القسم
الثاني:
في هذا القسم ، سندرس، بإذن
الله، القواعد و المبادئ الأساسية المنظمة للصفقات العامة.
غير أننا سنمهد لذلك،
بالحديث عن أهم مصادر هذه القواعد و المبادئ.
الفصل
الأول:
مصادر
القواعد المنظمة للصفقات العامة
رغم أن الهدف من هذه
المادة، هو دراسة قانون الصفقات العامة الحالي ( ممثلا بمرسوم 2013) أولا، إلا أن
دراسة الصفقات العامة، في الحقيقة، لا تكتمل إلا بدراسة مختلف القواعد القانونية
ذات الصلة بهذا الموضوع، مهما كان مصدرها؛لأنها تشكل جنبا إلى جنب ، مع المرسوم
المشار إليه أعلاه، نظاما متكاملا، لا يمكن للجزء فيه أن يغني عن الكل.
و لكن، للقول بوجود نظام
قانوني للصفقات العمومية من عدمه، يفترض، أولا، وجود إيديولوجيا تشريعية تعتنقها
النخبة الحاكمة( أو السلطة السياسية)، في هذا المجال.و وجود هذه الإيديولوجيا،
سيساعد المشرع ، و يوجهه في عملية التشريع، المرتبطة بهذا الباب.بحيث، يكون قادرا،
بالتالي، على الإجابة عن أسئلة من نوع: ما هو الهدف من ابرام الصفقات العامة ؟ هل هو تلبية الحاجات العامة فقط؟ ام هو أيضا مناسبة لتوزيع بعض " الغنائم" على
الفئات السوسيو- اقتصادية الداعمة للحكومة؟ أم هناك أهداف أخرى، كمحاربة البطالة؟ و تشجيع المقاولات الوطنية (
لا سيما المتوسطة و الصغرى)؟ أم أن التشريع في هذا الباب يحقق أهداف
تكتيكية(كمحاربة البطالة، و دعم بعض المقاولات)، و أخرى شاملة و استراتيجية ..كتحقيق
التنمية المستدامة؟..؟
في حالة المغرب يصعب القول
أن هناك نظام قانوني للصفقات العمومية، نابع من إيديولوجيا تشريعية، بالمفهوم الذي
تحدثنا عنه أعلاه، لأن الإيديولوجيا بطبيعتها، رؤية "جماعة"، تنبع من
حاجياتها الذاتية، و لا تقتبس من الخارج، بدليل أن كل محاولات الاقتباس
الإيديولوجي، فشلت.
و يكفي الدارس أن يتمعن في
القوانين المنظمة للصفقات، ليدرك أنها خليطا غير منسجم- كخليط الماء و الزيت-، من قوانين
شتى، تراكمت عبر الزمن( منذ عهد الاحتلال)، و جمعت من أطراف العالم ( كما سنرى في
هذا الفصل)، و أريد لها، بقدرة قادر، أن تزرع في أرض المغرب، و تنتج ثمارا "
مغذية":فهل لنباتات البلاستيك..أن تطعم الناس من جوع؟
و على كل حال، فمن الناحية العلمية، للقول بوجود
نظام قانوني للصفقات العمومية، من عدمه لا بد من جمع القوانين السارية على
الصفقات، و دراستها و تحليللها..
و في الواقع، يصعب على
الدارس و المدرس معا، أن يقوما بإحصاء هذه القواعد و جردها جميعها، ناهيك عن
دراستها، أو حتى مجرد الاطلاع عليها.و مما يجعل الأمر صعبا، بل مستحيلا على الدارس
و المدرس معا، أننا مازلنا إلى يومنا هذا، رغم كل الجهود التي بذلتها الحكومة ، و
المنظمات الوطنية و الأجنبية، للم شتات القواعد التي تشكل النظام القانوني للصفقات
العامة ، لا نتوفر على مدونة تجمع كل النصوص التي صدرت منذ 1917 حتى الآن، و
تنسقها، و تزيل ما قد يكون فيها من تناقض و تعارض..إلخ[1].
و لكن هذا النقص الكبير و
الخطير، لن يتنينا أو يمنعنا، من بذل جهدنا، مهما كان يسيرا، لتنبيه الطلبة إلى
أهمية الاطلاع على نماذج من النصوص و القواعد المنظمة للصفقات العامة، التي توجد
خارج النص الأساسي المتمثل في مرسوم 2013.
و لأن الاهتمام بالصفقات
العامة، لم يعد حكرا اليوم، على السلطات العامة ، و الفاعلين الاقتصاديين، و
القضاة الإداريين، و فقهاء القانون العام.. ، بل امتد ليشمل المنظمات الحكومية و
غير الحكومية الدولية(و مختلف مكونات المجتمع المحلي) أيضا؛ فإن مصادر القواعد
المنظمة للصفقات، لم تعد تقتصر على المصادر الكلاسيكية للقوانية، بل تشمل مصادر
أخرى.
و عليه، و لكل هذه الأسباب،
سنبحث في هذا الفصل أيضا ، التأثير الذي مارسته( و يمكن ) أن تمارسه الاتفاقيات
الدولية،و مختلف المنظمات و الهيئات الحكومية و غير الحكومية( الدولية و المحلية)،
على العمليات التشريعية، و الآراء "الفقهية" التي يعبر عنها الإداريون
المختصون بالصفقات العمومية.
و سنبدأ بدراسة المصادر
الرسمية، ذات الأصل المحلي..ثم بعد ذلك ندرس المصادر الرسمية الأجنبية..لنختم
بتناول المصادر غير الرسمية..الدولية أولا..ثم المحلية ( لأن الدولية ، في هذه
الحالة أكثر تأثيرا، بعكس المصادر الرسمية).
المبحث
الأول: القواعد الدستورية
في الدستور، و هو القانون
الأسمى، نج الأسس لكل القوانين المكبقة في البلاد.و هذه القوانينن كما هو معروف،
تصون الحقوق و الحريات، و تحدد القواعد التي تخضع لها الحكومة ، و تنظم العلاقات
بين الحكام و المحكومين ، و بين السلطات..إلخ.
و إذن، فمن البديهي أن نجد
بعض أصول نظام الصفقات العمومية في الدستور المغربي.لا بل لأول مرة، نجد الدستور
الحالي ( دستور 2011)، يذكر الصفقات العمومية بالاسم، و هو تطور لافت، إن دل على
شيء؛ فإنما يدل على المكانة التي صارت تحظى بها الصفقات العامة، لدى المجتمع و
الدولة المغربيين.
و القواعد الدستورية التي
تناولت الصفقات العامة، تنقسم إلى صنفين:قواعد و مبادئ "خاصة"، تتعرض
للصفقات العامة بشكل مباشر، و أخرى تتحدث عنها بطرق غير مباشرة، و ضمن قواعد
" عامة" ، تنظم الكثير من المجالات، و تشترك فيها الكثير من المواضيع.
المطلب
الأول: القواعد العامة
إن هذه القواعد العامة، أو
غير المباشرة، هي مجموعة من القواعد التي تعنى بالمبادئ العامة للحقوق و الحريات،
فهي إذن قد تخص أكثر من مجال.و لأنها عامة، فهي قابلة للتأويل، إذ يمكن استخدامها
من أكثر من فئة، حسب الأحوال و الظروف.و بالتالي، يمكن ربطها بقضايا الصفقات، كما
يمكن ربطها بغيرها أيضا.
أعني بهذه القواعد، من ناحية،
تلك المبادئ العامة التي نجدها تتصدر الدستور، مثل المبادئ التي ترسي دعائم
المشاركة و التعددية و الحكامة الجيدة.و المبادئ التي ترسي الحرية و المساواة و
تكافؤ الفرص ، و تدعم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا..و غيرها.
و أعني بها أيضان من ناحية
أخرى، بعض القواعد المحددة ، مثل تلك التي يشير إليها:
1- الفصل السادس،عندما ينص
على أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون، و أن السلطات العمومية تعمل على
توفير الظروف التي تمكن "[...] من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات و
المواطنين، و المساواة بينهم، و من مشاركتهم في الحياة السياسية و القتصادية و
الثقافية و الاجتماعية..."؛
2- الفصل 13:" تعمل
السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين،
في إعداد السياسات العمومية و تفعيلها و تنفيذها و تقييمها"؛
3- الفصل 15:"
للمواطنات و المواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية.."؛
4- الفصل 19:"[...]
تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال و النساء.."؛
5- الفصل 26:" تدعم
السلطات العمومية بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي و الفني، و البحث
العلمي و التقني.."؛
هذه بعض القواعد العامة
التي تتصل بالصفقات العمومية، و لكن من بعيد. أما القواعد التي سنسوقها فيما يلي،
فتعنى بشكل مباشر بالصفقات العامة.
المطلب
الآخر: القواعد الخاصة:
من ضمن القواعد الدستورية،
التي تعنى بشكل مباشر بالصفقات العامة..
1- الفصل 27:
للمواطنات و المواطنين حق الحصول
على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، و المؤسسات المنتخبة و الهيئات
المكلفة بالمرفق العام.
لا يمكن تقييد الحق في المعلومة
إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، و حماية أمن الدولة
الداخلي و الخارجي، و الحياة الخاصة للأفراد، و كذا الوقاية من المس بالحريات و
الحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، و حماية مصادر المعلومات، و
المجالات التي يحددها القانون بدقة؛
2- الفصل 33:
على السلطات العمومية اتخاذ
التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي:
- توسيع و تعميم مشاركة الشباب في
التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية للبلاد ؛
3- الفصل 35:
[...] تضمن الدولة حرية المبادرة و المقاولة، و التنافس الحر.كما تعمل على
تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شانها تعزيز العدالة الاجتماعية، و الحفاظ على
الثروات الطبيعية الوطنية، و على حقوق الأجيال القادمة.
تسهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص
للجميع، و الرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا؛
4- الفصل 36 :
يعاقب القانون على المخالفات
المتعلقة بحالات تنازع المصالح، و على استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه،
و كل مخالفة ذات طابع مالي.
على السلطات العمومية الوقاية،
طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات و الهيئات العمومية،
و باستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، و بإبرام الصفقات العمومية و تدبيرها، و
الزجر عن هذه الانحرافات.
يعاقب القانون على الشطط في
استغلال مواقع النفوذ و الامتياز، و وضعيات الاحتكار و الهيمنة، و باقي الممارسات
المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة و المشروعة في العلاقات الاقتصادية.
تحدث هيئة وطنية للنزاهة و الوقاية
من الرشوة و محاربتها؛
5- الفصل 147:
المجلس الأعلى للحسابات هو الهيأة
العليا لمراقبة المالية العمومية [...] يتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة
المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية.و يتحقق من سلامة العمليات المتعلقة
بمداخيل و مصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون، و يقيم كيفية تدبيرها
لشؤونها..؛
6- الفصل 149:" تتولى
المجالس الجهوية للحسابات مراقبة حسابات الجهات و الجماعات الترابية الأخرى و
هيئاتها، و كيفية قيامها بتدبير شؤونها..".
7- بالإضافة إلى الفصول
المتعلقة بالحكامة الجيدة ( من 154 إلى 160)،و الفصول المتعلقة بمؤسسات و هيئات
حماية الحقوق و الحريات و الحكامة الجيدة (من 161 إلى 171): مثل المجلس الوطني
لحقوق الإنسان، و مؤسسة الوسيط، و الهيأة المكلفة بالمناصفة و محاربة جميع أشكال
التمييزن و مجلس المنافسة، و الهيأة الوطنية للنزاهة،..إلخ.
أ- فالفصل 154:
يتم تنظيم المرافق العمومية على
أساس المساواة [...] تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة و الشفافية و المحاسبة
و المسؤولية.."؛
ب-و الفصل 155:" يمارس أعوان المرافق العمومية و وظائفهم وفق مبادئ
احترام القانون و الحياد و الشفافية و النزاهة و المصلحة العامة؛
ج- الفصل 156:
تتلقى المرافق العمومية ملاحظات مرتفقيها و اقتراحاتهم و
تظلاتهم و تؤمن تتبعها.
تقدم المرافق العمومية الحساب عن
تدبيرها للأموال العمومية طبقا للقوانين الجاري بها العمل. و تخضع في هذا الشأن
للمراقبة و التقييم.
د- و الفصل 158:
يجب على كل شخص منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم طبقا
للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات و الأصول التي في حيازته،
بصفة مباشرة أو غير مباشرة،بمجرد تسلمه لمهامه، و خلال ممارستها و عند انتهائها.
ه- و الفصل 166، على سبيل المثال، نص على :
مجلس المنافسة هيأة مستقلة، مكلفة
في إطار تنظيم منافسة حرة و مشروعة بضمان الشفافية و الإنصاف في العلاقات
الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق و مراقبة
الممارسات المنافية لها و الممارسات التجارية غير المشروعة و عمليات التركيز
الاقتصادي و الاحتكار؛
ه- و الفصل 167:
تتولى الهيأة الوطنية للنزاهية و الوقاية من الرشوة و
محاربتها، المحدثة بموجب الفصل 36 على الخصوص، مهام المبادرة و التنسيق و الإشراف
و ضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، و تلقي و نشر المعلومات في هذا المجال، و
المساهمة في تخليق الحياة العامة، و ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، و ثقافة المرفق
العام، و قيم المواطنة المسؤولة.
من خلال هذه النصوص
المباشرة و غير المباشرة، يتبين لنا أهمية الضمانات الدستورية التي وفرها الدستور،
لتكريس مفاهيم المساواة و الشفافية و النزاهة، فيما يتعلق بالصفقات العامة.و لعل
أبرز دليل على رغبة المشرع الدستوري، في توفير تلك الضمانات، هو خلق مؤسسة دستورية
لمكافحة الفساد الإداري، و الوقاية منه، هي " الهيأة الوطنية للنزاهة و
الوقاية من الرشوة".و لكن هل ذلك يكفي؟ أم أن الأمر يحتاج إلى أمور أخرى،
منها توافر النية الحقيقية في محاربة الفساد و المفسدين، و منها أيضا توافر الأطر
البشرية النزيهة الملتزمة فعلا بقضية مكافحة الرشوة.و هذه مسألة ، سنعود للبحث
فيها، في فصل لاحق إن شاء الله.
المبحث
الثاني: القوانين العادية
كثيرة هي القوانين التي لها
علاقة بل علاقات مع الصفقات العامة، مثل قانون الالتزامات و العقود، و القانون
التجاري، و قانون الشغل، و القوانين الجبائية،و قانون التنظيم القضائي، و قوانين
التأمين على المخاطر المهنية، القانون المتعلق برهن الصفقة، و القانون المتعلق
بالصندوق المركزي للضمان..إلخ.
و من هنا،يتبين لكم صعوبة
البحث في كل هذه القوانين، و لذلك سنقصر بحثنا في بعض الأمثلة النموذجية..منها.
المطلب
الأول: القانون المدني و قوانين المحاسبة العمومية و المحاكم المالية
الفرع
الأول- القانون المدني
ففي قانون الالتزامات و
العقود، مثلا:
أ- نجد نصوصا عامة، لها
علاقة بالصفقات، من بينها الفصول المنظمة للعقود، من حيث أركانها، و شروط
انعقادها.
مقابل ذلك، هناك فصول أخرى،لها
علاقة خاصة بالصفقات، كالفصل (79)، الذي ينص على أن :" الدولة و البلديات
مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها و عن الأخطاء المصلحية
لمستخدميها".
و الفصل (80) :"
مستخدموا الدولة و البلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم و عن
الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم".
فهذان النصان، يؤطران
مسؤولية الإدارات العامة، عن الكثير من الأضرار التي قد تحدث أثناء إعداد، و إبرام
و تنفيذ الصفقات العمومية، كالأضرار التي قد تنشأ عن تنفيذ الأشغال العامة، أو حتى
قبل ذلك،كالأخطاء المصلحية أو الشخصية التي قد يرتكبها موظفو الدولة و الجماعات
الترابية، بمناسبة إبرام أو تنفيذ الصفقات.
ب- بالاضافة إلى ما سبق،هناك
فصول أخرى تعتبر جزءا لا يتجزأ من أي قانون لصفقات الأشغال مهما كان ،كالفصل (769)
( من ظهير 08 دجنبر 1959)، الذي يتعلق بمسؤولية المهندسين، أي ينظم جوانب خطيرة من
الصفقات العمومية، لاسيما صفقات الأشغال. و يكفي أن تصغي لما يقول لتدرك ذلك :
المهندس المعماري أو المهندس و المقاول المكلفان مباشرة
من رب العمل، يتحملان المسؤولية إذا حدث خلال العشر سنوات التالية لإتمام البناء
أو غيره من الأعمال التي نفذاها أو إشرفا على تنفيذها، إن انهار البناء كليا أو
جزئيا أو هدده خطر واضح بالانهيار، بسبب نقص المواد أو عيب في طريقة البناء أو عيب
في الأرض؛
الفرع
الثاني: قوانين المحاسبة العمومية و المحاكم المالية
و من القوانين العادية أيضا التي تهم الصفقات
العامة، هناك ظهير 06 غشت 1958، المتعلق بالمحاسبة العمومية، و بالضبط الفصلين
(54) و (55) اللذين تم الاحتفاظ بهما في المرسوم الملكي رقم 390.06 بتاريخ 21
أبريل 1967 المتعلق بالمحاسبة العمومية.
و ينص الفصل (54)، من ظهير
06 غشت 1958، على ما يلي:
إن جميع الديون غير المستحقة و
المأمور بدفعها و تصفيتها لفائدة الدائنين المقيمين بالمغرب في ظرف أربع (4)
سنوات، ابتداء من افتتاح السنة المالية، و لفائدة الدائنين المقيمين في خارج
التراب المغربي، في ظرف خمس (5) سنوات، ترجع بصفة نهائية إلى الدولة، بصرف النظر
عن انقضاء الآجال المنصوص عليها في القوانين السابقة أو المتفق عليها في الصفقات و
الاتفاقيات ...
و يضيف الفصل (55) من نفس
الظهير:" لا تطبق مقتضيات الفصل السابق على الديون التي لم يصدر أمر بدفعها و
لم تدفع في الآجال المحددة بفعل عمل الإدارة أو عمل قضائي".
يفهم من هذين النصين، أن
التقادم المدني ، يمكن تطبيقه في الالتزامات الناشئة عن تطبيق العقود الإدارية، و
ضمنها طبعا الصفقات العمومية.بمعنى أن كل دائن للإدارة مطالب بتحصيل أمواله داخل
أجل لا ينبغي أن يتجاوز أربع سنوات، تحت طائلة سقوط حقه في أمواله( و هو ما يعرف
بالتقادم الرباعي).
و هذه القاعدة، تطبق على
الإدارة أيضا، ففي الحالة التي تكون فيها هي الدائنة، يجب عليها أن تسترجع الأموال
التي دفعتها عن طريق الخطأ ( في الحساب)، كقيمة زائدة عن ثمن الصفقة؛ قبل أن يمر
عليها اجل التقادم و تسقط ( حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد 131/98 بتاريخ 03/7/1998).
من القوانين العادية الجديرة بالذكر هنا، الظهير
الشريف رقم 1.02.124 الصادر في 13 يونيو 2002، بتنفيذ القانون رقم 62.99، المتعلق
بمدونة المحاكم المالية ( المجلس الأعلى للحسابات):
أ- فالمادة (25) ، على سبيل
المثال، تنص على أن المحاسبين العموميين ملزمون بتقديم بيانات سنوية عن عمليات
المداخيل و التفقات"؛
ب- و المادة (28) :"
يعتبر كل آمر بالصرف أو مراقب أو محاسب عمومي مسؤول عن القرارات التي اتخذها أو
أشرف عليها أو نفذها من تاريخ استلامه لمهامه إلى تاريخ انقطاعه عنها"؛
ج- و المادة (54)، الذي
يعدد المخالفات التي يعاقب عليها الآمرون بالصرف و مساعدوهم ، و كل الموظفين ، و
الأعوان، الذين يعملون لحسابهم أو تحت سلكتهم و منها:
ج/1 مخالفة قواعد الالتزام
بالنفقات العمومية ، و تصفيتها، و الأمر بصرفها؛
ج/2 عدم احترام التصوص
التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية؛
ج/3 مخالفة قواعد تحصيل
الديون العمومية؛
ج/4 إخفاء المستندات، و
الإدلاء بأوراق نزورة أو غير صحيحة؛
ج/5 حصول الشخص لنفسه أو
لغيره على منفعة غير مبررة ، نقدية أو عينية؛
د- المادة (55)، تنص على
معاقبة الموظفين الذين لهم علاقة بالصفقات ، إذ لم يقوموا بالمراقبات التي هم
ملتزمون بها للتأكد من:
د/1 توفر الاعتمادات؛
د/2 مطابقة مشروع الصفقة
للنصوص التنظيمية المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية، و لا سيما الإدلاء بالشهادة
الإدارية، أو التقرير المتعلق بتقديم الصفقة الذي يبرر اختيار طريقة إبرام الصفقة.
المطلب
الثاني: قانون التقييس
عندما تريد الإدارة تحديد
حاجياتها، أي عندما ترغب في تحديد الأشغال/التوريدات/ الخدمات، التي تريد الحصول
عليها بواسطة الصفقات؛ فإنها تستعين بمقاييس( أو معايير) (Normes) تقنية، في تحديد مواصفات ما تريد.
و أهمية هذه المقاييس، تكمن
في كونها هي إحدى "اللغات" الأساسية التقنية المشتركة بين الفاعلين
الاقتصاديين،منتجين و مستهلكين،و من ثم يفهمها كل مشتري أو مستهلك (بما في ذلك
المشتري العمومي)، و كل منتج أو بائع للخدمات/التوريدات/ الأشغال..فردا كان أو
مقاولة.
و بلغة أخرى، فهذه المقاييس
تلعب دورا هاما في الصفقات العمومية، لأنها هي التي تستخدم، في الغالب ، على
المستوى التقني،لوصف خصائص و مميزات السلعة أو الشغل أو الخدمة موضوع الصفقة؛ و
تسهم بالتالي ، في تعريف دقيق للشروط التي يعتبرها المشتري ضرورية في صفقة من
الصفقات.
و المقاييس( المعايير)،عادة،
لا تطبق( لا تشترط) بشكل تلقائي في كل الصفقات، بل لتطبيقها لا بد من الإحالة عليها عند تحديد مواصفات المشتريات، في إحدى
وثائق الصفقة ( لا سيما في دفتر الشروط الخاصة، و نظام الاستشارة..)، أو في وثيقة
أعم و أشمل مثل " دفتر الشروط المشتركة"، الذي يطبق على الصنف التقني
الذي تنتمي إليه الصفقة[2].
و هذه المقاييس، يشرف على
وضعها، و يتحقق من العمل بها هيئات حكومية متخصصة. و يرقى اهتمام المشرع المغربي
بالمقاييس، إلى السبعينات من القرن الماضي، ففي تلك المرحلة أصدر الظهير الشريف
رقم 1.70.157، بتاريخ 26 جمادى الأولى 1390 (30 يوليو 1970)، المتعلق بمقاييس
الجودة الصناعية[3].
أما اليوم، فيخضع نظام
التقييس للقانون رقم 1.12.06 المتعلق بــ" التقييس و الشهادة بالمطابقة و
الاعتماد"[4].و
من ضمن أهم مقتضياته، التي لها علاقة مباشرة بالصفقات، المواد التالي:
1- المادة الأولى:
يراد بالتقييس في مدلول هذا القانون إعداد وثائق مرجعية، تسمى مواصفات
قياسيةن و نشرها و تطبيقها.
و تتضمن هذه الوثائق قواعد و إرشادات و خصائص متعلقة بأنشطة معينة او
نتائجها، و توفر حلولا لمشاكل تقنية و تجارية يتكرر وقوعهان قصد تحقيق التراضي بين
الشركاء الاقتصاديين و العلميين و التقنيين و الاجتماعيين.
تبين المواصفات القياسية، وفقا للنصوص التشريعية و التنظيمية، المطبقة عند
الاقتضاء، تعاريف المنتجات و السلع و الخدمات و خصائصها، من حيث الأبعاد أو الحجم
أو الجودة و قواعد استعمال المنتجات و السلع و الخدمات و مراقبتها ، و متطلبات
أنظمة التدبير، و لا سيما أنظمة تدبير الجودة و البيئة و الصيانة و الصحة و
السلامة في الشغل و الجوانب الاجتماعية، و كذا المتطلبات المتعلقة بهيئات تقييم
المطابقة لهذه المواصفات القياسية.
2- المادة (4):
يحدث لدى الوزير الأول مجلس أعلى للتقييس و الشهادة بالمطابقة و الاعتماد
تناط به على الخصوص مهمة مساعدة الحكومة في تحديد السياسة الوطنية في ميدان
التقييس و الشهادو بالمطابقة و الاعتماد و في الارتقاء بالجودة...
3- المادة (5)،و تتناول تكوين هذا المجلس، الذي يضم الجهات المعنية
بالتقييس: ممثلي الدولة، و من رؤساء جامعات الغرف المهنية، و ممثلي المقاولات، و
ممثلي العمال، و ممثلي المستهلكين، و ممثلي مؤسسات البحث العلمي و التكوين، و
ممثلي المختبرات و المراكز التقنية و
الجمعيات المهنية المعنية بالتقيسس ،إضافة إلى ممثل عن هيئات الشهادة بالمطابقة..و
غيرهم.
4- المادة (6)، و نصت على
إحداث مؤسسة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي، تسمى " المعهد
المغربي للتقييس".
5- المادة (7)، و تختص
بمهام معهد التقييس، و من أهمها:
أ- استقصاء الحاجيات من
المواصفات القياسية لدى الإدارات و الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين؛
ب- صياغة المواصفات
القياسية الدولية أو الإقليمية، على شكل مواصفات قياسية مغربية، تطبيقا لاتفاقيات
دولية أو إقليمية، كلما كان في اعتماد تلك المواصفات فائدة للاقتصاد الوطني؛
ج- تدوين و إصدار المواصفات
القياسية المغربية، و كل وثيقة ذات طابع تقييسي..
6- المادة (33):
مع مراعاة مقتضيات المادة 38 بعده، يمكن للسلطة الحكومية المختصة الإقرار
بإلزامية أية مواصفة قياسية مغربية مصادق عليه كلما تبين لها أن هذا الإجراء
ضروري، و ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.
7- المادة (34):
تتم مراقبة مطابقة المنتجات و السلع و الخدمات الخاضعة
لإجبارية تطبيق مواصفات قياسية مغربية، وفقا للنصوص التشريعية و التنظيمية ذات
الصلة الجاري بها العمل.
تتم معاينة المخالفات من لدن موظفين تابعين للقطاعات الوزارية المعنية،
مفوضين خصيصا لهذا الغرض، أو من قبل أي جهاز مؤهل لذلك وفقا للنصوص التشريعية
الجاري بها العمل.
يجري التحاليل على العينات من طرف المختبرات المعينة لهذا الغرض، وفقا
للنصوص التشريعية الجاري بها العمل.
8- المادة (35):
مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها في المادة 38 بعده، يكون إجباريا
التنصيص أو الإشارة صراحة إلى تطبيق المواصفات المغربية أو مواصفات قياسية أخرى
مطبقة بالمغرب، بموجب اتفاقيات دولية، في البنود و الشروط الخاصة و دفاتر التحملات
المتعلقة بالمواصفات التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية
أو الشركات العمومية و كذا الشركات ذات التدبير المفوض على مرفق عام و تلك
المدعومة من طرف الدولة[5].
9- المادة (36):
يسهر كل قطاع وزاري معني على تطبيق المقتضيات المنصوص عليها في المادة 35
أعلاه، و على احترام تطبيقها من قبل الأجهزة المذكورة في نفس المادة الخاضعة
لوصايته.كما يمكن أن يفوض لهذا الغرض أي جهاز مؤهل لمراقبة الجودة.
10- المادة (38):
عند ظهور صعوبات في تطبيق المواصفات القياسية المغربية، يمكن أن تمنح بنص
تنظيمي، استثناءات خاصة لمدة محددة فيما يخص المادتين 33 و 35 أعلاه.و يتم تقديم
طلبات الاستثناء إلى السلطة الحكومية المختصة من أي طرف معني، و تمنح الاستثناءات
حسب طبيعة هذه الصعوبات مع إجبارية اتخاذ الاحتياطات اللازمة للتحكم في أي خطر قد
ينتج عن عدم التطبيق الكلي للمتطلبات القياسية.
11- المادة (39)،
تبين أن المقاييس المغربية، قابلة للتعديل أو المراجعة أو حتى الإلغاء، بمبادرة من
معهد التقييس أو بطلب من أي فاعل أو هيئة معنية..كما أنها ( اي المقاييس)، تراجع
بشكل دوري ( كل خمس سنوات)، من أجل تأكيدها أو تعديلها أو إلغائه.
بل إن المادة (40)، تقول
بأنه، يمكن لمدير معد التقييس ( بعد القيام بالاستشارة مع الجهات المعنية)، بإلغاء
كل مواصفة قياسية مغربية، إذا تبين أنها تعرقل تطبيق نصوص تنظيمية، أو تتعارض مع
الصالح العام أو ظهر ما يدحض أسسها التقنية أو العلمية...
[1] جاء في تقرير "
المجلس الاقتصادي و الاجتماعي"، حول الصفقات، الذي صدر سنة 2012،تحت عنوان"
الصفقات العمومية رافعة استراتيجية للتنمية
الاقتصادية و الاجتماعية"، ما يلي:
" [...] يفضي إحصاء النصوص و تحليلها، و
كذا تحليل تطبيقها على أرض الواقع، إلى الخروج بثلاث خلاصات ، تؤكدها نتائج جلسات الإنصات
التي أجريت مع فاعلين، سواء منهم الآمرون بالصروف أم المقاولات:
" أ- تضع النصوص القانونية مبادئ واضحة،
و تقر مسؤولية مختلف الفاعلين على امتداد المسلسل، في حين أن النصوص التطبيقية ( من
مراسيم و قرارات و دفاتر الشروط الإدارية العامة)، لم تأت سوى بالتعقيد، و اختلاف التأويل
الذي يؤدي إلى عدكم ضبط المسؤولية؛
"ب- إن في تشتت النصوص ما يفسر صعوبات التطبيق
، و يدعو إلى بذل جهد حقيقي للتنميط القانوني ؛
" ج- لا يوجد لما ينص صراحة على وجوب التأثير
على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية في النصوص المنظمة للصفقات العمومية، مما يضيع
على البلاد فرصة جعلها رافعة حقيقية للتنمية.
" تنتج عن استعمال هذه النصوص و تطبيقها
من طرف الهيئات الرقابية، مخاطرة تتهدد الآمرين بالصرف الذين يودون القيام بمجهود في
هذا الاتجاه..".انظر التقرير في موقع المجلس (إحالة ذاتية رقم 7/2012)(ص ص 15
و 16):www.ces.ma.
LES Normes-
éd Le Moniteur des travaux publics et du batiments- Collection Cahier pratique- n° 5664 /15 juin
2012 -Paris( Consultation sur WWW.lemoniteur.fr).
[4] راجع الظهير الشريف رقم 1.10.15 الصادر في 26
صفر 1431 ( 11فبراير 2010)، بتنفيذ القانون رقم 12.06؛ الجريدة الرسمية عدد 5822،
الصادر في فاتح ربيع الآخر 1431 ( 18 مارس 2010).
[5] يلاحظ الاختلاف بين هذا النص الواسع الذي يشمل
المؤسسات التي لها طابع تجاري، في حين أن عقود الصفقات العمومية، الخاضعة لمرسوم
2013، هي مؤسسات إدارية، و ليس لها طابعا تجاريا ( لا تهدف إلى تحقيق الربح)، لأن
هذه تخضع لقواعد القانون الخاص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق