المبحث
الثاني:سعر و حساب الضريبة:
بعد معرفة طرق و أساليب
تقدير الوعاء، نأتي إلى المرحلة التالية،من مراحل فرض الضريبة و جبايتها، ألا و هي
مرحلة تحديد المقدار الذي يجب اقتطاعه من الوعاء، أي حساب مبلغ الضريبة، الذي
تحصله الإدارة الجبائية، و تدخله إلى الخزينة العامة:أي، بلغة أخرى ، تحديد السعر
الذي يجب تطبيقه على الوعاء، بعد خصم التكاليف و الإعفاءات.. للوصول إلى مبلغ
الضريبة، الواجب الأداء[1].
المطلب
الأول: السعر:
يعرّف السعر(Le taux de l'impôt )، بأنه :" النسبة بين مقدار
الضريبة، و قيمة المادة الخاضعة للضريبة".أو هو، في تعريف آخر:" مبلغ الضريبة، في علاقته
بوعاء الضريبة".
و قد يكون هذا السعر ثابتا
لا يتغير بتغير قيمة المادة الخاضعة للضريبة، و عندئذ يقال عن هذه الضريبة بأنها
نسبية(proportionnel).
و قد يكون هذا السعر متغيرا،يتغير بتغير قيمة المادة الضريبية، بحيث يرتفع
بارتفاعها، و عندئذ يقال عن هذه الضريبة بأنها تصاعدية[2].
الفرع
الأول- الأسعار النسبية:
إن الضريبة النسبية، تفرض
بسعر واحد( بنسبة معينة) محددة و ثابتة،
مهما تغيرت قيمة المادة الخاضعة للضريبة.مثال ذلك:أن تفرض الضريبة بسعر 10%،
من الدخل مهما بلغ مقداره(عشرة آلاف أو مائة ألف أو مليون..درهم، في السنة).
إن هذه الضريبة،قد تبدو
لأول وهلة عادلة؛ تحقق المساواة بين المكلفين،إذ تفرض عليهم بنفس السعر[3].و
لكن عند التمعن فيها، سرعان ما يتبين لنا أن المساواة التي تتحقق بواسطة هذه
الضريبة ، ليست إلا مساواة حسابية أو رياضية(L'égalité mathématique).و هي في الواقع، لا تحقق
المساواة الحقيقية أمام الأعباء العامة، أو لا تحقق المساواة في التضحية أمام
الأعباء العامة(égalité dans
le sacrifice réclamé par le fisc à chacun):ففي المثال السابق،فإن صاحب
الدخل الذي بلغ مائة ألف (100.000) درهم، سيؤدي ضريبة قدرها=100.000×10/100=10.000 درهم .
في حين أن صاحب
الدخل الذي بلغ 1000.000،فيسؤدي ضريبة قدرها=1000.000×10/100=100.000 درهم.
و لكن تضحية
المكلف الأول، قياسا إلى دخله، هي في الحقيقة أكبر من تضحية الآخر، قياسا إلى دخله[4].من
هنا، فهي ليست عادلة، و لقد استطاع علماء الاقتصاد الحديون(Les marginalistes)، إثبات هذه الحقيقة، بطريقة
علمية.هذا فضلا على أنها قليلة الحصيلة و المردودية.
لذلك تم التخلي عن
السعر النسبي في الكثير من الضرائب لقابلة للتشخيص(كالضريبة على الدخل)،في التشريعات
الجبائية المعاصرة، لتحل محلها الضريبة بنظام السعر التصاعدي.و لكننا مازلنا نجد
الأسعار النسبية في الضرائب غير المباشرة، و في بعض الضرائب المباشرة أيضا ( مثل
الضريبة على دخل الشركات في المغرب)، و كذا في بعض الضرائب المحلية( رسم الخدمات
الاجتماعية،الذي يفرض بسعر ثابت(10%) من القيمة الإيجارية الخاضعة
للضريبة الحضرية)[5].
و لنأخذ على سبيل
المثال، الضرائب غير المباشرة في النظام الضريبي المغربي؛فستج أنها تفرض بأسعار
نسبية، كالضريبة على القيمة المضافة(14%، على عمليات بيع الزبدة و الشاي،و
10%،
على عمليات بيع العجائن الغذائية..إلخ)، فهي لا تقبل التشخيص،أي لا تأخذ بعين
الاعتبار الظروف الشخصية للخاضعين لها، و من ثم تفرض بسعر واحد على من يشتري كيلو
و من يشتري عشرة أطنان، من الزبدة، أو الشاي.لذلك، يرى علماء الاقتصاد و خبراء
الضرائب،إن الأسعار النسبية في الضرائب غير المباشرة، كان يمكن أن تخلق اختلالا في التوازن بين فئات المجتمع[6]،
من جهة توزيع العب المالي بين مختلف فئات المجتمع،لولا الأسعار التصاعدية في
الضرائب المباشرة، التي تكون أثقل نسبيا على الأغنياء[7]،
كما سنرى فيما يلي.
الفرع الثاني-
الأسعار التصاعدية
سميت الضريبة
التصاعدية (L'impôt progressif)،بهذا
الاسم؛لأن السعر( بل الأسعار)[8]
فيها، يتصاعد تبعا لازدياد قيمة المادة الخاضعة لها[9].
و يمكن تحقيق التصاعد بطرق
متعددة ، من أهمها:
1- التصاعد (الإجمالي)
بالطبقات؛
2- و التصاعد الجزئي
بالشرائح.
1-
التصاعد الإجمالي بالطبقات(La progressivité globale):
في هذا النظام، تقسم المادة
الخاضعة للضريبة- الدخل أو الثروة مثلا- إلى طبقات(classes)[10]،
و يخصص لكل طبقة سعر معين، يتزايد مع تزايد قيمة الطبقات، من الدخل صفر(0
درهم)،إلى أعلى طبقة.فيدفع المكلف الذي ينتمي - أقصد ينتمي دخله مثلا- إلى طبقة
معينة؛ الضريبة بسعر واحد،(على مجمل دخله)، هو السعر الخاص بطبقته.فإذا ازداد دخله،
عن الحد الأعلى للطبقة التي ينتمي إليها،فإنه (دخله أقصد) يخضع بمجمله، لسعر أعلى،
هو سعر الطبقة التي انتقل إليها(صعودا).
و لنضرب مثالا، يوضح هذا
النظام:
لنفرض أن النظام الجبائي،
في بلد و في زمان معينين، يشتمل على
الطبقات التالية:
رقم الطبقة
|
حجم الطبقة(بالدرهم)
|
السعر المطبق عليها
|
الأولى
|
من 0←50.000
|
10 %
|
الثانية
|
من 50.001←80.000
|
15%
|
الثالثة
|
من80.001←120.000
|
20%
|
الرابعة
|
ما زاد على 120.000
|
30%
|
(الجدول رقم 1)
فإذا كان دخل شخص، و ليكن
اسمه (كمال)، هو 50.000 درهم في السنة، أي ينتمي إلى الطبقة الأولى، الخاضعة
لسعر(10%)؛فإنه سيؤدي ضريبة،مبلغها:50.000×10/100
= 5000 درهم.
فإذا زاد دخله،بألف درهم
مثلا،فسيصبح منتميا إلى الطبقة الثانية، ذات السعر (15%)،و سيصبح مطالبا بأداء ضريبة
مبلغها:51.000×15/100=7650 درهم.
و هكذا نلاحظ ، أن زيادة
بسيطة في الدخل، ترتبت عنها زيادة كبيرة، نسبيا،في مبلغ الضريبة.
و من هنا، لا نستغرب إذا
رأينا الكثيرين ممن يخضعون للضرائب وفق هذا النظام؛ يميلون إلى إخفاء الزيادات
التي قد تطرأ على دخولهم، و لهذا السبب اعتبر نظام الطبقات،من النظم الجبائية التي
دفعت فئات من الناس إلى إنفاق ثرواتهم على أمور تافهة،حتى لا يضطروا إلى أدائها
كضرائب.و شجعت فئات أخرى على الغش الضريبي.
و كان الحل،لهذا لهذه
المشكلة، هو اعتماد نظام التصاعد بالشرائح..
2-
التصاعد بالشرائح(La progressivité par tranches):
في هذا النظام يقسم الوعاء-
و ليكن هو الدخل مثلا- إلى عدة أجزاء تسمى الشرائح(tranches)، متساوية في حجمها أو قيمتها أو
غير متساوية،و يخصص لكل شريحة سعرها الخاص. و يتزايد سعر الشرائح بشكل تصاعدي، مع
تزايد قيمة الدخل..
و من هنا،فإن الدخل يخضع
لعدة أسعار بقدر ما يحتويه من شرائح، و نحصل على مبلغ الضريبة الواجب الأداء، بجمع
المبالغ المطلوبة عن كل شريحة من الشرائح التي تكوّن الوعاء(الدخل مثلا).
و لنضرب مثلا..
رقم الشريحة
|
حجمها أو قيمتها(بالدرهم)
|
السعر المطبق عليها
|
الأولى
|
من 0 إلى30.000
|
3%
|
الثانية
|
من30.001←50.000
|
5%
|
الثالثة
|
50.001←80.000
|
10%
|
الرابعة
|
80.001←150.000
|
14%
|
(الجدول رقم 2)
لنفرض أن (إلهام)، تحقق
دخلا سنويا، قدره (85.000) درهم في السنة.فماهو مبلغ الضريبة، الذي ستؤديه هذه
السيدة؟
أول عملية، نقوم بها هي
تقسيم هذا الدخل إلى شرائح،وفق الأحجام أو الحدود، و الأسعار التي يحددها الجدول
أعلاه:
أ- في الجدول(أعلاه)، نجد
الشرائح التالية:
1-فالشريحة الأولى حجمها أو
قيمتها(حدودها)=30.000-0=30.000درهم؛
2-الشريحة الثانية حجمها أو
قيمتها(حدودها)=50.000-30.000=20.000 درهم؛
3-الشريحة الثالثة حجمها أو
قيمتها(حدودها)=80.000-50.000= 30.000درهم؛
4- الشريحة الرابعة حجمها
أو قيمتها(حدودها)=150.000-80.000=70.000 درهم.
ب- إلى كم شريحة يمكن تقسيم
دخل (إلهام)؟ و ما حجم هذه الشرائح(حدودها)، أو قيمتها؟
إن دخل إلهام هو (85.000)
درهم،و يمكنه أن ينقسم إلى=30.000(شريحة أولى)+20.000(شريحة ثانية)+30.000(شريحة
ثالثة)+5.000(شريحة رابعة).
فكم ستؤدي إلهام ، عن هذه
الشرائح التي تكوّن دخلها؟
* عن الشريحة الأولى، و
حجمها (30.000) درهم، ستؤدي:
30.000×3/100=900 درهم
*و عن الشريحة الثانية، و
حجمها (20.000) درهم،ستؤدي:
20.000×5/100= 1000 درهم
* و عن الشريحة الثالثة، و
قيمتها (30.000) درهم، ستؤدي:
30.000×10/100=3000 درهم
* و عن الشريحة الرابعة، و
قيمتها(5000) درهم، ستؤدي:
5000×14/100= 700 درهم.
أما المبلغ الكامل للضريبة،
الذي ستؤديه "إلهام"، فنحصل عليه بجمع مبالغ الضريبة المستحقة على كل
جزء أو شريحة من دخلها :
و إذن،فمبلغ الضريبة
الكامل، الذي ستؤديه، عن جميع الأجزاء أو الشرائح، التي يتكون منها دخلها، هو=900+1000+3000+700=5600
درهم.
و للمقارنة:لو أن الجدول
رقم (2) كان جدول طبقات و ليس جدول شرائح، من ناحية. و لو أن السيدة "
إلهام"، كانت خاضعة لنظام التصاعد الطبقي، من ناحية أخرى؛ لوجدت نفسها تؤدي
مبلغا أكبر..يصل إلى حد الضعف:
فدخلها البالغ(85.000)،ينتمي إلى الطبقة الرابعة
(في الجدول رقم 2). و يخضع لسعر(14%)؛أي أن مبلغ الضريبة الملزمة
بأدائه هو:85.000×14/100=11900 درهم.
و من خلال مقارنة هذه
العملية الأخيرة،و النتيجة التي أسفرت عنها ،مع مبلغ الضريبة الذي يفترض أن تؤديه السيدة "إلهام" وفق
نظام الشرائح ،يمكن أن نخرج بالملاحظات الهامة التالية:
الأولى؛أننا لا نعرف مقدار الضريبة المستحقة على دخل المكلف أو
ثروته أو مهما كان نوع الوعاء التابع له، وفقا لنظام الشرائح،إلا إذا جمعنا مبالغ
الضريبة المستحق على كل شريحة من ذلك الوعاء(أي بتطبيق عدد من الأسعار).في حين
أننا نصل إلى مقدار الضريبة المستحقة،وفقا لنظام الطبقات، بمجرد تطبيق سعر واحد
على الطبقة التي يقع الوعاء في حدودها؛
[1] و هذه العملية، تعرف في أدبيات المالية العامة
الفرنسية، بـ(Le tarif)) و بالمناسبة، فهذا
المصطلح الفرنسي، أصله عربي، و هو التعريفة). و من هنا، لا يجب الخلط بينه و بين
السعر(Le
taux)، فهذا الأخير جزء من الأول.انظر: P.Beltrame-art "Tarif"-in:D.E.F.P-volume 2-p1474.
[2] أسعار الضريبة ،تأخذ شكلين:1) نسبة مئوية من
قيمة المادة الضريبية ( و تعرف بالضرائب القيمية) ؛ أو 2) مبلغ محدد لكل وحدة من وحدات المادة الخاضعة للضريبة( لكل وحدة
من الوزن أو الحجم أو المساحة)، و لهذا تعرف بالضرائب الكمية؛ و 3) مبلغ جزافي.و
يستعمل الشكل الثاني أساسا في الرسوم الجمركية النوعية،و كذلك في بعض تطبيقات الضريبة على القيمة المضافة(مثلا في
بيع الخمور و المشروبات الممزوجة بالكحول، التي لا تستهلك في مكان البيع: 100 درهم
عن كل هكتولتر..). و تستعمل " المبالغ " في بعض الضرائب الجزافية، التي
تفرض على أصناف معينة من الشركات.
غير أننا، عندما نتحدث عن السعر،في هذه الدروس، إنما
ينصرف حديثنا، إلى الحالات الغالبة، و هي الأسعار بنسب مئوية معينة، ثابتة أو
تصاعدية.
[3] و بالفعل، فلقد اعتبر عدد من المفكرين
الكلاسيكيين، مثل "آدم سميث"، و مفكري الثورة الفرنسية، الضريبة
النسبية؛ ضريبة عادلة،و لكن اليوم، لم يعد يؤمن بهذا الرأي؛فلق صار الجميع مقتنعا
بأن الضرائب التصاعدية، هي الأكثر عدالة.
[4] ليتضح الفرق أكثر،نقول بأن الأول كانت عنده درهم صدق منه
10 سنتيم، و الآخر كانت عنده 10 دراهم، صدق منها درهم.من كانت تضحيته أكبر من
الآخر؟
[5] ففيما يخص الأسعار المطبقة في الضريبة على
الشركات، تنص المادة (19) من المدونة العامة للضرائب، على أسعار ثابتة نسبية،
بعضها عادي، و بعضها أو نوعي:
I- السعر العادي:يحدد سعر الضريبة على الشركات كما
يلي:
ألف 30%
باء 37 %
II- الأسعار النوعية للضريبة:
ألف 8.75%
بـــاء 10%
جيم 17 %
[7] د.نوح محمد عبد الرحيم- المحاسب الضريبي:دراسة
نظرية تطبيقية مقارنة مع التشريع الضريبي الليبي- الطبعة الثانية- منشورات جامعة
قاريونس- بنغازي 1988- ص105. كتب (Gaudemet
et Molinier
):"Ainsi
l'impot progressif serait préconisé comme un impot de redressement pour
rétablir la justice fiscale au sein d'un système fiscal faussé par l'injustice
de la fiscalité indirecte..":op.cit-p177.
[9] قال الدكتور رفعت المحجوب ()-رحمه الله:"
برر الكتاب المحدثون الضريبة التصاعدية بحجة اقتصادية مقتضاها أن الضريبة
التصاعدية تضمن العدالة الحقيقية بين الممولين[ المكلفين، الملزمين]. و ذلك
استناداً إلى مبدأ " المنفعة
المتناقصة"، و بحجة اجتماعية مقتضاها أن الضريبة التصاعدية تحد من التفاوت
بين الدخول و الثروات، و تخفف بالتالي من الصراع الطبقي.."(ص138).و
أضاف(ص139):"...ذلك أننا لو فرضنا الضريبة بسعر واحد على جميع الممولين، و
بصرف النظر عن اختلاف قيمة الثروة المشكلة لوعاء الضريبة، و هذه هي الضريبة
النسبية، فإن ذلك يؤدي إلى أن تكون الضريبة أكثر عبئا على أصحاب الدخول المنخفضة
منها على أصحاب الدخول المرتفعة، و ذلك نظرا لارتفاع المنفعة الحدية للنقود
بالنسبة للأولين عنها بالنسبة لللآخرين.فاقتضاء الضريبة بسعر واحد، و ليكن 10%، يكون أشد عبئا على من يبلغ دخله
100 جنيه عنه بالنسبة لمن يبلغ دخله 1000 جنيه، ذلك أن المنفعة الحدية للنقود تكون
أكثر ارتفاعا بالنسبة للأول عنها بالنسبة للثاني ، و أن العبء الحدي لاقتطاعها
يكون بالتالي أكثر ارتفاعا بالنسبة للثاني.و معنى ذلك أن الضريبة النسبية لا تضمن
المساواة الحقيقية بين الممولين في تحمل الأعباء العامة.فالمساواة التي تضمنها
الضريبة النسبية مساواة ظاهرية، و العدالة التي تحققها عدالة ظاهرية.أما المساواة
و العدالة التي تحققهما الضريبة التصاعدية فهما مساواة و عدالة حقيقيان و ذلك
بالنظر إلى التحليل الاقتصادي المتقدم الذكر".
Gaudemet
et Molinier-op.cit-p180
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق