المبحث
الثاني: مبدأ الشفافية
يراد بالشفافية في الصفقات
العمومية، توفير جميع المعلومات، و المعطيات، و الوثائق، المتعلقة بصفقة
معينة،لجميع المتنافسين، على قدم المساواة؛ سواء تعلقت هذه المعلومات بالقوانين أو
الممارسات..و ذلك للأسباب التالية:
1- حتى لا تكون هناك قوانين
معلنة، لا يتم العمل بها، و أخرى " سرية " هي التي تطبق؛
2- و حتى لا تكون هناك
ممارسات تتم علنا، و أخرى تتم وراء " الأبواب المغلقة".
و بهذه الشفافية، إذن، تتاح
لجميع المتنافسين، المعلومات الكافية المتعلقة بالصفقات التي يرغبون في التنافس
لنيلها، حتى يحددوا على ضوئها (المعلومات)، مدى قدراتهم على المشاركة أم لا، و ما
هي حظوظهم للفوز بها، و ما هي الفرص الربح التي قد يحققوها، من وراء ذلك الإنجاز.
هذا الحق ، يبدو بديهيا
اليوم، و لكنه لم يكن كذلك منذ فترة ليست بالبعيدة جدا، إذ كانت هناك فئات قليلة
تحتكر الصفقات، تفرض أجواء من السرية و
التعتيم حولها، حتى تمنع الآخرين من المشاركة فيها، و تستعمل كل الوسائل القانونية
و غير القانونية ،لإبعاد المتنافسين المحتملين، و تغلق في أوجههم الأبواب.
و للأسف، فإن بعض النخب
السياسية و الإدارية، قد ساهمت في هذه الأعمال، و اعتبرت الصفقات وسائل لتحقيق
مكاسب مالية، أو في أحسن الأحوال نظرت إليها على أنها وسائل مالية لدعم أنصارها، و
تمكينهم من السيطرة على مقدرات البلاد و العباد.
و لعل أفضل تشخيص لذلك
الوضع، هو ما عبّر عنه الخبير الروسي " ألكسندر سكونوف"، في مقال له تحت
عنوان" المبادئ العامة لعمليات تدقيق العقود العامة، فرصة لتعاون
الأنتوساي":"[...] و في العديد من البلدان نجد أن نظام المشتريات ليس
مجرد وسيلة للحصول على السلع و الخدمات، و لكنه أيضا آلية لتحقيق أهداف سياسية
مختلفة.."[1].
و اليوم، يبدو أن الأمور قد
تغيرت، على الأقل في الجانب القانوني ، و هذا ما نلمسه في المراسيم المنظمة
للصفقات العمومية منذ 1998،التي شددت على وجوب احترام و تقوية أسس الشفافية و
النزاهة.و فيما يلي من هذا المبحث، سنتعرض لبعض أهم الإجراءات التي اتخذت على هذا
المستوى، و ذلك من خلال النقط التالية:
1- لقد أكد المرسوم على
تقليص- و إن أمكن- نزع الصفة المادية عن مساطر إبرام الصفقات العمومية: فلقد أفرد
المشرع " الباب السابع" من المرسوم، للحديث عن كيفية " تجريد
المساطر من الصفة المادية"؛
2- و أهم إجراء يقترحه
المرسوم لتحقيق هذا الهدف، هو إلزام أصحاب مشاريع الصفقات ، بنشر المعلومات و
الوثائق المتعلقة بالصفقات المقرر إجراؤها في المستقبل، في البوابة الإلكترونية
لصفقات الدولة، التي تسيرها الخزينة العامة للمملكة.فلقد نصت المادة (40) مثلا،
على أنه:" يتعين على صاحب المشروع في بداية كل سنة مالية، و قبل متم الثلاثة
أشهر الأولى منها، على أبعد تقدير، نشر البرنامج التوقعي للصفقات التي يعتزم
إبرامها برسم السنة المالية المعنية، في جريدة ذات توزيع وطني على الأقل، و في
بوابة الصفقات العمومية. و يمكن لصاحب المشروع أيضا القيام بنشر هذا البرنامج بكل
وسيلة أخرى للنشر و لا سيما بطريقة إلكترونية".و تضيف هذه المادة:" يجب
على صاحب المشروع أن يعرض البرنامج التوقعي للصفقات في مقاره[2]
طيلة مدة ثلاثين (30) يوما على الأقل..".
و لكن ما هي أهم مضامين هذا
البرنامج التوقعي، و التي يجب أن يتساوى المتنافسون في العلم بها، لتحقيق مبدأ
الشفافية ؟
تقول المادة (40) :"...يتضمن
البرنامج التوقعي، على الخصوص، الإشارة إلى موضوع الدعوة إلى المنافسة و طبيعة
العمل و مكان التنفيذ و طريقة الإبرام المزمع اعتمادها و الفترة الزمنية المتوقعة
لنشر الإعلان على الدعوة إلى المنافسة المتعلق بالصفقات التي يعتزم صاحب المشروع
طرحها برسم السنة المالية المعنية.."؛
3- و الشفافية، لا يجب أن
تقتصر على نشر " الشروط" التي يضعها صاحب المشروع، بناء على القوانين و
الممارسات المعمول بها. بل تمتد كذلك إلى
نشر كل النصوص التشريعية و التنظيمية المنظمة للصفقات العمومية[3]؛ و كذا مختلف إعلانات الإشهار عن مختلف الصفقات،
و اعلانات التصحيح( تصحيح الإعلانات)، و إعلانات طلب إبداء الاهتمام، و طلبات
العروض..إلخ؛ و مختلف المحاضر(محضر الاجتماع أو زيارة المواقع، مستخرجات من محاضر
فحص العروض..) و المقررات و التقارير ( مثل مقرر إلغاء المسطرة،و مقررات الإقصاء
من المشاركة في الصفقات،و تقارير انتهاء الأشغال، و تقارير المراقبة و التدقيق..)،
غيرها(147)[4].
4- و من الإجراءات الأخرى
التي تضمنها هذا الباب، ما يعرف بـ" تجريد المساطر من الصفة المادية": و
ذلك من خلال إفساح المجال لإيداع و سحب أظرفة و عروض المتنافسين من بوابة الصفقات
( المادة 148)، و فتح الأظرفة و تقييم العروض المودعة بطريقة إلكترونية ( المادة
149)، فضلا عن إمكانية إبرام صفقات عن طريق مسطرة " المناقصات
الإلكترونية"[5]،
و هي إحدى مستجدات المرسوم الحالي؛ و مفادها أنه يمكن للمتنافسين ، في صفقات
التوريدات الجارية (أو العادية)، أي المتعلقة بشراء منتجات موجودة في السوق، من
مراجعة الأثمان التي يقترحونها بالتخفيض- إذ الأمر يتعلق بمناقصة-، طيلة سريان
إبرام الصفقة، في حدود التوقيت المحدد لها (المادة 151)[6]؛
5- و من المستجدات ، وضع
قاعدة بيانات للموردين و المقاولين و الخدماتيين، تحتوي على المعلومات و الوثائق
الإلكترونية المتعلقة بهؤلاء الفاعلين الاقتصاديين، و بمؤهلاتهم القانونية و
المالية و التقنية، و كذا بمراجعهم المقررة في المادة (25) من مرسوم 2013.
هذا العمل سيحقق هدفين، من
ناحية سيساعد على التخفيف من كمية و نوعية الوثائق المطلوبة من المترشحين للتنافس
على الصفقات، في أفق نزع الصفة المادية عن الملفات الإدارية للمتنافسين، بهدف تم
تمكينهم من التفرغ لتحضير عروضهم، و من
ناحية أخرى سيساعد الإدارة على التعرف على المترشحين، إذ يكفي إدخال هوية المترشح
لمعرفة الكثير من المعلومات عنه، شريطة، طبعا، أن تكون المعلومات المخزنة في
المنصة (قاعدة البيانات) صحيحة و يتم تحيينها بين الفينة و الأخرى(المادة 150).
6- و في إطار الالتزام بالشفافية، فرض القانون على
صاحب المشروع أن يقدم للمتنافسين الإيضاحات و البيانات اللازمة عن الأعمال المطلوب
تنفيذها قبل ميعاد تقديم العروض، و إطلاع المتنافسين- بطلب منهم- على المعلومات
التي تمكنهم من تقييم الأعمال المراد إنجازها.فالمادة (22) تنص على أنه:"
يجوز لكل متنافس أن يطلب من صاحب المشروع[ داخل أجل معين] (...) أن يقدم إليه
توضيحات أو معلومات تتعلق بطلب العروض و الوثائق المرتبطة به ". و تضيف ( نفس
المادة):".. يجب تبليغ كل توضيح أو معلومة يقدمها صاحب المشروع إلى أي متنافس
بطلب من هذا الأخير، في نفس اليوم، و حسب نفس الشروط إلى المتنافسين الآخرين
.."( و نفس الشيء تقريبا نصت عليه المادة 23 التي تتعلق بزيارة المواقع و
التوضيحات و الأجوبة التي تعطى بشأنها خلال الاجتماع، و التي يجب أن تبلغ إلى علم
باقي المتنافسين فورا)؛
7- و من الأمور الأخرى التي
تضمن الشفافية، إجراء عمليات فتح أظرفة المتنافسين ( للتحقق من احتوائها على
الأغلفة المشار إليها في المادة 24، لاسيما الغلاف الذي يشمل الملفين الإداري و
التقني، و الغلاف الذي يضمن العرض المالي..)، في جلسة عمومية ( المادة 36).
و حتى عندما تكون الجلسة
سرية، فإن المشرع احتاط لضمان شفافيتها،
حتى لا تتخذ وراء الأبواب المغلقة قرارات تضر بمصالح المتنافسين؛فألزم لجنة طلب
العروض، مثلا، بتحرير محضر عن كل اجتماع من اجتماعاتها، تسجل فيه الكثير من الأمور
التي جرت في هذه الاجتماعات ( الملاحظات و الاعتراضات المقدمة خلال عمليات فحص
العروض، و كذا رأي اللجنة حولها، و أسباب إقصاء المتنافسين المبعدين، و العناصر
التي اعتبرتها اللجنة مبررة لاقتراح العرض الذي تراه الأفضل..)(المادة 43)؛
8- و من المستجدات التي جاء
بها المرسوم الحالي، نشر الثمن التقديري ( أو على الأصح التكلفة التقديرية)
للصفقة، و المعد من طرف صاحب المشروع ، في إعلان ( إشهار) المنافسة ( الإعلان عن
طلب العروض المفتوح مثلا: المادة20/ الفقرة ح).
المبحث :مبدأ
المساواة في معاملة المتنافسين
يعتبر مبدأ المساواة بين
المواطنين ( أمام القانون، و أمام الوظيفة العمومية، و في الانتفاع و استعمال
المرافق العامة، ..)، من المبادئ العامة المنصوص عليها في كل دساتير العالم، و
مواثيق حقوق الإنسان العالمية و الإقليمية و المحلية، و في القوانين العادية و
المعاهدات..إلخ.
و لقد تكرس هذا المبدأ في
مجال الصفقات العمومية، و لم يعد يثير أي نقاش.بل امتد هذا الحق من المواطنين إلى
كل الناس، حتى الأجانب، كما مرّ معنا في الفصل السابق.
فلقد أصبح تحقيق المساواة
بين جميع المتنافسين، مهما كانت جنسياتهم، إحدى حقو الإنسان التي تؤكد عليها وثائق
الأمم المتحدة، أو المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة أو غيرها من
المنظمات المهنية أو الجهوية الأخرى: كصندوق النقد و البنك الدوليين، و التجارة
العالمية، و غرفة التجارة الدولية، و منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية (OECD).
و هكذا، لم يعد مستساغا و
لا مقبولا أن يستبعد المشتري العمومي (الإدارة)، أي شخص طبيعي أو معنوي (عام أو
خاص، وطني أو أجنبي)، يتقدم للمشاركة في صفقة عمومية، دون سبب شرعي ينص عليه
القانون.و هذا ما استقر عليه القضاء الإداري، الذي يؤكد على :
1- يجب على المشتري
العمومي( الإدارة)، أن يوفر أجواء الحرية، التي تسهل على المتنافسين ولوج الطلبيات
العمومية؛
2- يجب على المشتري، تحقيق
المساواة، بين جميع المتنافسين، أمام الشروط التي تطلب الإدارة استيفاءها للمشاركة
في التنافس على صفقة عمومية، و من ثم نيلها؛
3- إن الشروط التي يضعها
المشتري العمومية، يجب أن تكون قانونية، بل ويجب أن تجد تبريرها في موضوع الصفقة؛
4- و من ثم فإن الشروط التي
يضعها المشتري العمومي، المبالغ فيها أو التي تستهدف إبعاد بعض المترشحين،بدعوى
عدم توافرهم على مؤهلات مهنية معينة أو قدرات تقنية، مثلا،يلغيها القاضي الإداري؛
5- و بالتالي،فإذا توافرت
الشروط في المتنافس،أيا كان، امتنع على الإدارة إعمال سلطتها التقديرية في
استبعاده من الصفقة.
هذا من الناحية القانونية،
و هناك اعتبارات أخرى اقتصادية أيضا، تتعلق بالاستعمال الأمثل للمال العام، لا
يمكن بلوغها إلا إذا شُرِّعت الأبواب على مصراعيها ، أمام جميع المتنافسين على قدم
المساواة، مهما كان أصلهم ، حتى يشاركوا بعروضهم: فبهذه الطريقة،يصبح صاحب المشروع
ملما بظروف العرض كلها، و بالثمن الذي يطلبه مختلف البائعين،هذا من جهة. و من جهة
أخرى، فإن المتنافسين المعنيين بالصفقة، يصبحون كلهم، أو معظمهم، في ظل هذه
المنافسة المفتوحة، على علم بكل الطلبيات العمومية التي تهمهم، و بالأثمان التي قد
تدفعها الإدارات العمومية للحصول عليها، فيضعون الخطط للاستفادة منها ( في الحال،
أو في المستقبل).
و لتحقيق منافسة فعالة، من
هذا النوع، نص المرسوم بمثابة قانون تنظيمي للصفقات العمومية،على حزمة من
الإجراءات من أهمها:
أ- من حيث المبدأ العام ( المادة
24)، يحق لكل شخص طبيعي أو معنوي، أن يشارك بصفة صحيحة و أن ينال الصفقة العمومية،
في إطار المساطر المقررة في القانون، إذا هو أثبت توفره على المؤهلات التقنية، و
المالية، المطلوبة لذلك.و كان، بالإضافة إلى ذلك ،في وضعية قانونية سليمة إزاء
إدارة الضرائب، و إزاء هيئات الضمان الاجتماعي.و لم يكن في حالة تصفية أو تسوية
قضائية ( ماعدا في حالة ترخيص خاص)، أو في حالة إقصاء إداري[7] أو قضائي (مؤقت أو نهائي)[8]؛
ب- لقد حرص المشرع على
إشراك كل المترشحين للصفقات، على قدم المساواة، و يتجلى ذلك من خلال حرصه على
الإعلان عن الصفقات بكل السبل المتاحة، حتى يعبئ كل الطاقات الممكنة: فنص على
ضرورة الإعلان عنها في عدد من الجرائد( و على رأسها الجريدة الرسمية )، و في
البوابات( المنصات) الإلكترونية، و في الدوريات(مجلات..) و النشرات المتخصصة، و
بأية وسيلة أخرى للإشهار ( المادة 20)؛
ت-كما أنه من بين الوسائل
التي استحثها مشرع مرسوم 2013،في مجال تحسين المنافسة، آلية " طلب إبداء
الاهتمام"..و التي تمكن صاحب المشروع من معرفة المتنافسين المحتملين قبل
الشروع في الدعوة إلى المنافسة:و بالتالي يمكن للإدارة أن توسع مجال التنافس، و
بالتالي تستفيد من كل الفرص و الخيارات و الإمكانيات المتاحة في السوق المحلي أو
الوطني أو الدولي،حسب الأحوال؛
ث-كما أن القانون ألزم صاحب
المشروع بأن يحدد الأسس الموضوعية التي على أساسها سيتم اختيار " نائل
الصفقة" ؛ بطريقة محايدة و موضوعية( حتى لا يتم وضعها على مقاس أحد المتنافسين،
أو إخدى العروض..). و ألزمه ، كذلك، بالإعلان عن هذه الأسس أو المعايير، منذ
البداية ( في الإعلان، أو نظام الاستشارة،أو دفتر التحملات الخاص بالصفقة..) و
بذلك تكون هذه الأسس و المعايير معروفة سلفا عند جميع المتنافسين، دون تمييز بينهم:ففي
الصفقات من نوع " طلب العروض المفتوح"، مثلا، يكون صاحب المشروع مطالبا
بوضع " نظام للاستشارة"، يبين فيه "..على الخصوص ، من ضمن ما يبين،
مقاييس قبول المتنافسين و إسناد الصفقة، و يجب أن تكون هذه المقاييس موضوعية و غير
تميزية، و متناسبة مع محتوى[ موضوع] الأعمال[ أشغال، أو توريدات، أو
خدمات].."( المادة 18)( و يحق لكل مترشح يرغب في التنافس لنيل الصفقة، الحصول
على نظام الاستشارة، و الاستفسارة عن كل مسألة واردة فيه..)؛
ث- و يدخل في هذا السياق
أيضا، الحياد الذي يجب أن يتحلى به صاحب المشروع، عند تحديد مواصفات و خصائص
المشتريات ، التي يريد اقتناءها، إذ يجب أن يتجنب الإشارة إلى أي نوع، أو صنف
بعينه ( من السلع أو المعدات أو التجهيزات..)، أو يحدد علامات تجارية، أو يشترط
مواصفات لا تنطبق إلا على علامات( ماركات) تجارية معينة[9].يقول
المشرع( المادة 5):"..يجب ألا تشير المواصفات إلى أية علامة تجارية أو إحالات
على مصنف مواد أو تسمية أو براءة أو مفهوم أو نوع أو مصدر أو منتجين معينين إلا في
حالة عدم وجود أية وسيلة أخرى كافية الدقة و الوضوح لوصف مميزات الأعمال المطلوبة،
و بشرط أن تكون التسمية المستعملة مقرونة بعبارة أو ما يعادلها.."؛
ج- و إذا كان صاحب المشروع،
من حيث المبدأ، حر في اختيار طريقة إبرام الصفقة، إلا مرسوم 2013، قيد من هذه الحرية، وجل اللجوء إلى المساطر
الاستثنائية(كالمسطرة التفاوضية) أمرا صعبا، حفاظا على حرية المنافسة؛
ح- و في إطار تحقيق
المساواة بين المتنافسين، ألزم المشرع صاحب المشروع بأن يوفر للمتنافسين المعلومات
على قدم المساواة، في كل مراحل إعدادهم لعروضهم.فكل معلومة أو توضيح، يقدم إلى أحد
المتنافسين- بطلبه- يجب أن يُبلّغ إلى باقي المتنافسين ( و هذه جزئية أشرنا إليها
في المبحث السابق، لأن ذلك هو مكانها المناسب، و لكنها خليقة بأن تذكر هنا أيضا
لعلاقتها بالموضوع).
و مع كل هذا، إلا أنه لا
يجب أخذ مفهوم حرية المنافسة، بمعناه المطلق، إذ أن المشرع حد من هذه الحرية،
لفائدة بعض المقاولات الوطنية، لاسيما الصغرى و المتوسطة:
1- ففي إطار جعل الصفقات العمومية رافعة
استراتيجية للتنمية،جاء مرسوم 2013، بمجموعة من الإجراءات الداعمة للمقاولات الصغرى و المتوسطة، لتشجيعها على ولوج الطلبيات
العمومية، و ذلك من خلال التنصيص على تخصيص(20% ) من الاعتمادات المالية المتوقع إنفاقها
في الصفقات العامة، كل سنة مالية، لفائدة المقاولات الوطنية المتوسطة و الصغيرة.ليس
هذا فقط،بل لضمان هذا التخصيص ، فقد فرض على صاحب المشروع، أن يحدد بالضبط، في
البرنامج التوقعي السنوي، الصفقات التي سوف يخصصها للمقاولات الصغرى و المتوسطة .و
أن يؤكد كل ذلك، من خلال مضمون الإعلان عن طلب المنافسة و كذا نظام الاستشارة، أن الصفقة مخصصة للمقاولات
الصغرى و المتوسطة( و من ثم،يصبح المتنافسون ملزمون أن يبيون في الوثائق التي
يدلون بها ، انهم استوفوا هذا الشرط)[10].
2- من الأمثلة الأخرى التي يمكننا أن نسوقها هنا، للتدليل
على نسبية مفهوم حرية المنافسة، التمييز التفضيلي الذي يسمح به القانون لفائدة
المقاولات الوطنية، في حدود معينة.و بالفعل،فلقد منح المشرع المغربي بمقتضى المادة(155)،
للمقاولة الوطنية حق الأفضلية على المقاولات
الأجنبية، و ذلك في الصفقات المتعلقة بالأشغال و الدراسات المرتبطة بها:فعندما
تلاحظ لجنة طلب العروض أو لجنة المباراة، أن العرض المقدم من مقاولة مغربية يتساوى
من حيث المواصفات المطلوبة،مع مقاولة أجنبية،تعطى الأفضليية للعرض المغربي، و ذلك
بإضافة نسبة( 15%) إلى مبلغ
العرض الأجنبي؛فيصبح بذلك العرض الأجنبي أكبر كلفة، و كأن المقاولة الأجنبية أضافت
إلى الثمن الذي تطلبه لإنجاز الصفقة( 15%) من الثمن
الأصلي المقترح. ثم بعد ذلك تقوم اللجنة،بإجراء المقارنة بين العرضين، المغربي و
الأجنبي.و لا شك أن هذا يتنافى مع مفهوم حرية المنافسة، و مبدأ المساواة أمام
الطلبية العمومية كذلك، إلا أن الكثير من القوانين تسمح بهذا الإجراء لتشجيع
المقاولات الوطنية،و مساعدتها على ولوج للصفقات العمومية،في إطار نوع من إعادة
التوازن بين كفتي المقاولة الوطنية و الأجنبية ، و تشجيع استهلاك المنتوج الوطني..و
محاربة البطالة.
[1] المجلة الدولية
للتدقيق الحكومي- عدد يوليو 2013.راجع النسخة الإلكترونية من هذا العدد في موقع
" الأنتوساي ":www.intosai.org
أو على موقع المجلة:intosaijournal@gao.gov
[2] و لم يحدد المشرع المقصود بمقاره: هل هي المقر
الرئيس؟ أم مقار كل الإدارات الفرعية التابعة له؟ فبالنسبة للوزارة: هل المقصود
المقار الموجودة في في العاصمة؟ أم المقار الجهوية و الإقليمية، التابعة لهذه
الوزارة أيضا؟
[3] و هذا إجراء، تستفيد منه، بالخصوص، المقاولات
الأجنبية، التي قد لا يكون لها معرفة جيدة، بالمنظومة القانونية، المنظمة للصفقات
العمومية، أو لها علاقة بهذا المجال.
[4] إلا أن إدارة الدفاع الوطني تعفى من نشر
البرنامج التوقعي، و تقرير انتهاء الصفقة، و كذا الوثائق المقررة في المادة (147).
[5] وفق ما يتم في إطار المسطرة العادية التي
تمثلها كل من المواد من 36 إلى 45 و ذلك وفق ما حدده قرار وزير الاقتصاد و
المالية..قرار لوزير الاقتصاد و المالية رقم 20.14 صادر في 8 ذي القعدة 1435 (4سبتمبر
2014)، يتعلق بتجريد مساطر إبرام الصفقات العمومية من الصفة المادية، ج.ر عدد
6298، ص ص 7234-40.
و لقد أشار هذا القرار إلى أنه و ابتداء من فاتح يناير 2017، سيصبح سحب و
إيداع أظرفة المتنافسين و فتحها و تقييم
العروض بطريقة إلكترونية، إجراء عاديا بالنسبة لكل الصفقات، كيفما كان مبلغها
التقديري.و لكن يبدو أن كل من الإدارات و المترشحين، مازالوا غير قادرين على تطبيق
هذا الإجراء ،و لعل العملية تحتاج مزيدا من الوقت.
[6] يندرج هذا، ضمن ما يسمة بـ " نزع الطابع
المادي"(La
dématerialisation)
عن الصفقات العمومية، و هو مفهوم يعني،
بكل بساطة، إمكانية إبرام الصفقات العمومية، بطريقة إلكترونية، إما باستعمال
البريد الإلكتروني، أو استعمال منصة اتصال مباشر عبر الأنترنيت(une plate forme en ligne sur
internet).
هذا، و ليس لنزع الطابع المادي، أي أثر على
محتوى المعلومات التي ينبغي تبادلها بالطريقة الإلكترونية،و بالتالي فشروط الشراء
العمومي، تطبق على المشتريات العمومية، بالطريقة المنزوع عنها الطابع المادي.
[7] تضع الإدارة "قوائم سوداء"، بأسماء
بعض المقاولات الفردية أو الشركات، التي سبق لها نيل صفقة من الصفقات، و لم تحترم
التزاماتها؛ و بالتالي تقرر عدم التعامل معها في المستقبل، و لا تفسح لها المجال
للمشاركة في المنافسات على الصفقات التي تنوي إبرامها.
للاسف أن كل إدارة( وارة، أو مؤسسة عمومية،
أو جماعة محلية)، تضع قوائم خاصة بها، في حين ينبغي التنسيق بين مختلف الإدارات، و
تبادل المعلومات، لمحاصرة هذه المقاولات " الخارجة على القانون"، و
القضاء عليها، و في ذلك، لا شك، حماية للمال العام، و تخليق للأجواء المحيطة
بالصفقات العمومية.
[8] و إن كان المترشح مهندسا، يرغب في الترشح لنيل
صفقة من صفقات الهندسة المعمارية، فيجب ألا يكون قد صدر في حقه عقوبة سحب الترخيص
أو عقوبة توقيف مزاولة المهنة ( المواد 96 و ما بعدها).
[9] حتى لا يتم " تفصيل" تلك المواصفات و
الخصائص على ما يعرضه أحد المتنافسين في ملفه ( الذي قد يكون متواطئا مع أحد
المسؤولين أو أكثر، من السياسيين أو الإداريين، الذين لهم سلطة على إسناد الصفقة)
[10] كما منح المشرع المغربي
لصاحب المشروع إمكانية التنصيص في نظام الاستشارة أو في دفتر الشروط الخاصة، على
إلزام المقاولة الأجنبية نائلة الصفقة،إذا قررت الاستعانة بمقاولة أخرى لإنجاز جزء
من الصفقة، في إطار التعاقد من الباطن، باختيار مقاولة صغرى أو متوسطة وطنية(
سنتحدث عن التعاقد من الباطن، في سياق حديثنا عن التنفيذ).