اتفاقيات منظمة تنظيما قانونيا(convention)، يقتصر فيها ميدان التعاقد ( بمعنى التفاوض على شروط العقد)، على الجوانب المتعلقة بالثمن بالأساس، أما الجوانب الأخرى فتحددها  القوانين أو القرارات الإلزامية التي تسري على  طرفي العقد( و أحدهما الإدارة طبعا)؛ و لا تؤسس على التراضي أو التفاوض بين المتعاقدين[5].
أو بتعبير آخر، فالعقد الإداري،هو عمل قانوني مركّب أو مختلط (mixte)، إذ يحتوي على نوعين من البنود:
أ-بنود تعاقدية، و هي لا تهم إلا طرفي العقد( مثل الثمن، و المدة..)؛
ب-بنود تنظيمية،لا يقتصر أثرها على المتعاقدين، بل تهم النظام العام أو القانون.
و المعيار، الذي يعتمده "دوجي" للتمييز بين البند التعاقدي و البند التنظيمي، هو أن البند يعتبر تعاقديا، كلما أمكن الاستغناء عنه ،إذا ما تم انجاز العمل موضوع العقد، من طرف الإدارة نفسها ( يمكن الاستغناء عن هذه الشروط إذا قامت الإدارة بتسيير المرفق العام بأموالها و وسائلها الذاتية).
وبعد استعراض هذا الرأي،لست في حاجة إلى القول أو التذكير،بأن هذا الرأي الذي عبّر عنه "دوجي" في بداية القرن العشرين، لقي تأييدا في أوساط الفقهاء ،و من ثم القضاة و أخيرا المشرعين،في السنوات اللاحقة، بل و غلى يومنا هذا. و يكفي أن أدلل على صحة هذا القول،بالإشارة إلى المادة (12) من قانون التدبير المفوض، التي نصت على أن عقد التدبير المفوض يتكون من الاتفاقية( أي الالتزامات التعاقدية)،و دفتر التحملات (و الملحقات):أي يتكون من بنود تعاقدية، و أخرى تنظيمية(دفتر التحملات).
و لقد سبق القول أعلاه، في سياق الحديث عن عقدي الامتياز و التدبير المفوض معا، أن البنود التعاقدية المتعلقة بهما، تخضع لمبدأ" العقد الشريعة المتعاقدين"، في حين أن البنود التنظيمية، تنتمي للقانون العام، و بالتالي فهي تعكس وجهات نظر السلطة العمومية:و هذا بالضبط ما أكد عليه، العميد "دوجي".
و ما يقال عن هذين الصنفين من العقود الإدارية، يقال عن باقي العقود الإدارية،بما فيها الصفقات العمومية أيضا.كتبت الأستاذة الصروخ:
و هذه العقود بالرغم من كونها عقودا تبرم برضى طرفيها معا،إلا انها لا تبرم بين طرفين متساويين في القوة (...)و الذي يعزز قوة الإدارة في التعاقد هو ما تملكه من امتيازات (...) و تتجلى امتيازات الإدارة فيما تقوم به من صياغة لنصوص العقد و وضع شروطه و قواعده بسلطتها التقديرية و بإرادتها المنفردة(...) كما يجوز للإدارة ان تعدل البنود التنظيمية للعقد بإرادتها المنفردة ضمانا لحسن سير المرافق العامة دون أن يتوقف ذلك على غرادة المتعاقد معها.
أما إذا تعلق الأمر بالبنود التعاقدية، و هي التي تخص فقط المتعاقدين..فإنه لا يجوز للإدارة تعديلها إلا بإرادة الطرف المتعاقد معها[28].


[1]  إشراف محمد شفيق غربال- دار الشعب/مؤسسة فرانكلين – القاهرة 1965- مادة " عقد إداري"- ص 1221.
[2]  الأسس العامة للعقود الإدارية- مرجع سابق- ص ص 16 و 17.
[3]  الصفقات العمومية في المغرب ( الأشغال- التوريدات- الخدمات)- الطبعة الثانية-دار القلم – الرباط 2012- ص19.
[4]  قانون الالتزامات و العقود، في فصله الثاني:3) شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام..و انظر الفصول من 57 إلى 61 من نفس القانون..
[5]  د.أحمد سلامة بدر- العقود الإدارية و عقد البوت- الطبعة الثانية – مكتبة النهضة العربية – القاهرة 2010- ص 52 و ما بعدها.
[6]  الفصل 2 من قانون الالتزامات و العقود:4)سبب مشروع للالتزام...و انظر الفصول من 61 إلى 65 من نفس القانون
[7]  لا يعني هذا أن القضاء الإداري، هو المصدر الوحيد للقواعد المنظمة للعقود الإدارية، بل هناك مصادر أخرى منها المصدر التشريعي، و لكنه يكاد يقتصر على الجوانب المسطرية.كما أن الكثير من التشريعات المرتبطة بالعقود الإدارية، ليست في حقيقتها الا تقنينا لبعض أحكام القضاء الإداري.
[8]  و لأسباب تاريخية:فرغم أن عقود البيع(ventes d’immeubles d’Etat)،تدخل عادة في إطار العقود الخاضعة للقانون الخاص؛إلا أنه و لأسباب ارتبطت بأحداث الثورة الفرنسية(، كانت النزاعات االمتصلة ببيع العقارات المملوكة للدولة، تحال على القضاء الإداري، منذ صدور قانون ().انظر: M.Lombard-Droit Administratif- 4e édition-Dalloz-Paris 2001-p229.
[9]  فمن ذلك على سبيل المثال، ان قانون 28 بلوفيوز(السنة الثامنة للثورة)(la loi du 28 Pluviôse An VIII)،كان ينص على أن العقود ذات الصلة بتنفيذ شغل عام (Les contrats relatifs à l’exécution d’un travail public)،يكون لها طابع إداري، حتى و إن تضمنت أو أحالت على قواعد تنتمي للقانون الخاص.انظر:Lombard-op.cit -p228.
[10]  إن الحكم الذي وضع الأساس لمعيار المرفق العام في أول الأمر، هو حكم محكمة التنازع الفرنسية، في حكمها الشهير في قضية "بلانكو"(Blanco)،في 8 فبراير 1873.و تتلخص وقائع هذه القضية، في أن إحدى عربات شركة التبغ  التابع للدولة الفرنسية، في مدينة "بوردو"، أسقطت الفتاة " بلانكو" أرضا،و أصابتها بجروح.فرفع والدها دعوى أمام  القضاء العادي، مطالبا بالتعويض؛إلا أن محكمة التنازع قضت بأن القضاء المختص للنظر في الدعوى، هو القضاء الإداري،على اعتبار أن النزاع يتعلق بمرفق عام.و جاء في إحدى حيثيات الحكم:"..حيث أن المسؤولية التي يمكن أن تتحملها الدولة،بسبب الأضرار التي يلحقها أعوان المرفق العام بالأفراد ؛لا يمكن أن تخضع لمبادئ القانون المدني التي تضبط علاقة الأفراد فيما بينهم.." انظر: الطماوي- القضاء الإداري-م.س-ج1 ص63.
[11] كان مفوضا حكوميا، خلال الفترة ما بين (1891-1907).راجع سيرته في موقع مجلس الدولة الفرنسي:
http:// www.coseil-etat.fr
[12] « ..tout  ce qui concerne l’organisation et le fonctionnement des services publics proprement dits , généraux ou locaux (…)constitue une opération administrative .. ».
[13]  للمزيد من التفاصيل عن هذه الأحكام، راجع موقع مجلس الدولة الفرنسي، الذي سبقت الإشارة إليه في الهامش.
[14]  د سليمان محمد الطماوي- القضاء الإداري- طبعة 1967- دار الفكر العربي- القاهرة- ج1ص61 و ما بعدها.و تتلخص وقائع هذه القضية،في أن عبارة" باك ديلوكا"،التي كانت تستغلها إدارة مستعمرة "ساحل العاجل"، لنقل السلع و غيرها بين ضفتي إحدى البحيرات، غرقت، فألحقت - جراء ذلك- أضرارا بسيارة مملوكة لإحدى الشركة.و عندما رفع النزاع للقضاء،قضت محكمة التنازع، بأن القضاء المختص هو القضاء العادي و ليس القضاء الإداري، لأن الجهة التي كانت تستغل العبارة- و إن كانت شخصا عاما، و تقدم خدمات مرفق عام-؛إلا أنها كانت تدير العبارة بنفس الشروط التي يعمل بمقتضاها الأفراد و الشركات (الخواص).
[15] Les grands arrêts du Conseil d'État )en France(.
في موقع:www.fr.wikipedia.org
[16]  الصروخ- الصفقات العمومية- م. س- ص 31؛و لها أيضا- القانون الإداري:دراسة مقارنة- الطبعة السابعة- دار القلم – الرباط 2010- ص 453 و ما بعدها.
[17]  و ملخص هذه القضية، أن الإدارة كانت قد أصدرت منشورا يمنح لها صلاحية توظيف بعض عناصرها، في نطاق القانون الخاص.و في هذا الإطار تم توظيف السيد معمور بلقاسم.غير ان الإدارة، ممثلة في السيد عامل إقليم فاس، قرر طرد السيد "بلقاسم" من وظيفته.فلجأ هذا الأخير إلى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، طالبا إلغاء قرار الطرد، على اعتبار أنه قرار إداري، صدر عن سلطة إدارية ، و ينصب على موضوع إداري ( وهذه هي الشروط لرفع الدعوى المتعلقة بالشطط في استعمال السلطة). إلا ان هذه الغرفة،أصدرت حكما بعدم الاختصاص، معللة ذلك، بكون العقد، موضوع الدعوى،-بحكم طبيعته القانونية- يخضع لقواعد القانون الخاص.
[18]   و لقد صدر بالفعل هذا المقرر، و هو يحمل عدد 3.70.07 بتاريخ 5 رمضان 1428 الموافق لـ 18 سبتمبر 2007،و نشر بالجريدة الرسمية عدد 5565 ، بتاريخ فاتح أكتوبر 2007.و باستعراض مضمون لائحة الأعمال التي يمكن أن تكون موضوع عقود خاضعة للقانون الخاص، نجد:
-          تأمين حظيرة سيارات الإدارات العمومية؛
-          تأمين السيارات والقوارب ...و التغطية الصحية الأساسية و التكميلية؛
-          الاشتراك في شبكات الاتصالات..و الصحف و المجلات..و الأنترنيت؛
-          التوكيلات القانونية..و الاستشارات الطبية و البحوث القانونية أو العلمية أو الأدبية،التي ..لا يمكن أن تكون موضوع صفقات؛
-          اعمال التكوين التي تقوم بها الجامعات و المعاهد..و اعمال التكوين التي تتطلب مؤهلات أو خبرة خاصة؛
-          ...إلخ.(هذا على سبيل المثال لا الحصر).
[19]  حكم أوردته صروخ في –الصفقات العمومية...-م.س- ص21.
[20]  من ذلك على سبيل المثال، أنه يمكن إبرام عقد (يومي) مع نجار لإصلاح بوابة الجماعة القروية، أو خزانة المكتبة البلدية.كما يمكن، أن نعقد عقدا، مع صباغ، ليصبغ مكتب مدير مدرسة أو المندوق الإقليمي لوزارة الصحة، أو إحدى قاعات اجتماع المجلس الجماعي:و يستغرق العقد بضعة أيام. في هذين النموذجين من العقود، قد لا يتجاوز المبلغ الذي تدين به الإدارة، لمن ينجز لها العمل الذي طلبته، بضع مئات من الدراهم. في حين أن بعض عقود الامتياز، قد تمتد لعدة أجيال، كما هو الحال في عقود إنشاء و استغلال الطرق السيارة، من ناحية، و من ناحية أخرى،فبعض الصفقات، التي تبرمها الإدارة المركزية ، قد تبلغ قيمتها؛ ملايير من الدراهم، كما هو الحال، في بناء السدود و المطارات و المستشفيات و كليات الطب و المعاهد الهندسية..إلخ.
و كل هذه" الصفقات"، صغر أو كبر حجمها و مقدار الأموال المخصصة لهاـ تعتبر صفقات عمومية..
[21]  هذا التعريف، مقتبس عن حكم محكمة القضاء الإداري المصرية (جلسة:25/3/1956)، الذي جاء فيه:" التزام المرافق العامة[=عقود الامتياز] ليس إلا عقد إداريا يتعهد احد الأفراد أو الشركات بمقتضاه بالقيام على نفقته و تحت مسؤوليته المالية، بتكليف من الدولة أو إحدى وحداتها الإدارية، و طبقا للشروط التي توضع له، بأداء خدمة عامة للجمهور، و ذلك مقابل التصريح له باستغلال المشروع لمدة محددة من الزمن و استيلائه على الأرباح":أورده : احمد سلامة بدر – العقود الإدارية..- م. س – ص 124.
[22]  Lombard-Op.cit-p237.
[23]  مصطلح تنظيمي هنا، لا يرتبط بالتمييز بين مجال "القانون" و مجال" المرسوم"(مجال السلطة التنظيمية)، و إنما يعني القانون بمعناه المادي أو الموضوعي: بلغة أخرى،فما هو تنظيمي هنا، هو ايضا قانوني، لأنه مجموعة من القواعد العامة و المجردة.
[24] الجريدة الرسمية عدد 5404 بتاريخ 16 مارس 2006.و عنوان موقع الجريدة الرسمية هو:www.sgg.gov.ma
[25]  إن العنصر المالي، في الواقع، هو المعيار الذي يميز الصفقة العمومية عن التدبير المفوض.فبينما يحصل صاحب الصفقة على أجره مباشرة من صاحب المشروع(في الصفقة)، يحصّلها "المفوض له" من نتائج الاستغلال
[26]  اعتمدت، في تحرير هذا المبحث بالأساس على المصدرين و المرجعين (في آن واحد)،  التاليين (و لاشك انكم تعرفون الفرق بين المصدر و المرجع..بفضل دروس المنهجية):
Duguit (Léon)-Les transformations du droit public
Hauriou (Maurice)-La gestion administrative :Etude théorique
. و كلاهما منشورين في :www.gallica.bnf.fr
[27]   و لرب قائل يقول اليوم:أليست عقود الإذعان ،عقودا تبرم بين "العبيد" و " الأحرار"؟ و ما معنى الحرية، إن لم نملك قرار الاختيار؟
[28]  الصفقات العمومية- م.س – ص ص 19-20.




[1]  العقد المسمى هو العقد الذي خصه المشرع باسم معين و فصّل أحكامه، لشيوعه بين الناس. و يفهم من هذا، طبعا أن العقود غير المسماة، سميت كذلك لأنها لم تحظ من المشرع باسم أو تنظيم معينين، بل أخضع نشوءه و أحكامه للقواعد العامة المقرّرة لجميع العقود؛ لقلة العمل بها.
و يقول الدكتور أنور سلطان، مضيفا إلى التعريف السابق :" و أهمية هذا التقسيم  أنه إذا سكت المتعاقدان عن ذكر بعض أحكام عقد من العقود المسماة (contrats nommés) يرجع في تكملة هذا النقص إلى الأحكام الخاصة التي أوردها المشرع في شأنه، أما إذا كان العقد من العقود غير المسماة (contrats innommés) فيرجع بالنسبة له إلى القواعد العامة في الالتزام":المبادئ القانونية العامة- الطبعة الثانية- دار النهضة العربية- بيروت 1978- ص ص 283-84.
[2]  و  الجدير بالذكر أن عقود الامتياز استعملت بكثرة في المغرب، منذ عهد الاحتلال و ما زالت، و في الكثير من المجالات كالنقل، و توزيع الماء و الكهرباء، و النظافة، و اتصالات الهاتف المحمول، و الأنترنيت،..و طبعا التعليم..إلخ.
[3]  ميشيل روسي-المؤسسات الإدارية المغربية- تعريب: إبراهيم زياني و المصطفى أجدبا و نور الدين الراوي- مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء 1993- ص 42.
[4]  ذلك أن منح الامتياز لا يعني بأي حال من الأحوال تخلي الدولة عن المرفق العام، و عدم ممارسة أي رقابة إدارية أو تقنية (فنية) أو قانونية على الجهة المكلفة بتشغيل المرفق العام،و مثال ذلك هو ما حدث في فرنسا بعد اختراع المصباح الكهربائي، و مطالبة البلديات الفرنسية أصحاب الامتياز، باستبدال الإنارة بالغاز و الاستعاضة عنها بالكهرباء.فرفض هؤلاء الاستجابة لهذا الطلب، ما دفع مجلس الدولة الفرنسي في قرارات لاحقة إلى منح الإدارة الحق بتغيير بنود العقود الموقعة بينها و بين الملتزمين معها.و لولا هذا الموقف، لبقيت بعض المدن الفرنسية دون كهرباء حتى عام 1950، و في بعض البلديات الأخرى حتى عام 1970، و هي سنوات انتهاء العقود التي كانت قد أبرمتها معظم البلديات لعشرات السنين ( البعض منها تصل إلى تسعة و تسعين عاما).انظر: أثر القانون الخاص على  العقد الإداري- ج1ص 51.
[5]  يمكن أن نشبه هذا النوع من الاتفاقيات بعقود الزواج:فعقد الزواج، من حيث المبدأ، هو اتفاق بين الزوجين، إلا أن القانون وحده هو الذي يحدد آثاره، و من ثم فهو لا يعد عقدا بالمعنى الصحيح للكلمة.انظر في هذا الصدد: د.أنور سلطان- المبادئ القانونية العامة- م.س – ص 279.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق