المبحث
الثاني : حساب الضريبة:
يقصد بحساب الضريبة أو
ربطها، تحديد دين الضريبة[1].و
لكي يتم الربط، فلا بد من التحقق من توافر الشروط في المكلف.
المطلب
الأول: شروط الربط:
للقيام بربط ضريبة معينة، يجب
التأكد من مجموعة من الأمور،من أهمها:
أولا، من أن الواقعة المنشئة للضريبة،قد تحققت
فعلا، فتحققها هو الذي يعلن عن ميلاد الدين الضريبي في ذمة المكلف.و الواقعة
المنشئة للضريبة،هي الحادثة المعينة،التي تستحق الضريبة بوقوعها،فهي تحدد اللحظة
التي يصبح فيها الذي حصل على الدخل، أو قام بالإنفاق،مدينا بقيمة الضريبة[2].
من ذلك،على سبيل المثال،
يعتبر توزيع الأرباح على حملة الأسهم، واقعة منشئة لضريبة الدخل على رؤوس الأموال
المنقولة[3].و
يعد الحصول على إيجار المباني أو الأراضي المكتراة ، أو الحصول على أموال من بيع عقارات، وقائع منشئة لضريبة الدخل على الأرباح
العقارية[4].و
كذلك يعتبر إنتاج بعض السلع أو التصرف في بعض الأموال واقعة منشئة لبعض الضرائب
غير المباشرة[5].و
من الوقائع المنشئة للضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين، مثلا، تسلم المكلف أجرا ،
و تحقيق التاجر أو الصانع ربحا(أو وضع رهن إشارته، أو دفع في حسابه البنكي)، و قس
على ذلك.
و بعد التحقق من الواقعة
المنشئة للضريبة، بما لا يدع مجالا للشك،يمكن ربط الضريبة على المكلف، و يكون ذلك
بحصر المادة الخاضعة للضريبة و تقديرها و حسابها، و تقوم الإدارة الجبائية بذلك
وحدها، أو بمساعدة المكلف، كما قد يقوم المكلف نفسه( في بعض النظم الجبائية) بحساب
الضريبة،أو يمكنه(في نظم أخرى) أن يحصر المادة الخاضعة للضريبة،و يحديد قيمتها، ثم
يخصم منها الخصومات القانونية- لأن الضريبة تفرض على الدخل الصافي،أي الدخل بعد
خصم التكاليف-،و يطبق عليها السعر الخاص بها..ليصل في النهاية إلى مبلغ الضريبة
واجب الأداء، و هذا المبلغ نفسه قد يخصم منه إعفاءات قانونية أخرى( الإعفاءات
العائلية مثلا).
من أمثلة ذلك: أن يقوم المكلف نفسه،بحساب مبلغ الضريبة، كما هو الحال
بالنسبة لمن يحقق دخلا مهنيا، أو دخلا عقاريا أو فلاحيا، أو جميع هذه الدخول و
غيرها(الخاضعة للضريبة على الدخل)؛حيث يمكنه ملء التصريح،و حساب مبلغ الضريبة، ثم
يحمل المبلغ إلى الجهة المكلفة بالتحصيل.و كذلك الشان فيما يتعلق، بالضريبة على
القيمة المضافة(كما سنرى)،و الضريبة على الدخل (الأجور مثلا)، حيث يتولى المستخدم(المكلف
بمحاسبة الأجور) في المقاولة، حساب مبلغ الضريبة على الدخل المفروضة على كل أجير،
و يقتطعها من أجره الشهري( أو الأسبوعي أو اليومي)، ثم يدفعها إلى القابض الذي تقع
سكنى المكلف في دائرة نفوذه).
غير أنه، في الكثير من
الحالات أيضا، تتولى الإدارة الجبائية نفسها، عمليات حساب الضريبة، لاسيما في
الضرائب غير المباشرة،كما هو الحال في الرسوم الجمركية، و في الرسوم المفروضة على
التسجيل( تسجيل العقود..) و التنبر.
و تسمى هذه الضرائب عادة،
بـ" الضرائب ذات الأداء الفوري"(Les droits comptant)، و ذلك لأنه لا يوجد فارق زمني
كبير ، بين الواقعة المنشئة للضريبة ، أو علم الإدارة بها (الواقعة)، و عملية
الأداء.
و ذلك بخلاف الضرائب المباشرة،
التي تسمى بالأداءات المعاينة (Les droits constatés)، التي يوجد فيها آجال أو فارق
زمني، بين تقدير الوعاء و حساب مبلغ الضريبة، و موعد أدائها(الضريبة على الدخول
الناتجة عن الأرباح العقارية مثلا، تؤدى قبل نهاية ربع السنة الأول، من السنة التي
تلي تلك التي تحققت فيها الواقعة المنشئة للضريبة).
و لنأخذ مثالا توضيحيا، و
ليكن من الضريبة على الدخل:
فمن المعلوم أن الأجراء-و
قد رأينا ذلك في قانون الشغل- و الموظفين، يحصلون على مداخيل تتكون من عناصر
متعددة و متنوعة: أجور/ مرتبات، و مكافآت، و معاشات، و منح و مزايا عينية أو
نقدية...إلخ(و هذا هو ما يعرف بالأجر/ المرتب بمعناه الواسع).
و المشرع الضريبي، لا يعامل
كل هذه العناصر معاملة واحدة؛بل يخضع بعضها للضريبة، و بعضها الآخر يعفيه:فمن
العناصر التي تدخل في حساب الأجر/ المرتب الخاضع للضريبة، ما يصرف للموظف كأجر أساسي أو تكميلي، و ما يصرف له من تعويضات
عن السكن أو التنقل لأداء مهمة[6]،
أو التمثيل أو التفتيش، أو ما يمنح له من تعويضات عن غلاء المعيشة، أو عن عمل
الساعات الإضافية، أو للعمل ليلا أو خلال الأعياد و العطل، أو التعويضات عن
الأعمال الشاقة و الخطيرة..إلخ.
و لكن إذا كانت المبالغ
الإضافية تدفع، لا كأجر/مرتب (بمعناه الواسع)، و لكن كتعويضات لسداد المصاريف
الفعلية المدفوعة خلال مزاولة وظيفة أو عمل ، و التي تحملها الأجير/ الموظف في
سبيل أداء عمله/ وظيفته،مع التزامه بتقديم حساب فعلي عما صرف منها، فتعفى من
الضريبة[7].بالإضافة
إلى ذلك،تخصم من المبالغ الإجمالية للدخل(الأجر/المرتب) مصاريف أخرى مرتبطة
بالوظيفة أو العمل، على اعتبار أنها تكاليف جزافية،تقدر بنسب جزافية ( مثلا (20%)
بالنسبة للأساتذة و المعلمين ،و (35%) للفنانين المسرحيين و
السينمائيين،و (45%) للصحفيين..)؛ و غالبا ما يحدد
المشرع سقفا لهذه الخصومات(Le plafond déductible): ففيما يخص ضريبة الأشخاص
الطبيعيين، نص المشرع على ألا يتجاوز هذا القدر(30.000) درهم في السنة[8].
و من الخصومات التي يسمح
بها القانون كذلك، المبالغ المحجوزة لتأسيس المعاشات أو رواتب التقاعد، بالنسبة
للموظفين و الأجراء الذين لهم الحق في المعاش(cotisation de retraite :C.I.M.R)، و الاشتراكات المدفوعة إلى
هيئات الاحتياط الاجتماعي(cotisation de prévoyance :C.N.S.S)[9]، و
المبالغ المدفوعة لتسديد أصل و فوائد بعض القروض( مثل القرض لبناء أو شراء مسكن
أساسي في حدود معينة)، و هناك إعفاءت أخرى.هذا،و لا ينبغي أن ننسى طبعا، الإعفاء
الذي أصبحت تمنحه، جميع القوانين الجبائية تقريبا، و المتعلق بجزء من الدخل،يعد بمثابة
الحد الأدنى الضروري للمعيشة.
بعد خصم هذه الخصومات، نكون
قد وصلنا إلى الدخل الصافي الخاضع للضريبة،فنطبق عليه السعر المناسب له؛فنحصل على المبلغ
المستحق على المكلف، كضريبة. و هذا المبلغ نفسه، قد يخصم منه أعفاءات قانونية
أخرى: فقد ذهبت بعض النظم الجبائية ،إلى أبعد من هذا، منها النظام الجبائي
المغربي، عندما سمحت بطرح(خصم) بعض الإعفاءات العائلية ، لا من المادة الضريبية ( الدخل
الاجمالي مثلا)، بل طرحها من مبلغ الضريبة نفسه(360 درهم، للزوجة و الأبناء ، في
حدود 2160 درهم،أي في حدود ستة أشخاص)[10].
مثال تطبيقي:
يحصل شخص متزوج ( الزوجة لا
تعمل)، و له ابنان اثنان،الأول عمره (25) سنة يدرس بالجامعة، و الآخر يبلغ من
العمر (18) عاطل عن العمل؛ على أجر، يتكون من العناصر التالية:
أجر أساسي.............................................................400.000
درهم
على منحة عن الأقدمية..................................................
40.000 درهم
و على تعويض عن
المسؤولية.............................................20.000 درهم
و على تعويض عن التنقل
(مبرر)........................................50.000 درهم
و على تعويضات
عائلية....................................................3600 درهم
مجموع الأجر(الدخل
الإجمالي)=.........................................513.600 درهم
ما هو مبلغ الضريبة على
الدخل، الذي يجب أن يؤديه هذا الأجير؟
هذا الأجير لا يحصل إلا على
دخل واحد، هو أجرته، التي يؤديها له رب العمل الذي يعمل معه.و رب العمل، هو الذي
يقوم باقتطاع الضريبة على الأجر من المنبع، و إذن فصاحبنا ، ليس في حاجة إلى ملء
إقرار بدخله.
[1] إن حساب الضريبة، يعتمد على أربعة أنواع من
عمليات الحساب، ليست صعبة و لا معقدة، و هي: الطرح، و الضرب، و الجمع، و القسمة. و
إلى جانب هذه العمليات السهلة، يعتمد حساب الضريبة على عمليات أخرى إدارية
صعبة،لأنها تخلق مشاكل كثيرة، و تكون مصدرا لمنازعات بين الإدارة و الملزمين.هذه
العمليات الإدارية ، من ثلاثة أصناف:
1. الاقتصاد و السرعة:فعملية حساب الضريبة، لا ينبغي أن
تكلف الإدارة مبالغ كبيرة، و هذا ما أكده آدم سميث.و لتحقيق ذلك، يجب إسناد عمليات
الحساب، إلى موظفين "خبراء"، الذين لا يرتكبون أخطاء كثيرة، و لا يكلفون
بالتالي الإدارة أعباء إضافية، و لا يتسببون في خلق مشاكل مع الملزمين.
كما ينبغي،أن
تتم هذه العمليات الحسابية، بسرعة، حتى تحصل الإدارة على ديونها في أقصر وقت ممكن.
2. السرية و الكتمان و التحفظ(La discrétion):إن العمليات الحسابية،يجب أن تتم في إطار من احترام
أسرار الملزمين، حتى لا تتسرب المعلومات( فيما يتعلق بمبالغ الضرائب، و نوعية
المواد الضريبية، التي يملكها الملزمون.. إلى الغير)؛
3. الدقة: يجب الحرص على أن تتم العمليات بدقة، حتى لا تهتز
ثقة الملزمين بالإدارة، و أيضا لتجنب الكثير من أسباب النزاع مع الملزمين.
voir :Gaudemet
et Molinier-op.cit-p189-190.
[2] عطية- م.س -ص 302. و يضيف هذا المؤلف( نفس
المكان):" ..و لتعيين هذه اللحظة أهمية كبرى،لأنها تحدد النظام الضريبي
الواجب التطبيق من حيث السعر،و الإعفاء و غيرهما،و منها يبدأ سريان التقادم المسقط
لحق الدولة في اقتضاء الضريبة"
[3] فالمادة (67) من المدونة العامة للضرائب، تنص
على أن الواقعة ابلمنشئة للضريبة، فيما يخص دخول الأرباح الناشئة عن رؤوس الأموال
المنقول، هي:
I- بالنسبة لعوائد الأسهم و حصص المشاركة و الدخول
المعتبرة في حكمها و الحاصلات من التوظيفات المالية ذات الدخل الثابت، في دفعها
إلى المستفيد أو وضعها رهن تصرفه أو قيدها في حسابه؛
II- فيما يخص الأرباح الناتجة عن تفويت قيم منقولة و
غيرها من سندات رأس المال و الدين تتكون الواقعة المنشئة للضريبة من :
- التفويت بعوض أو بغير عوض؛
- المقايضة المعتبرة بيعا مزدوجا لقيم منقولة و غيرها من
سندات رأسمال و الدين؛
- حصة المشاركة في شركة بقيم منقولة و غيرها من سندات
رأسمال و الدين.
[6] أما مصاريف الانتقال العادي، فتعفى من
الضريبة،لأنها محسوبة على أساس ما يتحمله الأجير/ الموظف بالفعل من نفقات، لأداء
عمله/ وظيفته.
[8] راجع المادة (59) من المدونة العامة للضرائب. و قارن مع
المادة (8) من المدونة العامة للضرائب، التي تنص على أنه فيما يتعلق بالشركات؛ أن
الحصيلة الخاضعة للضريبة، كالتالي:" تحدد الحصيلة الخاضعة للضريبة المتعلقة
بكل سنة محاسبية بعد تغييرها، إن اقتضى الحال، طبقا للنصوص التشريعية و التنظيمية
الجبائية المعمول بها، باعتبار ما زاد من العائدات على التكاليف في السنة
المحاسبية التي وقع الالتزام بها أو تحملها لما يتطلبه النشاط المفروضة عليه
الضريبة تطبيقا للتشريع و التنظيم
المحاسبي الجاري بهما..".
و تنص المادة (10) على مجموعة من التكاليف القابلة
للخصم، نشير إلى بعضها، على سبيل المثال لا الحصر، فيما يلي:
تقول المادة 10:" تشمل التكاليف القابلة للخصم حسب
مدلول المادة 8 أعلاه:
1- تكاليف الاستغلال المتكونة من:
أ- مشتريات البضائع المعاد بيعها على حالتها و مشتريات
مستهلكة من مواد و لوازم؛
ب- تكاليف خارجية أخرى وقع الالتزام بها أو تحملها لما
يتطلبه الاستغلال بما في ذلك:
1. الهدايا الإشهارية التي لا تتعدى قيمة الواحدة منها مائة
(100) درهم؛
2. الهبات النقدية أو العينية الممنوحة لفائدة:
·
الأوقاف العامة؛
·
التعاون %الوطني؛
·
الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة؛
·
المؤسسات العمومية التي تكون مهمتها الأساسية تقديم علاجات....
ج- الضرائب و
الرسوم..
د- تكاليف
المستخدمين و اليد العاملة و التكاليف الاجتماعية المرتبطة بذلك؛
هـ- تكاليف
الاستغلال الأخرى..
و- مخصصات
الاستغلال......." .
غير أنه،من
الجدير بالذكر هنا- و قد نعود إلى هذا بالتفصيل لاحقا عند دراسة الضريبة على
الشركات، إن شاء الله-، أن هناك عدة شروط
لقبول خصم التكاليف أو اعتمادها ضريبيا، من أهم هذه الشروط أنه: يجب تبرير أي
مصروف يدرج في الحسابات الختامية للشركة، كأن يكون المصروف مؤيدا بالمستندات و
الوثائق التي تثبت صحته:
أ- فالإيجارات،
لا بد من إثباتها بوصولات الأداء، زائد عقود الكراء؛
ب-فمصاريف
الماء و الكهرباء، و الهاتف، لا بد من إثباتها بالفواتير و وصولات الأداء كذلك؛
ج-و الأجور
التي تدفع للعمال، و المكافآت و غيرها، لا بد من إثباتها بوصولات أو كشوف أو دفاتر
موقع عليها من طرف الأجراء، أو كشوف تحويل الأجور إلى حسابات العمال في البنوك(
التي لهم حسابات حقيقية، و مفتوحة فيها)؛
د- و كذلك مصاريف
التأمين على الموارد البشرية، و الآليات و السيارات، هي الأخرى لا بد من توفر
وثائق تثبتها.
و عموما، فكل
نفقة ، و كل مصروف ينفق، و يدرج في حسابات الشركة، لكي يعتمد ضريبيا، و يدرج في
الإقرار الضريبي، لا بد أن يتوفر على مستند يؤيده. و لكن، قد يسمح القانون،
استثناء، بإدراج بعض المصاريف اللازمة لنشاط الشركة، في الحساب الختماي، دون أن
تتوفر على ما يؤيدها من مستندات و حجج، و لكنها تبقى في حدود معينة.
II- المبالغ المحجوزة لتأسيس المعاشات و رواتب التقاعد؛
III- الاشتراكات المدفوعة إلى هيئات الاحتياط الاجتماعي و كذا اشتراكات المأجورين
المنخرطين في الضمان الاجتماعي من أجل تغطية النفقات المتعلقة بالتعويضات القصيرة
الأجل؛
IV- حصة المأجورين في أقساط التأمين الجماعي من مخاطر
المرض و الولادة و العجز و الوفاة؛
V- المبالغ المدفوعة لتسديد أصل و فوائد القروض المحصل
عليها أو تكلفة الشراء...إلخ"(راجع المادة في المدونة).
[10] تنص المادة (74) من المدونة العامة للضرائب على
أن:"I -يخصم ما قدره ثلاثمائة و
ستون (360) درهما من المبلغ السنوي للضريبة اعتبارا للأعباء العائلية التي يتحملها
الخاضع للضريبة عن كل شخص يعوله حسب مدلول II من هذه المادة.غير ان مجموع
المبالغ المخصومة عن الأعباء العائلية، لا يمكن أن يتجاوز ألفين و مائة و ستين
(2160) درهما؛
II- الأشخاص الذي يعولهم الخاضع للضريبة هم :
أ) الزوجة،ب) أولاده من صلبه و ألاد غيره الذين يأويهم
بصورة شرعية في بيته، بشرط:
·
ألا يكون لكل واحد منهم دخل يفوق مجموعه السنوي جزء الدخل الوارد في جدول
حساب الضريبة على الدخل المنصوص عليه في المادة 73-I-ألف
أعلاه؛
·
ألا يتجاوز سنهم (27) سنة،غير أن شرط السن لا يسري على المصابين بعاهة تحول
بينهم و بين كسب معيشتهم بأنفسهم..".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق