الاثنين، 6 أبريل 2020


- التصاعد بالشرائح(La progressivité par tranches):
في هذا النظام يقسم الوعاء- و ليكن هو الدخل مثلا- إلى عدة أجزاء تسمى الشرائح(tranches)، متساوية في حجمها أو قيمتها أو غير متساوية،و يخصص لكل شريحة سعرها الخاص. و يتزايد سعر الشرائح بشكل تصاعدي، مع تزايد قيمة الدخل..
و من هنا،فإن الدخل يخضع لعدة أسعار بقدر ما يحتويه من شرائح، و نحصل على مبلغ الضريبة الواجب الأداء، بجمع المبالغ المطلوبة عن كل شريحة من الشرائح التي تكوّن الوعاء(الدخل مثلا).
و لنضرب مثلا..
رقم الشريحة
حجمها أو قيمتها(بالدرهم)
السعر المطبق عليها
الأولى
من 0 إلى30.000
3%
الثانية
من30.00150.000
5%
الثالثة
50.00180.000
10%
الرابعة
80.001150.000
14%
(الجدول رقم 2)
لنفرض أن (إلهام)، تحقق دخلا سنويا، قدره (85.000) درهم في السنة.فماهو مبلغ الضريبة، الذي ستؤديه هذه السيدة؟
أول عملية، نقوم بها هي تقسيم هذا الدخل إلى شرائح،وفق الأحجام أو الحدود، و الأسعار التي يحددها الجدول أعلاه:
أ- في الجدول(أعلاه)، نجد الشرائح التالية:
1-فالشريحة الأولى حجمها أو قيمتها(حدودها)=30.000-0=30.000درهم؛
2-الشريحة الثانية حجمها أو قيمتها(حدودها)=50.000-30.000=20.000 درهم؛
3-الشريحة الثالثة حجمها أو قيمتها(حدودها)=80.000-50.000= 30.000درهم؛
4- الشريحة الرابعة حجمها أو قيمتها(حدودها)=150.000-80.000=70.000 درهم.
ب- إلى كم شريحة يمكن تقسيم دخل (إلهام)؟ و ما حجم هذه الشرائح(حدودها)، أو قيمتها؟
إن دخل إلهام هو (85.000) درهم،و يمكنه أن ينقسم إلى=30.000(شريحة أولى)+20.000(شريحة ثانية)+30.000(شريحة ثالثة)+5.000(شريحة رابعة).
فكم ستؤدي إلهام ، عن هذه الشرائح التي تكوّن دخلها؟
* عن الشريحة الأولى، و حجمها (30.000) درهم، ستؤدي:
30.000×3/100=900 درهم
*و عن الشريحة الثانية، و حجمها (20.000) درهم،ستؤدي:
20.000×5/100= 1000 درهم
* و عن الشريحة الثالثة، و قيمتها (30.000) درهم، ستؤدي:
30.000×10/100=3000 درهم
* و عن الشريحة الرابعة، و قيمتها(5000) درهم، ستؤدي:
5000×14/100= 700 درهم.
أما المبلغ الكامل للضريبة، الذي ستؤديه "إلهام"، فنحصل عليه بجمع مبالغ الضريبة المستحقة على كل جزء أو شريحة من دخلها :
و إذن،فمبلغ الضريبة الكامل، الذي ستؤديه، عن جميع الأجزاء أو الشرائح، التي يتكون منها دخلها، هو=900+1000+3000+700=5600 درهم.
و للمقارنة:لو أن الجدول رقم (2) كان جدول طبقات و ليس جدول شرائح، من ناحية. و لو أن السيدة " إلهام"، كانت خاضعة لنظام التصاعد الطبقي، من ناحية أخرى؛ لوجدت نفسها تؤدي مبلغا أكبر..يصل إلى حد الضعف:
 فدخلها البالغ(85.000)،ينتمي إلى الطبقة الرابعة (في الجدول رقم 2). و يخضع لسعر(14%)؛أي أن مبلغ الضريبة الملزمة بأدائه هو:85.000×14/100=11900 درهم.
و من خلال مقارنة هذه العملية الأخيرة،و النتيجة التي أسفرت عنها ،مع مبلغ الضريبة الذي  يفترض أن تؤديه السيدة "إلهام" وفق نظام الشرائح ،يمكن أن نخرج بالملاحظات الهامة التالية:
الأولى؛أننا لا نعرف مقدار الضريبة المستحقة على دخل المكلف أو ثروته أو مهما كان نوع الوعاء التابع له، وفقا لنظام الشرائح،إلا إذا جمعنا مبالغ الضريبة المستحق على كل شريحة من ذلك الوعاء(أي بتطبيق عدد من الأسعار).في حين أننا نصل إلى مقدار الضريبة المستحقة،وفقا لنظام الطبقات، بمجرد تطبيق سعر واحد على الطبقة التي يقع الوعاء في حدودها؛
الثانية؛أن هذا النظام له ميزة التصاعد المستمر(continue)؛فإذا زادت المادة الضريبية،عن الحد الأعلى لإحدى الشرائح،فإننا لا ننقل المادة كلها إلى سعر أعلى، بل نبقي شريحة منها، في السعر الأدنى، و ننقل الزيادة فقط؛بخلاف الأمر في نظام الطبقات،حيث كل زيادة، ترفع المادة كلها لتخضع لسعر أعلى؛
و الأخرى، أن نظام الطبقات، يتميز بغزارة حصيلته،بدليل أن السيدة "إلهام"، ستدفع (5600) درهم فقط،في نظام الشرائح؛ في حين لو كانت خاضعة لنظام الطبقات،لاضطرت إلى دفع (11900) درهم.
و لا شك أنه لو ترك الأمر للإدارات الجبائية لاختارت دون تردد، نظام الطبقات،إلا أن الانتقادات التي وجهت إليه، بسبب عدم عدالته الجبائية، جعلت المشرع الجبائي، في معظم ، إن لم نقل، كل بلدان العالم يتخلى عنه، ليأخذ بنظام الشرائح،الذي يحقق بعض المساواة و العدالة- في التضحية- بين المكلفين، إزاء الأعباء العامة[1].
قلت بعض العدالة..لأن نظام التصاعد الذي طبق في البداية- و هو الذي تعرضنا له في التو-،كان لا يحقق المساواة الفعلية و الحقيقية، بين المكلفين: فإذا أخذنا شخصين " قشبال" و "زروال"،و يحقق كل واحد منهما دخلا سنويا قدره أربعون ألف(40.000) درهم مثلا، و يؤدي كل واحد منهما ألفي(2000) درهم في السنة، ضريبة دخل.و أن أحدهما(و ليكن قشبال) عازب، بينما الآخر(زروال) متزوج و له عدة أطفال؛فإن التضحية الجبائية التي يتحملها المتزوج و رب الأسرة(زروال)، هي أكبر بكثير من تلك التي تقع على عاتق العازب(قشبال).
من هنا، نشأت فكرة ؛ أن العدالة الجبائية، لا يمكن بلوغها إلا إذا كان هناك مساواة في التضحية بين الملزمين، و هو - كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أكثر من مرة- ما يعرف بتشخيص الضريبة (Personnalisation de l'impôt)،أي الأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية للمكلف[2].
و كنتيجة للأخذ بهذه الفكرة ؛ أدخلت إصلاحات على نظام التصاعد بالشرائح؛فأدمجت فيه شريحة معفاة من الضريبة،على اعتبار أنها هي الحد الأدنى لكلفة المعيشة.و "..يبرر إعفاء هذا القدر، من الناحية النظرية، بعدة أسباب:فيقال إن الضريبة لا تسري إلا بعد خصم ما يقابل الاستهلاك من الربح الاجمالي، و الحد الأدنى المعفي يقابل المبالغ المخصصة لاستهلاك الرأسمال(...) واعفاء الحد الأدنى للمعيشة إنما يعني إعفاء القدر اللازم لاستمرار حياة الإنسان و لتعويض ما يفقده من قوة و قيمة بسبب العمل.."[3].
و من هنا، نلاحظ أن مفهوم الضريبة التصاعدية، ليس مفهوما بسيطا،أو لم يعد مفهوما بسيطا، بل صار يختزل جوانب كثيرة من الإشكالية الكبرى المتعلقة بالعدالة الضريبية[4]؛فهو يعد من أهم أدوات تحقيق العدالة الجبائية و إعادة توزيع الثروة الوطنية[5]:فالدولة تقتطع،بفضله، الأموال "الفائضة" عن الحاجة الحدية،لبعض الملزمين، ثم تعيدها إلى النظام الاقتصادي، مستخدمة في ذلك عملية إعادة توزيعها، بطرق مختلفة(الإنفاق على المرافق العامة الاجتماعية، و الإعفاءات الضريبية، و غيرها).
و لكن هناك، من يرى أن المبالغة في تحقيق هذه العدالة أمام الضريبة، قد يضر بالعدالة بالضريبة؛ ذلك أن الضريبة التصاعدية إذا كانت سريعة التصاعدن و تتضمن أسعار مرتفعة، في الشرائح العليا من الدخل، قد تعوق المبادرة الحرة، و لا تشجع على الادخار و الاستثمار؛لأنها "تلغي" جزء من الدخل.
و هذه هي الأطروحة التي يدافع عنها أتباع مدرسة " العرض" (Les économistes de l'offre)، بزعامة " آرثر لافر"(A.Laffer).
بقي أن نشير في ختام هذا الحديث مميزات الضريبة التصاعدية، الى أنها لا تحقق العدالة الجبائية الحقيقية، إلا إذا أخذت بعين الاعتبار،ليس فقط حد أدنى يجب إعفاؤه من الضريبة، بل أيضا الأخذ بعين الاعتبار المادة الخاضعة للضريبة ،لا بل و أيضا طبيعة هذه المادة: فقد تتساوى قيم هذه المواد بالنسبة للملزمين،إلا أنه عندما تكون مصادر هذه الثروات مختلفة، فإنه يصبح من الضروري معاملتها جبائيا، معاملة مختلفة.فإذا كانت هناك ثلاثة مصادر للدخول، هي العمل، و الرأسمال، و المصدر المختلط من العمل و الرأسمال،و أن هذه المصادر تختلف من حيث درجة الدوام و الثبات و "الانتاج أو المردودية"، و من حيث المشقة المبذولة في الحصول على دخولها،ولذلك فإن الضريبة التصاعدية- الممزوجة بالتشخيص- يجب أن تعامل دخل العمل( الأجر و الراتب)، بطريقة خفيفة،لأن أصحابها أحق بالرعاية، و تكون معتدلة على دخول المصدر المختلط( تجارة، و صناعة، و مهن حرة..)، و شديدة على دخول الرأسمال(دخول عقارية، و رؤوس أموال منقولة:الأسهم و السندات..)[6]. 


[1]  "...و الواقع أن تفضيل طريقة على أخرى يتوقف إلى حد كبير على الهدف من التدرج، و على طريقة  تنظيم التدرج.فقد يكون تدرج الطبقات مفيدا من الناحية المالية و الاجتماعية، لغزارة حصيلته و فعالية مساهمته في إعادة التوزيع[ توزيع المداخيل و الثروات] باتجاه المساواة، لكنه غير مفضل من الناحية الاقتصادية أو ناحية العدالة الضريبية الرأسمالية.كما أن أن التدرج بالشرائح قد يكون أنجع أثراً من التدرج بالطبقات إذا كان الفرق بين شريحة و أخرى قليلا في الأول[الشرائح] و كانت الطبقات متباعدة الأسعار منخفضة في الثاني [الطبقات]..":د.عبد العال الصكبان-مقدمة في علم المالية العامة و المالية العامة العراقية- دار العاني/ وزارة المالية- بغداد 1972- ص ص 195-96.
[2]  كانت الشريعة الإسلامية باقة إلى الأخذ بمبدأ التشخيص الضريبي؛ إذ الأصل أن الضريبة في الإسلام ( الجزية= الخراج)، كانت تؤدى من العفو، لقول الله تعالى:" و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو.كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"( البقرة: 219).هنا، يبين الله تعالى القدر الذي يرصد للنفقات العامة، و هو " العفو"، و معناه ما يفضل عن النفقات الخاصة.و ذكر القاضي أبو يوسف، في كتابه " الخراج" ، أن الله تعالى إنما أمر أن يؤخذ من أهل الذمة العفو، و ليس يحل أن يكلفوا فوق طاقتهم.ص 229.
[3]  راجع: الصكبان- م.س- ص 181.
[4]  .و " لهذه الأسباب مجتمعة أصبح التصاعد في سعر الضريبة واحدا من أهم الأسس التي تقوم عليها النظم المالية المتقدمة":رفعت المحجوب- ص 145.
[5]  "..و يبين التحليل الدقيق أن الضغط الجبائي الناتج عن الضريبة على الدخل يبقى معتدلا بالنسبة إلى الأجور التي تقل عن 10.000 درهم شهريا. و على سبيل المثال،فإن أجرا قدره 5.000 درهم لا تتجاوز الضريبة الموقع عليه نسبة 4 بالمائة تقريبا، و هي نسبة قد تنخفض إلى ما دون ذلك، حتى حدود 2 بالمائة إذا أخذنا في الاعتبار ما يتم إسقاطه من تلك الضريبة، في ارتباط على الخصوص بأداء القروض العقارية..": النظام الضريبي المغربي: التنمية الاقتصادية و التماسك الاجتماعي ( تقرير)- المجلس الاقتصادي و الاجتماعي- الرباط 2012- ص 22.
[6]  الصكبان- ص 183.و استعمل المشرعون الجبائيون، عدة طرق لوضع هذه الأفكار موضع التطبيق، منها وضع أسعار، متغيرة حسب طبيعة المادة الضريبية(زادوا في الأسعار المعتمدة في حساب التكاليف المهنية..)، و أو وضع أسعار موحدة و لكن مع منح إعفاءات جبائية مختلفة حسب طبيعة المواد الجبائية،أو باعتماد الأسعار الجزافية، في تقدير الدخول الفلاحية و المهنية و التجارية و الصناعية ( و في الجزافي، لا شك توجد مزايا للملزمين).انظر: غوديمي و مولينيي-م.س- ص 188.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق