الاثنين، 6 أبريل 2020


المطلب الثالث- القانون الجنائي و قانون الشغل
الفرع الأول: القانون الجنائي
و إذا جئنا إلى القانون الجنائي ( ظهير 1.59.413، الصادر في 26/11/1962، كما تم تعديله)، فيتضمن عديدا من الفصول ذات العلاقة بالصفقات العمومية، منها ما يتصل بها مباشرة، و منها من له بها صلة غير مباشرة، منها الفصول (224)، و (241)، و (245)، و (248)، و (250)، و(292)، و الفصول من 278 إلى 281.
أ- فالفصل(224)، يبين لنا أن مفهوم الموظف العمومي في القانوني الجنائين أكثر اتساعا من مفهومه في قانون الوظيفة العمومية، إذ يتسع ليشمل المنتخبين و المنتخبات، فيسري عليهم، في كل ما يتعلق بالجرائم التي قد يرتكبونها بمناسبة ممارستهم لمهامهم التي انتخبوا لتحمل مسؤوليتها:
يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص كيفما كانت صفته ، يعهد إليه، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر، و يساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية، أو المؤسسات العمومية، أو مصلحة ذات نفع عام.
و تراعى صفة الموظف، في وقت ارتكاب الجريمة، و مع ذلك، فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها.
ب- أما الفصول من (241 إلى 247)، فتتعلق بالاختلاس و الغدر الذي يرتكبه الموظفون العموميون.فالفصل (241)، على سبيل المثال، ينص على:
يعاقب بالسجن من خمس إلى عشرين سنة و بغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم كل قاض أو موظف عمومي بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات تقوم مقامها أو حججا أو عقودا أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته او بسببها...إلخ؛
في حين أن الفصل (245):
كل موظف عمومي أخذ أو تلقى أية فائدة في عقد أو دلالة أو مؤسسة أو استغلال مباشر يتولى إدارته او الإشراف عليه، كليا أو جزئيا، أثناء ارتكابه الفعل، سواء قام بذلك صراحة أو بعمل صوري أو بواسطة غيره، يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر سنواتن و بغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم ، و تطبق نفس العقوبة على كل موظف عام حصل على فائدة ما في عملية كلف بتسيير الدفع أو بإجراء التصفية بشأنها..
ج- و الفصول من 248 إلى 256، المتعلقة بالرشوة و استغلال النفوذ:
فالفصل (248) ، يقول بأنه..
يعد مرتكبا لجريمة الرشوة و يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، و بغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو وعد أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل:
1- القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو الامتناع عن هذا العمل، سواء كان عملا مشروعا أو غير مشروع، طالما انه غير مشروط بأجر.
و كذلك القيام أو الامتناع عن أي عمل و لو أنه خارج عن اختصاصاته الشخصية، إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله...إلخ.
و الفصل (250)، و الذي ترد فيه بشكل صريح كلمة " صفقة":
يعد مرتكبا لجريمة استعمال النفوذ، و يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، و بغرامة من خمسة آلاف غلى مائة ألف درهم، من طلب أو قبل عرضا أو وعدا، أو طلب أو تسلم هبة أو هدية، أو أية فائدة أخرى، من أجل تمكين شخص أو محاولة تمكينه، من الحصول على [...] صفقة  أو مشروع أو أي ربح ناتج عن اتفاق يعقد مع السلطة العمومية أو مع إدارة موضوعة تحت إشرافها، و بصفة عامة الحصول على قرار لصالحه من تلك السلطة أو الإدارة ، مستغلا بذلك نفوذه الحقيقي أو المفترض.
و إذا كان الجاني قاضيا أو موظفا عاما أو متوليا مركزا نيابيا، فإن العقوبة ترفع إلى الضعف.
د- أما الفصل (292)، فيعاقب على الأعمال التي تعرقل أو تعوق إتمام عمليات إبرام الصفقات:
 يعد مرتكبا لعرقلة حرية المواد و يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر ، و بغرامة من مائة و عشرين غلى خمسين ألف درهم، كل من أحدث عرقلة أو اضطرابا أو حاول إحداثهما، في حرية المزاد أو المناقصة، سواء قبل المزاد أو أثناءهما، و ذلك بوسائل العنف أو الإيذاء أو التهديد إذ تعلق ذلك بملكية أو انتفاع أو استئجار عقار منقول أو تعلق بمشروع توريد أو استغلال أو أية مصلحة أخرى.
 و يعاقب بنفس العقوبات من أقصى أو حاول إقصاء المنافسين أو حدد أو حاول تحديد المزايدة أو المناقصة، و ذلك إما بهدايا أو وعود أو تواطؤ أو أساليب احتيالية أخرى، و كذلك من تسلم هذه الهدايا أو قبل هذه الوعود؛
ه- و من الفصول الأخرى التي لها علاقة بالصفقات، هناك الفصول من (278) إلى (281)، التي تتعلق بالجنح و الجنايات التي يرتكبها ممونوا القوات المسلحة الملكية.فالفصل (278) ، على سبيل المثال، ينص على أن:
 كل شخص مكلف  إما بصفته الفردية أ عضوا في شركة، بتموينات أو إنشاءات أو إدارة مباشرة لحساب القوات المسلحة الملكية، و لم يف بالخدمات التي كلف بها من غير أن يكون قد اضطر إلى ذلك بقوة قاهرة، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات و بغرامة لا تزيد عن ربع التعويض عن الأضرار، و لا تقل عن ألف درهم.
و تطبق نفس العقوبة،  على أعوان الممونين ، إذا كان عدم الوفاء بالخدمات يرجع إليهم.
و يعاقب الموظفون العموميون الذين حرضوا أو ساعدوا الجناة على الإخلال بالتزاماتهم، بالسجن من عشر إلى عشرين سنة؛
و- و هناك الفصول المتعلقة بحماية السر المهني، كالفصل (446):
الأطباء و الجراحون و ملاحظو الصحة و كذلك الصيادلة و المولدات، و كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، و ذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون، أو يوجب عليه التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من ألف و مائتين إلى عشرين ألف درهم.
***
في ختام هذا الحديث عن القانون الجنائي، لا بد من تسجيل الملاحظة التالية، ألا و هي أنه، حتى يكون قانون الصفقات العمومية فعالا،  فلا بد من العمل على " تحيينه "، حتى يواكب التطورات التي حصلت في مجال " الصفقات العمومية": فالصفقات العمومية، اليوم صارت تحظى باهتمام فئات عريضة من الناس، بعضهم متخصص في " الفساد و الإفساد"،  و لعله مما يسهل عليهم أعمالهم، أن مساطر الصفقات اليوم( كمساطر المفاوضات) ، أصبحت اليوم  أكثر مرونة، و تسمح بالتواصل المباشر بين الإداريين و المقاولين، مما يزيد من فرص الإفساد.هذا ناهيك، عن القوانين نفسها، صارت أكثر تشعبا و غموضا، مما يفتح أمام " سراق المال العام"، مسالك متعددة للإفلات من العقاب .
و لنا في إصلاح قوانين الجماعات الترابية، عبرة لمن أراد أن يعتبر.فهذه القوانين، لم تهتم كثيرا[1]، في السابق، بمسألة " تضارب المصالح"،مما شجع الكثير من المستشارين من ذوي النيات السيئة، على " تحويل" بعض الصفقات التي تبرمها الجماعات التي هم أعضاء في مجالسها، إلى " فرص للاغتناء على حساب المال العام لهم أو لأقاربهم"، دون حسيب و لا رقيب. فلما جاء المشرع، في القوانين الأخيرة المنظمة للجماعات الترابية (ابتداء من 2002)، و  حذر من مغبة " استغلال النفوذ و تضارب المصالح"، أصبح من  الصعب على الكثيرين منهم ، مجرد التفكير في التلاعب بمصير الأموال العامة، و تحويلها إلى جيوبهم.
الفرع الآخر: قانون الشغل:
من القوانين الأخرى، التي لها علاقة مباشرة بالصفقات العمومية ، هناك قانون الشغل. فنائل الصفقة، مثلا، ملزم باحترام مقتضيات قانون الشغل، فيما يتعلق بتشغيل العمال، و دفع أجورهم، و مستحقاتهم الأخرى[2]. فإذا ثبت، لصاحب المشروع وجود أي نقص في أجور العمال التابعين للمقاولة، النائلة للصفقة، مغربية كانت أو أجنبية[3]، أو أي متعاقد معها من الباطن( فردا أو مقاولة)، فإنه يصبح مسؤولا عن تعويض المتضررين منهم، و يخصم مبلغ التعويضات المدفوعة لهم، من المبالغ المستحقة للمقاول، أو من الضمانات المودعة لديه[4]. بل له، في حالة ، الأجراء الأجانب الذين استعانت بهم المقاولة لإنجاز صفقتها في المغرب، أن يلزم هذه الأخيرة بإعادتهم من حيث أتوا، أو تقديم ما يثبت أنها دفعت إليهم مصاريف عودتهم ( بالإضافة إلى مستحقاتهم الأخرى).و في هذا الصدد، تنص المادة (519)، على ما يلي:
لا يمكن لمن رست عليه صفقات عمومية، أنجزت لحساب الدولة أو الجماعات المحلية، أو المقاولات و المؤسسات العمومية، أن يسترد مبلغ الكفالة المالية الذي سبق له إيداعه[ الضمانة النهائية] ، و لا إعفاء ذمة الكفيل الشخصي[ في حالة الضمانة الشخصية] الذي قدمه، إلا بعد الإدلاء بشهادة إدارية تسلم من قبل المندوب الإقليمي المكلف بالشغلن تثبت أداء مصاريف عودة الأجراء الأجانب الذين قام بتشغيلهم من خارج المغرب ، و ما عليه من مستحقات لأجرائه.
 و في الواقع، فإن التزامات نائل الصفقة(فردا كان أو مقاولة)، لا تقف عند هذا الحد؛ بل هو يخضع للالتزامات عامة، تتمثل في احترام النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالشغل، التي تتعلق بالجانب الاجتماعي لعمال و مستخدمي المقاولة، في أماكن تنفيذ الصفقة، و لا سيما ما يتعلق منها بالنظافة، و سلامة العمال، و حوادث الشغل،..إلخ. بل  له، فضلا عن ذلك، أن يتخذ الإجراءات  أخرى، بما فيها إخبار مفتش الشغل  بالخروقات التي قد يلاحظها، و التي قد يكون فيها إضرار بحقوق الأجراء.


[1]  لقد كانت وزارة الداخلية، قد أصدرت دورية يتيمة في هذا الصدد،في حدود ما أعلم، رقمها 312/ أج.ق.م.ن/2 بتاريخ 31 دجنبر 1979، نبهت فيها المستشارين الجماعيين ، إلى أنه لا يحق لهم أن يساهموا في المنافسات التي تقوم بها الجماعات التي ينتمون إليها؛ لا بأسمائهم و لا بواسطة وكلاء و متصرفي الشركة، إذا العضو المنتخب يشارك في المراقبة المباشرة أو غير المباشرة لعمليات الأشغال ، أو إذا كان له مصلحة في المنافسة...إلخ.
[2]  نذكر هنا، أن من أهم الوثائق التي تطلب إلى المترشحين لنيل الصفقات العمومية، الشواهد التي تثبت أن المترشح يوجد في وضعية سليمة إزاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:
أ- فالمادة (24) من مرسوم (2013)، المتعلقة بالشروط المطلوبة من المتنافسين، تنص على:" يجوز أن يشارك بصفة صحيحة و أن ينال الصفقات العمومية، في إطار المساطر المقررة في هذا المرسوم، الأشخاص الذاتيون أو الاعتباريون الذين [...] يكونون منخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو في نظام خاص للاحتياط الاجتماعي، و يدلون بصفة منتظمة بتصريحاتهم المتعلقة بالجور و يوجدون في وضعية قانونية إزاء هذه الهيئات"؛
ب و من الوثائق المطلوبة في الملف الإداري( المادة 25/أولا/ألف/2/ج):"[...]شهادة أو نسخة منها مشهود بمطابقتها للأصل مسلمة منذ أقل من سنة من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تصبت أن المتنافس يوجد في وضعية قانونية تجاه هذا الصندوق طبقا للمقتضيات المقررة بهذا الشأن في المادة 24 أعلاه أو مقرر الوزير المكلف بالتشغيل أو نسخة مشهود بمطابقتها لأصل هذا المقرر، المنصوص عليه في الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.72.184 الصادر في 15 جمادى الآخرة 1392( 27 يونيو 1972) بمثابة نظام للضمان الاجتماعي مرفق بشهادة هيئة الضمان الاجتماعي التي ينخرط فيها المتنافس تثبت الوضعية القانونية لهذا الأخير..".
[3]  لقد أفرد المشرع الباب الرابع، من مدونة الشغل، لتنظيم تشغيل الأجراء المغاربة بالخارج (المواد من 512 إلى 515)، و تشغيل الأجراء الأجانب في المغرب (المواد من 516 إلى 521)، نجد مقتضيات لها علاقة بالصفقات العمومية.
[4]  الأمر يتعلق هنا، بالضمانات أو الكفالات التي يطلب إلى المترشحين أو المتعاقدين تقديمها:فالمترشحون للتنافس على نيل الصفقات العمومية، يطلب إليهم قديم ضمانات مؤقتة، في حين أن الذي أسندت إليه الصفقة (نائل الصفقة)، يطلب منه تقديم ضمانة مالية نهائية، تمثل نسبة مئوية من  الثمن الإجمالي للصفقة، و ذلك لضمان حسن تنفيذه للصفقة، و أيضا لتحصيل مبالغ مالية قد يكون مدينا بها للإدارة ( مثل مبالغ العقوبات المالية، التي تفرضها عليه الإدارة)، و سنتعرف بتفصيل أكبر على هذه الضمانات فيما يلي ، إن شاء الله.
هذا،و الجدير بالذكر هنا، أن الإدارة المتعاقدة (صاحب المشروع)، قد تقبل ، في الغالب، كبديل للضمانة المالية، ضمانة شخصية ( أو تضامنية)، محددة في الأجل و في القيمة ، تمنحها للمقاولات نائلة الصفقة، مؤسسات بنكية أو إئتمانية متخصصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق